موسوعة الآداب الشرعية

رابعا: الدُّعاءُ إذا خِيفَ مِنَ المَطَرِ الضَّرَرُ


إذا كَثُرَتِ الأمطارُ، وتَضَرَّر النَّاسُ بها، فالسُّنَّةُ أن يَدعوَ اللَّهَ برَفْعِ ضَررِها، وأن يَجعَلَها في أماكِنَ تَنفَعُ ولا تَضُرُّ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رَجُلًا دَخَل المَسجِدَ يَومَ جُمُعةٍ مِن بابٍ كان نَحوَ دارِ القَضاءِ، ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قائِمٌ يَخطُبُ، فاستَقبَلَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قائِمًا، ثُمَّ قال: يا رَسولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأموالُ، وانقَطَعَتِ السُّبُلُ، فادعُ اللَّهَ يُغِثْنا، قال: فرَفعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَيه، ثُمَّ قال: اللهُمَّ أغِثْنا، اللهُمَّ أغِثْنا، اللهُمَّ أغِثْنا، قال أنَسٌ: ولا واللَّهِ ما نَرى في السَّماءِ مِن سَحابٍ ولا قَزَعةً [504] القَزعةُ: القِطعةُ مِنَ السَّحابِ، وجَماعَتُها قَزَعٌ، كَقَصَبةٍ وقَصَبٍ. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (6/ 192). ، وما بَينَنا وبَينَ سَلْعٍ [505] سَلعٍ: جَبَلٌ بالمَدينةِ. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (2/ 1391). مِن بَيتٍ ولا دارٍ [506] قال النَّوويُّ: (مُرادُه بهذا الإخبارُ عن مُعجِزةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعَظيمِ كَرامَتِه على رَبِّه سُبحانَه وتعالى بإنزالِ المَطَرِ سَبعةَ أيَّامٍ مُتَواليةٍ مُتَّصِلًا بسُؤالِه مِن غَيرِ تَقديمِ سَحابٍ ولا قَزَعٍ، ولا سَبَبٍ آخَرَ لا ظاهرٍ ولا باطِنٍ، وهذا مَعنى قَولِه: «وما بَينَنا وبَينَ سَلعٍ مِن بَيتٍ ولا دارٍ» أي: نَحنُ مُشاهِدونَ له وللسَّماءِ، ولَيسَ هناكَ سَبَبٌ للمَطَرِ أصلًا). ((شرح مسلم)) (6/ 192). ، قال: فطَلَعَت مِن ورائِه سَحابةٌ مِثلُ التُّرسِ، فلَمَّا تَوسَّطَتِ السَّماءَ انتَشَرَت، ثُمَّ أمطَرَت، قال: فلا واللَّهِ ما رَأينا الشَّمسَ سَبتًا [507] سَبتًا: أي: قِطعةً مِنَ الزَّمانِ، وأصلُ السَّبتِ: القَطعُ. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (6/ 192، 193). ، قال: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِن ذلك البابِ في الجُمُعةِ المُقبِلةِ، ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قائِمٌ يَخطُبُ، فاستَقبَلَه قائِمًا، فقال: يا رَسولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأموالُ وانقَطَعَتِ السُّبُلُ، فادعُ اللَّهَ يُمسِكْها عنَّا، قال: فرَفعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَيه، ثُمَّ قال: اللهُمَّ حَولَنا ولا علينا، اللهُمَّ على الآكامِ [508] الآكامُ: جمعُ الأكَمةِ، وهيَ ما ارتَفعَ مِنَ الأرضِ كالتَّلِّ، وجَمعُه أَكَمٌ، ثُمَّ يُجمَعُ على الإكامِ والآكامِ. ينظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (1/ 603)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 206)، ((فتح الباري)) لابن حجر (2/ 505). ، والظِّرابِ [509] الظِّرابُ: جمعُ ظَرِبٍ، وهيَ صِغارُ الجِبالِ والتِّلالِ. يُنظر: ((تهذيب اللغة)) لأبي منصور الأزهري (14/ 270)، ((أعلام الحديث)) للخطابي (1/ 603)، ((المعلم)) للمازري (1/ 481)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (6/ 203). ، وبُطونِ الأوديةِ [510] بُطونُ الأوديةِ: أوساطُها التي يَكونُ فيها قَرارُ الماءِ، واحِدُها بَطنٌ، والمُرادُ بها الخاليةُ عنِ الأبنيةِ وما يَتَحَصَّلُ فيه الماءُ ليُنتَفَعَ به. يُنظر: ((الزاهر)) لأبي منصور الأزهري (ص: 87) ((فتح الباري)) لابن حجر (2/ 505)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (9/ 3803). ، ومَنابِتِ الشَّجَرِ؛ فانقَلَعَت، وخَرَجنا نَمشي في الشَّمسِ)) [511] أخرجه البخاري (1014)، ومسلم (897) واللَّفظُ له. .
وفي رِوايةٍ: ((اللهُمَّ حَوالَينا [512] قال الخَطَّابيُّ: (قَولُه: «اللهُمَّ حَوالَينا» فيه إضمارٌ، كَأنَّه قال: أمطِرْ حَوالَينا، أوِ اجعَلْه حَوالَينا في الصَّحاري، واصرِفْه عنِ الأبنيةِ والدُّورِ). ((أعلام الحديث)) (1/ 585). ، ولا علينا)) [513] أخرجها البخاري (933)، ومسلم (897). .
قال النَّوويُّ: (فيه أدَبُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الدُّعاءِ؛ فإنَّه لم يَسألْ رَفعَ المَطَرِ مِن أصلِه، بَل سَألَ رَفعَ ضَرَرِه، وكَشْفَه عنِ البُيوتِ والمَرافِقِ والطُّرُقِ، بحَيثُ لا يَتَضَرَّرُ به ساكِنٌ ولا ابنُ سَبيلٍ، وسَألَ بَقاءَه في مَواضِعِ الحاجةِ، بحَيثُ يَبقى نَفعُه وخِصبُه، وهيَ بُطونُ الأوديةِ وغَيرُها مِنَ المَذكورِ.
وفي هذا الحَديثِ استِحبابُ طَلَبِ انقِطاعِ المَطَرِ على المَنازِلِ والمَرافِقِ إذا كَثُرَ وتَضَرَّروا به، ولَكِن لا تُشرَعُ له صَلاةٌ ولا اجتِماعٌ في الصَّحراءِ) [514] ((شرح مسلم)) (6/ 193). .
وأمَّا التَّعليلُ
فلأنَّ الضَّرَرَ بزيادةِ المَطَرِ أحَدُ الضَّرَرَينِ، فيُستَحَبُّ الدُّعاءُ لإزالَتِه كانقِطاعِه [515] ((المغني)) لابن قدامة (2/328). .

انظر أيضا: