موسوعة اللغة العربية

الفَرْعُ الأوَّلُ: الأمرُ


وهو طَلَبُ حُصولِ الفِعلِ على جِهَةِ الاسْتِعلاءِ والتَّكْليفِ مِنَ الأعْلَى لِلأدْنَى. وله أرْبعُ صِيَغٍ:
1- فِعلُ الأمرِ: تقولُ: اذْهَبْ، ذاكِرْ، اجْتَهدْ، أَحْضِرْ فُلانًا... ومنه قولُه تعالى: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مَرْيم: 12] ، وقولُه تعالى: أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لُقْمان: 17] ، وقولُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أَطْعِمُوا الجائِعَ، وعُودُوا المَريضَ، وفُكُّوا العانيَ )) [68] أخرجه البخاري (5373) من حَديثِ أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. .
2- لامُ الأمرِ الدَّاخِلةُ على الفِعلِ المُضارِعِ: تقولُ: لِتَذهبْ إلى المَدْرسةِ، ولْتَجْتهِدْ في عَمَلِك، ومنه قولُه تعالى: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي [البَقَرة: 186] ، وقولُه تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحَج: 29] ، وقولُه تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطَّلاق: 7] ، وقولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قُومُوا فَلِأُصَلِّ لكمْ )) [69] أخرجه مطولاً البخاري (380) واللفظ له، ومسلم (658) باختلاف يسير من حَديثِ أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عنه. .
3- اسمُ فِعلِ الأمرِ: مِثْلُ: (صَهْ) بمَعْنى: اسْكُتْ، و(دُونَك) بمَعْنى: خُذْ، و(عليكَ) بمَعْنى: الْزَمْ، و(حَذارِ) بمَعْنى: احْذَرْ، تقولُ: دُونَك القلمَ، عليكَ بالصَّالِحينَ والعُلَماءِ، ومنه قولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ [المائِدة: 105] .
4- المَصْدرُ النَّائِبُ عن فِعلِ الأمرِ: نَحْوُ قولِه تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البَقَرة: 83] ، ومنه قوْلُ قَطَريِّ بنِ الفُجاءَةِ يُخاطِبُ نفْسَه: الوافِر
فصَبْرًا في مَجالِ الموْتِ صَبرًا
فما نَيْلُ الخُلودِ بمُستَطاعِ
فالمَصْدرُ "إحْسان" في الآيةِ الكَريمةِ مَصْدرٌ نائِبٌ عن فِعلِ الأمرِ "أحْسِنوا"، وكذا "صَبْرًا" فهُو نائِبٌ عن فِعلِ الأمرِ "اصْبِري".
خُروجُ الأمرِ عن مَعْنى الإيجابِ والتَّكْليفِ:
الأصْلُ في فِعلِ الأمرِ مَعْنى الإيجابِ والتَّكْليفِ، وهُو الطَّلَبُ مِنَ الأعْلى لِلأدْنى، لكنَّه قد يَخرُجُ عن ذلك المَعْنى إلى أكْثرَ مِن مَعْنًى بَلاغيٍّ،  ويَظهَرُ ذلك مِنَ السِّياقِ وقَرائِنِ الأحْوالِ، مِثْلُ:
- التَّكْوينُ، وهذا خاصٌّ بأوامِرِ اللهِ الكوْنيَّةِ، كما في قولِه تعالى: وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [البَقَرة: 117] .
- الدُّعاءُ: وهُو الطَّلَبُ مِنَ الأدْنى إلى الأعْلى على سَبيلِ التَّضرُّعِ، ومِن ذلك جَميعُ أفْعالِ الأمرِ الَّتي في القُرآنِ مِنَ الأنْبياءِ وغيرِهم لِربِّهم، كقوْلِ إبْراهيمَ عليه السَّلامُ: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبْراهِيم: 35] ، ومنه قولُه تعالى: وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البَقَرة: 286] .
ومنه قوْلُ البُحْتُريِّ: الكامِل
فاسلَمْ أميرَ المُؤمنينَ ولا تَزَلْ
مُسْتعْليًا بالنَّصرِ والتَّأييدِ
فهُو دُعاءٌ لأَميرِ المُؤمِنينَ بالسَّلامَةِ.
- الالْتِماسُ: وهُو أمرُك لمَنْ هو أعْلى منك، أو لمَنْ يُساويك، كأنْ تقولَ لمُديرِك: احرِصْ على ألَّا يمَلَّ المُوظَّفونَ العمَلَ، وقولِك لصاحِبِك: ناوِلْني القَلمَ.
- الإرْشادُ والنُّصْحُ: وهذا إذا كانت غايةُ الطَّلَبِ تَعودُ على المَأمورِ بالنَّفْعِ والخَيرِ، كقوْلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعُقْبةَ بنِ عامِرٍ رضِي اللهُ عنه: ((يَا عُقْبَةُ بنَ عامِرٍ، صِلْ مَنْ قطَعكَ، وأعطِ مَنْ حرَمكَ، واعْفُ عمَّنْ ظلَمكَ. يَا عُقْبَةُ بنَ عَامِرٍ، املِكْ لِسَانَكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ )) [70] أخرجه من طرق الترمذي (2406)، وأحمد (17452) واللفظ له. . ومنه قولُ الشَّاعرِ: المُنْسرِح
كُنِ ابنَ مَنْ شِئتَ واكتَسِبْ أَدَبًا
يُغْنيك مَحمودُهُ عنِ النَّسَبِ
فيُرشِدُ الشَّاعرُ في هذا البَيْتِ إلى اكْتِسابِ فَضائِلِ الأخْلاقِ والآدابِ؛ فإنَّ فيها كِفايةً وغَناءً عنِ النَّسَبِ.
- التَّحسُّرُ على فَواتِ أمرٍ مَحْبوبٍ، كقولِ امْرِئِ القَيْسِ: الطَّويل
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ ومَنزلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بينَ الدَّخُولِ فحَومَلِ
وقوْلِ شوْقي: الخَفيف
اخْتِلافُ النَّهارِ واللَّيلِ يُنْسي
فاذْكُرا لي الصِّبا وأيَّامَ أُنْسي
- التَّهَكُّمُ والسُّخْريةُ: وذلك إذا كان في مَطْلوبِ الأمرِ إهانةُ المُخاطَبِ، وهُو في الوقْتِ نفْسِه واقِعٌ به فعْلًا لا يُمكِنُه الفَكاكُ منه، كقَولِه تعالى: إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدُّخان: 43 - 49] . فتَصديْرُ تلك الآيةِ بفِعلِ الأمرِ "ذُق" ليس لطَلبِ أنْ يَذوقَ العَذابَ؛ فذَوقُ العَذابِ واقِعٌ حَقيقةً عندَ الأمرِ وقَبْلَه؛ ومِن ثَمَّ فإنَّ غايةَ الأمرِ حِينَئذٍ أنْ يكونَ للسُّخْريةِ والتَّهكُّمِ مِن ذلك المَغْرورِ الَّذي ألْهَته رَخاوَةُ العَيْشِ ومَظاهِرُ التَّرَفِ، فأبعَدتْه عن نهْجِ الحقِّ وطَريقِ الهِدايَةِ.
- التَّعْجيزُ: وذلك إذا تَوجَّه الأمرُ إلى مَنْ لا قُدرةَ له على تَنْفيذِه، ولا طاقَةَ له على الإتْيانِ به، وتكونُ بَلاغَةُ الأمرِ حِينَئذٍ في إظْهارِ عجْزِ المُخاطَبِ وإلْزامِه على هذا الطَّريقِ بالحُجَّةِ الَّتي يَأتي الأمرُ في سِياقِها، كقَولِه تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [الطُّور: 34]، وقَولِه: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [هُود: 13] ، وقَولِه سُبحانَه: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يُونُس: 38] ، وقَولِه جلَّ وعَلا: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البَقَرة: 23] . وانْظُرْ إلى التَّرقِّي في التَّحدِّي والإعْجازِ: تَحدَّاهم اللهُ أوَّلَ الأمرِ أنْ يَأتوا بمِثلِ القُرآنِ، فلَمْ يَسْتطيعوا، فتَحدَّاهم أنْ يَأتوا بعشْرِ سُوَرٍ مِثلِ القُرآنِ، فلَمْ يَسْتطيعوا، فتَحدَّاهم أنْ يَأتوا بسُورةٍ مِثلِه، فلَمْ يَسْتطيعوا، فتَحدَّاهم أنْ يَأتوا بسُورَةٍ مِن مِثلِه، فلَمْ يَسْتطيعوا أيضًا.
- التَّمنِّي: حينَ يكونُ مَطْلوبُ الأمرِ أمْرًا مَحْبوبًا لا أمَلَ في حُصولِه، كقوْلِ امرِئِ القَيسِ: الطَّويل
وليلٍ كموْجِ البَحرِ أرْخى سُدولَه
عليَّ بأنْواعِ الهُمومِ ليَبتلِي
فقُلْتُ له لمَّا تَمطَّى بصُلْبِه
وأرْدفَ أعْجازًا وناء بكَلكَلِ
ألَا أيُّها اللَّيلُ الطَّويلُ ألَا انْجَلِ
بصُبحٍ وما الإصْباحُ منكَ بأمثَلِ
فتَوْجيهُ الأمرِ بالانْجِلاءِ إلى اللَّيلِ ليس بمَعْناه الحَقيقيِّ؛ فإنَّ اللَّيلَ أمرٌ مَعْنويٌّ لا يَعقِلُ حتَّى يُطلَبَ مِنْه فضْلًا عن أنْ يَسْتجيبَ، ولكنَّه يَشِفُّ عن أنَّ الشَّاعرَ قد تاقتْ نفْسُه إلى أنْ يَطلُعَ الصَّباحُ، وتَنكشفَ ظُلمةُ اللَّيلِ الَّتي عانى منها وأحَسَّ بالوَحْشةِ فيها، حتَّى شعَر أنَّ زَوالَ اللَّيلِ وانْجِلاءَه أمرٌ بَعيدُ المَنالِ [71] ويمكِنُ أن يدخُلَ في معنى الترجِّي؛ لأنَّ الصُّبحَ مَرْجُوٌّ قدومُه ولو طال اللَّيلُ. يُنظَر: ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكة (1/ 233). .
- التَّسْويةُ: وذلك إذا كان المُخاطَبُ يَتوهَّمُ رُجْحانَ أحدِ الأمرَينِ على الآخَرِ، كقَولِه تعالى: قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التَّوْبة: 53-54] ، وقولِه تعالى: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التَّوْبة: 80] . أرادَ سُبحانَه أنْ يُبيِّنَ للمُنافِقينَ والكافِرينَ أنَّ أعْمالَ الخيْرِ والبِرِّ الصَّادِرةَ مِن هؤلاء لا تُؤْتي ثِمارَها؛ فسَواءٌ أنْفقوا طَوْعًا أو أنْفَقوا كَرْهًا لن يُتقبَّلَ منْهم ذلك؛ لأنَّ الَّذي حمَلهم على الإنْفاقِ إنَّما هو الرِّياءُ. وفي الآيةِ الثَّانِيةِ أراد أنْ يُبَيِّنَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه تعالى لن يَغْفِرَ للمُشْرِكينَ والمُنافِقينَ، وأنَّه لن يَنْفَعَهم اسْتِغفارُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والمُسْلمينَ لَهم.
ومنه قولُ كُثيِّرِ عَزَّةَ: الطَّويل
أسِيئِي بِنا أو أحْسِني لا مَلُومةً
لَدَيْنا ولا مَقليَّةً إنْ تَقلَّتِ [72] مَقْلِيَّة: مغضوبٌ عليها. تقلَّت: غَضِبَت. ينظر: ((المصباح المنير)) (2/ 515). وفي قوله: (تقلَّت) التفاتٌ من ضميرِ الخِطابِ (تقلَّيْت) إلى ضميرِ الغَيْبةِ.
يُريدُ الشَّاعرُ أنْ يُبيِّنَ لمَحْبوبتِه أنَّ الإساءَةَ والإحْسانَ منها سَواءٌ على قَلْبِه، فمَهْما صدَّتْ عنه أو أساءتْ إليه فهُو مُحبٌّ لها دائِمًا، وقد صار مِنَ الحُبِّ والوَجدِ بِحيثُ لا يَرى مِن أفْعالِها إلَّا الحُسْنَ والجَمالَ.
- التَّهْديدُ: وذلك إذا كان الآمِرُ غيرَ راضٍ عنِ الفِعلِ، وكان في الامْتِثالِ ما يَعودُ بالضَّررِ على المُخاطَبِ، وذلك كقَولِه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [فُصِّلَت: 40] ، فليس المُرادُ مِن قولِه: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ مُطلَقَ التَّخْييرِ والإباحَةِ، بلِ التَّهْديدُ والوَعيدُ على سُوءِ أفْعالِهم كما فُهِم ذلك مِن أوَّلِ الآيةِ.
- الإِباحَةُ: وهذا إذا كان الأمرُ يَقْتَضي إباحَةَ الفِعلِ، خاصَّةً إذا سُبِق ذلك بنَهيٍ سابِقٍ، كقَولِه تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البَقَرة: 187] ؛ فإنَّ الأمرَ بالأكْلِ والشُّرْبِ ومُباشَرةِ النِّساءِ لا يَنْبغي أنْ يكونَ أمرَ إيجابٍ أو نحْوِه، وإنَّما هو أمرٌ للإِباحَةِ؛ بدَليلِ أنَّه كان أوَّلًا يَجوزُ للإنْسانِ أنْ يأكُلَ ويشْربَ حتَّى ينامَ، فإذا نامَ لم يَجُزْ له أنْ يأكُلَ أو يشربَ، فنُسِخ ذلك بجَوازِ الأكْلِ والشُّربِ إلى الفجْرِ.
- التَّعْجِيبُ، كما في قولِه تعالى: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا [الإسْراء: 48] ، فالغَرَضُ مِنَ الأمرِ في الآيةِ إثارَةُ العجَبِ؛ كأنَّه يقولُ: اعجَبْ لِهؤلاء أو تَعجَّبْ منْهم.
وقوْلِ الشَّاعرِ:
انظُرْ إلى القُبَّةِ الخَضْراءِ مُذهَبةً
كأنَّما الشَّمسُ أعْطَتْها مُحيَّاها
فإنَّ الشَّاعرَ يَسْتثيرُ في نفْسِ السَّامِعِ العجَبَ والتَّحْسينَ لتلك الصُّورةِ الجَميلةِ.
- الاعْتِبارُ، مِثلُ قولِه سُبحانَه: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 99] ، أيِ: اعْتَبِروا واتَّعِظوا بالشَّجَرِ وما يُثمِرُه، وكيفَ اخْتلفتْ ثَمَرتُه؟! [73] ينظر: ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 71، 72)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 75، 76)، ((علم المعاني في الموروث البلاغي)) لحسن طبل (ص: 62 - 69).

انظر أيضا: