تمهيدٌ:
الغَضَبُ -كأيِّ انفِعالٍ آخَرَ- تُثيرُه مُثيراتٌ داخِليَّةٌ تَمتَلئُ بها الحَياةُ النَّفسيَّةُ، أو مُثيراتٌ خارِجيَّةٌ تَمتَلئُ بها الحَياةُ الاجتِماعيَّةُ، وهو في أصلِه كانفِعالاتِ الخَوفِ والحُزنِ والفرَحِ والقَلَقِ وغَيرِها ذو وظيفةٍ حَيَويَّةٍ للكائِنِ الحَيِّ؛ فإنَّ هذه الانفِعالاتِ لم تُركَّبْ في النَّفسِ الإنسانيَّةِ عَبَثًا، وقد تَنَبَّهَ عُلماؤُنا المُسلمونَ إلى هذا الدَّورِ الإيجابيِّ للانفِعالاتِ، حتَّى المُؤلمةِ مِنها، مِثلُ الخَوفِ والغَضَبِ
[352] قال الغَزاليُّ: (أمَّا الأسبابُ الخارِجةُ التي يَتَعَرَّضُ لها الإنسانُ فكالسَّيفِ والسِّنانِ وسائِرِ المُهلِكاتِ التي يُقصَدُ بها، فافتَقَرَ إلى قوَّةٍ وحَميَّةٍ تَثورُ مِن باطِنِه فتَدفَعُ المُهلِكاتِ عنه، فخَلق اللهُ طَبيعةَ الغَضَبِ مِنَ النَّارِ وغَرَزها في الإنسانِ وعَجَنَها بطينَتِه، فمَهما صدَّ عن غَرَضٍ مِن أغراضِه ومَقصودٍ مِن مَقاصِدِه اشتَعَلت نارُ الغَضَبِ وثارَت ثَورانًا يَغلي به دَمُ القَلبِ، ويَنتَشِرُ في العُروقِ ويَرتَفِعُ إلى أعالي البَدَنِ كَما تَرتَفِعُ النَّارُ، وكَما يَرتَفِعُ الماءُ الذي يَغلي في القِدرِ؛ فلذلك يَنصَبُّ إلى الوَجهِ، فيَحمَرُّ الوَجهُ والعَينُ. والبَشَرةُ لصَفائِها تَحكي لونَ ما وراءَها مِن حُمرةِ الدَّمِ كَما تَحكي الزُّجاجةُ لونَ ما فيها... وبالجُملةِ فقوَّةُ الغَضَبِ مَحَلُّها القَلبُ ومَعناها غَليانُ دَمِ القَلبِ بطَلَبِ الانتِقامِ، وإنَّما تَتَوجَّهُ هذه القوَّةُ عِندَ ثَورانِها إلى دَفعِ المُؤذياتِ قَبلَ وُقوعِها، وإلى التَّشَفِّي والانتِقامِ بَعدَ وُقوعِها). ((إحياء علوم الدين)) (3/ 167). ، وفرَّقوا بَينَ نَوعَينِ مِنَ الغَضَبِ، ونَوعَينِ مِنَ الخَوفِ، ونَوعَينِ مِنَ الفرَحِ والحُزنِ، وهَكَذا، فأحَدُهما يَكونُ مَحمودًا، والآخَرُ مَذمومًا، وقدِ استَفادوا ذلك كُلَّه مِن تَعاليمِ الإسلامِ ونُصوصِ الكِتابِ والسُّنَّةِ
[353] ((التأصيل الإسلامي للدراسات النفسية)) لمحمد عز الدين توفيق (ص: 378، 379). .
والغَضَبُ المَحمودُ لا يَتَرَتَّبُ عليه ما يُلامُ عليه صاحِبُه؛ قال الغَزاليُّ: (المَحمودُ غَضَبٌ يَنتَظِرُ إشارةَ العَقلِ والدِّينِ، فيَنبَعِثُ حَيثُ تَجِبُ الحَميَّةُ، ويَنطَفِئُ حَيثُ يَحسُنُ الحِلمُ، وحِفظُه على حَدِّ الاعتِدالِ هو الاستِقامةُ التي كَلَّف اللَّهُ بها عِبادَه، وهو الوَسَطُ)
[354] ((إحياء علوم الدين)) (3/ 168). .
وأمَّا الغَضَبُ المَذمومُ -وهو الذي سَنَذكُرُ آدابَه- فهو الذي يَكونُ انفِعالًا سَلبيًّا، أي: عِندَما يَتَغَلَّبُ حتَّى يَخرُجَ عن سياسةِ العَقلِ والدِّينِ، ولا يَبقى للمَرءِ مَعَه بَصيرةٌ ولا نَظَرٌ ولا اختيارٌ، وهو الغَضَبُ الذي يورِثُ أخلاقَ الحِقدِ والحَسَدِ والمَكرِ والسُّخطِ والانتِقامِ، ويُفقِدُ صاحِبَه تَوازُنَه
[355] يُنظر: ((التأصيل الإسلامي للدراسات النفسية)) لمحمد عز الدين توفيق (ص: 380). .
وقال أبو الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه: (أقرَبُ ما يكونُ العَبدُ مِن غَضَبِ اللهِ إذا غَضِبَ)
[356] ((البيان والتبيين)) للجاحظ (2/136). ونسبه الزمخشري في ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) (2/219) إلى عليِّ بنِ الحُسَين. ونسبه الماوَرديُّ في ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 257) إلى بعضِ السَّلَفِ. .
وقال عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ: (قد أفلحَ مَن عُصِم مِن الهَوى والغَضَبِ والطَّمَعِ)
[357] رواه عبد الرزاق (20103). .
وقال الأصمَعيُّ: سَمِعتُ أعرابيًّا يقولُ: (الغَضَبُ عَدوُّ العَقلِ؛ ولذلك يحولُ بَينَ صاحِبِه وبَينَ السَّمعِ والفَهمِ)
[358] ((الحدائق)) لابن الجوزي (3/122). .
وقال أبو حامِدٍ الغَزاليُّ: (الغَضَبُ شُعلةُ نارٍ اقتُبِسَت مِن نارِ اللهِ الموقَدةِ، الَّتي تَطَّلعُ على الأفئِدةِ، وإنَّها لمُستَكِنَّةٌ في طَيِّ الفُؤادِ استِكنانَ الجَمرِ تَحتَ الرَّمادِ، ويَستَخرجُه الكِبرُ الدَّفينُ في قَلبِ كُلِّ جَبَّارٍ عنيدٍ كاستِخراجِ الحَجَرِ النَّارَ مِن الحَديدِ)
[359] ((إحياء علوم الدين)) (3/164). .
وقال عَنترةُ العَبسيُّ:
لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تعلو به الرُّتَبُ
ولا ينالُ العُلا مَن طَبعُه الغَضَبُ
[360] ((الديوان)) (ص: 11). و(قال جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: الغَضَبُ مِفتاحُ كُلِّ شَرٍّ.
وقيل لابنِ المُبارَكِ: اجمَعْ لنا حُسنَ الخُلُقِ في كَلمةٍ، قال: تَركُ الغَضَبِ.
وكَذا فسَّر الإمامُ أحمَدُ، وإسحاقُ بنُ راهَوَيهِ حُسنَ الخُلُقِ بتَركِ الغَضَبِ)
[361] ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 363). .
وبتَركِ هذا النَّوعِ مِن الغَضبِ والبُعدِ عن أسبابِه جاءتْ وصيَّةُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
فعن حُمَيدِ بنِ عَبدِ الرَّحمَنِ، عن رَجُلٍ مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((قال رَجُلٌ: يا رَسولَ اللهِ، أوصِني؟ قال: لا تَغضَبْ، قال: قال الرَّجُلُ: ففكَّرتُ حينَ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما قال، فإذا الغَضَبُ يَجمَعُ الشَّرَّ كُلَّهـ)) [362] أخرجه أحمد (23171) واللَّفظُ له، وعبد الرزاق (20286)، والبيهقي (20304). صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح الترغيب)) (2746)، وصَحَّحَ إسناده شُعَيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (23171). .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه
((أنَّ رَجُلًا قال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوصِني، قال: لا تَغضَبْ، فرَدَّدَ مِرارًا، قال: لا تَغضَبْ)) [363] رواه البخاري (6116). .
فجَمعَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قَولِه: «لا تَغضَبْ» جوامعَ خَيرِ الدُّنيا والآخِرةِ؛ لأنَّ الغَضَبَ يؤولُ إلى التَّقاطُعِ والتَّدابُرِ ومَنعِ الرِّفقِ، ورُبَّما آل إلى أن يُؤذيَ المَغضوبَ عليه، فينتَقِصُ ذلك مِن الدِّينِ
[364] يُنظر: ((المعين على تفهم الأربعين)) لابن الملقن (ص: 222)، ((فتح الباري)) لابن حجر (10/520). وقال ابنُ حَجَرٍ: (وقال بعضُ العُلَماءِ: خَلَق اللهُ الغَضَبَ من النَّارِ وجَعَله غريزةً في الإنسانِ، فمهما قُصِد أو نوزعَ في غَرَضٍ ما اشتعلت نارُ الغَضَبِ وثارت حتَّى يحمَرَّ الوَجهُ والعينانِ مِنَ الدَّمِ؛ لأنَّ البَشَرةَ تحكي لونَ ما وراءها، وهذا إذا غَضِب على مَن دونَه واستَشْعر القُدرةَ عليه، وإن كان ممَّن فوقَه تولَّد منه انقباضُ الدَّمِ من ظاهِرِ الجِلدِ إلى جَوفِ القَلبِ، فيصفَرُّ اللَّونُ حُزنًا، وإن كان على النَّظيرِ تردَّد الدَّمُ بينَ انقباضٍ وانبساطٍ، فيحمَرُّ ويصفَرُّ، ويترتَّبُ على الغَضَبِ تغيُّرُ الظَّاهِرِ والباطِنِ، كتغيُّرِ اللَّونِ، والرِّعدةِ في الأطرافِ، وخروجِ الأفعالِ عن غيرِ ترتيبٍ، واستحالةِ الخِلقةِ، حتى لو رأى الغضبانُ نفسَه في حالِ غَضَبِه لكان غضَبُه حياءً مِن قبحِ صورتِه واستحالةِ خِلقتِه، هذا كُلُّه في الظَّاهِرِ، وأمَّا الباطِنُ فقُبحُه أشَدُّ من الظَّاهِرِ؛ لأنَّه يُولِّدُ الحِقدَ في القَلبِ، والحَسَدَ وإضمارَ السُّوءِ على اختلافِ أنواعِه، بل أولى شيءٍ يَقبُحُ منه باطِنُه، وتغيُّرُ ظاهِرِه ثمرةُ تغيُّرِ باطنِه، وهذا كلُّه أثَرُه في الجسَدِ، وأمَّا أثرُه في اللِّسانِ فانطلاقُه بالشَّتمِ والفُحشِ الذي يستحي منه العاقِلُ، ويندَمُ قائِلُه عندَ سُكونِ الغَضَبِ، ويظهَرُ أثَرُ الغَضَبِ أيضًا في الفِعلِ بالضَّربِ أو القَتلِ، وإن فات ذلك بهَربِ المغضوبِ عليه رجَع إلى نفسِه، فيمزِّقُ ثوبَ نَفسِه، ويَلطِمُ خَدَّه، وربَّما سقَط صريعًا، وربَّما أُغميَ عليه، وربَّما كسَّر الآنيةَ وضَرَب من ليس له في ذلك جريمةٌ! ومَن تأمَّل هذه المفاسِدَ عَرَف مقدارَ ما اشتمَلَت عليه هذه الكَلِمةُ اللَّطيفةُ مِن قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا تغضَبْ" مِن الحكمةِ واستجلابِ المصلحةِ في دَرءِ المفسَدةِ، ممَّا يتعذَّرُ إحصاؤه والوقوفُ على نهايتِه، وهذا كلُّه في الغضَبِ الدُّنيويِّ لا الغَضَبِ الدِّينيِّ). ((فتح الباري)) (10/ 520، 521). ويُنظر: ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 168). .
قال ابنُ رَجَبٍ: (فهذا الرَّجُلُ طَلبَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يوصيَه وصيَّةً وجيزةً جامِعةً لخِصالِ الخَيرِ؛ ليحفظَها عنه خَشيةَ ألَّا يحفَظَها لكثرَتِها، فوصَّاه النَّبيُّ ألَّا يغضَبَ، ثُمَّ رَدَّدَ هذه المَسألةَ عليه مِرارًا، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُرَدِّدُ عليه هذا الجَوابَ، فهذا يدُلُّ على أنَّ الغَضَبَ جِماعُ الشَّرِّ، وأنَّ التَّحَرُّزَ مِنه جِماعُ الخَيرِ)
[365] ((جامع العلوم والحكم)) (1/361). .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما،
((أنَّه سَأل رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ماذا يباعِدُني مِن غَضَبِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ؟ قال: لا تَغضَبْ)) [366] أخرجه أحمد (6635) واللفظ له، وابن وهب في ((الجامع)) (404)، والبخاري في ((التاريخ الكبير)) (5/267). صَحَّحه لغَيرِه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (6635)، وصَحَّحَ إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (10/124)، وحَسَّنه العِراقيُّ في ((تخريج الإحياء)) (3/204). وذَهَبَ إلى تَصحيحه الألبانيُّ في ((صحيح الترغيب)) (2747). .
وفي رِوايةٍ عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما، قال:
((قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما يَمنَعُني مِن غَضَبِ اللهِ؟ قال: لا تَغضَبْ)) [367] أخرجها ابن حبان (6635). حَسَّنها الألبانيُّ في ((صحيح الترغيب)) (2747)، وحَسَّن إسنادَها شُعَيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (6635). وذَهَبَ إلى تَصحيحِها ابنُ حبان. .
قال أبو الوَليدِ الباجيُّ: («لا تَغضَبْ» مَعنى ذلك -واللَّهُ أعلمُ- أنَّ الغَضَبَ يُفسِدُ كَثيرًا مِنَ الدِّينِ؛ لأنَّه يُؤَدِّي إلى أن يُؤذيَ ويُؤذى، وأن يَأتيَ في وقتِ غَضَبِه مِنَ القَولِ والفِعلِ ما يَأثَمُ به ويُؤثمُ غَيرَه، ويُؤَدِّي الغَضبُ إلى البِغضةِ التي قُلنا: إنَّها الحالقةُ، والغَضَبُ أيضًا يَمنَعُه كَثيرًا مِن مَنافِعِ دُنياه.
ومَعنى قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا تَغضَبْ» يُريدُ -واللَّهُ أعلمُ- لا تُمضِ ما يَبعَثُك عليه غَضَبُك، وامتَنِعْ مِنه وكُفَّ عنه، وأمَّا نَفسُ الغَضَبِ فلا يَملكُ الإنسانُ دَفعَه، وإنَّما يَدفعُ ما يَدعوه إليه، وقد رُويَ عنِ الأحنَفِ بنِ قَيسٍ أنَّه قال: لستُ بحَليمٍ، ولكِنِّي أتَحالمُ.
وإنَّما أرادَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم امتِناعَه مِنَ الغَضَبِ في مَعاني دُنياه ومُعامَلتِه، وأمَّا فيما يُعادُ إلى القيامِ بالحَقِّ فالغَضَبُ فيه قد يَكونُ واجِبًا، وهو الغَضَبُ على الكُفَّارِ والمُبالغةُ فيهم بالجِهادِ، وكذلك الغَضَبُ على أهلِ الباطِلِ، وإنكارُه عليهم بما يَجوزُ.
وقد يَكونُ مَندوبًا إليه، وهو الغَضَبُ على المُخطِئِ إذا عَلِمتَ أنَّ في إبداءِ غَضَبِك عليه رَدعًا له وباعِثًا على الحَقِّ.
وقد رَوى زَيدُ بنُ خالدٍ الجُهَنيُّ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا سَأله رَجُلٌ عن ضالَّةِ الإبِلِ غَضِبَ حتَّى احمَرَّت وجَنَتاه أوِ احمَرَّ وَجهُه، وقال: «ما لك ولها؟»
[368] أخرجه البخاري (91)، ومسلم (1722) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ زَيدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ البُخاريِّ: عن زيدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَأله رَجُلٌ عنِ اللُّقَطةِ، فقال: اعرِفْ وِكاءَها -أو قال: وِعاءَها- وعِفاصَها، ثُمَّ عَرِّفْها سَنةً، ثُمَّ استَمتِعْ بها، فإن جاءَ رَبُّها فأدِّها إليه، قال: فضالَّةُ الإبِلِ؟ فغَضِبَ حتَّى احمَرَّت وجنَتاه -أو قال: احمَرَّ وجهُه- فقال: وما لكَ ولها؟! مَعَها سِقاؤُها وحِذاؤُها، تَرِدُ الماءَ وتَرعى الشَّجَرَ، فذَرها حتَّى يَلقاها رَبُّها، قال: فضالَّةُ الغَنَمِ؟ قال: لكَ، أو لأخيكَ، أو للذِّئبِ)). وغَضِبَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا شَكا إليه رَجُلٌ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ أنَّه يُطَوِّلُ بهم في الصَّلاةِ
[369] لفظُه: عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ ((أنَّ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ رَضِيَ الله عنه كان يُصَلِّي مع النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلَّمَ، ثُمَّ يَأتي قَومَه فيُصَلِّي بهِمُ الصَّلاةَ، فقَرَأ بهمُ البَقَرةَ، قال: فتَجَوَّزَ رَجُلٌ فصَلَّى صَلاةً خَفيفةً، فبلَغَ ذلك مُعاذًا، فقال: إنَّه مُنافِقٌ، فبلَغَ ذلك الرَّجُلَ، فأتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّا قَومٌ نَعمَلُ بأيدينا، ونَسقي بنَواضِحِنا، وإنَّ مُعاذًا صلَّى بنا البارِحةَ، فقَرَأ البَقَرةَ، فَتَجَوَّزتُ، فَزَعَم أنِّي مُنَافِقٌ! فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا مُعاذُ، أفَتَّانٌ أنت؟! -ثَلاثًا- اقرَأْ: والشَّمسِ وضُحَاهَا، وسَبِّحِ اسمَ رَبِّكَ الأعلَى، ونَحوَهَا)). أخرجه البخاري (6106) واللفظ له، ومسلم (465). [370] ((المنتقى شرح الموطأ)) (7/ 214). .
وفيما يلي أهمُّ الآدابِ التي يَنْبغي للمسلمِ أنْ يُراعيَها عندَ الغضبِ: