الموسوعة الحديثية


- عن عائشةَ قالت : سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ : ما من نبيٍّ مرِض إلَّا خُيِّر بين الدُّنيا والآخرةِ ، قالت : ولمَّا كان في مرضِه الَّذي قُبِض فيه أخذته بحَّةٌ شديدةٌ فسمِعتُه يقولُ : مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا فعلِمتُ أنَّه خُيِّر
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : ابن عبدالبر | المصدر : التمهيد | الصفحة أو الرقم : 24/269 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
مِن كَرامةِ اللهِ تعالى لأنبيائِه ورُسُلِه: أنَّه لا يَمُوتُ نَبِيٌّ حتَّى يُخيَّرَ بين الدُّنيا والآخِرَةِ، بالبَقاءِ في الدُّنيا والمَصيرِ إلى اللهِ تَعالى، وما كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِيَخْتارَ غيرَ الآخِرَةِ.
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ أُمُّ المُؤمِنينَ عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها: أنَّها سَمِعَتْ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: "ما من نَبِيٍّ"، أي مِنَ الأنْبِياءِ السابِقينَ "مَرِضَ"، أي: وَقَعَ به المَرَضُ الذي يَموتُ فيه، "إلَّا خُيِّرَ بين الدُّنيا والآخِرَةِ"، أي خيَّره اللهُ عزَّ وجلَّ بين البقاءِ في الدُّنيا مُدَّةً أخرى، أو الموْتِ وما عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولا شَكَّ أنَّ الجميعَ يَخْتارُ ما عندَ اللهِ؛ لأنَّه خيْرٌ وأبْقى، "ولما كان"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "في مَرَضِهِ الذي قُبِضَ فيه أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَديدَةٌ" والبُحَّةُ غِلَظُ الصَّوْتِ وخُشونَتُهُ، وقيل: هي شَيْءٌ يَغوصُ في الحَلْقِ؛ فيَغيَّرُ له الصَّوتُ فيَغلُظُ، فسَمِعْتُهُ يقولُ: "مع الذين أنْعَمَ اللهُ عليهم مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهَداءِ والصَّالِحينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفيقًا"، وفي رِوايَةِ أحْمَدَ قال: "بلِ الرَّفيقَ الأعْلى"، والمَعْنى أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال هذه المَقولَةَ، ومَعْناها: أنَّه اخْتارَ أنْ يكونَ عندَ اللهِ في الجنَّةِ، وفي رُفْقةِ المَلَأِ الأعْلى بدلًا من البَقاءِ في الدُّنيا، وهنا قالت عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنه: "فعَلِمْتُ أنَّه خُيِّرَ"، أي: بين البَقاءِ في الدُّنيا، وما عندَ اللهِ في الأُخْرى من لِقاءِ اللهِ عزَّ وجلَّ كما خُيِّرَ الأنْبياءُ السَّابِقونَ، وعندَ البُخاريِّ قالتْ: "إذنْ لا يَخْتارُنا، وعَرَفْتُ أنَّه الحَديثُ الذي كان يُحدِّثُنا به"، أي: مِن إخْبارِهِ بأمْرِ تَخييرِ الأنْبياءِ، قالت: "فكانتْ تلك آخِرَ كَلِمَةٍ تكلَّم بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهي قولُهُ: «اللَّهُمَّ الرَّفيقَ الأعْلى»( ).