موسوعة التفسير

سُورةُ النَّازِعاتِ
الآيات (15-26)

ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ

غريب الكلمات:

الْمُقَدَّسِ: أي: المُطَهَّرِ المُبارَكِ، وأصلُ (قدس): يدُلُّ على الطُّهرِ [91] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/78)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/63)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي بن أبي طالب (12/8034)، ((البسيط)) للواحدي (14/369). .
طَغَى: أي: عَتا، وتَجاوَزَ حدَّه في العُدوانِ، والتَّكبُّرِ على ربِّه، وأصلُ الطُّغيانِ: مُجاوَزةُ الحَدِّ في العِصيانِ [92] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/80)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/412)، ((الهداية)) لمكي (12/8035). .
تَزَكَّى: أي: تتطهَّرَ مِن الشِّركِ، وأصلُ (زكى): يدُلُّ على نَماءٍ وطهارةٍ [93] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/80)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/17)، ((الهداية)) لمكي (12/8035، 8036)، ((البسيط)) للواحدي (23/186)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 436)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 140). .
أَدْبَرَ: أي: ولَّى مُعرِضًا، وأصلُ (دبر): آخِرُ الشَّيءِ وخَلْفُه [94] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/83)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/324)، ((الهداية)) لمكي (12/8037)، ((المفردات)) للراغب (ص: 307). .
فَحَشَرَ: أي: فجمَع قَومَه وجُنودَه، وأصلُ (حشر): يدُلُّ على جَمعٍ مع سَوقٍ [95] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/83)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/66)، ((الهداية)) لمكي (12/8037)، ((البسيط)) للواحدي (23/188)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 437). .
نَكَالَ: النَّكالُ: العُقوبةُ والتَّنكيلُ، يُقالُ: نَكَّلْتُ بفُلانٍ، إذا عاقَبْتَه في شَيءٍ أتاه عقوبةً تُنَكِّلُ غيرَه عن ارتكابِ مِثلِه، أي: تمنَعُ وترُدُّ، والنِّكْلُ: القَيدُ؛ لأنَّه يَمنعُ الجَريَ، وأصلُ (نكل): يدُلُّ على مَنعٍ [96] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 52)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/473)، ((البسيط)) للواحدي (2/640)، ((المفردات)) للراغب (ص: 825)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 18)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/81). .
لَعِبْرَةً: أي: لَعِظَةً ومُعتَبَرًا وفِكرةً، والعِبرةُ: الدَّلالةُ بالشَّيءِ على مِثلِه، وحقيقتُها: الحالةُ الَّتي يُتوصَّلُ بها مِن معرفةِ المُشاهَدِ إلى ما ليس بمُشاهَدٍ، وأصلُ (عبر): يدُلُّ على النُّفوذِ والمُضِيِّ في الشَّيءِ [97] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/88)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/207، 209، 210)، ((الهداية)) لمكي (12/8039)، ((البسيط)) للواحدي (23/191)، ((المفردات)) للراغب (ص: 543)، ((عمدة الحفاظ)) للسمين الحلبي (3/23). قال ابن فارس: (أمَّا الاعتبارُ والعِبْرةُ فعِندَنا مَقيسانِ مِن عبْرَيِ النَّهرِ [بفتحِ العينِ وكسرِها، أي: شطيه]؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ منهما عبْرٌ مُساوٍ لصاحبِه فذاكَ عبْرٌ لهذا، وهذا عبْرٌ لِذاكَ. فإذا قُلْتَ: اعْتَبَرْتُ الشَّيءَ، فكأنَّكَ نَظَرْتَ إلى الشَّيءِ فجَعَلْتَ ما يَعْنِيكَ عبْرًا لذاكَ: فتَساوَيا عِندَك. هذا عِندَنا اشْتِقاقُ الاعْتِبارِ). ((مقاييس اللغة)) (4/209، 210). وقال ابن القيِّم: (الاتِّعاظُ يُسمَّى اعتبارًا وعِبرةً؛ لعُبورِ المتَّعِظِ مِن النَّظيرِ إلى نظيرِه). ((إعلام الموقعين)) (1/149). .

مشكل الإعراب:

1- قَولُه تعالى: فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى
لَكَ: شِبهُ جُملةٍ مُتعَلِّقٌ بمَحذوفٍ خَبَرُ مُبتدأٍ محذوفٍ. و إِلَى أَنْ تَزَكَّى متعَلِّقٌ بذلك المبتدأِ المحذوفِ، والتَّقديرُ: هل لك سَبيلٌ أو رغبةٌ إلى التَّزكيةِ.
2- قَولُه تعالى: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى
قَولُه تعالى: نَكَالَ: نائِبٌ عن المصدَرِ، مَنصوبٌ على المفعوليَّةِ المُطلَقةِ؛ لِمُلاقاتِه «أَخَذَ» في المعنى؛ لأنَّ أَخَذَه ونَكَّلَ به هنا بمَعنًى، أي: نَكَّل بالأَخْذِ نَكالَ الآخرةِ والأُولى، أو: أخَذَه أخْذَ نَكالٍ. ويجوزُ أَنْ يكونَ مفعولًا لأجْلِه، أي: لأجْلِ نَكالِه [98] يُنظر: ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (2/1269)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (10/676، 677)، ((تفسير الألوسي)) (15/231، 232)، ((الجدول في إعراب القرآن)) لمحمود صافي (30/231). .

المعنى الإجمالي:

يَحكي الله تعالى جانبًا مِن قصَّةِ موسى عليه السَّلامُ مع فِرعونَ؛ تسليةً لنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم، فيقولُ: هل بلَغَك -يا محمَّدُ- خَبَرُ موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حينَ ناداه ربُّه سُبحانَه بالوادي المُبارَكِ المسَمَّى طُوًى؟ فقال له: اذهَبْ إلى فِرعَونَ؛ لأنَّه تجاوَزَ حَدَّه في التَّكَبُّرِ والعِصْيانِ، فقُلْ له: هل لك إلى أن تُطَهِّرَ نَفْسَك مِن دَنَسِ الكُفْرِ والمعاصي، وأَدُلَّك على خالقِك ورازِقِك؛ فتَخشى سَخَطَه وعَذابَه؟
فأرى موسى فِرعَونَ المُعجِزةَ الكُبرى الدَّالَّةَ على صِدْقِه، فكَذَّب فِرعَونُ بالحَقِّ وعصى، ثمَّ توَلَّى ساعيًا في صَدِّ النَّاسِ عن اتِّباعِ موسى عليه السَّلامُ، فجَمَع فِرعَونُ قومَه وأتْباعَه وخاطَبَهم، فقال لهم: أنا رَبُّكم الأعلى! فعاقَبَه اللهُ تعالى عُقوبةَ الآخرةِ بالنَّارِ، وعُقوبةَ الدُّنيا بالغَرَقِ.
إنَّ في ذلك العِقابِ لِفِرعَونَ لَعِظَةً لِمَن يَخافُ اللهَ تعالى وعِقابَه.

تفسير الآيات:

هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
وَجْهُ المناسَبةِ بيْن هذه القِصَّةِ وبيْن ما قَبْلَها مِن وَجهَينِ:
الوَجهُ الأوَّلُ: أنَّ اللهَ تعالى حكى عن الكُفَّارِ إصرارَهم على إنكارِ البَعْثِ، حتَّى انتَهَوْا في ذلك الإنكارِ إلى حَدِّ الاستهزاءِ في قَولِهم: قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ [النازعات: 12] ، وكان ذلك يَشُقُّ على محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذكَرَ قِصَّةَ موسى عليه السَّلامُ، وبيَّنَ أنَّه تَحمَّلَ المشَقَّةَ الكثيرةَ في دَعوةِ فِرعَونَ؛ لِيَكونَ ذلك كالتَّسليةِ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
الوجهُ الثَّاني: أنَّ فِرعَونَ كان أقوى من كُفَّارِ قُرَيشٍ، وأكثَرَ جَمعًا، وأشَدَّ شَوكةً، فلَمَّا تمَرَّد على موسى عليه السَّلامُ أخَذَه اللهُ نَكالَ الآخرةِ والأُولى، فكذلك هؤلاء المُشرِكونَ في تمَرُّدِهم عليك، إنْ أصَرُّوا أخَذَهم اللهُ، وجَعَلَهم نَكالًا [99] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (31/38). .
هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15).
أي: هل بلَغَك -يا محمَّدُ- خَبَرُ موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وما كان مِن أَمْرِه [100] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/78)، ((تفسير ابن كثير)) (8/315)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/228، 229)، ((تفسير السعدي)) (ص: 909). قال القرطبي: (هذا تسليةٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: إنَّ فِرعَونَ كان أقوى مِن كُفَّارِ عَصْرِك، ثمَّ أخَذْناه، وكذلك هؤلاء). ((تفسير القرطبي)) (19/200، 201). وقال ابن عثيمين: (الخِطابُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم، أو لكُلِّ مَن يتأتَّى خِطابُه ويَصِحُّ توجيهُ الخِطابِ إليه، ويكونُ على المعنى الأوَّلِ: هل أتاك يا محمَّدُ؟ وعلى المعنى الثَّاني: هل أتاك أيُّها الإنسانُ؟). ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 45). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/74). ؟
إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16).
أي: حينَ ناداه ربُّه سُبحانَه بالوادي المبارَكِ المطَهَّرِ المسَمَّى طُوًى [101] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/78)، ((تفسير ابن كثير)) (8/315)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/75). قال ابن جرير: (وقد اختَلَفَ أهلُ التَّأويلِ في قَولِه: طُوًى؛ فقال بعضُهم: هو اسمُ الوادي... وقال آخَرونَ: بلْ معنى ذلك: طَأِ الأرضَ حافِيًا... وقال آخَرونَ: بلْ معنى ذلك أنَّ الواديَ قُدِّسَ طُوًى، أيْ: مَرَّتَينِ). ((تفسير ابن جرير)) (16/27-31) و(24/78).        .
كما قال تعالى: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [مريم: 52] .
وقال سُبحانَه: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [طه: 11-12] .
وقال عزَّ وجَلَّ: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص: 30] .
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17).
أي: قال اللهُ لِموسى: اذهَبْ إلى فِرعَونَ مَلِكِ مِصرَ؛ لأنَّه تَجاوَزَ حَدَّه في التَّكَبُّرِ والعُدوانِ والعِصْيانِ [102] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/80)، ((تفسير القرطبي)) (19/201)، ((تفسير ابن كثير)) (8/315)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/230)، ((تفسير الشوكاني)) (5/454)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/75)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 46). .
كما قال تعالى: اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: 42 - 44] .
وقال سُبحانَه: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [القصص: 4] .
فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18).
أي: فقُلْ له: هل لك إلى أن تُطَهِّرَ نَفْسَك مِن دَنَسِ الكُفْرِ والمعاصي [103] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/80)، ((تفسير القرطبي)) (19/201)، ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/50)، ((تفسير ابن كثير)) (8/315)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/231)، ((تفسير السعدي)) (ص: 909)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 46). ؟
كما قال تعالى: وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى [طه: 75-76] .
وقال سُبحانَه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى: 14-15] .
وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19).
أي: قُلْ له: وهَلْ لك إلى أن أُرشِدَك وأَدُلَّك على خالقِك ورازِقِك؛ فتَخشَى سَخَطَه وعَذابَه، بامتِثالِ أوامِرِه واجتنابِ نَواهيه [104] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/81)، ((تفسير القرطبي)) (19/201)، ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (3/133)، ((تفسير ابن كثير)) (8/315)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/231)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 46). ؟
فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20).
أي: فأرى موسى فِرعَونَ المُعجِزةَ الكُبرى الدَّالَّةَ على صِدْقِه [105] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/82)، ((تفسير القرطبي)) (19/202)، ((تفسير ابن كثير)) (8/315)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 47). قيل: المرادُ بالآيةِ الكُبرى: اليَدُ -إذ أخرَجها بَيْضاءَ للنَّاظِرينَ- والعصا إذ تحوَّلَتْ ثُعبانًا. وممَّن اختاره: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، ويحيى بنُ سلَّامٍ، وابنُ جرير، والثعلبيُّ، والبغوي، والخازن، والعُلَيمي، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/576)، ((تفسير يحيى بن سلام)) (1/257)، ((تفسير ابن جرير)) (24/82)، ((تفسير الثعلبي)) (10/127)، ((تفسير البغوي)) (5/207)، ((تفسير الخازن)) (4/392)، ((تفسير العليمي)) (7/274)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 47). ونسَبَ ابنُ الجَوزيِّ هذا القولَ إلى جمهورِ المفسِّرينَ. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (4/396). وقيل: المرادُ بالآيةِ الكبرى: اليَدُ. وممَّن اختاره: الزَّجَّاجُ، وابنُ أبي زَمَنِين. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/280)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (5/90). وقيل: هي العصا. وممَّن اختاره: الرَّسْعَنيُّ، والشربيني، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير الرسعني)) (8/473)، ((تفسير الشربيني)) (4/479)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/78). قال الزمخشري: (الآيةُ الكُبرى: قَلْبُ العَصا حَيَّةً؛ لأنَّها كانت المقَدِّمةَ والأصلَ، والأُخرى كالتَّبَعِ لها... أو أرادهما جميعًا، إلَّا أنَّه جعَلَهما واحدةً؛ لأنَّ الثَّانيةَ كأنَّها مِن جملةِ الأُولى؛ لكَونِها تابِعةً لها). ((تفسير الزمخشري)) (4/695، 696). وقال السمرقندي: (فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى يعني: العصا، واليَدَ، وسائرَ الآياتِ). ((تفسير السمرقندي)) (3/543). وقال السعدي: (فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى أي: جِنسَ الآيةِ الكُبرى، فلا يُنافي تعَدُّدَها). ((تفسير السعدي)) (ص: 909). .
كما قال الله تعالى: قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ [الأعراف: 106 - 108] .
فَكَذَّبَ وَعَصَى (21).
أي: فكَذَّب فِرعَونُ بالحَقِّ الَّذي جاء به موسى، وعصى ما أمَرَه به مِن طاعةِ رَبِّه [106] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/83)، ((تفسير القرطبي)) (19/202)، ((تفسير ابن كثير)) (8/315)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 48). .
ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22).
أي: ثمَّ توَلَّى فِرعَونُ مُجتَهِدًا في محارَبةِ موسى، وصَدِّ النَّاسِ عن اتِّباعِه [107] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/83)، ((تفسير القرطبي)) (19/202)، ((تفسير ابن كثير)) (8/315)، ((تفسير السعدي)) (ص: 909). قال ابن كثير: (قَولُه: ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى أي: في مُقابَلةِ الحقِّ بالباطِلِ، وهو جَمْعُه السَّحَرةَ؛ ليُقابِلوا ما جاء به موسى عليه السَّلامُ مِن المعجزةِ الباهِرةِ). ((تفسير ابن كثير)) (8/315). وقال ابن عاشور: (يجوزُ أن يكونَ أَدْبَرَ على حقيقتِه، أي: تَرَك ذلك المَجمَعَ بأن قام مُعرِضًا؛ إعلانًا بغَضَبِه على موسى، ويكونَ يَسْعَى مُستَعمَلًا في حقيقِته أيضًا، أي: قام يشتَدُّ في مَشْيِه، وهي مِشيةُ الغاضِبِ المُعرِضِ). ((تفسير ابن عاشور)) (30/79). .
كما قال تعالى: فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى [طه: 60] .
وقال سُبحانَه: قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ [الشعراء: 34 - 37] .
فَحَشَرَ فَنَادَى (23).
أي: فجَمَع فِرعَونُ قومَه وأتْباعَه، وخاطَبَهم بصَوتٍ مُرتَفِعٍ [108] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/83)، ((تفسير القرطبي)) (19/202)، ((تفسير ابن كثير)) (8/315)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 48). قيل: المحشورونَ هم قَومُه وأتْباعُه وأهلُ مملكتِه. وممَّن ذهب إلى هذا في الجملةِ: ابنُ جرير، وابن عطية، وابن كثير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/83)، ((تفسير ابن عطية)) (5/433)، ((تفسير ابن كثير)) (8/315). وقيل: المحشورونَ هم الجنودُ. وممَّن ذهب إلى هذا القولِ: السعديُّ. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 909). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن عاشور)) (30/80). وقيل: هم السَّحَرةُ والجُنودُ. وممَّن ذهب إليه: النَّسَفي، والبِقاعي. يُنظر: ((تفسير النسفي)) (3/ 598)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/232). قال القرطبي: (قيل: جمَع جُنودَه للقتالِ والمُحارَبةِ، والسَّحرةَ للمُعارَضةِ). ((تفسير القرطبي)) (19/202). وقيل: حشَر قَومَه، وجُنودَه. وممَّن اختاره: البغويُّ، والرَّسْعَني، والخازن. يُنظر: ((تفسير البغوي)) (5/207)، ((تفسير الرسعني)) (8/474)، ((تفسير الخازن)) (4/392). وقيل: المحشورون هم السَّحرةُ. وممَّن اختاره: الزمخشريُّ، والرازي، والألوسي. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/696)، ((تفسير الرازي)) (31/41)، ((تفسير الألوسي)) (15/231). وقيل: حشَر النَّاسَ للحُضورِ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (19/202). قال ابن عثيمين: (حشَر النَّاسَ -أي: جمَعَهم- ونادى فيهم بصَوتٍ مُرتفعٍ؛ لِيَكونَ ذلك أبلَغَ في نَهْيِهم عمَّا يريدُ منهم موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ). ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 48). .
فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24).
أي: فقال فِرعَونُ: أنا رَبُّكم الأعلى، فلا أحَدَ فَوقي، وكُلُّ رَبٍّ فهو دُوني [109] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/83)، ((تفسير القرطبي)) (19/202)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 49). !
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا حكى عن فِرعَونَ أفعالَه وأقوالَه؛ أتْبَعَه بما عامَلَه به [110] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (31/41). .
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25).
أي: فعاقَبَه اللهُ تعالى عُقوبةَ الآخرةِ بالنَّارِ، وعُقوبةَ الدُّنيا بالغَرَقِ [111] يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (5/280)، ((تفسير السمرقندي)) (3/543)، ((تفسير ابن كثير)) (8/315)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/235)، ((تفسير الشوكاني)) (5/455)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/82). وممَّن قال بأنَّ المرادَ بالآخِرةِ: الدَّارُ الآخِرةُ، وبالأُولى: الدُّنيا، فنكل به في الدُّنيا بالإغراقِ، وفي الآخرةِ بالإحراقِ: الزَّجَّاجُ، والسمرقنديُّ، والثعلبي، والكرماني، والزمخشري، وابنُ جُزَي، والخازن، وابن كثير، والبِقاعي، والعُلَيمي، وأبو السعود، والشوكاني، وابن عاشور. يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (5/280)، ((تفسير السمرقندي)) (3/543)، ((تفسير الثعلبي)) (10/127)، ((تفسير الكرماني)) (2/1304)، ((تفسير الزمخشري)) (4/696)، ((تفسير ابن جزي)) (2/450)، ((تفسير الخازن)) (4/392)، ((تفسير ابن كثير)) (8/315)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/235)، ((تفسير العليمي)) (7/275)، ((تفسير أبي السعود)) (9/ 101)، ((تفسير الشوكاني)) (5/455)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/82). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: الحسَنُ، وقَتادةُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/86)، ((البسيط)) للواحدي (23/190). وقيل: المعنى: فعاقَبَ اللهُ فِرعَونَ عُقوبةَ كَلِمتِه الأخيرةِ، وهي قَولُه: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات: 24] ، وكَلِمتِه الأُولى الَّتي قالها مِن قَبْلُ، وهي: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص: 38] . وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والفرَّاءُ، وابنُ جرير، والسمعانيُّ، والقرطبي، وابن تيميَّةَ، وجلال الدين المحلي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/577)، ((معاني القرآن)) للفراء (3/233)، ((تفسير ابن جرير)) (24/84)، ((تفسير السمعاني)) (6/150)، ((تفسير القرطبي)) (19/202)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/631)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 790). ونسَبَ الواحديُّ هذا القولَ إلى الأكثَرينَ، ونسَبَه الرَّسْعَنيُّ إلى جمهورِ المفسِّرينَ. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/420)، ((تفسير الرسعني)) (8/476). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ، وسعيدُ بنُ جُبَيرٍ، وعِكْرِمةُ، ومُجاهِدٌ في روايةٍ عنه، والشَّعْبيُّ، والضَّحَّاكُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/84)، ((تفسير الماوردي)) (6/ 198)، ((البسيط)) للواحدي (23/190). قال الفرَّاءُ: (أي: أخَذَه اللهُ أخْذًا نَكالًا للآخرةِ والأُولى). ((معاني القرآن)) (3/233). وقال القرطبيُّ: (والمعنَى: أمْهَلَه في الأُولَى، ثُمَّ أخَذه في الآخِرةِ، فعَذَّبَه بكَلِمَتَيْهِ). ((تفسير القرطبي)) (19/202). وقيل غيرُ ذلك. يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (6/198). .
كما قال تعالى: فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ [الأعراف: 136] .
وقال سُبحانَه: وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ [القصص: 39-40] .
وقال تبارك وتعالى: وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: 45-46] .
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26).
أي: إنَّ في ذلك العِقابِ لِفِرعَونَ لَعِظَةً لِمَن يَخافُ اللهَ تعالى وعِقابَه [112] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/88)، ((تفسير القرطبي)) (19/203)، ((تفسير ابن كثير)) (8/315)، ((تفسير السعدي)) (ص: 909). .
كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ [هود: 102-103] .

الفوائد التربوية:

1- إنَّ مُخاطَبةَ الرُّؤَساءِ بالقَولِ اللَّيِّنِ أمْرٌ مَطلوبٌ شرعًا وعقلًا وعُرفًا؛ ولذلك تَجِدُ النَّاسَ كالمَفطورينَ عليه، وهكذا كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُخاطِبُ رؤساءَ العَشائرِ والقبائلِ، وتأمَّلِ امْتِثالَ موسى عليه السَّلامُ لِمَا أُمِرَ به [113] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (3/132). ، فقد أمَرَه سُبحانَه أنْ يُخاطِبَ فِرعَونَ بأليَنِ خِطابٍ، فقال لموسى: فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى، وفي هذا مِن لُطْفِ الخِطابِ ولِينِه وُجوهٌ:
أحدُها: إخراجُ الكَلامِ مُخْرَجَ العَرْضِ، ولم يُخرِجْه مُخرَجَ الأمرِ والإلزامِ، وهو ألطَفُ، ونظيرُه قولُ إبراهيمَ عليه السَّلامُ لضَيفِه المكرَمينَ: أَلَا تَأْكُلُونَ [الذاريات: 27]، ولم يَقُلْ: كُلُوا.
الثَّاني: قولُه: إِلَى أَنْ تَزَكَّى والتَّزَكِّي: النَّماءُ والطَّهارةُ والبَرَكةُ والزِّيادةُ، فعَرَضَ عليه أمرًا يَقْبَلُه كلُّ عاقلٍ، ولا يَرُدُّه إلَّا كلُّ أحمَقَ جاهِلٍ.
الثَّالثُ: قولُه: تَزَكَّى، ولَم يَقُلْ: أُزَكِّيك، فأضاف التَّزكيةَ إلى نفْسِه، وعلى هذا يُخاطَبُ الملوكُ.
الرَّابعُ: قولُه: وَأَهْدِيَكَ أي: أكونُ دليلًا لك وهاديًا بيْن يَدَيك؛ فنَسَبَ الهِدايةَ إليه، والتَّزَكِّي إلى المُخاطَبِ، أي: أكونُ دليلًا لك وهاديًا فتَزَكَّى أنت، كما تقولُ للرَّجُلِ: هل لك أنْ أَدُلَّك على كَنزٍ تأخُذُ منه ما شِئْتَ؟ وهذا أَحسَنُ مِن قَولِه: أُعطِيك.
الخامِسُ: قولُه: إِلَى رَبِّكَ فإنَّ في هذا ما يُوجِبُ قَبولَ ما دلَّ عليه، وهو أنَّه يدعوه ويُوصِلُه إلى ربِّه فاطِرِه وخالِقِه، الَّذي أوجَدَه ورَبَّاه بنِعَمِه جَنينًا وصغيرًا وكبيرًا، وآتاه المُلْكَ، وهو نَوعٌ مِن خِطابِ الاستِعطافِ والإلزامِ، كما تقولُ لِمَن خرَج عن طاعةِ سيِّدِه: ألَا تُطيعُ سيِّدَك ومَوْلاك ومالِكَكَ؟! وتقولُ للولَدِ: ألَا تُطيعُ أباك الَّذي رَبَّاك [114] يُنظر: ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 140). ؟!
2- قَولُ اللهِ تعالى: وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى يدُلُّ على أنَّ مَعرِفةَ اللهِ تعالى مُقَدَّمةٌ على طاعتِه؛ لأنَّه ذَكَر الهدايةَ، وجَعَل الخَشْيةَ مُؤخَّرةً عنها، ومُفَرَّعةً عليها [115] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (31/40). .
3- قَولُ اللهِ تعالى: وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى يدُلُّ على أنَّ الخَشيةَ لا تكونُ إلَّا بالمَعرِفةِ، قال تعالَى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28] ، أي: العلماءُ به، ودَلَّت الآيةُ على أنَّ الخشيةَ مِلاكُ الخَيراتِ، لأنَّ مَن خَشِيَ اللهَ أتَى منه كلُّ خيرٍ، ومَنْ أَمِنَ اجْتَرَأ على كلِّ شرٍّ، ومنه قولُه عليه السَّلامُ: ((مَنْ خَافَ أَدْلَجَ [116] أَدْلَجَ: أي: سارَ أوَّلَ اللَّيلِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 9). ، وَمَنْ أدلَجَ بلَغ المَنزِلَ)) [117] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (31/40). والحديث أخرجه الترمذيُّ (2450) واللَّفظُ له، والحاكمُ (7851)، والبَيْهَقيُّ في ((شُعَب الإيمان)) (881). صحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (2450)، وحسَّنه شعيبٌ الأرناؤوطُ في تخريج ((رياض الصالحين)) (410)، وصحَّح إسنادَه الحاكمُ، وحسَّن إسنادَه ابنُ باز في ((مجموع الفتاوى)) (7/279). .
4- قال تعالى: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى فجَمَع بيْن التَّزَكِّي والهُدى والخَشيةِ، كما جَمَع بيْن العِلمِ والخَشيةِ في قَولِه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28] ، وفي قَولِه: وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ [الأعراف: 154] ، وفي قَولِه: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء: 66 - 68] ؛ وذلك لأنَّ كُلَّ واحدٍ مِن العِلمِ بالحَقِّ -الَّذي يتضَمَّنُه التَّذَكُّرُ، والذِّكْرُ الَّذي يُحدِثُه القُرآنُ-، ومِنَ الخَشيةِ المانعةِ مِن اتِّباعِ الهوى: سَبَبٌ لصلاحِ حالِ الإنسانِ، فإذا ضَعُفَ العِلمُ غلَب الهوى الإنسانَ، وإنْ وُجِد العِلمُ والهوى -وهما المُقتضي والدَّافعُ- فالحُكمُ للغالبِ. وإذا كان كذلك فصلاحُ بَني آدَمَ الإيمانُ والعملُ الصَّالحُ، ولا يُخرِجُهم عن ذلك إلَّا شَيئانِ؛ أحدُهما: الجهلُ المُضادُّ للعِلمِ، فيَكونونَ ضُلَّالًا، والثَّاني: اتِّباعُ الهوى والشَّهوةِ اللَّذَينِ في النَّفْسِ، فيَكونونَ غُواةً مغضوبًا عليهم [118] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/242، 243). .
5- قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى فيه أنَّ مَن يَخشى اللهَ هو الَّذي يَنتَفِعُ بالآياتِ والعِبَرِ [119] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 909). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- إنَّ اللهَ تعالى تكلَّمَ بالقرآنِ بحُروفِه ومَعانيه، فجميعُه كلامُ الله، وهو سُبحانَه نادى موسى عليه السَّلامُ بصَوتٍ سمِعه موسى؛ فإنَّه قد أخبَر أنَّه نادى موسى في غيرِ مَوضِعٍ مِن القرآنِ الكريمِ، كما قال تعالى: هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى، والنِّداءُ لا يكونُ إلَّا صَوتًا باتِّفاقِ أهلِ اللُّغةِ [120] يُنظر: ((مجموعة الرسائل والمسائل)) لابن تيمية (3/155). . ففي قَولِه تعالى: إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ دليلٌ على أنَّ القُرآنَ كلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ، تَكَلَّمَ به تكَلُّمًا؛ لأنَّ النِّداءَ كَلامٌ مَسموعٌ لا مَحالةَ، والكَلامُ للمُتكَلِّمِ، والنِّداءُ منه، وصِفةٌ مِن صِفاتِه، وهو بجَميعِ صِفاتِه غيرُ مَخلوقٍ، ثُمَّ أخبَرَ عن فِرعَونَ، فقال: فَحَشَرَ فَنَادَى، فكان نِداءُ فِرعَونَ مخلوقًا؛ لأنَّ المنادِيَ مخلوقٌ، وكلُّ صِفةٍ تَبَعٌ للمَوصوفِ؛ فإنْ كان الموصوفُ مَخلوقًا كان كَلامُه مَخلوقًا، وإنْ كان الموصوفُ خالقًا كان كَلامُه غيرَ مَخلوقٍ [121] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/477). .
2- في قَولِه تعالى لموسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى سؤالٌ: أنَّه في سورةِ (طه) قال سُبحانَه: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه: 43] !
والجوابُ: أنَّه لا مُنافاةَ بيْن الآيتَينِ؛ وذلك أنَّ اللهَ تعالى أَرْسَلَ موسى أوَّلًا، ثُمَّ طَلَبَ موسى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن ربِّه أنْ يَشُدَّ أَزْرَه بأخيه هارونَ، فأَرْسَلَ هارونَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مع موسى، فصار موسى وهارونُ كِلاهما مُرْسَلًا إلى فِرعَونَ [122] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 46). .
3- في قَولِه تعالى: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى إخبارٌ عن قُبْحِ أعمالِ الكُفَّارِ قبْلَ أنْ يأتيَهم الرَّسولُ [123] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (11/678). قال ابن تيميَّةَ: (قد تنازَعَ النَّاسُ في حُسنِ الأفعالِ وقُبحِها؛ كحُسنِ العدلِ والتَّوحيدِ والصِّدقِ، وقُبحِ الظُّلْمِ والشِّركِ والكَذِبِ: هل يُعلَمُ بالعقلِ، أمْ لا يُعلَمُ إلَّا بالسَّمعِ؟ وإذا قيل: إنَّه يُعلَمُ بالعقلِ، فهل يُعاقَبُ مَن فعَلَ ذلك قبْلَ أن يأتيَه رسولٌ؟ على ثلاثةِ أقوالٍ معروفةٍ في أصحابِ الأئمَّةِ وغيرِهم، وهي ثلاثةُ أقوالٍ لأصحابِ الإمامِ أحمدَ وغيرِهم؛ فقالت طائفةٌ: لا يُعرَفُ ذلك إلَّا بالشَّرعِ لا بالعقلِ. وقيل: بل قد يُعلَمُ حُسنُ الأفعالِ وقُبحُها بالعقلِ. ثمَّ هؤلاء على قولَينِ: مِنهم مَن يقولُ: يَستَحِقُّونَ عذابَ الآخرةِ بمُجرَّدِ مُخالَفَتِهم للعقلِ، كقولِ المعتزلةِ والحنَفيَّةِ وأبي الخطَّابِ، وقولُ هؤلاء مخالِفٌ للكتابِ والسُّنَّةِ. ومِنهم مَن يقولُ: بل لا يُعَذَّبونَ حتَّى يُبعَثَ إليهم رسولٌ كما دلَّ عليه الكتابُ والسُّنَّةُ، لكنْ أفعالُهم تكونُ مذمومةً مَمْقوتةً، يَذُمُّها اللهُ ويُبغِضُها، ويُوصَفونَ بالكفرِ الَّذي يَذُمُّه اللهُ ويُبغِضُه، وإن كان لا يُعَذِّبُهم حتَّى يَبعَثَ إليهم رسولًا؛ قال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص: 59] ، وقال تعالى: وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [القصص: 47] ، وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى [طه: 134] ، فهذا يُبيِّنُ أنَّه لم يكُنْ لِيُعَذِّبَ الكفَّارَ حتَّى يَبعَثَ إليهم رسولًا، وبَيِّنٌ أنَّهم قبْلَ الرَّسولِ كانوا قد اكتَسَبوا الأعمالَ الَّتي تُوجِبُ المَقْتَ والذَّمَّ، وهي سببٌ للعذابِ، لكنْ شَرْطُ العذابِ قيامُ الحُجَّةِ عليهم بالرِّسالةِ). ((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)) بتصرف (2/307-314). .
4- في قولِه: هَلْ لَكَ فائدةٌ لطيفةٌ، وهي أنَّ المعنى: هل لك في ذلك حاجةٌ أو أَرَبٌ؟ ومعلومٌ أنَّ كلَّ عاقِلٍ يُبادِرُ إلى قَبولِ ذلك؛ لأنَّ الدَّاعيَ إنَّما يَدعو إلى حاجتِه ومصلحتِه، لا إلى حاجةِ الدَّاعي، فكأنَّه يقولُ: الحاجَةُ لك، وأنت المُتزَكِّي، وأنا الدَّليلُ لك والمُرشِدُ لك إلى أعظَمِ مَصالِحِك [124] يُنظر: ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 141). .
5- قَولُ اللهِ تعالى: فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى فيه سُؤالٌ: كيف قال ذلك مع أنَّه أراه الآياتِ كُلَّها؛ لِقَولِه تعالى: وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا [طه: 56] ، وكُلُّ آياتِه كُبْرى؟
الجوابُ: الإخبارُ هنا عمَّا أَراه له أوَّلَ مُلاقاتِه إيَّاه، وهو العَصا واليَدُ، وأطلَقَ عليهما: الْآَيَةَ الْكُبْرَى؛ لاتِّحادِ مَعناهما، أو أراد بالكُبْرى: العَصا وَحْدَها؛ لأنَّها كانت مُقَدَّمةً على الأُخرى [125] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 597). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الزمخشري)) (4/ 695، 696)، ((تفسير البيضاوي)) (5/283)، ((تفسير أبي حيان)) (10/398)، ((تفسير أبي السعود)) (9/99، 100). .
6- قَولُ اللهِ تعالى: فَكَذَّبَ وَعَصَى فيه سُؤالٌ: أنَّ كُلَّ أحَدٍ يَعلَمُ أنَّ كُلَّ مَن كَذَّبَ اللهَ فقد عصى، فما الفائدةُ في قَولِه: فَكَذَّبَ وَعَصَى؟
الجوابُ: أنَّ المعنى: كَذَّب بالقَلْبِ واللِّسانِ، وعصى بأنْ أظهَرَ التَّمَرُّدَ والتَّجَبُّرَ [126] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (31/41). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى
- قولُه: هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى هذه الآيةُ اعتِراضٌ بيْن جُملةِ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ [النازعات: 13] وبيْنَ جُملةِ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا [النازعات: 27] ، الَّذي هو الحُجَّةُ على إثباتِ البعثِ، ثمَّ الإنذارُ بما بَعْدَه، دعَتْ إلى استِطرادِه مُناسَبةُ التَّهديدِ لِمُنكِري ما أخبَرَهم به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن البعثِ؛ لِتَماثُلِ حالِ المُشرِكينَ في طُغيانِهم على اللهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحالِ فِرعونَ وقَومِه، وتماثُلِ حالِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع قَومِه بحالِ موسى عليه السَّلامُ مع فِرعونَ؛ لِيَحصُلَ مِن ذِكرِ قِصَّةِ موسى تَسليةٌ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على تَكذيبِ قَومِه له، ومَوعظةٌ للمُشرِكينَ وأَئِمَّتِهم مِثلِ أبي جَهلٍ وأُمَيَّةَ بنِ خلَفٍ وأضرابِهما؛ لقولِه في آخِرِها: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى [127] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/98، 99)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/73). [النازعات: 26] .
- ومَعْنى هَلْ أَتَاكَ إنِ اعتُبِرَ هذا أوَّلَ ما أتاهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن حَديثِه عليه السَّلامُ: ترغيبٌ له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في استِماعِ حَديثِه، كأنَّه قيلَ: هل أتاكَ حَديثُه؟ أنا أُخبِرُك بهِ، وإنِ اعتُبِرَ إتيانُه قبْلَ هذا -وهو المُتبادِرُ مِن الإيجازِ في الاقتِصاصِ- حمَلَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ على أنْ يُقِرَّ بأمْرٍ يَعرِفُه قبْلَ ذلكَ، كأنَّه قيلَ: أليس قد أتاكَ حديثُه؟ فالاستِفهامُ تَقريريٌّ [128] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/283)، ((تفسير أبي السعود)) (9/99)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/366). .
- وقيل: الاستفهامُ في قولِه: هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى صُوريٌّ يُقصَدُ منه تشويقُ السَّامعِ إلى الخبرِ مِن غيرِ قَصدٍ إلى استِعلامِ المخاطَبِ عن سابقِ عِلمِه بذلك الخبرِ، فسواءٌ في ذلك عَلِمَه مِن قبْلُ أو لم يَعلَمْه؛ ولذلك لا يَنتظِرُ المتكلِّمُ بهذا الاستفهامِ جوابًا عنه مِن المسؤولِ، بل يُعقِّبُ الاستِفهامَ بتفصيلِ ما أَوْهَمَ الاستِفهامَ عنه بهذا الاستفهامِ؛ كِنايةً عن أهمِّيَّةِ الخبرِ بحيثُ إنَّه ممَّا يَتساءَلُ النَّاسُ عن عِلمِه، والخِطابُ لغيرِ معيَّنٍ، فالكلامُ موعظةٌ، ويَتْبعُه تسليةُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ [129] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/73، 74). .
- وجملةُ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ قيلَ: الجُملةُ مَقولُ قولٍ محذوفٍ، تقديرُه: «فقال: اذهَبْ». أو «قائلًا له: اذْهَبْ». ويجوزُ أنْ تكونَ جملةً مُفسِّرةً للنِّداءِ، أي: ناداه اذهَبْ، وقيل: هو على حذفِ «أن» المفسرةِ؛ لأنَّ في النِّداءِ معنَى القولِ، ويجوزُ أن تكونَ بتقديرِ (أن) المصدريةِ قبلَها حرفُ جرٍّ مقدرٍ، أي: بأنْ ناداه [130] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/695)، ((تفسير البيضاوي)) (5/283)، ((تفسير أبي حيان)) (10/398)، ((تفسير أبي السعود)) (9/99)، ((حاشية الشهاب على البيضاوي)) (8/315)، ((تفسير الألوسي)) (15/230)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/75). .
- وجُملةُ إِنَّهُ طَغَى تَعليلٌ للأمرِ في قولِه: اذْهَبْ، أو لوُجوبِ الامتِثالِ بهِ؛ ولذلك افتُتِحَتْ بحَرفِ (إنَّ) الَّذي هو للاهتِمامِ، ويُفيدُ مُفادَ التَّعليلِ [131] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/99)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/75)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/366). .
- قولُه: فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى بدَأَ مُخاطَبتَه بالاستِفهامِ الَّذي معناه العَرْضُ والتَّرغيبُ، كما يقولُ الرَّجُلُ لضَيفِه: هل لك أنْ تَنزِلَ بنا؟ وأَردَفَه الكلامَ الرَّقيقَ؛ لِيَستدعيَه بالتَّلطُّفِ في القولِ، ويَستنزِلَه بالمُداراةِ مِن عُتُوِّه، وهذا ضربُ تفصيلٍ لقولِه تعالى: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [132] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/695)، ((تفسير البيضاوي)) (5/283)، ((تفسير أبي السعود)) (9/99)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/75)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/366). [طه: 44] .
- وقولُه: هَلْ لَكَ تركيبٌ جرَى مَجرى المَثَلِ، فلا يُغيَّرُ عن هذا التَّركيبِ؛ لأنَّه قُصِد به الإيجازُ، وهو كلامٌ يُقصَدُ منه العَرْضُ [133] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/76). .
- ولَكَ خبرُ مُبتدأٍ محذوفٍ، تقديرُه: هل لك رغبةٌ في كذا؟ فحُذِف (رغبةٌ) واكتُفِيَ بدَلالةِ حرفِ (في) عليه، وقالوا: هل لَك إلى كذا [134] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/76). .
- وذَكَر مُوسى عليه السَّلامُ لِفِرعونَ الإلهَ الحَقَّ بوصْفِ رَبِّكَ دونَ أنْ يذكُرَ له اسمَ اللهِ العَلَمَ أو غيرَه مِن طُرُقِ التَّعريفِ؛ إلطافًا في الدَّعوةِ إلى التَّوحيدِ، وتجنُّبًا لاستِطارةِ نفْسِه نُفورًا؛ لأنَّه لا يُعرَفُ في لُغةِ فِرعونَ اسمٌ للهِ تعالى، ولو عرَّفَه له باسمِه في لغةِ إسرائيلَ لَنَفَرَ؛ لأنَّ فِرعونَ كان يَعبُدُ آلهةً باطلةً، فكان في قولِه: إِلَى رَبِّكَ وفِرعونُ يَعلَمُ أنَّ له ربًّا: إطماعٌ له أنْ يُرشِدَه موسى إلى ما لا يُنافي عقائدَه، فيُصْغي إليه سمْعَه، حتَّى إذا سَمِع قولَه وحُجَّتَه داخَلَه الإيمانُ الحقُّ مدرَّجًا؛ ففي هذا الأسلوبِ استنزالٌ لطائرِه [135] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/78). .
- قولُه: فَتَخْشَى الخَشيةُ: الخَوفُ، فإذا أُطلِقَت في لِسانِ الشَّرعِ يُرادُ بها خَشيةُ اللهِ تعالَى، ولهذا نُزِّلَ فِعلُها هنا مَنزِلةَ اللَّازمِ، فلمْ يُذكَرْ له مَفعولٌ؛ لأنَّ المَخْشيَّ مَعلومٌ، مِثل فِعلِ الإيمانِ في لِسانِ الشَّرعِ؛ يُقال: آمَنَ فُلانٌ، وفُلانٌ مؤمنٌ، أي: مُؤمنٌ باللهِ ووَحدانيَّتِه [136] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/78). .
- وتَفريعُ فَتَخْشَى على (أَهْدِيَكَ) إشارةٌ إلى أنَّ خشيةَ اللهِ لا تكونُ إلَّا بالمعرفةِ. وفي الاقتِصارِ على ذِكرِ الخشيةِ إيجازٌ بليغٌ؛ لأنَّ الخشيةَ مِلاكُ كلِّ خيرٍ [137] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/695)، ((تفسير البيضاوي)) (5/283)، ((تفسير أبي حيان)) (10/398)، ((تفسير أبي السعود)) (9/99)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/77)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/367). .
- وجاء تَرتيبُ الجُمَلِ أحسنَ تَرتيبٍ، حيثُ جاء تَرتيبُها في الذِّكرِ مُراعًى فيه ترتُّبُها في الحُصولِ؛ فلذلك لم يُحتَجْ إلى عطفِ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ بفاءِ التَّفريعِ؛ إذْ كثيرًا ما يُسْتغنَى بالعَطْفِ بالواوِ مع إرادةِ التَّرتيبِ عن العَطْفِ بحرْفِ التَّرتيبِ؛ لأنَّ الواوَ تُفيدُ التَّرتيبَ بالقَرينةِ، ويُسْتغنَى بالعطْفِ عن ذِكرِ حرْفِ التَّفسيرِ في العطْفِ التَّفسيريِّ الَّذي يكونُ الواوُ فيه بمعْنى (أيْ) التَّفسيريَّةِ؛ فإنَّ أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ في قوَّةِ المفرَدِ، والتَّقديرُ: هلْ لك في التَّزكيةِ وهِدايتي إيَّاك فخَشْيتِك اللهَ تعالَى [138] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/77). ؟
2- قولُه تعالَى: فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى
- قولُه: فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى الفاءُ فَصيحةٌ تُفصِحُ عن جُمَلٍ قد طُويَتْ؛ تعويلًا على تفصيلِها في السُّوَرِ الأُخرى، وتفريعٌ على مَحذوفٍ يَقتضيهِ قولُه: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ [النازعات: 17] ، والتَّقديرُ: فذهَبَ فدَعاهُ فكَذَّبَه فأَراهُ الآيةَ الكُبرى [139] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/283)، ((تفسير أبي حيان)) (10/398)، ((تفسير أبي السعود)) (9/99)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/78)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/367). .
- وأُعقِبَ فعلُ فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى بفعلِ فَكَذَّبَ؛ للدَّلالةِ على شِدَّةِ عِنادِه ومُكابَرتِه، حتَّى إنَّه رأى الآيةَ فلم يَتردَّدْ ولم يَتمهَّلْ حتَّى يَنظُرَ في الدَّلالةِ، بل بادَرَ إلى التَّكذيبِ والعِصيانِ [140] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/78). .
- و(ثمَّ) حرْفُ عطْفٍ للتَّرتيبِ مع التَّراخي، وأتى بها؛ لأنَّ إبطالَ الإيمانِ ونقْضَه يَقتضي زمانًا طويلًا [141] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/367). .
- وقيل: عُطِف قولُه: ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى بحرفِ (ثُمَّ)؛ للدَّلالةِ على التَّراخي الرُّتَبيِّ كما هو شأنُها في عَطفِ الجُمَلِ، فأفادَتْ (ثُمَّ) أنَّ مضمونَ الجُملةِ المعطوفةِ بها أَعلى رُتبةً في الغرَضِ الَّذي تَضمَّنَتْه الجملةُ قبْلَها، أي: إنَّه ارتقى مِن التَّكذيبِ والعِصيانِ إلى ما هو أشدُّ، وهو الإدبارُ، والسَّعيُ، وادِّعاءُ الإلهيَّةِ لنفْسِه، أي: بعدَ أنْ فكَّرَ مَلِيًّا لم يَقتنِعْ بالتَّكذيبِ والعِصيانِ، فخَشِيَ أنَّه إنْ سكَتَ رُبَّما تَرُوجُ دعوةُ موسى بيْنَ النَّاسِ، فأرادَ الحَيطةَ لدَفْعِها وتحذيرَ النَّاسِ منها [142] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/79). .
- قولُه: ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى الإدبارُ كِنايةٌ عن إعْراضِه عن الإيمانِ [143] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/399)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/79). . وعلى القولِ بأنَّ المرادَ: (ثمَّ أقبَلَ)، أي: أنشَأَ يَسْعى؛ فوُضِعَ مَوضعَهُ (أدبَرَ)؛ تَحاشيًا عن وصْفِه بالإقبالِ [144] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/696)، ((تفسير أبي السعود)) (9/100). .
- والسَّعيُ: شِدَّةُ المشيِ، وهو هنا مُعبَّرٌ به عن الحرْصِ والاجتهادِ في أمْرِه النَّاسَ بعدمِ الإصغاءِ لكلامِ موسى، فهو يَجتهِدُ في مُكايَدةِ مُوسى عليه السَّلامُ، وجمَعَ السَّحَرةَ لمُعارَضةِ مُعجِزتِه؛ إذ حَسِبَها سِحرًا [145] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/399)، ((تفسير أبي السعود)) (9/100)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/79). .
3- قولُه تعالَى: فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى
- حُذِف مفعولُ (حشَرَ) و(نادَى) لظُهورِه؛ لأنَّ الَّذين يُحشَرونَ ويُنادَونَ هم أهلُ مَدينتِه مِن كلِّ صِنفٍ [146] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/80). .
- وعُطِف فَنَادَى بالفاءِ؛ لإفادةِ أنَّه أعلَنَ هذا القولَ لهم بفَورِ حُضورِهم؛ لفَرْطِ حِرصِه على إبلاغِ ذلك إليهم [147] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/80). .
- وإسنادُ الحشرِ والنِّداءِ إلى فِرعونَ وإن لم يُباشِرْ بنفْسِه حَشْرَ النَّاسِ ولا نِداءَهم، ولكنَّه أمَرَ أتْباعَه وجُندَه، فأُسنِدَ إليه؛ لأنَّه الَّذي أمَرَ به [148] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/80). .
- وصِيغةُ الحَصرِ في أَنَا رَبُّكُمُ لرَدِّ دَعوةِ موسَى عليه السَّلامُ [149] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/80). .
- وقولُه: فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى يجوزُ أنْ يكونَ بدَلًا مِن جُملةِ فَنَادَى بدَلًا مُطابِقًا بإعادةِ حرْفِ العطْفِ، وهو الفاءُ؛ لأنَّ البدَلَ قدْ يَقترِنُ بمِثلِ العاملِ في المُبدَلِ منه لقَصْدِ التَّأكيدِ [150] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/80). .
4- قولُه تعالَى: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى
- جملةُ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى مُفرَّعةٌ عن الجُمَلِ الَّتي قبْلَها، أي: كان ما ذُكِر مِن تكذيبِه وعِصيانِه وكَيدِه سببًا لأنْ أخَذَه اللهُ، وهذا هو المقصودُ مِن سَوقِ القِصَّةِ، وهو مناطُ مَوعظةِ المُشرِكينَ وإنذارِهم، مع تسليةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتثبيتِه [151] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/81). .
- ووُرودُ فِعلِ (أخَذَه) بصِيغةِ المُضِيِّ مع أنَّ عذابَ الآخِرةِ مُستقبَلٌ ليومِ الجزاءِ، مُراعًى فيه أنَّه لَمَّا مات ابتدَأَ يذوقُ العذابَ حينَ يَرى مَنزلتَه الَّتي سيَؤولُ إليها يومَ الجزاءِ [152] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/82). .
- وتَقديمُ الآخِرةِ على الأُولى في الذِّكرِ؛ لأنَّ أمْرَ الآخِرةِ أعظَمُ [153] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/82). .
- وجاء في آخِرِ القِصَّةِ بحَوصلةٍ وفَذْلَكةٍ [154] الفَذْلَكة: مِن فَذْلَكَ حِسابَه فَذْلَكةً، أي: أنْهاهُ وفَرَغ منه، وذكَر مُجمَلَ ما فُصِّل أوَّلًا وخُلاصتَه. والفَذْلَكةُ كلمةٌ منحوتةٌ كـ (البَسملةِ) و(الحَوقَلةِ)، مِن قولِهم: (فذَلِكَ كذَا وكذَا عددًا). ويُرادُ بالفَذْلَكةِ: النَّتيجةُ لِمَا سبَق مِن الكلامِ، والتَّفريعُ عليه، ومنها فَذْلَكةُ الحسابِ، أي: مُجمَلُ تفاصيلِه، وإنهاؤُه، والفراغُ منه، كقولِه تعالى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ بعدَ قولِه: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196] . يُنظر: ((تاج العروس)) للزَّبِيدي (27/293)، ((كناشة النوادر)) لعبد السلام هارون (ص: 17)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (ص: 638، 639). لِما تَقدَّمَ فقال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى؛ فهو في معْنى البَيانِ لمَضمونِ جُملةِ هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [النازعات: 15] الآياتِ [155] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/82). .
- وتَنوينُ (عِبرةً) للتَّعظيمِ؛ لأنَّ في هذه القِصَّةِ مَواعظَ كثيرةً مِن جهاتٍ هي مَثُلاتٌ للأعمالِ وعواقبِها، ومراقبةِ اللهِ وخشْيتِه، وما يَترتَّبُ على ذلك وعلى ضدِّه مِن خيرٍ وشرٍّ في الدُّنيا والآخرةِ، وجُعِل ذلك عِبرةً لِمَن يَخْشى، أي: مَن تُخالِطُ نفْسَه خشيةُ اللهِ؛ لأنَّ الَّذين يَخشَونَ اللهَ هم أهلُ المعرفةِ الَّذين يَفهَمونَ دَلالةَ الأشياءِ على لَوازِمِها وخَفاياها [156] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/82). .
- وفي هذا تعريضٌ بالمُشرِكينَ بأنَّهم ليسوا بأهلٍ للانتفاعِ بمِثلِ هذا كما لم يَنتفِعْ بمِثلِه فِرعونُ وقَومُه. وفي القصَّةِ كلِّها تعريضٌ بسادةِ قُريشٍ مِن أهلِ الكُفرِ مِثلِ أبي جَهلٍ بتنظيرِهم بفِرعونَ، وتنظيرِ الدَّهْماءِ بالقَومِ الَّذين حشَرَهم فِرعونُ ونادى فيهم بالكفرِ، وقد عَلِم المُسلِمونَ مَضرِبَ هذا المَثَلِ؛ فكان أبو جهلٍ يُوصَفُ عِندَ المُسلِمينَ بفِرعونِ هذه الأُمَّةِ [157] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/82). .
- وتأكيدُ الخبرِ بـ (إنَّ) ولامِ الابتِداءِ؛ لتنزيلِ السَّامِعينَ الَّذين سِيقَتْ لهم القِصَّةُ مَنزِلةَ مَن يُنكِرُ ما فيها مِن المَواعِظِ؛ لعدَمِ جَرْيِهم على الاعتبارِ والاتِّعاظِ بما فيها مِن المواعظِ [158] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/83). .