موسوعة التفسير

سورةُ الكَهفِ
الآيات (1-6)

ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ

غريب الكلمات:

عِوَجًا: أي: زَيغًا وتَحريفًا، وأصْلُ (عوج): يدلُّ على المَيلِ في الشَّيءِ .
قَيِّمًا: أي: مُستَقيمًا، أو مُقَوِّمًا لأمورِ مَعاشِهم ومَعادِهم، وأصلُ (قوم): يَدُلُّ على انتِصابٍ أو عَزمٍ .
كَبُرَتْ: أي: عَظُمَت، وأصلُ (كبر): يدُلُّ على خِلافِ الصِّغَرِ .
بَاخِعٌ: أي: قاتِلٌ ومُهلِكٌ، وأصلُ (بخع): يَدلُّ على الجَهدِ .
على آثَارِهِمْ: أي: مِن بَعدِ تَوَلِّيهم وإعراضِهم عنك،  يقال: جئتُ على أثرِ فلانٍ، كأنَّ المرادَ أثرُ سلوكِه الطريقَ، ثم استعمل بمعنى (بَعْدَ)، فيُقال: مات فلانٌ على أثرِ فلانٍ، أي: بعدَه، وأصلُه من الأثَرِ: الذي هو العَلامةُ .

مشكل الإعراب:

1- قَولُه تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ...
قولُه: قَيِّمًا: في نصبِه أوجهٌ، أحدُها: أنَّه حالٌ مِن الْكِتَابَ، وقولُه: وَلَمْ يَجْعَلْ اعتراضٌ بينهما. الثاني: أنَّه حالٌ مِن الهاءِ في لَهُ. الثالث: أنَّه منصوبٌ بفعلٍ مقدَّرٍ، تقديرُه: (جعَلَه أو: أنزله قيِّمًا)، وجملتُه مستأنفةٌ. الرابع: أنَّه حالٌ ثانيةٌ، وقولُه: وَلَمْ يَجْعَلْ حالٌ أيضًا، والتقديرُ: أنزَله غيرَ جاعلٍ له عوجًا، قيمًا .
2- قولُه تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ
قوله: كَلِمَةً: تمييزٌ منصوبٌ، والفاعلُ مُضمَرٌ، أي: كبُرَت مقالتُهم .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى مفتتحًا هذه السورةَ بالثناءِ على نفسِه: الحَمدُ لله الذي أنزل على عَبدِه ورَسولِه مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم القُرآنَ، ولم يَجعَلْ فيه زيغًا أو ميلًا عن الحَقِّ، أنزله مُستَقيمًا، قائِمًا على مَصالِحِ العِبادِ، مُهيمِنًا على سائِرِ الكُتُبِ الإلهيَّةِ، مُصَدِّقًا لها، وشاهِدًا بصِحَّتِها؛ لِيُنذِرَ به الكافِرينَ عذابًا شديدًا مِن عِندِه، ويُبَشِّرَ المُؤمِنينَ الذين يَعمَلونَ الأعمالَ الصَّالِحاتِ بأنَّ لهم ثوابًا جَزيلًا، وهو الجَنَّةُ، مقيمينَ في هذا الثوابِ لا يُفارِقونَه أبدًا، ويُنذِرَ به كذلك الكافِرينَ الذين قالوا: اتَّخذَ اللهُ وَلَدًا، ما لهؤلاء المُشرِكينَ شَيءٌ مِن العِلمِ على ما يَدَّعونَه لله مِن اتِّخاذِ الوَلَدِ، كما لم يكُنْ لآبائِهم الجاهِلينَ.
ثمَّ ذمَّهم الله تعالى ذمًّا شديدًا على قولِهم هذا، فقال: عَظُمَت هذه المَقالةُ الشَّنيعةُ كلمةً تَخرُجُ مِن أفواهِهم، ما يَقولُونَ إلَّا قَولًا كاذِبًا.
ثم قال تعالى مسليًا رسولَه صلَّى الله عليه وسلَّم عمَّا أصابه مِن حزنٍ بسببِ إعراضِ المشركينَ عن دعوةِ الحقِّ: فلعَلَّك -يا محمَّدُ- قاتِلٌ نَفسَك غمًّا وحُزنًا على تولِّي هؤلاء وإعراضِهم عنك، إنْ لم يُصَدِّقوا بهذا القُرآنِ ويَعمَلوا به!

تفسير الآيات:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1).
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ.
أي: الحَمدُ لله الذي أنزَلَ على عَبدِه مُحَمَّدٍ القُرآنَ .
وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا .
أي: أنزَلَه على عَبدِه والحالُ أنَّه لم يَجعَلْ فيه أيَّ نَوعٍ مِن المَيلِ والزَّيغِ عن الحَقِّ، والتَّناقُضِ والاختِلافِ، والخللِ في ألفاظِه ومَعانيه؛ فأخبارُه صادِقةٌ، وأحكامُه عادِلةٌ .
كما قال تعالى: قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ [الزمر: 28] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء: 82] .
وقال سُبحانَه: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام: 115] .
قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2).
قَيِّمًا.
أي: أنزله مُستَقيمًا ، قائِمًا على مَصالِحِ العِبادِ في دِينهم ودُنياهم ، مُهيمِنًا على سائِرِ الكُتُبِ الإلهيَّةِ، مُصَدِّقًا لها، وشاهِدًا بصِحَّتِها .
كما قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: 9] .
لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ.
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَرَ اللهُ تعالى أنَّه أنزَلَ على عَبْدِه الكِتابَ المَوصوفَ بهذه الصِّفاتِ المَذكورةِ؛ أردَفَه ببَيانِ ما لأجْلِه أنزَلَه
لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ.
أي: أنزَلَ اللهُ القُرآنَ على نَبيِّه مُحَمَّدٍ؛ لِيُنذِرَ الكافِرينَ عَذابًا شَديدًا في الدُّنيا والآخِرةِ، يأتيهم مِن عِندِ اللهِ .
كما قال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ [الأنعام: 19] .
  وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا.
أي: وأنزَلَ اللهُ القُرآنَ على نَبيِّه؛ لِيُبَشِّرَ المُؤمِنينَ باللهِ ورَسولِه وبِكُلِّ ما يَجِبُ عليهم الإيمانُ به، وقد صَدَّقوا إيمانَهم بقِيامِهم بالأعمالِ الصَّالِحةِ؛ يُبَشِّرُهم بأنَّ لهم ثَوابًا عَظيمًا جَميلًا، وهو الجنةُ .
كما قال تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 25] .
وقال سُبحانَه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الإسراء: 9- 10] .
مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3).
أي: والحالُ أنَّهم باقُونَ في الأجرِ الحَسَنِ الذي أعَدَّه اللهُ لهم، بلا زَوالٍ ولا انقِطاعٍ .
كما قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء: 122] .
وقال سُبحانَه: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التوبة: 21، 22].
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا كان الغالبُ على الإنسانِ المخالَفةَ للأوامِرِ؛ لِما جُبِلَ عليه من النقائِصِ- كان الإنذارُ أهمَّ، فأعاده لذلك، ولأنَّ المقامَ له؛ تبكيتًا لليهودِ المضِلِّين لهؤلاء العرَبِ ولِمن قال بمقالتِهم .
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4).
أي: ويُنذِرَ الكافِرينَ -الذينَ قالوا: اتَّخَذ اللهُ لِنَفسِه ولَدًا- عَذابَه الشَّديدَ في العاجِلِ والآجِلِ .
  مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5).
  مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ.
أي: ما للقائِلينَ بذلك أيُّ شَيءٍ مِن العِلمِ بأنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ لنَفسِه ولَدًا، ولا لآبائِهم الجاهِلينَ مِن قَبلِهم الذين قالوا بمِثلِ قَولِهم .
كما قال تعالى: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ [النساء: 157].
وقال سُبحانَه: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ [الصافات: 69، 70].
كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ.
أي: عَظُمَت كَلِمتُهم هذه كَلِمةً تخرُجُ مِن أفواهِهم، بقَولِهم: اتَّخذَ اللهُ وَلَدًا، فما أشنَعَها مِن مَقالةٍ، وما أفظَعَ اجتِراءَهم على التلَفُّظِ بها !
كما قال تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا [مريم: 88 - 91].
إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا.
أي: ما يَقولُ القائِلونَ بنِسبةِ الوَلَدِ إلى اللهِ إلَّا كَذِبًا على اللهِ تعالى؛ فهو قَولٌ مُنافٍ للصِّدقِ، مُخالِفٌ للواقِعِ، لا حَقيقةَ له بوَجهٍ مِنَ الوُجوهِ .
فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6).
أي: فلعلَّك -يا مُحَمَّدُ- قاتِلٌ نَفسَك ومُهلِكُها؛ لشِدَّةِ الحزنِ بعدَ تَولِّيهم وإعراضِهم عنك، إن لم يُؤمِنوا بهذا القُرآنِ الذي أنزلتُه عليكَ .
كما قال تعالى: وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران: 176] .
وقال عزَّ وجلَّ: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء: 3] .
وقال جلَّ جلالُه: فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [فاطر: 8] .
وقال سُبحانَه: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ [الحجر: 87 - 89] .

الفوائد التربوية:

1- قَولُه تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ خبرٌ مِن الله تعالى  أنَّه حمِد نفسَه، وفي ضمنِه إرشادُ العبادِ ليحمَدوه على إرسالِ الرسولِ إليهم، وإنزالِ الكتابِ عليهم .
2- قال الله تعالى: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ذكَرَ نَفيَ العَيبِ أوَّلًا، فقال: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ثمَّ إثباتَ الكَمالِ ثانيًا، فقال: قَيِّمًا، فـ «التَّخليةُ قَبلَ التَّحليةِ»، يعني: قبل أن تُحَلِّيَ الشَّيءَ أخْلِ المَكانَ عَمَّا يُنافي التحَلِّيَ، ثُمَّ حَلِّه .
3- قولُه تعالى: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ يُفيدُ أنَّه لا بدَّ مع الإيمانِ مِن العَمَلِ الصَّالحِ، فلا يَكفي الإيمانُ وَحْدَه، بل لا بُدَّ مِن عَمَلٍ صالِحٍ؛ ولهذا قيلَ لبَعضِ السَّلَفِ: (أليس مِفتاحُ الجنَّةِ: لا إلهَ إلَّا اللهُ؟ يعني: فمَن أتى به فُتِحَ له، قال: بلى، ولكِنْ هل يَفتحُ المِفتاحُ بلا أسنانٍ؟!) .
4- قَولُ الله تعالى: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ذِكْرُ الإيمانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ؛ للإشارةِ إلى أنَّ استِحقاقَ ذلك الأجرِ بحُصولِ هَذينِ الأمرَينِ .
5- قال اللهُ تعالى: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا قَولُه في هذه الآيةِ الكَريمةِ: الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ بَيَّنَت المرادَ به آياتٌ أُخَرُ، فدَلَّت على أنَّ العَمَلَ لا يكونُ صالِحًا إلَّا بثلاثةِ أُمورٍ:
الأوَّلُ: أن يكونَ مُطابِقًا لِما جاء به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فكُلُّ عَمَلٍ مُخالِفٍ لِما جاء به صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليه، فليس بصالحٍ، بل هو باطِلٌ؛ قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر: 7] ، وقال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء: 80] ، وقال: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: 31] ، وقال: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى: 21] ، إلى غيرِ ذلك مِنَ الآياتِ.
الثَّاني: أن يكونَ العامِلُ مُخلِصًا في عملِه لله فيما بينَه وبينَ اللهِ؛ قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: 5] ، وقال: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ [الزمر: 11 - 15] ، إلى غيرِ ذلك مِنَ الآياتِ.
الثَّالِثُ: أن يكونَ العملُ مَبنيًّا على أساسِ الإيمانِ والعَقيدةِ الصَّحيحةِ؛ لأنَّ العملَ كالسَّقفِ، والعَقيدةَ كالأساسِ؛ قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النحل: 97] ، فجعل الإيمانَ قَيدًا في ذلك .
6- قَولُ الله تعالى: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا في هذه الآيةِ ونَحوِها عِبرةٌ؛ فإنَّ المأمورَ بدُعاءِ الخَلقِ إلى اللهِ عليه التَّبليغُ والسَّعيُ بكُلِّ سَبَبٍ يُوصِلُ إلى الهِدايةِ، وسَدِّ طُرُقِ الضَّلالِ والغَوايةِ، بغايةِ ما يُمكِنُه، مع التوكُّلِ على اللهِ في ذلك، فإن اهتَدَوا فبها ونِعْمَتْ، وإلَّا فلا يَحزَنْ ولا يأسَفْ؛ فإنَّ ذلك مُضعِفٌ للنَّفسِ، هادِمٌ للقُوَى، ليس فيه فائِدةٌ، بل يَمضِي على فِعْلِه الذي كُلِّفَ به وتَوَجَّه إليه، وما عدا ذلك فهو خارِجٌ عن قُدرتِه، وإذا كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ اللهُ له: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص: 56] ، وموسى عليه السَّلامُ يقولُ: رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي [المائدة: 25] الآية، فمَن عداهم مِن بابِ أَولى وأَحرى؛ قال تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: 21- 22] .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ لَمَّا كان المُرادُ وَصفَ جُملةِ الكِتابِ بالإعجازِ مِن غَيرِ نَظَرٍ إلى التَّفريقِ والتَّدريجِ، عَبَّرَ بالإنزالِ دونَ التَّنزيلِ .
2- قَولُ الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ رَتَّبَ استِحقاقَ الحَمدِ على إنزالِه؛ تَنبيهًا على أنَّه أعظَمُ نَعْمائِه؛ وذلك لأنَّه الهادي إلى ما فيه كَمالُ العِبادِ، والدَّاعي إلى ما به يَنتَظِمُ صَلاحُ المَعاشِ والمَعادِ .
3- قَولُ الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ خَصَّ رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالذِّكرِ؛ لأنَّ إنزالَ القُرآنِ عليه كان نِعمةً عليه على الخُصوصِ، وعلى سائِرِ النَّاسِ على العُمومِ .
4- قَولُ الله تعالى: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا في وَصْفِه بالحُسنِ دَلالةٌ على أنَّه لا مُكَدِّرَ فيه ولا مُنَغِّصَ بوَجهٍ مِن الوُجوهِ؛ إذ لو وُجِدَ فيه شَيءٌ مِن ذلك لم يكُنْ حُسنُه تامًّا .
5- في قَولِه تعالى: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا سَمَّى اللهُ عزَّ وجَلَّ ثوابَ الأعمالِ أجرًا؛ لأنَّها في مُقابلةِ العَمَلِ، وهذا مِن عَدْلِه جَلَّ وعَلا؛ أن يُسَمِّيَ الثَّوابَ الذي يُثيبُ به الطَّائِعَ أجرًا؛ حتى يَطمَئِنَّ الإنسانُ لِضَمانِ هذا الثَّوابِ؛ لأنَّه مَعروفٌ أنَّ الأجيرَ إذا قام بعَمَلِه فإنَّه يَستَحِقُّ الأجرَ .
6- قَولُ الله تعالى: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا مَعطوفٌ على قَولِه: لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ [الكهف: 2] ، والمعطوفُ يغايِرُ المَعطوفَ عليه؛ فالأوَّلُ عامٌّ في حَقِّ كُلِّ مَن استَحَقَّ العذابَ، والثَّاني خاصٌّ بمن أثبَتَ للهِ ولَدًا، وعادةُ القرآنِ جارِيةٌ بأنَّه إذا ذَكَرَ قَضيَّةً كُلِّيَّةً عَطَفَ عليها بعضَ جُزئيَّاتِها؛ تَنبيهًا على كَونِه أعظَمَ جُزئيَّاتِ ذلك الكُلِّيِّ، كقَولِه تعالى: وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ [البقرة: 98] ، فكذا هاهنا العَطفُ يَدُلُّ على أنَّ أقبَحَ أنواعِ الكُفرِ والمَعصيةِ إثباتُ الوَلَدِ لله تعالى .
7- قَولُ الله تعالى: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا يظهَرُ فيه كيف أبطل اللهُ تعالى قَولَهم بالتَّدريجِ والانتقالِ مِن شَيءٍ إلى أبطَلَ منه؛ فأخبر أولًا أنَّه مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لَآبَائِهِمْ والقَولُ على اللهِ بلا عِلمٍ: لا شَكَّ في مَنعِه وبُطلانِه، ثم أخبر ثانيًا أنَّه قولٌ قَبيحٌ شَنيعٌ، فقال: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ، ثمَّ ذكَر ثالثًا مرتبَتَه مِن القُبحِ، وهو الكَذِبُ المنافي للصِّدقِ .
8- حيث وُجِدَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ -بل وفي كلامِ العَرَبِ نَظمِه ونَثْرِه- لَفظُ (كَلِمة)؛ فإنَّما يُرادُ به المفيدُ الذي تُسَمِّيه النُّحاةُ جُملةً تامَّةً، كقَولِه تعالى: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [الكهف: 4-5] ، وقَولِه تعالى: وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا [التوبة: 40] ، وقَولِه تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران: 64] ، وقَولِه تعالى: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ [الزخرف: 28] ، وقَولِه تعالى: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا [الفتح: 26] ، وقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أصدَقُ كَلِمةٍ قالها شاعِرٌ كَلِمةُ لَبيدٍ:
ألا كُلُّ شَيءٍ ما خلا اللهَ باطِلُ ))
.
9- قَولُ الله تعالى: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا فيه أنَّ كُلَّ خبرٍ لا يطابِقُ المخبَرَ عنه فهو كذِبٌ، سواءٌ عَلِمَ القائِلُ بكَونِه مطابِقًا أو لم يعلَمْ؛ فإنَّه تعالى وصف قولَهم بإثباتِ الولَدِ لله بكونِه كَذِبًا، مع أنَّ الكثيرَ منهم يقولُ ذلك، ولا يعلم كونَه باطِلًا .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا
     - قولُه: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا جُملةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ تُفيدُ استحقاقَه أكمَلَ الحمدِ، فأخبَرَ أنَّ مُستحِقَّ الحمدِ هو اللهُ تعالى لا غيرُه، فأجْرَى على اسمِ الجَلالةِ الوصفَ بالموصولِ؛ تَنويهًا بمضمونِ الصِّلةِ، وإيذانًا بعِظَمِ شأنِ التَّنزيلِ الجليلِ، ولِمَا يُفيدُه الموصولُ من تَعليلِ الخبرِ .
     - وموقعُ الافتتاحِ بهذا التَّحميدِ كموقعِ الخُطبةِ؛ يُفتتَحُ بها الكلامُ في الغرَضِ المُهمِّ، وافْتُتِحتْ بالتَّحميدِ على إنزالِ الكتابِ؛ للتَّنويهِ بالقُرآنِ. وأُدْمِجَ فيه إنذارُ المُعانِدين الَّذين نسَبوا للهِ ولدًا، وبِشارةُ المُؤمِنين، وتَسليةُ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم عن أقوالِهم، حين تريَّثَ الوحيُ لِما اقْتضَتْه سُنَّةُ اللهِ مع أوليائِه؛ من إظهارِ عتَبِه على الغَفلةِ عن مُراعاةِ الآدابِ الكاملةِ .
     - وآثَرَ التَّعبيرَ بقولِه: عَبْدِهِ، ولم يَجِئِ التَّركيبُ: (أنزَلَ عليك)؛ لِمَا في عَبْدِهِ من الإضافةِ المُقتضيةِ تَشريفَه ، وأيضًا في التَّعبيرِ عن الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالعبْدِ مُضافًا إلى ضَميرِ الجَلالةِ: تَنبيهٌ على بُلوغِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أعلى مَعارجِ العِبادةِ، وتَشريفٌ له أيَّ تَشريفٍ، وإشعارٌ بأنَّ شأنَ الرَّسولِ أنْ يكونَ عبدًا للمُرسِلِ، لا كما زعَمَتِ النَّصارى في حَقِّ عيسى عليه السَّلامُ ، وكذلك في ذِكْرِه بوصْفِ العُبوديَّةِ للهِ: تَقريبٌ لمَنزلتِه، وتَنويهٌ به بما في إنزالِ الكتابِ عليه من رِفعةِ قدْرِه .
     - وتأخيرُ المفعولِ الصَّريحِ الْكِتَابَ عن الجارِّ والمجرورِ -عَلَى عَبْدِهِ- مع أنَّ حَقَّه التَّقديمُ عليه؛ ليتَّصِلَ به قولُه تعالى: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا .
     - وجُملةُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا مُعترِضةٌ بين الْكِتَابَ وبينَ الحالِ منه وهو قَيِّمًا، ويجوزُ كونُ الجملةِ حالًا والوَاوِ حاليَّةً، والمقصودُ من هذه الجُملةِ المُعترِضةِ أو الحاليَّةِ: إبطالُ ما يَرْميه به المُشرِكون من قولِهم: (افتراهُ، وأساطيرُ الأوَّلينَ، وقولُ كاهنٍ)؛ لأنَّ تلك الأُمورَ لا تخْلو من عِوَجٍ؛ قال تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء: 82] .
     - وفي قولِه: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا عُدِّيَ الجَعْلُ باللَّامِ دونَ (في)؛ لأنَّ العِوَجَ المعنويَّ يُناسِبُه حرْفُ الاختصاصِ (اللَّامُ) دون حرْفِ الظَّرفيَّةِ (في)؛ لأنَّ الظَّرفيَّةَ من علائقِ الأجسامِ، وأمَّا معنى الاختصاصِ فهو أعَمُّ .
     - ونكَّرَ عِوَجًا ليعُمَّ جميعَ أنواعِه؛ لأنَّها نكِرةٌ في سِياقِ النَّفيِ .
2- قوله تعالى: قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا
     - قولُه: قَيِّمًا على القولِ بأنَّه قيِّمٌ بالمصالحِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ للعِبادِ؛ فيكونُ وصْفًا له بالتَّكميلِ بعدَ وصْفِه بالكمالِ. وعلى القولِ بأنَّ معنى قَيِّمًا على ما قبْلَه من الكتُبِ السَّماويَّةِ، شاهِدًا بصِحَّتِها، ومُهيمنًا عليها، أو مُتناهيًا في الاستقامةِ؛ فيكونُ قولُه: قَيِّمًا تأكيدًا لِما دَلَّ عليه نفْيُ العِوَجِ، مع إفادةِ كونِ ذلك من صِفاتِه الذَّاتيَّةِ اللَّازمةِ له، حسْبَما تُنْبِئُ عنه صِيغَةُ قَيِّمًا؛ فنفْيُ العِوَجِ معناهُ إثباتُ الاستقامةِ، وإنَّما جنَحَ إلى التَّكريرِ لفائدةٍ مُنقطعةِ النَّظيرِ، وهي التَّأكيدُ والبَيانُ؛ فرُبَّ مُستقيمٍ مَشهودٍ له بالاستقامةِ، مُجمَعٍ على استقامتِه، ومع ذلك فإنَّ الفاحِصَ المُدقِّقَ قد يجِدُ له أدنى عِوَجٍ؛ فلمَّا أثبَتَ له الاستقامةَ أزال شُبْهةَ بقاءِ ذلك الأدنى الَّذي يدِقُّ على النَّظرةِ السَّطحيَّةِ الأُولى .
     - قولُه: لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ فيه تَقديمُ الإنذارِ على التَّبشيرِ؛ لإظهارِ كَمالِ العِنايةِ بزجْرِ الكُفَّارِ عمَّا هم عليه، مع مُراعاةِ تَقديمِ التَّخليةِ على التَّحليةِ ، فالمقصودُ مِن إرسالِ الرُّسُلِ إنذارُ المُذنبِينَ وبِشارةُ المُطيعينَ، ولَمَّا كان دَفْعُ الضَّررِ أهَمَّ عند ذَوي العُقولِ مِن إيصالِ النَّفعِ، لا جَرَمَ قَدَّمَ الإنذارَ على التَّبشيرِ في اللَّفظِ .
     - وقولُه: لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ إيماءٌ بالتَّهديدِ للمُشرِكين بما سيَلْقونه من القتْلِ والأسْرِ بأيدي المُسلِمين، وذلك بأسٌ مِن لدُنْه تعالى؛ لأنَّه بتَقديرِه وبأمْرِه عِبادَه أنْ يفْعَلوه .
     - وفي قولِه: لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ الاقتصارُ على أحدِ مفعوليْ (أنذر) وهو المُنْذَرُ؛ وذلك لأنَّه جُعِلَ المُنذَرُ به هو الغرَضَ المسبوقَ إليه؛ فوجَبَ الاقتصارُ عليه، ولدلالةِ السِّياقِ عليه؛ لظُهورِ أنَّه يُنذِرُ الَّذين لم يُؤْمِنوا بهذا الكتابِ ولا بالمُنزَلِ عليه، ولدلالةِ مُقابِلِه عليه في قولِه: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ، ثمَّ صرَّحَ بالمُنذَرِ في قولِه حين كرَّرَ الإنذارَ، فقال: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا؛ فحُذِفَ المُنْذَرُ أوَّلًا؛ لدلالةِ الثَّاني عليه، وحُذِفَ المُنذَرُ به؛ لدلالةِ الأوَّلِ عليه، وهذا من بَديعِ الحذْفِ وجَليلِ الفصاحةِ، ولمَّا لم يُكرِّرِ البِشارةَ أتى بالمُبشَّرِ والمُبشَّرِ به. وقيل: المفعولُ الأوَّلُ لـ (يُنْذِر) مَحذوفٌ لقَصْدِ التَّعميمِ، أو تَنزيلًا للفعلِ مَنزلةَ اللَّازمِ؛ لأنَّ المقصودَ المُنذَرُ به، وهو البأسُ الشَّديدُ؛ تَهويلًا له، ولتَهديدِ المُشرِكين المُنكِرين إنزالَ القُرآنِ من اللهِ .
     - في قولِه: الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ آثرَ صِيغَةَ الاستقبالِ في الصِّلةِ يَعْمَلُونَ؛ للإشعارِ بتجدُّدِ الأعمالِ الصَّالحةِ واستمرارِها، وإجراءُ الموصولِ على مَوصوفِه المذكورِ؛ لِمَا أنَّ مدارَ قَبولِ الأعمالِ هو الإيمانُ ، وذِكْرُ الإيمانِ والعملِ الصَّالحِ؛ للإشارةِ إلى أنَّ استحقاقَ ذلك الأجْرِ بحُصولِ ذينك الأمرينِ .
     - ولمَّا كنَّى عن الجنَّةِ بقولِه: أَجْرًا حَسَنًا، قال: مَاكِثِينَ فِيهِ، أي: مُقيمينَ فيه، فجعَلَه ظرفًا لإقامتِهم، ولَمَّا كان المُكْثُ لا يَقْتضي التَّأبيدَ، قال: أَبَدًا .
3- قولُه تعالى: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا تَعليلٌ آخرُ لإنزالِ الكتابِ على عبْدِه، جُعِلَ تاليًا لقولِه: لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ باعتبارِ أنَّ المُرادَ هنا إنذارٌ مَخصوصٌ مُقابِلٌ لِمَا بَشَّرَ به المُؤمِنين، وهذا إنذارٌ بجَزاءٍ خالدين فيه، وهو عذابُ الآخرةِ؛ فإنْ جرَيْتَ على تَخصيصِ البأسِ في قولِه: بَأْسًا شَدِيدًا بعذابِ الدُّنيا، كان هذا الإنذارُ مُغايرًا لِما قبْلَه، وإنْ جرَيْتَ على شُمولِ البأْسِ للعذابَينِ، كانت إعادةُ فعْلِ (يُنذِر) تأكيدًا، فكان عطْفُه باعتبارِ أنَّ لمفعولِه صِفَةً زائدةً على معنى مفعولِ فعْلِ (يُنذِر) السَّابقِ، يُعْرَفُ بها الفريقُ المُنْذَرون بكِلا الإنذارَينِ، وهو يُومِئُ إلى المُنْذَرينَ المحذوفِ في قولِه: لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا، ويُغْني عن ذِكْرِه، وهذه العِلَّةُ أثارَتها مُناسبةُ ذِكْرِ التَّبشيرِ قبْلَها، وقد حُذِفَ هنا المُنذَرُ به؛ اعتمادًا على مُقابِلِه المُبشَّرِ به .
     - قولُه: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا خَصَّهم بالذِّكرِ -أي: ويُنذِرَ من بين سائرِ الكفَرةِ هؤلاء المُتفوِّهينَ بمثْلِ هذه العظيمةِ خاصَّةً-، وكرَّرَ الإنذارَ مُتعلِّقًا بفرقةٍ خاصَّةٍ ممَّن عَمَّه الإنذارُ السَّابقُ من مُستحقِّي البأسِ الشَّديدِ؛ للإيذانِ بكَمالِ فَظاعةِ حالِهم لغايةِ شَناعةِ كُفْرِهم وضَلالِهم .
     - والتَّعبيرُ عن هؤلاءِ بالموصولِ وصِلَتِه الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا؛ لأنَّهم قد عُرِفوا بهذه المقالةِ بين أقوامِهم وبين المُسلِمين؛ تَشنيعًا عليهم بهذه المقالةِ، وإيماءً إلى أنَّهم استحقُّوا ما أُنْذِروا به لأجْلِها ولغيرِها؛ فمضمونُ الصِّلةِ من مُوجباتِ ما أُنْذِروا به؛ لأنَّ العِللَ تتعدَّدُ ؛ فترْكُ إجراءِ الموصولِ على الموصوفِ كما فعَلَ في قولِه تعالى: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ للإيذانِ بكِفايةِ ما في حيِّزِ الصِّلةِ في الكُفْرِ على أقبْحِ الوُجوهِ .
     - وإيثارُ صِيغَةِ الماضي قَالُوا في الصِّلةِ؛ للدَّلالةِ على تحقُّقِ صُدورِ تلك الكلمةِ القبيحةِ عنهم فيما سبَقَ .
4- قوله تعالى: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا
     - قولُه: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ (مِن) لتَوكيدِ النَّفيِ ، وفائدةُ ذِكْرِ هذه الحالِ أنَّها أشنَعُ في كُفْرِهم، وهي أنْ يقولوا كذِبًا ليس لهم فيه شُبهةٌ؛ فأُطْلِقَ العِلْمُ على سبَبِ العلْمِ، كما دَلَّ عليه قولُه تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ [المؤمنون: 117] .
     - وعُطِفَ وَلَا لِآبَائِهِمْ لِقَطعِ حُجَّتِهم؛ لأنَّهم كانوا يقولونَ: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف: 23] ، فإذا لم يكُنْ لآبائِهم حُجَّةٌ على ما يقولون، فليسوا جَديرين بأنْ يُقلِّدوهم .
     - وجُملةُ: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ استئنافٌ بالتَّشاؤُمِ بذلك القولِ الشَّنيعِ. وفِعْلُ كَبُرَتْ مُستعملٌ في التَّعجُّبِ مِن كُبْرِ هذه الكلمةِ في الشَّناعةِ بقَرينةِ المقامِ، ودَلَّ على قصْدِ التَّعجيبِ منها انتصابُ كَلِمَةً على التَّمييزِ؛ إذ لا يَحتمِلُ التَّمييزُ هنا معنًى غيرَ أنَّه تَمييزُ نِسبةِ التَّعجُّبِ، ووجْهُ فصْلِ الجُملةِ: أنَّها مُخالِفةٌ للَّتي قبْلَها بالإنشائيَّةِ المُخالِفةِ للخبريَّةِ .
     - وجُملةُ تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ صِفةٌ لـ كَلِمَةً، مقصودٌ بها استعظامُ جُرأتِهم على النُّطقِ بها ووَقاحتِهم في قولِها ، والتَّعبيرُ بالفعْلِ المُضارِعِ تَخْرُجُ؛ لاستحضارِ صُورةِ خُروجِها من أفواهِهم؛ تَخييلًا لفَظاعتِها. وفيه إيماءٌ إلى أنَّ مِثلَ ذلك الكلامِ ليس له مَصدرٌ غَيرُ الأفواهِ؛ لأنَّه لاستحالتِه تتلقَّاهُ وتنطِقُ به أفواهُهم، وتسمَعُه أسماعُهم، ولا تتعقَّلُه عُقولُهم؛ لأنَّ المُحالَ لا يَعتقِدُه العقْلُ ولكنَّه يتلقَّاهُ المُقلِّدُ دونَ تأمُّلٍ ، فصوَّر فَظاعةَ اجترائِهم على النُّطقِ بها بقولِه تعالى: تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ، أي: لم يَكفِهم خُطورُها في نُفوسِهم، وتَردُّدُها في صُدورِهم، حتى تَلفَّظوا بها، وكان تلفُّظُهم بها على وجهِ التكريرِ- بما أشارَ إليه التعبيرُ بالمضارعِ .
     - وجُملةُ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا مُؤكِّدةٌ لمَضمونِ جُملةِ تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ؛ لأنَّ الشَّيءَ الَّذي تنطِقُ به الألسُنُ، ولا تحقُّقَ له في الخارجِ ونفْسِ الأمر، هو الكذِبُ، أي: تخرُجُ من أفواهِهم خُروجَ الكذِبِ، فما قولُهم ذلك إلَّا كذِبٌ، أي: ليستْ له صِفةٌ إلَّا صِفةُ الكذبِ. هذا إذا جُعِلَ القولُ المأخوذُ من يَقُولُونَ خُصوصَ قولِهم: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا [الكهف: 4] ، وعلى حمْلِ يَقُولُونَ على العُمومِ في سِياقِ النَّفيِ، أي: لا يَصدُرُ منهم قولٌ إلَّا الكذبُ؛ فيكونُ قصْرًا إضافيًّا ، أي: ما يقولونَه في القُرآنِ والإسلامِ، أو: ما يقولونَه من مُعتقداتِهم المُخالفةِ لِما جاء به الإسلامُ؛ فتكونُ جُملةُ إِنْ يَقُولُونَ تَذييلًا .
5- قولُه تعالى: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا تَفريعٌ على جُملةِ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا باعتبارِهم مُكذِّبينَ كافرينَ؛ بقَرينةِ مُقابَلةِ المُؤمِنين بهم في قولِه: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ، ثمَّ قولِه: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، و(لعلَّ) هنا مُستعملةٌ في تَحذيرِ الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من الاغتمامِ والحُزْنِ على عدَمِ إيمانِ مَن لم يُؤْمِنوا من قومِه، وذلك في معنى التَّسليةِ لقِلَّةِ الاكتراثِ بهم، وكأنَّ هذا الكلامَ سِيقَ إلى الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عليه وسلمَ في آخرِ أوقاتِ رَجائِه في إيمانِهم؛ إيماءً إلى أنَّهم غيرُ صائرينَ إلى الإيمانِ، وتهيئةً لنفْسِه أنْ تتحمَّلَ ما سيَلقاه من عِنادِهم؛ رأفةً مِن ربِّه به؛ ولذلك قال: إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ بصِيغَةِ الفعْلِ المُضارِعِ المُقتضيةِ الحُصولَ في المُستقبلِ، أي: إنِ استمَرَّ عدَمُ إيمانِهم .
     - وفي قولِه: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا تَشبيهٌ تَمثيليٌّ بليغٌ مَصونٌ عن الابتذالِ؛ حيث شبَّهَه تعالى وإيَّاهم حين تولَّوا عنه ولم يُؤْمِنوا به، وأصَرُّوا على المُكابَرةِ والعِنادِ واللَّجاجِ بالسَّفسطةِ الباطلةِ، ثمَّ ما تداخَلَه من جرَّاءِ ذلك؛ من أسَفٍ على تولِّيهم، وإشفاقٍ عليهم لسُوءِ الأمْرِ الَّذي تؤولُ إليه أُمورُهم؛ شَبَّه ذلك سُبحانَه برجُلٍ فارَقَه أحِبَّتُه وأعِزَّتُه، فهو يتساقَطُ حَسراتٍ على آثارِهم، ويبخَعُ نفْسَه وجْدًا عليهم، وتلهُّفًا على فراقِهم، وأتى بهذه الصُّورةِ الفريدةِ صِيانةً لتَشبيهِه من الابتذالِ؛ فإنَّ اللهَ تعالى أراد أنْ يُسلِّيَ نَبِيَّه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنْ يُخفِّفَ عنه ما ألَمَّ به مِن هَمٍّ وألَمٍ، فعرَضَ الموقِفَ بصِيغَةِ التَّرجِّي فَلَعَلَّكَ، وإنْ كان المُرادُ به النَّهيَ، أي: لا تبخَعْ نفْسَك ولا تُهْلِكْها من أجْلِ غَمِّك على عدَمِ إيمانِهم .
     - قولُه: بِهَذَا الْحَدِيثِ إشارةٌ إلى القُرآنِ؛ لأنَّه لحُضورِه في الأذهانِ كأنَّه حاضرٌ في مَقامِ نُزولِ الآيةِ؛ فأُشِيرَ إليه بذلك الاعتبارِ، وأتَى باسمِ الإشارةِ (هذا) لزِيادةِ تَمييزِه؛ تَقويةً لحُضورِه في الأذهانِ .