موسوعة التفسير

سُورَةُ آل عِمْرانَ
الآيتان (75- 76)

ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ

غريبُ الكَلِماتِ:

بِقِنْطَارٍ: القنطارُ؛ اختُلِف في حدِّه على أقوال، وجملةُ القول: أنَّه عددٌ كثير من المال   ينظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (1/88)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/28)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 82)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 188). .
الْأُمِّيِّينَ: أي: العرَب، والأُميُّون جمْع أميٍّ، وهْم الَّذين لا يَكتُبون ولا يَقرؤون؛ نِسبةً إلى الأُمِّ؛ لأنَّ الكتابَ كان في الرِّجال دونَ النِّساء، فنُسب مَن لا يكتُب ولا يخطُّ من الرِّجال إلى أمِّه في جَهلِه بالكتابةِ دون أبيه، أو مَنْسُوبٌ إلى الأمَّة الأُميَّة، الَّتي هِي على أصْلِ وِلاداتِ أُمَّهاتها، لم تتعلَّم الكتابةَ ولا قِراءتَها، والأُميَّة: الغَفلةُ والجَهالة وقِلَّة المعرِفة، وأصْل (أمّ): الأصْل والمرجِع   يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 101)، ((تفسير ابن جرير)) (2/153- 154)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 88، 374)، ((المفردات)) للراغب (ص: 8 677)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 43)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 119). .

المَعنَى الإجماليُّ:

يُخبر اللهُ تعالى عن معاملات أهل الكتاب الدُّنيويَّة، وأنَّ منهم الأمينَ، الَّذي لو أَمِنْتَه على المالِ الكثير أَدَّاهُ إليك دون نقْص، ومنهم الخائِن، الَّذي لو أَمِنْتَهُ على دينار لم يُؤَدِّه إليك إلَّا ما دُمتَ قائمًا عليه بالمطالبة والاقتضاء.
ثم يُبيِّن الله تبارَك وتعالَى السَّبب الَّذي دعاهم إلى الخيانةِ واستحلالِ أموال النَّاس، وهو أنَّهم يَزعُمون أنَّه ليس عليهم إثمٌ ولا حرَجٌ في عدم أداء أموال العربِ إليهم؛ فجَمعوا بين جريمتَينِ، وهما: أكْل الحرام، وادِّعاء حِلِّه، وهذا هو الكذبُ الَّذي قالوه على الله مع عِلمهم أنَّهم كاذبون في ذلك.
ثم أَبطَل اللهُ دعواهم تلك، وبيَّن لهم أنَّه ليس الأمر كما يقول هؤلاء الكاذبون، ولكن مَن أَوْفى منكم بعهدِ الله الَّذي عاهَدَكم عليه من الإيمان بمحمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتصديقِه فيما جاء به، واتَّقى الله؛ فاجتنبَ ما نهاه عنه، وأطاعه فيما أمره به- فإنَّ الله يحبُّ الَّذين يتَّقونه.

تفسير الآيتين:

وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
تعلُّقُ هذه الآيةِ ومناسبتُها لِمَا قَبلَها من وجهين:
الأوَّل: أنَّه تعالى حَكَى عنهم في الآية المتقدِّمة أنَّهم ادَّعوْا أنَّهم أُوتوا من المناصِب الدِّينيَّة، ما لم يُؤْتَ أحدٌ غيرهم مثله، ثمَّ إنَّه تعالى بيَّن أنَّ الخيانة مُسْتقبَحَةٌ عند جميعِ أرباب الأديان، وهم مُصِرُّون عليها؛ فدلَّ هذا على كذبِهم.
والثاني: أنَّه تعالى لَمَّا حكَى عنهم في الآية المتقدِّمة قبائحَ أحوالهم فيما يتعلَّق بالأديان، وهو أنَّهم قالوا: وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، حكَى في هذه الآيةِ بعضَ قبائحِ أحوالهم فيما يَتعلَّقُ بمعاملةِ النَّاس، وهو إصرارُهم على الخِيانةِ والظُّلم، وأخْذِ أموال النَّاس في القليل والكثير يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/262). .
وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ
أي: ومِن أهل الكتاب الَّذي إنْ تَأْمَنْه- يا محمَّدُ- على المال الكثير يُؤَدِّه إليك، ويَرُدَّهُ دون نُقصانٍ أو تغيير، ولا يَخُنْكَ فيه، وما دونه يُؤدِّيه من باب أَولى ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/508)، ((تفسير ابن كثير)) (2/60)، ((تفسير السعدي)) (ص: 135)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/423). وقَصَرَ ابنُ جرير وابنُ كثير أهلَ الكتابِ على اليهود. .
ومن الأخبارِ الواردةِ في ذلك: ما رواه أبو هُرَيرَةَ رضِي اللهُ عنه، عن رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أنَّه ((ذكَر رجُلًا من بني إسرائيل سألَ بعضَ بني إسرائيل أن يُسلِّفه ألْفَ دينار، فقال: ائْتِني بالشُّهداءِ أُشْهِدهم، فقال: كفَى بالله شهيدًا! قال: ائتِني بالكفيلِ، قال: كفَى بالله كفيلًا! قال: صَدَقْتَ، فدَفَعها إليه إلى أَجَلٍ مسمًّى، فخرج في البحر فقضى حاجتَه، ثمَّ الْتَمَس مركبًا يَركبُها يَقْدَمُ عليه للأجَلِ الَّذي أَجَّلَهُ، فلم يجِد مركبًا، فأخَذ خشبةً فنَقَرَها فأدْخل فيها ألفَ دِينار، وصحيفةً منه إلى صاحبِه، ثمَّ زَجَّجَ موضعها، ثمَّ أتى بها إلى البحر، فقال: اللهمَّ إنَّك تعلمُ أنِّي اسْتَسْلَفْتُ فلانًا ألف دينار، فسألني كفيلًا، فقلت: كفَى بالله كفيلًا، فرَضِيَ بك، وسألني شهيدًا، فقلت: كفَى بالله شهيدًا، فرَضِيَ بك، وإنِّي جَهِدْتُ أنْ أجِد مركبًا أبعث إليه الَّذي له فلم أقدِر، وإني اسْتَوْدَعْتُكها، فرمَى بها في البحر حتَّى وَلَجَتْ فيه، ثمَّ انصرفَ وهو في ذلك يلتمسُ مركبًا يخرج إلى بلدِه، فخرج الرَّجُلُ الَّذي كان أسلفَه يَنظُر لعلَّ مركبًا يَجِيئُهُ بماله، فإذا بالخشبةِ الَّتي فيها المال، فأخَذَها لأهله حَطبًا، فلمَّا كَسَرَها وجدَ المال والصَّحيفة، ثمَّ قَدِم الَّذي كان تَسَلَّفَ منه، فأتاه بألفِ دِينار، وقال: واللهِ ما زِلتُ جاهدًا في طلبِ مركبٍ لآتيَك بمالك، فما وجدتُ مركبًا قبل الَّذي أَتَيْتُ فيه، قال: هل كنتَ بعثتَ إليَّ بشيء؟ قال: ألم أُخبِرْك أنِّي لم أجِدْ مركبًا قبل هذا؟ قال: فإنَّ اللهَ قد أدَّى عنك الَّذي بَعثتَ في الخَشبةِ! فانْصَرِفْ بألف دِينار راشدًا )) أخرجه البخاري مُعلَّقًا (2291)، وقد وصَله في (2404) مختصرًا. .
ثم ذكَر الله تعالى قِسمًا ثانيًا منهم، وهو الخائنُ الَّذي لا يُؤْتَمَنُ، فقال:
وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا
 أي: ومِن أهلِ الكتاب الَّذي إنْ تَأْمَنْهُ على دِينار يَخُنْكَ فيه، فلا يُؤَدِّه إليك إلَّا ما دُمتَ عليه قائمًا؛ بالمطالبةِ، والاقتضاءِ، والملازمة، والإلحاح في استخلاصِ حقِّك وهو تاركٌ أداء ما فوقه من باب أولى ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/508)، ((تفسير ابن كثير)) (2/60)، ((تفسير السعدي)) (ص: 135). .
ثم بَيَّن اللهُ عزَّ وجلَّ سببَ استحلالهم أموالَ المسلمين، وخيانتِهم بقوله:
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ
 أي: ذلك الجُحودُ للحقِّ، واستحلالُ الخيانة؛ بسببِ أنَّهم قالوا: لا حرجَ علينا ولا إثمَ فيما أَخَذْنا من أموالِ العرب وأَكَلْنا منها؛ فإنَّ الله أحلَّها لنا لأنَّهم على غير الحقِّ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/510)، ((أحكام أهل الذمَّة)) لابن القيِّم (1/498)، ((تفسير ابن كثير)) (2/61)، ((تفسير السعدي)) (ص: 135)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/425). .
وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
 أي: ويقولون الكذبَ على الله بادِّعائهم أنَّه أَحَلَّ لهم خيانتَهم، وترْكَ قضائِهم، وليس ذلك عن جَهْلٍ، بل مع عِلمهم بأنَّهم يكذبون، فجَمعوا بيْن أكْل الحرام، والكذب على الله بادِّعاء حِلِّهِ ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/513)، ((تفسير السعدي)) (ص: 135)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/427). .
بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى
أي: ليس الأمْر كما يقولُ هؤلاء الكاذِبون على اللهِ مِن اليهود، من أنَّه ليس عليهم في أموال الأمِّيِّين حَرَجٌ ولا إثمٌ، ولكنَّ الَّذي أوْفَى بعهد الله منكم يا أهلَ الكتاب، الَّذي عاهدَكم عليه من الإيمانِ بمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وصدَّق بما جاء به من الله، وأدَّى الأمانة إلى مَن ائتمنَه عليها، إلى غير ذلك، واتَّقى ما نهاه اللهُ عنه من الكُفرِ به وسائرِ معاصيه الَّتي حرَّمها عليه، وأطاعه واتَّبَعَ شريعتَه ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/514)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/452تفسير ابن كثير 2/62 .
فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
 أي: فإنَّ الله يحبُّ الَّذين يَتَّقونه، فيخافون عقابَه، ويَحذَرون عذابه، باجتنابِ ما نهاهم عنه وحرَّمه عليهم، وطاعتِه فيما أمرَهم به يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/515). .

الفوائد التربوية :

1- مَن أَوْفى بعهدِه الَّذي عاهد به الله أو النَّاس، واتَّقى الإخلافَ والغَدْر والاعتداء، فإنَّ الله يُحِبُّه فيعامله بأنْ يَجعلَه محلَّ عنايته ورحمته في الدُّنيا والآخرة، كما قال سبحانه: بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (3/281). .
2- ورودُ الجواب في قوله: بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى بهذه العبارة يُفيد قاعدةً عامَّة من قواعد الدِّين؛ وهي أنَّ الوفاءَ بالعهود واتِّقاءَ الإخلاف والابتعادَ عن سائرِ المعاصي والخطايا، هو الَّذي يُقرِّب العبدَ من ربِّه، ويجعله أهلًا لمحبَّته لا كونه مِن شعب كذا يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (3/281). .  
3- العهد في قوله: مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ يَشمَل العهد الَّذي بين العبد وربِّه، وهو جميعُ ما أوْجَبَه اللهُ على العبدِ من حقِّه، ويَشمل العهدَ الَّذي بينه وبين العِباد يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 135). .
4- في قوله: وَاتَّقَى: حَثٌّ على تقوى الله؛ لأنَّ كل إنسان يحبُّ أن يُحِبَّه الله؛ فإذا أردتَ ذلك فما عليك إلَّا أنَّ تقومَ بتقوى الله؛ لأنَّ محبَّة الله متعلِّقةٌ بالعامل، ومتعلِّقة بالعمل، ومتعلِّقة بالزمن، ومتعلِّقة بالمكان يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/435). .
5- التَّقوى في قوله: وَاتَّقَى ترجِع في هذا الموضعِ إلى اتِّقاء المعاصي الَّتي بين العبد وربِّه، وبينه وبين الخَلق، فمَن كان كذلك، فإنَّه مِن المتَّقين الَّذين يحبُّهم الله تعالى يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 135). .

الفَوائدُ العِلميَّةُ واللَّطائِف:

1- استنبطَ بعضُ أهلِ العِلم من قوله: إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا جوازَ السجن؛ لأنَّ الَّذي يقومُ عليه غريمُه، فهو يَمنعُه مِن تَصرُّفاته في غيرِ القَضاء، ولا فَرْقَ بين المنع من التصرُّفات وبين السجن يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/223). .
2- جوازُ الاقتصارِ على المثال؛ ليُقاس عليه ما يُشْبِهُه؛ لأنَّ الله ذكَر الدِّينار والقِنطار على سبيل التمثيل يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/432). .
3- في قوله: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ: دليلٌ على أنَّ مَن افترى على الله الكذبَ وهو يَعلم، أشدُّ إثمًا وعدوانًا ممَّن لا يعلم، وإنْ كان كلٌّ منهما على خطأ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/433). .
4- في قوله تعالى: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، إشارة إلى أنَّ الجهل المركَّب أقبحُ من الجهلِ البسيط؛ لأنَّ الَّذي يكذب وهو يعلم أقبحُ مِن الَّذي يَكذِب ولا يَعلم يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/433). .

بلاغة الآيتين:

1- قول الله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا:
- قوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ جاء قبل قوله: وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ... إنصافًا لحقِّ هذا الفَريق، ونعيًا عليهم لظُلمهم. وتقديم المسنَد في الموضعين (ومِن أهل الكتاب- ومنهم)؛ للتعجُّب من مضمونِ صِلة المسنَد إليهما؛ ففي الأول: للتعجُّب من قوَّة الأمانة، مع إمكانِ الخيانةِ ووجودِ العُذرِ له في عادةِ أهل دِينه، وفي الثاني: للتعجُّب من أن يكونَ الخونُ خُلقًا لمتَّبعِ كتابٍ من كتُب الله، ثم يزيد التعجُّب عند قوله: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا، فيكسب المسنَد إليهما زيادةَ عجَب حال يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/285). .
- عدَّى تَأْمَنْهُ بالباءِ مع أنَّ مثله يتعدَّى بـ(على)؛ لتضمينِه معنى تعامُلِه بقنطارٍ؛ ليشملَ الأمانةَ بالوديعة، والأمانةَ بالمعاملةِ على الاستيمانِ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/286). .
- قوله: إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قائِمًا: فيه مبالغةٌ في مطالبتِه بالتقاضي، والترافُع، وإقامةِ البيِّنة يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/24). .
2- في قوله تعالى: لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ: الاستفهامُ إنكاريٌّ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/279). ، وفيه طِباق معنوي؛ لأنَّ الشهادة إقرارٌ وإظهار، والكفر سَتْر يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/210). ، وفيه: التفاتٌ مِنَ الغيبةِ إلى خِطاب اليهود يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/279). .