موسوعة التفسير

سورةُ القَصَصِ
الآيات (29-35)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ

غَريبُ الكَلِماتِ:

آَنَسَ: أي: أبصَرَ وأحَسَّ، والإيناسُ: الرُّؤيةُ، والإحساسُ بالشَّيءِ، وأصلُ (أنس): يدُلُّ على ظُهورِ الشَّيءِ .
الطُّورِ: الطُّورُ اسمُ جبلٍ مخصوصٍ، وقيل: اسمٌ لكلِّ جبلٍ، وقيل: هو الجبلُ المنبِتُ دونَ غيرِه، وأصلُ (طور): يدُلُّ على الامتدادِ في شَيءٍ مِن مكانٍ أو زمانٍ .
جَذْوَةٍ: أي: قِطعةٍ غَليظةٍ مِنَ الحَطَبِ فيها نارٌ لا لهبَ فيها .
تَصْطَلُونَ: أي: تَستَدفِئونَ، والصَّلا: النَّارُ العظيمةُ، وأصلُ (صلى) هنا: النَّارُ .
شَاطِئِ: أي: جانِبِ .
الْبُقْعَةِ: أي: القطعةِ مِن الأرضِ المتميِّزةِ عن غيرِها، وأصلُ (بقع): مُخالَفةُ الألوانِ بعضِها بعضًا .
جَانٌّ: جِنسٌ من الحيَّاتِ خَفيفٌ سَريعٌ، وأصلُ (جنن): يدُلُّ على سَتْرٍ .
يُعَقِّبْ: أي: يَرجِعْ، وأصلُ (عقب): يدُلُّ على تأخيرِ شَيءٍ، وإتيانِه بعدَ غيرِه .
اسْلُكْ: أي: أدْخِلْ، وأصلُ (سلك): يدُلُّ على نُفوذِ شَيءٍ في شَيءٍ .
جَيْبِكَ: أي: جَيبِ قَميصِك، وهو مَدخَلُ الرَّأسِ منه المفتوحُ إلى الصَّدرِ .
جَنَاحَكَ: أي: يَدَك، وأصلُ (جنح): يدُلُّ على المَيلِ، وسُمِّيَ الجناحانِ جَناحَينِ؛ لِمَيلِهما في الشِّقَّينِ .
الرَّهْبِ: أي: الخَوفِ والرَّهبةِ، والرَّهْبةُ والرَّهْبُ: مخافةٌ مع تحرُّزٍ واضْطِرابٍ، وأصلُ (رهب): يدُلُّ على خَوفٍ .
فَذَانِكَ: أي: العصا واليدُ، وذانِك: اسمُ إشارةٍ، تثنيةُ (ذاك)، وبالتَّشديدِ (ذَانِّكَ) تثنيةُ (ذلك) .
رِدْءًا: أي: مُعينًا، يُقالُ: فلانٌ رِدْءٌ لفُلانٍ: أي: يَنصُرُه ويَشُدُّ ظَهرَه، وأصلُه مِن قَولِهم: ردأتُ الحائِطَ: إذا دعَمْتَه بخَشَبٍ أو نحوِه؛ لئلَّا يَسقُطَ .
سَنَشُدُّ عَضُدَكَ: أي: سنُعينُك، ونقَوِّيك، وأصلُ (شدد): يدُلُّ على قوَّةٍ في الشَّيءِ، والعَضُدُ: ما بيْنَ المِرفَقِ إلى الكَتِفِ، وكلُّ مُعِينٍ فهو عضُدٌ، وعاضَدَني فلانٌ، أي: عاوَنَني، وشَدُّ العَضُدِ مَثَلٌ في التَّقويةِ والإعانةِ؛ وذلك أنَّ مَن قَوَّيتَ عَضُدَه فقد أعَنْتَه .
سُلْطَانًا: أي: حُجَّةً، وبُرهانًا، وأصْلُ السُّلطانِ: القوَّةُ والقهرُ، مِنَ التَّسلُّطِ؛ ولذلك سُمِّي السُّلطانُ سُلطانًا .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ الله تعالى: فلمَّا أنهى موسى سَنواتِ رَعْيِه للغنَمِ، وسار بأهلِه إلى مِصرَ؛ أبصَرَ مِن جهةِ الجبَلِ نارًا مُضيئةً، فقال لأهلِه: الزَموا مكانَكم؛ فإنِّي أبصَرْتُ نارًا، سأذهَبُ إليها؛ لعلِّي أرجِعُ إليكم مِن عندِها بخبرٍ يدُلُّنا على الطَّريقِ، أو آتي بقِطعةٍ مُشتعِلةٍ مِن النَّارِ؛ لِتَستدفِئوا بها مِن البَردِ.
فلمَّا أتَى موسى إلى النَّارِ ناداه اللهُ مِن عن يمينِ موسى فى البُقعةِ المبارَكةِ مِن ناحيةِ الشَّجَرةِ، فقال له: يا موسى، إنِّي أنا اللهُ ربُّ العالَمينَ الَّذي يكَلِّمُك، واطرَحْ عَصاك. فألقى موسى عصاهُ، فلمَّا رآها تتحرَّكُ بسُرعةٍ كأنَّها حيَّةٌ، ولَّى مُسرِعًا ولم يلتَفِتْ؛ لشِدَّةِ خَوفِه، فقال اللهُ له: يا موسى، ارجِعْ ولا تخَفْ؛ إنَّك مِنَ الآمِنينَ، أدخِلْ يَدَك في جَيبِك -وهو فَتحةُ الثَّوبِ مكانَ دُخولِ الرَّأسِ- تخرُجْ بَيضاءَ بياضًا عظيمًا مِن غيرِ عَيبٍ أو مَرَضٍ، واضمُمْ يَدَك إلى صَدرِك؛ فيذهَبَ ما أصابك مِن الخَوفِ، فهاتان آيتانِ مِن رَبِّك إلى فِرعَونَ وأشرافِ قَومِه؛ إنَّهم كانوا قومًا كافرينَ خارِجينَ عن طاعةِ الله.
 قال موسى: ربِّ إنِّي قتَلْتُ مِن قَومِ فِرعَونَ نفْسًا، فأخافُ أن يقتُلوني، وأخي هارونُ هو أفصَحُ مني لِسانًا، وأحسَنُ بيانًا؛ فاجعَلْه رَسولًا معي إلى فِرعَونَ، ومُعينًا لي على دَعوتِهم؛ إنِّي أخافُ أن يكَذِّبوني.
قال اللهُ له: سنُقَوِّيك بإرسالِ أخيك معك، ونجعَلُ لكما حُجَّةً على فِرعَونَ وقَومِه، وتمتَنِعانِ منهم بسبَبِ آياتِنا؛ فلا يُصيبونَكما بضَرَرٍ، أنتما وأتباعُكما غالِبونَ لهم.

تَفسيرُ الآياتِ:

فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29).
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا.
أي: فلمَّا أنهى موسى سَنَواتِ رَعْيِه للغَنَمِ، وسار بزَوجِه إلى مِصرَ؛ أبصَرَ مِن جِهةِ الجَبَلِ نارًا مُضيئةً .
عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ، قال: (سألَني يهوديٌّ مِن أهلِ الحِيرةِ: أيَّ الأجَلَينِ قضى موسى؟ قلتُ: لا أدري، حتَّى أقدَمَ على حَبرِ العَربِ فأسألَه، فقَدِمتُ فسألتُ ابنَ عبَّاسٍ، فقال: قضى أكثَرَهما وأطْيَبَهما؛ إنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا قال فعَلَ) .
قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ.
أي: قال موسى لامرأتِه: أقيموا مَكانَكم؛ فإنِّي أبصَرْتُ نارًا، سأذهَبُ إليها راجيًا أن أرجِعَ إليكم مِن عندِها بخبَرٍ عن الطَّريقِ .
أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ.
أي: أو آتيكم مِن النَّارِ بقِطعةِ حَطَبٍ مُشتَعلةٍ، راجيًا أن تَستدفِئوا بها مِن البَردِ .
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30).
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ .
أي: فلمَّا أتَى موسَى إلى النَّارِ الَّتي أبصَرَها عندَ الجَبَلِ، ناداه اللهُ تعالى مِن جانِبِ الوادي الواقِعِ على يمينِ موسى عليه السَّلامُ .
كما قال تعالى: هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [النازعات: 15، 16].
وقال سُبحانَه: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [مريم: 52].
فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ.
أي: ناداه في قِطعةِ الأرضِ الَّتي أحَلَّ اللهُ فيها البَرَكةَ مِن ناحيةِ الشَّجَرةِ الَّتي في جانِبِ الوادي الأيمَنِ .
أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
أي: نادَى اللهُ موسَى فقال له: يا موسَى، إنَّ الَّذي يُكَلِّمُك هو أنا اللهُ ربُّ جميعِ الخلائِقِ، الَّذي لا إلهَ غيري .
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31).
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ.
أي: واطرَحْ عصاك الَّتي معك على الأرضِ .
فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ.
أي: فألقَى موسَى عصاه، فلمَّا رآها تتحرَّكُ وتَضْطَرِبُ كأنَّها حيَّةٌ في سُرعةِ حَرَكتِها، وشِدَّةِ اهتِزازِها؛ هرَبَ منها مُسرِعًا ولم يَرجِعْ أو يلتَفِتْ؛ لشِدَّةِ خَوفِه .
يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ.
أي: قال اللهُ له: يا موسى، عُدْ إلى مكانِك ولا تخَفْ؛ إنَّك في أمنٍ مِن أن ينالَك مَكروهٌ .
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32).
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ.
أي: أدخِلْ يَدَك في فَتحةِ قَميصِك -وهي الفتحةُ العُلويَّةُ مكانَ دُخولِ الرَّأسِ- فإذا أخرَجْتَها تخرُجُ بيضاءَ بياضًا عظيمًا مِن غيرِ عَيبٍ أو مَرَضٍ !
وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ.
أي: واضمُمْ يَدَك إلى صَدرِك؛ فيذهَبَ ما أصابَك مِن الخَوفِ .
فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ.
أي: فهاتانِ آيَتانِ وحُجَّتانِ مِن رَبِّك -تَحَوُّلُ عَصاكَ إلى حَيَّةٍ، وخُروجُ يَدِك منِ جَيبِك بَيضاءَ مِن غيرِ سُوءٍ- تَدُلَّانِ على الحَقِّ، أُرسِلُك بهما إلى فِرعَونَ وأشرافِ قَومِه وكُبَرائِهم .
إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ.
أي: أُرسِلُك بهاتينِ الآيتَينِ؛ لأنَّ فِرعَونَ ومَلأَه قَومٌ مَطبوعونَ على الكُفرِ، مُتَّصِفونَ بالخُروجِ عن طاعةِ اللهِ .
كما قال تعالى لموسى عليه السَّلامُ: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [النمل: 12] .
قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا قال تعالى: فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ تضمَّنَ ذلك أنْ يذهَبَ موسى بهذينِ البُرهانَينِ إلى فِرعَونَ وقَومِه؛ فعندَ ذلك طَلَبَ مِن اللهِ تعالى ما يُقوِّي قلْبَه، ويُزيلُ خَوفَه، فقال :
قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33).
أي: قال موسى: ربِّ إنِّي قَتلْتُ مِن قَومِ فِرعَونَ نفْسًا، فأخافُ -إنْ رأَوْني وحيدًا بلا ظَهيرٍ ومُعِينٍ يُبَيِّنُ لهم ما أُريدُ مِن القَولِ- أن يَقتُلوني قبلَ أن أتمكَّنَ مِن دَعوتِهم إلى الحَقِّ .
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34).
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي.
أي: وأخي هارونُ هو أحسَنُ مِنِّي بيانًا؛ فاجعَلْه رَسولًا معيَ إلى فِرعَونَ وقَومِه، ووزيرًا ومُعِينًا لي على دَعوتِهم، يُبَيِّنُ ما أقولُ لهم .
كما قال تعالى حاكيًا دُعاءَ موسى: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا [طه: 27 - 35] .
إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ.
أي: أيِّدْني بأخي هارونَ؛ لأنِّي أخافُ ألَّا يُصَدِّقَني فِرعَونُ وقَومُه .
كما قال تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ [الشعراء: 12، 13].
قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35).
قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ.
أي: قال اللهُ لِموسى: سنُقوِّيك ونُعينُك بإرسالِ أخيك معك .
وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا.
أي: ونجعَلُ لكما حُجَّةً على فِرعَونَ وقَومِه، ومَهابةً في قُلوبِهم منكما، فيكونُ لكما الظُّهورُ والغَلَبةُ عليهم، وتَمتَنِعانِ منهم؛ بسَبَبِ آياتِنا، فلا يؤذونَكما .
أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ
أي: أنتما وأتْباعُكما المنصورونَ على فِرعَونَ ومَلَئِه، القاهِرونَ لهم .
كما قال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر: 51].
وقال سُبحانَه: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة: 21] .

الفَوائِدُ التَّربويَّةُ :

1- في قَولِه تعالى: قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا سؤالٌ: أنَّ قولَه: امْكُثُوا خطابُ جماعةِ الذكورِ؛ فما وجهُ خِطابِ المرأةِ بخِطابِ جماعةِ الذُّكورِ؟
الجوابُ عن هذا مِن ثلاثةِ أوجُهٍ:
الأوَّل: أنَّ الإنسانَ يُخاطِبُ المرأةَ بخِطابِ الجماعةِ؛ تعظيمًا لها، ونظيرُه قولُ الشَّاعرِ :
فإنْ شِئتِ حَرَّمتُ النِّساءَ سِواكُمُ
الثَّاني: أنَّ معها خادمًا، والعرَبُ رُبَّما خاطبَتِ الاثنينِ خِطابَ الجماعةِ.
الثَّالثِ: أنَّه كان له مع زوجتِه ولَدانِ له .
2- في قَولِه تعالى: لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ دَليلٌ على حُسنِ مُعاملةِ موسى لأهلِه؛ إذْ جَعَلَ يَتطلَّبُ لهم ما يُدفِّئُهم، وقد قال النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((خَيرُكم خَيرُكم لأهلِه، وأنا خَيرُكم لأهلي)) .
3- في قَولِه تعالى: فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي أنَّ اتِّخاذَ الأعْوانِ هو مِن أسبابِ النَّجاةِ، وهذا أمرٌ مَعلومٌ مِن قديمِ الزَّمانِ وحَديثِه؛ أنَّه كلَّما كان الإنسانُ معه مَن يُعينُه ويُساعِدُه، كان ذلك أقرَبَ إلى نجاحِه مِنِ انفرادِه .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالى: فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ إثباتُ أنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى قد يُقَدِّرُ للمَرءِ مِن الأسبابِ ما يُوصِلُه إلى الكَمالِ؛ ذلك أنَّ رَعْيَ الغَنَمِ فيه مَصلَحةٌ لرِعايةِ الخلْقِ فيما بَعدُ؛ ولهذا أخبرَ النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّه ((ما بَعَثَ اللهُ نبيًّا إلَّا رعَى الغَنَمَ)) ، فإذا كان الإنسانُ يَتعوَّدُ الرِّعايةَ ومَسؤوليةَ الرَّعيَّةِ، فإنَّ هذا فيه تَوطِئةٌ لِمَا يُوكَلُ إليه فيما بَعْدُ .
2- قَولُه تعالى: فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ دليلٌ على أنَّ للرَّجُلِ أن يذهَبَ بأهلِه حيثُ شاء؛ لِما له عليها مِن فَضلِ القواميَّةِ، وزيادةِ الدَّرجةِ، إلَّا أن يلتَزِمَ لها أمرًا؛ فالمؤمِنونَ عند شُروطِهم، و((أحَقُّ الشُّروطِ أن تُوفُوا به ما استَحلَلْتُم به الفُروجَ )) .
3- في قَولِه تعالى: لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أنَّ الأنبياءَ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ -حتَّى قبْلَ النُّبوَّةِ- هم كغيرِهم مِن البشَرِ؛ يُحِسُّون بآلامِ البَردِ، وكذلك بآلامِ الجوعِ وغيرِه، ويَهتَدون إلى الطَّريقِ، وقد يَضِلُّون عنه، فهنا فائدتانِ شَرعيَّتانِ:
الأُولى: أنَّهم لا يَعلمونَ الغَيبَ؛ إذْ لو كانوا يَعلمونَ الغيبَ ما ضَلُّوا عن الطَّريقِ.
الثَّانيةُ: أنَّهم لا يَملِكونَ لأنفُسِهم نفعًا ولا ضَرًّا، فإذا كانوا لا يَملكون ضَرًّا ولا نفعًا لأنفُسِهم، فلِغَيرِهم مِن بابِ أَولى، وهذا مُصَرَّحٌ به في قَولِه تعالى: قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [الأنعام: 50] ، وقال اللهُ تعالى لنبيِّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن: 21، 22].
4- في قَولِه تعالى: لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أنَّ اللهَ تعالى إذا أراد أمرًا هَيَّأَ أسبابَه؛ فإنَّ اللهَ لَمَّا أراد أنْ يوحِيَ إلى نبيِّه موسى عليه السَّلامُ في ذلك المكانِ، هَيَّأَ له أسبابًا تُوصِلُه إلى النَّارِ الَّتي رآها وقَصَدَها .
5- في قَولِه تعالى: لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أنَّ اتِّخاذَ الأسبابِ لا يُنافي التَّوكُّلَ، بل هو مِن تمامِ التَّوكُّلِ، ومِن تمامِ معرفةِ الإنسانِ باللهِ سُبحانَه وتعالى، لكنَّ المحظورَ أنْ يَعتمِدَ الإنسانُ على السَّبَبِ، ويَظُنَّ أنَّه هو الغايةُ !
6- في قَولِه تعالى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ إثباتُ كلامِ اللهِ سُبحانَه وتعالى؛ لأنَّ المُناديَ في قَولِه: نُودِيَ هو اللهُ؛ لِقَولِه تعالى في آيةٍ أخرى: إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [النازعات: 16]. والنِّداءُ لا يكونُ إلَّا صَوتًا مَسموعًا، ولا يُعقَلُ في لُغةِ العَرَبِ لفظُ النِّداءِ بغيرِ صَوتٍ مَسموعٍ، لا حَقيقةً ولا مَجازًا ، وفيه رَدٌّ على الأشاعرةِ الَّذين يقولون: «إنَّ كَلامَ اللهِ هو المعنى القائمُ بنَفْسِه»، ولا شكَّ أنَّ المعنى القائمَ بالنَّفْسِ لا يُسمَّى كلامًا، ولا يُسمَعُ، وكلامُ اللهِ تعالى يُسمَعُ .
7- في قَولِه تعالى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ الرَّدُّ على الجَهميَّةِ والمُعتَزلةِ الَّذين يقولون: «إنَّ كلامَ اللهِ مخلوقٌ»، ووجْهُ ذلك: أنَّه ثَبَتَ أنَّ النِّداءَ مِن اللهِ سُبحانه وتعالى، والنِّداءُ قَولٌ، والقَولُ لا يُؤخَذُ إلَّا بقائلٍ؛ فيكونُ القَولُ قولَ اللهِ، وكلُّ صفةٍ مِن صفاتِ اللهِ فإنَّها غيرُ مخلوقةٍ؛ لأنَّها وصْفٌ لِمَنِ اتَّصفَ بها، فإذا كانت وَصْفًا للخالقِ فهي غيرُ مَخلوقةٍ .
8- قولُه تعالى: أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فيه إثباتُ أنَّ كلامَ اللهِ سُبحانَه وتعالى بحرفٍ؛ لأنَّ هذه جُمَلٌ مُكَوَّنةٌ مِن حروفٍ .
9- في قَولِه تعالى: وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ أنَّه يجوزُ على الأنبياءِ ما يجوزُ على غَيرِهم مِن الخَوفِ الطَّبيعيِّ، مع أنَّ موسى عليه السَّلامُ -كما هو معلومٌ- كان مِن الرِّجالِ الأقوياءِ، لكِنَّه يَعتريه ما يعتري غيرَه مِن البَشَرِ .
10- قال تعالى: يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ، قولُه: أَقْبِلْ يقتضي الأمرَ بإقبالِه، ويجبُ عليه الامتثالُ، ولكن قد يكونُ إقبالُه وهو لم يزلْ في الأمرِ المخوفِ، فقال: وَلَا تَخَفْ، ولكن يبقَى احتمالٌ، وهو أنَّه قد يُقبِلُ وهو غيرُ خائفٍ، ولكن لا تحصُلُ له الوقايةُ والأمنُ مِن المكروهِ، فقال: إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ، فحينئذٍ اندفَع المحذورُ مِن جميعِ الوجوهِ، فأقبَل موسى عليه السلامُ غيرَ خائفٍ ولا مرعوبٍ، بل مطمئنًّا، واثقًا بخبرِ ربِّه، قد ازداد إيمانُه، وتمَّ يقينُه، فهذه آيةٌ، أراه الله إيَّاها قبلَ ذهابِه إلى فرعونَ، ليكونَ على يقينٍ تامٍّ، فيكونَ أجرأَ له، وأقوَى وأصلبَ .
11- قال الله تعالى: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ رُبَّما إذا استعمل أحَدٌ ذلك على سبيلِ الاقتداءِ، فوضَعَ يَديه على فؤادِه؛ فإنَّه يَزولُ عنه ما يجِدُ أو يَخِفُّ، إن شاء اللهُ، وبه الثِّقةُ ، قال ابنُ عبَّاس: (ليس مِن أحدٍ يَدخُلُه رُعبٌ بعدَ موسَى، ثمَّ يُدخِلُ يدَه فيَضعُها على صدرِه؛ إلَّا ذهَب عنه الرُّعبُ) .
12- في قَولِه تعالى: فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ أنَّ اللهَ تعالى يُعطي الأنبياءَ مِن الآياتِ ما يُناسِبُ الوقتَ وحالَ المُرسَلِ إليهم؛ لأنَّ هذا مِن الحِكمةِ أنْ تأتيَ الآياتُ مُطابِقةً للواقعِ ، فموسى عليه السَّلامُ كانت مُعجِزتُه ممَّا يُناسِبُ أهلَ زمانِه، فكانوا سَحَرةً أذكياءَ، فبُعِث بآياتٍ بَهَرَتِ الأبصارَ، وخضعَتْ لها الرِّقابُ .
13- في قَولِه تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى يُجَدِّدُ لهذه الأُمَّةِ دينَها كُلَّما خرَجوا عنه؛ فاللهُ عزَّ وجلَّ يُرسِلُ الرُّسلَ عندَ الحاجةِ إليهم، وعندَما لا يكونُ هناك رسولٌ -كحالِ أُمَّتِنا- يَبعثُ دُعاةً صالحينَ مُصلِحينَ للخَلْقِ .
14- في قَولِه تعالى: فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ أنَّ الخَوفَ الطَّبيعيَّ لا يُنافي مقامَ الرِّسالةِ ، وإنَّما هو مُباحٌ في الأصلِ، لكنْ إنْ حمَل على ترْكِ واجبٍ أو فِعلِ محرَّمٍ؛ فهو محرَّمٌ، وإنِ استَلزَمَ شيئًا مباحًا كان مباحًا .
15- في قَولِه تعالى: هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا أنَّ فَصاحةَ اللِّسانِ لها تأثيرٌ قَويٌّ في القَبولِ أو الرَّفضِ، وقد قال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((إنَّ مِن البَيانِ لَسِحْرًا )) .
16- في قَولِه تعالى: هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَضيلةُ موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ لإقرارِه بالفَضلِ لأخيِه !
17- في قَولِه تعالى: فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي أنَّ الخَبرَ يَزدادُ ثبوتًا وتَبيينًا بتَعَدُّدِ مُخبِريه؛  ولهذا طلَب موسى عليه السَّلامُ من الله أن يُرسِلَ معه هارُونَ؛ لِتزدادَ رسالتُه قوَّةً ووُضوحًا عندَ آلِ فِرعَونَ؛ لأنَّ الرِّسالةَ خبرٌ، فإذا كان معه مَن يُقَوِّيه على هذا الخَبرِ ويُثَبِّتُه ويُصَدِّقُه، فإنه يكونُ أقوى، والآيةُ شاهِدٌ له .
18- قَولُه تعالى: قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ استَجابَ اللهُ له دَعْوَتَيه، وزادَهُ تَفضُّلًا بما لم يَسأَلْه؛ فاستِجابةُ الدَّعوةِ الثَّانيةِ بقولِه:   سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ، واستِجابةُ الأُولى بقولِه: فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا، والتَّفضُّلُ بقولِه: وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا، فأعطَى مُوسى ما يُماثِلُ ما لهارونَ مِن المَقدِرةِ على إقامةِ الحُجَّةِ؛ إذ قال: وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا .
19- في قَولِه تعالى: أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ أنَّ التمَسُّكَ بشريعةِ اللهِ سببٌ للغلبةِ، فإذا كان هذا في بني إسرائيلَ: أنَّه مَنِ اتَّبَعَ موسى عليه السَّلامُ فهو الغالبُ؛ فمِن بابِ أَولى مَنِ اتَّبَعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فإنَّه غالِبٌ؛ قال اللهُ تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة: 33] ، ومعنى لِيُظْهِرَهُ: يُعلِيَه؛ لأنَّ الظَّهرَ والظُّهورَ كلُّه يدُلُّ على الغَلَبةِ .
20- في قَولِه تعالى: أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ دَليلٌ على أنَّ الإنسانَ يُنصَرُ ويَغلِبُ باتِّبَاعِ الرُّسُلِ، وأنَّه لا طريقَ إلى النَّصرِ والغَلَبةِ إلَّا بالدُّخولِ في طريقِ الرُّسلِ، واتِّباعِهم، وعليه فتكونُ مِن هذه قاعدةُ: (كلُّ مَن كان للرَّسولِ أتبَعَ، كان إلى النَّصرِ أقربَ؛ وكلُّ مَن كان مِنِ اتِّباعِ الرَّسولِ أبْعَدَ، كان عن النَّصرِ أبعَدَ)؛ لأنَّه مِن المعلومِ في القواعدِ المقرَّرةِ: (أنَّ الحُكمَ إذا عُلِّقَ بوَصفٍ كان ثبوتُه -قوَّةً وضَعفًا، ووُجودًا وعدمًا- بحَسَبِ ذلك الوَصفِ) .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قَولُه تعالى: فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ لم يَذكُرِ القرآنُ أيَّ الأجلَينِ قَضى مُوسى؛ إذ لا يَتعلَّقُ بتَعيينِه غرَضٌ في سِياقِ القصَّةِ .
- والفاءُ في قولِه: فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ فَصيحةٌ، أي: فعَقَدَا العَقدينِ، وباشَرَ مُوسى ما الْتزَمهُ، فلمَّا أتمَّ الأجَلَ... .
- قَولُه: لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ الجَذوةُ: العودُ الغليظُ، قيل: مُطلقًا، وقيل: المُشتعِلُ؛ فإنْ كان الأوَّلَ؛ فوَصْفُ الجَذوةِ بأنَّها مِن النَّارِ وصْفٌ مُخصِّصٌ، وإنْ كان الثَّانيَ فهو وصْفٌ كاشفٌ، و(مِن) على الأوَّلِ بَيانيَّةٌ، وعلى الثَّاني تَبعيضيَّةٌ .
2- قَولُه تعالى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
- التَّعريفُ في الشَّجَرَةِ تَعريفُ الجِنسِ، وعُدِلَ عن التَّنكيرِ؛ للإشارةِ إلى أنَّها شَجرةٌ مَقصودةٌ، وليس التَّعريفُ للعهْدِ؛ إذ لم يَتقدَّمْ ذِكْرُ الشَّجرةِ .
- وفيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، حيثُ قال تعالى في سُورةِ (النَّملِ): نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا [النمل: 8] ، وقال في (طه): نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه: 11- 12] ، وقال هاهنا: نُودِيَ إلى قولِه: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، ولا مُنافاةَ بيْنَ هذه الأشياءِ؛ فهو تعالى ذَكَرَ الكُلَّ، إلَّا أنَّه حَكَى في كُلِّ سُورةٍ بَعضَ ما اشتَمَلَ عليه ذلك النِّداءُ .
3- قَولُه تعالى: وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ
- الفاءُ في قولِه: فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ فَصيحةٌ مُفصِحةٌ عن جُمَلٍ قد حُذِفَت؛ تَعويلًا على دَلالةِ الحالِ عليها، وإشعارًا بغايةِ سُرعةِ تَحقُّقِ مَدلولاتِها، أي: فألْقاها، فصارت ثُعبانًا، فاهتزَّتْ... .
- قَولُه: يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ زِيادةُ أَقْبِلْ هنا -وهي تَصريحٌ بمَضمونِ قولِه: (لَا تَخَفْ) في سُورةِ (النَّملِ) يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ [النمل: 10] -؛ لأنَّه لَمَّا أدْبَر خَوفًا مِن الحيَّةِ كان النَّهيُ عن الخَوفِ يدُلُّ على معنى طَلبِ إقبالِه؛ فكان الكلامُ هنالك إيجازًا، وكان هنا مُساواةً ؛ تفنُّنًا في حِكايةِ القصَّتينِ. وكذلك زِيادةُ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ هنا، ولم يُحْكَ في سُورةِ (النَّملِ)، وهو تأكيدٌ لِمُفادِ وَلَا تَخَفْ. وفيه زِيادةُ تَحقيقِ أمْنِه بما دلَّ عليه التَّأكيدُ بـ (إنَّ)، وجَعْلِه مِن جُملةِ الآمِنينَ؛ فإنَّه أشَدُّ في تَحقيقِ الأمْنِ مِن أنْ يُقالَ: إنَّك آمِنٌ ؛ وذلك لِيَتذكَّرَ أنَّ هناك آمِنينَ، فإذا كان هناك آمِنونَ فإنَّه لا غَرابةَ أنْ تأْمَنَ؛ فالإنسانَ إذا ذُكِّرَ بما حدَثَ لغَيرِه صار أشدَّ طُمأنينةً في حُصولِ ذلك الشَّيءِ، ونَظيرُه بالعَكْسِ، هو قولُ فِرعونَ: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [الشعراء: 29] ، ولم يقُلْ: لَأسجُنَنَّك؛ لأجْلِ أنْ يُرْهِبَه بأنَّ عندَه مَن هو مَسجونٌ، وأنَّه ليس يُعجِزُنا أنْ نَسجُنَك. والحاصلُ: أنَّ مِثلَ هذا يُقالُ مِن أجْلِ أنْ يَتذكَّرَ مُوسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّ هناك أناسًا آمِنينَ، فيَأمَنَ أكثرَ .
4- قولُه تَعالَى: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ
- قد جُعِلَ الجَناحُ -وهو اليَدُ- في أحدِ الموضِعَين مَضمومًا، وفي الآخَرِ مَضمومًا إليه؛ وذلك قولُه هنا: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ، وقولُه في سُورةِ (طه): وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ [طه: 22] ؛ لأنَّ المُرادَ بالجَناحِ المضمومِ هو اليَدُ اليُمْنى، وبالمَضمومِ إليه اليدُ اليُسرى، وكلُّ واحدةٍ مِن يُمْنى اليدينِ ويُسراهما جَناحٌ .
- قولُه: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ، أي: انْكفِفْ عن التَّخوُّفِ مِن أمْرِ الرِّسالةِ. وفي الكلامِ إيجازٌ، وهو ما دَلَّ عليه قولُه بعْدَه: قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [القصص: 33] ، فقولُه: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ في معنَى قولِه تعالى: بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ [القصص: 35] .
- قولُه: مِنْ رَبِّكَ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ، أي: كائنانِ منه، وكذلك قولُه: إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ، أي: مُرْسَلانِ، أو واصِلانِ إليهم . وقيل: يتعلَّقُ بمَحذوفٍ دَلَّ عليه المعنى، تَقديرُه: اذهَبْ إلى فِرعونَ... .
- قولُه: إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ تَعليلٌ لجُملةِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ؛ لِتَضمُّنِها أنَّهم بحيث يُقرَعونَ بالبراهينِ، فبيَّنَ أنَّ سببَ ذلك تَمكُّنُ الكُفرِ مِن نُفوسِهم حتَّى كان كالجِبِلَّةِ فيهم، وبه قِوامُ قَوْمِيَّتِهم؛ لِمَا يُؤذِنُ به قولُه: كَانُوا، وقولُه: قَوْمًا .
- قولُه: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ ... إلى قوله: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ [القصص: 30 - 32] ، تقدَّمَ مِثلُ هذا في سُورةِ (النَّملِ)، إلَّا مُخالفةَ ألْفاظٍ؛ مِثلُ أَتَاهَا هنا وجَاءَهَا [النمل: 8] هناك، إِنِّي أَنَا اللَّهُ هنا، إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ [النمل: 9] هناك، بضَميرٍ عائدٍ إلى الجَلالةِ هنالك، وضَميرُ الشَّأنِ هنا، وهما مُتساويانِ في المَوقعِ؛ لأنَّ ضَميرَ الجلالةِ شأْنُه عظيمٌ. وقولُه هنا: رَبِّ الْعَالَمِينَ، وقولُه هنالك: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [النمل: 9] ، وهذا يَقْتضي أنَّ الأوصافَ الثَّلاثةَ قِيلَت له حينَئذٍ. والقولُ في نُكتةِ تَقديمِ صِفةِ اللهِ تعالى قبْلَ إصدارِ أمْرِه له بإلقاءِ العصَا: أنَّ وصْفَ رَبِّ الْعَالَمِينَ يدُلُّ على أنَّ جميعَ الخلائقِ مُسَخَّرةٌ له؛ لِيَثْبُتَ بذلك قلْبُ مُوسى مِن هَولِ تلقِّي الرِّسالةِ. وَأَنْ أَلْقِ هنا، وَأَلْقِ هناك [النمل: 10] ، واسْلُكْ هنا، وَأَدْخِلْ هناك [النمل: 12] ، وتلك المُخالَفةُ تفنُّنٌ في تَكريرِ القصَّةِ؛ لِتُجدِّدَ نَشاطَ السَّامعِ لها، وإلَّا زِيادةَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ .
5- قولُه تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ جَرَى التَّأكيدُ على الغالِبِ في استِعمالِ أمثالِه مِن الأخبارِ الغريبةِ؛ لِيَتحقَّقَ السَّامعُ وُقوعَها، وإلَّا فإنَّ اللهَ قد عَلِمَ ذلك لَمَّا قال له: (اضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ)، والمعنى: فأخافُ أنْ يَذكُروا قَتْليَ القِبطيَّ فيَقْتُلوني؛ فهذا كالاعتِذارِ، وهو يَعلَمُ أنَّ رِسالةَ اللهِ لا يُتخلَّصُ منها بعُذرٍ، ولكنَّه أرادَ أنْ يَكونَ في أمْنٍ إلهيٍّ مِن أعدائِه؛ فهذا تَعريضٌ بالدُّعاءِ، ومُقدِّمةٌ لطَلبِ تأْييدِه بهارونَ أخيهِ .
6- قولُه تعالى: وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ هذا سُؤالٌ صَريحٌ يدُلُّ على أنَّ مُوسى لا يُريدُ بالأوَّلِ التَّنصُّلَ مِن التَّبليغِ، ولكنَّه أراد تأْييدَه بأخيه. وإنَّما عيَّنَه ولم يَسأَلْ مُؤيِّدًا ما؛ لعِلْمِه بأمانتِه وإخلاصِه للهِ ولأخيهِ، وعِلْمِه بفَصاحةِ لِسانِه .
- وجُملةُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ تَعليلٌ لسُؤالِ تأْييدِه بهارونَ؛ فهذه مَخافةٌ ثانيةٌ مِن التَّكذيبِ، والأُولى مَخافةٌ مِن القتْلِ . ولَمَّا كان جُلُّ غَرضِه عليه السَّلامُ الدِّينَ، وكان يُؤْثِرُه على حَظِّ نفْسِه؛ جاء بـ (إنَّ) في هذا التَّعليلِ، وبالفاءِ في الأوَّلِ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ؛ لأنَّه تَعليلٌ لتَصديقِ القَومِ، كأنَّه قِيل: أرْسِلْه معي رِدْءًا لِأنْ يُصدِّقَني قَومي؛ لأنِّي أخافُ أنْ يُكذِّبونِي .
7- قَولُه تعالى: قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ
- قَولُه: قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ لَمَّا أكَّدَ أمْرَ الطَّلبِ بهارونَ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ، أكَّد له سُبحانَه أمْرَ الإجابةِ بقولِه مُستأنِفًا: قَالَ سَنَشُدُّ، وذَكَر أَوْلَى الأعضاءِ بمُزاولةِ المَكارِهِ، فقال: عَضُدَكَ؛ فشَدُّ عَضُدِه كِنايةٌ عن تَقويتِه؛ لأنَّ اليَدَ تشتَدُّ بشِدَّةِ العَضُدِ .