موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: الاسترجاعُ


يُستَحَبُّ أن يَقولَ إذا نَزَلت به مُصيبةٌ: (إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعونَ، اللهُمَّ أْجُرْني في مُصيبَتي وأخلِفْ لي خَيرًا مِنها)، (إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعونَ، اللهُمَّ عِندَك أحتَسِبُ مُصيبَتي، فأْجُرْني فيها، وأبدِلْني بها خَيرًا مِنها).
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكتابِ
قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة: 155 - 157] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
عن أُمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّها قالت: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((ما مِن مُسلمٍ تُصيبُه مُصيبةٌ، فيَقولُ ما أمَرَه اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة: 156] ، اللهُمَّ أْجُرْني [209] اللهُمَّ أْجُرْني: آجَرَه يُؤْجِرُه: إذا أثابَه وأعطاه الأجرَ والجَزاءَ، والأمرُ مِنه: آجِرْني وأْجُرْني، وهو بلفظِ السُّؤالِ أيضًا. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (6/ 432). في مُصيبَتي، وأخلِفْ لي خَيرًا مِنها، إلَّا أخلَفَ اللهُ له خَيرًا مِنها. قالت: فلمَّا ماتَ أبو سَلَمةَ، قُلتُ: أيُّ المُسلمينَ خَيرٌ مِن أبي سَلَمةَ؟ أوَّلُ بَيتِ هاجَرَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ إنِّي قُلتُها، فأخلَفَ اللهُ لي رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [210] أخرجه مسلم (918). .
وفي رِوايةٍ: ((ما مِن عَبدٍ تُصيبُه مُصيبةٌ فيَقولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة: 156] ، اللهُمَّ أْجُرْني في مُصيبَتي، وأخلِفْ لي خَيرًا مِنها، إلَّا أجَرَه اللهُ في مُصيبَتِه، وأخلَفَ له خَيرًا مِنها)) [211] أخرجها مسلم (918). .
وفي رِوايةٍ: ((إذا أصابَت أحَدَكُم مُصيبةٌ فليَقُلْ: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعونَ، اللَّهُمَّ عِندَك أحتَسِبُ مُصيبَتي، فآجِرْني فيها، وأبدِلْني بها خَيرًا مِنها)) [212] أخرجها أبو داود (3119)، وأحمد (26697) واللفظ له صَحَّحها ابن حبان في ((صحيحهـ)) (2949)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (2772)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3119)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3119). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (هذه الكَلِمةُ مِن أبلغِ عِلاجِ المُصابِ وأنفعِه له في عاجِلتِه وآجِلتِه؛ فإنَّها تَتَضَمَّنُ أصلينِ عَظيمَينِ إذا تَحَقَّقَ العَبدُ بمَعرِفتِهما تَسَلَّى عن مُصيبَتِه: أحَدُهما: أنَّ العَبدَ وأهلَه ومالَه مِلكٌ للهِ عَزَّ وجَل حَقيقةً، وقد جَعَله عِندَ العَبدِ عاريَّةً، فإذا أخَذَه مِنه فهو كالمُعيرِ يَأخُذُ مَتاعَه مِنَ المُستَعيرِ، وأيضًا فإنَّه مَحفوفٌ بعَدَمَينِ: عَدَمٌ قَبلَه، وعَدَمٌ بَعدَه، ومِلكُ العَبدِ له مُتعةٌ مُعارةٌ في زَمَنٍ يَسيرٍ، وأيضًا فإنَّه ليسَ الذي أوجَدَه عن عَدَمِه، حتَّى يَكونَ مِلكَه حَقيقةً، ولا هو الذي يَحفَظُه مِنَ الآفاتِ بَعدَ وُجودِه، ولا يُبقي عليه وُجودَه، فليسَ له فيه تَأثيرٌ ولا مِلكٌ حَقيقيٌّ، وأيضًا فإنَّه مُتَصَرِّفٌ فيه بالأمرِ تَصَرُّفَ العَبدِ المَأمورِ المَنهيِّ لا تَصَرُّفَ المُلَّاكِ؛ ولهذا لا يُباحُ له مِنَ التَّصَرُّفاتِ فيه إلَّا ما وافقَ أمرَ مالكِه الحَقيقيِّ.
الثَّاني: أنَّ مَصيرَ العَبدِ ومَرجِعَه إلى اللهِ مَولاه الحَقِّ، ولا بُدَّ أن يُخلِّفَ الدُّنيا وراءَ ظَهرِه، ويجيءَ رَبَّه فرَدًا كما خَلقَه أوَّلَ مَرَّةٍ بلا أهلٍ ولا مالٍ ولا عَشيرةٍ، ولكِنْ بالحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ، فإذا كانت هذه بدايةَ العَبدِ وما خُوِّلَه ونِهايتَه، فكيف يفرَحُ بمَوجودٍ أو يأسى على مَفقودٍ، ففِكرُه في مَبدَئِه ومَعادِه مِن أعظَمِ عِلاجِ هذا الدَّاءِ) [213] ((زاد المعاد)) (4/ 173، 174). .

انظر أيضا: