موسوعة التفسير

سورةُ التَّوبةِ
الآيتان (73-74)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ

غريب الكلمات:

وَاغْلُظْ: أي: اشْدُدْ، وأصلُ (غلظ): يدلُّ على ضِدِّ الرِّقَّةِ [1279] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/111)، ((المفردات)) للراغب (ص: 612)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 142)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 153). .
ومَأْوَاهُمُ: أي: ومصيرُهم، ومثواهم ومقامُهم، ومسكنُهم ومكثُهم، أو مرجعُهم الذي يَعُودون إليه، والمَأْوى: مَكَانُ كلِّ شَيْءٍ ومرجعُه الَّذي يعودُ إليه ليلًا أو نهارًا؛ يُقال: أَوَى إلى كذا، أي: انضمَّ إليه، وأصْلُه: التَّجمُّع [1280]  يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/111)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/151)، ((المفردات)) للراغب (ص: 103)، ((تفسير القرطبي)) (8/312). .
نَقَمُوا: أي: كَرِهوا وأنكَروا، وأصلُ (نقم): يدلُّ على إنكارِ شَيءٍ وعَيبِه [1281] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/574)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 139، 463)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/464)، ((المفردات)) للراغب (ص: 822)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 84، 446)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 152، 227)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 322، 916). .

المعنى الإجمالي:

يأمُرُ اللهُ نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يجاهِدَ الكفَّارَ والمُنافِقينَ، وأن يَشدُدَ عليهم بالقَولِ والفِعلِ، ومصيرُهم في الآخرةِ نارُ جهنَّم، وبِئس المكانُ الذي صاروا إليه.
ويخبِرُ تعالى أنَّ المُنافِقينَ يَحلِفونَ باللهِ كَذِبًا على أنَّهم لم يتفوَّهوا بكلمةِ الكُفرِ، ولم يَقولوها، ولقد قالوها، وكَفَروا بعد إسلامِهم، وهمُّوا بما لم يستطيعوا الوصولَ إليه، وما عابُوا وما أنكَروا إلَّا أنْ أغناهم اللهُ ورسولُه مِن فَضلِه، فإن يتوبوا من نفاقِهم وكُفرِهم، يكُن ذلك خيرًا لهم، وإن يُعرِضوا عن الإيمانِ والتَّوبةِ يُعذِّبْهم اللهُ عذابًا مُوجِعًا في الدُّنيا والآخرةِ، وما لهم من وليٍّ يُحصِّلُ لهم الخيرَ، ولا نصيرٍ يدفَعُ عنهم الشرَّ.

تفسير الآيتين:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ثبَتَت مُوالاةُ المُؤمِنينَ ومُقاطَعتُهم للمُنافِقينَ والكافرينَ، وكان ما مضى من التَّرغيبِ والتَّرهيبِ كافيًا في الإنابةِ، وكان مَن لم يرجِعْ بذلك عظيمَ الطُّغيانِ، غَريقًا في الكُفرانِ- أتبَعَ ذلك الأمرَ بجِهادِهم بما يليقُ بعِنادِهم [1282] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/546). .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ.
أي: يا أيُّها النبيُّ جاهدِ الكُفَّارَ المُحاربينَ، بالسِّلاحِ، وجاهِدْ غيرَ المحاربينَ مِنهم بالحُجَّةِ، وجاهِدِ المنافقينَ بالسِّلاحِ إنْ أظهَروا نفاقَهم، وبالحُجَّةِ لِرَدِّ شُبُهاتِهم، وبإقامةِ الحُدودِ على من يقَعُ فيها منهم [1283] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/566، 568)، ((معاني القرآن)) للزجاج (2/461)، ((البسيط)) للواحدي (10/552)، ((تفسير ابن عطية)) (3/59)، ((تفسير الرازي)) (16/103)، ((تفسير القرطبي)) (8/204)، ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (ص: 347، 348)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (3/5)، ((تفسير ابن كثير)) (4/178)، ((تفسير القاسمي)) (5/455)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/474)، ((تفسير السعدي)) (ص: 344)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/266)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/212). قال القرطبي: (الخطابُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتدخُلُ فيه أمَّتُه مِن بَعدِه). ((تفسير القرطبي)) (8/204). وقال محمد رشيد رضا: (اتَّفَق علماءُ الملَّةِ على أنَّ المُنافقين يُعامَلونَ بأحكامِ الشَّريعةِ كالمُسلمين الصَّادقين، فلا يُقاتَلون إلَّا إذا أظهروا الكُفرَ البَواحَ بالرِّدَّةِ، أو بَغَوا على جماعةِ المُسلِمين بالقوَّةِ، أو امتنَعَ بعضُ طوائِفِهم من إقامةِ شَعائِرِ الإسلامِ وأركانِه). ((تفسير المنار)) (10/473، 474). وقال الرازي: (الجهادُ عبارةٌ عن بذلِ الجُهد، وليس في اللَّفظِ ما يدلُّ على أنَّ ذلك الجهادَ بالسَّيف أو باللِّسانِ أو بطريقٍ آخَرَ، فنقول: إنَّ الآيةَ تدُلُّ على وجوبِ الجهادِ مع الفريقينِ، فأمَّا كيفيَّةُ تلك المجاهدةِ فلفظُ الآيةِ لا يدلُّ عليها، بل إنما يُعرَفُ من دليلٍ آخَرَ، وإذا ثبت هذا فنقولُ: دلَّت الدَّلائلُ المنفصلةُ على أنَّ المجاهدةَ مع الكفَّارِ يجب أن تكونَ بالسَّيفِ، ومع المنافقينَ بإظهارِ الحجَّةِ تارةً، وبِتَركِ الرِّفقِ ثانيًا، وبالانتهارِ ثالثًا). ((تفسير الرازي)) (16/103). .
كما قال تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة: 193] .
وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ [الأنفال: 65] .
وقال عز وجل: فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان: 52] .
وقال تبارك وتعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [الأحزاب: 60-61] .
وعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ما مِن نبيٍّ بعَثَه اللهُ في أمَّةٍ قبلي إلَّا كان له مِن أمَّتِه حواريُّونَ [1284] الحواريُّونَ: الخواصُّ الأصفِياءُ. وَقيل: هم النَّاصِرونَ. يُنظر: ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (1/320). وأصحابٌ، يأخُذونَ بسُنَّتِه، ويَقتَدونَ بأمْرِه، ثمَّ إنَّها تَخلُفُ مِن بعدِهم خُلوفٌ [1285] الخُلُوفُ: الخالِفونَ بعد السَّالِفينَ. يُنظر: ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (1/320). قال النوويُّ: (أمَّا الخُلوفُ فبضمِّ الخاءِ، وهو جمعُ «خلْف» باسكانِ اللام، وهوالخالفُ بشرٍّ، وأمَّا بفتحِ اللام فهو الخالفُ بخيرٍ، هذا هو الأشهرُ) ((شرح النووي على مسلم)) (2/28). ، يقولونَ ما لا يَفعلونَ، ويَفعلونَ ما لا يُؤمَرونَ، فمن جاهَدَهم بِيَدِه فهو مؤمِنٌ، ومن جاهَدَهم بلسانِه فهو مؤمِنٌ، ومن جاهَدَهم بقَلبِه فهو مُؤمِنٌ، وليس وراءَ ذلك من الإيمانِ حَبَّةُ خَردلٍ )) [1286] رواه مسلم (50). .
وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ.
أي: واشدُدْ- يا محمَّدُ- بالقَولِ والفِعلِ على الكفَّارِ والمُنافِقينَ [1287] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/568)، ((البسيط)) للواحدي (10/553)، ((تفسير ابن عطية)) (3/60)، ((تفسير القاسمي)) (5/456). قال محمد رشيد رضا: (الغِلظةُ في اللغة: الخُشونةُ والشدَّةُ، ومعاملةُ العدُوِّ المحارِب بهما، مِن وَضعِ الشَّيءِ في موضِعِه، ومعامَلتُه باللِّينِ والرَّحمةِ وضعٌ لهما في غيرِ مَوضِعِهما). ((تفسير المنار)) (10/474). .
كما قال تعالى: فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ [محمد:4] .
وعن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ يهوديًّا رضَّ [1288] الرَّضُّ: الكَسرُ والدَّقُّ. يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (4/195). رأسَ جاريةٍ بين حَجَرين،ِ فقيل لها: مَن فعلَ بك هذا؟ أفلانٌ أو فلانٌ، حتى سُمِّيَ اليهوديُّ، فأُتيَ به النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلم يزَلْ به حتى أقَرَّ به، فرَضَّ رأسَه بالحِجارةِ)) [1289] رواه البخاري (6876) واللفظ له، ومسلم (1672). .
وعن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قَدِمَ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نفَرٌ مِن عُكْلٍ، فأسلَموا، فاجتَوَوُا المدينةَ [1290] اجتَوَوا المَدينةَ: كَرِهوا المُقامَ بها؛ لِضَجَرٍ ونَوعٍ مِن سَقَمٍ. وأصلُه مِن الجَوى، وهو داءٌ يُصيبُ الجَوفَ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (2/131). ، فأمَرَهم أن يأتوا إبِلَ الصَّدَقةِ، فيَشرَبوا مِن أبوالِها وألبانِها، ففَعَلوا فصَحُّوا، فارتَدُّوا وقَتَلوا رُعاتَها، واسْتاقُوا الإبِلَ، فبعَثَ في آثارِهم، فأُتيَ بهم، فقطَعَ أيديَهم وأرجُلَهم، وسَمَلَ أعيُنَهم [1291] سَمَلَ أَعيُنَهم: أي: فقَأَها وأذهَبَ ما فيها. يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (23/285). ، ثمَّ لم يَحسِمْهم [1292] ولم يَحسِمْهم: أي: ولم يَكْوِهم. والحسم: كيُّ العِرقِ بالنَّارِ؛ لينقَطِعَ الدَّمُ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (11/156). حتى ماتوا )) [1293] رواه البخاري (6802) واللفظ له، ومسلم (1671). .
وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
مناسبتُها لما قبلَها:
 لَمَّا ذكر اللهُ تعالى عذابَهم في الدُّنيا بالجهادِ والغِلظةِ؛ ذكَرَ عذابَهم في الآخرةِ، فقال [1294] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (5/327)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/475). :
وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
أي: ومَقَرُّ الكفَّارِ والمُنافِقينَ في الآخرةِ نارُ جهنَّمَ لا يَخرُجونَ منها، وبِئسَ المكانُ الذي صاروا إليه [1295] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/568)، ((تفسير الألوسي)) (5/327)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/475)، ((تفسير السعدي)) (ص: 344). .
كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء: 140] .
وقال عزَّ وجلَّ: إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان: 66] .
يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (74).
مُناسبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ هذه الآيةَ بيانٌ للسَّبَبِ المقتَضي لجهادِ المُنافِقينَ كالكُفَّار، وهو أنَّهم أظهَروا الكُفرَ بالقَولِ، وهمُّوا بشَرِّ ما يُغري به مِن الفِعلِ، وهو الفَتكُ برَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [1296] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/476). .
وأيضًا لَمَّا كان معظَمُ ما أُخِذَ على المُنافِقينَ هو كَلِماتٍ دالَّةً على الطَّعنِ في الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونحو ذلك من دلائِلِ الكُفرِ، وكانوا إذا نُقِلَ ذلك عنهم تنصَّلوا منه بالأيمانِ الكاذبةِ- عُقِّبَت آيةُ الأمرِ بجِهادِهم بالتَّنبيهِ على أنَّ ما يتنَصَّلونَ به تَنصُّلٌ كاذِبٌ، وأنْ لا ثِقةَ بحَلِفِهم، وعلى إثباتِ أنَّهم قالوا ما هو صريحٌ في كُفرِهم [1297] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/268). .
يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ.
أي: يحلِفُ المنافِقونَ بالله كَذِبًا على أنَّهم لم يتفوَّهوا بكَلِمةِ الكُفرِ، كسَبِّ النبيِّ، والطَّعنِ في الدِّينِ، ولقَدْ نطَقوا بكلمةِ الكُفرِ التي يُنكِرونَ قَولَها [1298] يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (2/512)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/279)، ((تفسير الشوكاني)) (2/436)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/476)، ((تفسير السعدي)) (ص: 344)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/268). .
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ظِلِّ حُجرةٍ مِن حُجَرِه وعنده نفَرٌ من المسلمين، قد كاد يَقلِصُ عنهم الظِّلُّ، فقال: إنَّه سيأتيكم إنسانٌ ينظُرُ إليكم بِعَينَي شَيطانٍ، فإذا أتاكم فلا تكَلِّموه، فجاء رجلٌ أزرَقُ، فدعاه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكلَّمَه، قال: علامَ تَشتِمني أنت وفلانٌ وفلانٌ- نفَرٌ دعاهم بأسمائِهم- قال: فذهَبَ الرَّجُلُ فدعاهم فحَلَفوا بالله واعتَذَروا إليه، قال: فأنزَلَ اللهُ عزَّ وجَلَّ: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ [المجادلة: 18] )) [1299]أخرجه أحمد (2407) واللفظ له، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (12/7) (12307)، والحاكم (3795)صححه الحاكم وقال: على شرط مسلم، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1/545)، وصحح إسناده ابن تيمية في ((الصارم المسلول)) (2/48)، والبوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (6/284)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (5/95) .
وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ.
أي: وأظهَرَ المُنافِقونَ كُفرَهم بما قالوه من الكُفرِ، بعد أن كانوا يُظهِرونَ الإسلامَ [1300] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (2/370)، ((تفسير القرطبي)) (8/207)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/272، 273)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/269). قال ابن تيمية: (هذا الإسلامُ قد يكونُ مِن جِنسِ إسلامِ الأعرابِ، فيكونُ قَولُه: بَعْدَ إِيْمَانِكُمْ وبَعْدَ إِسْلَامِهِمْ سواءً، وقد يكونون ما زالوا مُنافِقينَ، فلم يكنْ لهم حالٌ كان معهم فيها من الإيمانِ شَيءٌ؛ لِكَونِهم أظهَروا الكُفرَ والرِّدَّةَ؛ ولهذا دعاهم إلى التوبةِ، فقال: فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا...). ((مجموع الفتاوى)) (7/272-273). وقيل: والمرادُ بإسنادِ الإسلامِ إليهم: إظهارُ الإسلام، لا وقوعُ حَقيقَتِه، فهم لم يُسلموا إسلامًا صادِقًا. وقد أنبأ عَن ذلك إضافةُ الْإِسلامِ إلى ضميرِهم دونَ تعريفِ الإسلامِ باللَّامِ المفيدةِ للحقيقةِ، أي بعدَ إِسلامٍ هو مِن شأنِكم، وهذا تعريضٌ بأنَّه الإسلام الصُّوريُّ غيرُ الحقِّ ونظيرُه قولُه تعالى: قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 66] وهذا مِن لطائفِ القرآن. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/252). .
وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ.
أي: وهمَّ المُنافِقونَ أن يفعلوا من الشَّرِّ والفَتْكِ برَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين رجَعَ مِن غزوةِ تَبوكَ، ما لم يستطيعوا الوصولَ إليه؛ إذ عصَمَه اللهُ تعالى منهم [1301] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (2/370، 371)، ((تفسير الرازي)) (16/104)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/273)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (3/477، 478)، ((تفسير ابن كثير)) (4/182)، ((تفسير الألوسي)) (5/328)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/477)، ((تفسير السعدي)) (ص: 344)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/270). قال ابن تيمية: (وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وهو يدلُّ على أنَّهم سَعَوا في ذلك فلم يَصِلوا إلى مَقصودِهم؛ فإنَّه لم يقُل: هَمُّوا بما لم يفعَلوا، لكِنْ بِمَا لَمْ يَنَالُوا فصدَرَ منهم قولٌ وفِعلٌ). ((مجموع الفتاوى)) (7/273). .
وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ.
أي: والحالُ أنَّ المُنافِقينَ ما عابُوا وما أنكَرُوا إلَّا ما هو جديرٌ حقًّا بالمَدحِ والشُّكرِ والثَّناءِ، وهو إغناءُ اللهِ لهم مِن فَضلِه بسبَبِ رَسولِه، وبركةِ رسالَتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بعد أن كانوا فُقَراءَ [1302] يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (2/462)، ((تفسير البغوي)) (2/371)، ((تفسير ابن عطية)) (3/60)، ((تفسير ابن كثير)) (4/183)، ((تفسير السعدي)) (ص: 344). قال ابن عاشور: (إنَّما أغناهم اللهُ ورسولُه بما جلَبَه حلولُ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بينهم من أسبابِ الرِّزقِ، بكثرةِ عَمَلِ المهاجرينَ، وبوَفرةِ الغنائِمِ في الغَزَواتِ، وبالأمنِ الذي أدخَلَه الإسلامُ فيهم؛ إذ جعل المؤمنينَ إخوةً، فانتفَتِ الضَّغائِنُ بينهم والثَّاراتُ، وقد كان الأوسُ والخزرجُ قبل الإسلامِ أعداءً، وكانت بينهم حروبٌ تفانوا فيها قُبَيلَ الهجرةِ، وهي حُروبُ بُعاثٍ. والفَضلُ: الزِّيادةُ في البَذلِ والسَّخاء). ((تفسير ابن عاشور)) (10/270). !
عن عبدِ اللهِ بنِ زَيدِ بنِ عاصمٍ رَضِيَ الله عنه، قال: ((لَمَّا أفاء اللهُ على رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ حُنَينٍ، قسَمَ في النَّاسِ؛ في المؤلَّفةِ قُلوبُهم، ولم يُعطِ الأنصارَ شَيئًا، فكأنَّهم وجَدوا إذ لم يُصِبْهم ما أصابَ النَّاس، فخَطَبَهم فقال: يا معشَرَ الأنصارِ، ألَمْ أجِدْكم ضُلَّالًا فهداكم اللهُ بي، وكُنتُم متفرِّقينَ فألَّفَكم اللهُ بي، وعالةً فأغناكم اللهُ بي؟! )) [1303] رواه البخاري (4330) واللفظ له، ومسلم (1061). .
فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ.
أي: فإن يتُبِ المُنافِقونَ مِن نِفاقِهم وكُفرِهم، يكُنْ رُجوعُهم إلى الحَقِّ خَيرًا لهم في دينِهم ودُنياهم وآخِرتِهم [1304] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/575)، ((تفسير البغوي)) (2/371)، ((تفسير الشوكاني)) (2/437)، ((تفسير القاسمي)) (5/458)، ((تفسير السعدي)) (ص: 345). .
كما قال تعالى: فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [محمد: 21] .
وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
أي: وإن يُعرِضِ المُنافِقونَ عن الإيمانِ والتَّوبةِ، ويستَمِرُّوا على النِّفاقِ؛ يعذِّبْهم اللهُ عذابًا مُؤلِمًا في الدُّنيا- بالهَمِّ والحُزنِ والخِزيِ، وبالقَتلِ إن أظهَروا نِفاقَهم- ويُعَذِّبْهم في الآخرةِ بعذابِ النَّارِ [1305] يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (2/462)، ((البسيط)) للواحدي (10/557)، ((تفسير البغوي)) (2/371)، ((تفسير القرطبي)) (8/208)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/273)، ((تفسير ابن كثير)) (4/183)، ((تفسير الألوسي)) (5/329)، ((تفسير القاسمي)) (5/458)، ((تفسير السعدي)) (ص: 345). .
وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ.
أي: وما للمُنافِقينَ في الأرضِ كُلِّها أيُّ ولِيٍّ يتولَّاهم، ويُحصِّلُ لهم الخيرَ، ولا أيُّ نَصيرٍ ينصُرُهم ويدفَعُ عنهم الشَّرَّ [1306] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/576)، ((تفسير القرطبي)) (8/208)، ((تفسير ابن كثير)) (4/183)، ((تفسير المنار)) محمد رشيد رضا (10/480، 481)، ((تفسير السعدي)) (ص: 345). .

الفوائد التربوية:

1- كلُّ من وُقِفَ منه على فسادٍ في العقائدِ، فحُكمُه أن يُجاهَدَ بالحُجَّةِ، ويُستعمَلَ معه الغِلَظُ ما أمكَنَ؛ نَستفيدُ ذلك مِن قَولِ الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [1307] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/464). [التوبة: 73] .
2- قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ فالحجَّةُ على المنافِقِ جِهادٌ لهم، وعلى هذا، فالاحتجاجُ على المُنافِقينَ والمُلحِدينَ، والرَّادِّينَ للكِتابِ والسنَّةِ، والمُخالفينَ لهما؛ من الجِهادِ [1308] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (10/552). .
3- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ جِهادُ المنافقينَ أصعَبُ مِن جهادِ الكفَّارِ، وهو جهادُ خواصِّ الأمَّةِ، ووَرَثةِ الرُّسُلِ، والقائِمونَ به أفرادٌ في العالَم، والمُشارِكونَ فيه والمُعاونون عليه، وإن كانوا هم الأقلِّينَ عددًا، فهم الأعظَمونَ عند اللهِ قَدْرًا [1309] يُنظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (3/5). .
4- قَولُه تعالى: وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ هذه الغِلْظةُ الإراديَّةُ (أي غيرُ الطَّبيعيَّةِ) تربيةٌ للمُنافِقينَ وعقوبةٌ، يُرجى أن تكونَ سببًا لهدايةِ مَن لم يُطبَعِ الكُفرُ على قَلبِه، وتُحِطْ به خطايا نفاقِه [1310] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/475). .
5- التوبةُ أصلٌ لسَعادةِ الدُّنيا والآخرةِ؛ قال اللهُ تعالى: فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ [1311] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:344). .
6- مَن خذَلَه اللهُ تعالى وآذَنَه بحَربٍ منه، لا يَقدِر أحَدٌ أن يُجيرَه منه؛ يُبيِّنُ ذلك قَولُه تعالى: وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [1313] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/480). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ قرَنَ المُنافقينَ هنا بالكُفَّار؛ تنبيهًا على أنَّ سبَبَ الأمرِ بجِهادِ الكُفَّارِ قد تحقَّقَ في المُنافِقينَ، فجِهادُهم كجِهادِ الكفَّارِ [1314] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/265). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ استدَلَّ به من قال بقَتلِ المُنافِقينَ [1315] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص:143). .
3- قَولُ الله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا أي: ما وقَعَ منهم قَولٌ، فقصَرَ الفِعلَ تَعميمًا للمَفعول؛ِ إعلامًا بأنَّهم مهما عُنِّفُوا على قولٍ كائنًا ما كان، بادَرُوا إلى الحَلِف على نَفيِه كذِبًا؛ لأنَّهم مَرَدوا على النِّفاقِ، فتطَبَّعوا بأعلى الكَذِبِ [1316] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/547). .
4- قَولُ الله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ فيه أنَّ الاستهزاءَ بآياتِ اللهِ كُفرٌ [1317] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص:143). .
5- قَولُ اللهِ تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ هذه الآيةُ تدُلُّ على أنَّ التكفيرَ يقَعُ بما يدُلُّ على الكُفرِ مِن قائِلِه أو فاعِلِه، دَلالةً بيِّنةً، وإنْ لم يكُن أعلَنَ الكُفرَ [1318] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/267). .
6- قَولُه تعالى: وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ فقال: بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ ولم يقُل: (بعد إيمانهم) لأنَّ ذلك لم يتجاوَزْ ألسِنَتَهم [1319] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/60). .
7- قيل للبَجليِّ [1320] هو الحسينُ بنُ الفضلِ بن عميرٍ، أبو عليٍّ البجلي النيسابوري، إمامٌ لغويٌّ، مفسِّر محدِّثٌ، تُوفِّي سنة (282هـ). يُنظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (13/414). : أتجِدُ في كتابِ اللهِ تعالى (اتَّقِ شَرَّ مَن أحسَنْتَ إليه؟) قال نعم: وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ [1321] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (8/208). .
8- قَولُ اللهِ تعالى: وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ عُطِفَ الرَّسولُ على اسمِ الجلالةِ في فِعلِ الإغناءِ؛ لأنَّه السَّببُ الظَّاهِرُ المُباشِرُ [1322] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/270). .
9- قَولُ الله تعالى: فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فيه دليلٌ على قَبولِ تَوبةِ الزِّنديقِ المُسِرِّ للكُفرِ المُظهِر للإيمانِ [1323] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/466)، ((الإكليل)) للسيوطي (ص:143). ، وقَبولِ تَوبةِ مَن كفَرَ بعد إسلامِه [1324] يُنظر: ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (ص: 317)، ويُنظر أيضًا: ((النُّكتُ الدالة على البيان)) للقَصَّاب (1/549). .

بلاغة الآيتين:

1- قولُه تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
قولُه: وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جُمْلةٌ مُسْتأنَفةٌ لبيانِ آجِلِ أَمْرِهم إِثْرَ بيانِ عاجِلِه [1325] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/84). .
وقولُه: وَبِئْسَ الْمَصِيرُ تذييلٌ لِمَا قَبْلَه [1326] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/84). .
2- قوله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ اسْتِئنافٌ لبيانِ ما صَدَرَ عنهم مِنَ الجرائمِ المُوجِبةِ لِمَّا مَرَّ مِنَ الأمرِ بالجِهادِ والغِلْظةِ عليهم، ودُخولِ جَهنَّمَ [1327] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/84). .
وإيثارُ صيغةِ الاسْتِقبالِ يَحْلِفُونَ؛ لاسْتِحضارِ الصُّورةِ، أو للدَّلالةِ على تَكريرِ الحَلِفَ، وإيثارُ صِيغةِ الجَمْعِ في قَالُوا مَعَ أنَّ القائلَ هو بعضُهم؛ للإيذانِ بأنَّ بَقِيَّتَهم برِضاهُم صَارُوا بمَنْزلةِ القائلِ [1328] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/84). .
وأكَّدَ صُدورَ كَلِمةِ الكُفْرِ منهم بصِيغةِ القَسَمِ وَلَقَدْ قَالُوا في مُقابَلةِ تأكيدِهم نَفْيَ صُدورِها؛ ليكونَ تَكذيبُ قولِهم مُساويًا لقولِهم في التَّأكيدِ [1329] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/268). .
قولُه: إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ اسْتِثناءٌ تَهكُّميٌّ، وهو مِنْ تأكيدِ الشَّيءِ بما يُشْبِهُ ضِدَّهُ، ونُكْتَتُه أنَّ المُتكلِّمَ يَظْهَرُ كأنَّه يَبْحَثُ عَنْ شيءٍ يَنْقُضُ حُكْمَه الخَبَريَّ ونَحْوَه، فيَذْكُرُ شيئًا هو مِنْ مؤكِّدات الحُكْمِ؛ للإشارةِ إلى أنَّه اسْتَقصى فلم يَجِدْ ما يَنْقُضُه [1330] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/270). .
قولُه: فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ ... فيه مجِيءُ الفِعْلِ يَكُ في جَوابِ الشَّرطِ دَونَ أنْ يُقالَ: (فإنْ يَتوبوا فهو خَيرٌ لَهُمْ)؛ لتَأكيدِ وقوعِ الخيرِ عِنْدَ التَّوبةِ، والإيماءِ إلى أنَّه لا يَحْصُلُ الخيرُ إلَّا عِنْدَ التَّوبةِ؛ لأنَّ فِعْلَ التَّكوينِ مُؤذِنٌ بذلك [1331] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (10/271). .
وقَولُ اللهِ تعالى: وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ خصَّصَ الأرضَ بالذِّكرِ، مع أنَّهم لا ولِيَّ لهم في الأرضِ ولا في السَّماءِ، ولا في الدُّنيا ولا في الآخرةِ؛ لأنَّهم لَمَّا كانوا لا يعتَقِدونَ الوحدانيَّةَ، ولا يصَدِّقونَ بالآخرةِ، كان اعتقادُهم وجودَ الوَليِّ والنَّصيرِ مقصورًا على الدُّنيا، فعبَّرَ عنها بـ فِي الْأَرْضِ، أو أراد بالأرضِ أرضَ الدُّنيا والآخرةِ [1332] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 236-237). .