فَوائِدُ ومَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ:
1-عن وهَبِ بنِ مُنَبِّهٍ، قال: (ما مِن شَيءٍ إلَّا يَبدو صَغيرًا ثُمَّ يَكبُرُ، إلَّا المُصيبةَ؛ فإنَّها تَبدو كَبيرةً ثُمَّ تَصغُرُ)
[327] رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (4/ 63). وأورده ابن عبد البر في ((بهجة المجالس)) (2/ 352) عن حُذَيفةَ، بلفظ: (إنَّ اللَّهَ لم يَخلُقْ شَيئًا قَطُّ إلَّا صَغيرًا ثُمَّ يَكبُرُ، إلَّا المُصيبةَ؛ فإنَّه خَلقَها كَبيرةً، ثُمَّ تَصغُرُ). .
2-قال ابنُ عَبدِ رَبِّه: (العُتْبيُّ قال: قال عَبدُ اللَّهِ بنُ الأهتَمِ: ماتَ لي ابنٌ وأنا بمَكَّةَ، فجَزِعتُ عليه جَزَعًا شَديدًا، فدَخَل عليَّ ابنُ جُرَيجٍ يُعَزِّيني، فقال لي: يا أبا مُحَمَّدٍ، اسْلُ صَبرًا واحتِسابًا قَبلَ أن تَسلوَ غَفلةً ونِسيانًا كَما تَسلو البَهائِمُ!
وهذا الكَلامُ لعليِّ بنِ أبي طالِبٍ كَرَّم اللَّهُ وَجهَه يُعَزِّي الأشعَثَ بنَ قَيسٍ في ابنٍ له، ومِنه أخَذ ابنُ جُرَيجٍ، وقد ذَكَرَه حَبيبٌ في شِعرِه، فقال:
وقال عليٌّ في التَّعازي لأشعَث
وخاف عليه بَعضَ تلك المَآثِمِ
أتَصبِرُ للبَلوى عَزاءً وحِسبةً
فتُؤجَرَ أم تَسلو سُلوَّ البَهائِمِ
أتى عليُّ بنُ أبي طالبٍ كَرَّم اللَّهُ وَجهَه لأشعَثَ يُعَزِّيه عنِ ابنِه، فقال: إن تَحزَنْ فقدِ استَحَقَّت ذلك مِنك الرَّحِمُ، وإن تَصبِرْ فإنَّ في اللهِ خَلَفًا مِن كُلِّ هالكٍ، مَعَ أنَّك إن صَبَرتَ جرى عليك القَدَرُ وأنتَ مَأجوٌر، وإن جَزِعتَ جَرى عليك القَدَرُ وأنتَ آثِمٌ.
وعَزَّى ابنُ السَّمَّاكِ رَجُلًا، فقال: عليك بالصَّبرِ، فبه يَعمَلُ مَنِ احتَسَبَ، وإليه يَصيرُ مَن جَزِعَ، واعلَمْ أنَّه ليسَت مُصيبةٌ إلَّا ومَعَها أعظَمُ مِنها، مِن طاعةِ اللهِ فيها أو مَعصيَتِه بها.
الأصمَعيُّ قال: عَزَّى صالِحٌ المُرِّيُّ رَجُلًا بابنِه، فقال له: إن كانت مُصيبَتُك لم تُحدِثْ لك مَوعِظةً فمُصيبَتُك بنَفسِك أعظَمُ مِن مُصيبَتك بابنِك، واعلَمْ أنَّ التَّهنِئةَ على آجِلِ الثَّوابِ أَولى مِنَ التَّعزيةِ على عاجِلِ المُصيبةِ.
العُتْبيُّ، قال: عَزَّى أبي رَجُلًا فقال: إنَّما يَستَوجِبُ على اللهِ وعدَه مَن صَبَر لحَقِّه، فلا تَجمَعْ إلى ما فُجِعتَ به الفجيعةَ بالأجرِ؛ فإنَّها أعظَمُ المُصيبَتَينِ عليك، ولكُلِّ اجتِماعٍ فُرقةٌ إلى دارِ الحُلولِ.
عَزَّى عَبدُ اللَّهِ بنُ عبَّاسٍ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ تعالى عنه في بُنَيٍّ له صَغيرٍ، فقال: عَوَّضَك اللهُ مِنه ما عَوَّضَه اللهُ مِنك.
وكان عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه إذا عزَّى قَومًا قال: عليكُم بالصَّبرِ؛ فإنَّ به يَأخُذُ الحازِمُ، وإليه يَرجِعُ الجازِعُ.
وكان الحَسَنُ يَقولُ في المُصيبةِ: الحَمدُ للهِ الذي آجَرَنا على ما لو كَلَّفَنا غَيرَه لعَجَزنا عنه.
كِتابُ تَعزيةٍ:أمَّا بَعدُ: فإنَّ أحَقَّ مَن تَعَزَّى، وأولى مَن تَأسَّى وسَلَّمَ لأمرِ اللهِ، وقَبِلَ تَأديبَه في الصَّبرِ على نَكَباتِ الدُّنيا، وتَجَرَّعَ غصَصَ البَلوى- مَن تَنَجَّز مِنَ اللهِ وَعدَه، وفَهِمَ عن كِتابِه أَمرَه، وأخلَصَ له نَفسَه، واعتَرَف له بما هو أهلُه، وفي كِتابِ اللهِ سَلوةٌ مِن فَقدِ كُلِّ حَبيبٍ وإن لم تَطِبِ النَّفسُ عنه، وأُنسٌ مِن كُلِّ فَقيدٍ وإن عَظُمَتِ اللَّوعةُ به؛ إذ يَقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ:
كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: 88] ، وحيثُ يقولُ:
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة: 156 - 157] .
والمَوتُ سَبيلُ الماضينَ والغابِرينَ، ومَورِدُ الخَلائِقِ أجمَعينَ، وفي أنبياءِ اللهِ وسالِفِ أوليائِه أفضَلُ العِبرةِ، وأحسَنُ الأُسوةِ، فهَل أحَدٌ مِنهم إلَّا وقد أخَذَ مِن فجائِعِ الدُّنيا بأجزَلِ الإعطاءِ، ومِنَ الصَّبرِ عليها باحتِسابِ الأجرِ فيها بأوفَرِ الأنصِباءِ)
[328] ((العقد الفريد)) (3/ 255-257). .
3-لا بَأسَ بالسَّعيِ في دَفعِ أسبابِ المُصيبةِ والكَربِ، وفِعلِ ما يُخَفِّفُ وَقعَهما بما أمكَنَ مِنَ الأسبابِ المَشروعةِ، كالاشتِغالِ بعِلمٍ أو عَمَلٍ تَأنَسُ به النَّفسُ، أو عَمَلِ طَعامٍ يَنفعُ في هذا
[329] ويَنبَغي أن يَختَلف الانتِفاعُ بذلك بحَسَبِ اختِلافِ العادةِ في البلادِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 147). .
فعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: أنَّها كانت إذا ماتَ المَيِّتُ مِن أهلِها، فاجتَمَعَ لذلك النِّساءُ، ثُمَّ تَفَرَّقنَ إلَّا أهلَها وخاصَّتَها، أمَرَت ببُرمةٍ مِن تلبينةٍ
[330] التَّلبينةُ: حَساءٌ يُعمَلُ مِن دَقيقٍ أو مِن نُخالةٍ، ورُبَّما يُجعَلُ فيه عَسَلٌ. قيل: سُمِّيَت تلبينةً تَشبيهًا لها باللَّبَنِ؛ لبَياضِها ورِقَّتِها. والنَّافِعُ مِنه ما كان رَقيقًا نَضيجًا لا غَليظًا نيئًا. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (3/ 2051)، ((فتح الباري)) لابن حجر (9/ 550) و (10/ 146). فطُبِخَت، ثُمَّ صُنِعَ ثَريدٌ فصَبَّتِ التَّلبينةَ عليها، ثُمَّ قالت: كُلنَ مِنها؛ فإنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((التَّلبينةُ مُجِمَّةٌ [331] مُجِمَّةٌ: أي: تُريحُ فُؤادَه وتُزيلُ عنه الهَمَّ وتُنَشِّطُه. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (14/ 202). لفُؤادِ المَريضِ، تُذهِبُ ببَعضِ الحُزنِ)) [332] أخرجه البخاري (5417) واللفظ له، ومسلم (2216) من حديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها. .
وفي رِوايةٍ: أنَّها كانت تَأمُرُ بالتَّلبينِ للمَريضِ وللمَحزونِ على الهالِكِ، وكانت تَقولُ: إنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((إنَّ التَّلبينةَ تُجِمُّ [333] تَجِمُّ الفُؤادَ: تَكشِفُ عنه وتُخَفِّفُ وتُريحُ. وقيل: تُجِمُّه بمَعنى تُريحُ ألَمَه وتُنَبِّهُ شَهوتَه وتُكمِلُ صَلاحَه ونَشاطَه. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 284). فُؤادَ المَريضِ، وتُذهِبُ ببَعضِ الحُزنِ)) [334] أخرجها البخاري (5689). .
وفي رِوايةٍ أُخرى: (أنَّها كانت تَأمُرُ بالتَّلبينةِ وتَقولُ: هو البَغيضُ النَّافِعُ
[335] قَولُها: (هو البَغيضُ النَّافِعُ) تُشيرُ إلى أنَّ المَريضَ يُبغِضُها كَما يُبغِضُ الأدويةَ، وهيَ نافِعةٌ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 283)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 89). [336] أخرجها البخاري (5690). .
وقال السَّعديُّ: (مِن أسبابِ دَفعِ القَلقِ النَّاشِئِ عن تَوتُّرِ الأعصابِ، واشتِغالِ القَلبِ ببَعضِ المُكَدِّراتِ: الاشتِغالُ بعَمَلٍ مِنَ الأعمالِ أو عِلمٍ مِنَ العُلومِ النَّافِعةِ؛ فإنَّها تُلهي القَلبَ عنِ اشتِغالِه بذلك الأمرِ الذي أقلَقَه، ورُبَّما نَسيَ بسَبَبِ ذلك الأسبابَ التي أوجَبَت له الهَمَّ والغَمَّ، ففرِحَت نَفسُه، وازدادَ نَشاطُه، وهذا السَّبَبُ أيضًا مُشتَرِكٌ بَينَ المُؤمِنِ وغَيرِه، ولكِنَّ المُؤمِنَ يَمتازُ بإيمانِه وإخلاصِه واحتِسابِه في اشتِغالِه بذلك العِلمِ الذي يَتَعَلَّمُه أو يُعَلِّمُه، ويَعمَلُ الخَيرَ الذي يَعلَمُه، إن كان عِبادةً فهو عِبادةٌ، وإن كان شُغلًا دُنيَويًّا أو عادةً دُنيَويَّةً أصحَبَها النِّيَّةَ الصَّالحةَ، وقَصَدَ الاستِعانةَ بذلك على طاعةِ اللهِ، فلذلك أثَرُه الفعَّالُ في دَفعِ الهَمِّ والغُمومِ والأحزانِ، فكَم مِن إنسانٍ ابتُليَ بالقَلقِ ومُلازَمةِ الأكدارِ، فحَلَّت به الأمراضُ المُتَنَوِّعةُ، فصارَ دَواؤُه النَّاجِعُ نِسيانَه السَّبَبَ الذي كَدَّرَه وأقلَقَه، واشتِغالَه بعَمَلٍ مِن مُهمَّاتِه.
ويَنبَغي أن يَكونَ الشُّغلُ الذي يَشتَغِلُ فيه مِمَّا تَأنَسُ به النَّفسُ وتشتاقُه؛ فإنَّ هذا أدعى لحُصولِ هذا المَقصودِ النَّافِعِ، واللَّهُ أعلمُ.
ومِمَّا يُدفَعُ به الهَمُّ والقَلَقُ: اجتِماعُ الفِكرِ كُلِّه على الاهتِمامِ بعَمَلِ اليَومِ الحاضِرِ، وقَطعُه عنِ الاهتِمامِ في الوقتِ المُستَقبَلِ، وعنِ الحُزنِ على الوقتِ الماضي؛ ولهذا استَعاذَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ
[337] لفظُه: عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اللهُمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجزِ والكَسَلِ، والبُخلِ، والجُبنِ، وضَلَعِ الدَّينِ، وغَلَبةِ الرِّجالِ)). أخرجه البخاري (2893). ، فالحَزَنُ: على الأُمورِ الماضيةِ التي لا يُمكِنُ رَدُّها ولا استِدراكُها، والهَمُّ: الذي يَحدُثُ بسَبَبِ الخَوفِ مِنَ المُستَقبَلِ، فيَكونُ العَبدُ ابنَ يَومِه، يَجمَعُ جِدَّه واجتِهادَه في إصلاحِ يَومِه ووقتِه الحاضِرِ، فإنَّ جَمعَ القَلبِ على ذلك يوجِبُ تَكميلَ الأعمالِ، ويَتَسَلَّى به العَبدُ عنِ الهَمِّ والحَزَنِ. والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دَعا بدُعاءٍ أو أرشَدَ أُمَّتَه إلى دُعاءٍ فهو يَحُثُّ -مَعَ الاستِعانةِ باللهِ والطَّمَعِ في فَضلِه- على الجِدِّ والاجتِهادِ في التَّحَقُّقِ لحُصولِ ما يَدعو بحُصولِه، والتَّخَلِّي عَمَّا كان يَدعو لدَفعِه؛ لأنَّ الدُّعاءَ مُقارِنٌ للعَمَلِ، فالعَبدُ يَجتَهدُ فيما يَنفعُه في الدِّينِ والدُّنيا، ويَسألُ رَبَّه نَجاحَ مَقصَدِه، ويستعينُه على ذلك، كَما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «احرِصْ على ما يَنفعُك، واستَعِنْ باللهِ ولا تَعجِزْ، وإذا أصابَك شَيءٌ فلا تَقُلْ: لو أنِّي فعَلتُ كَذا كان كَذا وكَذا، ولكِن قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وما شاءَ فَعَل، فإنَّ لو تَفتَحُ عَمَلَ الشَّيطانِ»
[338] أخرجه مسلم (2664) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُه: عن أبي هرَيرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المُؤمِنُ القَويُّ خَيرٌ وأحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤمِنِ الضَّعيفِ، وفي كُلٍّ خَيرٌ. احرِصْ على ما يَنفعُكَ، واستَعِنْ باللهِ ولا تَعجِزْ، وإن أصابَكَ شَيءٌ فلا تَقُلْ: لو أنِّي فعَلتُ كان كَذا وكَذا، ولكِنْ قُل: قدَرُ اللهِ وما شاءَ فعَل؛ فإنَّ لو تَفتَحُ عَمَلَ الشَّيطانِ)). .
فجَمَعَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَينَ الأمرِ بالحِرصِ على الأُمورِ النَّافِعةِ في كُلِّ حالٍ، والاستِعانةِ باللهِ وعَدَمِ الانقيادِ للعَجزِ الذي هو الكَسَلُ الضَّارُّ، وبَينَ الاستِسلامِ للأُمورِ الماضيةِ النَّافِذةِ، ومُشاهَدةِ قَضاءِ اللَّهِ وقَدَرِه.
وجَعَل الأُمورَ قِسمَينِ:قِسمًا يُمكِنُ العَبدَ السَّعيُ في تَحصيلِه أو تَحصيلِ ما يُمكِنُ مِنه، أو دَفعِه أو تَخفيفِه، فهذا يُبدي فيه العَبدُ مَجهودَه، ويَستَعينُ بمَعبودِه.
وقِسمًا لا يُمكِنُ فيه ذلك، فهذا يَطمَئِنُّ له العَبدُ ويَرضى ويُسَلِّمُ، ولا رَيبَ أنَّ مُراعاةَ هذا الأصلِ سَبَبٌ للسُّرورِ وزَوالِ الهَمِّ والغَمِّ.
ومِن أكبَرِ الأسبابِ لانشِراحِ الصَّدرِ وطُمَأنينَتِه: الإكثارُ مِن ذِكرِ اللهِ؛ فإنَّ لذلك تَأثيرًا عَجيبًا في انشِراحِ الصَّدرِ وطُمَأنينَتِه، وزَوالِ هَمِّه وغَمِّه، قال تعالى:
أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28] ، فلذِكرِ اللهِ أثَرٌ عَظيمٌ في حُصولِ هذا المَطلوبِ لخاصِّيَّتِه، ولِما يَرجوه العَبدُ مِن ثَوابِه وأجرِهـ)
[339] ((الوسائل المفيدة للحياة السعيدة)) (ص: 18-21). .
4- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: حَدَّثَني عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، قال:
((لمَّا كان يَومُ بَدرٍ نَظَر رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى المُشرِكينَ وهم ألفٌ، وأصحابُه ثَلاثُمِائةٍ وتِسعةَ عَشَرَ رَجُلًا. فاستَقبَلَ نَبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القِبلةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيه فجَعَلَ يَهتِفُ برَبِّه [340] أي: يَصيحُ بالدُّعاءِ والاستِغاثةِ به، كما قال تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ [الأنفال: 9] . يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (6/ 94). : اللَّهُمَّ أنجِزْ لي ما وعَدتَني، اللَّهُمَّ آتِ ما وعَدتَني، اللَّهُمَّ إن تُهلِكْ هذه العِصابةَ مِن أهلِ الإسلامِ لا تُعبَدْ في الأرضِ. فما زالَ يَهتِفُ برَبِّه، مادًّا يَدَيه، مُستَقبِلَ القِبلةِ، حَتَّى سَقَطَ رِداؤُه عن مَنكِبَيه...)) الحَديثَ.
[341] أخرجه مسلم (1763). قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه: «فما زال يَهتِفُ برَبِّه، مادًّا يَدَيه، مُستَقبِلَ القِبلةِ، حتَّى سَقَطَ رِداؤُه عن مَنكِبَيه» هذا مِنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قيامٌ بوظيفةِ ذلك الوقتِ مِنَ الدُّعاءِ والالتِجاءِ إلى اللهِ تعالى، وتَعليمٌ لأُمَّتِه ما يلجؤون إليه عِندَ الشَّدائِدِ والكُرَبِ الواقِعةِ بهم، فإنَّ ذلك الوقتَ كان وقتَ اضطِرارٍ وشِدَّةٍ، وقد وعَدَ اللَّه المُضطَرَّ بالإجابةِ؛ حَيثُ قال:
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل: 62] ، يَعني: عنِ المُضطَرِّ عِندَ الدُّعاءِ، فقامَ بعِبادةِ ذلك الوَقتِ)
[342] ((المفهم)) (3/ 574). .
5-قال ابنُ القَيِّمِ: (الحُزنُ مِن عَوارِضِ الطَّريقِ، ليسَ مِن مَقاماتِ الإيمانِ ولا مِن مَنازِلِ السَّائِرينَ؛ ولهذا لم يَأمُرِ اللهُ به في مَوضِعٍ قَطُّ ولا أثنى عليه، ولا رَتَّبَ عليه جَزاءً ولا ثَوابًا، بَل نَهى عنه في غَيرِ مَوضِعٍ، كقَولِه تعالى:
وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139] ، وقال تعالى:
وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل: 127] ، وقال تعالى:
فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة: 26] ، وقال:
إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة: 40] ، فالحُزنُ هو بَليَّةٌ مِنَ البَلايا التي نَسألُ اللَّهَ دَفعَها وكَشْفَها؛ ولهذا يَقولُ أهلُ الجَنَّةِ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [فاطر: 34] ، فحَمِدوه على أن أذهَبَ عنهم تلك البَليَّةَ ونَجَّاهم مِنها.
وفى الصَّحيحِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه كان يَقولُ في دُعائِه: «اللهُمَّ إنِّي أعوذُ بك مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجزِ والكَسَلِ، والجُبنِ والبُخلِ، وضَلَعِ الدَّينِ وغَلَبةِ الرِّجالِ».
[343] أخرجه البخاري (2893) من حديثِ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه. فاستَعاذَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن ثَمانيةِ أشياءَ، كُلُّ شَيئَينِ مِنها قَرينانِ: فالهَمُّ والحَزَنُ قَرينانِ، وهَما الألمُ الوارِدُ على القَلبِ؛ فإن كان على ما مَضى فهو الحَزَنُ، وإن كان على ما يُستَقبَلُ فهو الهَمُّ. فالألمُ الوارِدُ إن كان مَصدَرُه فَوتَ الماضي أثَّرَ الحَزَنَ، وإن كان مَصدَرُه خَوفَ الآتي أثَّرَ الهَمَّ. والعَجزُ والكَسَلُ قَرينانِ؛ فإنَّ تَخَلُّفَ مَصلحةِ العَبدِ وبُعدَها عنه إن كان مِن عَدَمِ القُدرةِ فهو عَجزٌ، وإن كان مِن عَدَمِ الإرادةِ فهو كَسَلٌ، والجُبنُ والبُخلُ قَرينانِ؛ فإنَّ الإحسانَ يُفرِحُ القَلبَ ويَشرَحُ الصَّدرَ، ويَجلبُ النِّعَمَ ويَدفعُ النِّقَمَ، وتَركُه يوجِبُ الضَّيمَ والضِّيقَ، ويَمنَعُ وُصولَ النِّعَمِ إليه؛ فالجُبنُ تَركُ الإحسانِ بالبَدَنِ، والبُخلُ تَركُ الإحسانِ بالمالِ، وضَلَعُ الدَّينِ وغَلَبةُ الرِّجالِ قَرينانِ؛ فإنَّ القَهرَ والغَلبةَ الحاصِلةَ للعَبدِ إمَّا مِنه، وإمَّا مِن غَيرِه، وإن شِئتَ قُلتَ: إمَّا بحَقٍّ وإمَّا بباطِلٍ مِن غَيرِه.
والمَقصودُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَعَل الحَزَنَ مِمَّا يُستَعاذُ مِنه؛ وذلك لأنَّ الحَزَنَ يُضعِفُ القَلبَ ويُوهِنُ العَزمَ، ويَضُرُّ الإرادةَ، ولا شَيءَ أحَبُّ إلى الشَّيطانِ مِن حزنِ المُؤمِنِ، قال تعالى:
إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة: 10] ، فالحزنُ مَرَضٌ مِن أمراضِ القَلبِ يَمنَعُه مِن نُهوضِه وسَيرِه وتشميرِه، والثَّوابُ عليه ثَوابُ المَصائِبِ التي يُبتَلى العَبدُ بها بغَيرِ اختيارِه، كالمَرَضِ والألمِ ونَحوِهما، وأمَّا أن يَكونَ عِبادةً مَأمورًا بتَحصيلِها وطَلَبِها فلا، ففرقٌ بَينَ ما يُثابُ عليه العَبدُ مِنَ المَأموراتِ، وما يُثابُ عليه مِنَ البَليَّاتِ. ولكِن يُحمَدُ في الحزنِ سَبَبُه ومَصدَرُه ولازِمُه لا ذاتُهـ)
[344] ((طريق الهجرتين وباب السعادتين)) (ص: 278، 279). .
وقال أيضًا: (لم يَأتِ الحُزنُ في القُرآنِ إلَّا مَنهيًّا عنه، أو مَنفيًّا.
فالمَنهيُّ عنه، كَقَولِه تعالى:
وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا [آل عمران: 139] ، وقَولِه:
وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ في غَيرِ مَوضِعٍ، وقَولِه:
لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة: 40] .
والمَنفيُّ كقَولِه:
فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 38] .
وسِرُّ ذلك أنَّ الحُزنَ مُوقِفٌ غَيرُ مُسَيِّرٍ، ولا مَصلَحةَ فيه للقَلبِ، وأحَبُّ شَيءٍ إلى الشَّيطانِ أن يَحزُنَ العَبدَ ليَقطَعَه عن سَيرِه، ويوقِفَه عن سُلوكِه؛ قال اللهُ تعالى:
إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة: 10] ، ونَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الثَّلاثةَ أن يَتَناجى اثنانِ مِنهم دونَ الثَّالثِ؛ لأنَّ ذلك يَحزُنُه
[345] لفظُه: عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فلا يَتَناجَى اثْنانِ دُونَ صاحِبِهِما؛ فإنَّ ذلكَ يَحزُنُهـ)). أخرجه البخاري (6290) بنحوه، ومسلم (2184) واللفظ له. .
فالحُزنُ ليسَ بمَطلوبٍ ولا مَقصودٍ، ولا فيه فائِدةٌ، وقدِ استَعاذَ مِنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: «اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بك مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ»
[346] لفظُه: عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والجُبْنِ، وضَلَعِ الدَّينِ، وغَلَبَةِ الرِّجالِ)). أخرجه البخاري (2893). ، فهو قَرينُ الهَمِّ، والفَرقُ بَينَهما: أنَّ المَكروهَ الذي يَرِدُ على القَلبِ، إن كان لِما يُستَقبَلُ أورَثَه الهَمَّ، وإن كان لِما مَضى أورَثَه الحُزنَ، وكِلاهما مُضعِفٌ للقَلبِ عنِ السَّيرِ، مُفَتِّرٌ للعَزمِ.
ولكِنَّ نُزولَ مَنزِلتِه ضَروريٌّ بحَسَبِ الواقِعِ؛ ولهذا يَقولُ أهلُ الجَنَّةِ إذا دَخَلوها:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [فاطر: 34] ، فهذا يَدُلُّ على أنَّهم كان يُصيبُهم في الدُّنيا الحُزنُ كَما يُصيبُهم سائِرُ المَصائِبِ التي تَجري عليهم بغَيرِ اختيارِهم.
وأمَّا قَولُه تعالى:
وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ [التوبة: 92] ، فلم يُمدَحوا على نَفسِ الحُزنِ، وإنَّما مُدِحوا على ما دَلَّ عليه الحُزنُ مِن قوَّةِ إيمانِهم؛ حَيثُ تَخَلَّفوا عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعَجزِهم عنِ النَّفَقةِ، ففيه تَعريضٌ بالمُنافِقينَ الذينَ لم يَحزَنوا على تَخَلُّفِهم، بَل غَبَطوا نُفوسَهم به!
وأمَّا قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحَديثِ الصَّحيحِ: «ما يُصيبُ المُؤمِنَ مِن هَمٍّ ولا نَصَبٍ ولا حَزَنٍ إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ به مِن خَطاياه»
[347] أخرجه البخاري (5641، 5642) واللفظ له، ومسلم (2573) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ البُخاريِّ: عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ وعن أبي هُريرةَ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ما يُصِيبُ المُسلِمَ مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حَزَنٍ ولا أذًى ولا غَمٍّ، حتَّى الشَّوكةِ يُشَاكُها، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بها مِن خَطاياهـ)). ، فهذا يَدُلُّ على أنَّه مُصيبةٌ مِنَ اللهِ يُصيبُ بها العَبدَ، يُكَفِّرُ بها مِن سَيِّئاتِه، لا يَدُلُّ على أنَّه مَقامٌ يَنبَغي طَلَبُه واستيطانُهـ)
[348] ((مدارج السالكين)) (1/ 500-502). .
6- قال إبراهيمُ بنُ إسحاقَ الحَربيُّ: (أجمَعَ عُقَلاءُ كُلِّ أُمَّةٍ أنَّه مَن لم يَجرِ مَعَ القَدَرِ لم يَتَهَنَّأْ بعَيشِه... وما شَكَوتُ إلى أُمِّي ولا إلى أُختي ولا إلى امرَأتي ولا إلى بَناتي قَطُّ حُمَّى وَجَدتُها؛ الرَّجُلُ هو الذي يُدخِلُ غَمَّه على نَفسِه، ولا يَغُمُّ عِيالَهـ)
[349] ((تاريخ بغداد)) للخطيب (6/ 526). .
7- قال ابنُ عُثَيمين: (النَّاسُ حالَ المُصيبةِ على مَراتِبَ أربَعٍ:
المَرتَبةُ الأولى: التَّسَخُّطُ، وهو على أنواعٍ:
النَّوعُ الأوَّلُ: أن يَكونَ بالقَلبِ، كَأن يَسخَطَ على رَبِّه، يَغتاظُ مِمَّا قدَّرَه اللهُ عليه، فهذا حَرامٌ، وقد يُؤَدِّي إلى الكُفرِ، قال تعالى:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ [الحج: 11] .
النَّوعُ الثَّاني: أن يَكونَ باللِّسانِ، كالدُّعاءِ بالوَيلِ والثُّبورِ وما أشبَهَ ذلك، وهذا حَرامٌ.
النَّوعُ الثَّالثُ: أن يَكونَ بالجَوارِحِ، كَلطمِ الخُدودِ، وشَقِّ الجُيوبِ، ونَتفِ الشُّعورِ وما أشبَهَ ذلك، وكُلُّ هذا حَرامٌ مُنافٍ للصَّبرِ الواجِبِ.
المَرتَبةُ الثَّانيةُ: الصَّبرُ، وهو كَما قال الشَّاعِرُ:
والصَّبرُ مِثلُ اسمِه مُرٌّ مَذاقَتُه ... لكِنْ عَواقِبُه أحلى مِنَ العَسَلِ
فيَرى أنَّ هذا الشَّيءَ ثَقيلٌ عليه، لكِنَّه يَتَحَمَّلُه وهو يَكرَه وُقوعَه، ولكِن يَحميه إيمانُه مِنَ السَّخَطِ، فليسَ وُقوعُه وعَدَمُه سَواءً عِندَه، وهذا واجِبٌ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى أمَر بالصَّبرِ، فقال:
وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.
المَرتَبةُ الثَّالثةُ: الرِّضا بأن يَرضى الإنسانُ بالمُصيبةِ بحَيثُ يَكونُ وجودُها وعَدَمُها سَواءً، فلا يَشُقُّ عليه وجودُها، ولا يَتَحَمَّلُ لها حِملًا ثَقيلًا، وهذه مُستَحَبَّةٌ وليسَت بواجِبةٍ على القَولِ الرَّاجِحِ، والفَرقُ بَينَها وبَينَ المَرتَبةِ التي قَبلَها ظاهرٌ؛ لأنَّ المُصيبةَ وعَدَمَها سَواءٌ في الرِّضا عِندَ هذا، أمَّا التي قَبلَها فالمُصيبةُ صَعبةٌ عليه، لكِن صَبرَ عليها.
المَرتَبةُ الرَّابعةُ: الشُّكرُ، وهو أعلى المَراتِبِ، وذلك بأن يَشكُرَ اللَّهَ على ما أصابَه مِن مُصيبةٍ؛ حَيثُ عَرَف أنَّ هذه المُصيبةَ سَبَبٌ لتَكفيرِ سَيِّئاتِه، ورُبَّما لزيادةِ حَسَناتِه، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم «ما مِن مُصيبةٍ تُصيبُ المُسلمَ إلَّا كَفَّرَ اللهُ بها عنه حتَّى الشَّوكةِ يُشاكُها»
[350] أخرجه البخاري (5640) واللَّفظُ له، ومسلم (2572) من حديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها. [351] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (2/ 110، 111). ويُنظر منه: (10/ 694) و (17/ 467). وينظر أيضًا: ((عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين)) لابن القيم (ص: 28، 66)، ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (1/ 173). .