موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: النَّظرُ إلى القَدرِ وملاحظتُه وتركُ قولِ (لو)


يُسَنُّ أن يَقولَ إذا نَزَل به شَيءٌ مِمَّا يَكرَهُ: قَدَرُ اللَّهِ وما شاءَ فَعَل. وأن يدع قول لو فهي هنا مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن [220] ينظر: ((تيسير العزيز الحميد)) لسليمان بن عبد لله (ص: 579).
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكتاب والسُّنَّةِ:
أ- مِن الكِتابِ
قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ [الحديد: 22 - 23] فالعبدُ مأمورٌ بالصَّبرِ عندَ المصائبِ نظرًا إلى القَدَرِ [221] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (8/420)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (8/77). .
وفي قَولِه تعالى: لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ الطُّمَأنينةُ والرَّاحةُ النَّفْسيَّةُ بما يَجري على العَبدِ مِن أقدارِ اللهِ تعالى، فلا يَقْلَقُ بفَواتِ محبوبٍ، أو حُصولِ مَكروهٍ؛ لأنَّ ذلك بقَدَرِ اللهِ الَّذي له مُلْكُ السَّمَواتِ والأرضِ، وهو كائِنٌ لا محالةَ [222] يُنظر: ((شرح ثلاثة الأصول)) لابن عثيمين (ص: 115). .
ب- من السُّنَّةِ
عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (((المؤمِنُ القَوِيُّ خيرٌ وأحَبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ، احرِصْ على ما ينفَعُك، واستَعِنْ باللهِ ولا تَعجِزَنَّ، وإن أصابك شيءٌ فلا تقُلْ: لو أنِّي فعَلْتُ لكان كذا وكذا، ولكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وما شاء فَعَلَ؛ فإنَّ لَوْ تفتَحُ عَمَلَ الشَّيطانِ)) [223] أخرجه مسلم (2664). .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (أمَرَه بالحِرصِ على ما يَنفعُه، وهو طاعةُ اللهِ ورَسولِه، فليسَ للعِبادِ أنفعُ مِن طاعةِ اللهِ ورَسولِه، وأمَرَه إذا أصابَته مُصيبةٌ مُقدَّرةٌ أن يَنظُرَ إلى القَدَرِ ولا يَتَحَسَّرَ بتَقديرٍ لا يُفيدُ، ويَقول: قدَرُ اللَّهِ وما شاءَ فَعَل، ولا يَقول: لو أنِّي فعَلتُ لكان كَذا، فيُقدِّرُ ما لم يَقَعْ يَتَمَنَّى أن لو كان وَقَع؛ فإنَّ ذلك إنَّما يورِثُ حَسرةً وحُزنًا لا يُفيدُ، والتَّسليمُ للقَدَرِ هو الذي يَنفعُه، كَما قال بَعضُهم: الأمرُ أمرانِ: أمرٌ فيه حيلةٌ فلا تَعجِزْ عنه، وأمرٌ لا حيلةَ فيه فلا تَجزَعْ مِنه. وما زال أئِمَّةُ الهدى مِنَ الشُّيوخِ وغَيرهم يوصونَ الإنسانَ بأن يَفعَلَ المَأمورُ ويَترُكَ المَحظورَ ويَصبرَ على المَقدورِ) [224] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (8/ 320). وقال أيضًا: (أمَرَه بالحِرصِ على ما يَنفعُه والاستِعانةِ باللهِ، ونَهاه عنِ العَجزِ الذي هو الاتِّكالُ على القَدَرِ، ثُمَّ أمَرَه إذا أصابَه شَيءٌ أن لا يَيأسَ على ما فاتَه، بَل يَنظُرُ إلى القَدَرِ ويُسَلِّمُ الأمرَ للهِ؛ فإنَّه هنا لا يَقدِرُ على غَيرِ ذلك، كَما قال بَعضُ العُقَلاءِ: الأُمورُ أمرانِ: أمرٌ فيه حيلةٌ، وأمرٌ لا حيلةَ فيه؛ فما فيه حيلةٌ لا يَعجِزُ عنه، وما لا حيلةَ فيه لا يَجزَعُ مِنهـ). ((مجموع الفتاوى)) (8/ 285). .
وقال ابن القيم: (فهذا إرشاد له قبل رجوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أزمة الأمور بيده ومصدرها منه ومردها إليه فإن فاته ما لم يقدر له فله حالتان حالة عجز وهي مفتاح عمل الشيطان فيلقيه العجز إلى "لو" ولا فائدة في "لو" ههنا بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن وذلك كله من عمل الشيطان فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح وأمره بالحالة الثانية وهي النظر إلى القدر وملاحظته وأنه لو قدر له لم يفته ولم يغلبه عليه أحد فلم يبق له ههنا أنفع من شهود القدر ومشيئة الرب النافذة التي توجب وجود المقدور وإذا انتفت امتنع وجودهـ) [225] ((شفاء العليل)) (ص: 19).   .

انظر أيضا: