موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: دعاءُ الكَربِ ودَعوةُ ذي النُّونِ:


 يُستَحَبُّ أن يَقولَ عندَ نزولِ المصائِبِ دعاءَ الكَرْبِ، ودَعوةَ ذي النُّونِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَقولُ عِندَ الكَربِ [214] (قال الطَّبَريُّ: كان السَّلَفُ يَدعونَ بهذا الدُّعاءِ، قال أبو أيُّوبَ: كَتَبَ إليه أبو قِلابةَ بدُعاءِ الكَربِ، وأمرَه أن يُعَلِّمَه ابنَه. فإن قال قائِلٌ: فإنَّ دُعاءَ الكَربِ إنَّما هو تَهليلٌ وتَعظيمٌ للَّهِ، فما مَعنى قَولِ ابنِ عبَّاسٍ: «كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدعو بدُعاءِ الكَربِ»، وتَسميةُ السَّلفِ له بذلك؟ قيل: يَحتَمِلُ مَعنَيَينِ: أحَدُهما: أن يُقدَّمَ هذا التَّهليلُ قَبلَ الدُّعاءِ، ثُمَّ يَدعو بَعدَه بما أرادَ، على ما رَوى حَمَّادُ بنُ سَلَمةَ، عن يوسُفَ بنِ عَبدِ اللَّهِ بنِ الحارِثِ، عن أبي العاليةِ، عن ابنِ عبَّاسٍ: «أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا حَزَبه أمرٌ قال: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ الحَليمُ الكَريمُ، لا إلهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ، لا إلهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَواتِ السَّبعِ ورَبُّ العَرشِ الكَريمِ، ثُمَّ يَدعو». ويُبَيِّنُ هذا المَعنى ما رَوى الأعمَشُ عنِ النَّخعيِّ، قال: "كان يُقالُ: إذا بَدَأ الرَّجُلُ بالثَّناءِ قَبلَ الدُّعاءِ استُجيبَ، وإذا بَدَأ بالدُّعاءِ قَبلَ الثَّناءِ كان على الرَّجاءِ". والمَعنى الثَّاني: ما رُويَ عن حُسَينٍ المَروَزيُّ، قال: سَألتُ ابنَ عُيَينةَ: ما كان أكثَرَ قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَرَفةَ؟ فقال: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، سُبحانَ اللَّهِ، والحَمدُ للَّهِ، واللهُ أكبَرُ، وللَّهِ الحَمدُ، ثُمَّ قال لي سُفيانُ: إنَّما هو ذِكرٌ وليسَ فيه دُعاءٌ... ثُمَّ قال سُفيانُ: أما عَلِمتَ قَولَ أُميَّةَ بنِ أبي الصَّلتِ حينَ أتى ابنَ جُدعانَ يَطلُبُ نائِلَه وفَضلَه؟ قُلتُ: لا. قال: قال أُمَيَّةُ: أأطلُبُ حاجَتي أم قد كَفاني  ... حَياؤُك  إنَّ شيمَتَك الحَياءُ إذا أثنى عليك المَرءُ يَومًا      ...    كَفاه مِن تَعَرُّضِك الثَّناءُ قال سُفيانُ: هذا مَخلوقٌ حينَ نُسِبَ إلى أن يُكتَفى بالثَّناءِ عليه دونَ مَسألتِه، فكَيف بالخالقِ؟!). يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (10/ 108، 109). : لا إلهَ إلَّا اللَّهُ العَظيمُ الحَليمُ، لا إلهَ إلَّا اللَّه رَبُّ العَرشِ العَظيمِ، لا إلهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَواتِ ورَبُّ الأرضِ ورَبُّ العَرشِ الكَريمِ)) [215] أخرجه البخاري (6346)، ومسلم (2730). .
وفي رِوايةٍ: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا حَزَبَه أمرٌ [216] حَزَبه أمرٌ: نابَه وألمَّ به أمرٌ شَديدٌ، أو نَزَل به مُهمٌّ، أو أصابَه غَمٌّ. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (2/ 266)، ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 377)، ((شرح مسلم)) للنووي (17/ 48). قال: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ الحَليمُ العَظيمُ، لا إلهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرشِ الكَريمِ، لا إلهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ، لا إلهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَواتِ ورَبُّ الأرضِ ورَبُّ العَرشِ الكَريمِ، ثُمَّ يَدعو)) [217] أخرجها أحمد (2411)، وأبو عوانة في ((المستخرج)) (11854) واللفظ لهما، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10413). صَحَّح إسنادَها أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (4/132)، وشعيب الأرناؤوط على شرط مسلم في تخريج ((مسند أحمد)) (2411). وأصلُها في ((صحيح مسلم)) (2730) بلفظِ: عن ابنِ عبَّاسٍ ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا حَزَبه أمرٌ قال، فذَكَرَ بمِثلِ حَديثِ مُعاذٍ، عن أبيه [أي حَديث: أنَّ نَبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَقولُ عِندَ الكَربِ: ((لا إلهَ إلَّا اللَّهُ العَظيمُ الحَليمُ، لا إلهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ، لا إلهَ إلَّا اللَّهُ رَبّ ُالسَّمَواتِ ورَبُّ الأرضِ ورَبُّ العَرشِ الكَريمِ) وزادَ مَعَهنَّ: ((لا إلهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرشِ الكَريمِ)). .
2- عن أسماءَ بنتِ عُمَيسٍ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ألَا أُعَلِّمُكِ كَلماتٍ تقولينَهنَّ عِندَ الكَربِ -أو في الكَرب-؟ اللهُ اللَّهُ رَبِّي لا أُشرِكُ به شَيئًا)) [218] أخرجه أبو داود (1525) واللَّفظُ له، وابن ماجه (3882)، وأحمد (27127). حَسَّنه ابنُ حَجَرٍ كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (4/10)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (2623)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (27127). .
3- عن سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((دَعوةُ ذي النُّونِ إذ دَعا وهو في بَطنِ الحوتِ؛ لا إِلَهَ إلَّا أنتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ، فإنَّه لم يَدعُ بها رَجُلٌ مُسلمٌ في شَيءٍ قَطُّ إلَّا استَجابَ اللهُ لهـ)) [219] أخرجها الترمذي (3505) واللفظ له، وأحمد (1462). صَحَّحها لغيرها الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1/325)، وحسَّنها ابن حجر كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (4/11)، وصَحَّح إسنادَها الحاكم في ((المستدرك)) (1886)، وحسَّنها شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (1462). وذهب إلى تصحيحِها الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3505). .

انظر أيضا: