المَطلبُ الرَّابعُ: دَعوةُ النَّاسِ إلى التَّوجُّهِ للشَّيخِ وغَيرِه منَ الصَّالحينَ وطَلَبِ الحاجاتِ منه والاستِغاثةِ به من دونِ اللهِ تعالى
من ذلك ما تَنسُبُه الطَّريقةُ القادِريَّةُ إلى شَيخِها عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ في القَصيدةِ المَنسوبةِ إليه باسمِ (القَصيدةِ الشَّريفةِ):
ضَريحي بَيتُ اللهِ مَن جاءَ زارَه
يُهروِلُ له يَحظى بعِزٍّ ورِفعةٍ
وأمري أمرُ اللهِ إن قُلتُ كُنْ يَكُنْ
وكلٌّ بأمرِ اللَّهِ فاحكُمْ بقُدرَتي
وعايَنتُ إسرافيلَ واللَّوحَ والرِّضا
وشاهَدتُ أنوارَ الجَلالِ بنَظرَتي
وشاهَدتُ ما فوقَ السَّماواتِ كُلِّها
كَذا العَرشُ والكُرسيُّ في طَيِّ قَبضَتي
وناظِرٌ ما في اللَّوحِ من كُلِّ آيةٍ
وما قد رَأيتُ من شُهودٍ بمُقلةٍ
ولولا رَسولُ اللهِ بالعَهدِ سابقًا
لأغلقتُ بُنيانَ الجَحيمِ بعَظمَتي
مُريدي تَمَسَّكْ بي وكُنْ بي واثِقًا
لأحميَك في الدُّنيا ويَومَ القيامةِ
تَوسَّلْ بنا في كُلِّ هَولٍ وشِدَّةٍ
أغيثُك في الأشياءِ طُرًّا بهِمَّتي
وقد سُئِلتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ للإفتاءِ عنِ الطَّائِفةِ القادِريَّةِ، وكِتابِ: (الفُيوضاتِ الرَّبَّانيَّةِ في المَآثِرِ والأورادِ القادِريَّةِ) والذي حَوى قَصيدةً تَتَضَمَّنُ دَعاوى ومَآثِرَ لشَيخِ الطَّريقةِ القادِريَّةِ، وقد أرسَل السَّائِلُ القَصيدةَ مَعَ استِفتائِه؛ لإفتائِه عَمَّا فيها.
فأجابَتِ اللَّجنةُ: (إنَّ القَصيدةَ التي أرسَلَها المُستَفتي ليَعرِفَ ما فيها: هل هو حَقٌّ أو باطِلٌ؟ تَدُلُّ على أنَّ قائِلَها جاهلٌ يَدَّعي لنَفسِه دَعاوى كُلُّها كُفرٌ وضَلالٌ. فيَدَّعي أنَّ كُلَّ عُلومِ العُلماءِ مُستَقاةٌ من عِلمِه وفُروعٌ له، وأنَّ سُلوكَ العِبادِ إنَّما هو بما فرَضَه وسَنَّه لهم، وأنَّه يَقدِرُ على إغلاقِ الجَحيمِ بعَظَمَتِه لولا سابقُ عَهدٍ منَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّه يُغيثُ مَن وفَى له منَ المُريدينَ ويُنجيه منَ البلايا ويَحميه في الدُّنيا والآخِرةِ، ويُؤَمِّنُه منَ المَخاوِفِ ويَحضُرُ مَعَه الميزانَ يَومَ القيامةِ!
فهذه الدَّعاوى الكاذِبةُ لا تَصدُرُ إلَّا من جاهلٍ لا يَعرِفُ قَدْرَ نَفسِه؛ فإنَّ كَمالَ العِلمِ للَّهِ وَحدَه وإنَّ شُؤونَ الآخِرةِ ومَقاليدَ الأمورِ إلى اللهِ وحدَه لا إلى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ ولا إلى نَبيٍّ مُرسَلٍ ولا لصالحٍ ما منَ الصَّالحينَ، وقد أمَرَ اللَّهُ رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -وهو خَيرُ خَلقِه- أن يَتلوَ على الأمَّةِ قَولَه تعالى:
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 188] وقولَه تعالى:
قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن: 21] ، وقد أمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ألصَقَ النَّاسِ به وأقرَبَهم إليه رَحِمًا وأولاهم بمَعروفِه أن يُنقِذوا أنفُسَهم من عَذابِ اللَّهِ بالإيمانِ به سُبحانَه والعَمَلِ بشَريعَتِه، وأخبَرَهم أنَّه لا يُغني عنهم منَ اللهِ شَيئًا
، وأخبَرَ أنَّ آدَم ونوحًا وإبراهيمَ وموسى وعيسى يَقولُ كُلٌّ منهم يَومَ القيامةِ: نفسي نفسي
! فكَيف يَملِكُ شَيخُ الطَّريقةِ القادِريَّةِ أو غَيرُه منَ المَخلوقينَ أن يُنجيَ مُريديه وأن يَحميَ مَن وفَى له بعَهدِه ويُغيثَه ويَحضُرَ مَعَه عِندَ وزنِ أعمالِه يَومَ القيامةِ؟! وكَيف يَملِكُ أن يُغلِقَ أبوابَ الجَحيمِ بعَظَمَتِه؟! إنَّ هذا لهو البُهتانُ المُبينُ والكُفرُ الصُّراحُ بشَريعةِ رَبِّ العالمينَ.
لقد زادَ صاحِبُ هذه القَصيدةِ في غُلوِّه وتَجاوزَ حَدَ الحِسِّ والعَقلِ والشَّرعِ، فادَّعى أنَّه كان بنورِ مُحَمَّدٍ قَبلَ أن يَكونَ الخَلْقُ، وأنَّه كان في قابِ قَوسَينِ اجتِماعُ الأحِبَّةِ أي مَعَ جِبريلَ ومُحَمَّدٍ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ، وأنَّه كان مَعَ نوحٍ عليه السَّلامُ في السَّفينةِ وشاهَدَ الطُّوفانَ على كَفِّ قُدرتِه، وأنَّه كان مَعَ إبراهيمَ عليه السَّلامُ حينَ أُلقيَ في النَّارِ، وأنَّ هذه النَّارَ بَرَدَت بدَعوتِه، وأنَّه كان مَعَ إسماعيلَ، وأنَّه ما نَزَل الكَبشُ إلَّا بفتواه أو فُتوَّتِه، وأنَّه كان مَعَ يَعقوبَ عليه السَّلامُ حينَما أُصيبَ بَصَرُه، وأنَّ عَينَيه ما بَرِئَتا إلَّا بتَفلُّتِه، وأنَّه هو الذي أقعَدَ إدريسَ عليه السَّلامُ في جَنَّةِ الفِردَوسِ، وأنَّه كان مَعَ موسى عليه السَّلامُ حينَ مُناجاتِه لرَبِّه، وأنَّ عَصا موسى مُستَمَدَّةٌ من عَصاه، وأنَّه كان مَعَ عيسى في المَهدِ، وأنَّه هو الذي أعطى داوُدَ حُسنَ الصَّوتِ في القِراءةِ، بل ادَّعى أفحَشَ من ذلك: ادَّعى أنَّه هو اللهُ في الأبياتِ الثَّلاثةِ من قَصيدَتِه، وأصرَحُها قَولُه:
أنا الواحِدُ الفردُ الكَبيرُ بذاتِه
أنا الواصِفُ المَوصوفُ شَيخُ الطَّريقةِ
تعالى اللهُ عن ذلك عُلوًّا كَبيرًا، فأيُّ كُفرٍ بَعدَ هذا الكُفرِ؟! والعياذُ باللهِ.
فيا أيُّها الأخُ المُستَفتي يَكفيك من شَرٍّ سَماعُه، ويُغنيك عن مَعرِفةِ تَفاصيلِ تاريخِ وسيرةِ القادِريَّةِ ما في قَصيدةِ شَيخِ هذه الطَّائِفةِ منَ البُهتانِ والكُفرِ والطُّغيانِ، واجتَهِدْ في مَعرِفةِ الحَقِّ من كِتابِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبَيانِ السَّلَفِ الصَّالحِ منَ الصَّحابةِ وتابعيهم للكِتابِ والسُّنَّةِ النَّبَويَّةِ الصَّحيحةِ، مَعَ اعتِقادِنا أنَّ الشَّيخَ عَبدَ القادِرِ الجيلانيَّ الذي تُنسَبُ إليه هذه الطَّريقةُ بَريءٌ من هذه القَصيدةِ بَراءةَ الذِّئبِ من دَمِ ابنِ يَعقوبَ، وأتباعُه يَكذِبونَ عليه كَثيرًا ويَنسُبونَ إليه ما هو بَريءٌ منه)
.
ولدَيهمُ استِغاثةٌ بالشَّيخِ تُسَمَّى الاستِعانةَ، يَظهَرُ فيها جَليًّا اعتِقادُهم أنَّ الشَّيخَ هو اللهُ أو نائِبٌ عنه: (يا سُلطانَ العارِفينَ، يا بازُ الأشهَبُ، يا فارِجَ الكَربِ، يا غَوثُ الأعظَمُ، يا واسِعَ اللُّطفِ والكَرَمِ، يا كَنزَ الحَقائِقِ، يا مَعدِنَ الدَّقائِقِ، يا صاحِبَ المُلكِ والمُلوكِ، يا هاويَ النَّسيمِ، يا مُحييَ الرَّميمِ، يا مُبديَ جَمالِ اللَّهِ، يا راحِمَ النَّاسِ، يا مُذهِبَ البَأسِ، يا مِفتاحَ الكُنوزِ، يا كَعبةَ الواصِلينَ، يا قَويَّ الأركانِ، يا مُجليَ الكَلامِ القديمِ، يا نارَ اللَّهِ الموقَدةَ، يا حَياةَ الأفئِدةِ، يا مَقصودَ السَّالكينَ، يا قاضيَ القُضاةِ، يا فاتِحَ المُغلَقاتِ، يا كافيَ المُهمَّاتِ، يا ضياءَ السَّمواتِ والأرَضينَ، يا غافِرَ الأوزارِ، يا إمامَ الأئِمَّةِ، يا كاشِفَ الغُمَّةِ، يا مَن ظَهَرَ سِرُّه في الدُّنيا والآخِرةِ، يا شاهِدَ الأكوانِ بنَظَرِه، يا مُبصِرَ العَرشِ بعِلمِه، يا قُطبَ المَلائِكةِ والإنسِ والجِنِّ، يا قُطبَ العَرشِ والكُرسيِّ واللَّوحِ والقَلَمِ...)
.
وفي أحَدِ أورادِهم: (نادِ عليًّا مَظهَرَ العَجائِبِ تَجِدْه عَونًا في النَّوائِبِ، كُلُّ هَمٍّ وغَمٍّ سيَنجَلي بنُبوَّتِك يا مُحَمَّدُ، بوِلايَتِك يا عليُّ يا عليُّ يا عليُّ)
.
ولا يَخفى على موحِّدٍ للَّهِ تعالى حَقيقةُ ما في ذلك منِ ادِّعاءٍ واستِعلاءٍ ورَفعٍ للعِبادِ فوقَ مَنزِلتِهمُ التي أنزَلهمُ اللهُ تعالى، وما فيها من مُشارَكةٍ للَّهِ تعالى في عِلمِ الغَيبِ أو تَدبيرِ الكَونِ أوِ العِبادةِ، كالاستِغاثةِ واللُّجوءِ لغَيرِ اللهِ سُبحانَه وتعالى عَمَّا يَقولونَ عُلوًّا كَبيرًا.
واللهُ تعالى يقولُ:
إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ [النحل: 22] .
وقال اللهُ سُبحانَه:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ [البقرة: 257] .
قال مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الوهَّابِ: (الطَّواغيتُ كَثيرونَ، ورؤوسُهم خَمسٌ: إبليسُ، ومَن عُبدَ وهو راضٍ، ومَن دَعا النَّاسَ إلى عِبادةِ نَفسِه، ومَنِ ادَّعى شَيئًا من عِلمِ الغَيبِ، ومَن لم يَحكُمْ بما أنزَل اللهُ)
.
وأمَّا ادِّعاءُ أنَّ أمرَه أمرُ اللهِ، فذلك يُكَذِّبُه قَولُ اللهِ تعالى:
إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82] .
وادِّعاءُ أنَّه يَعلمُ عَدَدَ نَباتِ الأرضِ وعَدَدَ رَملِ الأرضِ وعَدَدَ مَوجِ البَحرِ يُكَذِّبُه قَولُ اللهِ سُبحانَه:
وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام: 59] .
وادِّعاءُ مَعرِفةِ عِلمِ اللهِ وإحصاءِ حُروفِه يُكَذِّبُه قَولُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ:
قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف: 109] ، ويُكَذِّبُه صريحُ قَولِ اللهِ تعالى:
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل: 65] .
وقد جاءَ في كِتابِ (الفُيوضاتِ الرَّبَّانيَّةِ): (إذا وقَعَ لك هَمٌّ اخْطُ أحَد عَشَر خُطوةً إلى جِهةِ العِراقِ وتَقولُ في الأوَّلِ: يا شَيخُ مُحيي الدِّينِ، وفي الثَّانيةِ: يا سَيِّدي مُحيي الدِّينِ، وفي الثَّالثةِ: يا مَولانا مُحيي الدِّينِ، وفي الرَّابعةِ: يا مَخدومَ مُحيي الدِّينِ، وفي الخامِسةِ: يا دَرويشُ مُحيي الدِّينِ، وفي السَّادِسةِ: يا خَواجةُ مُحيي الدِّينِ، وفي السَّابعةِ: يا سُلطانُ مُحيي الدِّينِ، وفي الثَّامنةِ: يا شاه مُحيي الدِّينِ، وفي التَّاسِعةِ: يا غَوثُ مُحيي الدِّينِ، وفي العاشِرةِ: يا قُطبُ مُحيي الدِّينِ، وفي الحاديةَ عَشْر: يا سَيِّدَ السَّاداتِ عَبدَ القادِرِ مُحيي الدِّينِ، ويا شَيخَ الثِّقلينِ أغِثْني)
.
واللهُ تعالى يقولُ:
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ: 22] .
وجاءَ أيضًا في كِتابِ (الفُيوضاتِ الرَّبَّانيَّةِ) أبياتٌ مَنسوبةٌ للشَّيخِ:
مُريدي لك البُشرى تَكونُ على الوفاءِ
إذا كُنتَ في هَمٍّ أُغِثك بهمَّتي
مُريدي تَمَسَّكْ بي وكُنْ بي واثِقًا
لأحميَك في الدُّنيا ويَومَ القيامةِ
أنا لمُريدي حافِظٌ ممَّا يَخافُه
وأنجيه من شَرِّ الأمورِ وبَلوةِ
وكُنْ يا مُريدي حافِظًا لعَهودِنا
أكُنْ حاضِرَ الميزانِ يَومَ الوقيعةِ
.
والرَّدُّ على ذلك من وُجوهٍ:الأوَّلُ: كيف يدعو أتباعَه أن يستغيثوا به، وقد قال تعالى:
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186] .
وقال اللهُ سُبحانَه:
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف: 5 - 6] .
وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إذا سَألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استَعَنْتَ فاستَعِنْ باللهِ))
.
الثَّاني: كَيف يَزعُمُ أنَّه يَحمي أتباعَه من كُلِّ شَرٍّ وبلوى في الدُّنيا ويَومَ القيامةِ، وقد قال تعالى في الرَّدِّ على ذلك الإفكِ:
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا [الإسراء: 56] .
وقال اللهُ سُبحانَه:
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ [الأنعام: 17] .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ:
وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس: 106] .
وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((واعلَمْ لو أنَّ الأمَّةَ اجتَمَعَت على أن يَنفعوك لا يَنفعوك إلَّا بشَيءٍ قد كَتَبَه اللهُ عليك رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ))
.
ثمَّ إنَّ أفضَلَ الخَلْقِ هو النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَملكُ لنَفسِه ولا لغَيرِه نَفعًا ولا ضَرًّا؛ حَيثُ قال تعالى:
قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن: 21-22] .
وقال اللهُ سُبحانَه:
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الرعد: 16] .
أمَّا في ادِّعائِه بأنَّه يَحمي أتباعَه ومَن تمسَّك به يَومَ القيامةِ، فهذا يُكَذِّبُه قَولُ اللهِ تعالى:
يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار: 19].
وقال اللهُ سُبحانَه:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان: 33] .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج: 1-2] .
وقال اللهُ تعالى لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأنعام: 12] .
قال ابنُ تيميَّةَ: (وأمَّا قَولُ القائِلِ: مَن قَرَأ آيةَ الكُرسيِّ واستَقبل جِهةَ الشَّيخِ عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، وسَلَّمَ عليه وخَطا سَبعَ خُطُواتٍ يَخطو مَعَ كُلِّ تسليمةٍ خَطوةً إلى قَبرِه، قُضِيَت حاجَتُه، أو كان في سَماعٍ فإنَّه يَطيبُ ويَكثُرُ تَواجُدُه. فهذا أمرٌ القُربةُ فيه شِركٌ برَبِّ العالمينَ، ولا رَيبَ أنَّ الشَّيخَ عَبدَ القادِرِ لم يَقُلْ هذا ولا أمرَ به، ومَن يَقُلْ مِثلَ ذلك عنه فقد كَذَبَ عليه، وإنَّما يُحدِثُ مِثلَ هذه البدَعِ أهلُ الغُلوِّ والشِّركِ المُشبِهونَ للنَّصارى من أهلِ البِدَعِ الرَّافِضةِ الغاليةِ في الأئِمَّةِ، ومَن أشبَهَهم منَ الغُلاةِ في المَشايِخِ. وقد ثَبَتَ في الصَّحيحِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال:
((لا تَجلِسوا على القُبورِ ولا تُصَلُّوا إليها))
، فإذا نَهى عنِ استِقبالِ القَبرِ في الصَّلاةِ للَّهِ فكَيف يَجوزُ التَّوجُّهُ إليه والدُّعاءُ لغَيرِ اللهِ مَعَ بُعدِ الدَّارِ؟ وهل هذا إلَّا من جِنسِ ما يَفعلُه النَّصارى بعيسى وأمِّه وأحبارِهم ورُهبانِهم في اتِّخاذِهم إيَّاهم أربابًا وآلهةً يَدعونَهم ويَستَغيثونَهم في مَطالبِهم ويَسألونَهم ويَسألونَ بهم؟)
.
وهذه فتوى للَّجنةِ الدَّائِمةِ لسائِلٍ يَسألُ عن حُكمِ جَمعِ النَّاسِ لقِراءةِ مَناقِبِ الشَّيخِ عَبدِ القادِرِ؛ لأنَّه يُؤَدِّي إلى مَحَبَّةِ الأولياءِ، ثمَّ يَمُدُّ له سِماطًا يَقصِدُ إكرامَ الضُّيوفِ عَمَلًا بحَديثِ:
((مَن كان يُؤمنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ فليُكرِمْ ضَيفَه))
. فما حُكمُ ذلك، هَل هو حَرامٌ أو مَكروهٌ أو سُنَّةٌ؟
فأجابَتِ اللَّجنةُ: (مَحَبَّةُ أولياءِ اللهِ وإكرامُ الضَّيفِ من مَحاسِنِ الشَّريعةِ وممَّا حَثَّ عليه الكِتابُ والسُّنَّةُ، لكِنَّ اتِّخاذَ قِراءةِ مَناقِبِ الشَّيخِ عَبدِ القادِرِ أو نَحوِه وسيلةً لمَحَبَّةِ الأولياءِ واتِّخاذَ مَدِّ السِّماطِ عادةً عِندَ ذلك: منَ البدَعِ التي تُفضي إلى الغُلوِّ في عَبدِ القادِرِ وأمثالِه، وقد تَنتَهي إلى دُعائِه والاستِغاثةِ به والتَّوسُّلِ بجاهِه عِندَ الدُّعاءِ، وذلك مَمنوعٌ شَرعًا؛ لأنَّه إمَّا شِركٌ كالاستِغاثةِ به وإمَّا ذَريعةٌ كالتَّوسُّلِ به أو بجاهِه إلى اللهِ، ولأنَّه يَقَعُ كَثيرًا في تَراجِمَ مَن يُسَمَّونَ أولياءَ منَ الكَذِبِ والأباطيلِ ما قد يُفضي إلى الغُلوِّ فيهم، وخَيرٌ من ذلك أن يَجمَعَ مَعارِفَه على قِراءةِ القُرآنِ ودِراسَتِه وقِراءةِ الأحاديثِ الصَّحيحةِ لمَعرِفةِ الأحكامِ والاتِّعاظِ بذلك)
.