موسوعة التفسير

سُورةُ النِّساءِ
الآيات (66- 70)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ

غريبُ الكَلِمات:

أَشَدَّ تَثْبِيتًا: أي: أشدَّ لتَحصيل عِلمهم، وقيل: أثبَت لأعمالِهم، واجتناءِ ثمرةِ أفعالِهم، وأصل الثَّباتُ: ضدُّ الزَّوال، أو دوام الشَّيء يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 97)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/399)، ((المفردات)) للراغب (ص: 171). .
الصِّدِّيقِينَ: جمع صِّدِّيق، وهو المُصدِّقُ قولَه بفِعلِه أو صدَق بقولِه واعتقادِه وحقَّق صِدْقَه بفِعلِه ، أو مَن كَمَل في صِدْقِه وتَصديقِه ، وقيل: هو مَن كثُر منه الصِّدق، وقيل: هَو مَنْ لا يَكذِب قطُّ، أو مَن لا يَتأتَّى منه الكذبُ؛ لتعوُّده الصِّدق، وأصل (صدق): يدلُّ على قوَّة في الشيء قولًا وغيرَه ينظر: ((تفسير الطبري)) (7/212)، ((المفردات)) للراغب (ص: 479) ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/339). .
رَفِيقًا: أي: رُفقاء, وأصل (رفق): يدلُّ على موافَقةٍ ومقاربةٍ بلا عنف يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/418)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 67)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 138). .

المَعْنى الإجماليُّ:

يُخبِر تعالى أنَّه لو فَرضَ على أولئك الَّذين يزعمون أنَّهم آمَنوا بما أُنزِل إلى محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، والمحتكمين إلى الطَّاغوتِ، لو فَرضَ عليهم أن يقتُلَ بعضُهم بعضًا، وأن يفارقوا ديارَهم، فلن يفعل ذلك إلَّا القليلُ منهم، ولو أنَّهم فعَلوا ما يُذَكَّرون به مِن فِعل الأوامرِ، واجتناب ما نُهوا عنه، لكان فعلُهم هذا خيرًا وأكثرَ تثبيتًا لهم، وسيعطيهم الله تعالى كما وعد أجرًا عظيمًا من عنده، وسيُرشِدهم إلى الصِّراط المستقيمِ.
ثمَّ يخبر تعالى أنَّه مَن يُطِعِ اللهَ ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم فإنَّه في الجنَّة مع الَّذين أنعَم الله عليهم بالهدايةِ إلى الصِّراط المستقيم من الأنبياءِ، والصِّدِّيقين، والشُّهداء، والصَّالحين، وحسُن هؤلاء رفقاءَ يُجتمع بهم في جنَّاتِ النَّعيم.

تفسير الآيات:

وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ
أي: ولو أنَّا فرضْنا على هؤلاء الَّذين يزعمون أنَّهم آمَنوا بما أُنزل إليك، من المحتكِمين إلى الطَّاغوت أن يقتُلَ بعضُهم بعضًا, وأمرناهم بذلك يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/206)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/490). .
أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ
أو أمرْناهم بالهجرةِ من ديارِهم إلى ديارٍ أخرى يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/206)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/490). .
مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ
أي: ما استجاب لتلك الأوامرِ إلَّا عددٌ قليلٌ منهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/206)، ((تفسير السعدي)) (ص: 185)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/490-491). .
وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ
أي: ولو أنَّ أولئك المنافقينَ فعَلوا ما يُذَكَّرون به من فِعل الأوامرِ، واجتنابِ النَّواهي، ومِن ذلك التَّحاكمُ إلى الكتاب والسُّنَّة يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/208)، ((تفسير ابن كثير)) (2/353)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/490-491). .
لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ
أي: لو أنَّهم فعلوا ما يُوعَظون به، لكان أفضلَ لهم من مخالفةِ الأمرِ، وارتكابِ النَّهي في عاجلِ دُنياهم، وآجلِ معَادِهم، ولكانوا من الأخيارِ المتَّصفينَ بأوصافِهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/208)، ((تفسير ابن كثير)) (2/353)، ((تفسير السعدي)) (ص: 185)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/491). .
وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا
أي: وأثبَتَ لهم في أمورِهم وعزائِمِهم, وأقومَ لهم عليها، وأشدَّ ثباتًا على الحقِّ؛ فالإنسانُ كلَّما ازداد طاعةً لله ازدادَ إيمانًا ويقينًا وثباتًا عند ورود الفِتَن يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/208-210)، ((تفسير ابن كثير)) (2/353)، ((تفسير السعدي)) (ص: 185)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/491). .
وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67)
أي: ولَأَعطيناهم كذلك جزاءً وثوابًا عظيمًا من عندِنا في العاجلِ والآجِل يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/210)، ((تفسير ابن كثير)) (2/353)، ((تفسير السعدي)) (ص: 185)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/493-494). .
وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)
أي: ولأرشدْناهم ووفَّقْناهم إلى الصِّراط المستقيم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/210)، ((تفسير ابن كثير)) (2/353)، ((تفسير السعدي)) (ص: 185)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/494). .
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا أمَر اللهُ تعالى بطاعة الله وطاعةِ الرَّسول بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء: 59] ، ثمَّ زيَّف طريقةَ الَّذين تحاكموا إلى الطَّاغوتِ وصدُّوا عن الرَّسول، ثمَّ أعاد الأمرَ بطاعة الرَّسول مرَّة أخرى فقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء: 64] ، ثمَّ رغَّب في تلك الطَّاعة بقوله: لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء: 66- 68] أكَّد الأمرَ بطاعة اللهِ وطاعة الرَّسولِ في هذه الآية مرَّة أخرى يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/132). .
سَببُ النُّزول:
عن عائشةَ رضِي اللهُ عنها، قالت: ((جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: يا رسول الله، إنَّك لَأحبُّ إليَّ من نفسي، وإنَّك لأحبُّ إليَّ من ولدي، وإنِّي لأكونُ في البيت فأذكُرُك فما أصبِر حتَّى آتيَ فأنظُرَ إليك، وإذا ذكرتُ موتي وموتَك عرفتُ أنَّك إذا دخلْتَ الجنَّة رُفِعْتَ مع النَّبيِّين، وأنِّي إذا دخلتُ الجنَّة خَشِيتُ ألَّا أَراك، فلم يرُدَّ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم شيئًا حتَّى نزل عليه جبريلُ بهذه الآية: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ)) رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (477)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (4/239) حسَّنه الضياء كما في ((الدر المنثور)) للسيوطي (4/527)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/10): رجالُه رجالُ الصَّحيح غير عبد الله بن عمران العابديِّ، وهو ثقة. ووثَّق رِجالَه ابنُ حجر في ((العجاب)) (2/914)، وصحَّحه لغيره أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/537)، وذكر الألبانيُّ في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/1044) أن فيه عبدُ الله بن عمران صدوق، ويُقوِّيه أنَّ له شواهدَ مُرسلةً. وقال الوادعيُّ في ((صحيح أسباب النزول)) (80): له شواهدُ تَزيده قُوَّةً. .
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
أي: مَن يمتثِلْ أمرَ الله تعالى ورسولِه عليه الصَّلاة والسَّلام، ويجتنِبْ نهيَهما، فهو في الجنَّة مع مَن أنعَم الله تعالى بهدايتِهم إلى الصِّراطِ المستقيم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/210)، ((تفسير ابن عطية)) (2/76)، ((تفسير ابن كثير)) (2/353)، ((تفسير السعدي)) (ص: 186). قال القرطبيُّ: (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ، أي: هُم معهم في دارٍ واحدةٍ، ونعيمٍ واحد، يَستمتعون برؤيتهم والحُضور معهم، لا أنَّهم يُساوونهم في الدرجة؛ فإنَّهم يتفاوتون، لكنَّهم يتزاورون للاتِّباع في الدنيا والاقتداء، وكل مَن فيها قد رُزِق الرِّضا بحاله، وقد ذهَب عنه اعتقادُ أنَّه مفضولٌ) ((تفسير القرطبي)) (5/272). وقيل: المعيَّةُ في قوله تعالى: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ في الآخِرة وفي الدنيا أيضًا؛ لأنَّ كلَّ مَن اعتنق طريقَ شخص فهو معه في الواقع. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/504). .
مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ
أي: مِن الرُّسل والأنبياء الَّذين فضَّلهم الله تعالى بوحيِه، والصِّدِّيقين الَّذين كمَلَ صدقُهم وتصديقُهم، فعلِموا الحقَّ وصدَّقوه بيقينهم، وقاموا به قولًا وعملًا وحالًا، والشُّهداء الَّذين قُتِلوا في سبيل الله تعالى لإعلاء كلمتِه، والصَّالحين الَّذين صلَحَتْ سرائرُهم وعلانيتُهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/212)، ((تفسير ابن كثير)) (2/353)، ((تفسير السعدي)) (ص: 185-186). .
عن عائشةَ رضِي اللهُ عنها، قالت: ((سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ما من نبيٍّ يَمرَضُ إلَّا خُيِّر بين الدُّنيا والآخِرَةِ، وكان في شَكواه الَّذي قُبِض فيه، أخَذَتْه بُحَّةٌ شديدةٌ، فسمِعتُه يقولُ: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، فعلِمتُ أنَّه خُيِّر)) رواه البخاري (4586). .
وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا
أي: وحَسُنَ هؤلاء- الَّذين وصفَهم اللهُ عزَّ وجلَّ- رُفقاءَ يُجتمَعُ بهم في جَنَّات النَّعيم، ويُؤنَس بقُربهم في جوار الرَّبِّ الرَّحيم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/212)، ((تفسير ابن كثير)) (2/353)، ((تفسير السعدي)) (ص: 186)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/504-505). .
عن عائشةَ رضِي اللهُ عنها، قالت: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو صحيحٌ يقول: إنَّه لم يُقبَضْ نبيٌّ قطُّ حتَّى يرَى مَقْعَدَهُ في الجنَّةِ، ثمَّ يُحَيَّا، أو يُخَيَّرَ، فلمَّا اشتكى وحضرَهُ القبضُ، ورأْسُهُ علَى فخِذِ عائِشَةَ غُشِيَ عليهِ، فلمَّا أفاقَ شخصَ بَصرُهُ نحوَ سقفِ البيتِ، ثمَّ قال: اللَّهُمَّ في الرَّفيقِ الأعلَى فقُلْت: إذًا لا يُجاوِرُنا، فعرفتُ أنَّه حديثُهُ الَّذي كان يُحَدِّثُنا وهو صحيحٌ )) رواه البخاري (4437). .
ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)
ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ
أي: ذلك الإنعامُ الَّذي نالوه عطاءٌ وفضلٌ من اللهِ تعالى عليهم؛ فهو الَّذي برحمتِه أهَّلهم ووفَّقهم لذلك، وأعانَهم عليه، لا بأعمالِهم؛ فقد أعطاهم من الثَّوابِ ما لا تبلُغُه أعمالُهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/216-217)، ((تفسير ابن كثير)) (2/357)، ((تفسير السعدي)) (ص: 186). .
وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا
أي: وحسْبُ العبادِ باللهِ عالِمًا بأعمالهم وأحوالهم، فيعلَمُ مَن يستحقُّ منهم الهدايةَ والتَّوفيقَ، والثَّوابَ الجزيل يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/217)، ((تفسير ابن كثير)) (2/357)، ((تفسير السعدي)) (ص: 186). .

الفوائد التربوية:

1- في قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ: إشارةٌ إلى أنَّه ينبغي أن يلحَظَ العبدُ ضدَّ ما هو فيه من المكروهات، لتخفَّ عليه العباداتُ، ويزداد حمدًا وشكرًا لربِّه يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 185). .
2- في قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ: بيان ضَعْفِ الإنسان، وأنَّه لا يستطيعُ أن يتحمَّل كلَّ ما أُمِر به إذا كان لا يلائمه، لا سيَّما مع ضَعْف الإيمان يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/491). .
3- أَنَّ النَّاجيَ من العِباد قليلٌ؛ لقوله: مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ، فهل أنت من هؤلاء القليل أو من الكثير يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/491). ؟!
4- أنَّ طاعةَ الله تعالى سببٌ لكلِّ خيرٍ؛ لقوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/492). .
5- في قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا أنَّه ينبغي للعبدِ أن يَنظُرَ إلى الحالة الَّتي يَلزمُه القيامُ بها، وإلى ما وُظِّف عليه في كلِّ وقت بحَسَبه، فيَبذل همَّتَه، ويُوفِّر نفسَه للقيام به وتكميله، إلى أنْ يصلَ إلى ما قُدِّر له مِن العِلم والعمَل في أمر الدِّين والدُّنيا، وهذا بخِلافِ مَن طمَحَتْ نفسُه إلى أمرٍ لم يصِلْ إليه ولم يؤمَرْ به بعدُ، فإنَّه لا يكادُ يصلُ إلى ذلك بسبب تفريقِ الهمَّة، وحُصولِ الكسَل وعدم النَّشاط يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 185). .
6- الإشارةُ إلى عَظيمِ ما يحصُلُ في المستقبلِ، وأنَّ الإنسانَ يُخشى عليه من الزَّللِ، إلَّا أنْ يُثبِّتَه الله؛ لقوله: وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا؛ لأنَّ التَّثبيتَ على غيرِ مواطنِ الزَّللِ لا يُذكَر، إنَّما يُذكَر التَّثبيتُ في حالِ مواطنِ الزَّلل، ومعلوم أنَّ الإنسانَ يرِدُ عليه في حياته شبهاتٌ، ويرِدُ عليه شهواتٌ؛ فالشُّبهاتُ تدُكُّ العِلم وتُذهِبُه، والشَّهوات تدُكُّ الإرادةَ حتَّى يصبحَ الإنسانُ لا يريد إلَّا ما يهواه فقط، وهذه آفةٌ؛ فالإنسانُ يُحيط به شيئان: شبهةٌ يزولُ بها العِلمُ، وشهوةٌ تزولُ بها الإرادةُ، فإذا لم يثبِّتْه اللهُ بالعِلم والإرادة الصَّادقة والعزيمة الجازمة فإنَّه يهلِكُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/492). .
7- أنَّ الإيمانَ يتفاوت؛ لأنَّ قوله: خَيْرًا اسمُ تفضيل، ويَقتضي وجودَ مفضَّل ومفضَّل عليه، وهذا هو التفاوتُ، وكذلك يؤخذ من قوله: وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/493). .
8- في قوله تعالى: ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ الحثُّ على توجُّه الإنسانِ إلى ربِّه في سؤالِ مطلوبه، ووجهُه: أنَّه إذا كان الفضلُ من الله، فلا تسأَلِ الفضلَ إلَّا ممَّن بيدِه الفضلُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/509). .
9- في قوله تعالى: وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا تفويضُ الأمرِ إلى الله، وأنَّ الله تعالى إذا فضَّل أحدًا على أحدٍ، فاعلَمْ أنَّ ذلك عن علمٍ وليس عبثًا؛ ولهذا لَمَّا قال المكذِّبون: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ [الأنعام: 124] ردَّ اللهُ عليهم فقال لهم: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام: 124] أي: وأنتم لستم أهلًا للرِّسالةِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/509). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائف:

1- أنَّ قتلَ النَّاسِ بعضِهم بعضًا من أشقِّ ما يكون على النُّفوسِ؛ قال تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/491). .
2- وفي قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ دليلٌ على صعوبةِ الخروج من الدِّيار؛ إذ قرَنه اللهُ تعالى بقتل الأنفس يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/696). .
3- في قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ إنَّما سُمِّي هذا التَّكليفُ والأمرُ وعظًا؛ لأنَّ تكاليفَ الله تعالى مقرونةٌ بالوعد والوعيد يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/131). .
4- في قوله تعالى: وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا دليلٌ على بُطلان قولِ الصُّوفيَّة الَّذين يقولون: اعبُدِ اللهَ للهِ، ولا تعبُدْه لثوابِ اللهِ؛ ووجه الدَّلالة: أنَّه لولا أنَّ لذِكر الثَّواب تأثيرًا في العمل لكان ذِكرُه عبثًا ولغوًا؛ فالله عزَّ وجلَّ لم يذكُرِ الثَّواب، ويُرغِّبْ في العملِ من أجل الثَّواب إلَّا ليُبيِّن أنَّ نيةَ الثَّواب لا تُضعِف العملَ ولا تنافي الإخلاص، وقد وصَف الله نبيَّه محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم والَّذين معه بأنَّهم يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا، فقال تعالى: تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا [الفتح: 29] ، وجاء في آيةٍ أخرى المدحُ للَّذين يبتغون وجهَ الله، فيكون هذا دليلًا على أنَّك إن أردتَ وجهَ الله فإنَّك مُثابٌ، وإن أردتَ ثواب الله فإنَّك مثابٌ أيضًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/495). .
5- قوله: أَجْرًا عَظِيمًا أي: ثوابًا، وسمَّى الله تعالى الثَّواب الَّذي جعَلَه على الأعمال أجرًا، ليتبيَّن للإنسان أنَّ هذا الثَّوابَ لا بدَّ من حصوله، كما أنَّه لا بدَّ من حصولِ الأجر لمن استأجر بيتًا أو نحوه، فلا بدَّ أن يحصُلَ على الأُجرة يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/494). .
6- في قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا بيانُ أنَّ مَن أطاع اللهَ ورسولَه أنَّه يكونُ مع النَّبيِّين والصِّدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين، ليس ذلك فقط، بل ذكَر أنَّه يكون رفيقًا له، والرَّفيق هو الَّذي يُرتَفَق به في الحضَر والسَّفر، فبيَّن أنَّ هؤلاء المطيعين يرتفقونَ بهم، وإنَّما يرتفقونَ بهم إذا نالوا منهم رفقًا وخيرًا، والإنسانُ قد يكون مع غيره ولا يكون رفيقًا له، فأمَّا إذا كان عظيمَ الشَّفقة عظيمَ الاعتناءِ بشأنِه كان رفيقًا له، فبيَّن تعالى أنَّ الأنبياءَ والصِّدِّيقين والشُّهداءَ والصَّالحين يكونون له كالرُّفقاء من شدَّةِ محبَّتهم له، وسُرورهم برُؤيته يُنظر: ((تفسير الرازي)) (10/136). .

بَلاغةُ الآياتِ:

1- قوله: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ... كلامٌ مُستأنَّفٌ فيه توبيخٌ عظيم؛ وهو مسوقٌ لتوبيخِ الذين يَتقاعَسون عن الاستجابةِ للرَّسول وطاعتِه يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/530)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (2/253). .
2- قوله: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ: جِيءَ باسمِ الإشارةِ فَأُولَئِكَ في جُملةِ جواب الشَّرط؛ للتَّنبيهِ على جَدارتِهم بمضمون الخبرِ عن اسمِ الإشارة؛ لأجْلِ مضمون الكلام الَّذي قبْل اسمِ الإشارة يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/116). .
3- قوله: مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ فيه: تقسيمٌ بليغ يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/709). ، وحُسْنُ تَرتيبٍ في التَّقديمِ والتَّأخيرِ، حيثُ قدَّم الأشرفَ بالفَضيلةِ يُنظر: ((البرهان)) للزركشي (3/255). ؛ فمرتبةُ النبوَّةِ أشرفُ وأفضلُ من مرتبةِ الصِّدِّيقيَّة، ومَرتبةُ الصِّدِّيقيَّةِ أشرفُ وأفضلُ من مرتبةِ الشَّهادةِ، ومرتبةُ الشَّهادةِ أشرفُ وأفضلُ من مرتبة الصَّلاح يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (9/149). .
- وجاءَ قوله: وَالصِّدِّيقِينَ على صِيغة المبالغةِ؛ للدَّلالةِ على أنَّهم مُتقدِّمون في تَصديقِهم، مُبالِغون في الصِّدق يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/199). .
4- قوله: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقًا تذييلٌ مقرِّرٌ لِما قبله، مؤكِّدُ للتَّرغيبِ والتَّشويق يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/199). .
- وفيه معنى التَّعجُّب، كأنَّه قيل: وما أحسَنَ أولئك رَفيقًا يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/531)، ((تفسير أبي السعود)) (2/199). وينظر أيضًا: ((تفسير أبي حيان))  (3/702). !
- وجاء قوله: رَفِيقًا مفردًا مع أنَّه صِفة لجمْع؛ لأنَّ الواحدَ في التمييزِ ينوبُ عن الجماعةِ، ولأنَّ الرَّفيقَ والرسولَ والبَريدَ تُعبِّر بها العربُ عن الواحدِ والجَمْع. وقيل: معنى قوله: وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، أي: حسُن كلُّ واحد منهم رفيقًا، كما قال: يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [غافر: 67] يُنظر: ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/78)، ((تفسير الرازي)) (10/136). .
5- قوله: ذَلِكَ الْفَضْلُ التعبيرُ باسمِ الإشارةِ ذَلِكَ وما فيه مِن مَعنى البُعد؛ للإشعارِ بعلوِّ رُتبته، وبُعدِ منزلتِه في الشَّرف يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/199). .