موسوعة الآداب الشرعية

تَمهيدٌ:


قال رَبُّنا سُبحانَه: وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا [الفرقان: 48 - 50] ، وقال عزَّ مِن قائلٍ: وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ [ق: 9] ، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأعراف: 57] ، وقال عزَّ وعلا: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الروم: 48 - 50] ، وقال عزَّ وجَلَّ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 10 - 11] ، وقال جَلَّ ثناؤه: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 22] ، وقال تبارَك اسمُه: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 99] ، وقال تعالى جده: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ [إبراهيم: 32] ، وقال تقدست أسماؤه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [الحج: 63] ، وقال جَلَّت عَظَمتُه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ [الزمر: 21] ، وقال تعالى ذِكرُه: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ [النمل: 60] ، وقال تبارك وتعالى: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ * فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ [المؤمنون: 18 - 19] ، وقال جَلَّ وعَزَّ، وهو أصدقُ القائلين: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ * وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [الحجر: 21 - 22] .
قال ابنُ القَيِّمِ: (تَأمَّلِ الحِكمةَ البالِغةَ في إنزالِه بقَدرِ الحاجةِ، حتَّى إذا أخَذَتِ الأرضُ حاجَتَها مِنه، وكان تَتابُعُه عليها بَعدَ ذلك يَضُرُّها، أقلَعَ عنها وأعقَبَه بالصَّحوِ، فهما -أعني: الصَّحوَ والغَيمَ- يَعتَقِبانِ على العالَمِ لِما فيه صَلاحُه، ولَو دامَ أحَدُهما كان فيه فسادُه.
فلَو تَوالَتِ الأمطارُ لأهلَكَت ما على الأرضِ، ولَو زادَت على الحاجةِ أفسَدَتِ الحُبوبَ والثِّمارَ، وعَفَّنَتِ الزُّروعَ والخَضرواتِ، وأرختِ الأبدانَ، وخَثَّرَت [488] الخُثورةُ: نَقيضُ الرِّقَّةِ. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (2/ 642). الهَواءَ، فحَدَثَت ضُروبٌ مِنَ الأمراضِ، وفسَدَ أكثَرُ المَآكِلِ، وتَقَطَّعَتِ المَسالِكُ والسُّبُلُ.
ولو دامَ الصَّحوُ لجَفَّتِ الأبدانُ، وغِيضَ الماءُ، وانقَطَعَ مَعِينُ العُيونِ والآبارِ والأنهارِ والأوديةِ، وعَظُمَ الضَّرَرُ، واحتَدَمَ [489] أي: اشتَدَّت حَرارَتُه، يُقالُ: احتَدَمَتِ النَّارُ: التَهَبَت، ويَومٌ مُحتَدِمٌ: شَديدُ الحَرِّ. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (5/ 1894). الهَواءُ، فيَبِسَ ما على الأرضِ، وجَفَّتِ الأبدانُ، وغَلَبَ اليُبسُ، فأحدَثَ ذلك ضُروبًا مِنَ الأمراضِ عَسِرةَ الزَّوالِ.
فاقتَضَت حِكمةُ اللَّطيفِ الخَبيرِ أن عاقَبَ بَينَ الصَّحوِ والمَطَر على هذا العالَمِ؛ فاعتَدَلَ الأمرُ، وصَحَّ الهَواءُ، ودَفعَ كُلُّ واحِدٍ مِنهما عاديةَ [490] عادِيةَ، أي: شَرَّ، يُقالُ: دَفعتُ عنك عاديةَ فُلانٍ، أي: ظُلْمَه وشَرَّه. ينظر: ((الصحاح)) للجوهري (6/ 2422). الآخَرِ، واستَقامَ أمرُ العالَمِ وصَلَحَ) [491] ((مفتاح دار السعادة)) (2/ 639-640). .
وفيما يَلي ذِكرٌ للآدابِ المُتَعَلِّقةِ بهذه النِّعمةِ العَظيمةِ.

انظر أيضا: