موسوعة التفسير

سورةُ الإسراءِ
الآيات (97-100)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ

غريب الكلمات:

وَبُكْمًا: أي: لا يَنطِقونَ، جمعُ أبكَمَ، وهو الذي يُولَدُ أخرَسَ، فكُلُّ أبكَمَ أخرَسُ، وليس كلُّ أخرَسَ أبكَمَ، وأصلُ (بكم): يدُلُّ على الخَرَسِ .
وَصُمًّا: أي: لا يسمعونَ، والصُّمُّ جمْعُ أصَمَّ، والصَّمَم فُقدانُ حاسَّة السَّمْع، وأصْلُه: الصَّلابةُ، وقيل: السَّدُّ، أو: تَضامُّ الشِّيءِ، وزوالُ الخَرقِ والسَّمِّ (الثقب) .
خَبَتْ: أي: سَكَنَ لَهَبُها، وصار عليها خِباءٌ مِن رَمادٍ، أي: غِشاءٌ .
وَرُفَاتًا: أي: فُتاتًا، وما تناثَر وبَلِي مِن كلِّ شيءٍ، وأصلُ (رفت): يدلُّ على فتٍّ ولَيٍّ .
قَتُورًا: أي: بخيلًا مُمسِكًا، والقَتْرُ: تقليلُ النَّفَقةِ، وهو بإزاءِ الإسرافِ، وأصلُ (قتر): يدُلُّ على تجميعٍ وتضييقٍ .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى: ومَن يَهْدِه اللهُ فهو المُهتَدي إلى الحَقِّ، ومَن يُضلِلْه فيَخذُلْه ويَكِلْه إلى نَفسِه فلن تجدَ لهم -يا محمدُ- ناصرينَ ينصرونَهم، ويهدونَهم إلى طريقِ الحقِّ مِن دُونِ اللهِ، ونَحشُرُ هؤلاء الضَّالين على وُجوهِهم عُمْيًا لا يَرَونَ، وبُكْمًا لا يَنطِقونَ، وَصُمًّا لا يَسمَعونَ، مَصيرُهم جهنَّمُ، كُلَّما سَكَن لَهيبُها في أجسادِهم زِدْناهم نارًا مُلتَهِبةً مُتأجِّجةً، ذلك العذابُ بسَبَبِ كُفرِهم بآياتِنا وحُجَجِنا، وقَولِهم إنكارًا للبَعثِ: أئِذا مِتْنا وصِرْنا عِظامًا باليةً نُبعَثُ بعد ذلك خَلْقًا جديدًا؟! أَولَم يَعلَمْ هؤلاء المُشرِكونَ أنَّ اللهَ الذي خلقَ السَّمَواتِ والأرضَ على غيرِ مِثالٍ سابقٍ، قادِرٌ على أن يُعيدَ خَلقَهم بعد فَنائِهم؟ وقد جعل اللهُ لهؤلاء المُشرِكينَ وَقتًا مُحَدَّدًا لِمَوتِهم وبَعثِهم لا شَكَّ في مَجيئِه، فأبى الكافِرونَ إلَّا جُحودًا وإنكارًا لبَعْثِهم!
قُلْ -يا مُحمَّدُ- لهؤلاء المُشرِكينَ: لو كُنتُم تَملِكونَ خزائِنَ الرِّزقِ، إذَن لبَخِلتُم بها، فلم تُعطُوا أحدًا شيئًا؛ خَوفًا مِن أن تنفَدَ فتُصبِحوا فُقَراءَ، وكان الإنسانُ مفطورًا على البُخلِ!

تفسير الآيات:

وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا أجاب اللهُ تعالى عن شُبُهاتِ القَومِ الكافرينَ في إنكارِ النبُوَّةِ، وأردَفَها بالوَعيدِ الإجماليِّ، وهو قَولُه: إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا [الإسراء: 96] ؛ ذكَرَ بَعْدَه الوعيدَ الشَّديدَ على سبيلِ التَّفصيلِ .
وأيضًا لمَّا تقدَّمَ دعوةُ الرَّسولِ إلى الإيمانِ، وتحدَّى بالمُعجِزِ الَّذي آتاهُ اللهُ، ولجُّوا في كُفْرِهم وعِنادِهم، ولم يُجْدِ فيهم ما جاء به من الهُدى؛ أخبَرَ بأنَّ ذلك كلَّه راجعٌ إلى مَشيئتِه تعالى، وأنَّه هو الهادي وهو المُفضِّلُ، فسلَّاه الله بذلك، وأخبَرَ تعالى على سَبيلِ التَّهديدِ لهم، والوعيدِ الصِّدْقِ لحالِهم وقْتَ حشْرِهم يومَ القيامةِ .
وأيضًا لَمَّا تقَدَّمَ أنَّ الله تعالى أعلَمُ بالمُهتَدي والضَّالِّ، وكان خَتمُ الآيةِ الماضيةِ مُرشِدًا إلى أنَّ المعنى: فمَن عَلِمَ منه بجوابِه قابليَّةً للخَيرِ، وفَّقَه للعَمَلِ على تلك المُشاكَلةِ، ومَن عَلِمَ منه قابليَّةً للشَّرِّ أضَلَّه- عطَفَ عليه قَولَه تعالى :
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ.
أي: ومَن يَهْدِه اللهُ فيُوفِّقْه للإيمانِ به وبِرَسولِه وبما جاء به، فهو المُهتَدي حَقًّا .
وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ.
أي: ومَن يُضلِلْه اللهُ عن الحَقِّ، فيَخذُلْه عن الإيمانِ باللهِ ورَسولِه، فلن تَجِدَ لهم -يا مُحمَّدُ- ناصِرينَ مِن دونِ اللهِ يُنقِذونَهم مِن عذابِه، ويَهدونَهم إلى الحَقِّ .
كما قال تعالى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ [الرعد: 33، 34].
وقال سُبحانَه: وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [الكهف: 17].
وقال عزَّ وجلَّ: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ [الشورى: 44] .
وقال جلَّ جَلالُه: وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ [الشورى: 46] .
وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا.
أي: ونجمَعُ الضَّالِّينَ يومَ القيامةِ وهم يَمشُونَ على وُجوهِهم عُمْيًا لا يُبصِرونَ، وبُكْمًا لا يتكَلَّمونَ، وصُمًّا لا يَسمَعونَ .
كما قال تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [الصافات: 22- 23] .
وعن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ رَجُلًا قال: يا رَسولَ اللهِ، كيف يُحشَرُ الكافِرُ على وَجْهِه يومَ القيامةِ؟! قال: أليسَ الذي أمشَاه على رِجْلَيه في الدُّنيا قادِرًا على أن يُمشِيَه على وَجْهِه يومَ القيامةِ ؟!)) قال قتادةُ: بلى وعِزَّةِ رَبِّنا .
مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ.
أي: مَقَرُّ الضَّالِّينَ ومَنزِلُهم جَهنَّمُ .
كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا.
أي: كُلَّما سكَنَ لَهيبُ نارِ جَهنَّمَ في أجسامِ الكافرينَ، وتهَيَّأَت للانطِفاءِ، زِدْناهم نارًا تتلَهَّبُ وتتأجَّجُ في أجسامِهم .
كما قال تعالى: وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء: 55- 56] .
وقال سُبحانَه: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ: 30] .
وقال عزَّ وجَلَّ: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [الزخرف: 74- 75] .
وقال تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر: 36] .
ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لما ذكَر اللهُ ما للكافرينَ مِن العذابِ؛ بَيَّنَ بهذه الآيةِ عِلَّةَ تَعذيبِهم؛ لِيَرجِعَ منهم مَن قضَى بسَعادتِه، فقال تعالى :
ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا.
أي: جزاءُ المُشرِكينَ بحَشرِهم على وُجوهِهم عُمْيًا وبُكمًا وصُمًّا، وإدخالِهم جهنَّمَ وزيادتِهم مِن عذابِها، هو بسَبَبِ كُفرِهم في الدُّنيا بحُجَجِنا وأدِلَّتِنا، ولم يَظلِمْهم اللهُ سُبحانَه، بل جازاهم بما يستَحِقُّونَ .
وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا.
أي: وبسَبَبِ قَولِهم إنكارًا لوُقوعِ بَعْثِهم يومَ القيامةِ: أئِذا صِرْنا في قُبورِنا عِظامًا باليةً وتُرابًا، هل سيَبعَثُنا اللهُ بعدَ مَوتِنا خلقًا جديدًا ؟!
كما قال تعالى: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الرعد: 5] .
وقال سُبحانَه: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [سبأ: 7] .
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا أجابَ اللهُ تعالى عن شُبُهاتِ مُنكِري النبُوَّةِ، عاد إلى حِكايةِ شُبهةِ مُنكِري الحَشرِ والنَّشرِ؛ ليُجيبَ عنها، وتلك الشُّبهةُ هي أنَّ الإنسانَ بعدَ أن يَصيرَ رُفاتًا ورَميمًا يَبعُدُ أن يَعودَ هو بعَينِه، وأجاب اللهُ عن ذلك ، فقال تعالى:
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ.
أي: أولَمْ يَنظُرْ هؤلاء المُنكِرونَ للبَعثِ فيَعلَموا أنَّ اللهَ الذي خلقَ السَّمَواتِ والأرضَ، وابتَدَعَها من العَدَمِ بقُدرتِه، على غيرِ مِثالٍ سابقٍ -وهي أعظَمُ منهم- قادِرٌ أيضًا على إعادةِ خَلقِهم بعدَ فَناءِ أجسادِهم؟! فالقادِرُ على خَلْقِ ما هو أكبَرُ وأعظَمُ منكم أقدَرُ على خَلْقِكم بلا شَكٍّ .
كما قال تعالى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [يس: 81] .
وقال سُبحانَه: لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [غافر: 57] .
وقال عزَّ وجلَّ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأحقاف: 33] .
وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ.
أي: وجعَلَ اللهُ لِمَوتِ المُشرِكينَ وبَعْثِهم يومَ القيامةِ وَقتًا مُحَدَّدًا لا شَكَّ في مَجيئِه .
كما قال تعالى: ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ [هود: 103، 104].
فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا.
أي: فأبى المُشرِكونَ إلَّا جُحودًا وتَكذيبًا بوُقوعِ بَعثِهم يومَ القيامةِ، وجُحودًا لنِعمَتِه عليهم، وتَمادِيًا في عبادةِ غَيرِه؛ ظلمًا منهم، بعدَ قيامِ الحجَّةِ عليهم .
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ الكُفَّارَ لَمَّا قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا طَلَبوا إجراءَ الأنهارِ والعُيونِ في بلدَتِهم؛ لِتَكثُرَ أموالُهم، وتتَّسِعَ عليهم مَعيشَتُهم، فبَيَّنَ اللهُ تعالى لهم أنَّهم لو مَلَكوا خزائِنَ رَحمةِ اللهِ لَبَقُوا على بُخلِهم وشُحِّهم، ولَمَا أقدَموا على إيصالِ النَّفعِ إلى أحَدٍ، وعلى هذا التَّقديرِ فلا فائدةَ في إسعافِهم بهذا المطلوبِ الذي التمَسوه .
وأيضًا فإنَّ الرَّسولَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قد منحه اللهُ ما لم يمنَحْه لأحدٍ مِن النبُوَّةِ والرِّسالةِ إلى الإنسِ والجِنِّ، فهو أحرَصُ النَّاسِ على إيصالِ الخيرِ وإنقاذِهم مِن الضَّلالِ، وهؤلاء أقرباؤه لا يكادُ يُجيبُ منهم أحَدٌ إلَّا الواحِدُ بعد الواحِدِ، قد لجُّوا في عنادِه وبَغضائِه، فلا يَصِلُ منهم إليه إلَّا الأذى! فنبَّه تعالى بهذه الآيةِ على سماحتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وبَذلِه ما آتاه الله، وعلى امتِناعِ هؤلاء أن يصِلَ منهم شيءٌ مِن الخيرِ إليه، فقال: لو مَلَكوا التصَرُّفَ في خزائنِ رَحمةِ الله الَّتي هي وَسِعَت كلَّ شَيءٍ كانوا أبخَلَ مِن كلِّ أحدٍ بما أُوتوه من ذلك، بحيث لا يصِلُ منهم لأحدٍ شَيءٌ مِن النَّفعِ؛ إذ طبيعتُهم الإقتارُ، وهو الإمساكُ عن التوسُّعِ في النَّفَقةِ، هذا مع ما أُوتوه مِن الخزائِنِ، فهذه الآيةُ جاءت مُبيِّنةً تبيِّنُ ما بينهم وبينه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن حِرصِه على نَفعِهم، وعدَمِ إيصالِ شَيءٍ مِن الخيرِ منهم إليه .
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ.
أي: قُلْ -يا مُحَمَّدُ- لهؤلاء المُشرِكينَ: لو أنَّكم تَملِكونَ ما يَملِكُه اللهُ مِن خزائِنِ الرِّزقِ، إذَنْ لأمسَكْتُم عن أن تُعطُوا منها لأحَدٍ شَيئًا؛ خَشيةً مِن الإنفاقِ لشِدَّةِ بُخلِكم، وخَوفِكم مِن الفَقرِ لنَفادِ الخَزائِنِ، مع أنَّها لا تَنفَدُ أبدًا !
كما قال تعالى: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا [النساء: 53].
وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا.
أي: وكان الإنسانُ بخيلًا مُمسِكًا مُضيِّقًا، قد طُبِع على البخلِ والشُّحِّ .
كما قال تعالى: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ [المعارج: 19 - 22] .

الفوائد التربوية:

يجِبُ على الإنسانِ أن يعتَمِدَ على اللهِ سُبحانَه وتعالى في أدَبِ أولادِه وهِدايتِهم؛ فإنَّ اللهَ تعالى هو الهادي سُبحانَه وبِحَمدِه وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وعلى هذا فالذي يُنَظِّمُ نَسْلَه أو يُحَدِّدُه خَوفًا مِن عَدَمِ القُدرةِ على تأديبِهم، هو أيضًا مُسيءُ الظَّنِّ بِرَبِّه تبارك وتعالى، وإلَّا فاللهُ سُبحانَه وتعالى بيَدِه الأمورُ .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ فيه أنَّ المُنفَرِدَ بالهِدايةِ والإضلالِ هو اللهُ وَحْدَه؛ فمَن يَهْدِه فيُيَسِّرْه لليُسرى ويُجَنِّبْه العُسرى، فهو المُهتَدي على الحقيقةِ، ومن يُضلِلْه فيَخْذُلْه ويَكِلْه إلى نَفْسِه، فلا هادِيَ له مِن دُونِ اللهِ، وليس له وليٌّ يَنصُرُه مِن عذابِ اللهِ .
2- في قَولِه تعالى: وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ حُجَّةٌ على المُعتَزِلةِ والقَدَريَّةِ .
3- قولُه تعالَى: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا هذه الآيَةُ الكريمةُ يَدُلُّ ظاهِرُها علَى أَنَّ الكُفَّارَ يُبْعَثونَ يومَ القيامةِ عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا.
وقدْ جاءتْ آياتٌ أُخَرُ تدلُّ علَى خلافِ ذلك، كقولِه تعالَى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا [مريم: 38] ، وكقولِه: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا [الكهف: 53] ، وكقولهِ: رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا [السجدة: 12] .
والجوابُ عن هذا مِنْ أوجُهٍ:
الوجهُ الأوَّلُ: كونُ المرادِ مِمَّا ذُكِر حقيقتَه، ويكونُ ذلك في مبدَأِ الأمرِ، ثُمَّ يَرُدُّ اللَّهُ تعالَى إليهم أبصارَهم ونُطْقَهم وسَمْعَهم، فيرونَ النَّارَ، ويسمعونَ زَفيرَها، وينطِقُونَ بما حَكَى اللَّهُ تعالَى عنهم في غيرِ موضِعٍ.
الوجهُ الثَّاني: أَنَّهم لا يرونَ شيئًا يَسُرُّهم، ولا يسمعونَ كذلك، ولا يَنْطِقونَ بِحُجَّةٍ، كما أَنَّهم كانوا في الدُّنْيا لا يَسْتَبْصِرونَ، ولا يَنْطِقونَ بالحقِّ، ولا يَسْمَعونَه، فنُزِّلَ ما يَقولونَه ويَسْمَعونَه ويُبْصِرونَه منزلَةَ العَدَمِ؛ لعَدَم الانتفاعِ به.
الوجهُ الثَّالثُ: أنَّ اللَّهَ إذا قال لهم: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون: 108] ، وَقَع بهم ذاك العمَى والصُّمُّ والبَكَمُ مِنْ شِدَّةِ الكربِ واليأْسِ مِنَ الفرجِ، قال تعالَى: وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ [النمل: 85] وعلى هذا القولِ تكونُ الأحوالُ الثَّلاثةُ مُقَدَّرَةً .
4- قال الله تعالى: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا المقصودُ مِن ذلك الجَمعُ بينَ التَّشويهِ والتَّعذيبِ؛ لأنَّ الوَجهَ أرَقُّ تحمُّلًا لصَلابةِ الأرضِ مِن الرِّجلِ، وهذا جزاءٌ مُناسِبٌ للجُرمِ؛ لأنَّهم رَوَّجوا الضَّلالةَ في صُورةِ الحَقِّ، ووَسَموا الحَقَّ بسِماتِ الضَّلالِ، فكان جزاؤُهم أنْ حُوِّلَت وُجوهُهم أعضاءَ مَشيٍ عِوَضًا عن الأرجُلِ، ثمَّ كانوا عُميًا جزاءَ تَعاميهم عن رؤيةِ الحقِّ، وبُكمًا جزاءَ أقوالِهم الباطلةِ على الرَّسولِ وعلى القُرآنِ، وصُمًّا جزاءَ امتِناعِهم مِن سَماعِ الحَقِّ .
5- في قَولِه تعالى: وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا أخبَرَ تعالى أنَّ الضَّالِّينَ في الدُّنيا يُحشَرونَ يومَ القيامةِ عُميًا وبُكمًا وصُمًّا؛ فإنَّ الجزاءَ أبدًا مِن جِنسِ العَمَلِ .
6- إنْ قيلَ: كيف نجمَعُ بينَ قَولِ اللهِ تعالى: مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا، وقولِه: فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ [البقرة: 86] ؟
فالجوابُ من وجوهٍ:
الوجه الأول: أنَّ كُلَّمَا خَبَتْ يقتضي سكونَ لهَبِ النَّارِ، ولا يدُلُّ هذا على أنَّه يخِفُّ العذابُ في ذلك الوقتِ .
الوجه الثاني: أنَّ الكَفَرةَ وَقودٌ للنَّارِ، كما قال تعالى: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة: 24] فإذا أحرقَتْهم النَّارُ زال اللهَبُ الذي كان متصاعِدًا من أجسامِهم، فلا يلبَثون أن يُعادوا كما كانوا، فيعود الالتِهابُ لهم، فالخَبْوُ وازديادُ الاشتِعالِ بالنِّسبةِ إلى أجسادِهم لا في أصلِ نارِ جهنَّمَ .
الوجه الثالث: أنَّ معنى الآيةِ جارٍ على طريقِ التهَكُّمِ وبادئِ الإطماعِ المُسفِرِ عن خيبةٍ؛ لأنَّه جعل ازديادَ السَّعيرِ مُقترِنًا بكلِّ زمانٍ مِن أزمنةِ الخَبْوِ، كما تفيدُه كَلِمةُ (كلَّما) التي هي بمعنى: كلَّ زمان، وهذا في ظاهرِه إطماعٌ بحُصولِ خَبوٍ لورودِ لَفظِ الخَبوِ في الظَّاهِرِ، ولكنَّه يؤولُ إلى يأسٍ منه؛ إذ يدُلُّ على دوامِ سعيرِها في كُلِّ الأزمانِ؛ لاقترانِ ازديادِ سَعيرِها بكلِّ أزمانِ خَبْوِها .
الوجه الرابع: أنَّ المعنى: إذا أرادتْ أن تخبوَ، كقولِه: وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ .
7- قَولُ اللهِ تعالى: ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا يدُلُّ على أنَّ العَمَلَ عِلَّةُ الجَزاءِ .
8- في قَولِه تعالى: أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ دَليلٌ على أنَّ الشَّاهِدَ يُستدَلُّ به على الغائِبِ، ويكونُ حَقًّا .
9- في قَولِه تعالى: أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ حُجَّةٌ في الاستِشهادِ ببَعضِ الحَقِّ على بَعضٍ .
10- في قَولِه تعالى: أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ دَليلٌ على أنَّ أحَدًا لا يَلزمُه حُجَّةٌ فيما يُخاطَبُ إلَّا مِن حيثُ يَعقِلُها ويَفهَمُها .
11- طريقةُ القُرآنِ في خِطابِ الإنسانِ مِن حَيثُ هو إنسانٌ تَتَناوَلُ الذَّمَّ له مِن حَيثُ هو إنسانٌ، كقَولِه: وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا [الإسراء: 11] ، وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا، إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات: 6] ، وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب: 72] ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ [الحج: 66] ، ونظائِرُه كثيرةٌ؛ فالإنسانُ مِن حَيثُ هو، عارٍ عن كُلِّ خَيرٍ مِن العِلمِ النَّافِعِ والعَمَلِ الصَّالِحِ، وإنَّما اللهُ سُبحانَه هو الذي يُكَمِّلُه بذلك، ويُعطيه إيَّاه، وليس له ذلك مِن نَفْسِه، بل ليس له مِن نَفْسِه إلَّا الجَهلُ المُضادُّ للعِلمِ، والظُّلمُ المُضادُّ للعَدلِ، وكُلُّ عِلمٍ وعَدلٍ وخَيرٍ فيه، فمِنْ رَبِّه سُبحانَه لا مِن نَفْسِه . فالله تعالى في قوله: وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا يَصِفُ الإنسانَ مِن حيثُ هو، إلَّا مَن وَفَّقَه اللهُ وهداه؛ فإنَّ البُخلَ والجَزَع والهَلَع صِفةٌ له .
12- قَولُ اللهِ تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا يدُلُّ هذا على كَرَمِه وجُودِه وإحسانِه، وقد جاء في الصَّحيحَينِ : ((يدُ اللهِ مَلأى لا يَغيضُها نفَقةٌ، سَحَّاءُ اللَّيلَ والنَّهارَ، أرأيتُم ما أنفَقَ مُنذُ خَلَقَ السَّمَواتِ والأرضَ؛ فإنَّه لم يَغِضْ ما في يَمينِه) ) .

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالى: وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا يجوزُ أن تكون الجُملةُ معطوفةً على جُملة وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى؛ جمعًا بين المانعِ الظاهرِ المعتادِ مِن الهُدَى، وبينَ المانِعِ الحقيقيِّ، وهو حِرمانُ التوفيقِ مِن اللهِ تعالى؛ فمَن أصَرَّ على الكُفرِ مع وُضوحِ الدَّليل لذوي العقولِ؛ فذلك لأنَّ اللهَ تعالى لم يُوفِّقْه. ويجوزُ أن تكون الجُملةُ معطوفةً على جُملة قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ؛ ارتقاءً في التَّسليةِ، أي: لا يَحزُنك عدمُ اهتدائهم؛ فإنَّ اللهَ حرَمَهم الاهتداءَ لَمَّا أخَذوا بالعِنادِ قبلَ التدبُّر في حقيقةِ الرِّسالةِ .
- قولُه: وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ إخبارٌ من اللهِ تَعالى، وليس مُندرِجًا تحت قُلْ؛ لقولِه وَنَحْشُرُهُمْ، ويحتمِلُ أنْ يكونَ مُندرِجًا؛ لمجِيءِ وَمَنْ بالواوِ، ويكونُ وَنَحْشُرُهُمْ إخبارًا من اللهِ تَعالى. وعلى القولِ الأوَّلِ يكونُ التِفاتًا؛ إذ خرَجَ من الغَيبةِ للتَّكلُّمِ .
- قولُه: وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ التَّعريفُ في الْمُهْتَدِ تعريفُ العهْدِ الذِّهنيِّ؛ فالمُعرَّفُ مُساوٍ للنَّكرةِ، فكأنَّه قيل: فهو مُهتدٍ، وفائدةُ الإخبارِ عنه بأنَّه مُهتدٍ: التَّوطئةُ إلى ذكْرِ مُقابِلِه، وهو وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ، كما يُقال: مَن عرَفَني فقد عرَفَني، ومَن لم يعْرِفني فأنا فلانٌ. ويجوزُ أنْ تجعَلَ التَّعريفَ في قولِه: الْمُهْتَدِ تعريفَ الجنْسِ؛ فيُفيدُ قصْرَ الهدايةِ على الَّذي هَداهُ اللهُ قصْرًا إضافيًّا، أي: دونَ مَن تريدُ أنت هداهُ، وأضَلَّه اللهُ. ولا يحتملُ أنْ يكونَ المعنى على القصْرِ الادِّعائيِّ الَّذي هو بمعنى الكَمالِ؛ لأنَّ الهُدى المُرادُ هنا هُدًى واحدٌ، وهو الهُدى إلى الإيمانِ .
- وفي قولِه: فَهُوَ الْمُهْتَدِ حُمِلَ على لفظِ (مَن) فأُفْرِدَ؛ مُلاحظةً لسَبيلِ الهُدى وهي واحدةٌ، فناسبَ التَّوحيدُ التَّوحيدَ، وحُمِلَ على المعنى في قولِه: فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ لا على اللَّفظِ فجُمِعَ؛ مُلاحظةً لسَبيلِ الضَّلالِ؛ فإنَّها مُتشعِّبةٌ مُتعدِّدةٌ، فناسبَ التَّشعيبُ والتَّعديدُ الجمْعَ .
- وقولُه: وَنَحْشُرُهُمْ التِفاتٌ من الغَيبةِ إلى التَّكلُّمِ؛ إيذانًا بكَمالِ الاعتناءِ بأمْرِ الحشرِ .
- وقَولُه: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا لَمَّا كان المَقامُ للانتِقالِ مِن مَقامٍ إلى آخَرَ، قدَّمَ البصَرَ؛ لأنَّه العُمدةُ في ذلك، وثنَّى بالنُّطقِ؛ لأنَّه يُمكِّنُ الأعمى الاستِرشادَ، وخَتَم بالسَّمعِ؛ لأنَّه يُمكِنُ معه وَحْدَه نَوعُ رَشادٍ. وعَطْفُها بالواوِ إن كان لِتَشريكِ الكُلِّ في كُلٍّ مِن الأوصافِ، فللتَّهويلِ؛ لأنَّ المُتكَلِّمَ إذا نطَقَ بالعاطفِ ظَنَّ السَّامِعُ الانتقالَ إلى شَيءٍ آخَرَ، فإذا أتى بالوَصفِ كان أروَعَ؛ للعِلمِ بأنَّ صاحِبَه عَريقٌ فيه، وإن كان للتَّنويعِ، فلتَصويرِهم بأقبَحِ صُورةٍ مِن حيثُ إنَّه لا ينتَفِعُ فَريقٌ منهم بالآخَرِ كبيرَ نَفعٍ .
- قولُه: مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا السَّعيرُ: لهَبُ النَّارِ، وهو مُشتقٌّ مِن سَعْرِ النَّارِ؛ إذا هُيِّجَ وَقودُها، وقد جَرى الوصفُ فيه على التَّذكيرِ تَبعًا لتذكيرِ اللَّهبِ، والمعنى: زِدْناهم لَهبًا فيها . والخبْوُ وازديادُ الاشتعالِ بالنِّسبةِ إلى أجسادِهم لا في أصْلِ نارِ جهنَّمَ، ولهذه النُّكتةِ سُلِّطَ فعْلُ زِدْنَاهُمْ على ضَميرِ المُشركينَ؛ للدَّلالةِ على أنَّ ازديادَ السَّعيرِ كان فيهم، فكأنَّه قيل: كلَّما خبَتْ فيهم زِدْناهم سعيرًا، ولم يقُلْ: زِدْناها سعيرًا .
2- قولُه تعالى: ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا استئنافٌ بيانيٌّ؛ لأنَّ العقابَ الفظيعَ المَحكيَّ يُثيرُ في نُفوسِ السَّامعينَ السُّؤالَ عن سبَبِ تركُّبِ هذه الهيئةِ من تلك الصُّورةِ المُفظعةِ، فالجوابُ بأنَّ ذلك بسبَبِ الكُفرِ بالآياتِ، وإنكارِ المعادِ .
- والاستفهامُ في حكايةِ قولِهم: أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وقولِه: أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ إنكاريٌّ ، ونَصَّ على إنكارِ البعثِ؛ إذ هو طعنٌ في القُدرةِ الإلهيَّةِ، وهذا مع اعترافِهم بأنَّه تعالى مُنشِئُ العالمِ ومُخترعُه، ثمَّ إنَّهم يُنكرونَ الإعادةَ، فصار ذلك تَعجيزًا لقُدرتِه .
- وفيه مُناسبةٌ حَسنةٌ، حيث قال عَزَّ وجَلَّ هنا: ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا، وقال في سُورةِ (الكهفِ): ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا [الكهف: 106] ؛ ففي هذه الآيةِ (جهنَّم)، ولم تَرِدْ في الأُولى مع وَحدةِ المعنى؛ ووجْهُ ذلك: أنَّ قولَه في الأُولى: ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ إلى ما اتَّصلَ به من قولِه: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ، ثمَّ قال: ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ، والإشارةُ إلى ضُروبِ عِقابِهم ومأْواهم، واسمُ الإشارةِ مُتَّصلٌ بما أُشيرَ بعدُ إليه، لم يُفْصَلْ بينهما إلَّا بوصفِ جهنَّمَ الَّتي هي مأواهم؛ فجاء على ما يُناسِبُ. أمَّا قولُه في الثَّانيةِ: ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ؛ فالإشارةُ إلى جهنَّمَ المُتقدِّمِ ذكْرُها في قولِه: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ [الكهف: 100] ، وقولِه: إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ [الكهف: 102] ، لَمَّا بعُدَ ما بين اسمِ الإشارةِ والمُشارِ إليه بما فُصِلَ به بينهما؛ فلبُعدِ اسمِ الإشارةِ عمَّا أُشيرَ به إليه أُعيدَ مُظهَرًا فقيلَ: ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ [الكهف: 106] . وقيل: اكْتفى هنا في سُورةِ (الإسراءِ) بالإشارةِ، ولتقدُّمِ ذكْرِ جهنَّمَ، وهي -وإنْ تقدَّمَت في (الكهفِ)- لم يكتَفِ بالإشارةِ، بل جمَعَ بينها وبين العبارةِ؛ لاقترانِ الوعيدِ بالوعدِ بالجنَّاتِ في قولِه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف: 107] ؛ ليكونَ الوعدُ والوعيدُ ظاهريْنِ للمُستمعينَ .
3- قَولُه تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا
- قولُه: أَوَلَمْ يَرَوْا... استفهامُ إنكارٍ وتوبيخٍ لهم على ما كانوا يَسْتبعِدونه من الإعادةِ، واحتجاجٌ عليهم بأنَّهم قد رأَوْا قُدرةَ اللهِ على خلْقِ هذه الأجرامِ العظيمةِ الَّتي بعضُ ما تَحويه البشَرُ؛ فكيف يُقِرُّون بخلْقِ هذا المخلوقِ العظيمِ، ثمَّ يُنكِرون إعادةَ بعضٍ ممَّا خُلِقَ؟! وذلك ممَّا لا يُحيلُه العقْلُ، بلْ هو ممَّا يُجوِّزُه . وهذا الاستفهامُ إنكاريٌّ مَشوبٌ بتعجيبٍ من انتفاءِ علْمِهم؛ لأنَّهم لمَّا جَرَت عقائدُهم على استبعادِ البعثِ، كانوا بحالِ مَن لم تظهَرْ له دلائلُ قُدرةِ اللهِ تَعالى، فيَؤُولُ الكلامُ إلى إثباتِ أنَّهم عَلِموا ذلك في نفْسِ الأمرِ .
- وجُملةُ أَوَلَمْ يَرَوْا عطْفٌ على جُملةِ ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ [الإسراء: 98] باعتبارِ ما تضمَّنَتْه الجُملةُ المعطوفُ عليها من الرَّدعِ عن قولِهم: أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا [الإسراء: 98] ؛ فبعْدَ زَجْرِهم عن إنكارِهم البعثَ بأُسلوبِ التَّهديدِ، عُطِفَ عليه إبطالُ اعتقادِهم بطريقِ الاستدلالِ بقياسِ التَّمثيلِ في الإمكانِ، وهو كافٍ في إقناعِهم هنا؛ لأنَّهم إنَّما أنْكَروا البعثَ باعتقادِ استحالتِه، كما أفصَحَ عنه حكايةُ كلامِهم بالاستفهامِ الإنكاريِّ، وإحالتُهم ذلك مُستنِدةٌ إلى أنَّهم صاروا عِظامًا ورُفاتًا، أي: بتعذُّرِ إعادةِ خلْقِ أمثالِ تلك الأجزاءِ، ولم يَستدِلُّوا بدليلٍ آخرَ، فكان تَمثيلُ خلْقِ أجسامٍ من أجزاءٍ باليةٍ بخلْقِ أشياءَ أعظَمَ منها من عدَمٍ أوغَلَ في الفناءِ: دليلًا يقطَعُ دَعواهم .
- قولُه: أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وصْفُ اسمِ الجلالةِ بالموصولِ؛ للإيماءِ إلى وجْهِ بِناءِ الخبَرِ، وهو الإنكارُ عليهم؛ لأنَّ خَلْقَ السَّمواتِ والأرضِ أمرٌ مُشاهَدٌ معلومٌ، وكونُه مِن فِعْلِ اللهِ لا يُنازِعونَ فيه .
- وعُطِفَ قولُه: وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا على قولِه: أَوَلَمْ يَرَوْا؛ لأنَّ المعنى: قد عَلِموا بدليلِ العقلِ أنَّ مَن قدَرَ على خلْقِ السَّمواتِ والأرضِ، فهو قادرٌ على خلْقِ أمثالِهم مِن الإنسِ؛ لأنَّهم ليسوا بأشدَّ خلْقًا منهنَّ، كما قال: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ [النازعات: 27] ، وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ وهو الموتُ أو القيامةُ، فأبَوا مع وُضوحِ الدَّليلِ إلَّا جُحودًا .
- قولُه: وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا وجْهُ كونِ هذا الجَعلِ لهم: أنَّهم داخِلونَ في ذلك الأجَلِ؛ لأنَّهم من جُملةِ مَن يُبْعَثُ حينئذٍ؛ فتَخصيصُهم بالذِّكرِ لأنَّهم الَّذين أنْكَروا البعثَ . وتضمَّنَ قولُه: وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا تعريضًا بالمِنَّة بنِعْمةِ الإمهالِ، وتَعريضًا بالتَّذكيرِ بإفاضةِ الأرزاقِ عليهم في مُدَّةِ الأجلِ؛ لأنَّ في ذكْرِ خلْقِ السَّماءِ والأرضِ تذكيرًا بما تَحْتويه السَّمواتُ والأرضُ من الأرزاقِ وأسبابِها .
- وجُملةُ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا تَفريعٌ على الجُملتينِ باعتبارِ ما تضمَّنتاهُ من الإنكارِ والتَّعجيبِ، أي: عَلِموا أنَّ الَّذي خلَقَ السَّمواتِ والأرضَ قادرٌ على إعادةِ الأجسامِ، ومع علْمِهم أبَوا إلَّا كُفورًا؛ فالتَّفريعُ من تَمامِ الإنكارِ عليهم، والتَّعجيبِ من حالِهم .
- واستثناءُ الكُفورِ من الإبايةِ تأكيدٌ للشَّيءِ بما يُشْبِهُ ضِدَّه .
- وفي قولِه: فَأَبَى الظَّالِمُونَ وُضِعَ الظَّاهرُ موضعَ الضَّميرِ، حيث لم يقُلْ: فأبَوا؛ تَسجيلًا عليهم بالظُّلمِ، وتجاوُزِ الحدِّ بالمرَّةِ .
4- قَولُه تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا
- قولُه: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي أَنْتُمْ مَرفوعٌ بفعلٍ يُفسِّرُه ما بعدَه؛ لأنَّ (لو) لا يَليها إلَّا الفعلُ ظاهرًا أو مُضمرًا، والأصلُ: لو تَملِكون، فحُذِفَ الفعلُ؛ لدلالةِ ما بعدَه عليه، فانفصَلَ الضَّميرُ، وهو الواوُ؛ إذ لا يُمكِنُ بقاؤُه مُتَّصِلًا بعدَ حَذْفِ رافِعِه، وفائدةُ هذا الحذفِ والتَّفسيرِ: المُبالغةُ مع الإيجازِ، والدَّلالةُ على الاختصاصِ .
- واختيرَ الفعلُ المُضارعُ تَمْلِكُونَ؛ لأنَّ المقصودَ فرْضُ أنْ يَمْلِكوا ذلك في المُستقبلِ .
- وجُملةُ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا اعتراضٌ ناشئٌ عن بعْضِ مُقترحاتِهم الَّتي تَوهَّموا عدَمَ حُصولِها دليلًا على انتفاءِ إرسالِ بَشيرٍ؛ فالكلامُ استئنافٌ لتَكملةِ رَدِّ شُبهاتِهم. وهذا رَدٌّ لِما تضمَّنَه قولُهم: حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا إلى قولِه: تَفْجِيرًا [الإسراء: 90- 91] ، وقولِهم: أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ [الإسراء: 93] مِن تعذُّرِ حُصولِ ذلك لعظيمِ قِيمَتِه، وأُدْمِجَ في هذا الرَّدِّ بيانُ ما فيهم من البُخلِ عن الإنفاقِ في سبيلِ الخيرِ، وأُدْمِجَ في ذلك أيضًا تذكيرُهم بأنَّ اللهَ أعطاهم من خَزائنِ رحمَتِه، فكَفروا نِعْمتَه، وشَكروا الأصنامَ الَّتي لا نِعمةَ لها .