موسوعة التفسير

سورةُ العَنكَبوتِ
الآيتان (14-15)

ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ

غَريبُ الكَلِماتِ:

الطُّوفَانُ: أي: السَّيلُ العَظيمُ، والماءُ المُتناهي فِي الكَثرةِ، وأصلُ (طوف): يدُلُّ على دَوَرانِ الشَّيءِ على الشَّيءِ، وأن يَحُفَّ به [163] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 171)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/432)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 116)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 581). .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ تعالى مبَيِّنًا ابتلاءَ نوحٍ عليه السَّلامُ بقومِه: ولقد أرسَلْنا نوحًا إلى قَومِه فمكَثَ فيهم داعيًا لهم إلى عبادةِ اللهِ وَحْدَه تِسعَمئةٍ وخمسينَ سنةً، فأغرَقَهم الطُّوفانُ وهم ظالِمونَ لأنفُسِهم بالشِّركِ والتَّكذيبِ، وأنجَيْنا نوحًا ومَنْ حمَلَهم معه في السَّفينةِ، وجعَلْنا تلك السَّفينةَ عِبرةً للعالَمينَ.

تَفسيرُ الآيتَينِ:

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان السِّياقُ للبَلاءِ والامتِحانِ، والصَّبرِ على الهَوانِ، وإثباتِ عِلمِ اللهِ وقُدرتِه على إنجاءِ الطَّائِعِ وتعذيبِ العاصي؛ ذَكَرَ مِنَ الرُّسُلِ الكِرامِ -عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ- مَن طال صَبرُه على البلاءِ، ولم يَفتُرْ عَزمُه عن نصيحةِ العبادِ على ما يُعامِلونَه به مِن الأذى؛ تسليةً لِرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولتابعيه رَضيَ الله تعالى عنهم، وتثبيتًا لهم، وتهديدًا لِقُريشٍ [164] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/403). .
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا.
أي: ولقد أرسَلْنا نوحًا إلى قَومِه المُشرِكينَ، فأقام فيهم نبيًّا داعيًا لهم إلى عبادةِ اللهِ وَحْدَه تِسعَمئةٍ وخَمسينَ سَنةً [165] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/370)، ((الوسيط)) للواحدي (3/415)، ((تفسير ابن كثير)) (6/267، 268)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/404)، ((تفسير السعدي)) (ص: 627)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 58، 59). .
فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ.
أي: فأهلَكَهم الماءُ الكثيرُ الَّذي نزَل مِن السَّماءِ، ونَبَع مِن الأرضِ، فأغرَقَهم وهم ظالِمونَ لأنفُسِهم بالشِّركِ والتَّكذيبِ؛ فاستَحَقُّوا عذابَ اللهِ [166] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/370، 371)، ((تفسير السعدي)) (ص: 627)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/222)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 60، 61). .
كما قال تعالى: وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [الأنبياء: 77] .
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (15).
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ.
أي: فأنجَيْنا مِنَ الغَرَقِ والهلاكِ نوحًا ومَن حمَلَهم معه في السَّفينةِ [167] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/371)، ((الوسيط)) للواحدي (3/415)، ((تفسير ابن كثير)) (6/268). قال ابن عثيمين: (أي: أهلُ نوحٍ كُلُّهم -إلَّا ابنَه الكافِرَ وامرأتَه-، والمؤمِنون مِن قَومِه، وكذلك أيضًا الحيواناتُ مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ [المؤمنون: 27] ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 62). .
كما قال تعالى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا [الأعراف: 64] .
وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ.
أي: وجعَلْنا تلك السَّفينةَ عِبرةً للعالَمينَ وحُجَّةً عليهم، وعلامةً على قُدرةِ اللهِ وعِلمِه، وإنجائِه للطَّائِعِ، وإهلاكِه للعاصي [168] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/372)، ((تفسير ابن كثير)) (6/268، 269)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/405)، ((تفسير السعدي)) (ص: 628)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/222، 223). قال ابن كثير: (قولُه: وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ أي: وجعَلْنا تلك السَّفينةَ باقيةً؛ إمَّا عَيْنُها كما قال قَتادةُ: إنَّها بَقِيت إلى أوَّلِ الإسلامِ على جبلِ الجُودِيِّ، أو نَوْعُها جعَلَه للنَّاسِ تَذكرةً لنِعَمِه على الخَلْقِ، كيف نجَّاهم مِنَ الطُّوفانِ). ((تفسير ابن كثير)) (6/268). ويُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 62-64). وقال القرطبيُّ: (الهاءُ والألِفُ في «جَعَلْناها» لِلسَّفينةِ، أو لِلْعقوبةِ، أو لِلنَّجاةِ؛ ثلاثةُ أقوالٍ). ((تفسير القرطبي)) (13/334). .
قال تعالى: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً [الفرقان: 37] .
وقال سُبحانَه: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء: 121] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [يس: 41] .
وقال جلَّ جلالُه: وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: 15].
وقال تبارك وتعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ [الحاقة: 11، 12].

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- قَولُ الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ ابتُدِئت القِصصُ بقِصَّةِ أوَّلِ رَسولٍ بعَثَه اللهُ لأهلِ الأرضِ؛ فإنَّ لِأَوَّليَّاتِ الحوادِثِ وَقعًا في نفوسِ المتأمِّلينَ في التَّاريخِ [169] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/222). .
2- قَولُ الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فيه سؤالٌ: ما الفائدةُ في ذِكرِ مُدَّةِ لُبثِه؟
الجوابُ: كان النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يَضيقُ صَدرُه بسبَبِ عَدَمِ دُخولِ الكُفَّارِ في الإسلامِ، وإصرارِهم على الكُفرِ؛ فقال: إنَّ نوحًا لَبِث ألْفَ سَنةٍ -تقريبًا- في الدُّعاءِ، ولم يؤمِنْ مِن قَومِه إلَّا قليلٌ، وصبَرَ وما ضَجِرَ، فأنت أَوْلى بالصَّبرِ؛ لقِلَّةِ مُدَّةِ لُبثِك، وكثرةِ عَدَدِ أمَّتِك، وأيضًا كان الكُفَّارُ يَغترُّونَ بتأخيرِ العذابِ عنهم أكثَرَ، ومع ذلك ما نَجَوا، فبهذا المِقدارِ مِن التَّأخيرِ لا ينبغي أن يَغترُّوا؛ فإنَّ العذابَ يَلحَقُهم [170] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/36). .
3- قَولُ الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فيه سؤالٌ: الاستِثناءُ في العدَدِ تكلُّمٌ بالباقي؛ فإذا قال القائِلُ: لفُلانٍ علَيَّ عَشَرةٌ إلَّا ثلاثةً، فكأنَّه قال: علَيَّ سَبعةٌ، إذا عُلِمَ هذا فقَولُه: أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا كقَولِه: تِسعمئةٍ وخمسين سنةً، فما الفائدةُ في العُدولِ عن هذه العبارةِ إلى غيرِها؟
الجوابُ: في ذلك فائدتانِ
الفائدةُ الأولى: أنَّ الاستِثناءَ يدُلُّ على التَّحقيقِ، وتركُه قد يُظَنُّ به التَّقريبُ؛ فإنَّ مَن قال: عاش فلانٌ ألْفَ سَنةٍ، يُمكِنُ أن يُتوهَّمَ أن يقولَ: ألف سنةٍ تقريبًا لا تحقيقًا، فإذا قال: إلَّا شهرًا أو إلَّا سنةً، يَزولُ ذلك التَّوهُّمُ، ويُفهَمُ منه التَّحقيقُ.
الفائدةُ الثَّانيةُ: أنَّ ذِكرَ لُبثِ نوحٍ عليه السَّلامُ في قَومِه كان لبيانِ أنَّه صبَر كثيرًا، ولم يؤمِنْ مِن قومِه إلا قليلٌ؛ ولذلك أتَى بعقدِ الألفِ؛ لأنَّه أعظمُ وأفخمُ، فهو أعلَى مراتِبِ الأعدادِ الَّتي لها اسمٌ مُفرَدٌ مَوضوعٌ، فالنَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أولى بالصَّبرِ مع قِصَرِ مُدَّةِ دُعائِه، وكثرةِ مَن آمَن به [171] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/36)، ((تفسير الخازن)) (3/377). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الزمخشري)) (3/445). .
4- قَولُ الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا استُدِلَّ به على جَوازِ الاستِثناءِ مِن العدَدِ [172] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/347). .
5- قول الله تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، فيه ردٌّ على مَن قال: لا يُستثنَى مِن العَدَدِ عَقْدٌ صحيحٌ [173] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 205). .
6- قَولُ الله تعالى: فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ فيه إشارةٌ إلى لطيفةٍ، وهي: أنَّ اللهَ تعالى لا يُعذِّبُ على مجرَّدِ وجودِ الظُّلمِ، وإلَّا لَعَذَّبَ مَن ظلَمَ وتاب؛ فإنَّ الظُّلمَ وُجِدَ منه، وإنَّما يُعذِّبُ على الإصرارِ على الظُّلمِ؛ فقَولُه: وَهُمْ ظَالِمُونَ يعني: أهلَكَهم وهم على ظُلمِهم، ولو كانوا ترَكوه لَما أهلَكَهم [174] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/37). .
7- قولُ الله تعالى: وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ، استَدلَّ بعضُهم بهذه الآيةِ على أنَّ ساكنَ الدَّارِ يُدعَى (صاحِبَها)، وإن لم تكُنْ له مِلكًا [175] يُنظر: ((أحكام القرآن)) لابن الفرس (3/410). .
8- قال اللهُ تعالى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ أي: يَعتَبِرونَ بها على أنَّ مَن كذَّب الرُّسُلَ آخِرُ أمرِه الهلاكُ، وأنَّ المؤمِنينَ سيَجعَلُ اللهُ لهم مِن كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، ومِن كُلِّ ضِيقٍ مَخرَجًا [176] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 628). .

بلاغةُ الآيتينِ:

1- قولُه تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ شُروعٌ في بَيانِ ابتلاءِ الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ بأذيَّةِ أُمَمِهم إثْرَ بَيانِ ابتِلاءِ المؤمنينَ بأذيَّةِ الكفَّارِ؛ تأكيدًا للإنكارِ على الَّذين يَحسَبون أنْ يُتْرَكوا بمُجرَّدِ الإيمانِ بلا ابتِلاءٍ، وحثًّا لهم على الصَّبرِ؛ فإنَّ الأنبياءَ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ حيث ابْتُلوا بما أصابَهم مِن جِهَةِ أُمَمِهم مِن فُنونِ المكارِهِ وصَبرُوا عليها، فَلأنْ يَصبِرَ هؤلاءِ أَولى وأحْرى [177] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/33). .
- وذِكْرُ هذه القصَّةِ تَسليةٌ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِمَا كان يَلْقَى مِن أذَى الكفَّارِ، فذُكِرَ ما لَقِيَ أوَّلُ الرُّسلِ -وهو نوحٌ عليه السَّلامُ- مِن أذَى قَومِه المُدَدَ المُتطاوِلةَ؛ تَسليةً لخاتمِ الرُّسلِ صلواتُ اللهِ عليه [178] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/346). . وسِيقَت هذه القصَّةُ واللَّاتي بعْدَها شواهدَ على ما لَقِيَ الرُّسلُ والَّذين آمَنوا معهم مِن تَكذيبِ المشركينَ، كما صرَّحَ به قولُه عَقِبَ القصَّتينِ: وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ [العنكبوت: 18] على أحدِ الوجهَينِ في تَفسيرِها [179] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/222). .
- وفي قَولِه: أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا جاء المُميِّزُ أوَّلًا بالسَّنةِ، وثانيًا بالعامِ؛ لأنَّ تَكريرَ اللَّفظِ الواحدِ في الكلامِ الواحدِ حقيقٌ بالاجتنابِ في البلاغةِ، إلَّا إذا وقَعَ ذلك لأجْلِ غرَضٍ يَنْتَحِيه المُتكلِّمُ؛ مِن تَفخيمٍ، أو تَهويلٍ، أو تَنويهٍ، أو نحوِ ذلك [180] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/445، 446)، ((تفسير أبي السعود)) (7/33)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 436). . وقِيل: أُوثِرَ تَمييزُ أَلْفَ بـ سَنَةٍ؛ لطلَبِ الخِفَّةِ بلفظِ (سَنَةٍ)، ومُيِّزَ خَمْسِينَ بلفْظِ عَامًا؛ لئلَّا يُكرِّرَ لفْظَ سَنةٍ [181] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/222). . أو عُبِّرَ بلفْظِ سَنَةٍ ذمًّا لأيَّامِ الكُفْرِ، وقال: عَامًا إشارةً إلى أنَّ زمانَ حياتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بعدَ إغراقِهم كان رغَدًا واسعًا حَسنًا بإيمانِ المؤمنينَ، وخِصْبِ الأرضِ [182] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/404). .
- قولُه: فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ فيه إيجازٌ بالحذْفِ؛ فقد طُوِيَ ذِكْرُ ما تَرتَّبَ عليه أخْذُهم بالطُّوفانِ، وهو استِمرارُ تَكذيبِهم [183] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/222). .
- وقوله: فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ أبلَغُ مِن قولِه: «فأغرقَهم»؛ لأنَّ الأخْذَ يكونُ في مُقابَلةِ عملٍ؛ فهو جزاءٌ [184] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 60). .
- وقولُه: وَهُمْ ظَالِمُونَ أي: أخَذَهم وهم مُتلَبِّسون بالظُّلمِ -أي: الشِّركِ، وتكذيبِ الرَّسولِ- تلَبُّسًا ثابتًا لهم مُتقرِّرًا، وهذا تَعريضٌ للمشركينَ بأنَّهم سيأخُذُهم عذابٌ [185] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/222). .
2- قوله تعالى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ
- وفاءُ فَأَنْجَيْنَاهُ عطْفٌ على فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ، وهذا إيماءٌ إلى أنَّ اللهَ مُنْجِي المؤمنينَ مِن العذابِ [186] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/222). .
- وإنَّما قال: لِلْعَالَمِينَ الشَّاملَ لجَميعِ سكَّانِ الأرضِ؛ لأنَّ مَن لمْ يُشاهِدْ بَقايا سفينةِ نُوحٍ فإنَّه يُشاهِدُ السُّفنَ، فيَتذكَّرُ سَفينةَ نُوحٍ وكيف كان صُنْعُها بوَحْيٍ مِن اللهِ لإنْجاءِ نوحٍ ومَن شاء اللهُ نَجاتَه، ولأنَّ الَّذين مِن أهْلِ قَريتِها يُخبِرون عنها، وتُنقَلُ أخبارُهم، فتَصِيرُ مُتواتِرةً [187] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/223). .
- وأفرَدَ آيَةً، وجاء بالفاصلةِ لِلْعَالَمِينَ؛ لأنَّ إنجاءَ السُّفنِ أمْرٌ مَعهودٌ؛ فالآيةُ إنجاؤُه تعالى أصحابَ السَّفينةِ وقْتَ الحاجةِ، ولأنَّها بَقِيَت أعوامًا حتَّى مرَّ عليها النَّاسُ ورَأَوها، فحصَلَ العِلْمُ بها لهم؛ فناسَبَ ذلك قولُه: لِلْعَالَمِينَ [188] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/347). ، وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ.