موسوعة التفسير

سورةُ الشُّعَراءِ
الآيات (38 - 51)

ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ

غَريبُ الكَلِماتِ:

لِمِيقَاتِ: الميقاتُ: الوقتُ المضروبُ، أو: القدرُ المحدَّدُ للفعلِ مِن الزمانِ أو المكانِ، وأصلُ (وقت): يدُلُّ على حَدِّ شَيءٍ في زَمانٍ [290] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 456)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/131)، ((المفردات)) للراغب (ص: 879)، ((فتح الباري)) لابن حجر (2/3).   .
تَلْقَفُ: أي: تَبتَلِعُ، يقالُ: لَقِفتُ الشَّيءَ: إذا تناولْتَه بسُرعةٍ، سواءٌ في ذلك تناوُلُه بالفَمِ أو اليَدِ [291] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 170)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 140)، ((المفردات)) للراغب (ص: 744)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 115)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 319).   .
يَأْفِكُونَ: أي: يَكذِبون [292] قال ابن عثيمين: (الإفكُ: الكَذِبُ، وهذا كَذِبٌ بالفعلِ وليس بالقولِ، والكذبُ الفِعليُّ هو إظهارُ الإنسانِ الفعلَ بخلافِ الحقيقةِ، فهؤلاءِ أظهروا الحبالَ والعِصِيَّ حَيَّاتٍ، لكنَّها ليستْ كذلك، وإنَّما هي حبالٌ وعِصيٌّ). ((تفسير ابن عثيمين- الشعراء)) (ص: 102) بتصرف.   ويزَوِّرون، وأصلُ (أفك): يدُلُّ على قَلبِ الشَّيءِ وصَرفِه عن جِهتِه [293] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/118)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 115)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 990)   .
مِنْ خِلَافٍ: أي: مُخالفًا في قَطعِ ذلك منكم؛ يَدِه اليُمنى ورِجلِه اليُسرى، والعكس، يخالِفُ بيْنَ قَطعِهما [294] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/570)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 214)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/210)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 116)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 182).   .
لَا ضَيْرَ: أي: لا ضَرَرَ، مِن: ضارَّه يَضُوره ويَضِيرُه، بمعنى: ضَرَّه، والضَّيْرُ: المَضَرَّةُ، وأصلُ (ضرر): خِلافُ النَّفعِ [295] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/570)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/360)، ((المفردات)) للراغب (ص: 513)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 268)، ((تفسير القرطبي)) (13/99).   .
مُنْقَلِبُونَ: أي: راجِعونَ، وأصلُ (قلب): يدُلُّ على صَرفِ الشَّيءِ مِن وجهٍ إلى وَجهٍ [296] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 113)، ((تفسير ابن جرير)) (10/364)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/17)، ((المفردات)) للراغب (ص: 681).   .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ الله تعالى: فجَمَعَ الحاشِرون السَّحَرةَ للوَقتِ المحَدَّدِ لاجتِماعِهم، وقيلَ لأهلِ مِصرَ: هل أنتم مُجتَمِعون؛ لِتَنظُروا لِمَن يكونُ النَّصرُ والغَلَبةُ، لعَلَّنا نتَّبِعُ السَّحَرةَ إنْ كانوا سيَغلِبون موسى؟ فلمَّا جاء السَّحَرةُ فِرعَونَ قالوا له: هل لنا مِن أجرٍ عِندَك إنْ غَلَبْنا موسى؟ قال فِرعَونُ لهم: نعم، وتَكونون أيضًا مِن المقَرَّبين عندي، فلمَّا اجتمَعَ السَّحَرةُ بموسى قال لهم: اطرَحوا ما تُريدونَ طَرحَه، فألقى السَّحَرةُ حِبالَهم وعِصِيَّهم الَّتي أعَدُّوها للسِّحرِ، وقالوا: بعَظَمةِ فِرعَونَ وقُدرتِه، إنَّا لنحن الغالِبون لموسى.
فألقى موسى عصاهُ فابتلَعَت ما ألقاه السَّحَرةُ مِن الحِبالِ والعِصيِّ الَّتي خيَّلوا للنَّاسِ أنَّها حيَّاتٌ، وخَدَعوهم بذلك، فلمَّا رأى السَّحَرةُ ذلك عَرَفوا صِدقَ موسى عليه السَّلامُ، وأنَّ ما جاءهم به حَقٌّ ليس سِحرًا ولا تَمويهًا، فخرُّوا ساجدينَ لله تعالى، وقالوا: آمنَّا برَبِّ العالَمينَ؛ ربِّ موسى وهارونَ. فلمَّا رآهم فِرعونُ على هذه الحالِ قال لهم: أآمنتُم بأنَّ ما جاء به موسى حقٌّ، واتبَعْتُموه قبْلَ أنْ آذَنَ لكم؟! إنَّ موسى لَرئيسُكم وكبيرُكم الذي علَّمكم السِّحرَ، فلَسَوف تَعلَمونَ.
ثمَّ توعَّدهم فِرعونُ، فقال: لَأُقطِّعَنَّ مِن كُلِّ واحدٍ منكم يدَه ورِجلَه مِن جِهَتينِ مختَلِفَتينِ، ولأُصَلِّبَنَّكم جميعًا. فقال السَّحَرةُ له: لا ضرَرَ علينا مِن عقابِك، فسنصبِرُ عليه؛ لأنَّنا إلى اللهِ راجِعونَ، فيُجازينا على إيمانِنا وصَبرِنا، إنَّا نرجو أن يغفِرَ لنا ربُّنا ذُنوبَنا؛ لأنَّنا كُنَّا أوَّلَ المؤمنينَ بالحَقِّ لَمَّا جاءَنا.

تَفسيرُ الآياتِ:

فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38).
أي: فجَمَع الحاشِرون السَّحَرةَ مِن المُدُنِ للوَقتِ المحَدَّدِ لاجتِماعِهم [297] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/567)، ((تفسير البيضاوي)) (4/137)، ((تفسير السعدي)) (ص: 591)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/125).   .
كما قال تعالى: قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [طه: 57 - 59] .
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39).
أي: وقيلَ لأهلِ مِصرَ: هل أنتم مُجتَمِعون لِتَنظُروا إلى ما يَفعَلُ الفريقانِ، ولِمَن تكونُ الغَلَبةُ [298] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/263)، ((تفسير ابن جرير)) (17/567)، ((تفسير الخازن)) (3/324)، ((تفسير السعدي)) (ص: 591)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/125).   ؟
لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40).
أي: لعَلَّنا [299] قيل: لعلَّ هنا: بمعنى كَيْ. وممَّن ذهب إلى ذلك: ابنُ جريرٍ، والسعديُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/567)، ((تفسير السعدي)) (ص: 591). وقيل: لعَلَّ هنا للترجِّي. وممَّن ذهب إلى ذلك: البيضاوي، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/137)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة الشعراء)) (ص: 92). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن عاشور)) (19/126).   نتَّبِعُ السَّحَرةَ إن كانوا سيَغلِبون موسى [300] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/567، 568)، ((تفسير ابن عطية)) (4/230)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/126). قال ابن جرير: (يقولُ: كَيْ نتَّبِعَ السَّحَرةَ إن كانوا هم الغالبينَ موسى... فغيرُ معقولٍ أن يقولَ مَن كان على دينٍ: أنظُرُ إلى حُجَّةِ مَن هو على خِلافي لعلِّي أتَّبِعُ دينَه، وإنَّما يقالُ: أنظُرُ إليها كيْ أزدادَ بصيرةً بدِيني، فأُقيمَ عليه). ((تفسير ابن جرير)) (17/567، 568). وقال ابن عطية: (قولُه: لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ ليس معناه نتبِعُهم في السِّحرِ، إنَّما أراد نتَّبِعُهم في نُصرةِ دينِنا ومِلَّتِنا، والإبطالِ على معارضتِنا). ((تفسير ابن عطية)) (4/230). وقال البقاعي: (وزيَّن لهم هذا القائِلُ البقاءَ على ما كانوا عليه مِن الباطِلِ بذِكرِ جانبِ السَّحَرةِ، وإن كان شَرَطَ فيه الغَلَبةَ، ولم يسمَحْ بذِكرِ جانبِ موسى عليه السَّلامُ، فقال: لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ؛ لأنَّ مَنِ امتثَل أمرَ المَلِكِ كان حالُه حالَ مَن يُرجى منه اتِّباعُ حِزبِه إِنْ كَانُوا هُمُ أي: خاصَّةً الْغَالِبِينَ أي: غَلَبةً لا يُشَكُّ في أنَّها ناشِئةٌ عن مكنةٍ، ونُعرِضُ عن أمرِ موسى الذي ينازِعُ الملِكَ في أمرِه، وهذا مرادُهم في الحقيقةِ، وعبَّرَ بهذا كنايةً عنه؛ لأنَّه أدَلُّ على عظمةِ المَلِكِ). ((نظم الدرر)) (14/31). وقال ابن عاشور: (رَجَوا اتِّباعَ السَّحَرةِ، أي: اتِّباعَ ما يؤيِّدُه سِحرُ السَّحَرةِ، وهو إبطالُ دينِ ما جاء به موسى، فكان قولُهم: لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ كنايةً عن رجاءِ تأييدِهم في إنكارِ رسالةِ موسى فلا يتَّبِعونَه، وليس المقصودُ أن يصيرَ السَّحَرةُ أئمَّةً لهم؛ لأنَّ فِرعَونَ هو المتَّبَعُ). ((تفسير ابن عاشور)) (19/126). .
فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41).
أي: فلمَّا حضَرَ السَّحَرةُ قالوا لفِرعَونَ: هل ستُعطينا أجرًا إن غلَبْنا موسى [301] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/568، 569)، ((تفسير ابن كثير)) (6/140)، ((تفسير السعدي)) (ص: 591)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/126).   ؟
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42).
أي: قال فِرعَونُ لهم: نعمْ، سأُعطيكم أُجرتَكم إنْ غلبْتُم موسى، وأَزيدُكم على ذلك أنْ أجعَلَكم مِن المقَرَّبينَ لدَيَّ [302] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/263)، ((تفسير ابن جرير)) (17/569)، ((تفسير النسفي)) (2/562)، ((تفسير ابن كثير)) (6/140)، ((تفسير السعدي)) (ص: 591)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 96).   .
قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43).
أي: قال موسى للسَّحَرةِ: اطرَحوا في الأرضِ ما تُريدونَ طَرحَه كائنًا ما كان [303] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/569)، ((تفسير السمرقندي)) (2/554)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/32)، ((تفسير السعدي)) (ص: 591)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/127)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 97). قال البيضاوي: (لم يُرِدْ به أمرَهم بالسِّحرِ والتمويهِ، بل الإذن في تقديمِ ما هم فاعِلوه لا محالةَ؛ توسُّلًا به إلى إظهارِ الحقِّ). ((تفسير البيضاوي)) (4/138).   .
فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44).
فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ.
أي: فطرَح السَّحَرةُ الحِبالَ والعِصِيَّ الَّتي أعَدُّوها للسِّحرِ، وخيَّلوا للنَّاسِ أنَّها حَيَّاتٌ تَسعَى [304] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/569)، ((تفسير الشربيني)) (3/11)، ((تفسير السعدي)) (ص: 591).   .
كما قال تعالى: فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه: 66] .
وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ.
أي: وقال السَّحَرةُ: بعَظَمةِ فِرعَونَ وقُوَّتِه وقُدرتِه وقَهرِه وشِدَّةِ سُلطانِه [305] قال ابن عاشور: (الباءُ في قولهم: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ كالباء في «باسمِ الله»، أرادوا التيَمُّنَ بقدرةِ فِرعونَ، قاله ابنُ عطيَّةَ. وقيل: الباءُ للقَسَمِ: أقسَموا بعزَّةِ فِرعَونَ على أنَّهم يغلبونَ؛ ثِقةً منهم باعتقادِ ضلالِهم أنَّ إرادةَ فِرعونَ لا يغلِبُها أحدٌ؛ لأنَّها إرادةُ آلهتِهم. وهذا الذي نحَاه المفسِّرون). ((تفسير ابن عاشور)) (19/127). ويُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/230). وقال ابنُ عثيمين: (وقالوا لَمَّا ألقَوها: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ، والباءُ للسببيَّةِ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 98).   ، إنَّا لَنَحْنُ الغالِبونَ موسى [306] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/569)، ((البسيط)) للواحدي (17/48)، ((تفسير الخازن)) (3/325)، ((تفسير السعدي)) (ص: 591)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/127)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 98).   .
فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45).
أي: فألقَى موسَى عصاهُ فأخَذَتْ تبتَلِعُ بسُرعةٍ جميعَ ما ألقاه السَّحَرةُ مِن الحِبالِ والعِصيِّ التي أوهَموا النَّاسَ أنَّها حيَّاتٌ وخَدَعوهم بذلك [307] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/569)، ((تفسير ابن كثير)) (6/141)، ((تفسير أبي السعود)) (6/243). قال البقاعي: (مَا يَأْفِكُونَ أي: يَصرِفونَه عن وَجهِه وحقيقتِه التي هي الجماديَّةُ، بحِيَلِهم وتخييلِهم إلى ظنِّ أنَّه حيَّاتٌ تسعى). ((نظم الدرر)) (14/33).   .
كما قال تعالى: وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه: 69] .
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46).
أي: فلمْ يَتمالَكِ السَّحَرةُ أنفُسَهم لَمَّا شاهدوا ذلك، وعَلِموا أنَّه صُنعُ صانعٍ حَكيمٍ، لا مِن صُنعِ البَشَرِ، ولا مِن تَمويهِ السَّحَرةِ، فرَأَوا عظيمَ قدرةِ الله سبحانَه، وعرَفوا صدقَ موسَى عليه السلامُ، وأنَّ ما جاءهم به حقٌّ، فسَجَدوا لله تعالى مُسرِعينَ بلا ترَدُّدٍ [308] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/569، 570)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/33)، ((تفسير الشوكاني)) (4/115)، ((تفسير الألوسي)) (10/78)، ((تفسير السعدي)) (ص: 591).   .
كما قال تعالى: فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ [الأعراف: 118 - 120] .
قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47).
أي: قال السَّحَرةُ عندَما سَجَدوا لله: آمَنَّا بخالقِ ومالكِ ومدَبِّرِ السمواتِ والأرضِ وما بيْنَهما، الَّذي دعَانا موسَى إلى عبادتِه [309] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/570)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/88)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 105).   .
رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48).
أي: ربِّ موسى وهارونَ، الذي أيَّدَهما بهذه المُعجزةِ العظيمةِ، الدَّالَّةِ على صِدقِهما [310] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (2/286)، ((تفسير البيضاوي)) (4/138)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/34)، ((تفسير الشوكاني)) (4/115، 116).   .
قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا خاف فِرعَونُ اتِّباعَ النَّاسِ لهم؛ لِمَا يَرَون ممَّا هالَهم مِن أمرِهم، وكان قد تَقدَّمَ ما يُعرِّفُ أنَّ المنكِرَ عليهم فِرعونُ نفْسُه؛ قال تعالى مُخبِرًا عنه [311] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/34).   :
قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ.
أي: قال فِرعَونُ لِلَّذين كانوا سَحَرَتَه فآمَنوا: أصدَّقْتُم بأنَّ ما جاء به موسى حقٌّ وانقَدْتُم له قبلَ أنْ آذَنَ لكم بذلك [312] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/570)، ((تفسير ابن كثير)) (6/141)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/34)، ((تفسير الشوكاني)) (4/116)، ((تفسير ابن عثيمين-سورة الشعراء)) (ص: 108).   ؟!
كما قال تعالى: قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ [الأعراف: 123] .
إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ.
أي: إنَّ موسى لَرئيسُكم الذي علَّمَكم صناعةَ السِّحرِ، ولذلك آمنْتُم به، وتَواطأْتُم على ما فعَلْتُم [313] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/570)، ((تفسير ابن كثير)) (6/141)، ((تفسير العليمي)) (4/308). قال القرطبي: (أي: رئيسُكم في التَّعليمِ، وإنَّما غَلَبكم؛ لأنَّه أحذَقُ به منكم. وإنَّما أراد فرعونُ بقَولِه هذا ليشَبِّهَ على النَّاسِ؛ حتى لا يتَّبِعوهم فيُؤمنوا كإيمانِهم، وإلَّا فقد عَلِم فِرعونُ أنَّهم لم يتعَلَّموا مِن موسى، بل قد عَلِموا السِّحرَ قبْلَ قدومِ موسى وولادتِه). ((تفسير القرطبي)) (11/224).   !
كما قال تعالى حاكيًا قَولَ فِرعَونَ: إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا [الأعراف: 123] .
فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ.
أي: قال فِرعَونُ متهدِّدًا: فلَسَوفَ تعلَمونَ ما أفعلُه بكم مِن العِقابِ [314] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/138)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/35)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 109). قال ابنُ جرير: (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عندَ عِقابي إيَّاكم وَبالَ ما فعلْتُم، وخطأَ ما صنعْتُم مِن الإيمانِ به). ((تفسير ابن جرير)) (17/570).   .
لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ.
أي: لأُقطِّعنَّ مِن كُلِّ ساحرٍ منكم يدَه ورِجلَه مِن جِهَتينِ مختَلِفتَينِ [315] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/570)، ((تفسير القاسمي)) (7/457)، ((تفسير السعدي)) (ص: 591)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 109، 110). قال ابنُ عثيمين: (قَولُه: مِنْ خِلَافٍ يعني: مُتخالِفةً؛ إذا قطَعَ اليدَ اليُمنى قطَعَ الرِّجلَ اليسرى، وإذا قطعَ اليدَ اليُسرى قطع الرِّجلَ اليمنى، وليس معنى: مِنْ خِلَافٍ أني أخالِفُ بيْنَكم؛ فمنكم مَن أقطَعُ يديه، ومنكم مَن أقطَعُ رِجلَيه، بل هذا واقِعٌ على محلٍّ واحدٍ، فالخِلافُ في محلٍّ واحدٍ، يعني: كُلُّ واحدٍ منكم أقطَعُ يدَه ورِجلَه متخالفتَينِ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 110). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/570).   .
وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ.
أي: ولأُصَلِّبَنَّكم جميعًا على جُذوعِ النَّخلِ [316] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/264)، ((تفسير ابن جرير)) (17/570)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/55)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 110). قال ابن عاشور: (والصَّلْبُ: ربطُ الجسمِ على عُودٍ مُنتَصِبٍ أو دَقُّه عليه بمساميرَ... والمبالَغةُ راجِعةٌ إلى الكيفيَّةِ أيضًا بشِدَّةِ الدَّقِّ على الأعوادِ). ((تفسير ابن عاشور)) (16/265).   .
كما قال تعالى: قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى [طه: 71] .
قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50).
أي: قال السَّحَرةُ المؤمِنونَ لفِرعَونَ: لا ضرَرَ علينا فيما يُصيبُنا مِن عذابِك المنقَطِعِ، ولا نُبالي به؛ لأنَّنا إلى اللهِ راجِعون، فيُجازينا أحسَنَ الجَزاءِ على إيمانِنا، وصَبرِنا على عذابِك [317] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/570)، ((تفسير القرطبي)) (13/99)، ((تفسير ابن جزي)) (2/90، 91)، ((تفسير ابن كثير)) (6/141)، ((تفسير السعدي)) (ص: 592)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/128).   .
كما قال تعالى: قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه: 72، 73].
إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51).
أي: إنَّنا نرجو أن يستُرَ رَبُّنا ذُنوبَنا، ويتجاوَزَ عن مؤاخَذتِنا بها؛ بسبَبِ كَونِنا أوَّلَ مَن آمَنَ بموسى عندَ ظُهورِ آيتِه [318] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/571)، ((تفسير القرطبي)) (13/99)، ((تفسير ابن كثير)) (6/141)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/36)، ((تفسير السعدي)) (ص: 592)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/129). المرادُ مِن قولِهم: أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ أي: مِن آلِ فِرعَونَ. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة الشعراء)) (ص: 116). قال البيضاوي: (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا لِأَن كنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ مِن أتباعِ فِرعَونَ، أو مِن أهلِ المشهَدِ). ((تفسير البيضاوي)) (4/139). .

الفَوائِدُ التَّربويَّةُ:

1- في قَولِه تعالى: قَالُوا لَا ضَيْرَ أنَّ الإيمانَ إذا صَدَقَ صار أقوى مِن العاطِفةِ، فحُبُّ النفْسِ أمرٌ فِطريٌّ؛ ولكنَّ الإيمانَ يؤدِّي إلى أنْ تَرخُصَ النفْسُ عندَ المرءِ بجانبِ دِينِه [319] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 112).   .
2- السَّبقُ إلى الإيمانِ وإلى العَمَلِ الصَّالحِ مَنقَبةٌ، ومِن أسبابِ الرُّتَبِ العاليةِ والرِّفعةِ والمَغفرةِ؛ لذا قال سَحَرةُ فِرعَونَ: أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ، فكان قَولُهم هذا من بابِ التحَدُّثِ بنِعمةِ الله، الذي يَرَونَه سببًا ووسيلةً لِمَغفرةِ الذُّنوبِ، ولم يكُنْ قَولُهم مِن بابِ الإدلالِ على اللهِ والمِنَّةِ عليه بكَونِهم أوَّلَ المؤمِنينَ؛ ولهذا أيضًا قال الله تعالى:لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد: 10] ، فالسَّبقُ إلى الإيمانِ والعَمَلِ الصَّالحِ له مَزِيَّتُه، ولصاحِبِه مَرتبةٌ عاليةٌ [320] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 114).   .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِهم: لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ مِن إظهارِ التعَصُّبِ ما لا يخفَى؛ لأنَّ الواجِبَ عليهم أن يقولوا: لعَلَّنا نتَّبِعُ الغالِبَ، لا أن يقولوا: لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ، فقد يكونُ الحَقُّ مع موسى، وقد يكونُ الحَقُّ مع السَّحَرةِ، فلو وُفِّقوا لقالوا: لعَلَّنا نتَّبِعُ الغالِبَ أو الحَقَّ، ولكِنَّهم قالوا: لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ، ثمَّ استدرَكوا فقالوا: إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ، وهذا ما يُسمَّى بـ (التحَفُّظ) -في لغةِ العصرِ- يعني: كأنَّهم حَكَموا بأنَّ الغَلَبَ للسَّحَرةِ، لكنْ مع تحفُّظٍ لقَولِهم: إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ [321] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 91).   ؛ فلذلك ما أفاد فيهم ذلك إلَّا قيامَ الحُجَّةِ عليهم [322] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 591).   .
2- قولُهم: لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ إنَّ هذا شأنُ المغرورينَ بهواهُم، العُميِ عن النظَرِ في تقَلُّباتِ الأحوالِ: أنَّهم لا يَفرِضونَ مِن الاحتِمالاتِ إلَّا ما يوافِقُ هواهم، ولا يأخُذونَ العُدَّةَ لاحتِمالِ نَقيضِه [323] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/126).   .
3- قال الله تعالى: قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ، فأمَرهم موسَى عليه السلامُ بالإلقاءِ؛ لأنَّه علِم أنَّهم لا بدَّ أن يُلقوا تلك الحبالَ والعِصيَّ، وإنَّما وقَع التخييرُ في التقديمِ والتأخيرِ، فأذِن لهم في التقديمِ؛ لتَظهرَ معجزتُه أيضًا بغلَبِهم؛ لأنَّه لو ألقَى أوَّلًا لم يكنْ له غلَبٌ وظهورٌ عليهم، فلهذا المعنَى أمَرهم بالإلقاءِ أوَّلًا [324] يُنظر: ((تفسير الخازن)) (2/235).   ، وهو بمنزلةِ تَقريرِ شُبهةِ المُلحِدِ ممَّن يتَصدَّى لإبطالِها بعدَ تقريرِها [325] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/255).   .
4- في قَولِه تعالى: وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ أنَّ كلَّ مَن حلَفَ بغيرِ اللهِ -كأن يقولَ: وحياةِ فلانٍ، وحقِّ رأسِه، ونحوِ ذلك- فهو تابِعٌ لهذه الجاهليَّةِ [326] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/33).   ، فهذا القَسَمُ بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ مِن نوعِ أقسامِ الجاهليَّةِ، وقد سلَك كثيرٌ مِن المُسلمينَ في الأَيمانِ ما هو أشنَعُ مِن أيمانِهم؛ لا يَرضَونَ بالقَسَمِ باللهِ تعالى وصِفاتِه عزَّ وجلَّ، ولا يَعتَدُّونَ بذلك حتى يحلِفَ أحَدُهم بنِعمةِ السُّلطانِ أو برأسِه، أو برأسِ المُحلِّفِ أو بلِحْيتِه أو بترابِ قبرِ أبيه، فحينَئذٍ يَستوثِقُ منه! ولهم أشياءُ يُعظِّمونَها ويحلِفون بها غيرُ ذلك، ولا يَبعُدُ أن يكونَ الحَلِفُ بالله تعالى كَذِبًا أقَلَّ إثمًا مِن الحَلِفِ بها صِدقًا، وهذا ممَّا عَمَّت به البَلوى، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ تعالى العليِّ العظيمِ [327] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (10/77).   .
5- في قَولِه تعالى: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ أنَّ الحقَّ إذا تَبيَّنَ كان أعلَمَ النَّاسِ به مَن يَعرِفُ الباطلَ؛ فإنَّ أوَّلَ مَن تَبيَّنَ له أنَّ ما جاء به موسى عليه السلامُ هو الحقُّ، وأنَّه ليس بسِحرٍ: هم السَّحرةُ الذين عَرَفوا السِّحرَ وباطِلَه؛ فالذي يَعرِفُ الحقَّ هو الذي يَعرِفُ الباطِلَ، أمَّا مَن لا يَعرِفُ الباطلَ فإنَّه قد تلتَبِسُ عليه الأمورُ؛ ولهذا قيل: «بِضِدِّها تَتبيَّنُ الأشياءُ» [328] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 106).   .
6- قال الله تعالى: فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ هذه الحادِثةُ الخارِقةُ للعادةِ فيها إثباتُ الصَّانعِ، وإثباتُ نبُوَّةِ أنبيائِه؛ فإنَّ حُدوثَ هذا الحادِثِ على هذا الوَجهِ في مِثلِ ذلك المقامِ يُوجِبُ عِلمًا ضَروريًّا أنَّه مِن القادِرِ المُختارِ؛ لتَصديقِ موسى عليه السلامُ، ونَصرِه على السَّحَرةِ [329] يُنظر: ((الصفدية)) لابن تيمية (1/138).   .
7- أخبَر اللهُ تعالى في غيرِ مَوضِعٍ مِن القرآنِ عن سُجودِ سَحَرةِ فِرعَونَ، كما قال الله تعالى: فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وقال تعالى: وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ [الأعراف: 120- 122] ، وذلك سُجودٌ مع إيمانِهم، وهو مِمَّا قَبِلَه اللهُ منهم، وأدخَلَهم به الجنَّةَ، ولم يَكونوا على طَهارةٍ، وشَرعُ مَن قَبْلَنا شَرعٌ لنا ما لم يَرِدْ شَرعُنا بنَسخِه، ولو قُرئَ القُرآنُ على كُفَّارٍ فسَجَدوا لله سُجودَ إيمانٍ باللهِ ورَسولِه محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو رأَوا آيةً مِن آياتِ الإيمانِ فسَجَدوا لله مُؤمِنينَ باللهِ ورَسولِه؛ لنَفَعهم ذلك [330] يُنظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (1/353).   .
8- في قَولِه تعالى: إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ عَبَّروا بالطَّمَعِ؛ إشارةً إلى أنَّ جميعَ أسبابِ السَّعادةِ منه تعالى [331] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/36).   .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالى: فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ
- دلَّتِ الفاءُ على أنَّ جَمْعَ السَّحرةِ وقَعَ في أَسرَعِ وقتٍ عَقِبَ بعْثِ الحاشِرينَ؛ حِرصًا مِنَ الحاشِرينَ والمَحشورينَ على تنفيذِ أمْرِ فِرعونَ. وبُنِيَ (جُمِعَ- وقِيلَ) لِما لم يُسَمَّ فاعلُه؛ لعدَمِ تَعيُّنِ جامِعينَ وقائِلينَ، أي: جمَعَ مَن يَجمَعُ، وقال القائِلون [332] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/125).   .
2- قولُه تعالى: وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ
- قولُه: هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ استِبطاءٌ لهم في الاجتِماعِ؛ حثًّا على مُبادرتِهم إليه؛ فالاستِفهامُ مُستعمَلٌ في طلَبِ الإسراعِ بالاجتِماعِ، بحيث نُزِّلوا مَنزِلةَ مَن يُسألُ سؤالَ تَحقيقٍ عن عزْمِه على الاجتِماعِ [333] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/311)، ((تفسير البيضاوي)) (4/137)، ((تفسير أبي حيان)) (8/154)، ((تفسير أبي السعود)) (6/242)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/125).   .
3- قولُه تعالى: لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ
- قولُه: لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ ليس غرَضُهمُ اتِّباعَ السَّحرةِ، وإنَّما الغرَضُ الكُلِّيُّ: ألَّا يَتَّبِعوا موسى، فساقُوا الكلامَ مَساقَ الكِنايةِ؛ لأنَّهم إذا اتَّبَعوهم لمْ يَكونوا مُتَّبِعينَ لموسى عليه السَّلامُ؛ فجاء الكلامُ حَمْلًا لهم على الاهتِمامِ والجِدِّ في المُغالَبةِ [334] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/312)، ((تفسير البيضاوي)) (4/138)، ((تفسير أبي حيان)) (8/154)، ((تفسير أبي السعود)) (6/242)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/126).   .
- وقد جِيءَ في شرْطِ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ بحرف (إنْ)؛ لأنَّها أصلُ أدواتِ الشَّرطِ، ولم يكنْ لهم شَكٌّ في أنَّ السَّحرةَ غالِبون [335] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/126).   . وقيل: عبَّر بأداةِ الشكِّ؛ إظهارًا للإنصافِ، واستِجلابًا للناسِ، معَ تقديرِهم لقطعِهم بظَفَرِ السحَرةِ [336] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/31).   .
4- قولُه تعالى: فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ
- تقدَّمَ نَظيرُها في سورةِ (الأعرافِ) بقولِه: وَجَاءَ السَّحَرَةُ [الأعراف: 113] وبطرْحِ همزةِ الاستِفهامِ؛ إذْ قال هناك: إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا [الأعراف: 113] ، وهو تَفنُّنٌ في حِكايةِ مَقالَتِهم عِندَ إعادتِها؛ لئلَّا تُعادَ كما هي، وبدُونِ كلمةِ (إذَنْ)، فحَكَى هنا ما في كلامِ فِرعونَ مِن دَلالةٍ على جزاءِ مَضمونِ قَولِهم: إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ [الأعراف: 113] زيادةً على ما اقتَضاه حرفُ (نعَمْ) مِن تقريرِ استِفهامِهم عنِ الأجرِ. فتقديرُ الكلامِ: إنْ كنتُم غالِبينَ إذًا إنَّكم لَمِنَ المُقرَّبينَ. وهذا وقَعَ الاستِغناءُ عنه في سورةِ (الأعرافِ)، فهو زيادةٌ في حكايةِ القصَّةِ هنا. وكذلك شأنُ القرآنِ في قَصصِه، ألَّا يَخْلوَ المُعادُ منها عن فائدةٍ غَيرِ مَذكورةٍ في مَوضعٍ آخَرَ منه؛ تَجديدًا لنَشاطِ السَّامعِ [337] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/126).   .
- وساقوه مساقَ الاستفهامِ؛ أدبًا معه، وقالوا: إِنْ كُنَّا بأداةِ الشكِّ معَ جزمِهم بالغلَبةِ؛ تخويفًا له بأنَّه إن لم يُحسِنْ في وعدِهم لم ينصَحوا له [338] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/32).   .
5- قولُه تعالى: قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ
- حُكِيَ كلامُ موسى في ذلك الجَمعِ بإعادةِ فِعْلِ (قال) مَفصولًا بطَريقةِ حِكايةِ المُحاوَراتِ؛ لأنَّه كان المقصودَ بالمُحاورةِ؛ إذْ هُم حَضَروا لأجْلِه [339] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/126، 127).   .
- وبيْنَ قَولِه: قَالَ لَهُمْ مُوسَى وقَولِه: لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ كلامٌ مَحذوفٌ، وهو ما ثَبَتَ في (الأعرافِ) مِن تَخييرِهم إيَّاه في البُداءةِ مَن يُلْقي [340] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/154).   .
- وفيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، حيثُ وقَعَ في سورةِ (الأعرافِ): قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا [الأعراف: 115، 116]، واختُصِر هنا تَخييرُهم موسى في الابتِداءِ بالأعمالِ، وذُكِر هنا مَفعولُ أَلْقُوا، واختُصِر في سورةِ (الأعرافِ) [341] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/127).   .
- وفِعلُ الأمرِ في قوله: أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ مستعمَلٌ في التسويةِ المرادِ منها الاختيارُ، وإظهارُ قلَّةِ الاكتراثِ بأحدِ الأمْرينِ [342] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/254).   .
- وفي كلامِ موسى عليه السَّلامُ استِخفافٌ بما سيُلْقُونه؛ لأنَّه عَبَّرَ عنه بصِيغةِ العُمومِ، أي: ما تَستَطيعونَ إلقاءَه [343] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/127).   .
6- قولُه تعالى: فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ
- قولُه: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ عَدَلوا عنِ الخِطابِ إلى اسمِ الغَيبةِ؛ تعظيمًا [344] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/154).   .
- وقُرنَتْ حكايةُ قولِ السَّحرةِ بالواوِ خِلافًا للحِكاياتِ الَّتي سبقَتْها؛ لأنَّ هذا قَولٌ لم يُقصَدْ به المُحاوَرةُ، وإنَّما هو قَولٌ ابتَدَؤوا به عِندَ الشُّروعِ في السِّحْرِ [345] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/127).   .
- وجملةُ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ استِئْنافُ إنشاءٍ عن قَولِهم: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ؛ كأنَّ السَّامعَ -وهو موسى أو غيرُه- يقولُ في نفْسِه: ماذا يؤَثِّرُ قَولُهم: بعِزَّةِ فِرعونَ؟ فيَقولون:... وقد أفادَتْ جملةُ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ بما فيها مِنَ المؤَكِّداتِ مُفادَ القَسَمِ [346] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/127).   .
7- قولُه تعالى: فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ
- قولُه: فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ أي: تَلقَفُ ما يَقلِبونه عن وَجْهِه وحَقيقتِه بسِحْرِهم وكَيدِهم، ويُزوِّرونه فيُخيِّلون في حِبالِهم وعِصِيِّهم أنَّها حَيَّاتٌ تَسعَى؛ بالتَّمويهِ على النَّاظِرينَ. أو تَلْقَفُ إفْكَهم، فسمَّى تِلك الأشياءَ إفكًا؛ مُبالَغةً [347] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/313)، ((تفسير البيضاوي)) (4/138)، ((تفسير أبي السعود)) (6/243).   .
8- قولُه تعالى: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ
- قولُه: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ أي: فخَرُّوا ساجِدينَ، وإنَّما عُبِّر عنِ الخُرورِ بالإلقاءِ؛ لأنَّه ذُكِر مع الإلقاءاتِ، فسُلِك به طريقُ المُشاكَلةِ [348] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/313)، ((تفسير البيضاوي)) (4/138). والمشاكلة: لُغةً: هي المماثلةُ، واصطلاحًا: هي ذِكرُ الشيءِ بغيرِ لفظِه؛ لوُقوعِه في صُحبتِه، كقولِه تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى: 40]، فالجزاءُ عن السيئةِ في الحقيقةِ غيرُ سيئةٍ، والأصلُ: وجزاءُ سيئةٍ عقوبةٌ مِثلُها. يُنظر: ((خِزانة الأدب)) للحموي (2/252)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 309).   ، وفيه أيضًا أنَّهم حينَ رأَوْا ما رأَوْا، لمْ يَتَمالَكوا أنْ رَموا بأنفُسِهم إلى الأرضِ ساجِدينَ، كأنَّهم أُخِذوا فطُرِحوا طَرْحًا [349] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/313)، ((تفسير البيضاوي)) (4/138)، ((تفسير أبي السعود)) (6/243)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 104).   ، واندفَعوا بدُونِ شعورٍ ولا اختيارٍ، حتى سجَدوا مؤمِنينَ باللهِ ورَسولِه [350] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (1/337).   .
9- قولُه تعالى: رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ عَطفُ بَيانٍ أو بدَلٌ مِن رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ للتَّوضيحِ، ودفْعِ تَوهُّمِ إرادةِ فِرعونَ، حيثُ كان قَومُه الجَهَلةُ يُسمُّونَه بذلك، وللإشعارِ بأنَّ المُوجِبَ لإيمانِهم به تعالى ما أجْراه على أيدِيهما مِنَ المُعجِزةِ القاهِرةِ [351] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/313)، ((تفسير البيضاوي)) (4/138)، ((تفسير أبي السعود)) (6/243).   .
- وفي قولِه: رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ أضافوا الرَّبَّ سُبحانَه إلى مُوسَى وهارُونَ؛ لأنَّهما القائمانِ بالدَّعوةِ في تِلكَ الحالِ، وفيه تبكيتٌ لفِرعونَ بأنَّه ليس برَبٍّ، وأنَّ الربَّ في الحقيقةِ هو هذا [352] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (4/115، 116).   .
- وخُصَّ موسَى وهارونُ عليهما السَّلامُ بالذِّكْرِ أيضًا تفضيلًا وتشريفًا [353] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (9/286).   ، فربوبيَّةُ موسى وهارونَ لها اختِصاصٌ زائِدٌ على الرُّبوبيَّةِ العامَّةِ للخَلقِ؛ فإنَّ مَن أعطاه اللهُ مِن الكَمالِ أكثَرَ مِمَّا أعطى غيرَه، فقد رَبَّه ورَبَّاه رُبوبيَّةً وتَربيةً أكمَلَ مِن غَيرِه [354] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (5/105).   .
10- قولُه تعالى: قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ
- بالَغَ في التَّنفيرِ مِن جِهةِ قَولِه: آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ موهِمًا أنَّ مُسارعتَهم للإيمانِ دَليلٌ على مَيلِهم إليه قَبْلُ، وبقَولِه: إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ صرَّحَ بما رمَزَه أوَّلًا مِن مُواطَأتِهِم وتَقصيرِهم؛ لِيَظهَرَ أمْرُ كبيرِهم، وبقَولِه: فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ حيث أوعَدَهم وعيدًا مُطْلَقًا، وبتَصريحِه بما هدَّدَهم به مِنَ العذابِ [355] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/155).   .
- قال الله تعالى: قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إنْ قيل: في سورةِ (الأعرافِ): آَمَنْتُمْ بِهِ [الأعراف: 123] ، وهنا: آَمَنْتُمْ لَهُ؟
فالجوابُ: في الأصلِ بيْنَهما فَرقٌ: آمَنَ به: أقَرَّ به واعترفَ بالإيمانِ الكامِلِ، وآمَنَ له: مضَمَّنةٌ معنَى انقادَ. فإذا جمعْتَ بينَ الآيتَينِ هنا صارتْ أبلَغَ، يعني: كأنَّهم آمَنوا إيمانًا به، ثمَّ آمَنوا له فانقادُوا له [356] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 108، 109).   .
11- قولُه تعالى: قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ فيه مُناسَبةٌ حسَنةٌ، حيثُ جاء قَولُه: قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ بحذْفِ لامِ التَّأكيدِ، وفي سُورةِ (الزُّخْرُف) قال: وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ [الزخرف: 13، 14] بإِثباتِها. ووجْهُه: أنَّ ما هنا كلامُ السَّحرةِ حينَ آمَنوا، ولا عُمومَ فيه، فناسَبَ عدَمُ التَّأكيدِ، وما في سُورةِ (الزُّخرُفِ) عامٌّ لِمَن رَكِبَ سفينةً أو دابَّةً؛ فناسَبَه التَّأكيدُ [357] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 411).   .
- وقولُه: إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ تَعليلٌ لنَفيِ الضَّيرِ، وهي القَرينةُ على المُرادِ مِنَ النَّفيِ [358] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/243)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/128).   .
12- قولُه تعالى: إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ تعليلٌ ثانٍ لنَفيِ الضَّيرِ. وقيل: هو تَعليلٌ للعِلَّةِ المُتقدِّمةِ [359] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/139)، ((تفسير أبي السعود)) (6/243).   . وقيل: بيانٌ للمَقصودِ مِن جملةِ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ، وعلَّلوا ذلك الطَّمعَ بأنَّهم كانوا أوَّلَ المُؤمنِينَ باللهِ بتَصديقِ موسى عليه السَّلامُ، وفي هذا دَلالةٌ على رُسوخِ إيمانِهم باللهِ ووعْدِه [360] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/128، 129).   .