موسوعة التفسير

سورةُ المُجادلةِ
الآيات (1-4)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ

غَريبُ الكَلِماتِ:

تُجَادِلُكَ: أي: تُحاجِجُك وتُراجِعُك، والجِدالُ: المُفاوَضةُ على سَبيلِ المُنازَعةِ والمُغالَبةِ، وهو مِن بابِ استِحكامِ الشَّيءِ في استِرسالٍ يكونُ فيه، وامتِدادِ الخصومةِ، ومراجعةِ الكلامِ، وأصلُه مِن: جَدَلْتُ الحَبْلَ، أي: أحكَمْتُ فَتْلَه [7] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/433)، ((المفردات)) للراغب (ص: 189)، ((تفسير القرطبي)) (17/272). .
تَحَاوُرَكُمَا: أي: مُحاوَرتَكما ومُراجَعتَكما القَولَ، وأصلُ (حور) هنا: يدُلُّ على رُجوعٍ [8] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 157)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/115)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 410)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 320). .
وَزُورًا: أي: كَذِبًا ومَيلًا عن طريقِ الحَقِّ، وأصلُ (زور): يدُلُّ على المَيلِ والعُدولِ [9] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/399)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/36)، ((المفردات)) للراغب (ص: 387)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 485). .
يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ: الظِّهارُ: قَولُ الرَّجُلِ لامرأتِه: أنتِ علَيَّ كظَهرِ أمِّي، وهي كَلِمةٌ كانوا يقولونَها يُريدونَ بها الفِراقَ، يُقالُ: ظاهَر الرَّجُلُ مِن امرأتِه ظِهارًا، وتَظَهَّر، وتَظاهَر، إذا قال لها ذلك. وأصلُ (ظهر): يدُلُّ على قوَّةٍ وبُروزٍ [10] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 456)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 538)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/471)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 410). قيل: الظِّهارُ مُشتَقٌّ مِن الظَّهرِ، ويُنظر في سببِ اختِصاصِ الظَّهرِ بذلك: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/471)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/165)، ((المصباح المنير)) للفيومي (2/388). وقيل: ليس مأخوذًا مِن الظَّهرِ الَّذي هو عُضوٌ مِن الجسدِ؛ لأنَّه ليس الظَّهرُ أولى بالذِّكرِ في هذا الموضعِ مِن سائرِ الأعضاءِ الَّتي هي مَواضِعُ المُباضَعةِ والتَّلذُّذِ، بل الظَّهرُ هاهنا مأخوذٌ مِن العُلوِّ، وكلُّ مَن علا شيئًا فقد ظهَره، ومنه سُمِّيَ المركوبُ ظَهرًا؛ لأنَّ راكبَه يعلوه، وكذلك امرأةُ الرَّجُلِ ظَهْرُه؛ لأنَّه يعلوها بمِلكِ البُضْعِ، وإن لم يكُنْ مِن ناحيةِ الظَّهرِ. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/478). .
يَتَمَاسَّا: كنايةٌ عن الجِماعِ، وأصلُ (مسس): يدُلُّ على جَسِّ الشَّيءِ باليَدِ [11] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/461)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 525)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/271)، ((تفسير القرطبي)) (17/283)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 410). .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ الله تعالى: قد سَمِعَ اللهُ قَولَ المرأةِ الَّتي تُحاوِرُك وتُراجِعُك -يا محمَّدُ- في شأنِ زَوجِها الَّذي ظاهَرَ منها قائِلًا لها: أنتِ عَلَيَّ كظَهرِ أُمِّي، وتَشتَكي إلى اللهِ تعالى مِمَّا لَحِقَ بها بظِهارِ زَوجِها منها، واللهُ يَسمَعُ تَخاطُبَكما، إنَّ اللهَ سميعٌ بصيرٌ.
ثمَّ يقولُ تعالى مُبيِّنًا حقيقةَ الظِّهارِ: الَّذين يُحرِّمونَ منكم زَوجاتِهم تحريمَ اللهِ عليهم ظُهورَ أمَّهاتِهم، لا يَصِرْنَ زوجاتُهم أمَّهاتٍ لهم في الحقيقةِ بهذا الظِّهارِ، ما أُمَّهاتُهم في الحقيقةِ إلَّا اللَّاتي ولَدْنَهم، وإنَّ أولئك المُظاهِرينَ لَيَقولونَ قولًا شَنيعًا، وكَذِبًا لا حقيقةَ له، وإنَّ اللهَ لعَفُوٌّ غَفورٌ.
ويُبيِّنُ الله تعالى تفصيلَ الأحكامِ المترتِّبةِ على الظِّهارِ شرعًا، فيقولُ: والَّذين يُحرِّمونَ نِساءَهم على أنفُسِهم بالظِّهارِ، ثمَّ يَعزِمونَ على جِماعِهنَّ ثانيةً؛ فعلى الرَّجُلِ عِتقُ رَقبةٍ مِن قَبلِ أن يَقَع بيْنَهما جِماعٌ، وذلكم مَوعِظةٌ مِن ربِّكم، واللهُ خبيرٌ بجَميعِ ما تَعمَلونَه. فمَن لم يجِدْ رَقَبةً يُحَرِّرُها وَجَبَ عليه صيامُ شَهرَينِ مُتتابِعَينِ مِن قَبلِ أن يَقَعَ بيْنَ الزَّوجينِ جِماعٌ، فمَن لم يَستَطِعْ صِيامَ شَهرَينِ مُتتابِعَينِ وَجَبَ عليه إطعامُ سِتِّينَ مِسكِينًا. فُرِضَ هذا عليكم؛ لِتُؤمِنوا باللهِ وبرَسولِه مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتلك حدودُ الله حدَّها لكم. وللكافِرينَ باللهِ وبرَسولِه عذابٌ مُؤلمٌ مُوجِعٌ.?

تَفسيرُ الآياتِ:

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1).
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا.
سَبَبُ النُّزولِ:
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((الحَمدُ لله الَّذي وَسِعَ سَمعُه الأصواتَ، لقد جاءت خَوْلةُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَشكو زَوجَها، فكان يَخفَى علَيَّ كلامُها، فأنزَل اللهُ عزَّ وجَلَّ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا الآية)) [12] أخرجه البخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغةِ الجزمِ مختصَرًا قبل حديث (7386)، وأخرجه موصولًا النسائيُّ (3460) واللَّفظُ له، وابنُ ماجه (188)، وأحمدُ (24195). صحَّحه ابنُ عساكر في ((معجم الشيوخ)) (1/163)، وابنُ حجر في ((تغليق التعليق)) (5/ 339)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (3460)، وقال ابنُ تيميَّةَ في ((تلبيس الجهمية)) (1/280): (إسناده ثابتٌ). وصحَّح إسنادَه على شرطِ مسلمٍ شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (40/228). .
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا.
أي: قد سَمِعَ اللهُ قَولَ المرأةِ [13] قال ابنُ كثير: (خَولةُ بِنتُ ثَعْلبةَ، ويُقالُ فيها: خَولةُ بنتُ مالكِ بنِ ثَعلبةَ، وقد تُصَغَّرُ فيُقالُ: خُوَيلةُ، ولا مُنافاةَ بيْنَ هذه الأقوالِ، فالأمرُ فيها قريبٌ. واللهُ أعلَمُ). ((تفسير ابن كثير)) (8/36). وقيل في اسمِها غيرُ ذلك، يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/446)، ((تفسير الألوسي)) (14/198). الَّتي تُحاوِرُك وتُراجِعُك -يا محمَّدُ- في شأنِ [14] قال ابنُ عاشور: (وتعَلُّقُ فِعلِ التَّجادُلِ بالكَونِ في زَوجِها على نيَّةِ مُضافٍ معلومٍ مِن المقامِ في مِثلِ هذا، أي: في شأنِ زَوجِها وقَضِيَّتِه، كقَولِه تعالى: يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ [هود: 74] ، وقَولِه: وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا [المؤمنون: 27] ، وهو مِن المسألةِ الملَقَّبةِ في أصولِ الفِقهِ بإضافةِ التَّحليلِ والتَّحريمِ إلى الأعيانِ [وهي دلالةُ الاقتِضاءِ]، في نحوِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة:3]). ((تفسير ابن عاشور)) (28/9). وممَّن اختار أنَّ المعنى: تُجادِلُك في شأنِ زَوْجِها: الرازيُّ، وأبو السعود، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/478)، ((تفسير أبي السعود)) (8/215)، ((تفسير الشوكاني)) (5/217). وقال الواحدي: (تُجادِلُك في قَولِ زَوجِها وكَلامِه). ((البسيط)) (21/326). زَوجِها الَّذي ظاهَرَ منها قائِلًا لها: أنتِ علَيَّ كظَهرِ أُمِّي [15] قال الزَّجَّاجُ: (كانت هذه الكَلِمةُ مِمَّا يُطَلِّقُ بها أهلُ الجاهِليَّةِ). ((معاني القرآن وإعرابه)) (5/133). ، فتُجادِلُك خَوفًا مِن وُقوعِ الطَّلاقِ عليها، وخَشيةً مِن فِراقِ زَوجِها بذلك الظِّهارِ [16] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/446)، ((الوسيط)) للواحدي (4/259)، ((تفسير الخازن)) (4/255)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/334)، ((تفسير الشوكاني)) (5/217). قال ابنُ جرير: (كانت مُجادَلتُها رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في زَوجِها -وزوجُها أوسُ بنُ الصَّامِتِ- مُراجَعَتَها إيَّاه في أمرِه، وما كان مِن قَولِه لها: أنتِ علَيَّ كظَهرِ أُمِّي، ومُحاوَرَتَها إيَّاه في ذلك). ((تفسير ابن جرير)) (22/446). .
وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ.
أي: وتَشتَكي تلك المُجادِلةُ إلى اللهِ تعالى ما لَدَيها مِنَ الهَمِّ والضُّرِّ بظِهارِ زَوجِها منها، وتَسألُه الفَرَجَ [17] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/456)، ((الوسيط)) للواحدي (4/259)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/334)، ((تفسير السعدي)) (ص: 844). قال الواحدي: (هو قولُها: أشكو إلى اللهِ فاقَتي ووَحْدتي، وإنَّ لي صِبيةً صِغارًا، إنْ ضَمَمْتُهم إليه ضاعوا، وإن ضَمَمْتُهم إلَيَّ جاعُوا، وجعَلَتْ تَرفَعُ رأسَها إلى السَّماءِ، وتقولُ: اللَّهمَّ إنِّي أشكو إليك). ((الوسيط)) (4/259). .
وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا.
أي: واللهُ يَسمَعُ تَخاطُبَكما ومُراجَعتَكما الكلامَ فيما بَيْنَكما [18] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/456)، ((الوسيط)) للواحدي (4/259)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/334)، ((تفسير السعدي)) (ص: 844). .
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ.
أي: إنَّ اللهَ له كَمالُ السَّمعِ والبَصَرِ، فأحاط سَمْعُه وبَصَرُه بكُلِّ شَيءٍ، فلا تخفَى عليه خافيةٌ [19] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/456)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/334)، ((تفسير السعدي)) (ص: 844). قال السعدي: (في ضِمنِ ذلك الإشارةُ بأنَّ اللهَ تعالى سيُزيلُ شَكْواها، ويَرفَعُ بَلْواها). ((تفسير السعدي)) (ص: 844). .
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا أتَمَّ اللهُ تعالى الخبَرَ عن إحاطةِ العِلمِ؛ استأنَفَ الإخبارَ عن حُكمِ الأمرِ المجادَلِ بسَبَبِه، فقال ذامًّا للظِّهارِ [20] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/342). :
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ.
أي: الَّذين يُحرِّمونَ منكم زَوجاتِهم على أنفُسِهم بتَشبيهِهنَّ بظُهورِ أُمَّهاتِهم، فيقولونَ لهنَّ: أنتُنَّ علينا كظُهورِ أمَّهاتِنا؛ ما نِساؤُهم اللَّائي يُظاهِرونَ مِنهنَّ بأمَّهاتِهم؛ فيقولوا لهنَّ: أنتُنَّ علينا كظَهرِ أمَّهاتِنا، بل هنَّ لهم حلالٌ [21] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/456، 457)، ((تفسير ابن كثير)) (8/39)، ((تفسير السعدي)) (ص: 844). قال القرطبي: (أجمَع الفُقَهاءُ على أنَّ مَن قال لزَوجتِه: أنتِ علَيَّ كظَهرِ أمِّي، أنَّه مُظاهِرٌ، وأكثَرُهم على أنَّه إن قال لها: أنتِ علَيَّ كظَهرِ ابنتي أو أختي أو غيرِ ذلك مِن ذواتِ المَحارِمِ؛ أنَّه مُظاهِرٌ). ((تفسير القرطبي)) (17/273). وممَّن نقَل الإجماعَ أيضًا على أنَّه إن قال لزَوجتِه: أنتِ علَيَّ كظَهرِ أمِّي، كان مُظاهِرًا: ابنُ المنذِرِ، وابنُ رُشْدٍ، وابنُ قُدامةَ. يُنظر: ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 118)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (2/105)، ((المغني)) لابن قدامة (8/5). وكذلك يكونُ مُظاهِرًا مَن شَبَّه زَوجتَه بمَن تَحرُمُ عليه على التَّأبيدِ مِن أقارِبِه غَيرِ الأمِّ؛ كجَدَّتِه، وعَمَّتِه، وخالتِه، وأُختِه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزَّيْلَعي وحاشية الشِّلْبي)) (3/4)، ((منح الجليل)) لعُلَيْش (4/227)، ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 245)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (5/369). وإذا قال الرَّجُلُ لِزَوجتِه: أنتِ أمِّي، ونوى الظِّهارَ؛ كان مُظاهِرًا، وإن لم يَنوِ به ظِهارًا فليس بظِهارٍ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/638)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/178)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (3/166). قال ابن كثير: (أصلُ الظِّهارِ مُشتَقٌّ مِنَ الظَّهرِ، وذلك أنَّ الجاهِليَّةَ كانوا إذا تظاهَرَ أحدٌ مِن امرأتِه قال لها: أنتِ علَيَّ كظَهرِ أمِّي، ثمَّ في الشَّرعِ كان الظِّهارُ في سائرِ الأعضاءِ قياسًا على الظَّهرِ، وكان الظِّهارُ عندَ الجاهليَّةِ طلاقًا، فأرخَصَ اللهُ لهذه الأمَّةِ وجعل فيه كفَّارةً، ولم يَجعَلْه طلاقًا كما كانوا يعتَمِدونَه في جاهِلِيَّتِهم. هكذا قال غيرُ واحِدٍ مِنَ السَّلَفِ). ((تفسير ابن كثير)) (8/37). إذا شَبَّه زَوجتَه بعُضوٍ مِن أعضاءِ أمِّه غيرِ الظَّهرِ، كان ظِهارًا، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ في الجُملةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ، على تفصيلٍ عندَهم واختلافٍ في بعضِ الأعضاءِ. يُنظر: ((البناية)) للعَيْني (5/535)، ((مواهب الجليل)) للحَطَّاب (5/ 425)، ((روضة الطالبين)) للنووي (8/263)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (5/369). وقوله: مِنْكُمْ قيل: خِطابٌ للمؤمنينَ. يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (5/302). ويُنظر أيضًا: ((تفسير القرطبي)) (17/276). وقيل: الخِطابُ للعربِ خاصَّةً، وكان طلاقُهم في الجاهليَّةِ الظِّهارَ. يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 554). .
كما قال الله تبارك وتعالى: وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ [الأحزاب: 4] .
إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ.
أي: ما أُمَّهاتُهم في الحقيقةِ إلَّا اللَّاتي ولَدْنَهم، لا زَوجاتُهم اللَّاتي ظاهَروا مِنهُنَّ [22] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/457)، ((تفسير القرطبي)) (17/279)، ((تفسير ابن كثير)) (8/39)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/344). .
وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا.
أي: وإنَّ المُظاهِرينَ مِن نِسائِهم لَيَقولونَ بظِهارِهم هذا قولًا شَنيعًا لا يُعرَفُ في الشَّرعِ، وكَذِبًا لا حقيقةَ له، ولا وجودَ له في الواقِعِ [23] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/457)، ((الوسيط)) للواحدي (4/260)، ((تفسير القرطبي)) (17/279)، ((تفسير ابن كثير)) (8/39)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/345). !
وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ.
أي: وإنَّ اللهَ لَبالِغُ العَفوِ عن ذُنوبِ عِبادِه -فيَتجاوَزُ عنها، ولا يُعاقِبُهم بها-، بالِغُ المَغفرةِ لهم فيَمحو عَيْنَها وأثَرَها، ويَسترُها عليهم [24] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/458)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/348)، ((تفسير السعدي)) (ص: 844)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/14). قال ابن كثير: (وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ أي: عمَّا كان منكم في حالِ الجاهليَّةِ، وهكذا أيضًا عمَّا خرج مِن سَبْقِ اللِّسانِ، ولم يَقصِدْ إليه المتكَلِّمُ). ((تفسير ابن كثير)) (8/39). وقال ابن عثيمين: (العفوُ هو التَّجاوُزُ عن عبادِه في تركِ الواجبِ وفِعلِ المحرَّمِ، وعفْوُ الله عزَّ وجلَّ عفْوٌ كاملٌ مقرونٌ بالقُدرةِ؛ لقولِه تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [النساء: 149] ، بخِلافِ عفوِ غيرِه؛ فقد يكونُ للعَجْزِ؛ أي: العجْزِ عن الأخْذِ بالثَّأرِ... الغفورُ: هو السَّاترُ للذُّنوبِ، المُتجاوِزُ عنها، فإذا أُضيفَ العفوُ إلى المغفرةِ حصَل الكمالُ، وهو أنَّ العفْوَ لتَرْكِ الواجبِ، والمغفرةَ لِفِعلِ المحرَّمِ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/349). .
وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا هَجَّن اللهُ سُبحانَه الظِّهارَ، وأثبَتَ تَحريمَه على أبلَغِ وجْهٍ وآكَدِه، وكان ما مَضَت عليه العوائِدُ لا بُدَّ أن يبقَى منه بقايا؛ أتْبَعَ ذلك بيانَ حُكمِ هذه الواقِعةِ، وما لعَلَّه يَقَعُ مِن نظائِرِها [25] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/348). .
وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا.
أي: والَّذين يُحرِّمونَ نِساءَهم على أنفُسِهم بالظِّهارِ، ثمَّ يَعودونَ لِما قالوا [26] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 456، 457)، ((تفسير ابن جرير)) (22/458-460)، ((أحكام القرآن)) لابن العربي (4/192، 193). اختلَف أهلُ العِلمِ في تفسيرِ العَودِ المذكورِ؛ على أقوالٍ: الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ بالعَودِ: العزمُ على الوطءِ. وممَّن ذهب إليه: الحنفيَّةُ، والمالكيَّةُ -(وزادوا في قولٍ آخَرَ لهم مع هذا العزمِ: نِيَّةَ الإمساكِ في العصمةِ)- وهو اختيارُ ابنِ عثيمين. يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/236)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (2/ 446)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (13/251). الثَّاني: أنَّ المرادَ بالعَودِ: الوطءُ نفْسُه. وهو مذهبُ الحنابلةِ، واختاره ابنُ القيِّم. يُنظر: ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (5/374)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/304). الثَّالثُ: أنَّ معناه: أن يُمسِكَها زوجةً بعدَ الظِّهارِ، معَ القُدرةِ على الطَّلاقِ. وهذا مذهبُ الشَّافعيَّةُ. يُنظر: ((تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي)) (8/183)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/356). قال الشوكاني: (وقيل: هو الكفَّارةُ، والمعنى: أنَّه لا يَستبيحُ وطْأَها إلَّا بكفَّارةٍ، وبه قال اللَّيثُ ابنُ سعدٍ، ورُويَ عن أبي حَنيفةَ. وقيل: هو تكريرُ الظِّهارِ بلَفظِه، وبه قال أهلُ الظَّاهرِ، ورُويَ عن بُكَيرِ بنِ الأشَجِّ وأبي العاليةِ والفرَّاءِ، والمعنى: ثمَّ يَعودون إلى قَولِ ما قالوا). ((تفسير الشوكاني)) (5/219). ويُنظر: ((أحكام القرآن)) لابن الفرس (3/527)، ((تفسير القرطبي)) (17/280)، ((تفسير ابن كثير)) (8/39). وقال ابنُ قُتَيْبةَ: (يَتوهَّمُ قَومٌ: أنَّ الظِّهارَ لا يُحسَبُ ولا يقَعُ حتَّى يتكرَّرَ اللَّفظُ به؛ لقولِ الله تعالى: ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا! وقد أجمَع النَّاسُ على أنَّ الظِّهارَ يقعُ بلَفظٍ واحدٍ، فأمَّا تأويلُ قولِه: ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فإنَّ أهلَ الجاهليَّةِ كانوا يُطلِّقون بالظِّهارِ؛ فجعَل اللهُ حُكمَ الظِّهارِ في الإسلامِ خِلافَ حُكمِه عندَهم في الجاهليَّةِ؛ وأنزَل: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ في الجاهليَّةِ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا لما كانوا يَقولونه مِن هذا الكلامِ). ((غريب القرآن)) (ص: 456، 457). وقال ابن العربي: (إذا عَزَم على خِلافِ ما قال، ورآها خِلافَ الأُمِّ كَفَّر، وعاد إلى أهلِه. وتحقيقُ هذا القولِ أنَّ العزمَ قولٌ نفْسيٌّ، وهذا رجُلٌ قال قولًا يَقتضي التَّحليلَ وهو النِّكاحُ، وقال قولًا يَقتضي التَّحريمَ وهو الظِّهارُ، ثمَّ عاد لِما قال، وهو قولُ التَّحليلِ؛ فلا يَصِحُّ أنْ يكونَ منه ابتِداءَ عقدٍ؛ لأنَّ العقدَ باقٍ، فلم يَبْقَ إلَّا أنَّه قَولُ عزمٍ يُخالِفُ ما اعتَقَده، وقاله في نفْسِه مِن الظِّهارِ الَّذي أخبَر عنه بقولِه: أنتِ علَيَّ كظهرِ أُمِّي. وإذا كان ذلك كَفَّر، وعادَ إلى أهلِه؛ لقولِه: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة: 3] ، وهذا تفسيرٌ بالغٌ في فَنِّه). ((أحكام القرآن)) (4/193). وقال الشنقيطي: (الَّذي يَظهَرُ -واللهُ تعالى أعلَمُ- أنَّ العَودَ له مَبدَأٌ ومُنتهى، فمَبدؤُه العزمُ على الوطءِ، ومُنتهاه الوطءُ بالفعلِ، فمَن عزَم على الوطءِ فقد عاد بالنِّيَّةِ؛ فتَلزَمُه الكفَّارةُ لإباحةِ الوطءِ، ومَن وطِئَ بالفعلِ تحَتَّمَ في حقِّه اللُّزومُ، وخالف بالإقدامِ على الوطءِ قبْلَ التَّكفيرِ). ((أضواء البيان)) (6/192). قال ابن الفَرَس: (وقد اختُلِف في هذه الآيةِ: هل هي على نَظْمِها، أم فيها تقديمٌ وتأخيرٌ؟ فالمشهورُ أنَّه لا تقديمَ فيها ولا تأخيرَ، وهو الصَّحيحُ. وذهب بعضُهم إلى أنَّ فيها تقديمًا وتأخيرًا، وذُكِر عن الأخفَشِ). ((أحكام القرآن)) (3/526). وقال الواحدي: (قال الأخفشُ: تقديرُ الآيةِ: والَّذين يُظاهِرون مِن نسائِهم، فتحريرُ رقَبةٍ لِما قالوا، ثمَّ يَعودون إلى نسائِهم، أي: فعليهم تحريرُ رقبةٍ لِما نطَقوا به مِن ذلك التَّحريمِ. والتَّقديمُ والتَّأخيرُ كثيرٌ في التَّنزيلِ). ((الوسيط)) (4/261). ويُنظر: ((معانى القرآن)) للأخفش (2/537). قال ابن الفَرَس: (وهذا قولٌ ضعيفٌ، يَفسُدُ به نظْمُ الآيةِ). ((أحكام القرآن)) (3/526). وقال أيضًا: (واختُلِف في معنى اللَّامِ في قولِه: لِمَا قَالُوا؛ فيحتملُ أن يكونَ بمعنَى: في أيٍّ فيما قالوا. وقيل: المعنى: مِن أجْلِ ما قالوا. وقال الفرَّاءُ: معناه: عن ما قالوا، قال: والمعنى: ثمَّ يَرجِعون عن ما قالوا ويُريدون الوطءَ. وقيل: هي على بابِها، والمعنى: ثمَّ يَعودون لِقَولِهم، والقولُ بمعنى المَقولِ، فالمعنى: ثمَّ يَعودونَ لِوَطْءِ المَقولِ فيها الظِّهارُ). ((أحكام القرآن)) (3/529). ويُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/139). .
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا.
أي: فعليهم عِتقُ رَقبةٍ كامِلةٍ مِن قَبلِ أن يَقَعَ بيْنَ الزَّوجَينِ جِماعٌ [27] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/460)، ((تفسير ابن كثير)) (8/40)، ((تفسير السعدي)) (ص: 844). قال القرطبي: (لا يجوزُ للمُظاهِرِ الوَطءُ قبْلَ التَّكفيرِ، فإنْ جامَعَها قبْلَ التَّكفيرِ أَثِمَ وعَصى، ولا يَسقُطُ عنه التَّكفيرُ). ((تفسير القرطبي)) (17/283). ويُنظر: ((اختلاف الأئمة العلماء)) لابن هُبَيْرة (2/188). وقال ابنُ هُبَيرةَ: (اختَلَفوا في اشتراطِ الإيمانِ في الرَّقَبةِ الَّتي يُكَفِّرُ بها المُظاهِرُ؛ فقال أبو حَنيفةَ وأحمَدُ في إحدى روايتَيه: ليس بشَرطٍ فيه. وقال مالكٌ والشَّافِعيُّ وأحمدُ في الرِّوايةِ الأُخرى عنه: هو شَرطٌ). ((اختلاف الأئمة العلماء)) (2/189). وقال ابن كثير: (قوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أي: فإعتاقُ رقَبةٍ كاملةٍ مِن قبْلِ أن يَتماسَّا، فهاهنا الرَّقبةُ مُطْلَقةٌ غيرُ مُقيَّدةٍ بالإيمانِ، وفي كفَّارةِ القتلِ مُقيَّدةٌ بالإيمانِ؛ فحمَلَ الشَّافعيُّ رحمه الله ما أُطلِق هاهنا على ما قُيِّد هناك لاتِّحاد المُوجبِ، وهو عِتقُ الرَّقبةِ، واعتضَد في ذلك بما رواه عن مالكٍ بسنَدِه، عن مُعاويةَ بنِ الحَكَمِ السُّلَميِّ، في قصَّةِ الجاريةِ السَّوْداءِ، وأنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «أعتِقْها فإنَّها مؤمنةٌ». وقد رواه أحمدُ في مُسنَدِه [23762]، ومسلمٌ في صحيحه [537]). ((تفسير ابن كثير)) (8/40). ويُنظر: ((الأم)) للشافعي (5/298). .
ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ.
أي: وَجَب عليكم ذلك العِتقُ؛ مَوعِظةً لكم؛ لِتَنتَهوا عن الظِّهارِ، وتَنزَجِروا عن الوُقوعِ فيه ثانيةً [28] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/460)، ((تفسير القرطبي)) (17/283)، ((تفسير السعدي)) (ص: 844). .
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
أي: واللهُ بجَميعِ ما تَعمَلونَه مِن هذا التَّكفيرِ وغيرِه ذو خِبرةٍ بالِغةٍ تامَّةٍ، فلا يَخفَى عليه شيءٌ، ويُجازي كلَّ عامِلٍ بعمَلِه [29] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/461)، ((تفسير السعدي)) (ص: 844)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/19). قال البِقاعي: (خَبِيرٌ أي: عالِمٌ بظاهِرِه وباطِنِه، فهو عالِمٌ بما يُكَفِّرُه؛ فافعَلوا ما أمَرَ اللهُ به، وقِفوا عندَ حُدودِه). ((نظم الدرر)) (19/351). .
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4).
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا.
أي: فمَن لم يجِدْ رَقَبةً يُحَرِّرُها -إمَّا لعَدَمِ وُجودِها، أو لعَدَمِ القُدرةِ على دَفعِ ثَمَنِها- وَجَبَ عليه صيامُ شَهرَينِ مُتتابِعَينِ بلا إفطارٍ بَيْنَهما، مِن قَبلِ أن يَقَعَ بيْنَ الزَّوجينِ جِماعٌ [30] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/462-465)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1074)، ((تفسير السعدي)) (ص: 844). .
فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا.
أي: فمَن لم يَستَطِعْ صِيامَ شَهرَينِ مُتتابِعَينِ -لِمَرضٍ، أو لغيرِه مِنَ الأعذارِ- وَجَبَ عليه إطعامُ سِتِّينَ مِسكِينًا [31] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/465)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/353)، ((تفسير الشوكاني)) (5/220)، ((تفسير السعدي)) (ص: 844)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/21). قال السعدي: (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الصِّيامَ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا إمَّا بأنْ يُطعِمَهم مِن قوتِ بلدِه ما يَكْفيهم، كما هو قولُ كثيرٍ مِن المفسِّرينَ، وإمَّا بأن يُطعِمَ كلَّ مسكينٍ مُدَّ بُرٍّ أو نِصفَ صاعٍ مِن غيرِه ممَّا يجزي في الفِطرةِ، كما هو قولُ طائفةٍ أخرَى). ((تفسير السعدي)) (ص: 844). وقال الشوكاني: (الظَّاهرُ مِن الآيةِ أن يُطعِمَهم حتَّى يَشبَعوا مرَّةً واحدةً، أو يَدفَعَ إليهم ما يُشبِعُهم، ولا يَلزَمُه أن يَجمَعَهم مرَّةً واحدةً، بل يجوزُ له أن يُطعِمَ بعضَ السِّتِّينَ في يومٍ، وبعضَهم في يومٍ آخَرَ). ((تفسير الشوكاني)) (5/220). .
ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ.
أي: هذا المفروضُ عليكم في كَفَّارةِ الظِّهارِ قد شَرَعْناه لكم؛ لِتُؤمِنوا باللهِ وبرَسولِه مُحمَّدٍ، فتَعمَلوا بحُكمِ اللهِ، وتَنتَهوا عمَّا حرَّم اللهُ [32] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/465)، ((الوسيط)) للواحدي (4/261)، ((تفسير ابن عطية)) (5/275)، ((تفسير القرطبي)) (17/287)، ((تفسير السعدي)) (ص: 844). .
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ.
أي: وتلك الحدودُ الَّتي حدَّها اللهُ لكم، والفُروضُ الَّتي بيَّنها لكم: هي حُدودُ اللهِ؛ فلا تَتعَدَّوها ولا تَنتَهِكوها [33] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/465)، ((الوسيط)) للواحدي (4/262)، ((تفسير القرطبي)) (17/288)، ((تفسير ابن كثير)) (8/41). .
وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
أي: وللكافِرينَ باللهِ وبرَسولِه، التَّارِكينَ العَمَلَ بأحكامِ شَرعِه، والوُقوفَ عندَ حُدودِه: عذابٌ مُؤلمٌ مُوجِعٌ [34] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/465)، ((تفسير القرطبي)) (17/288)، ((تفسير ابن كثير)) (8/41). .

الفَوائِدُ التَّربويَّةُ:

1- قول الله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ هذه الواقِعةُ تدُلُّ على أنَّ مَن انقَطَع رَجاؤُه عن الخَلقِ، ولم يَبقَ له في مُهِمِّه أحدٌ سِوى الخالقِ، كفاه اللهُ ذلك المُهِمَّ [35] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/478). .
2- عن ثُمامةَ بنِ حَزْنٍ، قال: (بَيْنَما عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يَسيرُ على حِمارِه لَقِيَتْه امرأةٌ، فقالت: قِفْ يا عُمَرُ، فوقف، فأغلَظَت له القَولَ، فقال رجُلٌ: يا أميرَ المؤمِنينَ، ما رأيتُ كاليَومِ! فقال: وما يَمنَعُني أن أستَمِعَ إليها وهي الَّتي استَمَع اللهُ لها؟! أنزَلَ فيها ما نَزَل: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) [36] أخرجه البخاريُّ في ((التاريخ الكبير)) (7/245)، وابنُ مَرْدويه كما في ((الدر المنثور)) للسيوطي (8/70). .
3- في قَولِه تعالى: وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ التَّحذيرُ مِن قَولِ الإنسانِ ما لا يُرضي ربَّه عزَّ وجلَّ، وأنَّه مهما أخفى القولَ فإنَّ اللهَ تعالى يَسمَعُه؛ قال اللهُ تعالى في آيةٍ أخرى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [37] يُنظر: ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (اللقاء رقْم: 231). [الزخرف: 80] .
4- قولُ الله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ فيه بيانُ لُطفِ اللهِ تعالى بعِبادِه، واعتنائِه بهم؛ حيثُ ذكَرَ شَكوى هذه المرأةِ المُصابةِ، وأزالها ورفَعَ عنها البَلوَى، بل رفَع البلوى بحُكمِه العامِّ لكُلِّ مَنِ ابتُلِيَ بمِثلِ هذه القَضيَّةِ [38] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 843). .
5- قولُ الله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ افتُتِحَت آياتُ أحكامِ الظِّهارِ بذِكرِ سَبَبِ نُزولِها؛ تنويهًا بالمرأةِ الَّتي وجَّهَت شَكواها إلى اللهِ تعالى، بأنَّها لم تُقَصِّرْ في طَلَبِ العَدلِ في حَقِّها وحَقِّ بَنيها، ولم تَرضَ بفِعلِ زَوجِها، وابتِدارِه إلى ما يَنثُرُ عِقْدَ عائلتِه، وتعليمًا لنِساءِ الأمَّةِ الإسلاميَّةِ ورِجالِها واجِبَ الذَّودِ عن مَصالِحِها [39] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/7). .
6- قولُه تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ترغيبٌ في التَّوبةِ ودعوةٌ إليها، فمِن صفاتِه تعالى أنْ يَترُكَ عِقابَ مَن شاء، ومِن صفاتِه أنْ يَمحوَ عينَ الذَّنْبِ وأثَرَه حتَّى إنَّه كما لا يعاقبُ عليه لا يُعاتبُ؛ فهل مِن تائبٍ طلبًا للعفوِ عن الزَّللِ، والإصلاحِ لما كان مِن خلَلٍ [40] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/482). ؟
7- قول الله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فيه أنَّ التِزامَ أحكامِ اللهِ والعَمَلَ بها: مِن الإيمانِ، بل هي المقصودةُ، ومِمَّا يَزيدُ به الإيمانُ ويَكمُلُ ويَنمو [41] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 843). .
8- جعَل الله تعالى الصِّيامَ معادِلًا لتحريرِ الرَّقبةِ في ثلاثةِ أحكامٍ مِن كتابِه؛ إذ جعَل على مَن قتَل مؤمنًا خطأً: تحريرَ رقبةٍ مؤمنةٍ، وديةً مسلَّمةً إلى أهلِه فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ [النساء: 92] . وجعَل على الذين يُظاهِرونَ مِن نسائِهم ثمَّ يَعودونَ لما قالوا تحريرَ رقبةٍ مِن قبلِ أنْ يتماسَّا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا. وجعَل كفَّارةَ اليمينِ تحريرَ رقبةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة: 89] ، فانظُرْ لم كتَب الله على مَن ارتكَب شيئًا مِن هذه الخطايا الثلاثَ: أنْ يُحرِّرَ رقبةً مؤمنةً مِن رقِّ الاستعبادِ، فإنْ لم يجِدْها فعليه أنْ يعمَلَ على تحريرِ نفسِه مِن رقِّ مطالبِ الحياةِ، ورقِّ ضروراتِ البدنِ، ورقِّ شهواتِ النَّفسِ، فالصيامُ هو عتقُ النَّفسِ الإنسانيةِ مِن كلِّ رقٍّ [42] يُنظر: ((جمهرة مقالات محمود شاكر)) (2/938). .
9- في قَولِه تعالى: ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أي: أوجَبْنا ذلك لِيتحَقَّقَ لكم الإيمانُ؛ فإنَّه كُلَّما كان الإنسانُ مُمتَثِلًا لأمرِ اللهِ مع المشَقَّةِ ازداد إيمانُه ورَغبتُه فيما عندَ اللهِ [43] يُنظر: ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (اللقاء رقم: 231). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- قَولُه تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا يدُلُّ على أنَّ هذا الكلامَ كان بعدَ وُقوعِ الحادثةِ، وأنَّ اللهَ تكلَّمِ بالقرآنِ حديثًا [44] يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) لابن عثيمين (1/212). ؛ فإنَّ «قد» للتَّحقيقِ، و«سَمِعَ» فعلٌ ماضٍ يَقتضي أنْ يكونَ المسموعُ سابقًا للخَبَرِ عنه، وأنَّ الخَبَرَ عنه لاحِقٌ، ومعلومٌ أنَّ المرأةَ إنَّما شَكَتْ إلى النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في أمرٍ حادثٍ [45] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/48). ؛ فالكلامُ صِفةٌ فعليَّةٌ باعتبارِ آحادِه، لكن باعتبارِ أصْلِه صِفةٌ ذاتيَّةٌ، لأنَّ اللهَ تعالى لم يَزَلْ ولا يَزالُ مُتكلِّمًا، لكنَّه يَتكلَّمُ بما شاء متى شاء [46] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) لابن عثيمين (1/79). .
2- في قَولِه تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا إثباتُ الأفعالِ الاختياريَّةِ للرَّبِّ سُبحانَه، وقيامِها به [47] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/211). .
3- في قَولِه تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ إثباتُ صِفةِ السَّمعِ للرَّبِّ تعالى حقيقةً، وأنَّه بنَفْسِه سَمِعَ [48] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (1/390). ، وأنَّه يَسْمَعُ الأصواتَ مهما بَعُدَتْ ومهما خَفِيَتْ [49] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) لابن عثيمين (1/323). ، والآيةُ الكريمةُ أصرَحُ ما يكونُ في إثباتِ صفةِ السَّمْعِ؛ فقد ذَكَر الماضيَ والمُضارِعَ واسمَ الفاعلِ؛ فقال: «سَمِعَ»، و «يَسْمَعُ»، وهو «سميعٌ»، وله السَّمْعُ [50] يُنظر: ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (1/79). . فنؤمنُ بأنَّ مِن أسماءِ الله تعالى السَّميعَ، وأنَّه دالٌّ على صِفةِ السَّمعِ، وأنَّ لهذا السَّمعِ حُكمًا وأثَرًا وهو أنَّه يَسمَعُ به [51] يُنظر: ((القول المفيد على كتاب التوحيد)) لابن عثيمين (2/187). ، وأنَّ سَمْعَ الله يَنقسِمُ إلى قِسمَينِ: سمْعِ إدراكٍ، كما في هذه الآيةِ -وهو مِن الصِّفاتِ الذَّاتيَّةِ-، وسمعِ استِجابةٍ، وهو مِن الصِّفاتِ الفِعليَّةِ، كما في قولِه تعالى حكايةً عن إبراهيمَ عليه السَّلامُ: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ [إبراهيم: 39] أي: مُجيبُ الدُّعاءِ [52] يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) لابن عثيمين (1/186)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 14). قال ابن عثيمين: (سمْعُ الإدراكِ قد يُرادُ به بيانُ الإحاطةِ والشُّمولِ، وقد يُرادُ به التَّهديدُ، وقد يُرادُ به التَّأييدُ، فهذه ثلاثةُ أنواعٍ: الأوَّلُ: يُرادُ به بيانُ الإحاطةِ والشُّمولِ، مِثلُ هذه الآيةِ [قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ]. الثَّاني: يُرادُ به التَّهديدُ، مِثلُ قولِه تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران: 181]. وانظُرْ كيف قال: سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا حينَ وصَفوا اللهَ تعالى بالنَّقصِ، قبْلَ أن يقولَ: وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ؛ ممَّا يدُلُّ على أنَّ وصْفَ الله بالنَّقصِ أعظَمُ مِن قتلِ الأنبياءِ. الثَّالثُ: سمْعٌ يُرادُ به التَّأييدُ، ومنه قولُه تبارك وتعالى لموسى وهارونَ: لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه: 46] ، فالمرادُ بالسَّمعِ هنا التَّأييدُ، يعني: أسمَعُك وأؤيِّدُك، يعني: أسمَعُ ما تَقولانِ، وما يُقالُ لكما). ((تفسير ابن عثيمين: الحجرات - الحديد)) (ص: 14). .
4- في قَولِه تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ إلى قولِه: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ دَلالةٌ على القاعدةِ المُقَرَّرةِ: أنَّ «العِبرةَ بعُمومِ اللَّفظِ لا بخُصوصِ السَّبَبِ»؛ فالسَّبَبُ خاصٌّ، ولكنَّ الحُكْمَ عامٌّ [53] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 50). .
5- قال الله تعالى: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ والمُتعارَفُ في صِيغةِ الظِّهارِ أنْ تَشتمِلَ على ما يدُلُّ على الزَّوجةِ والظَّهرِ والأُمِّ، ولم يُشِرِ القرآنُ إلى اسمِ الظَّهرِ ولا إلى اسمِ الأُمِّ إلَّا مُراعاةً للصِّيغةِ المُتعارَفةِ بيْن النَّاسِ يومَئذٍ، بحيث لا يَنتقِلُ الحُكْمُ مِن الظِّهارِ إلى صِيغةِ الطَّلاقِ إلَّا إذا تَجرَّدَ عن تلك الكلماتِ الثَّلاثِ تَجرُّدًا واضحًا [54] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/12). .
6- قول الله تعالى: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ استَدَلَّ به مَن قال: لا حُكمَ لظِهارِ الزَّوجةِ مِن زَوجِها؛ لأنَّه تعالى خَصَّ الظِّهارَ بالرَّجُلِ [55] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 256). ، فالمرأةُ إنْ قالتْه لزَوجِها فليس بظِهارٍ، فكما أنَّها لا تُطَلِّقُ نفْسَها؛ فلا تُظاهِرُ مِن زوجِها [56] يُنظر: ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)) لابن عثيمين (13/243). وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ. يُنظر: ((البناية)) للعيني (5/541)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/424)، ((روضة الطالبين)) للنووي (8/265)، ((الإنصاف)) للمرداوي (9/145). .
7- قال اللهُ تعالى: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ استدَلَّ مالِكٌ بقَولِه: مِنْكُمْ أنَّ الكافرَ لا يَدخُلُ في هذا الحُكمِ [57] يُنظر: ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص: 256). وهذا القولُ هو مذهبُ الحنفيَّةِ، والمالكيَّةِ، وروايةٌ عن أحمدَ. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/2)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/424)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (8/32). قال الشنقيطي: (لأنَّ الظِّهارَ منكَرٌ مِن القولِ وَزُورٌ يُكَفِّرُه اللهُ بالعِتقِ، أو الصَّومِ، أو الإطعامِ، ... والكافرُ لا يُكَفِّرُ عنه العِتقُ أو الصَّومُ أو الإطعامُ ما ارْتَكَبه مِن المُنكَرِ والزُّورِ لكفرِه؛ لأنَّ الكفرَ سَيِّئةٌ لا تَنفَعُ معها حسَنةٌ). ((أضواء البيان)) (6/209). ؛ لأنَّ قَولَه تعالى: مِنْكُمْ كنايةٌ عن المُسلِمينَ؛ لأنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى قال في آخِرِ الآيةِ: وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ، والكافِرُ غيرُ جائزِ المغفِرةِ، وقَولُه تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ بِناءٌ على الأوَّلِ [58] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/230). قال الجَصَّاصُ: (وقوله تعالى: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ وذلك خِطابٌ للمؤمنينَ يدُلُّ على أنَّ الظِّهارَ مخصوصٌ به المؤمنونَ دونَ أهلِ الذِّمَّةِ. فإن قيل: فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ولم يَخصُصِ المَذكورينَ في الثَّانيةِ؟ قيل له: المَذكورونَ في الآيةِ الثَّانيةِ هم المذكورونَ في الآيةِ الأولى؛ فوجب أن يكونَ خاصًّا في المُسلمينَ دونَ غيرِهم). ((أحكام القرآن)) (5/302). ويُنظر ما أُجيبَ به عن ذلك في: ((تفسير الرازي)) (29/480). .
8- قولُ الله تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ فيه أنَّه لا يَصِحُّ الظِّهارُ مِن امْرأةٍ قبْلَ أن يَتزَوَّجَها؛ لأنَّها لا تَدخُلُ في نِسائِه وقْتَ الظِّهارِ، كما لا يَصِحُّ طَلاقُها، سواءٌ نَجَز ذلك أو عَلَّقَه [59] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 843). ، فالظِّهارُ خاصٌّ للزَّوجاتِ، دون الأجنبيَّاتِ [60] يُنظر: ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص: 256). وهذا القولُ هو مذهبُ الحنفيَّةِ والشَّافعيَّةِ والظَّاهريَّةِ وروايةٌ عن أحمدَ. يُنظر: ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (3/466)، ((روضة الطالبين)) للنووي (8/261)، ((المحلى)) لابن حزم (9/199)، ((الفروع)) لابن مفلح (9/182). .
9- قول الله تعالى: إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ فيه سُؤالٌ: ظاهِرُ الآيةِ يقتضي أنَّه لا أمَّ إلَّا الوالِدةُ، وهذا مُشكِلٌ؛ لأنَّه قال في آيةٍ أخرى: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء: 23] ، وفي آيةٍ أخرى: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب: 6] ، ولا يمكِنُ أن يُدفَعَ هذا السُّؤالُ بأنَّ المَعنيَّ مِن كَونِ المرضِعةِ أُمًّا، وزَوجةِ الرَّسولِ أُمًّا: حُرمةُ النِّكاحِ، وذلك لأنَّا نقولُ: إنَّ بهذا الطَّريقِ ظَهَر أنَّه لا يلزَمُ مِن عدَمِ الأُمومةِ الحقيقيَّةِ عَدَمُ الحُرمةِ، فإذَنْ لا يلزَمُ مِن عَدَمِ كَونِ الزَّوجةِ أُمًّا عَدَمُ الحُرمةِ، وظاهِرُ الآيةِ يُوهِمُ أنَّه تعالى استدَلَّ بعَدَمِ الأمومةِ على عدَمِ الحُرمةِ، وحينَئذٍ يتوَجَّهُ السُّؤالُ؟
الجوابُ: أنَّه ليس المرادُ مِن ظاهِرِ الآيةِ ما ذُكِرَ في السُّؤالِ، بل تقديرُ الآيةِ كأنَّه قيل: الزَّوجةُ ليست بأمٍّ حتَّى تَحصُلَ الحُرمةُ بسَبَبِ الأُمومةِ، ولم يَرِدِ الشَّرعُ بجَعْلِ هذا اللَّفظِ سَبَبًا لوُقوعِ الحُرمةِ حتَّى تحصُلَ الحُرمةُ، فإذَنْ لا تحصُلُ الحُرمةُ هناك البتَّةَ، فكان وصْفُهم لها بالحُرمةِ كَذِبًا وزُورًا [61] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/482). .
10- في قَولِه تعالى: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ، وكذا في الآيةِ الأخرى: وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ [الأحزاب: 4] سؤالٌ: وهو أنَّ المتظاهِرَ ما قال: إنَّ زوجتَه أُمُّه، لكِنَّه شَبَّهَها بها، وهو لَمْ يَقُلْ: «ما هُنَّ مِثْلَ أُمَّهاتِهم»؛ بل قال: مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ!
والجواب: أنَّ المُتظاهِرَ مقصودُه تحريمُ الوطءِ، وقولُه «أنتِ علَيَّ كظَهرِ أمِّي» معناه: وَطْؤُكِ مِثْلُ وَطْءِ أمِّي، فمقصودُه تشبيهُ الوطءِ بالوطءِ؛ وأنْ يكونَ وَطْؤُها مِثلَ وَطْءِ أُمِّه، وذلك يقتضي أنْ تكونَ حرامًا، ووَطْؤُها لا يكونُ مِثْلَ وَطْءِ أُمِّه إلَّا إذا كانت مِن جِنْسِ أُمِّه، وإلَّا فإذا تباينَتِ الحقائقُ تباينتْ أحكامُها، فكان مُوجَبُ قولِهم أنْ تكونَ الأزواجُ مِن جنسِ الأمَّهاتِ، كما تكونُ أُمُّ الأبِ والأمِّ مِن جنسِ الأمِّ في التَّحريمِ والمَحْرَمِيَّةِ، فبَيَّنَ اللهُ تعالى أنَّ هذا الجِنسَ ما هو هذا الجِنسُ، بل جنسٌ آخَرُ، فقال: مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ، وقال: وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ [الأحزاب: 4] ، كما قال: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ [الأحزاب: 4] ، وهم لَمْ يكونوا يَقولونَ: هو مولودٌ منه، بل جَعلوه مِن جنسِ المولودِ، فجَعلوا حُكْمَه حُكْمَ المولودِ منه الَّذي هو الابنُ، فقال تعالى: هذا ما هو مِن جِنْسِ الابنِ، فلا يكونُ حالُه حالَه [62] يُنظر: ((جامع المسائل)) لابن تيمية (1/393). .
وأمَّا قولُه: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا فالجوابُ عنه أنَّ الكَذِبَ إنَّما لزِمَ لأنَّ قَولَه: (أنتِ علَيَّ كظَهرِ أمِّي) إمَّا أنْ يَجعَلَه إخبارًا أو إنشاءً، وعلى التَّقديرِ الأوَّلِ: أنَّه كَذِبٌ؛ لأنَّ الزَّوجةَ مُحلَّلةٌ والأمَّ مُحرَّمةٌ، وتشبيهُ المحلَّلةِ بالمحَرَّمةِ في وَصفِ الحِلِّ والحُرمةِ كَذِبٌ، وإنْ جعَلْناه إنشاءً [63] أي: إنشاء الزَّوجِ حُكمًا، وهو تحريمُ زوجتِه، بتنزيلِها مَنزِلةَ الأمِّ. كان ذلك أيضًا كَذِبًا؛ لأنَّ كَونَه إنشاءً معناه: أنَّ الشَّرعَ جعَلَه سَببًا في حُصولِ الحُرمةِ، فلمَّا لم يَرِدِ الشَّرعُ بهذا التَّشبيهِ كان جَعْلُه إنشاءً في وُقوعِ هذا الحُكمِ يكونُ كَذِبًا وزُورًا [64] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/481، 482). .
11- قال اللهُ تعالى: مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ، وذِكْرُ الآياتِ لمَن ظاهَرَ بأُمِّه فهذا بِناءً على أنَّه الغالبُ: أنَّ الإنسانَ يُظاهِرُ بأُمِّه، لكنْ لو قال الإنسانُ: «أنتِ علَيَّ كظَهرِ أختي» أو: «كظَهرِ عَمَّتي» فهو كقَولِه: «كظَهرِ أُمِّي»؛ لأنَّه لا فَرْقَ، والضَّابِطُ في هذا: أنْ يُشَبِّهَ زوجتَه بمَن تَحرُمُ عليه تَحريمًا مؤَبَّدًا [65] يُنظر: ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (اللقاء رقْم: 231). ويُعَدُّ مظاهِرًا مَن شبَّه زوجتَه بمَن تحرُمُ عليه تحريمًا مؤبَّدًا، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّةِ، والمالكيَّةِ، والشافعيَّةِ، والحنابلةِ . .
12- في قَولِه تعالى: إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ تأكيدُ ميراثِ وَلَدِ الملاعَنةِ، ووَلَدِ الزِّنا؛ لشُمولِ اسمِ الأُمومةِ لِمَن وُلِدَ بهما، وهو نظيرُ قولِه تعالى: وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ [66] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/247). وولدُ الملاعنةِ وأمُّه يتوارثانِ تَوارُثَ سائرِ الأولادِ والأمَّهاتِ، وذكرَ ابُن قُدامةَ أنَّه لا يعلمُ خِلافًا في أنَّ أمَّ ولدِ المُلاعَنةِ تَرِثُ هذا الولدَ، ويرثُ ذَوو الفروضِ منه فروضَهم. يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/340)، ((روضة الطالبين)) للنووي (6/43). واتَّفق الفقهاءُ على استِحقاقِ ولدِ الزِّنا الإرثَ مِن أمِّه وأقاربِها، وعلى أنَّهم يَرِثونه أيضًا بالفرضِ والتَّعصيبِ، وعصَبَتُه عصَبةُ أمِّه. يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (8/334)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (45/223). [النجم: 32] .
13- في قَولِه تعالى: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا أنَّ الظِّهارَ حرامٌ [67] قال برهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلِحٍ: (وهو محرَّمٌ إجماعًا، حكاه ابنُ المُنذِرِ). ((المبدع)) (7/3). ومِن أهلِ العِلمِ مَن جعَل الظِّهارَ كبيرةً مِن الكبائرِ، قال الهَيْتَميُّ: (الظِّهار كبيرةٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى سمَّاه زُورًا، والزُّورُ كبيرةٌ... ويُوافِقُ ذلك ما نُقِل عن ابنِ عبَّاسٍ مِن أنَّ الظِّهارَ مِن الكبائِرِ). ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (2/85). ويُنظر: ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص: 256). ومنهم مَن لم يَعُدَّه مِن الكبائرِ. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/14). لا يجوزُ الإقدامُ عليه؛ لأنَّه -كما أخْبَر اللهُ عنه- مُنكَرٌ مِن القَولِ وزُورٌ، وكِلاهما حرامٌ، والفرقُ بيْنَ جِهةِ كَونِه مُنكَرًا وجِهةِ كَونِه زُورًا: أنَّ قولَه: «أنتِ علَيَّ كظَهرِ أمِّي» يتضمَّنُ إخبارَه عنها بذلك، وإنشاءَه تحريمَها، فهو يتضمَّنُ إخبارًا وإنشاءً، فهو خَبَرٌ زورٌ، وإنشاءٌ مُنكَرٌ؛ فإنَّ الزُّورَ هو الباطلُ، خِلافُ الحقِّ الثَّابتِ، والمُنكَرُ خِلافُ المعروفِ، وخَتَم سُبحانَه الآيةَ بقَولِه تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ، وفيه إشعارٌ بقيامِ سَبَبِ الإثمِ الَّذي لولا عَفوُ اللهِ ومَغفِرتُه لآخَذَ به [68] يُنظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/296). .
14- قولُ الله تعالى: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا فيه أنَّه يُكرَهُ للرَّجُلِ أن يُناديَ زوجتَه ويُسَمِّيَها باسمِ مَحارِمِه، كقَولِه: (يا أُمِّي) (يا أُختي) ونحوَه؛ لأنَّ ذلك يُشبِهُ المحرَّمَ [69] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 843). .
15- قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: صالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ أوْمَأَ قَولُه تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ إلى أنَّ مُرادَ اللهِ مِن هذا الحُكمِ التَّوسِعةُ على النَّاسِ، فعَلِمْنا أنَّ مَقصَدَ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ أن تدورَ أحكامُ الظِّهارِ على مِحوَرِ التَّخفيفِ والتَّوسِعةِ، فعلى هذا الاعتبارِ يَجِبُ أن يَجريَ الفُقَهاءُ فيما يُفتُونَ؛ ولذلك لا ينبغي أن تلاحَظَ فيه قاعِدةُ الأخذِ بالأحوَطِ، ولا قاعِدةُ سَدِّ الذَّريعةِ، بل يجِبُ أن نسيرَ وَراءَ ما أضاء لنا قَولُه تعالى: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ [70] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/14، 15). .
16- في قَولِه تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ دليلٌ على أنَّ التَّحريمَ لا يكونُ طَلاقًا؛ إذْ لو كان الحرامُ طَلاقًا بوَجهٍ مِن الوُجوهِ ما جاز وَطْءُ المُظاهَرِ منها بعدَ الكَفَّارةِ؛ لأنَّ الطَّلاقَ حَلٌّ لا تَعقِدُه الكَفَّارةُ، والبَيْنونةُ لا تَعودُ وَصْلًا بها، والمُحَرَّمةُ بالظِّهارِ إنْ لم تكُنْ أغلَظَ تحريمًا مِن المُحَرَّمةِ بغيرِ الظِّهارِ فهي مِثلُها [71] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/248). يُنظر للخِلافِ في حُكمِ ما إذا قال لزَوجتِه: أنتِ علَيَّ حرام: ((المغني)) لابن قدامة (7/413)، ((تفسير القرطبي)) (18/180). وقال ابنُ قُدامةَ: (وأكثرُ الفُقهاءِ على أنَّ التَّحريمَ إذا لم يَنوِ به الظِّهارَ، ليس بظِهارٍ، وهو قولُ مالكٍ، وأبي حنيفةَ، والشَّافعيِّ). ((المغني)) (8/8). .
17- في قَولِه تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ إبطالُ ما كانوا عليه في الجاهِليَّةِ وفي صَدرِ الإسلامِ مِن كَونِ الظِّهارِ طَلاقًا، ولو صَرَّح بنِيَّتِه له، فقال: أنتِ علَيَّ كظَهرِ أُمِّي، أعني به الطَّلاقَ؛ لم يكُنْ طَلاقًا، وكان ظِهارًا، وهذا بالاتِّفاقِ، إلَّا ما عَساه مِن خِلافٍ شاذٍّ؛ وهذا لأنَّ الظِّهارَ كان طَلاقًا في الجاهِليَّةِ فنُسِخَ، فلم يَجُزْ أنْ يُعادَ إلى الحُكْمِ المنسوخِ [72] يُنظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/295). .
18- قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فيه أنَّ الكفَّارةَ إنَّما تجِبُ بالعَودِ لِما قال المُظاهِرُ، لا بمُجَرَّدِ الظِّهارِ [73] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 843). ، وفيه ردٌّ على مَن أوجَبَ الكَفَّارةَ بمُجَرَّدِ لَفظِ الظِّهارِ، ولم يَعتَبِرِ العَودَ [74] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 256). .
19- قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا لعَلَّ الحِكمةَ في وُجوبِ الكَفَّارةِ قبْلَ المَسيسِ: أنَّ ذلك أدعَى لإخراجِها؛ فإنَّه إذا اشتاقَ إلى الجِماعِ، وعَلِمَ أنَّه لا يُمكَّنُ مِن ذلك إلَّا بعْدَ الكَفَّارةِ، بادَرَ لإخراجِها [75] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 845). . أو لأنَّ ذلك أبلغُ في النِّكايةِ.
20- قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فيه أنَّه يُجزِئُ في كَفَّارةِ الرَّقَبةِ الصَّغيرُ والكَبيرُ، والذَّكَرُ والأُنثى؛ لإطلاقِ الآيةِ في ذلك [76] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 843). .
21- قَولُه تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا استدَلَّ به مَن قال بإباحةِ الاستِمتاعاتِ بالمُظاهَرِ منها، بِناءً على عَدَمِ دُخولِها في لَفظِ المُماسَّةِ [77] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 256). وهو مذهبُ الشَّافعيَّةِ في الأظهَرِ، وقولٌ للمالكيَّةِ، وروايةٌ عن أحمدَ، واختاره ابنُ عثيمين. يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (8/269)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير)) (2/445)، ((الإنصاف)) للمرداوي (9/148)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (13/249). وذلك خلافًا للجمهورِ مِن الحنفيَّةِ والمالكيَّةِ والحنابلةِ. يُنظر: ((الهداية)) للمَرْغِيناني (4/374)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير)) (2/445)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (5/ 374). قال الشنقيطي: (التَّحقيقُ: عدمُ جوازِ الاستِمتاعِ بوطءٍ أو غيرِه قبْلَ التَّكفيرِ؛ لعمومِ قولِه: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا). ((أضواء البيان)) (6/192). ، وعلى هذا فيَجوزُ له أنْ يُقَبِّلَها ويَضُمَّها، ويَخلُوَ بها، ويُكَرِّرَ نَظَرَه إليها، إلَّا إذا كان لا يأمَنُ على نَفْسِه، فحينَئذٍ تكونُ له فَتوى خاصَّةٌ بالمَنعِ، وإلَّا فالأصلُ الجوازُ؛ وذلك لأنَّ اللهَ تعالى حَرَّمَ التَّمَاسَّ وهو الجِماعُ، فأباح ما سِواه بالمفهومِ، لكنْ لو كان الرَّجُلُ يَعلَمُ مِن نفْسِه -لقُوَّةِ شَهوتِه- أنَّه لو فَعَل هذه المقَدِّماتِ لَجامَعَ، فحينَئذٍ نَمنَعُه، ونَظيرُه الصَّائِمُ يَحرُمُ أنْ يُجامِعَ، ويجوزُ أنْ يُباشِرَ، والحائِضُ يَحرُمُ وَطْؤُها، وتجوزُ مُباشَرتُها، فالمُهِمُّ أنَّه ليس هناك دليلٌ أنَّه متى حُرِّمَ الجِماعُ في عبادةٍ حُرِّمَ دواعيه [78] يُنظر: ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)) لابن عثيمين (13/248). .
22- قولُ الله تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا يدُلُّ على إيجابِ الكَفَّارةِ قبْلَ المُماسَّةِ؛ فإنْ جامَعَ قبْلَ أن يُكَفِّرَ لم يَجِبْ عليه إلَّا كَفَّارةٌ واحِدةٌ، وهو قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ [79] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/485). نقل ابنُ قُدامةَ أنَّه لا اختلافَ أنَّ المُظاهِرَ يَحرُمُ عليه وَطءُ امرأتِه قبْلَ أن يُكَفِّرَ، إذا كانت الكفَّارةُ عِتقًا أو صَومًا. يُنظر: ((المغني)) (8/11). أمَّا إذا كانت الكفَّارةُ إطعامًا فيَحرُمُ على المُظاهِرِ الوَطءُ أيضًا قبْلَ أدائِها باتِّفاقِ المذاهبِ الأربعةِ. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (3/13)، ((مواهب الجليل)) للحَطَّاب (5/439)، ((روضة الطالبين)) للنووي (8/268)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (9/148). وقال ابنُ قُدامةَ: (وذهبَ أبو ثورٍ إلى إباحةِ الجِماعِ قبْلَ التَّكفيرِ بالإطعامِ. وعن أحمدَ ما يَقتضي ذلك؛ لأنَّ اللهَ تعالى لم يَمنَعِ المَسيسَ قبْلَه، كما في العِتقِ والصِّيامِ). ((المغني)) (8/12). ويُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 843). ومَن جامَعَ قبْلَ أن يُكَفِّرَ لم تَلزَمْه إلَّا كفَّارةٌ واحِدةٌ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: يُنظر: ((مختصر القُدُوري)) (ص: 165)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (4/299)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (8/185)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (3/169). .
23- القَيدُ في قَولِه تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا لم يَذْكُرْه سُبحانَه في الإطعامِ؛ لأنَّ فيما تَقَدَّمَ بيانًا له، كما أنَّه لم يَقُلْ في الصِّيامِ: ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ؛ لأنَّ فيما تَقَدَّمَ بيانًا له، ولكِنْ ذَكَرَ التَّمَاسَّ في الصِّيامِ ولم يَكْتَفِ بذِكْرِه في العِتْقِ؛ لأنَّ في الصِّيامِ يصومُ شَهرَينِ مُتتابِعَينِ قبْلَ التَّمَاسِّ، فيَتَأخَّرُ التَّماسُّ هذه المدَّةَ الطَّويلةَ، فلو لم يَذْكُرْه لَظَنَّ الظَّانُّ أنَّه في العِتْقِ وَجَبَ التَّقديمُ؛ لأنَّ الزَّمانَ يَسيرٌ، فيُمكِنُه أنْ يُعتِقَ ثُمَّ يَطَأَ تلك اللَّيلةَ، وأمَّا الصِّيامُ فيَتأَخَّرُ الوَطْءُ شَهرينِ مُتتابِعَينِ، وفي هذا مَشَقَّةٌ عَظيمةٌ، فلا يُفهَمُ هذا مِن مجَرَّدِ تَقييدِه في العِتْقِ؛ فلهذا أُعِيدَ ذلك في الصِّيامِ، وأمَّا الإطعامُ فمعلومٌ أنَّه دونَ الإعتاقِ ودونَ الصِّيامِ، وقد جُعِلَ بَدَلًا عنه، فإذا كانتِ الكَفَّارةُ المتقدِّمةُ الفاضِلةُ يجبُ عليه أنْ يُقَدِّمَها على الوَطْءِ، والمرأةُ مُحَرَّمةٌ قبْلَ التَّكفيرِ، فلَأَنْ تكونَ الكفَّارةُ المؤخَّرةُ المفضولةُ كذلك بطَريقِ الأَولى؛ فإنَّ الظِّهارَ أَوْجَبَ تحريمَها إلى التَّكفيرِ بالكَفَّارةِ المقَدَّمةِ؛ فكيف يُبيحُها قبْلَ التَّكفيرِ إذا كَفَّرَ بالكَفَّارةِ المفضولةِ المؤخَّرةِ؟! هذا مِمَّا يُعْلَمُ مِن تنبيهِ الخِطابِ وفَحواه [80] فَحوى الخِطابِ -ويُسمَّى تنبيهَ الخِطابِ، ومفهومَ الموافَقةِ-: هو إثباتُ حُكمِ المنطوقِ به للمسكوتِ عنه بطريقِ الأولَى، وهو نَوعانِ: تنبيهٌ بالأقلِّ على الأكثرِ؛ كقولِه تعالى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء: 23] ، فإنَّه نبَّه بالنَّهيِ عن قولِ أفٍّ على النَّهيِ عن الشَّتمِ والضَّربِ وغيرِ ذلك. وتنبيهٌ بالأكثرِ على الأقلِّ؛ كقولِه تعالى: مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران: 75] . يُنظر: ((تقريب الوصول إلى علم الأصول)) لابن جُزَي (ص: 163). أنَّ الشَّارعَ لا يَشْرَعُ مِثلَه، فكان إعادةُ ذِكْرِه ممَّا لا يَليقُ ببلاغةِ القرآنِ وفصاحتِه وحُسْنِ بيانِه، بل نَفْسُ تحريمِها قبْلَ صيامِ الشَّهرينِ -وهو الأصلُ المُبْدَلُ منه- يُوْجِبُ تحريمَها قبْلَ البَدَلِ -وهو الإطعامُ- بطَريقِ الأَولى، وتقديمُ الإطعامِ على التَّمَاسِّ أسهَلُ مِن تقديمِ الصِّيامِ، وهو في الإعتاقِ قال: ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ولم يَقُلْ مِثلَ ذلك في الصِّيامِ والإطعامِ، وقد عُلِمَ أنَّهما كذلك، وأنَّهم يُوعَظونَ بالصِّيامِ والإطعامِ كما يُوعَظونَ بالإعتاقِ [81] يُنظر: ((جامع المسائل)) لابن تيمية (1/409). قال البِقاعي: (حُذِفَ قَيدُ المُماسَّةِ لذِكْرِه في الأوَّلَينِ، ولَعلَّ الحِكمةَ في تخصيصِ هذا به أنَّ ذِكرَه في أوَّلِ الخِصالِ لا بُدَّ منه، وإعادتَه في الثَّاني لطُولِ مُدَّتِه؛ فالصَّبرُ فيها عنه فيه مَشقَّةٌ، وهذا يمكِنُ أن يُفعَلَ في لحظةٍ لَطيفةٍ لا مَشَقَّةَ للصَّبرِ فيها عن المُماسَّةِ). ((نظم الدرر)) (19/353). .
24- قولُه تعالى: ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ إشارةٌ إلى الحُكمِ المذكورِ، أي: تُزْجَرون به عن ارتكابِ المنكَرِ المذكورِ؛ فإنَّ الغَراماتِ مَزاجِرُ عن تَعاطِي الجِناياتِ، والمرادُ بذِكرِه بَيانُ أنَّ المقصودَ مِن شَرعِ هذا الحُكمِ ليس تَعويضَكم للثَّوابِ بمُباشرتِكُم لتَحريرِ الرَّقبةِ الَّذي هو عَلَمٌ في استِتباعِ الثَّوابِ العظيمِ، بلْ هو رَدْعُكم وزجْرُكم عن مُباشَرةِ ما يُوجِبُه [82] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/217). .
25- قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا فيه أنَّ الكَفَّارةَ مُرَتَّبةٌ: العِتقُ، ثمَّ صَومُ شَهرَينِ مُتتابِعَينِ، ثمَّ إطعامُ سِتِّينَ مِسكينًا [83] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 256). وممَّن نقل الإجماعَ على أنَّ الكفَّارةَ على التَّرتيبِ: ابنُ رُشْدٍ، والرَّمْليُّ، والصَّنْعانيُّ. يُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (2/111)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/204)، ((سبل السلام)) للصنعاني (3/187). .
26- قولُه تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فيه تشوُّفُ الشَّارعِ إلى تحريرِ الرِّقاب من الرِّقِّ، ويتفرَّعُ على هذه الفائدة الرَّدُّ على من أنكر على المسلمين الاسْتِرْقاقَ، فيُقالُ: إنَّ الاسترقاقَ جاء نتيجةً لأمرٍ ضروريٍّ، ومع ذلك فإنَّ هناك مُشَجِّعَاتٍ كثيرةً على التَّحْريرِ [84] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/74). .
27- قول الله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا يدُلُّ على أنَّ التَّتابُعَ شَرطٌ [85] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/487). نقَل ابنُ قُدامةَ الإجماعَ على وُجوبِ التَّتابُعِ. يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/26). قال ابن عاشور: (ولا يَمَسُّ امرأتَه حتَّى يَتِمَّ الشَّهرانِ مُتتابِعَينِ، فإنْ مسَّها في خلالِ الشَّهرينِ أثِم، ووجَب عليه إعادةُ الشَّهرينِ. وقال الشَّافعيُّ: إذا كان الوطءُ لَيلًا لم يَبطُلِ التَّتابُعُ؛ لأنَّ اللَّيلَ ليس محلًّا للصَّومِ، وهذا هو الجاري على القياسِ، وعلى مقتضى حديثِ سلَمةَ بنِ صخرٍ). ((تفسير ابن عاشور)) (28/21). اتَّفَق الفقهاءُ على أنَّ المُظاهِرَ إذا وطِئَ مَن ظاهَرَ منها في النَّهارِ عامدًا، فإنَّ فِعلَه هذا يَقطَعُ التَّتابُعَ. واختلَفوا فيما إذا وَطِئها في اللَّيلِ عامدًا أو ناسيًا، أو وطِئها في النَّهارِ ناسيًا؛ فذهب أبو حنيفةَ ومحمَّدٌ إلى أنَّ المُظاهِرَ إذا جامَع الَّتي ظاهَر منها باللَّيلِ عامدًا أو بالنَّهارِ ناسيًا، فإنَّ ذلك يَقطَعُ التَّتابُعَ. وقال أبو يوسفَ: إنَّ التَّتابُعَ لا يُقطَعُ بذلك. وذهب المالكيَّةُ والحنابلةُ إلى أنَّ وطْءَ المُظاهَرِ منها يَقطَعُ التَّتابُعَ مطلقًا؛ سواءٌ أكان باللَّيلِ أم بالنَّهارِ، وسواءٌ أكان عالِمًا أو ناسيًا أم جاهلًا أم غالطًا، أو بعُذرٍ يُبيحُ الفِطرَ كسَفَرٍ. وذهب الشَّافعيَّةُ إلى أنَّ وطْأَه باللَّيلِ لا يَقطعُ التَّتابُعَ، ويُعتبَرُ عاصيًا. يُنظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (10/135). ، فيجبُ ألَّا يُفطِرَ بَيْنَهما إلَّا لعُذرٍ كالسَّفَرِ والمرَضِ، فإنْ لَمْ يُتابِعْ -بأنْ أَفْطَرَ يومًا في أثناءِ الشَّهرَينِ بدُونِ عُذرٍ- فعليه أنْ يَستَأنِفَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى اشتَرَطَ أنْ يكونَ الشَّهرانِ مُتتابِعَينِ، فلا بُدَّ أنْ يَستَأنِفَ [86] يُنظر: ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (اللقاء رقْم: 231). ونقَل ابنُ المُنذِرِ وابنُ قُدامةَ الإجماعَ على أنَّ مَن صام بعضَ الشَّهرَينِ، ثمَّ قَطَعَه مِن غيرِ عُذرٍ: أنَّ عليه أن يَستأنِفَ الشَّهرَينِ. ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 119)، ((المغني)) لابن قدامة (8/26). وقال ابن عطيَّة: (ولا خِلافَ أحفَظُه مِن أهلِ العِلمِ أنَّ الصَّائِمَ في الظِّهارِ إنْ أفسَدَ التَّتابُعَ باختيارِه أنَّه يَبتَدِئُ صَومَها). ((تفسير ابن عطية)) (5/275). وقال الشنقيطيُّ بعدَ أن ذكر الخِلافَ في قطعِ تَتابُعِ الصَّومِ لِعُذرٍ كمرَضٍ ونحوِه، وأنَّ مِن أهلِ العِلمِ مَن قال: إن كان قطعُ التَّتابُعِ لعُذرٍ، فإنَّه لا يَقطعُ حُكمَ التَّتابُعِ، وله أن يَبنيَ على ما صام قبْلَ حُصولِ العُذرِ. ومنهم مَن قال: يَنقطِعُ التَّتابُعُ؛ لأنَّه أفطَرَ بفِعلِه، فلَزِمَه الاستئنافُ. قال: (الأظهَرُ عندي في هذا الفرعِ أنَّ قطْعَ تَتابُعِ صَومِ كفَّارةِ الظِّهارِ بالإفطارِ في أثناءِ الشَّهرَينِ إن كان لسببٍ لا قُدرةَ له على التَّحرُّزِ عنه، كالمرضِ الشَّديدِ الَّذي لا يَقدِرُ معه على الصَّومِ: أنَّه يُعذَرُ في ذلك، ولا يَنقطِعُ حُكمُ التَّتابُعِ؛ لأنَّه لا قُدرةَ له على التَّحرُّزِ عن ذلك، واللهُ جلَّ وعلا يقولُ: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286] ، ويقولُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16] ، والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقولُ: «إذا أمَرْتُكم بشَيءٍ فأْتُوا منه ما استَطَعْتُم» [البخاري «7288» ومسلم «1337»]، وإن كان يُمكِنُه التَّحرُّزُ عن الإفطارِ الَّذي قطَع به التَّتابُعَ كالإفطارِ للسَّفرِ في أثناءِ صَومِ الكفَّارةِ، وكما لو كان ابتِداءُ صَومِه الكفَّارةَ مِن شعبانَ؛ لأنَّ شَهرَه الثَّانيَ رمضانُ، وهو لا يُمكِنُ صَومُه عن الكفَّارةِ، وكما لو ابتدَأ الصَّومَ في مدَّةٍ يَدخُلُ فيها يومُ النَّحرِ أو يومُ الفِطرِ أو أيَّامُ التَّشريقِ: فإنَّ التَّتابُعَ يَنقطِعُ بذلك؛ لأنَّه قادرٌ على التَّحرُّزِ عن قَطعِه بما ذُكِر؛ لقُدرتِه على تأخيرِ السَّفرِ عن الصَّومِ كعَكسِه، ولقُدرتِه أيضًا على الصَّومِ في مدَّةٍ لا يَتخلَّلُها رمضانُ، ولا العيدانِ، ولا أيَّامُ التَّشريقِ، كما لا يَخفى. وإذا قطَع التَّتابُعَ بإفطارٍ هو قادرٌ على التَّحرُّزِ عنه بما ذُكِر، فكَونُه يَستأنِفُ صَومَ الشَّهرَينِ مِن جديدٍ ظاهرٌ؛ لقولِه تعالى: فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وقد ترَك التَّتابُعَ مع قُدرتِه عليه. هذا هو الأظهَرُ عندَنا، والعِلمُ عندَ الله تعالى). ((أضواء البيان)) (6/221، 221). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/27)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (10/131). .
28- قال اللهُ تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا أُعيدَ قَيدُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا؛ للدَّلالةِ على أنَّه لا يكونُ المَسُّ إلَّا بعْدَ انقِضاءِ الصِّيامِ، فلا يُظَنُّ أنَّ مجَرَّدَ شُروعِه في الصِّيامِ كافٍ في العَودِ إلى الاستِمتاعِ [87] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/20). .
29- في قَولِه تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ثمَّ قَولِه: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا أنَّ عَدْلَ الصِّيامِ مِنَ الصَّدَقةِ أنْ يُطْعِمَ عن كلِّ يومٍ مِسكينًا، وكقَولِه تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة: 184]؛ وذلك لأنَّ طَعامَ يومٍ كصَومِ يومٍ [88] يُنظر: ((شرح العمدة لابن تيميَّة - كتاب الحج)) (2/323). .
30- قال تعالى: شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، والشَّهرانِ هما الهِلالانِ، وليس السِّتينَ يَومًا، فلو قُدِّرَ أنَّ الشَّهرَ الأوَّلَ ناقِصٌ والثَّانيَ ناقِصٌ، فستكونُ الأيامُ ثمانيةً وخمسينَ يومًا، ولا حَرَجَ؛ لأنَّ اللهَ لَمْ يَقُلْ: «ستِّينَ يَومًا»، إنَّما قال: شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ [89] يُنظر: ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (اللقاء رقْم: 231). . وجائِزٌ أن يَصومَهما الرَّجُلُ بالعَدَدِ، فيَصومُ سِتِّينَ يَومًا تِباعًا، وجائِزٌ أن يَصومَهما بالأهِلَّةِ، يَبدأُ مع الهِلالِ، ويُفطِرُ مع الهِلالِ، وإن جاء أحَدُ شَهرَيه ناقِصًا فذلك مُجزِئٌ عنه، وجائِزٌ إن بدأ صَومَه في وَسَطِ الشَّهرِ أنْ يُبعِّضَ الشَّهرَ الأوَّلَ، فيَصومَ إلى الهِلالِ، ثمَّ يَصومَ شَهرًا بالهِلالِ، ثمَّ يُتِمَّ الشَّهرَ الأوَّلَ بالعَدَدِ [90] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/274، 275). .
31- قولُه تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فيه مَجيءُ الصَّومِ دَرجةً ثانيةً قَريبةً مِن دَرجةِ تَحريرِ الرَّقَبةِ في المُناسَبةِ؛ وذلك رُخصةٌ لِمَن لم يَجِدْ عِتْقَ رَقبةٍ أنْ يَنتقِلَ إلى صِيامِ شَهرينِ مُتتابِعينِ؛ لأنَّه لَمَّا لم يَجِدْ رَقبةً يَعتاضُ بفَكِّها عن فَكِّ عِصمةِ الزَّوجةِ، نُقِلَ إلى كَفَّارةٍ فيها مَشقَّةُ النَّفْسِ بالصَّبرِ على لذَّةِ الطَّعامِ والشَّرابِ؛ ليَدفَعَ ما الْتَزَمَه بالظِّهارِ مِن مَشقَّةِ الصَّبرِ على ابتعادِ حَليلتِه [91] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/19، 20). .
32- قول الله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فيه أنَّه لا بُدَّ مِن إطعامِ سِتِّينَ مِسكينًا، فلو جَمَع طَعامَ سِتِّينَ مِسكينًا ودفَعَها لواحِدٍ أو أكثَرَ مِن ذلك دونَ السِّتِّينَ، لم يَجُزْ ذلك؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال: فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا [92] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 845). . فالواجِبُ إطعامُ سِتِّينَ مِسكينًا، لا طَعامُ سِتِّينَ مِسكينًا، فبَيْنَهما فَرْقٌ؛ إذا قُلْنا: إطعامُ ستِّينَ مِسكينًا فلا بُدَّ مِن هذا العَدَدِ، وإذا قُلْنا: طعامُ سِتِّينَ مِسكينًا فإنَّه يجوزُ أنْ تُعطيَه واحِدًا [93] يُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (5/82). .
33- في قَولِه تعالى: فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا أنَّه لا يُجْزِئُه دَفْعُ الكَفَّارةِ إلَّا إلى المساكينِ، ويَدخُلُ فيهم الفُقَراءُ، كما يَدخُلُ المساكينُ في لَفظِ الفُقَراءِ عندَ الإطلاقِ [94] يُنظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/307). .
34- في قَولِه تعالى: فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا أنَّ الواجِبَ الإطعامُ؛ أنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسكينًا، لا أنْ تُمَلِّكَ السِّتِّينَ مِسكينًا، فلو غَدَّى المساكينَ أو عَشَّاهم فإنه يُجْزِئُه؛ لأنَّه يَصْدُقُ عليه أنَّه أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسكينًا، أمَّا ما قَدَّرَه الشَّرعُ فإنَّه لا بُدَّ فيه مِن التَّمليكِ، ولا بُدَّ فيه مِن التَّقديرِ الَّذي قَدَّرَه الشَّرعُ، مثالُه: صَدَقةُ الفِطرِ، وفِديةُ الأذى [95] يُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (5/82). .
35- قول الله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، أي: بالتِزامِ هذا الحُكمِ وغيرِه مِن الأحكامِ، والعملِ به؛ فإنَّ التِزامَ أحكامِ الله، والعملَ بها مِن الإيمانِ، وممَّا يَزيدُ به الإيمانُ ويكملُ ويَنْمو [96] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 843). ، ففيه دليلٌ على أنَّ العَمَلَ يَدخُلُ في مُسَمَّى الإيمانِ؛ فقد أمَرَهم بهذه الأعمالِ، وبَيَّنَ أنَّه أمَرَهم بها لِيَصيروا بعَمَلِها مُؤمِنينَ، فدَلَّت الآيةُ على أنَّ العَمَلَ مِنَ الإيمانِ [97] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/488). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالَى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
- حرْفُ (قَدْ) للتَّحقيقِ، ففي هذه الآيةِ تحقيقُ الفعلِ بـ (قد) [98] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/90). وقال الرَّسْعَني: («قَدْ» هاهنا على أصلِها للتَّوقُّعِ؛ لأنَّ الرَّسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم والمُجادِلةَ توَقَّعا أن يَسمَعَ اللهُ مُجادَلتَهما وشَكْواهما، ويُنزِلَ فيهما ما عَساه يكونُ راحةً لها). ((تفسير الرسعني)) (8/3). وقال ابن عاشور: (ومعنى التَّوقُّعِ الَّذي يُؤذِنُ به حرْفُ «قدْ» في مِثلِ هذا يُؤَوَّلُ إلى تَنزيلِ الَّذي يَتوقَّعُ حُصولَ أمْرٍ -لشِدَّةِ استِشرافِه له- مَنزِلةَ المُتردِّدِ الطَّالبِ؛ فتَحقيقُ الخبَرِ مِن تَخريجِ الكلامِ على خِلافِ مُقْتضَى الظَّاهرِ لنُكتةٍ). ((تفسير ابن عاشور)) (28/8). .
- وقد استُحضِرَت المرأةُ بعُنوانِ الصِّلةِ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ؛ تَنويهًا بمُجادَلتِها وشَكواها؛ لأنَّها دلَّت على تَوكُّلِها الصَّادقِ على رَحمةِ ربِّها بها وبأبْنائِها وبزَوجِها [99] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/8). .
- والاشتِكاءُ: مُبالَغةٌ في الشَّكوَى، وهي ذِكرُ الإنسانِ ما آذاهُ، يُقال: شَكا، وتَشكَّى، واشْتَكى، وأكثَرُها مُبالَغةً (اشْتَكى) [100] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/9). .
- قولُه: وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا استِئنافٌ جارٍ مَجْرَى التَّعليلِ لِما قبْلَه؛ فإنَّ إلْحافَها في المسألةِ، ومُبالَغتَها في التَّضرُّعِ إلى اللهِ تعالى، ومُدافَعتَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إيَّاها بجَوابٍ مُنبئٍ عن التَّوقُّفِ، وتَرقُّبِ الوحْيِ، وعِلْمَه تعالى بحالِها؛ مِنْ دَواعي الإجابةِ [101] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/215). .
- وجِيءَ بصِيغةِ المُضارِعِ يَسْمَعُ؛ للدَّلالةِ على استِمرارِ السَّمعِ حسَبَ استِمرارِ التَّحاوُرِ وتجدُّدِه [102] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/215). ، ولاستِحضارِ حالةِ مُقارَنةِ سَمْعِ اللهِ تعالَى لتَحاوُرِهما؛ زِيادةً في التَّنويهِ بشأْنِ ذلك التَّحاوُرِ [103] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/9). . فكَونُ اللهِ تَعالى سامِعًا ما جَرى مِن المُحاوَرةِ مَعلومٌ لا يُرادُ مِن الإخبارِ به إفادةُ الحكْمِ، فتَعيَّنَ صَرْفُ الخبَرِ إلى إرادةِ الاعتناءِ بذلك التَّحاوُرِ، والتَّنويهِ به وبعَظيمِ مَنزلتِه؛ لاشتمالِه على تَرقُّبِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما يُنزِلُه عليه مِن وحْيٍ، وتَرقُّبِ المرأةِ الرَّحمةَ [104] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/9). .
- وفي نَظْمِ المُجادِلةِ في سِلْكِ الخِطابِ تَغليبًا: تَشريفٌ لها مِن جِهتَينِ [105] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/215). : تَوجيهِ الخِطابِ لها، وجَعْلِها في ضَميرٍ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
- وجُملةُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ تَعليلٌ لِمَا قبْلَه بطَريقِ التَّحقيقِ [106] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/216). ، أو تَذييلٌ [107] التَّذييل: هو أن يُذَيِّلَ المتكلِّمُ كلامَه بعْدَ تمامِ معناهُ بجملةٍ تحقِّقُ ما قبْلَها، وذلك على ضربَينِ: ضرْبٍ لا يَزيدُ على المعنى الأوَّلِ، وإنَّما يؤكِّدُه ويحقِّقُه. وضرْبٍ يُخرِجُه المتكلِّمُ مخرجَ المثلِ السَّائرِ؛ ليشتهرَ المعنى؛ لكثرةِ دوَرانِه على الألسِنةِ. يُنظر: ((البديع)) لأسامة بن منقذ (ص: 125)، ((تحرير التحبير)) لابن أبي الإصبع (ص: 387)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (4/179، 180)، ((البلاغة العربية)) لحبنكة (2/86- 88). لجُملةِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [108] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/9). .
- وكُرِّرَ اسمُ الجَلالةِ (الله) في مَوضعِ إضمارِه ثَلاثَ مرَّاتٍ في قولِه: وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ؛ لتَربيةِ المَهابةِ، وإثارةِ تَعظيمِ مِنَّتِه تعالَى ودَواعي شُكْرِه، ولتَعليلِ الحُكمِ بوَصْفِ الأُلوهيَّةِ، وتأكُّدِ استِقلالِ كلِّ جُملةٍ [109] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/216)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/9). .
2- قولُه تعالَى: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ
- جُملةُ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ وما يُتِمُّ أحكامَها تَتنزَّلُ مَنزلةَ البَيانِ لجُملةِ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ... [المجادلة: 1] الآيةَ؛ لأنَّ فيها مَخرَجًا ممَّا لَحِقَ بالمُجادِلةِ مِن ضُرٍّ بظِهارِ زَوجِها، وإبطالًا له، ولها أيضًا مَوقعُ الاستِئنافِ البَيانيِّ لجُملةِ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ يُثيرُ سُؤالًا في النَّفْسِ أنْ تقولَ: فماذا نشَأَ عن استِجابةِ اللهِ لشَكوى المُجادِلةِ؟ فيُجابُ بما فيه المَخرَجُ لها منه [110] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/216)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/10)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/7). .
- قولُه: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ كان الظَّاهِرُ أنْ يُقالَ هنا: (الَّذين يُظاهِرون مِن نِسائِهم)، ولكِنْ زِيدَ هنا مِنْكُمْ؛ قيل: ليُدمَجَ فيه تَوبيخُ العرَبِ، وتَهجينًا لعادَتِهم في الظِّهارِ؛ لأنَّه كان مِن أَيْمانِ أهلِ جاهليَّتِهم خاصَّةً دونَ سائرِ الأُمَمِ [111] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/485)، ((تفسير البيضاوي)) (5/192)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (15/266)، ((تفسير أبي حيان)) (10/121)، ((تفسير أبي السعود)) (8/ 216). .
- وفيه مُناسَبةٌ حسَنةٌ، حيثُ قال هنا: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ، وبعْدَه: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [المجادلة: 3] ؛ وذلك أنَّ الأوَّلَ خِطابٌ للعربِ -على قولٍ-، وكان طَلاقُهم في الجاهليَّةِ الظِّهارَ، فقيَّده بقولِه: مِنْكُمْ، وبقولِه: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا، ثمَّ بيَّن أحكامَ الظِّهارِ للنَّاسِ عامَّةً، فعطَفَ عليه، فقال: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ؛ فجاء في كلِّ آيةٍ ما اقتضاهُ معناهُ [112] يُنظر: ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 234)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/456، 457)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 554). . أو أنَّ قولَه: مِنْكُمْ خِطابٌ للمؤمنينَ، والمذكورون في قولِه: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [المجادلة:3] هم المذكورونَ في الآيةِ الأولى [113] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصَّاص (5/302). .
- وعلى أنَّ الخِطابَ في قولِه: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ للمسلمينَ، فيَكونُ ذِكرُ هذا الوَصْفِ للتَّعميمِ؛ بَيانًا لمَدلولِ الصِّلةِ مِن قولِه: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ؛ لئلَّا يُتوهَّمَ إرادةُ مُعيَّنٍ بالصِّلةِ [114] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/11). .
- قولُه: مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ، أي: ليس أزواجُهم أُمَّهاتٍ لهم بقولِ أحَدِهم: أنتِ علَيَّ كظَهْرِ أُمِّي، أي: لا تَصيرُ الزَّوجُ بذلك أُمًّا لقائلِ تلك المقالةِ. وهذا تَمهيدٌ لإبطالِ أثَرِ صِيغةِ الظِّهارِ في تَحريمِ الزَّوجةِ، بما يُشِيرُ إلى أنَّ الأُمومةَ حَقيقةٌ ثابتةٌ لا تُصنَعُ بالقولِ؛ إذ القولُ لا يُبدِّلُ حَقائقَ الأشياءِ، كما قال تعالى: ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ[الأحزاب: 4] ؛ ولذلك أُعقِبَ هنا بقولِه: إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ، أي: فليستِ الزَّوجاتُ المُظاهَرُ مِنهنَّ بِصائراتٍ أُمَّهاتٍ بذلك الظِّهارِ؛ لانعِدامِ حَقيقةِ الأُمومةِ منْهنَّ؛ إذ هنَّ لم يَلِدْنَ القائلينَ: أنتِ علَيَّ كظَهْرِ أُمِّي، فلا يَحرُمْنَ عليهم؛ فالقَصْرُ في الآيةِ حَقيقيٌّ [115] القَصرُ أو الحَصرُ: في اصطِلاحِ البلاغيِّينَ هو تَخصيصُ شَيءٍ بشَيءٍ وحصْرُه فيه، ويُسمَّى الأمرُ الأوَّلُ: مَقصورًا، والثَّاني: مقصورًا عليه، مِثلُ: إنَّما زَيدٌ قائمٌ، و: ما ضرَبتُ إلَّا زيدًا. ويَنقسِمُ إلى قصرٍ حقيقيٍّ، وقصرٍ إضافيٍّ، وادِّعائيٍّ، وقَصْرِ قَلْبٍ؛ فالحقيقيُّ هو: أن يختصَّ المقصورُ بالمقصورِ عليه بحسَبِ الحقيقةِ والواقِعِ، بألَّا يتعدَّاه إلى غيرِه أصلًا، مِثلُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، حيثُ قُصِر وصْفُ الإلَهيَّةِ الحقِّ على مَوصوفٍ هو اللهُ وحْدَه، وهذا مِن قصرِ الصِّفةِ على المَوصوفِ، وهو قصرٌ حقيقيٌّ. والادِّعائيُّ: ما كان القصرُ الحَقيقيُّ فيه مَبنيًّا على الادِّعاءِ والمُبالَغةِ، بتنزيلِ غَيرِ المذكورِ مَنزِلةَ العدَمِ، وقصْرِ الشَّيءِ على المذكورِ وحْدَه. يُنظر: ((مِفتاح العلوم)) للسكَّاكي (ص: 288)، ((الإيضاح في علوم البلاغة)) للقزويني (1/118) و(3/6)، ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 175، 176)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/167)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 167، 168)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني (1/525). ، أي: فالتَّحريمُ بالظِّهارِ أمْرٌ باطلٌ لا يَقْتضيهِ سَببٌ يُؤثِّرُ إيجادَه [116] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/12). .
- وجُملةُ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ واقعةٌ مَوقعَ التَّعليلِ لجُملةِ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ، وهو تَعليلٌ للمَقصودِ مِن هذا الكلامِ، أي: إبطالِ التَّحريمِ بلَفظِ الظِّهارِ؛ إذ كَونُهنَّ غيرَ أُمَّهاتِهم ضَروريٌّ لا يَحتاجُ إلى التَّعليلِ [117] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/13). .
- وفي الآيةِ ما يُعرَفُ في البَلاغةِ بالسَّلبِ والإيجابِ [118] السَّلْبُ والإيجابُ: هو بِناءُ الكلامِ على نفْيِ الشَّيءِ من جِهةٍ، وإثباتِه مِن جِهةٍ أخرى، أو الأمْرِ به في جِهةٍ، والنَّهي عنه في جِهةٍ، وما يَجري مَجرَى ذلك، كأنْ يَقصِدَ المادِحُ أنْ يُفرِدَ ممدوحَه بصِفةِ مدحٍ لا يَشرَكُه فيها غيرُه، فيَنفيها في أوَّلِ كلامِه عن جميعِ النَّاسِ، ويُثبتُها لممدوحِه بعدَ ذلك، وهو يَجري في الأفعالِ والأسماءِ على حدٍّ سواءٍ، فمِن أمثلةِ الأفعالِ: الأمرُ والنَّهيُ في قولِه تعالى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا [الإسراء: 23] ، والإثباتُ والنَّفيُ في قولِه سبحانَه: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الروم 6، 7]. وجرَيانُه في الأسماءِ مِثل قولِه تعالى: وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ [الرعد: 4]، وقولِه تعالى: مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [الحج: 5] . يُنظر: ((الصناعتين: الكتابة والشعر)) للعسكري (ص: 405)، ((تحرير التحبير)) لابن أبي الإصبع (ص: 593)، ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (7/154)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 317)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/139). ؛ ففي قولِه: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ نفْيٌ لصَيرورةِ المرأةِ أُمًّا بالظِّهارِ، وإثباتُ الأُمومةِ لِلَّتي وَلَدَتِ الولَدَ [119] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/8). .
- وزِيدَ صَنيعُهم ذمًّا بقولِه: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا؛ تَوبيخًا لهم على صَنيعِهم، أي: هو مع كَونِه لا يُوجِبُ تَحريمَ المرأةِ هو قولٌ مُنكَرٌ [120] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/13). .
- وأيضًا في قولِه: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا تأْكيدُ الخبَرِ بحرْفِ (إنَّ) واللَّامِ؛ للاهتِمامِ بإيقاظِ النَّاسِ لشَناعةِ الظِّهارِ؛ إذ كانوا قد اعْتادُوه، فنُزِّلوا مَنزِلةَ مَن يَتردَّدُ في كَونِه مُنكَرًا أو زُورًا [121] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/13). . ومَناطُ التأْكيدِ ليس صُدورَ القولِ عنهم؛ فإنَّه أمرٌ مُحقَّقٌ، بلْ كونُه مُنكَرًا عندَ الشَّرعِ وعندَ العقلِ والطَّبْعِ، كما يُشعِرُ بهِ تَنكيرُ كَلمةِ مُنْكَرًا [122] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/216). .
- وبعْدَ التَّوبيخِ بقولِه: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا عُطِفَ عليه جُملةُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ؛ كِنايةً عن عدَمِ مُؤاخَذتِهم بما صدَرَ منهم مِن الظِّهارِ قبْلَ هذه الآيةِ؛ إذ كان عُذْرُهم أنَّ ذلك قَولٌ تابَعوا فيه أسْلافَهم، وجَرى على ألْسنتِهم دونَ تَفكُّرٍ في مَدلولاتِه [123] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/13). .
- وتأْكيدُ الخبَرِ في قولِه: وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ؛ لمُشاكَلةِ تأْكيدِ مُقابِلِه في قولِه: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا [124] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/14). .
- وأَعْقَبَ لَعَفُوٌّ بقولِه: غَفُورٌ؛ فقولُه: وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ في معنى: إنَّ اللهَ عفَا عنهم، وغفَر لهم؛ لأنَّه عفوٌّ غفورٌ، يَغفِرُ هذا وما هو أشدُّ. والعفوُّ: الكثيرُ العَفوِ، والعفْوُ عدَمُ المؤاخَذةِ بالفِعلِ، أي: عفُوٌّ عن قولِهم الَّذي هو مُنكَرٌ وزُورٌ. والغَفورُ: الكَثيرُ الغُفرانِ، والغُفرانُ: الصَّفحُ عن فاعلِ فِعلٍ مِن شأْنِه أنْ يُعاقِبَه عليه؛ فذِكرُ وصْفِ (غَفُورٍ) بعْدَ وصْفِ (عَفُوٍّ) تَتميمٌ [125] التَّتميم: مِن أنواعِ إطنابِ الزِّيادةِ، وهو الإتيانُ بكلمةٍ أو كلامٍ مُتمِّمٍ للمقصودِ، أو لزِيادةٍ حَسنةٍ، بحيثُ إذا طُرِحَ من الكلام نقَصَ معناه في ذاتِه، أو في صِفاتِه. أو هو الإتيانُ في كلامٍ لا يُوهِمُ غيرَ المرادِ بفَضلةٍ تُفيدُ نُكتةً. أو هو إردافُ الكلامِ بكَلمةٍ تَرفعُ عنه اللَّبسَ، وتُقرِّبُه للفَهمِ. ومِن أمثلةِ التَّتميمِ قولُه تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ [النساء: 124] ؛ فقوله: وَهُوَ مُؤْمِنٌ تتميمٌ في غايةِ الحُسنِ. ومنه قولُه تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [البقرة: 206] ؛ وذلك أنَّ العِزَّةَ محمودةٌ ومذمومةٌ، فلمَّا قال: بِالْإِثْمِ اتَّضحَ المعنى وتَمَّ، وتبيَّن أنَّها العزةُ المذمومةُ المُؤثَّمُ صاحِبُها. يُنظر: ((تحرير التحبير)) لابن أبي الإصبع (ص: 127)، ((التبيان في البيان)) للطِّيبي (ص: 217)، ((تفسير أبي حيان)) (1/120) و(2/332، 333)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (1/44)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (1/49 - 51) و(1/240، 241). ؛ لتَمجيدِ اللهِ؛ إذ لا ذنْبَ في المُظاهَرةِ حيثُ لم يَسبِقْ فيها نهْيٌ، ومع ما فيه مِن مُقابَلةِ شَيئينِ -وهما: (مُنكَرًا وزُورًا)- بشَيئينِ هما: (عفُوٌّ غَفورٌ) [126] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/14). .
3- قولُه تعالَى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ عطْفٌ على جُملةِ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ [المجادلة: 2] ؛ أُعيدَ المُبتدأُ -وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ- فيها للاهتِمامِ بالحُكْمِ والتَّصريحِ بأصحابِه، وكان مُقتضَى الكلامِ أنْ يُقالَ: (فإنْ يَعودوا لِما قالوا فتَحريرُ رَقبةٍ)؛ فيَكونَ عطْفًا على جُملةِ الخبَرِ مِن قولِه: مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ [127] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/15). [المجادلة: 2] .
- وقيل: هو كَلامٌ مُستأنَفٌ؛ مَسوقٌ لتَفصيلِ حُكْمِ الظِّهارِ بعْدَ بَيانِ كَونِه أمرًا مُنكَرًا [128] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/216)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/7). .
- و(ثُم) في قولِه: ثُمَّ يَعُودُونَ عاطفةٌ جُملةَ يَعُودُونَ على جُملةِ يُظَاهِرُونَ، وهي للتَّراخي الرُّتبيِّ؛ تَعريضًا بالتَّخطئةِ لهم بأنَّهم عادُوا إلى ما كانوا يَفعَلونه في الجاهليَّةِ بعْدَ أنِ انقطَعَ ذلك بالإسلامِ؛ ولذلك عُلِّقَ بفِعلِ يَعُودُونَ ما يدُلُّ على قَولِهم لفظَ الظِّهارِ [129] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/15، 16). .
- والمُرادُ بـ (ما قالوا): ما قالوا بلَفظِ الظِّهارِ، وهو ما حرَّموه على أنفُسِهم مِنَ الاستِمتاعِ المُفادِ مِن لَفظِ: أنتِ علَيَّ كظَهرِ أُمِّي؛ ففِعلُ القولِ في هذا وأمثالِه ناصبٌ لمُفرَدٍ؛ لوُقوعِه في خِلالِ جُملةٍ مَقولةٍ، وإيثارُ التَّعبيرِ عن المعْنى الَّذي وقَعَ التَّحريمُ له بلَفظِ الظِّهارِ بالمَوصولِ وصِلتِه هذه؛ إيجازٌ وتَنزيهٌ للكلامِ عن التَّصريحِ به، فالمعْنى: ثمَّ يَرُومون أن يَرجِعوا للاستِمتاعِ بأزواجِهم بعْدَ أنْ حرَّموه على أنفُسِهم [130] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/17). .
- قولُه: ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا يَجوزُ أنْ تكونَ اللَّامُ للتَّعليلِ؛ فيَكونَ التَّقديرُ على هذا الوجْهِ: ثمَّ يُريدونَ العَودَ لأجْلِ ما قالوا، أي: لأجْلِ رَغبتِهم في أزواجِهم، فيَصيرَ مُتعلَّقُ فِعلِ يَعُودُونَ مُقدَّرًا يدُلُّ عليه الكلامُ، أي: يَعودون لِما تَرَكوه مِن العِصمةِ، ويَصيرَ الفِعلُ في معْنى: يَندَمون على الفِراقِ [131] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/18). .
- قولُه: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ عبَّر بالرقبةِ عن الذَّاتِ؛ فإنَّ الإنسانَ لا يُحَرِّرُ الرَّقَبةَ وحْدَها، بل يُحَرِّرُ كُلَّ العَبدِ، ففيه صِحَّةُ إضافةِ الشَّيءِ إلى بعضِه، وهذا كثيرٌ في القرآنِ [132] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الأحزاب)) (ص: 368، 388). .
- وقولُه: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ تَذييلٌ لجُملةِ ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ، أي: واللهُ عليمٌ بجَميعِ ما تَعمَلونه مِن هذا التَّكفيرِ وغيرِه [133] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/19). .
4- قولُه تعالَى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
- قولُه: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا فيه مَجِيءُ الكَفَّارةِ مُتناسِبةً مع المُكفَّرِ عنه مُرتَّبةً تَرتيبًا مُناسِبًا؛ وتَوضيحُ ذلك أنَّه مَن لم يَستطِعْ -لعَجْزِه أو ضَعْفِه- رخَّصَ اللهُ له أنْ يَنتقِلَ إلى إطعامِ سِتِّينَ مِسكينًا عِوَضًا عن الصِّيامِ؛ فالإطعامُ دَرجةٌ ثالثةٌ يَدفَعُ عن سِتِّينَ مِسكينًا ألَمَ الجوعِ عِوَضًا عمَّا كان الْتزَمَه على نفْسِه مِن مَشقَّةِ الابتعادِ عن لَذَّاتِه [134] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/20). .
- وقولُه: ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إشارةٌ إلى ما مرَّ مِن البيانِ والتَّعليمِ للأحكامِ، والتَّنبيهِ عليها، وإلى ما ذُكِرَ مِن الأحكامِ، أي: ذلك المَذكورُ لتُؤمِنوا باللهِ ورَسولِه، أي: لتُؤمِنوا إيمانًا كاملًا بالامتثالِ لِما أمَرَكم اللهُ ورسولُه، فلا تَشُوبوا أعمالَ الإيمانِ بأعمالِ أهلِ الجاهليَّةِ، وهذا زِيادةٌ في تَشنيعِ الظِّهارِ، وتَحذيرٌ للمسلمينَ مِن إيقاعِه فيما بعْدُ. وما في اسمِ الإشارةِ (ذَلِكَ) مِن معْنى البُعدِ؛ للتَّنبيهِ على عُلوِّ شأْنِ المُشارِ إليهِ، وبُعْدِه في الفضْلِ [135] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/217)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/22). .
- ولَمَّا كان المشارُ إليه -وهو صِيامُ شَهرينِ أو إطعامُ ستِّينَ مسكينًا- عِوَضًا عن تَحريرِ رَقبةٍ، كان ما عُلِّلَ به تَحريرُ رَقبةٍ مُنسَحِبًا على الصِّيامِ والإطعامِ، وما عُلِّلَ به الصِّيامُ والإطعامُ مُنسحِبًا على تَحريرِ رقبةٍ، فأفاد أنَّ كلًّا مِن تَحريرِ رَقبةٍ وصِيامِ شَهرينِ وإطعامِ سِتِّينَ مِسكينًا؛ مُشتمِلٌ على كِلْتا العِلَّتينِ، وهما: الموعظةُ، والإيمانُ باللهِ ورَسولِه [136] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/22). .
- قولُه: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ إشارةٌ إلى الأحكامِ المذكورةِ. وما في اسمِ الإشارةِ (تِلْكَ) مِن معْنى البُعدِ؛ لتَعظيمِها، والتَّنبيهِ على عُلوِّ شأْنِها [137] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/217). .
- وقولُه: وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ تَتْميمٌ لجُملةِ ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، أي: ذلك الحُكمُ -وهو إبطالُ التَّحريمِ بالظِّهارِ- حكْمُ الإسلامِ، وأمَّا ما كانوا عليه فهو مِن آثارِ الجاهليَّةِ، وهو سُنَّةُ قومٍ لهم عَذابٌ أليمٌ على الكفْرِ وما تولَّدَ منه مِن الأباطيلِ، فالظِّهارُ شرْعُ الجاهليَّةِ؛ لأنَّه وضَعَه المشرِكون، ولم يَكنْ مِن الحَنيفيَّةِ [138] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/23). .
- وفيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، حيث خُتِمَ قولُه هنا: وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ بـ أَلِيمٌ، وبعْدَه وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [المجادلة: 5] بـ مُهِينٌ؛ لأنَّ الأوَّلَ مُتَّصِلٌ بضِدِّه، وهو الإيمانُ، فتَوعَّدَهم على الكفْرِ بالعذابِ الأليمِ، الَّذي هو جَزاءُ الكافرينَ، والثَّانيَ مُتَّصلٌ بقولِه: كُبِتُوا، وهو الإذلالُ والإهانةُ، فوصَفَ العذابَ بمِثلِ ذلك، فقال: مُهِينٌ [139] يُنظر: ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 234)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 554). ، فهذه الآيةُ خُتِمتْ بقولِه: عَذَابٌ أَلِيمٌ؛ لأنَّه قال: ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، أي: يبيِّنُ لكم ذلك لتُؤْمِنوا بالله ورسولِه، وذكَرَ الحدودَ الَّتي حدَّها لعِبادِه، ثمَّ سمَّى مَن لم يُؤمِنْ كافرًا باسمِه، وتوعَّدَه بالعَذابِ الموجِعِ المبالَغِ فيه، وهو ما يُخَوِّفُ اللهُ تعالَى به عِبادَه. وأمَّا قولُه: عَذَابٌ مُهِينٌ؛ فلأنَّ قبْلَه: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا؛ فضمَّنَ معنَى الفِعلَينِ الشَّرطَ والجزاءَ، فجعَل الكبْتَ جَزاءَ مَن آثَرَ حِزبًا غَيرَ حِزبِ اللهِ ورسولِه، وحدًّا غَيرَ حَدِّهما، والكَبْتُ: الإذلالُ، وقيل: الغَلَبُ والقهرُ والتَّخييبُ، وكلُّ ذلك مُتقارِبٌ، فلمَّا أَخبَر اللهُ تعالى بالكَبتِ عمَّن حادَّ اللهَ ورسولَه وجانَبَهما، وصارَ في حدٍّ غَيرِ حَدِّهما؛ وصَف العذابَ الَّذي ينزِلُ به بالإذلالِ والإهانةِ، وإنْ كان كلُّ مؤْلِمٍ مُهينًا، وكلُّ مُهِينٍ مؤْلِمًا. وممَّا يَشهَدُ لذلك قولُه تعالى في آخرِ السُّورةِ: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ [المجادلة: 20] ؛ فقولُه هنا: أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ كقولِه في الأوَّلِ: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [140] يُنظر: ((درة التنزيل)) للإسكافي (ص: 1257، 1258). .