موسوعة التفسير

سورةُ الشُّعَراءِ
الآيات (105-122)

ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ

غَريبُ الكَلِماتِ:

الْأَرْذَلُونَ: أي: أهلُ الضَّعَةِ والخَساسةِ، والرَّذْلُ والرُّذالُ: المرغوبُ عنه لرَداءتِه، وأصلُه: الدُّونُ مِن كلِّ شَيءٍ [638] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/602)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 71)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/509)، ((المفردات)) للراغب (ص: 351).   .
الْمَرْجُومِينَ: جمعُ مَرْجومٍ، والرَّجْمُ الرَّميُ بالرِّجامِ، وهي الحجارةُ، ويُطلَقُ الرَّجمُ على القَتلِ بالحجارةِ، ثمَّ أُطْلِق على كلِّ قتلٍ، وإنْ لم يكُنْ بالحجارةِ، والرَّجمُ: السَّبُّ والشَّتمُ؛ لأنَّه رَميٌ بالقَولِ القَبيحِ، والرَّجمُ: أصلُه الرَّميُ [639] يُنظر: ((تأويل مشكل القرآن)) لابن قتيبة (ص: 274)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/493)، ((البسيط)) للواحدي (12/565)، ((المفردات)) للراغب (ص: 345).   .
فَافْتَحْ: أي: احكُمْ واقْضِ، ومنه قيل للقاضي: الفَتَّاحُ. والفَتحُ والفِتاحةُ: الحُكْمُ. وأصلُ (فتح): يدُلُّ على خِلافِ الإغلاقِ [640] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 318)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/97)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/469)، ((الهداية)) لمكي بن أبي طالب (8/5331)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 270).   .
الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ: أي: السَّفينةِ المملوءةِ، وأصلُ (فلك): يدُلُّ على استدارةٍ في شَيءٍ، وأصلُ (شحن): يدُلُّ على المَلءِ [641] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 374)، ((تفسير ابن جرير)) (17/604)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/251) و(4/452)، ((المفردات)) للراغب (ص: 447)، ((تفسير القرطبي)) (13/121)، ((تفسير ابن كثير)) (6/152).   .

المعنى الإجماليُّ:

يحكي الله تعالى جانبًا مِن قِصَّةِ نوحٍ عليه السَّلامُ مع قَومِه، فيقولُ: كذَّبَتْ قَومُ نُوحٍ رسُلَ اللهِ أجمَعينَ؛ لأنَّ تكذيبَهم لنُوحٍ بمنزلةِ التَّكذيبِ لجَميعِ الرُّسُلِ، حينَ قال لهم أخوهم في النَّسَبِ نوحٌ: ألَا تتَّقونَ اللهَ وتَحذَرون عِقابَه، فتُخلِصوا له العِبادَة وتَترُكوا عبادةَ غَيرِه؟! إنِّي لكم رَسولٌ مِن اللهِ، أمينٌ على وَحيِه، فاتَّقوا عِقابَ الله، وأطيعوني فيما آمُرُكم به وأنهاكم عنه، وما أطلُبُ منكم على نُصحي لكم أجرًا، ما ثَوابي إلَّا على اللهِ رَبِّ العالَمينَ، فاتَّقوا عِقابَ الله، وأطيعوني فيما آمُرُكم به وأنهاكم عنه.
فقال كُبراءُ قَومِه: أنؤمِنُ لك -يا نوحُ- والحالُ أنَّ الذين اتَّبَعوك هم ضُعَفاؤنا وفُقَراؤنا؟! فأجابهم نوحٌ قائلًا: وما عِلمي بما كان يَعمَلُ أتْباعي؟ ما حِسابُهم إلَّا على ربِّي؛ فهو أعلَمُ ببواطِنِهم وبأحوالِهم مِنِّي، لو كنتُم مِن أهلِ الفَهمِ والشُّعورِ بحقائِقِ الأمورِ لَما عِبتُموهم، ولستُ بطاردِ هؤلاء المؤمِنينَ الذين اتَّبَعوني؛ فما أنا إلَّا نذيرٌ أوضِّحُ إنذاري لكم جميعًا. فأجابه المُشرِكون قائلينَ: لئِنْ لم تَكُفَّ -يا نوحُ- عن دَعوتِك لنا، لَنَرجُمَنَّك، فقال نوحٌ: ربِّ إنَّ قَومي كذَّبوني، فاحكُمْ بيْني وبيْنَهم حُكمًا تُنجِّي به أهلَ الحَقِّ، وتَمحَقُ به أهلَ الباطِلِ، ونجِّني وأتْباعي مِن المؤمنينَ.
فاستجاب اللهُ تعالى له، وأخبَر سبحانَه أنَّه أنجاه ومَن كان معه في السَّفينةِ المملوءةِ بهم وبِغَيرِهم، ثمَّ أغرَقَ بعْدَ إنجائِهم مَن بَقِيَ على كُفرِه فلم يركَبِ السَّفينةَ.
ثمَّ قال: إنَّ في ذلك الذي ذكَرْناه لَعِظةً وعِبرةً ودَلالةً على وحدانيَّةِ الله تعالى وقُدرتِه، وما كان أكثَرُ قَومِ نُوحٍ مُؤمنينَ بالله، وإنَّ رَبَّك -يا مُحمَّدُ- لهو العزيزُ القاهِرُ لأعدائِه، الرَّحيمُ بعبادِه، فلا يُعاجِلُهم بعَذابِه.

تَفسيرُ الآياتِ:

كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) .
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا قَصَّ سُبحانَه على محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خبَرَ موسى وإبراهيمَ عليهما السلامُ تسليةً له فيما يَلْقاه مِن قَومِه؛ قَصَّ عليه أيضًا نبأَ نوحٍ عليه السَّلامُ، فقد كان نبَؤُه أعظَمَ مِن نبأِ غَيرِه؛ لأنَّه كان يدعوهم ألْفَ سَنَةٍ إلَّا خمسينَ عامًا، ومعَ ذلك كذَّبَه قومُه [642] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (24/520).   .
وأيضًا لَمَّا أَتَمَّ سُبحانَه قصَّةَ الأبِ الأعظمِ الأقرَبِ؛ أتْبَعَها -دَلالةً على وصْفَي العِزَّةِ والرَّحمةِ- قصَّةَ الأبِ الثاني، مُقَدِّمًا لها على غيرِها؛ لِمَا له مِن القِدَمِ في الزَّمانِ؛ إعلامًا بأنَّ البلاءَ قديمٌ، ولأنَّها أدَلُّ على صِفتَيِ الرَّحمةِ والنِّقمةِ التي هي أثَرُ العِزَّةِ، بطُولِ الإملاءِ لهم على طولِ مدَّتِهم، ثمَّ تعميمِ النِّقمةِ مع كونِهم جميعَ أهلِ الأرضِ، فقال [643] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/61).   :
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105).
أي: كَذَّبت قَومُ نُوحٍ [644] قال ابن جُزَي: (أسنَد الفعلَ إلى القومِ، وفيه علامةُ التأنيثِ؛ لأنَّ القومَ في معنَى الجماعةِ والأمَّةِ). ((تفسير ابن جزي)) (2/93). وقال البقاعي: (قَوْمُ نُوحٍ وهم أهلُ الأرضِ كُلُّهم مِن الآدَميِّينَ قبْلَ اختِلافِ الأُمَمِ بتفَرُّقِ اللُّغاتِ). ((نظم الدرر)) (14/61).   بجَميعِ رُسُلِ الله [645] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/601)، ((تفسير القرطبي)) (13/119)، ((تفسير ابن كثير)) (6/151)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/157).   .
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106).
أي: حينَ قال لهم نوحٌ -وهو أخوهم في النَّسَبِ-: ألَا تتَّقون اللهَ وتَحذَرونَ عِقابَه، فتُوحِّدوا اللهَ، وتَترُكوا عبادةَ الأصنامِ [646] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/601)، ((تفسير القرطبي)) (13/119)، ((تفسير ابن كثير)) (6/151)، ((تفسير السعدي)) (ص: 594)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/157).   ؟!
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107).
أي: إنِّي لكم رَسولٌ مِن اللهِ، أمينٌ على وَحيِه الذي بعَثَني به إليكم، فأُبلِّغُكم رسالةَ الله بلا زيادةٍ أو نُقصانٍ [647] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/601)، ((تفسير ابن كثير)) (6/151)، ((تفسير السعدي)) (ص: 594).   .
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108).
أي: فاتَّقوا سَخَطَ اللهِ وعِقابَه، وأطيعوني فيما آمُرُكم به، وأنهاكم عنه [648] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/602)، ((تفسير القرطبي)) (13/119)، ((تفسير السعدي)) (ص: 594).   .
وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109).
وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ .
أي: وما أطلُبُ منكم على نُصحي لكم أيَّ ثوابٍ وجَزاءٍ [649] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/602)، ((تفسير ابن كثير)) (6/151)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/62)، ((تفسير السعدي)) (ص: 594).   .
إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ.
أي: ما أرجو ثَوابي إلَّا مِنَ اللهِ الخالِقِ الرَّازِقِ، المالِكِ المدَبِّرِ لجميعِ العالَمينَ [650] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/602)، ((تفسير القرطبي)) (13/119)، ((تفسير ابن كثير)) (6/151)، ((تفسير السعدي)) (ص: 594)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة الشعراء)) (ص: 193).   .
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110).
أي: فاتَّقوا سَخَطَ اللهِ وعِقابَه، وأطيعوني فيما آمُرُكم به وأنهاكم عنه؛ فقد بانَ لكم صِدقي [651] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/602)، ((تفسير القرطبي)) (13/119)، ((تفسير ابن كثير)) (6/151). قال السعدي: (كرَّر ذلك عليه السلام لتكريرِه دعوةَ قومِه، وطولِ مكثِه في ذلك، كما قال تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا [العنكبوت: 14] ). ((تفسير السعدي)) (ص: 594). وقال ابن عثيمين: (وقولُه: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ كرَّر تأسيسًا؛ لأنَّه بناهُ على قَولِه: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ يعني: فإذا انتفى ذلك فأنتم اتَّقوا الله وأطيعوني، فيكون هذا تأسيسًا، ولا يُستفادُ المعنى المقصودُ منه لو حُذِف. والفرقُ بيْنَ التأكيدِ والتأسيسِ: أنَّ التأكيدَ لو حُذِفَ لاستُفيد المعنى منه ممَّا بقيَ دُونَ التأكيدِ، أي: أنَّ المؤكِّدَ لا يُستفادُ منه سِوى التأكيدِ، فلا يَحمِلُ معنًى جديدًا. أمَّا التأسيسُ فيَحمِلُ معنًى جديدًا، وهو: وعلى أنَّني لا أريدُ الأجرَ، وإنَّما ألتَمِسُ الثوابَ مِن الله، فيَجِبُ عليكم أن تتَّقوا الله وتطيعوني). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 193).   .
قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111).
القِراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
1- قِراءةُ وَأَتْبَاعُكَ والتقديرُ: أنؤمِنُ لك وإنَّما أتْباعُك الأرذَلون، أو أنؤمِنُ لك نحنُ وأتْباعُك الأرذَلون، فنُساويَهم فنكونَ مَرذولينَ مِثلَهم [652] قرأ بها يعقوبُ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/335). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((معاني القراءات)) للأزهري (2/227)، ((المحتسب)) لابن جني (2/131).   ؟!
2- قراءةُ وَاتَّبَعَكَ أي: وتَبِعَك الأرذَلون [653] قرأ بها الباقونَ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/335). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((معاني القراءات)) للأزهري (2/227)، ((تفسير السمرقندي)) (2/561).   .
قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111).
أي: قال كُبَراءُ قَومِ نُوحٍ المتكَبِّرون عن اتِّباعِ الحَقِّ: أنؤمِنُ لك -يا نوحُ- ونتَّبِعُك، والحالُ أنَّه قد اتَّبَعك الضعفاءُ والفقراءُ وأسافلُ الناسِ دُونَ ذَوي الشَّرفِ، فكيفَ نتساوى معهم في اتِّباعِك [654] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/602)، ((تفسير القرطبي)) (13/119)، ((تفسير ابن كثير)) (6/151)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/65)، ((تفسير السعدي)) (ص: 594)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/159، 160). الأرذلون: قيل: المرادُ بهم: أصحابُ الحِرَفِ الدَّنيَّةِ، وقيل: المساكينُ الذين ليس لهم مالٌ ولا عزٌّ. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/343)، ((تفسير الرسعني)) (5/400). قال ابن عثيمين: (المعنى: أنَّهم قالوا: لو كان أتْباعُك الملأَ والأشرافَ لاتَّبَعْناك، لكِنْ أتباعُك أراذِلُ النَّاسِ، مِن الفُقراء والسُّوقةِ، والذين لا يُقَدِّرون الأمورَ ولا يَعرفونَها! فهُم أراذِلُهم مِن حيث المالُ -على زعمِهم-. ويمكِنُ أن نقولَ: إنَّهم أراذِلُهم مِن حيث الثقافةُ أيضًا والجاهُ والشرفُ، فهم أرذَلُ الأراذِلِ عندَهم). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 195). ؟!
كما قال تعالى: فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ [هود: 27] .
قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112).
أي: قال نوحٌ لِقَومِه: وما عِلمي بما كان يعمَلُ أتْباعي؟ فأنا لم أُكلَّفِ العِلمَ بأعمالِهم وأحوالِهم الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ، وإنَّما أمَرني اللهُ أنْ أدعُوَهم إلى الإيمانِ، وأقبَلَ منهم إقرارَهم وتَصديقَهم وانقيادَهم، وأكتفيَ بذلك دونَ النظَرِ إلى بواطِنِهم وحِرَفِهم وصَنائِعِهم [655] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/602)، ((تفسير القرطبي)) (13/120)، ((تفسير ابن كثير)) (6/151)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/161). قال القرطبي: (وكأنَّهم قالوا: إنَّما اتَّبَعك هؤلاء الضعفاءُ طمعًا في العِزَّةِ والمالِ، فقال: إنِّي لم أقِفْ على باطنِ أمْرِهم، وإنَّما إليَّ ظاهِرُهم. وقيل: المعنَى: إنِّي لم أعلَمْ أنَّ الله يَهْديهم ويُضِلُّكم، ويُرشِدُهم ويُغويكم، ويوفِّقُهم ويَخذُلُكم). ((تفسير القرطبي)) (13/120).   .
إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113).
أي: ما حِسابُ أتْباعي إلَّا على ربِّي؛ فهو الذي يعلَمُ السِّرَّ والعلانيةَ، وليس علَيَّ مَعرفةُ أعمالِهم وبواطِنِهم، وإنَّما علَيَّ التَّبليغُ، ولو كنتُم تَعلَمون أنَّ حِسابَهم على اللهِ وحْدَه، وتَشعُرونَ بالأمرِ على حقيقتِه، لَما عِبتُموهم، ولمْ تَسْألوني عنهم؛ فإنْ كان ما جئتُكم به هو الحَقَّ فاتَّبِعوه [656] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/602)، ((البسيط)) للواحدي (17/86)، ((تفسير ابن عطية)) (4/237)، ((تفسير السعدي)) (ص: 594)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/161، 162)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 197). قال البقاعي: (لَوْ تَشْعُرُونَ أي: لو كان لكم نوعُ شعورٍ لَعَلِمتُم ذلك فلمْ تقولوا ما قلتُم ممَّا هو دائرٌ على أمورِ الدُّنيا فقط، ولا نظَرَ له إلى يومِ الحسابِ). ((نظم الدرر)) (14/65).   .
عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أُمِرتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتى يَشهَدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ الله، ويُقيموا الصَّلاةَ، ويُؤتوا الزَّكاةَ، فإذا فَعَلوا ذلك عَصَموا مِنِّي دماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّ الإسلامِ [657] إلَّا بحَقِّ الإسلامِ: كقَتلٍ لنَحوِ زِنا مُحصَنٍ، وقَطعٍ لِنَحوِ سَرِقةٍ، وتَغريمِ مالٍ لِنَحوِ إتلافِ مالِ الغيرِ المحترَمِ. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) لعلي القاري (1/81).   ، وحِسابُهم على اللهِ)) [658] رواه البخاري (25)، ومسلم (22).   .
وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا أفهَمَ قولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ رَدَّ ما أفهمَه قولُهم مِن طَردِهم؛ صَرَّحَ به في قَولِه [659] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/65).   :
وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114).
أي: ولن أطرُدَ مَن آمَنَ بالله واتَّبَعني [660] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/603)، ((تفسير القرطبي)) (13/121)، ((تفسير ابن كثير)) (6/151)، ((تفسير السعدي)) (ص: 594)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 198).   .
كما قال تعالى: وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ [هود: 29] .
إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115).
أي: ما بعَثَني اللهُ إلَّا نذيرًا أُوضِّحُ إنذارَه لكم جميعًا؛ غنيِّكم وفَقيرِكم، شريفِكم ووضيعِكم [661] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/603)، ((تفسير القرطبي)) (13/121)، ((تفسير ابن كثير)) (6/151)، ((تفسير السعدي)) (ص: 594).   .
قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116).
أي: قال المُشرِكون مِن قَومِ نُوحٍ: لئِنْ لم تترُكْ -يا نوحُ- دَعوتَك لنا، لَنَرجُمَنَّكَ [662] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (13/121)، ((تفسير ابن كثير)) (6/151)، ((تفسير الشوكاني)) (4/126)، ((تفسير السعدي)) (ص: 595)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/163). ممَّن اختار أنَّ المرادَ بالمرجومينَ: المقتولون: مقاتلُ بن سليمان، والسمرقندي، والبقاعي، والعليمي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/272)، ((تفسير السمرقندي)) (2/561)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/66)، ((تفسير العليمي)) (5/81). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عباسٍ، والكلبيُّ. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (17/87)، ((تفسير البغوي)) (3/473)، ((تفسير القرطبي)) (13/121). وممَّن اختار أنَّ المرادَ بالمرجومين: المقتولون بالحجارةِ: السمعانيُّ، والنسفي، والخازن، والسعدي. يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/58)، ((تفسير النسفي)) (2/573)، ((تفسير الخازن)) (3/329)، ((تفسير السعدي)) (ص: 595). قال السعدي: (أي: لَنَقتُلكَ شرَّ قتلةٍ؛ بالرميِ بالحجارةِ، كما يُقتَلُ الكلبُ). ((تفسير السعدي)) (ص: 595). وذكَر القائلون بهذا القولِ أيضًا أن القتلَ بالحجارةِ هو أشدُّ قتلٍ؛ لذلك أوعدوه به، أمَّا الشتمُ فقد كان منهم، فلا يحتمِلُ الوعيدُ به. يُنظر: ((تفسير الماتريدي)) (8/71). ومِن المفسِّرينَ مَنِ اقتصَر على تفسيرِ الْمَرْجُومِينَ بقولِه: أي: بالحجارةِ. ومنهم: الزجاجُ، وأبو حيان، والشوكاني. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/95)، ((تفسير أبي حيان)) (8/177)، ((تفسير الشوكاني)) (4/126). وقال ابن عثيمين: (الظاهرُ والأقربُ أنَّهم يقصِدون رجْمَه بالحجارةِ؛ لأنَّ الرجمَ بالقولِ قليلُ الاستعمالِ، ثمَّ إنَّ التهديدَ به مِن هؤلاء الذين يَرَوْنَ أنَّهم يَتكلمون مِن مصدرِ القوَّةِ ليس بلائقٍ في المقامِ، فالصوابُ أنَّهم يُهدِّدونه بالرجمِ بالحجارةِ، والله أعلَمُ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 201). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: قَتادةُ. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (17/87)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/343)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (6/311). وممَّن اختار أنَّ المرادَ بالمرجومينَ: المشتومونَ: ابنُ جرير، ومكِّي، والواحدي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/603)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (8/5330)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 793). وممَّن قال بهذا القول مِن السلفِ: الضَّحَّاكُ، والسُّدِّيُّ، والحسَنُ. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (17/87)، ((تفسير البغوي)) (3/473)، ((تفسير القرطبي)) (13/121)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (6/311). .
قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا أَيِسَ منهم بما سمِعَ مِن المبالَغةِ بالتأكيدِ في قولِهم، ورأى بما يُصَدِّقُه مِن فعْلِهم، قال تعالى مُخبرًا عنه جوابًا لسُؤالِ مَن يريدُ تَعَرُّفَ حالِه بعدَ ذلك [663] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/66).   :
قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117).
أي: قال نوحٌ: رَبِّ إنَّ قَومي كذَّبوني فيما جئتُهم به مِن الحَقِّ، فلا نيَّةَ لهم في اتِّباعِه [664] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/603)، ((تفسير النسفي)) (2/573)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/66)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/163).   !
كما قال تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر: 9، 10].
وقال سُبحانَه: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا [نوح: 5-9].
فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118).
فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا.
أي: فاحكُمْ بيْني وبيْنَ قَومي حُكمًا مِن عندِك، تستأصِلُ وتُهلِكُ به المُبطِلَ [665] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/603)، ((الوسيط)) للواحدي (3/358)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/66)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/163)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/95). قال ابن عثيمين: (سُمِّي الحُكمُ فتحًا؛ لأنَّه ينفتِحُ به الأمرُ ويتبيَّنُ، فينفصِلُ هذا عن هذا، وهذا الفتحُ بأن ينجِيَه ومَن معه مِن المؤمنينَ، ويُهلِكَهم؛ أمَّا نجاتُه ومَن معه مِن المؤمنينَ فمُصرَّحٌ بها، وأمَّا إهلاكُهم فلا نجاةَ إلَّا مِن هَلَكةٍ، هذا هو الفتحُ الذي سأله نوحٌ أن يُهلِكَ اللهُ تعالى قومَه، وأن ينجيَه هو ومَن معه مِن المؤمنينَ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 203).   .
وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
أي: ونجِّني وأتْباعي المؤمِنينَ مِن عذابِك الذي تُنزِلُه على المُبطِلينَ [666] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/604)، ((الوسيط)) للواحدي (3/358)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/66).   .
فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119).
أي: فأنجَيْنا نوحًا ومَن حُمِلَ معه في السَّفينةِ المملوءةِ بالنَّاسِ والحيواناتِ والطُّيورِ وغَيرِها [667] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/604)، ((الوسيط)) للواحدي (3/358)، ((تفسير القرطبي)) (13/121)، ((تفسير ابن كثير)) (6/152)، ((تفسير السعدي)) (ص: 595)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/95).   .
كما قال تعالى: قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ [هود: 40] .
وقال سُبحانَه: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ [العنكبوت: 15] .
ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120).
أي: ثمَّ [668] قال القرطبي: (ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ أي: بعْدَ إنجائِنا نوحًا ومَنْ آمَنَ). ((تفسير القرطبي)) (13/121). وقال البقاعي: (ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ أي: بعْدَ حَملِه الذي هو سببُ إنجائِه). ((نظم الدرر)) (14/67).   أغرَقْنا جميعَ الكافرين الذين بَقُوا، فلمْ يَركَبوا السَّفينةَ [669] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/605)، ((تفسير السمرقندي)) (2/561)، ((تفسير القرطبي)) (13/121)، ((تفسير ابن كثير)) (6/152)، ((تفسير السعدي)) (ص: 595).   .
كما قال تعالى: فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ [العنكبوت: 14] .
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121).
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً.
أي: إنَّ في إنجاءِ نوحٍ وأتباعِه المؤمنينَ، وإهلاكِ المكَذِّبين به، لَعِظةً وعِبرةً ودَلالةً واضِحةً على توحيدِ اللهِ، وصِدقِ رُسُلِه، وبُطلانِ الشِّركِ [670] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/605)، ((تفسير الشوكاني)) (4/127)، ((تفسير السعدي)) (ص: 595)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/164).   .
كما قال تعالى: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً [الفرقان: 37] .
وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ.
أي: ولم يكُنْ أكثَرُ قَومِ نوحٍ مُؤمِنينَ [671] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/273)، ((تفسير السمرقندي)) (2/561). وممَّن قال بأنَّ المرادَ: أكثَرُ قَومِ نوحٍ: مقاتلُ بن سليمان، والسمرقندي. يُنظر: المصدران السابقان. وقيل: المعنى: ولم يكُنْ أكثَرُ قَومِك يا محمَّدُ. وممَّن قال بهذا: ابنُ جرير، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/601)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 212). ويُنظر أيضًا: ((تفسير أبي السعود)) (6/253، 256). .
كما قال تعالى: وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود: 40] .
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122).
أي: وإنَّ رَبَّك -يا مُحمَّدُ- لهو العزيزُ القاهِرُ الغالِبُ المنتَقِمُ مِن أعدائِه، الرَّحيمُ بعبادِه، فلا يعاجِلُهم بعَذابِه، ومِن رحمتِه أنَّه يُرسِلُ رُسُلًا، ويُنزِلُ معهم ما يُبَيِّنُ به ما يُرضيه وما يُسخِطُه، فلا يُهلِكُ قومًا إلَّا بعْدَ إعذارِهم، ومِن رحمتِه أنَّه يُنجِّي أتْباعَ رُسُلِه [672] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/273)، ((تفسير ابن جرير)) (17/605)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/68)، ((تفسير السعدي)) (ص: 595)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 212، 213).   .

الفَوائِدُ التَّربويَّةُ:

1- قال الله تعالى حكايةً عن نوحٍ عليه السَّلامُ: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فالرُّسُلُ إنَّما يَأمُرونَ الناسَ ويَنهَوْنَهم لِمَا يَرجونَه مِن ثوابِ اللهِ، لا لِمَا يَنالونَه مِن الأجرِ، وفي هذا دليلٌ على وجوبِ إصلاحِ النيَّةِ لِمَن قام مقامَ الرُّسُلِ بالدعوةِ إلى اللهِ سُبحانَه وتعالى [673] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 192).   .
2- في قوله تعالى حكايةً عن نوحٍ عليه السَّلامُ: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ دليلٌ على أنَّ عمَلَ الإنسانِ لِينالَ الثوابَ ليس أمرًا ممقوتًا، بل هو طريقُ الرُّسُلِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ وأتبَاعِهم [674] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 192).   .
3- قال الله تعالى: قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ أي: المؤخَّرون في الحالِ والمآلِ، والأحوالِ والأفعالِ، فيكونَ إيمانُنا بك سببًا لاستوائِنا معهم؟! فلو طرَدْتَهم لم يكُنْ لنا عذرٌ في التخلُّفِ عنك، ولا مانِعٌ مِن اتِّباعِك! فكان ما مُتِّعوا به مِن العَرَضِ الفاني مانعًا لهم عن السَّعادةِ الباقيةِ، وأمَّا الضُّعَفاءُ فانكِسارُ قُلوبِهم، وخُلوُّها عن شاغلٍ؛ موجِبٌ لإقبالِها على الخَيرِ، وقَبولِها له؛ لأنَّ الله تعالى عندَ المُنكَسِرةِ قلوبُهم، وهكذا قالت قريشٌ في أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وما زالت أتْباعُ الرُّسُلِ كذلك حتى صارت مِن سماتِهم وأماراتِهم، كما قال هِرَقْلُ في سؤالِه عن أتْباعِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [675] يُنظر ما أخرجه البخاري (7)، ومسلم (1773).   ، فكان مِثالُ المُستكبِرين مِثالَ شَخصٍ كان آخَرُ دُونَه بدَرجةٍ، فأصبحَ فوقَه بدرجةٍ، فأَنِفَ مِن أن يرتقيَ إلى درجتِه لئلَّا يُساويَه، ورَضِيَ لنفْسِه أن يكونَ دُونَه! فما أسخَفَ عقْلَه، وما أكثَرَ جَهْلَه [676] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/63).   !
4- في قَولِه تعالى: وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ دَليلٌ على أنَّه ينبغي موالاةُ المؤمِنينَ، والقربُ منهم، وأنَّ هذا دأبُ الأنبياءِ، فينبغي للإنسانِ أن يُقَرِّبَ منه كلَّ مؤمنٍ، وأنْ يختارَ لنفْسِه أصلحَ الأصحابِ [677] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 198).   .
5- قوله تعالى: وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ فيه التواضعُ للمُؤمِنينَ، وعدمُ إبعادِهم، ولو كانوا مَن كانوا فيما بينَ النَّاسِ، والصبرُ على ما يَجِدُ منهم مِن الجَفاءِ؛ فالرسولُ -عليه الصلاةُ والسلامُ- أشرَفُ الخلْقِ جاهًا عندَ اللهِ، وأعظمُهم منزلةً، عاتَبَه اللهُ في رجُلٍ أعمى، فقال تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى [678] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 199).   [عبس: 1 - 4] .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- قَولُه تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ يدُلُّ على أنَّ قومَ نوحٍ كَذَّبوا جماعةً مِنَ المرسَلينَ؛ مع أنَّهم إنَّما كَذَّبوا رسولًا واحدًا -وهو نوحٌ عليه وعلى نبيِّنا الصَّلاةُ والسَّلامُ-: بدليلِ قولِه تعالى: إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ إلى قولِه: قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ.
والجوابُ عن هذا مِن وجهَينِ:
الأول: أنَّ الرُّسُلَ عليهم صَلواتُ اللهِ وسلامُه لَمَّا كانت دعوتُهم واحدةً -وهي: لا إلهَ إلَّا اللهُ- صار مُكَذِّبُ واحدٍ منهم مُكذِّبًا لجَميعِهم، كما يدُلُّ لذلك قولُه تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25] ، وقولُه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] ، وقد بَيَّنَ تعالى أنَّ مُكَذِّبَ بعضِهم مُكَذِّبٌ للجميعِ بقولِه: وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا [النساء: 150، 151]، ويأتي مِثلُ هذا الإشكالِ، والجوابُ في قولِه: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ [الشعراء: 123، 124] إلى آخرِه، وقولِه: كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ [الشعراء: 141، 142]، وكذلك في قصةِ لوطٍ وشُعيبٍ، على الجميعِ وعلى نبيِّنا الصَّلاةُ والسَّلامُ [679] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب)) للشنقيطي (ص: 174). ويُنظر أيضًا: ((تفسير القرطبي)) (13/119)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (12/335)، ((تفسير السعدي)) (ص: 594).   .
وأيضًا لأنَّ تكذيبَهم لم يكُنْ لأجْلِ ذاتِه، ولكنَّه كان لإحالتِهم أنْ يُرسِلَ اللهُ بشَرًا، وأنْ تكونَ عِبادةُ أصنامِهم ضَلالًا؛ فكان تكذيبُهم إيَّاه مُقتضيًا تَكذيبَ كُلِّ رسولٍ؛ لأنَّ كلَّ رسولٍ يقولُ مِثلَ ما قاله نوحٌ عليه السَّلامُ؛ ولذلك تكرَّر في قولِه: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 123] وما بعْدَه، وقد حُكِيَ تكذيبُهم أنْ يكونَ الرَّسولُ بشَرًا في قولِه: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ [680] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/157).   [الأعراف: 63] .
الثاني: أنَّه أرادَ الجِنسَ، كقولِك: فلانٌ يركبُ الخيلَ، وإنَّما لم يركَبْ إلَّا فرَسًا واحدًا [681] يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/93). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الزمخشري)) (3/323)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (11/387)، ((تفسير أبي السعود)) (6/254).   .
2- قال الله تعالى: إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ، قَولُه: إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ أي: في النَّسَبِ، وإنَّما ابتعثَ اللهُ الرسُلَ مِن نَسَبِ مَن أُرسِلَ إليهم؛ لئلَّا يشمَئِزُّوا مِن الانقيادِ له، ولأنَّهم يَعرِفونَ حقيقَتَه، فلا يحتاجونَ أنْ يبحَثوا عنه [682] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 594).   .
3- قال تعالى: إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ حكايةُ الأمرِ بالتقوَى والإطاعةِ، ونفيِ سؤالِ الأجرِ في هذه القصةِ، والقصصِ التي تَلَتْها، وتصديرُها بذلك؛ للتَّنبيهِ على أنَّ مَبْنى البَعثةِ هو الدُّعاءُ إلى توحيدِ الله، ومعرفةِ الحقِّ، والطَّاعةِ فيما يُقرِّبُ المَدْعُوَّ إلى الثَّوابِ، ويُبْعِدُه مِنَ العِقابِ، وأنَّ الأنبياءَ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ مُجمِعونَ على ذلك، وإنِ اختلَفوا في بعضِ فُروعِ الشَّرائعِ المختلِفةِ باختلافِ الأزمنةِ والأعصارِ، وأنَّهم مُتنزِّهونَ عن المطامعِ الدَّنِيَّةِ، والأغراضِ الدُّنيويَّةِ بالكُلِّيَّةِ [683] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/145)، ((تفسير أبي السعود)) (6/256)، ((تفسير الألوسي)) (10/107).   .
4- في قَولِه تعالى: قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ بيانُ أنَّ أهلَ الرئاسةِ والشَّرَفِ يكونونَ أبعَدَ عن الانقيادِ إلى عبادةِ اللهِ وطاعتِه؛ لأنَّ حبَّهم للرئاسةِ يمنعُهم ذلك، بخِلافِ المُستضعَفينَ [684] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (11/130).   .
5- قال الله تعالى: قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ معلومٌ أنَّ اتِّباعَ الأرذَلينَ له لا يقدَحُ في صِدقِه، لكِنْ كَرِهوا مُشاركةَ أولئك، كما طلَب المُشرِكون مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إبعادَ الضُّعَفاءِ؛ كسعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ، وابنِ مسعودٍ، وخَبَّابِ بنِ الأرَتِّ، وعمَّارِ بنِ ياسرٍ، وبلالٍ، ونحوِهم، وكان ذلك بمكَّةَ قبْلَ أن يكونَ في الصَّحابةِ أهلُ الصُّفَّةِ [685] يُنظر ما تقدم في تفسير سورة الأنعام (5/269).   ، فأنزَل الله تبارك وتعالى: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ * وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [686] يُنظر: ((الإيمان)) لابن تيمية (ص: 153). وسببُ النزولِ المذكورُ أخرجه مسلم (2413).   [الأنعام: 52، 53].
6- قال تعالى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ، مع أنَّ دعاءَه: وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 118]، فكَلِمةُ: وَمَنْ مَعَهُ أعَمُّ، فما الحِكمةُ في ذلك؟
الجواب: ذلك لأنَّه صَحِبَ معه بعضَ الحيواناتِ والمخلوقاتِ، وأخَذ مِن كُلٍّ زوجَينِ، فهذه لا تُلصَقُ في الإيمانِ أو عَدَمِه. وقد نقولُ: لعلَّ نوحًا عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ -فيما يظهرُ- حينَ دعا ما كان يدورُ في ذِهنِه أنَّ اللهَ يُنجِّي هذه المخلوقاتِ الأُخرَى، لذا قال: وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [687] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشعراء)) (ص: 206).   .
7- قولُه تعالى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ قولُه: الْفُلْكِ حيثُ أتَى في غَيرِ فاصلةٍ استُعمِلَ جَمْعًا، كقولِه تعالى: وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ [النحل: 14] ، وحيثُ كان فاصلةً استُعمِلَ مُفردًا؛ لمُراعاةِ الفَواصلِ؛ كهذا الموضِعِ، والذي في سُورةِ (يس) [688] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/177).   ، فلو كان جمعًا لقال: (المشحونةِ)، أو (المشحوناتِ).
8- قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ الآيةُ في قصَّةِ نوحٍ: دلالَتُها على أنَّ اللهَ لا يُقِرُّ الذين يُكذِّبون رُسُلَه، ففي قصَّتِه آيةٌ للمُشرِكينَ مِن قريشٍ، وهم يعلمون قِصَّةَ نوحٍ والطُّوفانِ [689] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/164).   .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ استِئنافٌ لِتَسليةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ناشئٌ عن قولِه: وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [690] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/156).   [الشعراء: 103] .
2- قولُه تعالى: إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ خَصَّ بالذِّكرِ في هذه السُّورةِ هذا الموقفَ مِن مَواقفِه؛ لأنَّه أنسَبُ بغرضِ السُّورةِ في تَسليةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذِكْرِ مُماثِلِ حالِه مع قومِه [691] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/158).   .
- يجوزُ أنْ يكونَ لفظُ (أَلَا) في قولِه: أَلَا تَتَّقُونَ مُرَكَّبًا مِن حرفَينِ: همزةِ استِفهامٍ دخلَتْ على (لا) النَّافيةِ؛ فهو استِفهامٌ عنِ انتفاءِ تَقْواهم، مُستعمَلٌ في الإنكارِ، وهو يقْتضي امتناعَهم مِنَ الامتثالِ لدَعوتِه. ويجوزُ أنْ يكونَ (أَلَا) حرْفًا واحدًا، هو حَرفُ التَّحضيضِ، وهو يَقتَضي تباطُؤَهم عن تَصديقِه [692] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/158).   .
- قولُه: أَلَا تَتَّقُونَ فيه إيجازٌ بالحَذفِ؛ فمُتعلَّقُ التَّقوى مَحذوفٌ، فقيل: ألَا تتَّقونَ عذابَ الله وعقابَه على شركِكم؟ وقيل: ألَا تتَّقونَ مخالفةَ أمرِ الله، فتتركوا عبادتَكم للأصنامِ [693] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/175).   ؟
3- قولُه تعالى: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ تَعليلٌ للإنكارِ، أو للتَّحضيضِ في الآيةِ السَّابقةِ، وتأكيدُه بحَرفِ التَّأكيدِ (إنَّ) مع عدَمِ سَبْقِ إنكارِهم أمانتَه؛ لأنَّه توقَّعَ حُدوثَ الإنكارِ؛ فاستَدلَّ عليهم بتَجرِبةِ أمانتِه قبْلَ تبليغِ الرِّسالةِ؛ فإنَّ الأمانةَ دَليلٌ على صِدقِه فيما بلَّغَهم مِن رِسالةِ اللهِ [694] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/158).   .
- وفي حِكايةِ استِدلالِ نُوحٍ بأمانتِه بينَ قومِه في هذه القِصَّةِ المَسوقَةِ مَثَلًا للمشركينَ في تَكذيبِهم محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: تَعريضٌ بهم؛ إذْ كذَّبوه بعْدَ أنْ كانوا يدْعونَه الأمينَ [695] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/158، 159).   .
4- قولُه تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ تأكيدٌ لقولِهِ: أَلَا تَتَّقُونَ، وهو اعتراضٌ بينَ الجُملتَينِ المُتعاطفتَينِ [696] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/159).   .
- قولُه: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ فيه تَقديمُ الأمرِ بتَقوَى اللهِ على الأمْرِ بطاعتِه؛ لأنَّ تقْوَى اللهِ سببٌ لطاعةِ نوحٍ عليه السَّلامُ [697] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/175)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (7/102).   ، فتقوَى اللهِ علَّةٌ لطاعتِه، فقَدَّمَ العلَّةَ على المعلولِ [698] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (24/521)، ((تفسير ابن عادل)) (15/56).   .
5- قولُه تعالى: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ
- في هذه الآياتِ: أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، حيثُ ذُكِرتْ هذه الآياتُ في خمْسةِ مواضعَ: في قصَّةِ نوحٍ، وهودٍ، وصالحٍ، ولوطٍ، وشُعيبٍ عليهم السَّلامُ، ثمَّ كُرِّرَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ في قِصَّةِ نوحٍ، وهودٍ، وصالحٍ؛ فصارتْ ثمانيةَ مَواضعَ، وليس في قِصَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ؛ لِذِكْرِها في مواضعَ، وليستْ في قِصَّةِ مُوسى عليه السَّلامُ؛ لأنَّه ربَّاه فِرعونُ؛ حيثُ قال: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا [الشعراء: 18] ، ولا في قِصَّةِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ؛ لأنَّ أباهُ في المُخاطَبينَ؛ حيثُ يقولُ: إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ  [الشعراء: 70] ، وهو ربَّاه، واستحْيَا مُوسى وإبراهيمُ عليهما السَّلامُ أنْ يقولَا: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وإنْ كانا مُنزَّهَينِ مِن طلَبِ الأُجرةِ [699] يُنظر: ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 190).   .
6- قولُه تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
- قولُه: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ الفاءُ لتَرتيبِ ما بعْدَها على ما قبْلَها، مِن تَنَزُّهِه -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- عنِ الطَّمعِ، كما أنَّ نَظيرتَها السَّابقةَ لتَرتيبِ ما بعْدَها على أمانتِه [700] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/254).   .
- وكرَّر الأمْرَ بالتَّقوى والطَّاعةِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ؛ ليُؤكِّدَ عليهم، ويُقرِّرَ ذلك في نُفوسِهم، وإنِ اختلَفَ التَّعليلُ؛ جعَلَ الأوَّلَ مَعلولًا لأمانتِه، والثَّانيَ لانتفاءِ أخْذِ الأجْرِ [701] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/324)، ((تفسير أبي حيان)) (8/175)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (7/102).   . وليُنبِّهَ على دَلالةِ كلِّ واحدٍ مِن أمانتِه، وحَسْمِ طَمَعِه على وُجوبِ طاعتِهِ فيما يَدْعوهم إليه؛ فكَيْفَ إذا اجتَمَعا [702] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/144)، ((تفسير أبي السعود)) (6/254).   ؟! أو كرَّر جُملةَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ؛ لزيادةِ التَّأكيدِ؛ فيكونُ قَدِ افتتَحَ دعوتَه بالنَّهيِ عن تَرْكِ التَّقوى، ثمَّ علَّلَ ذلك، ثمَّ أعادَ ما تقْتضيهِ جُملةُ الاستفتاحِ، ثمَّ علَّلَ ذلك بقولِهِ: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ، ثمَّ أعادَ جُملةَ الدَّعوةِ في آخِرِ كلامِه؛ إذْ قال: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ذُكِر مُكرَّرًا في ثَلاثةِ مواضعَ: في قصَّةِ نوحٍ، وهودٍ، وصالحٍ؛ تأكيدًا، وخُصَّتِ الثَّلاثةُ بالتَّأكيدِ دونَ قصَّةِ لُوطٍ وشعيبٍ؛ اكتفاءً عنه في قصَّةِ لوطٍ بقولِهِ: قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ [الشعراء: 168] ، وفي قصَّةِ شُعيبٍ بقولِه: وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ [الشعراء: 184] ؛ لاستِلزامِهما له [703] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 415).   .
- وحُذِفَتِ الياءُ مِن وَأَطِيعُونِ في الموضعَينِ كما حُذِفَتْ في قولِه: فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [الشعراء: 14] في أوائلِ السُّورةِ؛ لمُراعاةِ الفاصلةِ [704] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/159).   .
7- قولُه تعالى: قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ استِئنافٌ بَيانيٌّ لِما يُثيرُه قولُه: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ [الشعراء: 105] مِنِ استِشرافِ السَّامِعِ لمعرفةِ ما دارَ بيْنَهم وبينَ نُوحٍ مِن حِوارٍ؛ ولذلك حُكِيَتْ مُجادَلَتُهم بطريقةِ: قالوا، وقال [705] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/159).   .
- والاستفهامُ في أَنُؤْمِنُ استفهامٌ إنكاريٌّ [706] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/160).   .
8- قولُه تعالى: قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ جَوابٌ عمَّا أُشِيرَ إليه مِن قولِهم: إنَّ أتْباعَه لم يُؤمِنوا عن نظَرٍ وبَصيرةٍ [707] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/255).   . وفي جوابِ نُوحٍ عليه السَّلامُ هذا عن كلامِ قومِه حُسنُ بلاغةٍ في لَفظِه ومعناهُ؛ فأمَّا لَفظُه: فاقتِرانُ أوَّلِه بالواوِ يَجعلُه في حُكمِ المعطوفِ على كَلامِ قَومِه؛ تَنبيهًا على اتِّصالِه بكلامِهم، وذلك كِنايةٌ عن مُبادرتِه بالجوابِ كما في قولِه تعالى حِكايةً عن إبراهيمَ عليه السَّلامُ: قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [البقرة: 124] بعْدَ قولِه: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة: 124] . وأمَّا معناهُ: فهو استِفهامٌ مُؤْذِنٌ بأنَّ قومَه فصَّلوا إجْمالَ وصْفِهم أتْباعَه بالأرذَلينَ؛ بأنْ بيَّنوا أوصافًا مِن أحوالِ أهلِ الحاجةِ الَّذينَ لا يَعْبأُ النَّاسُ بهم؛ فأتَى بالاستِفهامِ عن عِلمِه استِفهامًا مُستعمَلًا في قِلَّةِ الاعتناءِ بالمُستفهَمِ عنه، وهو كِنايةٌ عن قِلَّةِ جَدْواه؛ لأنَّ الاستفهامَ عنِ الشَّيءِ يُؤْذِنُ بالجَهلِ به، والجَهلُ تُلازِمُه قِلَّةُ العِنايةِ بالمجهولِ، وضَعْفُ شأْنِه؛ كما يُقالُ لك: يُهدِّدُكَ فلانٌ؛ فتقولُ: وما فلانٌ؟! أي: لا يُعْبأُ به [708] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/160).   .
- و كَانُوا في قولِه: بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مَزيدةٌ بينَ (ما) الموصولةِ وصِلتِها؛ لإفادةِ التَّأكيدِ، والمعنى: أيُّ شَيءٍ عِلْمي بما يعملونَ؟ وليس المُرادُ بما كانوا عمِلوهُ مِن قبْلُ [709] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/161).   .
9- قولُه تعالى: إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ
- القَصرُ في قولِه: إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي قَصْرُ مَوصوفٍ على الصِّفةِ [710] وهو أيضًا قَصْرُ إفرادٍ إضافيٌّ. والقَصرُ أو الحَصرُ في اصطِلاح البلاغيِّينَ هو: تَخصيصُ شيءٍ بشيءٍ وحصرُه فيه، ويُسمَّى الأمرُ الأوَّلُ: مَقصورًا، والثاني: مقصورًا عليه، مثل: إنَّما زيدٌ قائمٌ، و: ما ضرَبتُ إلَّا زيدًا. وينقسِمُ إلى قَصْرٍ حقيقيٍّ، وقصرٍ إضافيٍّ، وادِّعائيٍّ، وقصرِ قَلْبٍ؛ فالقصرُ الإضافيُّ: أنْ يكونَ المقصورُ عنه شيئًا خاصًّا، يُرادُ بالقصرِ بيانُ عدَمِ صحَّةِ ما تصوَّره بشأنِه، أو ادَّعاه المقصودُ بالكلامِ، أو إزالةُ شكِّه وتردُّدِه، إذا كان الكلامُ كلُّه منحصرًا في دائرةٍ خاصَّةٍ؛ فليس قصرًا حقيقيًّا عامًّا، وإنَّما هو قَصرٌ بالإضافةِ إلى موضوعٍ خاصٍّ، يَدورُ حوْلَ احتمالينَ أو أكثرَ مِن احتمالاتٍ محصورةٍ بعددٍ خاصٍّ، ويُستدَلُّ عليها بالقرائنِ، مثلُ قولِه تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران: 144] . ويَنقسمُ القَصرُ أو الحَصرُ باعتبارٍ آخَرَ إلى ثَلاثةِ أقسامٍ: قصْرُ الموصوفِ على الصِّفةِ قَصْرَ إفرادٍ، وقصرَ قَلْبٍ، وقصرَ تعيينٍ. يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسكَّاكي (ص: 288)، ((الإيضاح في علوم البلاغة)) للقزويني (1/118) و(3/6)، ((التعريفات)) للجرجاني (1/175، 176)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/167)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/162). ، والموصوفُ هو حِسَابُهُمْ، والصِّفةُ هي عَلَى رَبِّي؛ لأنَّ المجرورَ الخبرَ في قُوَّةِ الوصفِ، ومعناه: حسابُهم مَقصورٌ على الاتِّصافِ بمدلولِ عَلَى رَبِّي، أي: لا يَتجاوزُ إلى الاتِّصافِ بكوْنِ حِسابِهم علَيَّ أنا. وهو ردٌّ لِمَا تضمَّنَه كلامُ قَومِه مِن مُطالَبتِه بإبعادِ الذينَ آمَنوا؛ لأنَّهم لا يَستحِقُّونَ أنْ يكونوا مُساوينَ لهم في الإيمانِ الذي طلَبَه نُوحٌ مِن قَومِه [711] يُنظرُ: ((مفتاح العلوم)) للسكاكي (ص: 289)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/162).   !
- وقولُه: لَوْ تَشْعُرُونَ تَجهيلٌ لهم، ورَغْمٌ لغُرورِهم، وإعجابِهمُ الباطِلِ، وجوابُ (لو) محذوفٌ دلَّ عليه ما قبْلَه [712] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/162).   .
10- قولُه تعالى: وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ جوابٌ لِمَا أَوْهَمَ قولُهم مِنِ استدِعاءِ طرْدِهم، وتوقيفِ إيمانِهم عليه؛ حيثُ جَعلوا اتِّباعَهم المانعَ عنه [713] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/144)، ((تفسير أبي حيان)) (8/177)، ((تفسير أبي السعود)) (6/255).   .
11- قولُه تعالى: إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ   استِئنافٌ في معنى التَّعليلِ [714] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/144)، ((تفسير أبي السعود)) (6/255)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/162).   .
- والقصْرُ إضافيٌّ، وهو قصْرُ مَوصوفٍ على صِفَةٍ [715] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/163).   .
- وفيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، حيثُ تَقدَّمَ في سُورةِ (هودٍ) حِكايةُ مَوقفٍ لنُوحٍ عليه السَّلامُ مع قومِه شبيهٍ بما حُكِيَ هُنا في قولِه تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ * وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ  ... [هود: 25 - 29] ، وبينَ الحكايتَينِ اختِلافٌ ما؛ فلعلَّهما مَوقفانِ، أو هما كلامانِ في موقفٍ واحدٍ؛ حُكِيَ أحدُهما هُنالِكَ، والآخَرُ هنا على عادةِ قَصصِ القرآنِ؛ فما في إحدى الآيتَينِ مِن زِيادةٍ يُحْمَلُ على أنَّهُ مُكمِّلٌ لِمَا في الأخرى [716] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/163).   .
12- قولُه تعالى: قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ تَمهيدٌ للدُّعاءِ عليهم، وهو خبَرٌ مُستعمَلٌ في إنشاءِ التَّحسُّرِ، واليأسِ مِن إقلاعِهم عن التَّكذيبِ [717] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/163).   .
- وحذْفُ الياءِ مِن قولِهِ: كَذَّبُونِ للفاصِلةِ؛ كما تقدَّم في قولِهِ: فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [718] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/163).   [الشعراء: 14] .
13- قولُه تعالى: فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
- قولُه: فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا الفتْحُ: الحُكْمُ، وتأكيدُهُ بـ فَتْحًا؛ لإرادةِ حُكْمٍ شديدٍ، وهو الاستئصالُ؛ ولذلك أَعْقَبَه بالاحتراسِ بقولِه: وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [719] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (19/163).   [الشعراء: 118] .
- قولُه: قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حِكايةٌ إجماليَّةٌ لدُعائِه المُفصَّلِ في سُورةِ نوحٍ عليه السَّلامُ [720] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/255).   . ودَعا لنفْسِه ولِمَن آمَنَ به بالنَّجاةِ، وفي ذلك إشعارٌ بحُلولِ العذابِ بقَومِه [721] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/177).   .
14- قولُه تعالى: ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ لَمَّا كان إغراقُهم كلِّهم مِنَ الغرائبِ، عظَّمَه بأداةِ البُعدِ ومَظهَرِ العَظمةِ؛ فقال: ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ [722] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/67)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/163).   .