موسوعة الآداب الشرعية

رابعًا: شَغلُ الجوارحِ بالأعمالِ


يَنبَغي إذا غَضِبَ أن يَشغَلَ جَوارِحَه كُلَّها بأعمالٍ؛ كَأن يَقومَ فيَتَوضَّأَ أو يَغتَسِلَ، وأن يَقعُدَ إن كان قائِمًا، فإن ذَهَب غَضَبُه، وإلَّا اضطَجَعَ [406] قال الماوَرديُّ: (يَنتَقِلُ عنِ الحالةِ التي هو فيها إلى حالةٍ غَيرِها، فيَزولُ عنه الغَضَبُ بتَغَيُّرِ الأحوالِ، والتَّنَقُّلِ مِن حالٍ إلى حالٍ. وكان هذا مَذهَبَ المَأمونِ إذا غَضِبَ أو شَتَمَ. وكانتِ الفُرسُ تَقولُ: إذا غَضِبَ القائِمُ فليَجلِسْ، وإذا غَضِبَ الجالِسُ فليَقُمْ). ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 259). وقال الخَطَّابيُّ: (القائِمُ مُتَهَيِّئٌ للحَرَكةِ والبَطشِ، والقاعِدُ دونَه في هذا المَعنى، والمُضطَجِعُ مَمنوعٌ مِنهما؛ فيُشبِهُ أن يَكونَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما أمَرَه بالقُعودِ والاضطِجاعِ؛ لئَلَّا تَبدُرَ مِنه في حالِ قيامِه وقُعودِه بادِرةٌ يَندَمُ عليها فيما بَعدُ، واللَّهُ أعلمُ). ((معالم السنن)) (4/ 108). .
يُروى أنَّ مُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه خطَبَ يومًا، فقال له رَجُلٌ: كذَبتَ! فنَزَل مُغضَبًا فدَخَل مَنزِلَه، ثُمَّ خَرَجَ عليهم تَقطُرُ لحيتُه ماءً، فصَعِدَ المِنبَرَ، فقال: (أيُّها النَّاسُ، إنَّ الغَضَبَ مِن الشَّيطانِ، وإنَّ الشَّيطانَ مِن النَّارِ، فإذا غَضِبَ أحَدُكم فليُطفِئْه بالماءِ، ثُمَّ أخَذَ في المَوضِعِ الذي بَلغَه مِن خُطبَتِهـ) [407] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (1/405). .
وقال ابنُ مُفلحٍ: (ويُستَحَبُّ لمَن غَضَبَ أن يُغَيِّرَ حالَه؛ فإن كان جالسًا قامَ واضطجَع، وإن كان قائِمًا مَشى) [408] ((الآداب الشرعية)) (2/261). .
وقد قيل في الحِكمةِ مِن ذلك: إنَّ القائِمَ مُتَهَيِّئٌ للانتِقامِ، والجالسُ دونَه في ذلك، والمُضطجِعُ أبعَدُ عنه؛ لذا كان تَغييرُ الحالِ للتَّباعُدِ عن حالةِ الانتِقامِ؛ ولهذا المعنى قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الفِتَنِ: ((إنَّ القاعِدَ فيها خَيرٌ مِن القائِمِ، والقائِمُ خَيرٌ مِن الماشي، والماشي خَيرٌ مِن السَّاعي)) [409] ((جامع العلوم والحكم)) (1/365). والحديثُ المذكورُ أخرجه البخاري (3601)، ومسلم (2886) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .

انظر أيضا: