موسوعة التفسير

سورةُ طه
الآيات (17-23)

ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ

غريب الكلمات:

أَتَوَكَّأُ: أي: أعتَمِدُ عليها، والتوكُّؤُ: التحاملُ على العصا في المشْيِ، وأصلُ (وكا): يَدُلُّ على شدِّ شَيءٍ وشِدَّةٍ، ومنه: تَوَكَّأْتُ على كذا، أي اتَّكَأْتُ؛ لأنَّه يتَشَدَّدُ به ويَتَقَوَّى به [167] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/137)، ((الوسيط)) للواحدي (3/203)، ((المفردات)) للراغب (ص: 883)، ((تفسير ابن كثير)) (5/279)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 39). .
وَأَهُشُّ: أي: أضرِبُ بها الشَّجرَ؛ لِيَسقُطَ وَرَقُه فترعاه الغَنَمُ، والهَشُّ: يقارِبُ الهزَّ في التَّحريكِ [168] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 278)، ((تفسير ابن جرير)) (16/43))، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/9)، ((المفردات)) للراغب (ص: 842)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 229)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 211). .
مَآَرِبُ: أي: حاجاتٌ، واحِدُها: مَأرُبةٌ ومأرَبةٌ ومأْرِبةٌ، وأصلُ (أرب) هنا: الحاجةُ [169] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 278)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 421)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/89)، ((المفردات)) للراغب (ص: 72)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 229)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 285)، ((تفسير الشوكاني)) (3/427). .
سِيرَتَهَا: أي: هَيئتَها، وحالتَها التي كانت عليها مِن كَونِها عُودًا، وأصلُ (سير): يدُلُّ على مُضِيٍّ وجَرَيانٍ [170] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 278)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 265)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/158) و(3/120)، ((المفردات)) للراغب (ص: 433)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 519). .
جَنَاحِكَ: أي: جَنْبِك تَحتَ العضُدِ، وأصلُ (جنح): يدلُّ على المَيلِ، وسُمِّيَ الجناحانِ جَناحَينِ؛ لِمَيلِهما في الشِّقَّينِ [171] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 278)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 94)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/484)، ((المفردات)) للراغب (ص: 206)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 286)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 358). .
سُوءٍ: أي: آفَةٍ أو بَرَصٍ، والسُّوءُ: كلُّ ما يغمُّ الإنسانَ، وأصلُ (سوء): يدلُّ على قُبحٍ [172] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 278)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 167)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/113)، ((المفردات)) للراغب (ص: 441)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 503، 519). .

المعنى الإجمالي:

يَقولُ اللهُ تعالى لِموسى عليه السلامُ: وما هذه التي في يمينِك يا موسى؟ قال موسى: هي عصايَ أعتَمِدُ عليها في المَشيِ، وأضرِبُ بها الشَّجَرَ؛ لِتَرعى غَنَمي ما يسقُطُ مِن وَرَقِه، ولي فيها منافِعُ أخرى.
 قال اللهُ لموسى: ألقِ عصاك. فألقاها موسى على الأرضِ، فانقَلَبَت بإذنِ اللهِ حَيَّةً تسعى بسُرعةٍ وخِفَّةٍ، فقال اللهُ لِموسى: خُذِ الحيَّةَ ولا تَخَفْ منها، سوف نعيدُها إلى حالتِها وهيئتِها الأُولى عصًا كما كانت، وأدخِلْ يَدَك في جَيبِك واضمُمْها إلى جَنبِك تحتَ العَضُدِ، تخرُجْ بَيضاءَ كالثَّلجِ مِن غَيرِ عَيبٍ ومَرَضٍ كبَرَصٍ، علامةً أخرى لك؛ فعَلْنا ذلك لكي نُرِيَك -يا موسى- مِن أدِلَّتِنا الكبرى الدَّالَّةِ على قُدرَتِنا، وصِحَّةِ رِسالتِك.

تفسير الآيات:

وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا بَيَّنَ الله لموسى أصلَ الإيمانِ؛ أراد أنْ يبَيِّنَ له ويُريَه من آياتِه ما يَطمئِنُّ به قلبُه، وتقَرُّ به عينُه، ويَقوَى إيمانُه، بتأييدِ اللهِ له على عَدُوِّه، فقال [173] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 504). :
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17).
أي: قال الله: وما تلك التي تمسِكُها بيَدِك اليُمنى يا موسى [174] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/42)، ((تفسير السمرقندي)) (2/392)، ((تفسير الرازي)) (22/24). ؟
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى (18).
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا.
أي: قال موسى: هي عصايَ، أعتَمِدُ عليها في حالِ قيامي، وحينَ أمشي [175] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/42)، ((تفسير ابن كثير)) (5/279)، ((تفسير السعدي)) (ص: 504). .
وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي.
أي: وأضرِبُ بها الشَّجرَ؛ لِيَسقُطَ ورَقُه، فتَرْعاه غَنَمي [176] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/42)، ((تفسير ابن كثير)) (5/279)، ((تفسير السعدي)) (ص: 504). قال ابنُ كثير: (قال عبد الرحمن بن القاسم، عن الإمام مالك: والهشُّ: أنْ يضَعَ الرجُلُ المِحجَنَ [أي: العصا المعوجَّةَ] في الغُصنِ، ثمَّ يحرِّكَه حتى يسقُطَ وَرَقُه وثَمَرُه، ولا يُكسَرُ العودُ؛ فهذا الهشُّ، ولا يُخبَط [أي: لا يُضرَبُ ضربًا شديدًا]. وكذا قال ميمونُ بنُ مهرانَ أيضًا). ((تفسير ابن كثير)) (5/279). .
وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى.
أي: ولي في عَصاي هذه حوائِجُ أخرى، فأنتَفِعُ بها أيضًا في غيرِ الاتِّكاءِ عليها، والهشِّ بها [177] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/42)، ((تفسير ابن كثير)) (5/279)، ((تفسير السعدي)) (ص: 504). وقد تَعَرَّض قومٌ لتَعدادِ منافعِ العَصا -بل ألَّف في ذلك بعضُ المتأخرينَ- فذكَروا مِن ذلك أشياءَ: منها ركزُها سترةً للصلاةِ، وسوقُ الدابةِ بها، والاعتمادُ عليها في المشيِ، وأنَّها تُؤَمِّنُ العثرَةَ، ويُلْقَى عليها الكساءُ فتقي الحرَّ، وتُدْني ما بَعُد، ويُقرعُ بها الأبوابُ، وتقي مِن عَقُورِ الكلابِ إلى غيرِ ذلك. يُنظر ((تفسير القرطبي)) (11/187)، ((تفسير الشوكاني)) (3/427). .
قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19).
أي: قال الله: ألقِ عَصاك التي بيَدِك اليُمنى يا موسى [178] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/46)، ((تفسير ابن عطية)) (4/41)، ((تفسير ابن كثير)) (5/279). .
كما قال تعالى: وَأَلْقِ عَصَاكَ [النمل: 10].
فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20).
أي: فألقَى موسى عصاه دونَ تردُّدٍ، فتحوَّلَتْ فورًا بأمرِ اللهِ إلى حيَّةٍ حَقيقيَّةٍ عظيمةٍ، تتحرَّكُ بسُرعةٍ وخِفَّةٍ [179] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/46)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/281)، ((تفسير الشوكاني)) (3/428)، ((تفسير السعدي)) (ص: 504). !
قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21).
قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ.
أي: قال الله لموسى: خُذِ الحيَّةَ، ولا تخَفْ منها؛ فلن تَضُرَّك [180] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/48)، ((تفسير الألوسي)) (8/492)، ((تفسير السعدي)) (ص: 504). قال ابنُ تيميةَ: (هو أمرٌ مقرونٌ بخبرِه بما يزيلُ الخوفَ). ((منهاج السنة النبوية)) (8/464). .
كما قال تعالى: فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ [القصص: 31] .
سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى.
أي: سنردُّ الحيَّةَ إلى هيئتِها وطبيعتِها الأُولَى، فتعودُ عصًا كما كانت [181] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/48)، ((تفسير البغوي)) (3/259)، ((تفسير السعدي)) (ص: 504)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/207). قال السعدي: (فامتثَل موسى أمرَ الله إيمانًا به وتسليمًا، فأخَذها، فعادَتْ عصاه التي كان يعرفُها). ((تفسير السعدي)) (ص: 504). .
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى (22).
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ.
أي: وأدخِلْ يَدَك في جَيبِك -وهو فَتحةُ القَميصِ التي يَبرُزُ منها العُنُقُ [182] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/497)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/115)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/282). - وألصِقْها بجَنبِك تحتَ عضُدِك [183] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/49)، ((تفسير ابن كثير)) (5/280)، ((تفسير السعدي)) (ص: 504)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/208). والعَضُدُ هو ما بين المرَفِق إلى الكَتِف. يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/348)، ((المفردات)) للراغب الأصفهاني (ص: 571). .
كما قال تعالى: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ [النمل: 12] .
وقال سُبحانَه: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ [القصص: 32] .
تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى.
أي: تخرُجْ يَدُك بعدَ أنْ تضَعَها تحتَ عَضُدِك ساطعةَ البَياضِ، كالثَّلجِ مِن غَيرِ عَيبٍ ومَرَضٍ، كبَرَصٍ أو بَهقٍ وغيرِه، والحالُ أنَّها علامةٌ أخرى تدلُّ على نبوَّتِك معَ آيةِ العصا التي تحوَّلتْ حيَّةً [184] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/50، 51)، ((تفسير السعدي)) (ص: 504)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/208). قال ابنُ جرير: (ثم ردَّها، فخَرَجت كما كانت على لونِه). ((تفسير ابن جرير)) (16/50). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/208). .
لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى (23).
أي: فعَلْنا ذلك؛ لنُريَك مِن أدِلَّتِنا الكُبرى [185] قال ابنُ عطية: (قوله: لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى يحتملُ أنْ يريدَ وصفَ الآياتِ بالكبرِ... ويحتمل أنْ يريدَ تخصيصَ هاتين الآيتين؛ فإنهما أكبرُ الآياتِ، كأنَّه قال: لنريكَ الكبرى، فهما معنيانِ). ((تفسير ابن عطية)) (4/42). الدَّالَّةِ على عَظيمِ قُدرتِنا، وصِحَّةِ رِسالتِك، فيَطمَئِنَّ قَلبُك، وتَثِقَ بوَعدِ اللهِ بحِفظِك ونَصرِك، وتكونَ حُجَّةً على من أُرسِلتَ إليهم [186] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/52)، ((تفسير السعدي)) (ص: 504)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/209). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قولِه تعالى:  وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى إذا قيل: ما وَجهُ استِخبارِ اللهِ مُوسى عمَّا في يَدِه؟ ألم يكُنْ عالِمًا بأنَّ الذي في يَدِه عصًا؟
فالجوابُ مِن أوجُهٍ:
الأوَّلُ: أنَّه إنَّما قال ذلك عزَّ ذِكرُه له؛ إذ أراد أنْ يحوِّلَها حَيَّةً تسعى، وهي خَشَبةٌ، فنَبَّهَه عليها وقرَّره بأنَّها خَشَبةٌ يتوكَّأُ عليها، ويَهُشُّ بها على غَنَمِه؛ لِيُعرِّفَه قُدرتَه على ما يشاءُ، وعِظَمَ سُلطانِه، ونفاذَ أمرِه فيما أحَبَّ، بتحويلِه إيَّاها حيَّةً تسعى؛ إذ أراد ذلك به ليجعَلَ ذلك لموسى آيةً مع سائرِ آياتِه إلى فِرعَونَ وقَومِه [187] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/42). .
الثَّاني: إنَّما قال له ذلك على سَبيلِ الإيناسِ له؛ لإزالةِ الوَحشةِ عن موسى؛ لأنَّ موسى كان خائِفًا مُستَوحِشًا، كرجُلٍ دخل على مَلِكٍ وهو خائفٌ، فسأله عن شَيءٍ، فتزولُ بعضُ الوَحشةِ عنه بذلك، ويَستأنِسُ بسُؤالِه.
الثَّالثُ: إنَّما قال له ذلك على وَجهِ التَّقريرِ، أي: أمَّا هذه التي في يمينِك عصاك التي تَعرِفُها، فسترَى ما نصنَعُ بها الآنَ، ولكيلا يخافَ إذا صارتْ ثُعبانًا [188] يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (2/392)، ((تفسير ابن كثير)) (5/278-279). .
الرَّابِعُ: إقامةُ البَيِّنةِ لديه بما يكونُ دَليلًا على السَّاعةِ مِن سُرعةِ القُدرةِ على إيجادِ ما لم يكُنْ، بقَلبِ العصا حيَّةً بعدَ تحقُّقِ أنَّها عصاه بقُرْبِ النَّظَرِ إليها عندَ السُّؤالِ عنها؛ ليزدادَ بذلك ثباتًا، ويُثَبِّتَ مَن يُرسَلُ إليهم [189] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/280). .
2- قال الله تعالى عن موسى: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى مِن أدَبِ موسى عليه السَّلامُ أنَّ الله لَمَّا سأله عمَّا في يمينِه، وكان السؤالُ محتَمِلًا عن السُّؤالِ عن عَينِها أو مَنفَعتِها، أجابه بعينِها ومَنفَعتِها [190] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 504). .
3- قولُ الله تعالى: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى فيه الزيادةُ في الجوابِ على ما في السُّؤالِ [191] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 176). .
4- قال الله تعالى: قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى وحِكمةُ انقلابِها وقْتَ مُناجاتِه: تأْنيسُه بهذا المُعجِزِ الهائلِ؛ لئلَّا يفزعَ منها إذا ألقاها عند فِرعَونَ؛ إذ قد جَرَت له بذلك عادةٌ، وتَدريبُه في تلقِّي تكاليفِ النُّبوَّةِ، ومَشاقِّ الرِّسالةِ [192] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/190)، ((تفسير أبي حيان)) (7/323). ، وكذلك تَثبيتُ مُوسى، ودفْعُ الشَّكِّ عن أنْ يتطرَّقَه لو أمَرَه بذلك دونَ تَجرِبةٍ؛ لأنَّ مَشاهِدَ الخوارقِ تُسارِعُ النَّفْسُ بادئَ ذِي بَدْءٍ إلى تأويلِها [193] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/204). .
5- قولُ الله تعالى: فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى، إن قيل: إنما كانت العصا واحدةً، وكان إلقاؤُها مرةً، فما وجهُ اختلافِ الأخبارِ عنها؛ فإنَّه يقولُ في (الأعرافِ): فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ [الأعراف: 107] وهاهنا: حَيَّةٌ وفي مكانٍ آخرَ: كَأَنَّهَا جَانٌّ [النمل: 10] ليست بالعظيمةِ، والثعبانُ أعظمُ الحيَّاتِ؟
فالجواب: أمَّا الحيَّةُ فاسْمُ جنْسٍ يقَعُ على الذَّكرِ والأُنثى، والصَّغيرِ والكبيرِ. وأمَّا الثُّعبانُ والجانُّ فبينهما تَنافٍ؛ لأنَّ الثُّعبانَ العظيمَ من الحيَّاتِ، والجانُّ: الدَّقيقُ. وفي ذلك وجْهانِ:
أحدُهما: أنَّها كانت وقْتَ انقلابِها حيَّةً تنقلِبُ حيَّةً صَفراءَ دقيقةً، ثمَّ تتورَّمُ ويَتزايدُ جِرْمُها حتَّى تصيرَ ثُعبانًا، فأُرِيدَ بالجانِّ أوَّلُ حالِها، وبالثُّعبانِ مآلُها.
 الثَّاني: أنَّها كانت في شخْصِ الثُّعبانِ، وسُرعةِ حَركةِ الجانِّ. والدَّليلُ عليه قولُه تعالى: فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ [194] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/58)، ((تفسير البيضاوي)) (4/25)، ((تفسير أبي حيان)) (7/323)، ((تفسير أبي السعود)) (6/10). [النمل: 10] .
6- قولُ الله تعالى: قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ فيه سؤالٌ: لَمَّا نُودِي موسى، وخُصَّ بتلك الكراماتِ العظيمةِ، وعَلِمَ أنَّه مبعوثٌ مِن عندِ الله تعالى إلى الخَلقِ، فلمَ خاف؟
الجوابُ: أنَّ ذلك الخَوفَ كان مِن نفرةِ الطَّبعِ؛ لأنَّه -عليه السَّلامُ- ما شاهد مِثلَ ذلك قط، وأيضًا فهذه الأشياءُ معلومةٌ بدلائِلِ العُقولِ، وعند الفَزَعِ الشديدِ قد يَذهَلُ الإنسانُ عنه، وقيل أيضًا: إنَّ ذلك الخوفَ مِن أقوى الدَّلائِلِ على صِدقِه في النبوَّةِ؛ لأنَّ السَّاحِرَ يعلَمُ أنَّ الذي أتَى به تمويهٌ، فلا يخافُه البتَّةَ [195] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (22/27). .
7- في قَولِه تعالى: خُذْهَا وَلَا تَخَفْ دليلٌ على أنَّ أنْفُسَ البشرِ مجبولةٌ على الخَوفِ مِن المؤْذِياتِ؛ وأنَّ الخوفَ اللَّاحقَ بها عندَ رؤيتِها لها لا يَحُطُّ مِن دَرجةِ التوكُّلِ شيئًا [196] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (2/287). .
8- قال تعالى: قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى وفي إعادتِها إلى ما كانت عليهِ: عِدَةٌ كَريمةٌ بإظهارِ مُعجزةٍ أُخرَى على يَدِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وإيذانٌ بكونِها مُسَخَّرةً له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ ليكونَ على طُمَأْنينةٍ مِن أمْرِه، ولا يَعتريه شائبةُ تَزَلْزُلٍ عندَ مُحاجَّةِ فِرْعونَ [197] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/11). ؛ فالغرَضُ مِن إظهارِ ذلك لمُوسى: أنْ يَعرِفَ أنَّ العصا تطبَّعَت بالانقلابِ حيَّةً، فيتذكَّرَ ذلك عندَ مُناظَرةِ السَّحرةِ؛ لئلَّا يحتاجَ حينئذٍ إلى وحْيٍ [198] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/207). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ... الجُملةُ معطوفةٌ على الجُمَلِ قبْلَها، انتقالًا إلى مُحاورةٍ أرادَ اللهُ منها أنْ يُرِيَ مُوسى كيفيَّةَ الاستدلالِ على المُرسَلِ إليهم بالمُعجزةِ العظيمةِ [199] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/204). .
- والاستفهامُ مستعملٌ في تحقيقِ حقيقةِ المسؤولِ عنه، والتَّنبيهِ إلى أهمِّيَّتِه، وظاهِرُه أنَّه سُؤالٌ عن شيءٍ أُشِير إليه [200] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/205، 207). .
- وتَكريرُ النِّداءِ يَا مُوسَى؛ لزِيادةِ التَّأنيسِ والتَّنبيهِ [201] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/25)، ((تفسير أبي السعود)) (6/10). .
- وفيه مُناسبةٌ حَسنةٌ؛ حيث قال هنا: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي، إلى قولِه: سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى [طه: 17-21] ، فذكَرَ العَصا وسُؤالَه وتَقريرَه على ما وُصِفَ مِن حالِها، فهو ممَّا جرى، ولم يُخبِرِ اللهُ تعالى به في سائرِ السُّورِ، وأخبَرَ به في هذه السُّورةِ.
ووجْهُه: أنَّ اللهَ تعالى أخبَرَ في بعْضِ السُّورِ ببعْضِ ما جَرَى، وفي الأُخرى بأكثْرَ ممَّا أخبَرَ به في الَّتي قبْلَها، وليس يدفَعُ بعْضُها بعضًا [202] يُنظر: ((درة التنزيل وغرة التأويل)) للإسكافي (ص: 891). .
2- قوله تعالى: قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى
- قولُه: عَصَايَ نسَبَها إلى نفْسِه؛ تَحقيقًا لوجْهِ كونِها بيَمينِه، وتَمهيدًا لِما يعقُبُه من الأفاعيلِ المَنسوبةِ إليه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ [203] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/10). .
- في قولِه: قَالَ هِيَ عَصَايَ فنُّ الإطنابِ بذِكْرِ المُسنَدِ إليه هِيَ، حيث كان الإيجازُ يَقْتضي أنْ يقولَ: (عَصَايَ)؛ فلمَّا قال: هِيَ عَصَايَ كان الأسلوبُ أُسلوبَ كلامِ مَن يتعجَّبُ من الاحتياجِ إلى الإخبارِ [204] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/206). .
- وفي قولِه: قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى ذكَرَ على التَّفصيلِ والإجمالِ المنافِعَ المُتعلِّقةَ بالعصا؛ كأنَّه أحَسَّ بما يعقُبُ هذا السُّؤالَ من أمْرٍ عظيمٍ يُحدِثُه اللهُ تعالى، فقال: ما هي إلَّا عصًا، لا تنفَعُ إلَّا منافِعَ بناتِ جنْسِها، وكما تنفَعُ العيدانُ؛ ليكونَ جوابُه مُطابِقًا للغرضِ الَّذي فهِمَه من فَحوى كلامِ ربِّه [205] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/57)، ((تفسير البيضاوي)) (4/25)، ((تفسير أبي حيان)) (7/322)، ((تفسير أبي السعود)) (6/10). . وقيل: الحِكمةُ من زِيادةِ مُوسى عليه السَّلامُ في الجوابِ: رَغبتُه في مُطاوَلةِ مُناجاتِه لرَبِّه تعالى، وازديادِ لَذاذتِه، وتَعدادِه نِعَمَه تعالى عليه بما جعَلَ له فيها منَ المنافعِ [206] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/321). ، وقيل: لأنَّه سُئِلَ سُؤالًا ثانيًا: ما تصنَعُ بها؟ فأجاب بذلك. أو ذكَرَ ذلك؛ خوفًا مِن أنْ يُؤمَرَ بإلقائِها، كما أُمِرَ بإلقاءِ النَّعلينِ، أو لئلَّا يُنسَبَ إلى التَّعبِ في حمْلِها [207] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/290)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 362). .
- وأيضًا في قولِه: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ... ما يُعرَفُ في البلاغةِ بـ (التَّلفيفِ)؛ وهو أنْ يسأَلَ السَّائلُ عن حُكْمٍ هو نوعٌ من أنواعِ جنْسٍ تَدْعو الحاجةُ إلى بَيانِها كلِّها أو أكثَرِها، فيَعدِلَ المسؤولُ عن الجوابِ الخاصِّ عمَّا سُئِلَ عنه من تَبيينِ ذلك النَّوعِ، ويُجِيبَ بجوابٍ عامٍّ يَتضمَّنُ الإبانةَ على الحُكْمِ المسؤولِ عنه، وعن غيرِه بدُعاءِ الحاجةِ إلى بَيانِه؛ فقولُ مُوسى عليه السَّلامُ جوابًا عن سُؤالِ اللهِ تعالى له: هِيَ عَصَايَ، هو الجوابُ الحقيقيُّ للسُّؤالِ، ثمَّ قال: أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى؛ فأجاب عن سُؤالٍ مُقدَّرٍ، كأنَّه توهَّمَ أنْ يُقالَ له: وما تفعَلُ بها؟ فقال مُعَدِّدًا منافِعَها [208] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/177). .
- وقدَّمَ في الجوابِ مَصلحةَ نفْسِه في قولِه: أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا، ثمَّ ثنَّى بمَصلحةِ رعيَّتِه في قولِه: وَأَهُشُّ [209] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/322). .
- قولُه: وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى الظَّاهرُ أنَّه حِكايةٌ لقولِ مُوسى بمُماثِلِه؛ فيكونُ إيجازًا بعْدَ الإطنابِ، ويجوزُ أنْ يكونَ حِكايةً لقولِ مُوسى بحاصلِ معناهُ، أي: عَدَّ مَنافِعَ أُخرى؛ فالإيجازُ من نظْمِ القُرآنِ لا مِن كلامِ مُوسى عليه السَّلامُ [210] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/206-207). . ولم يقُلْ: (أُخَر)؛ رعْيًا للفواصلِ [211] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/323). .
3- قولُه تعالى: قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى استئنافٌ مَبْنيٌّ على سُؤالٍ يَنساقُ إليه الذِّهنُ؛ كأنَّه قيلَ: فماذا قال عَزَّ وجَلَّ؟ فقيل: قال... [212] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/10). .
- في قولِه: قَالَ أَلْقِهَا الْتِفاتٌ منَ التَّكلُّمِ الَّذي في قولِه: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ إلى الغَيبةِ، ودعا إلى هذا الالْتِفاتِ: وُقوعُ هذا الكلامِ حِوارًا مع قولِ مُوسى: هِيَ عَصَايَ ... إلخ [213] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/207). .
- وتَكريرُ النِّداءِ يَا مُوسَى؛ لتأكيدِ التَّنبيهِ [214] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/10). .
4- قولُه تعالى: فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى وصَفَ الحيَّةَ بـ تَسْعَى؛ لإظهارِ أنَّ الحياةَ فيها كانت كاملةً بالمشيِ الشَّديدِ [215] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/207). ، وأيضًا في وصْفِها بأنَّها تَسعَى إزالةٌ لوهمٍ يُمكن وجودُه، وهو أنْ يُظَنَّ أنَّها تخييلٌ لا حقيقةٌ؛ فكونُها تَسعَى يُزيلُ هذا الوَهمَ [216] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 504). .
5- قولُه تعالى: قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى
- جاء فِعْلُ قَالَ خُذْهَا بدُونِ عطْفٍ؛ لوُقوعهِ في سِياقِ المُحاوَرةِ [217] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/207). .
- وفي عطْفِ النَّهيِ وَلَا تَخَفْ، على الأمْرِ خُذْهَا: إشعارٌ بأنَّ عدَمَ النَّهيِ عنه مَقصودٌ لذاتِه، لا لِتَحقيقِ المأمورِ به فقط [218] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/10). .
- وقَولُه: وَلَا تَخَفْ دليلٌ على اختصارِ الكلامِ؛ لأنَّ ذِكْرَ الخَوفِ لم يتقَدَّمْ في اللَّفظِ، فدلَّ قولُه: وَلَا تَخَفْ على أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم لَمَّا رأى عصاه تحوَّلَتْ حيَّةً خاف منها [219] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (2/286). .
- وقولُه: سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى استئنافٌ مَسوقٌ لتَعليلِ الامتثالِ بالأمْرِ والنَّهيِ [220] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/207). .
6- قولُه تعالى: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى
- والجَناحُ في قولِه: جَنَاحِكَ هو العضُدُ وما تحتَه إلى الإبْطِ، أُطْلِقَ عليه ذلك تَشبيهًا بجَناحِ الطَّائرِ [221] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/208). ، وفي الكلامِ إيجازٌ بالحذْفِ؛ إذ لا يترتَّبُ الخُروجُ على الضَّمِّ، وإنَّما يترتَّبُ على الإخراجِ، والتَّقديرُ: واضمُمْ يَدَكَ إلى جَناحِك تَنضَمَّ، وأخرِجْها تَخرُجْ؛ فحذَفَ من الأوَّلِ وأبقى مُقابِلَه، ومن الثَّاني وأبْقى مُقابِلَه وهو وَاضْمُمْ؛ لأنَّه بمعنى (أدخِلْ)، كما بُيِّنَ في الآيةِ الأُخرى [222] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/325). .
- وفيه مُناسبةٌ حَسنةٌ؛ حيث جُعِلَ الجَناحُ -وهو اليَدُ- هنا مَضمومًا إليه في قولِه: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ؛ وفي سورة (القصص) مَضمومًا في قولِه: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ [القصص: 32] ؛ لأنَّ المُرادَ بالجَناحِ المضمومِ هو اليَدُ اليُمْنى، وبالمَضمومِ إليه اليدُ اليُسرى، وكلُّ واحدةٍ مِن يُمْنى اليدين ويُسراهما جَناحٌ [223] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/409)، ((تفسير الرازي)) (24/595)، ((تفسير أبي حيان)) (8/303)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (7/321، 322). .
- قولُه: تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فيه احتراسٌ؛ لأنَّه لو اقتصَرَ على قولِه: بَيْضَاءَ، لَأوهَمَ أنَّ ذلك من برَصٍ أو بَهَقٍ؛ فقولُه: مِنْ غَيْرِ سُوءٍ كِنايةٌ عن البرصِ [224] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/59)، ((تفسير البيضاوي)) (4/26)، ((تفسير أبي حيان)) (7/325)، ((تفسير أبي السعود)) (6/11)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/185). .
7- قولُه تعالى: لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى
- فيه إيجازٌ بالحذْفِ؛ كأنَّه قِيلَ: فعلْنا ما فعلْنا من الأمْرِ والإظهارِ؛ لنُرِيَك بذلك بعضَ آياتِنا الكُبْرى [225] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/11)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/209). .
- وقولُه: مِنْ آَيَاتِنَا حالٌ من الْكُبْرَى؛ قُدِّمَت عليها وإنْ كان ذو الحالِ مَعرِفةً؛ مُراعاةً للفواصلِ [226] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/161). .