موسوعة التفسير

سورةُ الرَّعدِ
الآيات (25-27)

ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ

غريب الكلمات:

يَبْسُطُ: أي: يُوسِّعُ، وأصلُ (بسط): يدُلُّ على امتِدادِ الشَّيءِ [391] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 254)، ((تفسير ابن جرير)) (13/516)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/247). .
وَيَقْدِرُ: أي: يُضَيِّقُ، يقال: قَدَرْتُ عليه الشيءَ: إذا ضيَّقتَه، كأنَّما جعلتَه بقَدْرٍ، وأصلُ (قدر): يدُلُّ على مَبلغِ الشَّيءِ ونِهايتِه [392] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 254)، ((تفسير ابن جرير)) (13/516)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 466)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/62)، ((المفردات)) للراغب (ص: 659)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 297). .
مَتَاعٌ: أي: متعةٌ، وانتفاعٌ، وأصل (متَع): المنفعةُ وامتدادُ مدَّةٍ في خيرٍ [393] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 46)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 409)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/293)، ((المفردات)) للراغب (ص: 757)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 69). .

المعنى الإجمالي:

بعد أنْ ذكَرَ اللهُ تعالى صِفاتِ أولئك الأوفياءِ، وما أعدَّ لهم مِن ثوابٍ جَزيلٍ؛ أتبَعَ ذلك بوَصفِ الأشقياءِ، وبيَّنَ أنَّهم الذين لا يُوفونَ بعَهدِ اللهِ مِن بعدِ ما أكَّدوا التزامَهم به، وقَبولَهم له، وهم الذين يَقطَعونَ ما أمَرَهم اللهُ بوَصلِه، ويُفسِدونَ في الأرضِ، أولئك الموصوفونَ بهذه الصِّفاتِ السيئةِ لهم اللعنةُ، ولهم ما يَسوءُهم في الدَّارِ الآخرةِ مِن العذابِ.
اللهُ يُوسِّعُ الرِّزقَ لِمَن يشاءُ مِن عِبادِه، ويُضيِّقُه على مَن يشاءُ منهم، وفَرِحَ الكُفَّارُ بنعيمِ الحياةِ الدُّنيا فَرَحَ بَطَرٍ وطُغيانٍ، وما نعيمُ هذه الحياةِ الدُّنيا بالنِّسبةِ للآخرةِ إلَّا شَيءٌ قليلٌ يُتمتَّعُ به، سُرعانَ ما يزولُ. ويقولُ الكُفَّارُ: هلَّا أُنزِلَ على محمَّدٍ مُعجِزةٌ مِن رَبِّه؛ لنؤمِنَ برِسالتِه. قلْ لهم: إنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يشاءُ مِن عبادِه، ويَهدي إليه مَن رجَعَ وتاب، وليس ضلالُ مَن يضِلُّ لعدمِ نزولِ آيةٍ، ولا هدايةُ مَن يهتدي بسببِ إنزالها.

تفسير الآيات:

وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى صِفاتِ السُّعَداءِ، وذكَرَ ما ترتَّبَ عليها مِن الأحوالِ الشَّريفةِ العاليةِ؛ أتبَعَها بذِكرِ حالِ الأشقياءِ، وذِكرِ ما يترتَّبُ عليها من الأحوالِ المُخْزيةِ المكروهةِ، وأتبعَ الوَعدَ بالوعيدِ، والثَّوابَ بالعقابِ؛ ليكونَ البيانُ كامِلًا [394] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/38). .
وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ.
أي: والذين لا يُوفونَ بعهدِ الله، مِن بعدِ تأكيدِه عليهم، وتغليظِه، وتوثيقِه، إنما يقابلونَه بالإعراضِ والنقضِ [395] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/514)، ((تفسير السعدي)) (ص: 417)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/133). ويُنظر ما تقدَّم في تفسيرِ الآيةِ رقم (20). قال السمعاني: (وهذا وارِدٌ في الكفَّارِ). ((تفسير السمعاني)) (3/91). .
وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ.
أي: ويَقطعونَ ما أمَرَ اللهُ بوَصلِه؛ من الإيمانِ والعمَلِ الصَّالحِ، والأرحامِ [396] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/514)، ((تفسير القرطبي)) (9/314)، ((تفسير السعدي)) (ص: 417). .
وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ.
أي: ويُفسِدونَ في الأرضِ بالكُفرِ والمعاصي والصَّدِّ عن سبيلِ اللهِ [397] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/514)، ((تفسير القرطبي)) (9/314)، ((تفسير السعدي)) (ص: 417). .
أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ.
أي: أولئك لهم الطَّردُ والإبعادُ مِن رَحمةِ اللهِ، ولهم ما يَسوءُهم في جهنَّمَ [398] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (9/314)، ((تفسير ابن كثير)) (4/453)، ((تفسير السعدي)) (ص: 417). .
اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ (26).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا حكَمَ اللهُ تعالى على من نقَضَ عَهدَه في قَبولِ التَّوحيدِ والنبُوَّةِ بأنَّهم ملعونونَ في الدُّنيا، ومُعَذَّبونَ في الآخرةِ، فكأنَّه قيل: لو كانوا أعداءَ اللهِ، لَمَا فتَحَ اللهُ عليهم أبوابَ النِّعَمِ واللَّذَّاتِ في الدُّنيا! فأجاب اللهُ تعالى عنه بهذه الآيةِ، وهو أنَّه يبسطُ الرزقَ على البعضِ، ويضيِّقُه على البعضِ، ولا تعلُّقَ له بالكفرِ والإيمانِ، فقد يوجدُ الكافرُ موسَّعًا عليه دونَ المؤمنِ، ويوجدُ المؤمنُ مضيَّقًا عليه دونَ الكافرِ، فالدُّنيا دارُ امتحانٍ [399] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/38). ، فقال:
اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ.
أي: اللهُ وَحدَه هو الذي يُوَسِّعُ الرِّزقَ لِمَن يشاءُ، ويُضَيِّقُ الرِّزقَ على من يَشاءُ، بحسَبِ ما تَقتضيه حِكمتُه [400] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/516)، ((تفسير ابن كثير)) (4/453)، ((تفسير السعدي)) (ص: 417). .
كما قال تعالى: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [العنكبوت: 62] .
وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
أي: وفَرِحَ الكُفَّارُ- الذين وسَّعَ اللهُ أرزاقَهم- بنعيمِ الحياةِ الدُّنيا فَرَحَ بَطَرٍ وطُغيانٍ، وغَفَلوا عن الآخرةِ [401] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/516)، ((تفسير ابن كثير)) (4/453)، ((تفسير السعدي)) (ص: 417)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/134، 135). .
كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس: 7- 8] .
وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ.
أي: وما نعيمُ الحياةِ الدُّنيا في جَنبِ نَعيمِ الآخرةِ إلَّا شَيءٌ حَقيرٌ، وتمتعٌ ضئيلٌ لا قيمةَ له، سرعانَ ما ينقضي ويزولُ [402] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/516)، ((تفسير القرطبي)) (9/314)، ((تفسير ابن كثير)) (4/453)، ((تفسير السعدي)) (ص: 417)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/135). .
كما قال تعالى: قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء: 77] .
وقال سُبحانه: فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة: 38] .
وعن المُستَورِد رضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((واللهِ ما الدُّنيا في الآخرةِ إلَّا مِثلُ ما يجعَلُ أحَدُكم إصبَعَه هذه في اليَمِّ [403] اليَمُّ: البَحرُ. يُنظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (1/44). ، فلْينظُرْ بم ترجِعُ؟ )) [404] رواه مسلم (2858). .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الدُّنيا مَتاعٌ، وخَيرُ مَتاعِ الدُّنيا المرأةُ الصَّالحةُ) ) [405] رواه مسلم (1467). .
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى طَعْنَهم فى نبُوَّةِ مُحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِقَولِه بالحَشرِ والمعادِ، ثمَّ طعْنَهم فيه؛ لأنَّه أنذَرَهم بحلولِ عَذابِ الاستِئصالِ؛ ذكَرَ أنَّهم طَعَنوا فيه؛ لأنَّه لم يأتِ لهم بمُعجزةٍ مُبَيِّنةٍ، كما فعل الرُّسُلُ مِن قَبلِه، فقال تعالى [407] يُنظر: ((تفسير المراغى)) (13/72). :
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ.
أي: ويقولُ الكُفَّارُ من قَومِك- يا محمَّدُ-: هلَّا أُنزِلَ على مُحمَّدٍ مُعجِزةٌ مِن رَبِّه؛ حتى نؤمِنَ بأنَّه رَسولُ اللهِ [408] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/517)، ((تفسير ابن كثير)) (4/454)، ((تفسير السعدي)) (ص: 417). .
كما قال تعالى: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا [الإسراء: 90 - 93] .
قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ.
أي: قُلْ- يا محمَّدُ- لِقَومِك الذين يقتَرِحونَ عليك إنزالَ آيةٍ: إنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يشاءُ مِن عِبادِه فيَخذُلُه عن الإيمانِ بي، ويهدي إليه [409] قال القرطبي: (الهاءُ في إِلَيْهِ للحقِّ، أوْ للإسلامِ، أوْ لله عزَّ وجلَّ، على تقديرِ: ويَهْدي إلى دينِه وطاعتِه). ((تفسير القرطبي)) (9/315). من رجَعَ وتاب فيُوَفِّقُه لاتِّباعي، وليس ضلالُ مَن يضِلُّ منكم لأنَّه لم تنزلْ عليَّ آيةٌ مِن ربِّي وفقَ ما تقترحونَ، ولا هدايةُ مَن يهتدي منكم بسببِ إنزالها عليَّ، وإنما ذلك بيدِ اللهِ وحدَه [410] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/517)، ((تفسير القرطبي)) (9/315)، ((تفسير ابن كثير)) (4/454)، ((تفسير السعدي)) (ص: 417). .
كما قال تعالى: اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ [الشورى: 13] .

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالى: وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ التَّحذيرُ مِن قطيعةِ الرَّحِمِ؛ فإنَّها سببٌ لِلَعنةِ اللهِ وعقابِه [411] يُنظر: ((الضياء اللامع من الخطب الجوامع)) لابن عثيمين (7/506). .
2- قول الله تعالى: وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ فيه دليلٌ على أنَّ الفرحَ بالدُّنيا حرامٌ منهيٌّ عنه [412] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (3/91)، ((تفسير البغوي)) (3/20)، ((تفسير ابن عادل)) (11/299). ، وهو مَذمومٌ مُطلقًا؛ لأنَّه نَتيجةُ حُبِّها، والرِّضا بها، والذُّهولِ عن ذَهابِها [413] يُنظر: ((تفسير البيضاوى)) (4/303). ، أمَّا الفَرَحُ بها لِكَونِها وَسيلةً إلى أمرٍ مِن أمورِ الآخرةِ فغَيرُ مذمومٍ [414] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (10/318). ، فالمذمومُ هو الفَرَحُ بالدُّنيا المحضةِ، والأَشَرُ والبَطَرُ، وهذا هو الذي ذَمَّ اللَّهُ به الإنسانَ بقَولِه تعالى: إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ [415] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/258). [هود: 10] .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ دَلالةٌ على أنَّ الآياتِ التي يَقتَرِحُها الكُفَّارُ ليُؤمِنوا؛ لا تُوجِبُ هِدايةً، وإنَّما اللهُ هو الذي يهدي ويُضِلُّ [417] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (3/438). .
2- قولُ الله تعالى: قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ، وفيه سؤالٌ: كيفَ طابَق هذا الجوابُ قولَهم: لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ؟
 الجوابُ: أنَّ المعنى: قلْ لهم: إنَّ الله أنزَل عليَّ آياتٍ ظاهرةً، ومعجزاتٍ قاهرةً، لكنِ الإضلالُ والهدايةُ مِن الله، فأضلَّكم عن تلك الآياتِ، وهدَى إليها آخرينَ، فلا فائدةَ في تكثيرِ الآياتِ والمعجزاتِ.
وفيه وجهٌ آخرُ: أنَّه كلامٌ جرَى مجرَى التعجبِ مِن قولِهم؛ لأنَّ الآياتِ الباهرةَ المتكاثرةَ، التي ظهَرت على يدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كانت أكثرَ مِن أن تشتبِهَ على العاقلِ، فلمَّا طلبوا بعدَها آياتٍ أُخَرَ، كان محل التعجبِ والإنكارِ، فكأنَّه قيل لهم: ما أعظمَ عنادَكم!! إنَّ اللهَ يضلُّ مَن يشاءُ، كمَن كان على صنيعِكم، مِن التصميمِ على الكفرِ، فلا سبيلَ إلى هدايتِكم، وإن أُنزلتْ كلُّ آيةٍ! ويهدي مَن كان على خلافِ صنيعِكم [418] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 289-290). .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ
- قولُه: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ زِيادةُ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ للزِّيادةِ في تَشنيعِ النَّقضِ، أي: مِن بعدِ توثيقِ العهدِ وتأْكيدِه [419] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/133). ، ومِنْ مُتعلِّقَةٌ بقولِه: يَنْقُضُونَ، وهي لابتداءِ الغايةِ، ويدلُّ على أنَّ النَّقضَ حصَلَ عَقِيبَ توثُّقِ العهدِ مِن غيرِ فَصْلٍ بينهما، وفي ذلك دليلٌ على عدَمِ اكْتِراثِهم بالعَهدِ؛ فإثْرَ ما استوثَقَ اللهُ منهم نقَضُوه [420] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (1/206). .
- قولُه: أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ فيه تكريرُ (لهم)؛ للتَّأْكيدِ، والإيذانِ باختلافِهما واستقلالِ كلٍّ منهما في الثُّبوتِ [421] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/19). .
2- قوله تعالى: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ فيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، حيثُ قال هنا: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ، وقال في سُورةِ القَصَص: وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ [القصص: 82] ، وفي سُورةِ العَنكَبوت قال: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ [العنكبوت: 62] ، وفي سُورةِ سبَأٍ: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ [سبأ: 39] ، وفي سُورةِ الرُّومِ قال: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ [الروم: 37]، وقال في الشُّورى: لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ [الشورى: 12] ؛ ووجهُ ذلك: أنَّه زادَ في العنكبوتِ مِنْ عِبَادِهِ ولَهُ؛ مُوافَقةً لِبسْطِ الكلامِ على الرِّزقِ المذكورِ فيها صريحًا، وزاد في القَصَصِ مِنْ عِبَادِهِ؛ مُوافَقةً لذلك، وإنْ كان لفْظُ (الرِّزقِ) فيه تضمُّنًا، وزَادَ لَهُ في ثاني مَوضعَيْ سبَأٍ وهو قوله: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ [سبأ: 39] ؛ لأنَّه نزَلَ في المُؤمنينَ، وما قبلَه في الكافرينَ [422] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 288-289). .
- ومِن المناسبةِ كذلك في قولِه: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ اختِصاصُ ما هنا وما في سُورةِ القَصَصِ والعَنكبوتِ والرُّوم بلفْظِ (اللَّه)، وفي الِإسراءِ وفي سَبَأٍ- في موضعينِ- بلفْظِ (الرَّبِّ)، وفي الشُّورى بإضمارِ لفْظِ (اللَّه)؛ مُوافَقةً لِتقدُّمِ تكرُّرِ لفْظِ (الله) في السُّورِ الأربعِ، ولِتقدُّمِ تكرُّرِ لفْظِ (الرَّبِّ) في المواضِعِ الثَّلاثةِ، ولِتقدُّمِ تكرُّرِ الِإضمارِ في الشُّورى [423] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 287). .
- قولُه: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ جُملةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ استئنافًا بيانيًّا، جوابًا عمَّا يَهجِسُ في نُفوسِ السَّامعينَ مِن المُؤمنينَ والكافرينَ مِن سماعِ قولِه: أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ، وأفاد تَقديمُ المُسنَدِ إليه على الخبَرِ الفِعْليِّ في قولِه: اللَّهُ يَبْسُطُ تَقويةَ الحُكمِ وتأكيدَه؛ لأنَّ المقصودَ أنْ يعلَمَه النَّاسُ، ولفْتُ العُقولِ إليه، وليس المَقامُ مَقامَ إفادةِ الحصْرِ [424] هذا الرأيُ الذي ردَّه هنا ابنُ عاشورٍ هو رأيُ الزمخشريِّ، حيثُ قال: (أي: اللهُ وحْدَه هو يَبسُطُ الرزق ويَقدِره دون غيرِه). ((تفسير الزمخشري)) (2/527). ؛ إذْ ليس ثمَّةَ مَن يزعُمُ الشَّركةَ للهِ في ذلك، أو مَن يزعُمُ أنَّ اللهَ لا يفعَلُ ذلك؛ فيُقْصَدُ الرَّدُّ عليه بطريقِ القصْرِ [425] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/134). .
- قولُه: وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ جِيءَ في جانِبِ الكافرينَ بضَميرِ الغَيبةِ؛ إشارةً إلى أنَّهم أقلُّ مِن أنْ يفْهَموا هذه الدَّقائقَ؛ لِعُنْجُهِيَّةِ نُفوسِهم؛ فإنَّهم فَرِحوا بما لهم في الحياةِ الدُّنيا، وغَفَلوا عنِ الآخِرةِ؛ فالفرَحُ المذكورُ فرَحُ بطَرٍ وطُغيانٍ [426] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/134). .
- وتنْكيرُ مَتَاعٌ؛ للتَّقليلِ [427] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/135). .
3- قوله تعالى: وَيَقُولُ الَّذين كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ
- قولُه: وَيَقُولُ الَّذين كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ هذه الجُملةُ تكريرٌ لِنظيرتِها السَّابقةِ وَيَقُولُ الَّذين كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ [الرعد: 7] ؛ فأُعِيدَت تلك الجُملةُ إعادةَ الخَطيبِ كلمةً مِن خُطبتِه؛ ليأتِيَ بما بقِيَ عليه في ذلك الغرَضِ بعد أنْ يَفْصِلَ بما اقْتَضى المَقامُ الفصْلَ به، ثمَّ يتفرَّغَ إلى ما ترَكَه مِن قبلُ؛ فإنَّه بعد أنْ بيَّنَتِ الآياتُ السَّابقةُ أنَّ اللهَ قادرٌ على أنْ يُعَجِّلَ لهمُ العذابَ، ولكنَّ حِكمتَه اقتَضَت إنظارَهم؛ ليتحَدَّى عبيدَه؛ فتبيَّنَ ذلك كلُّه كَمالَ التَّبيينِ [428] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/135). .
- قولُه: وَيَقُولُ الَّذين كَفَرُوا فيه إيثارُ الإظهارِ على الإضمارِ- حيثُ لم يقُلْ: (ويقولون)- مع ظُهورِ إرادتِهم عَقِيبَ ذكْرِ فرَحِهم بالحياةِ الدُّنيا؛ لِذمِّهم، والتَّسجيلِ عليهم بالكُفرِ فيما حُكِيَ عنهم مِن قولِهم: لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ [429] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/19). .
- قولُه: قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ فيه إيثارُ صِيغَةِ الماضي أَنَابَ؛ للإيماءِ إلى استدْعاءِ الهِدايةِ لسابقةِ الإنابةِ، كما أنَّ إيثارَ صِيغَةِ المُضارِعِ في الصِّلةِ الأُولى؛ للدَّلالةِ على استِمرارِ المشيئةِ حسَبَ استمرارِ مُكابرتِهم [430] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/20). .