موسوعة التفسير

سورةُ طه
الآيات (56-64)

ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ

غريب الكلمات:

سُوًى: أي: وسَطًا، وهو مِن الاستواءِ؛ لأنَّ المسافةَ مِن الوسَطِ إلى الطَّرفينِ لا تفاوُتَ فيها، بل هي مُستويةٌ، وأصلُ (سوي): يدلُّ على استِقامةٍ، واعتِدالٍ بين شيئَينِ [514] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 279)، ((تفسير ابن جرير)) (16/88)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 281)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/112)، ((المفردات)) للراغب (ص: 772)، ((تفسير الزمخشري)) (3/71)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 230)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 288)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/28). .
يَوْمُ الزِّينَةِ: يومُ عيدٍ لهم، وأصلُ (زين): يدُلُّ على حُسنِ الشَّيءِ وتَحسينِه [515] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 279)، ((تفسير ابن جرير)) (16/91)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 257)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/41)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 230)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 493). .
كَيْدَهُ: أي حِيَلَه ومَكْرَه، والكَيدُ: ضَربٌ مِن الاحتيالِ، وقد يكونُ مَذمومًا وممدوحًا، وإن كان يُستعمَلُ في المذمومِ أكثَرَ [516] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 280، 481)، ((تفسير ابن جرير)) (16/93)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/149)، ((المفردات)) للراغب (ص: 728)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 230)، ((تفسير ابن كثير)) (7/139)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 213). .
فَيُسْحِتَكُمْ: أي: يُهلِكَكم ويَستَأْصِلَكم، وأصلُ (سحت): القِشرُ الذي يُستأصَلُ [517] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 280)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/143)، ((المفردات)) للراغب (ص: 399)،  ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 230). .
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى: أي: أخفَوا كلامَهم، والإسرارُ: خِلافُ الإعلانِ، والنَّجوى: المناجاةُ، وأصلُ (نجو): يدُلُّ على سَترٍ وإخفاءٍ [518] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 280)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/67) و(5/397)، ((المفردات)) للراغب (ص: 404)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 230)، ((تفسير الشوكاني)) (3/440). .
بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى: قيل: أي: بجَماعتِكم الأشراف، والعَرَبُ تقولُ للرَّجُلِ الفاضِلِ: هذا طَريقةُ قَومِه؛ فإنَّ الطريقةَ اسمٌ للأفاضِلِ على معنى أنَّهم الذين يُقتَدى بهم ويُتَّبَعُ آثارُهم، وقيل: أراد سُنَّتَكم ودِينَكم، والمثلَى تأنيثُ الأمثلِ، وهو الأفضلُ [519] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 280)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/296)، ((البسيط)) للواحدي (14/450)، ((المفردات)) للراغب (ص: 518)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 231)، ((تفسير القرطبي)) (11/220)، ((تفسير الشوكاني)) (3/441). .
اسْتَعْلَى: أي: غلَبَ وأفلَحَ، وأصْلُ (علو): يدُلُّ على السُّموِّ والارتفاعِ [520] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/106)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/112)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 231)، ((تفسير القرطبي)) (11/221). .

مشكل الإعراب:

قَولُه تعالى: قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ
إِنْ مُخفَّفةٌ مِنَ الثَّقيلةِ مُهمَلةٌ، هَذَانِ مبتدأٌ مرفوعٌ بالألفِ، لَسَاحِرَانِ خبرُ المبتدأِ، و(اللامُ) هي الفارِقةُ بينَ إنِ النَّافيةِ والمخَفَّفةِ. وقال الكوفيُّونَ: إِنْ نافيةٌ بمعنى (ما)، واللامُ في لَسَاحِرَانِ بمعنى (إلَّا)، أي: ما هذان إلَّا ساحرانِ. وقيل: إِنْ مُخَفَّفةٌ عامِلةٌ، واسمُها ضميرُ الشَّأنِ محذوفٌ، هَذَانِ مبتدأٌ مرفوعٌ، لَسَاحِرَانِ (اللامُ) لامُ الابتِداءِ، (ساحرانِ) خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ تقديرُه: هما. وجملةُ (هما ساحرانِ) في محلِّ رفعٍ خبَرُ المبتدأِ (هذان)، وجملةُ (هذان لَهُما ساحِرانِ) في محلِّ رَفعٍ خبَرُ (إن) المخفَّفةِ.
وفي قراءةٍ: بتَشديدِ (إنَّ) [521] قرأ إِنْ بالتخفيفِ ابنُ كثيرٍ وحفصٌ عن عاصمٍ، وقرأها الباقون بتشديدِ النونِ: إِنَّ. يُنظر: ((الحجة في القراءات السبع)) لابن خالويه (ص: 242)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 454). ، وفي تخريجِها وجوهٌ عِدَّةٌ أجوَدُها وأرجَحُها: أنَّها (إنَّ) النَّاصبةُ، (هذان) اسم (إنَّ) منصوبٌ بها، واللامُ لامُ الابتداءِ المُزحلَقةُ، و (ساحرانِ) خبرُ (إنَّ) مرفوعٌ. ومجيءُ اسمِ الإشارةِ بالألفِ هنا مع أنَّه منصوبٌ: جارٍ على لغةِ بعضِ العَرَبِ مِن إجراءِ المثنَّى بالألفِ مُطلَقًا؛ يجعَلونَ المثنَّى كالمقصورِ، فيُثبِتونَ ألفًا في جميعِ أحوالِه، ويُقَدِّرونَ إعرابَه بالحَركاتِ. وقيل: إنَّ هَذَانِ مبنيٌّ؛ لتضَمُّنِه معنى الإشارةِ كمُفرَدِه وجَمعِه. وقيل غيرُ ذلك [522] يُنظر: ((أمالي ابن الحاجب)) (1/157)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (8/63)، ((حاشية الصبان)) (1/119)، ((تفسير الألوسي)) (8/533)، ((الجدول في إعراب القرآن)) لمحمود صافي (16/385). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى مبيِّنًا مدَى تعنُّتِ فرعونَ، واستكبارِه عن قَبولِ الحقِّ: ولقد أَرينا فِرعَونَ جميعَ أدِلَّتِنا وحُجَجِنا الدالَّةِ على صِدْقِ رسالةِ موسى، فكذَّب بها فِرعَونُ وامتنَعَ عن قَبولِ الحَقِّ.
ثمَّ يذكرُ الله تعالى ما قاله فرعونُ لموسى عليه السلامُ على سبيلِ التهديدِ والوعيدِ، فيقول: قال فِرعَونُ: هل جِئتَنا -يا موسى- لِتُخرِجَنا مِن ديارِنا بسِحرِك هذا؟ فلَنأتينَّك بسِحرٍ مِثلِ سِحرِك، فاجعَلْ بيننا وبينك مَوعِدًا مُحدَّدًا لا نُخلِفُه نحن ولا أنت، في مكانٍ وَسَطٍ بيننا. قال موسى لفِرعَونَ: مَوعِدُكم للاجتِماعِ يومُ الزينةِ، حين يتزيَّنُ النَّاسُ ويَجتَمِعونَ في المكان المعتاد لذلك، وأن يساقَ الناسُ للحضورِ في وَقتَ الضُّحَى.
ثمَّ يذكرُ الله تعالى ما كان مِن فرعونَ بعدَ تحديدِ الموعدِ، فيقولُ: فتولَّى فِرعَونُ، فجمَعَ سَحَرتَه، ثمَّ جاء بعد ذلك لموعدِ الاجتِماعِ بموسى.
ويخبرُ الله تعالى عمَّا دارَ بينَ موسَى عليه السلامُ والسحرةِ، فيقول تعالى: قال موسى للسَّحَرةِ يَعِظُهم: ويلَكم! لا تختَلِقوا على اللهِ الكَذِبَ فيُهلِكَكم ويَستأصِلَكم بعَذابٍ مِن عِندِه، وقد خَسِرَ مَن اختلقَ على اللهِ كَذِبًا.
فاختلَف السَّحرةُ، وتحادَثوا سِرًّا فيما بينهم، قالوا: ما موسى وهارونُ إلَّا ساحرانِ، يُريدانِ أن يُخرِجاكم من أرضِ مِصرَ بسِحرِهما، ويَذهَبَا بدينِكم وشريعتِكم، فأحكِموا سِحرَكم، واعزِموا على كيدِ موسى مِن غَيرِ اختِلافٍ بينكم، ثمَّ ائتُوا صفًّا واحِدًا، وقد ظَفِرَ بمَطلوبِه اليومَ مَن علا على صاحِبِه، فغَلَبه وقَهَرَه.

تفسير الآيات:

وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56).
وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا.
أي: ولقد أرَيْنا فِرعَونَ جميعَ مُعجِزاتِنا الدالَّةِ على نبوَّةِ موسى، وصِحَّةِ ما يدعو إليه [523] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/87)، ((تفسير القرطبي)) (11/211)، ((تفسير ابن كثير)) (5/299). قال الشنقيطي: (المرادُ بـ آَتَيْنَا المعهودةِ لموسى كلِّها هي التِّسعُ المذكورةُ في قولِه تعالى: وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ الآية [الإسراء: 101] ، وقولِه تعالى: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ الآية [النمل: 12] ). ((أضواء البيان)) (4/26). .
كما قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ * وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ [الزخرف: 46-50] .
فَكَذَّبَ وَأَبَى.
أي: فكذَّب فِرعَونُ بآياتِ اللهِ، ولم يَقبَلْ ما جاء به موسى وهارونُ مِن تَوحيدِ اللهِ وطاعتِه [524] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/87)، ((تفسير القرطبي)) (11/211)، ((تفسير ابن كثير)) (5/299)، ((تفسير السعدي)) (ص: 508)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/26). .
كما قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل: 14] .
وقال سُبحانَه: وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ [القمر: 41، 42].
قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57).
أي: قال فِرعَونُ: هل جِئتَنا لِتُخرِجَنا مِن دُورِنا ومَنازِلِنا في مِصرَ، وتستوليَ عليها بسِحرِك يا موسى [525] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/88)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 697)، ((تفسير القرطبي)) (11/211)، ((تفسير ابن كثير)) (5/299)، ((تفسير السعدي)) (ص: 508). ؟
كما قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ * قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ [يونس: 76 - 78].
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58).
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ.
أي: لكنَّ مرادَكَ هذا لن يتحَقَّقَ يا موسى؛ فلَنُعارِضَنَّك بسِحرٍ مِثلِ سِحرِك، بواسِطةِ سَحَرتِنا الذين نُحضِرُهم إلينا [526] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/211، 212)، ((تفسير ابن كثير)) (5/299، 300)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/244). .
فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ.
أي: فحدِّدْ بيننا وبينك وَقتًا معيَّنًا ومَكانًا محدَّدًا نجتَمِعُ فيه، فننظُرُ أيُّنا يغلِبُ الآخَرَ، ولا نَقعُدُ نحن ولا أنت عن إتيانِ ذلك الموعِدِ [527] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/88)، ((تفسير ابن كثير)) (5/300)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/301)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/245)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/31). قال الجمل: (وقوله: مَوْعِدًا يجوزُ أن يكونَ زمانًا، ويرجِّحُه قَولُه: قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ. والمعنى: عيِّنْ لنا وقتَ اجتماعٍ؛ ولذلك أجابهم بقَولِه: مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ، ويجوزُ أن يكونَ مكانًا، والمعنى: بيِّنْ لنا مكانًا معلومًا نَعرِفُه نحن وأنت، فنأتيَه، وهذا يؤيِّدُه قَولُه: مَكَانًا سُوًى، ويجوزُ أن يكونَ مَصدرًا، ويؤيِّدُ هذا قَولُه: لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ؛ لأنَّ المواعَدةَ تُوصَفُ بالخُلْفِ وعَدَمِه). ((حاشية الجمل على الجلالين)) (3/103، 104). .
مَكَانًا سُوًى.
أي: في مكانٍ وَسَطٍ [528] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/88)، ((معاني القرآن)) للزجاج (3/360)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/301-302)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/28). قيل: المعنى: في مكانٍ وسَطٍ بينَنا وبينَك. وممن ذهَب إلى هذا المعنى: ابنُ جرير، والزجَّاج، والبقاعي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/88)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (3/360)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/301-302). وقيل: المرادُ: في مكانٍ وسَطَ البلدِ؛ ليتمكَّنَ جميعُ النَّاسِ من الحضور. وممن قال بذلك: الشنقيطي. قال الشنقيطي: (أصح الأقوالِ في قولِه: سُوًى على قراءةِ الكسرِ والضمِّ: أنَّه مكانٌ وسَطٌ تستوي أطرافُ البلدِ فيه؛ لتوسُّطِها بينها، فلم يكنْ أقرَبَ للشَّرقِ مِن الغَربِ، ولا للجنوبِ مِن الشَّمالِ، وهذا هو معنى قولِ المفسِّرينَ: مَكَانًا سُوًى أي: نصَفًا وعَدلًا؛ ليتمَكَّنَ جميعُ النَّاسِ أن يحضُروا). ((أضواء البيان)) (4/28). .
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59).
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ.
أي: قال موسى: مَوعِدُكم هو اليَومُ المخصَّصُ لاجتِماعِ النَّاسِ فيه، وتَزَيُّنِهم وتفَرُّغِهم مِن أعمالِهم، في المكانِ المعتادِ لذلك [529] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/90)، ((تفسير ابن كثير)) (5/300)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/302)، ((تفسير السعدي)) (ص: 508). قال البقاعي: (أي: عيدُكم الذي اعتَدْتُم الاجتِماعَ فيه في المكانِ الذي اعتَدتُموه، فآثَرَ هنا ذِكرَ الزَّمانِ وإن كان يتضمَّنُ المكانَ؛ لِما فيه من عادةِ الجَمعِ). ((نظم الدرر)) (12/302). وقال الشنقيطي: (أقوالُ أهلِ العلم في يومِ الزينةِ راجعةٌ إلى أنَّه يومٌ معروف لهم، يجتَمِعونَ فيه ويتزَيَّنونَ. سواءٌ قلنا: إنَّه يومُ عيدٍ لهم، أو يومُ عاشوراءَ، أو يومُ النيروز، أو يومٌ كانوا يتَّخِذونَ فيه سوقًا ويتزَيَّنون فيه بأنواعِ الزينةِ). ((أضواء البيان)) (4/29). .
وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى.
أي: وأن يُساقَ جَميعُ النَّاسِ مِن كلِّ ناحيةٍ لِحُضورِ اجتِماعِنا في وقتِ الضُّحَى [530] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/90)، ((تفسير ابن كثير)) (5/300)، ((تفسير السعدي)) (ص: 508). قال ابنُ عاشور: (فقوله: يَوْمُ الزِّينَةِ تعيينٌ للوَقتِ، وقوله: وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ تعيينٌ للمكانِ، وقوله: ضُحًى تقييدٌ لمطلقِ الوَقتِ. والضُّحى: وقتُ ابتداء حرارة الشَّمسِ بعد طلوعِها). ((تفسير ابن عاشور)) (16/246). .
فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60).
أي: فتولَّى فِرعَونُ [531] قيل: المعنى: انصرف ليجمَعَ السَّحرةَ ويهيئَ ما يريدُ من الكيد. وممَّن قال بذلك: ابن كثير، والشوكاني، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/300)، ((تفسير الشوكاني)) (3/440)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/247). وقيل: المعنى: فأدبر فِرعَونُ مُعرِضًا عمَّا أتاه به من الحَقِّ. وممن قال بذلك: ابن جرير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/93). وجَمَع البقاعي بين المعنيينِ فقال: (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ عن موسى إلى تهيئةِ ما يريدُ مِن الكيدِ، بعد تولِّيه عن الانقيادِ لأمرِ اللهِ). ((نظم الدرر)) (12/303). ، وشرَعَ يجمَعُ السَّحَرةَ مِن المدائِنِ، ثمَّ جاء لموعِدِ يومِ الزِّينةِ [532] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/93)، ((تفسير القرطبي)) (11/214)، ((تفسير ابن كثير)) (5/300، 301)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/247، 248)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/32). .
كما قال تعالى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ [يونس: 79] .
وقال سُبحانَه: قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ * فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [الشعراء: 36 - 42] .
قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61).
قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ.
أي: قال موسى للسَّحَرةِ [533] ممن نصَّ على أنَّ الخطابَ كان للسحرةِ: ابنُ جريرٍ، والواحدي، والبغوي، وابنُ عطيةَ، وابنُ الجوزي، والرسعني، والنسفي، والخازنُ، والعُليمي، وابنُ عثيمين . يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/93)، ((الوسيط)) للواحدي (3/211)، ((تفسير البغوي)) (3/265)، ((تفسير ابن عطية)) (4/49)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/163)، ((تفسير الرسعني)) (4/524)، ((تفسير النسفي)) (2/370)، ((تفسير الخازن)) (3/207)، ((تفسير العليمي)) (4/302)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النمل)) (ص: 310). وقيل: الخطابُ لفرعونَ ومَن معَه مِن السحرةِ. وممن اختاره القرطبي، والمظهري. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/214)، ((التفسير المظهري)) (6/148). قال البقاعي: قَالَ لَهُمْ أي: لأهلِ الكيدِ، وهم السحرةُ وغيرُهم). ((نظم الدرر)) (1/17). : ويلَكم! لا تختَلِقوا كَذبًا على اللهِ [534] قيل: المراد: أي: لا تخَيِّلوا للنَّاسِ بأعمالِكم إيجادَ أشياءَ لا حقائِقَ لها، وأنَّها مخلوقةٌ وليست مخلوقةً؛ فتكونوا قد كذبتُم على الله. وممن قال بذلك: ابن كثير، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/301)، ((تفسير القاسمي)) (7/131). وقيل: المعنى: لا تَدْعُوا آياتِه ومعجزاتِه سِحرًا. وممن اختار هذا المعنى: الزمخشري، والبيضاوي. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/72)، ((تفسير البيضاوي)) (4/31). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الماوردي)) (3/409). ؛ فيَستأصِلَكم بهلاكٍ وعذابٍ مِن عِندِه [535] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/93)، ((تفسير السعدي)) (ص: 508). .
وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى.
أي: وقد فات ما رجاه وطَلَبه وأمَّلَه مِن وراءِ كَذِبِه على اللهِ: مَن فَعَل ذلك [536] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/95)، ((تفسير السعدي)) (ص: 508)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/250). .
كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس: 69، 70].
وقال سُبحانَه: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل: 116، 117].
فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62)
أي: فلمَّا سَمِعَ السَّحَرةُ كلامَ موسى اختَلَفوا [537] وممن اختار أنَّ التنازُعَ وقَع بينَ السحرةِ: ابنُ جريرٍ، والزجَّاجُ، والواحدي، والسمرقندي، وابنُ عطية، وابنُ الجوزي، والقرطبي، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/95)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (3/361)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 698)، ((تفسير السمرقندي)) (2/403)، ((تفسير ابن عطية)) (4/50)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/164)، ((تفسير القرطبي)) (11/215)، ((تفسير الشوكاني)) (3/440). قال الرازي: (قال بعضُهم: دخَل في التنازعِ فرعونُ وقومُه، ومنهم مَن يقولُ: بل هم السحرةُ وحدَهم، والكلامُ محتملٌ، وليس في الظاهرِ ما يدلُّ على الترجيحِ). ((تفسير الرازي)) (22/65). ، وتجاذَبوا الحديثَ سِرًّا فيما بينَهم، وبالَغوا في إخفائِه مِن فِرعَونَ [538] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/95، 96)، ((تفسير السمرقندي)) (2/403)، ((تفسير ابن كثير)) (5/301)، ((تفسير البيضاوي)) (4/31)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/304). وقال ابن كثير: (فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ قيل: معناه: أنهم تشاجروا فيما بينهم، فقائلٌ يقولُ: ليس هذا بكلامِ ساحرٍ، إنما هذا كلام نبيٍّ. وقائلٌ يقول: بل هو ساحرٌ. وقيل غير ذلك، والله أعلم). ((تفسير ابن كثير)) (5/301). قال القرطبي: (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى قال قتادةُ: قالوا: إن كان ما جاء به سحرًا فسنغلبُه، وإن كان مِن عندِ الله فسيكون له أمرٌ، وهذا الذي أسرُّوه. وقيل: الذي أسرُّوا قولُهم: إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ [طه: 63] الآيات، قاله السديُّ ومقاتلٌ. وقيل: الذي أسرُّوا قولُهم: إن غلَبَنا اتَّبعْناه، قاله الكلبيُّ، دليلُه ما ظهر مِن عاقبةِ أمرِهم. وقيل: كان سرُّهم أن قالوا حين قال لهم موسَى: وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [طه: 61] : ما هذا بقولِ ساحرٍ). ((تفسير القرطبي)) (11/215). .
قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى ما أسَرُّوه مِن النَّجوَى؛ حكَى عنهم ما أظهَروه، ومجموعُه يدُلُّ على التَّنفيرِ عن موسى -عليه السَّلامُ- ومتابعةِ دينِه [539] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (22/70). .
قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ.
أي: قال السَّحرةُ: ما موسى وهارونُ إلَّا ساحرانِ [540] يُنظر: ((الجُمَل في النحو)) للخليل بن أحمد (ص: 159، 160)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/149)، ((البسيط)) للواحدي (14/448)، ((تفسير البغوي)) (3/266). .
يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا.
أي: يريدُ موسى وهارونُ أن يُخرِجاكم مِن وطَنِكم؛ أرضِ مِصرَ، بالاستيلاءِ عليها بسِحرِهما الذي أظهراه [541] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/220)، ((تفسير البيضاوي)) (4/31)، ((تفسير الشوكاني)) (3/441). قال ابنُ كثير: (يُرِيدانِ في هذا اليومِ أنْ يَغْلِباكم وقومَكم ويَسْتوليا على النَّاسِ، وتتبَعَهما العامَّةُ، ويُقاتِلا فرعونَ وجنودَه، فينتَصِرا عليه ويُخْرِجاكم مِن أرضِكم). ((تفسير ابن كثير)) (5/301). .
وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى.
ويَذْهبا بدينِكم وشريعتِكم ومذهبِكم الذي هو أفضلُ المذاهبِ، بإظهارِ مذهبِهما، وإعلاءِ دينِهما [542] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/220)، ((تفسير البيضاوي)) (4/31)، ((تفسير الخازن)) (3/207)، ((تفسير الألوسي)) (8/536). قال ابنُ الجوزي: (وفي الطريقةِ قولانِ: أحدُهما: بدينِكم المُستقيمِ. رواه الضَّحَّاكُ عن ابنِ عبَّاسٍ. وقال أبو عُبيدةَ: بسُنَّتِكم ودينِكم وما أنتم عليه، يقالُ: فلانٌ حَسَنُ الطَّريقةِ. والثاني: بأمثَلِكم. رواه ابنُ أبي طلحةَ عن ابنِ عباسٍ. وقال مجاهِدٌ: بأُولي العَقلِ، والأشرافِ، والأسنانِ. وقال الشعبيُّ: يَصرِفانِ وُجوهَ النَّاسِ إليهما. قال الفرَّاءُ: الطريقةُ: الرِّجالُ الأشرافُ، تقولُ العرَبُ للقَومِ الأشرافِ: هؤلاء طريقةُ قَومِهم، وطرائِقُ قَومِهم... وقال الزجَّاجُ: ومعنى المُثلى والأمثَلُ: ذو الفَضلِ الذي به يَستحِقُّ أن يُقالَ: هذا أمثَلُ قَومِه، قال: والذي عندي أنَّ في الكلامِ مَحذوفًا، والمعنى: يذهبَا بأهلِ طَريقتِكم المُثلى، وقَولُ العَرَبِ: هذا طريقةُ قَومِه، أي: صاحِبُ طَريقتِهم). ((تفسير ابن الجوزي)) (3/165). وممن اختار في الجملةِ أنَّ الطريقةَ تعني الدينَ والشريعةَ والمذهبَ والسنةَ والعادةَ: الكسائي -كما في ((البسيط)) للواحدي (14/452)-، وأبو عبيدة، والسمعاني، والزمخشري، والقرطبي، والبيضاوي، والنسفي، وأبو السعود، والعُليمي، والألوسي، والقاسمي، وابن عاشور. يُنظر: ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (2/23)، ((تفسير السمعاني)) (3/339)، ((تفسير الزمخشري)) (3/72)، ((تفسير القرطبي)) (11/220)، ((تفسير البيضاوي)) (4/31)، ((تفسير النسفي)) (2/372)، ((تفسير أبي السعود)) (6/25)، ((تفسير العليمي)) (4/304)، ((تفسير الألوسي)) (8/536)، ((تفسير القاسمي)) (7/131)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/255). وممن اختار أنَّ الطريقةَ تعني الرجالَ الأشرافَ: الفرَّاءُ، وابنُ قتيبةَ، وابنُ جريرٍ، والسمرقندي، ومكي، والواحدي، والمحلي. يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (2/185)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 280)، ((تفسير ابن جرير)) (16/101)، ((تفسير السمرقندي)) (2/404)، ((الهداية)) لمكي (7/4664)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 698)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 411). قال الواحدي: (والمعنى: أنْ يَغلِبا بسِحرِهما، فتَمْثُلَ إليهما السَّادةُ والأشرافُ منكم. وقال قتادة: «طريقتُكم المثلى يومَئذٍ بنو إسرائيل كانوا أكثَرَ القَومِ عددًا وأموالًا، فقالوا: إنَّما يريد أن يذهَبَا بهما لأنفُسِهم». فجعل قتادةُ هؤلاء الأفاضِلَ من بني إسرائيلَ. وهذا قولُ ابن عباس في رواية الوالبي: «هم بنو إسرائيل». هذا الذي ذكَرْنا قولُ المفَسِّرين، وأهلِ التأويلِ، وعلى هذا مقاتِلٌ والكلبيُّ). ((البسيط)) (14/452). وقال الزجَّاجُ: (والذي عندي -والله أعلم- أنَّ في الكلام محذوفًا يدُلُّ عليه ما بَقِي. إنَّما المعنى: يذهبا بأهلِ طَريقتِكم المُثْلى). ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (3/364). وممَّن ذهب إلى أنَّ المرادَ طريقةُ السِّحرِ: ابن كثير، والسعدي. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/301)، ((تفسير السعدي)) (ص: 508). وقال البقاعي: (وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ هذه السِّحريةِ التي تَعِبتُم في تمهيدِها، وأفنى فيها أسلافُكم أعمارَهم، حتى بلغ أمرُها الغايةَ؛ وبدينِكم الذي به قِوامُكم). ((نظم الدرر) (12/305). وقيل: المرادُ بالطريقةِ: السيرة والمملكةُ والحالُ التي عليها. وممن اختاره ابنُ عطيةَ، وأبو حيان. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/51)، ((تفسير أبي حيان)) (7/351). .
كما قال تعالى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر: 26] .
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64).
القراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
في قَولِه تعالى: فَأَجْمِعُوا قِراءتانِ:
1- قِراءةُ فَاجْمَعُوا مِن الجَمعِ. أي: فاجمَعوا سِحرَكم، فلا تَدَعوا مِن كَيدِكم شيئًا إلَّا جِئتُم به [543] قرأ بها أبو عمرو. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/321). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((الحجة)) لابن خالويه (ص: 244)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/151-152)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 456). .
2- قراءةُ فَأَجْمِعُوا من العَزمِ والإحكامِ. أي: فأحكِموا سِحرَكم واعزِمُوا كلُّكم على كَيدِ عَدُوِّكم [544] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/321). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((الحجة)) لابن خالويه (ص: 244)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/151-152)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 456). .
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا.
أي: قال السَّحَرةُ بعضُهم لبعضٍ [545] قال أبو حيان: (قيل: هو مِن كلامِ فرعونَ، والظاهرُ أنَّه مِن كلامِ السحرةِ بعضِهم لبعضٍ). ((تفسير أبي حيان)) (7/351). ويُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (3/442). : فاجتَهِدوا في إحكامِ سحرِكم، واعزِموا كُلُّكم على كيدِ موسى، ثمَّ احضُروا مُجتَمِعينَ في صَفٍّ [546] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/104 - 106)، ((تفسير البغوي)) (3/267)، ((تفسير القرطبي)) (11/220)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/257). قال السعدي: (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ليكون أمكن لعملِكم، وأهيبَ لكم في القلوبِ، ولئلا يتركَ بعضُكم بعضَ مقدوره من العملِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 508). ويُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/32)، ((تفسير أبي حيان)) (7/351)، ((تفسير أبي السعود)) (6/26). قيل: الصَّفُّ هنا مرادٌ به الجِنسُ لا الواحِدةُ، أي: ثمَّ ائتوا صفوفًا. وممن قال بذلك: ابن جرير، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/106)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/257). وقيل: المعنى: اجتَمِعوا كلُّكم صفًّا واحدًا، وألقُوا ما في أيديكم دفعةً واحدةً. وممن ذهب إلى ذلك: ابن كثير، والسعدي. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/302)، ((تفسير السعدي)) (ص: 508). .
وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى.
أي: وقد فاز اليومَ بمَطلوبِه مَن غلَبَ خَصْمَه، وقَهَره [547] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/106)، ((تفسير البيضاوي)) (4/32)، ((تفسير السعدي)) (ص: 508)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/257). قال ابن كثير: (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى أي: مِنَّا ومنه، أما نحن فقد وعَدَنا هذا المَلِكُ العطاءَ الجزيلَ، وأما هو فينالُ الرِّياسةَ العظيمةَ). ((تفسير ابن كثير)) (5/302). .

الفوائد التربوية :

1- قَولُ الله تعالى: قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى هذا كلامُ فِرعَونَ الذي زَوَّقه وصَنَّعه ونَمَّقه، فأوقف به قَومَه عن السَّعادةِ، واستمَرَّ يقودُهم بأمثالِه، حتى أورَدَهم البَحرَ فأغرَقَهم، ثمَّ في غمراتِ النَّارِ أحرَقَهم؛ فعلى الكَيِّسِ الفَطِنِ أن ينقُدَ الأقوالَ والأفعالَ، والخواطِرَ والأحوالَ، ويَعرِضَها على محَكِّ الشَّرعِ: الكتابِ والسُّنَّةِ، فما وافَقَ لَزِمَه، وما لا تركَه [548] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/302). .
2- موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ جُمِع له السَّحَرةُ المَهَرةُ الذين وَضَعوا العِصِيَّ والحِبالَ، فكانت هذه العِصِيُّ والحِبالُ يُخَيَّلُ إلى النَّاسِ أنَّها حيَّاتٌ تسعى، حتى موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مع إيمانِه وقُوَّتِه أوجس في نفسِه خِيفةً! لكِنَّه قال لهم: وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى هذه الكَلِمةُ أثَّرت تأثيرًا عظيمًا فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ، وإذا حصل النِّزاعُ حَصَل الفَشَلُ؛ قال الله تعالى: وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال: 46] . تنازعوا أمرَهم بينهم، وأخيرًا آمَنَ السَّحَرةُ! فكَلِمةُ الحَقِّ تؤثِّرُ إذا صدرت من إنسانٍ مُخلِصٍ، لا يريدُ أن يَفرِضَ قَولَه على غيرِه، إنَّما يريدُ أن يهديَ غَيرَه للحَقِّ الذي هو مرادُ الجميعِ؛ فإنَّه سيُؤَثِّرُ بإذنِ اللهِ عزَّ وجَلَّ؛ ولهذا لا تَحقِرَنَّ كَلِمةَ الحَقِّ، ولا تَقُلْ: إنَّها لا تنفَعُ؛ فما من قلبٍ مِن قلوبِ بني آدَمَ إلَّا وهو بين إِصبَعينِ مِن أصابعِ الرَّحمنِ يُقَلِّبُه كيف يشاءُ [549] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (7/221). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى حِكايةً عن فِرعَونَ: أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ زعم أنَّ هذه الآياتِ التي أراه إيَّاها موسى سِحرٌ وتمويهٌ، المقصودُ منها إخراجُهم مِن أرضِهم، والاستيلاءُ عليها؛ ليكونَ كلامُه مُؤَثِّرًا في قلوبِ قَومِه؛ فإنَّ الطِّباعَ تَميلُ إلى أوطانِها، ويَصعُبُ عليها الخروجُ منها ومُفارقتُها، فأخبَرَهم أنَّ موسى هذا قَصدُه؛ لِيُبغِضوه ويَسْعَوا في محاربتِه [550] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 508). .
2- قال الله تعالى: قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى إنما واعَدَهم ذلك اليومَ لِيَكونَ عُلُوُّ كلمةِ الله، وظُهورُ دينِه، وكَبتُ الكافِرِ، وزهوقُ الباطِلِ: على رؤوسِ الأشهادِ، وفي المَجمَعِ الغاصِّ [551] الغاصِّ: المُمتَلئِ. يُنظر: ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 227). ؛ لِتَقوى رغبةُ مَن رَغِبَ في الحَقِّ، ويَكِلَّ حَدُّ المُبطِلينَ وأشياعِهم، ويَكثُرَ المحَدِّثُ بذلك الأمرِ العَلَمِ في كلِّ بَدْوٍ وحَضَرٍ، ويَشيعَ في جَمعِ أهلِ الوَبَرِ والمَدَرِ [552] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/214). ؛ لأنَّ يوم الزينةِ ووقتَ الضحى يحصلُ فيه مِن كثرةِ الاجتماعِ، ورؤيةِ الأشياءِ على حقائقِها، ما لا يحصلُ في غيره، فيكون أظهرَ وأجلَى، وأبينَ وأوضحَ [553] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/300)، ((تفسير السعدي)) (ص: 508). .
3- قولُ الله تعالى: قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ الخِطابُ بقَولِه: وَيْلَكُمْ يجوزُ أن يكونَ أراد به حقيقةَ الدُّعاءِ، فيكونَ غيرَ جارٍ على ما أُمِرَ به من إلانةِ القَولِ لفِرعَونَ؛ إمَّا لأنَّ الخِطابَ بذلك لم يكُنْ مُواجِهًا به فِرعَونَ، بل واجهَ به السَّحَرةَ خاصَّةً، الذين اقتضاهم قَولُه تعالى: فَجَمَعَ كَيْدَهُ، أي: قال موسى لأهلِ كيدِ فِرعَونَ. وإمَّا لأنَّه لمَّا رأى أنَّ إلانةَ القَولِ له غيرُ نافعةٍ؛ إذ لم يَزَل على تَصميمِه على الكُفرِ: أغلظَ القَولُ زَجرًا له بأمرٍ خاصٍّ مِن اللهِ في تلك السَّاعةِ؛ تقييدًا لمُطلَقِ الأمرِ بإلانةِ القَولِ. وإما لأنَّه لما رأَى تمويهَهم على الحاضرينَ أنَّ سحرَهم معجزةٌ لهم مِن آلهتِهم ومِن فِرعَونَ ربِّهم الأعلَى وقالوا: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ [الشعراء: 44] رأَى واجبًا عليه تغييرَ المنكرِ بلسانِه بأقصَى ما يستطيعُ؛ لأنَّ ذلك التغييرَ هو المناسبُ لمقامِ الرسالةِ.
ويجوزُ أن تكونَ كلمةُ وَيْلَكُمْ مُستعمَلةٌ في التعجُّبِ من حالٍ غَريبةٍ، أي: أعجَبُ منكم وأحَذِّرُكم؛ فحُكِي تَعجُّبُ موسى باللَّفظِ العَربيِّ الدَّالِّ على العَجَبِ الشَّديدِ [554] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/248-249). .
4- ضَمِنَ سُبحانَه أنَّه لا بُدَّ أن يخيبَ أهلُ الافتراءِ وأنَّه لا يهديهم، وأنَّه يستأصِلُهم بعذابِه؛ قال تعالى إخبارًا عن كليمِه موسى أنَّه قال: وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى [555] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (4/1212). ، ففيه دَلالةٌ على عِظَمِ الافتراءِ، وأنَّه يترتَّبُ عليه هَلاكُ الاستئصالِ [556] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/349). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى هذه الجُملةُ بينَ الجُمَلِ الَّتي حكَتْ مُحاورةَ مُوسى وفِرعَونَ، وقعَتْ هذه كالمُقدِّمةِ لإعادةِ سَوقِ ما جَرى بين مُوسى وفِرعونَ من المُحاورةِ؛ فيجوزُ أنْ تكونَ مَعطوفةً على جُملةِ: قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى [طه: 49] ؛ باعتبارِ ما يُقدَّرُ قبْلَ المعطوفِ عليها مِن كلامٍ حُذِفَ اختصارًا، تقديرُه: فأَتَياهُ، فقالا ما أمَرْناهما أنْ يقولاهُ، قال: فمَن ربُّكما... إلخ. ويجوزُ أنْ تكونَ الجُملةُ مُعترِضةً بينَ ما قبْلَها، والواوُ اعتراضيَّةٌ [557] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/241-242). .
- قولُه: وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فيه التَصديرُ بالقسَمِ؛ لإبرازِ كَمالِ العنايةِ بمَضمونِها. وإسنادُ الإراءةِ إلى نُونِ العظمةِ؛ لتَهويلِ أمْرِ الآياتِ، وتَفخيمِ شأْنِها، وإظهارِ كَمالِ شَناعةِ اللَّعينِ وتَماديهِ في المُكابَرةِ والعنادِ [558] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/22). . وفيه تأكيدُ الكلامِ بلامِ القسَمِ، و(قد) مُستعمَلٌ في التَّعجُّبِ مِن تصلُّبِ فِرعونَ في عنادٍ. وتأكيدُ الآياتِ بأداةِ التَّوكيدِ كُلَّهَا؛ لزِيادةِ التَّعجيبِ مِن عِنادِه [559] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/242). .
- وقولُه: آَيَاتِنَا كُلَّهَا آَيَاتِنَا ليس عامًّا؛ إذ لم يُرِهِ تعالى جميعَ الآياتِ، وإنَّما المعنى: آياتِنا الَّتي رآها؛ فكانتِ الإضافةُ تُفِيدُ ما تُفِيدُه الألِفُ واللَّامُ من العهْدِ. وإنَّما رأى العصَا واليدَ، وغيرَ ذلك ممَّا رآهُ، فجاء التَّوكيدُ بالنِّسبةِ لهذه الآياتِ المعهودةِ [560] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/69)، ((تفسير البيضاوي)) (4/30)، ((تفسير أبي حيان)) (7/344)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/242). . وقيل: المعنى: آياتٍ بكَمالِها. وأضافَ الآياتِ إليه على حسَبِ التَّشريفِ، كأنَّه قال: آياتٍ لنا [561] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/344). ، وقيل غير ذلك [562] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (٢٢/63). .
- وأُجْمِلَتِ الآياتُ وعُمِّمَت فلم تُفصَّلْ؛ لأنَّ المقصودَ هنا بَيانُ شِدَّةِ تصلُّبِه في كُفْرِه، بخلافِ آيةِ سُورةِ (الأعرافِ) الَّتي قُصِدَ منها بَيانُ تعاقُبِ الآياتِ ونُصْرَتِها [563] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/242). .
- قولُه: فَكَذَّبَ وَأَبَى، أي: فكذَّبَها جميعًا، وأَبَى أنْ يقبَلَ شيئًا منها. وقيل: فكذَّبَ الآياتِ، وأَبى قَبولَ الحقِّ؛ فحُذِفَ مفعولُه إمَّا بواسطةِ القرينةِ الظَّاهرةِ أو المعنويَّةِ؛ فعلى المعنى الأوَّلِ: (أبى): تَتميمٌ، وعلى الثَّاني: تَكميلٌ؛ لأنَّ الحقَّ أعمُّ من المُعجِزاتِ [564] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/70)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/188). .
2- قولُه تعالى: قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى استئنافٌ مُبيِّنٌ لكَيفيَّةِ تَكذيبِه وإبائِه، والهمزةُ في أَجِئْتَنَا لإنكارِ الواقعِ واستقباحِه، وادِّعاءِ أنَّه أمْرٌ مُحالٌ [565] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/23). ؛ ولذلك فُرِّعَ عليه القسَمُ على أنْ يأْتِيَه بسِحْرٍ مثْلِه، والقسَمُ من أساليبِ إظهارِ الغضَبِ [566] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/245). .
- قولُه: بِسِحْرِكَ تَعلُّلٌ وتَحيُّرٌ؛ وإلَّا فكيف يَخْفَى عليه أنَّ ساحرًا لا يقدِرُ أنْ يُخرِجَ مَلِكًا مثْلَه من أرْضِه، ويَغْلِبَه على مُلْكِه بالسِّحرِ [567] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/70)، ((تفسير البيضاوي)) (4/30)، ((تفسير أبي حيان)) (7/345). ؟ وإضافَتُه السِّحرَ إلى ضَميرِ مُوسى قصَدَ منها تَحقيرَ شأْنِ هذا الَّذي سمَّاهُ سِحْرًا [568] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/244). .
- وإنَّما جعَلَ فِرعونُ العِلَّةَ في مَجِيءِ مُوسى إليه أنَّها قصْدُه أنْ يُخرِجَهم من أرْضِهم، قياسًا منه على الَّذين يَقومون بدَعوةٍ ضِدَّ المُلوكِ؛ أنَّهم إنَّما يَبْغُون بذلك إزالَتَهم عن المُلْكِ، وحُلولَهم مَحلَّهم؛ فضَميرُ المُتكلِّمِ المُشارِكِ مُستعمَلٌ في التَّعظيمِ، لا في المُشارَكةِ؛ لأنَّ مُوسى لم يَصدُرْ عنه ما يُشَمُّ منه إخراجُهم من أرْضِهم. ويجوزُ أنْ يكونَ ضَميرُ المُتكلِّمِ المُشارِكِ مُستعمَلًا في الجماعةِ تَغليبًا، ونزَّلَ فِرعونُ نفْسَه واحدًا منها [569] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/244). .
3- قولُه تعالى: فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى
- قولُه: فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ الفاءُ لتَرتيبِ ما بعْدَها على ما قبْلَها، واللَّامُ جوابُ قسَمٍ مَحذوفٍ [570] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/24). ، وأسنَدَ الإتيانَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ إلى ضَميرِ نفْسِه؛ تَعظيمًا لشأْنِه [571] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/244). .
- قولُه: فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى تَقديمُ ضَميرِه على ضَميرِ مُوسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وتوسيطُ كَلمةِ النَّفيِ بينهما في قولِه: نَحْنُ وَلَا أَنْتَ؛ للإيذانِ بمُسارَعتِه إلى عدَمِ الإخلافِ، وأنَّ عدَمَ إخلافِه لا يُوجِبُ إخلافَه عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ؛ ولذلكَ أُكِّدَ النَّفيُ بتَكريرِ حرْفِه [572] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/24). .
- قولُه: مَوْعِدًا الموعِدُ هنا يجوزُ أنْ يُرادَ به المصدرُ المِيميُّ، أي: الوعدُ، وأنْ يُرادَ به مكانُ الوعْدِ، وهذا إيجازٌ في الكلامِ [573] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/245). .
4- قولُه تعالى: قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى
- إن قيل: كيف طابَقَ جوابُ موسى: مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ، -ولا بُدَّ مِن أنْ تجعَلَه زمانًا- قولَ فرعونَ: فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى؛ والسُّؤالُ واقِعٌ عن المكانِ لا عن الزَّمانِ، فالجوابُ: لأنَّه مُطابِقٌ معنًى وإنْ لم يُطابِقْ لفْظًا؛ لأنَّهم لا بُدَّ لهم مِن أنْ يَجتمِعوا يومَ الزِّينةِ في مكانٍ بعَينِه، مُشتهَرٌ باجتماعِهم فيه في ذلك اليومِ، فبذِكْرِ الزَّمانِ عُلِمَ المكانُ؛ فتَعيينُ الموعِدِ غيرِ المُخْلَفِ يَقْتضي تَعيينَ زمانِه لا مَحالةَ؛ إذ لا يُتصوَّرُ الإخلافُ إلَّا إذا كان للوعدِ وقْتٌ مُعيَّنٌ، ومكانٌ مُعيَّنٌ، فمِن ثَمَّ طابَقَه جوابُ مُوسى بقولِه: مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى؛ فقولُه: يَوْمُ الزِّينَةِ تَعيينٌ للوقْتِ، وقولُه: وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ تَعيينٌ للمكانِ، وقولُه: ضُحًى تَقييدٌ لمُطلَقِ الوقْتِ [574] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/71)، ((تفسير أبي حيان)) (7/346)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/246). .
- قولُه: وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ بناه للمَفعولِ؛ لأنَّ القَصدَ الجَمعُ، لا كونُه مِن مُعَيَّنٍ [575] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/302). .
5- قولُه تعالى: فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى في تَفريعِ التَّولِّي وجمْعِ الكيدِ على تَعيينِ مُوسى للموعِدِ: إشارةٌ إلى أنَّ فِرعونَ بادَرَ بالاستعدادِ لهذا الموعدِ، ولم يُضِعِ الوقْتَ للتَّهيئةِ له [576] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/247). .
- قولُه: فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (ثُمَّ) للمُهلةِ الحقيقيَّةِ والرُّتبيَّةِ معًا؛ لأنَّ حُضورَه للموعِدِ كان بعْدَ مُضِيِّ مُهْلةِ الاستعدادِ، ولأنَّ ذلك الحُضورَ بعْدَ جمْعِ كيدِه أهَمُّ من جمْعِ الكيدِ؛ لأنَّ فيه ظُهورَ أثرِ ما أعَدَّه [577] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/24)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/248). .
6- قولُه تعالى: قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى استئنافٌ مَبْنيٌّ على السُّؤالِ، يَقْضي بأنَّ المُترقَّبَ من أحوالِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حينئذٍ، والمُحتاجَ إلى السُّؤالِ والَبيانِ، ليس إلَّا ما صدَرَ عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من الكلامِ، وأمَّا إتيانُه أوَّلًا فأمرٌ مُحقَّقٌ غَنِيٌّ عن التَّصريحِ بهِ، كأنَّهُ قِيلَ: فماذا صنَعَ مُوسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عندَ إتيانِ فِرعونَ بما جمَعَهُ من السَّحرةِ؟ فقيل: قال لهم بطَريقِ النَّصيحةِ: وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [578] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/24)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/248). .
- قولُه: لَا تَفْتَرُوا الافتراءُ: اختِلاقُ الكذِبِ، والجمْعُ بينَه وبينَ كَذِبًا؛ للتَّأكيدِ [579] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/249). .
- جُملةُ: وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى اعتراضٌ مُقرِّرٌ لمَضمونِ ما قبْلَها، وهي مَسوقةٌ مَساقَ التَّعليلِ للنَّهيِ؛ بعْدَ أنْ وعَظَهم، فنهاهُمْ عن الكذِبِ على اللهِ، وأنذَرَهم عذابَه؛ ضرَبَ لهم مثَلًا بالأُمَمِ البائدةِ الَّذين افْتَرَوا الكذِبَ على اللهِ، فلم يَنْجَحوا فيما افتَرَوا لأجْلِه. و(مَن) الموصولةُ للعُمومِ [580] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/25)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/250). .
7- قولُه تعالى: فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى جعْلُ النَّجْوى مَعمولًا لـ وَأَسَرُّوا يُفِيدُ المُبالَغةَ في الكِتْمانِ؛ كأنَّه قيل: أسَرُّوا سِرَّهم. وزادَهُ مُبالَغةً قولُه: بَيْنَهُمْ المُقْتضي أنَّ النَّجْوى بين طائفةٍ خاصَّةٍ لا يَشترِكُ معهم فيها غيرُهم [581] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/251). .
8- قولُه تعالى: قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى
- نَسَبوا السِّحرَ أيضًا لهارونَ؛ لَمَّا كان مُشترِكًا معه في الرِّسالةِ، وسالِكًا طَريقتَه، وعلَّقُوا الحُكْمَ على الإرادةِ -وهم لا اطِّلاعَ لهم عليها-؛ تَنقيصًا لهما، وحَطًّا من قدْرِهما، وقد كان ظهَرَ لهم من أمْرِ اليَدِ والعصا ما يدُلُّ على صِدْقِهما [582] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/350). .
9- قولُه تعالى: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى
- قولُه: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ تَصريحٌ بالمطلوبِ إثْرَ تَمهيدِ المُقدِّماتِ [583] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/26). .
- وأُطْلِقَ الجمْعُ على التَّعاضُدِ والتَّعاوُنِ -على قراءةِ فَاجْمَعُوا بهمزةِ وصلٍ وفتحِ الميمِ-؛ تَشبيهًا للشَّيءِ المُختلِفِ بالمُتفرِّقِ، وهو مُقابِلُ قولِه: فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ. وسَمُّوا عمَلَهم كيدًا؛ لأنَّهم تَواطؤوا على أنْ يُظْهِروا للعامَّةِ أنَّ ما جاء به مُوسى ليس بعَجيبٍ، فهم يأْتون بمثْلِه أو أشَدَّ منه؛ ليَصْرِفوا النَّاسَ عن سَماعِ دَعوتِه، فيَكيدوا له بإبطالِ خصِّيصيَّةِ ما أتى به [584] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/256). .
- قولُه: وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى اعتراضٌ تَذييليٌّ من قِبَلِهم مُؤكِّدٌ لِمَا قبْلَه من الأمرينِ؛ فهو تَذييلٌ للكلامِ يجمَعُ ما قَصَدوه مِن تآمُرِهم، بأنَّ الفلاحَ يكونُ لمَن غلَبَ وظهَرَ في ذلك الجمْعِ. فـ اسْتَعْلَى مُبالَغةٌ في عَلا، أي: علا صاحِبَه وقهَرَه، فالسِّينُ والتَّاءُ للتَّأكيدِ مثْلُ استأْخَرَ [585] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/73)، ((تفسير البيضاوي)) (4/32)، ((تفسير أبي السعود)) (6/26)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/257). .