موسوعة التفسير

سُورَةُ البَقَرَةِ
الآيات (114-119)

ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ

غريب الكلمات:

فَثَمَّ: أي: هنالك [1002] يُنظر: ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 89). .
بَدِيعُ: مُبدِع، ومبتدئ، وأصله: ابتداء الشيء وصُنعه لا عن مِثال سابق [1003] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 17)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 117)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/209)، ((المفردات)) للراغب (ص: 111)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 22)،  ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 105). .
بَشِيرًا: أي: مبشِّرًا، وأصل (بشر) يدلُّ على ظهور الشَّيء مع حُسن وجمال، ومنه البِشارة، ولا تكونُ البشارة عند إطلاق الكلام إلَّا بالخَير، وقد تُقيَّد وتُحمَل على الشرِّ [1004] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/482)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/251)، ((المفردات)) للراغب (ص: 126)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 69)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 239). .
نَذِيرًا: أي: مُنذِرًا، وأصل (نذر) يدلُّ على تخويف [1005] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/482)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 463)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/414)، ((المفردات)) للراغب (ص: 798)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 232). .

المعنى الإجمالي:

يُخبِر الله تعالى أنَّه لا أحدَ أشدُّ تعدِّيًا على حدوده ممَّن منَع ذِكرَه في بيوته، وبذَل جهدًا في إفسادها، وهؤلاء جعَل الله سبحانه وتعالى عقابَهم بأنْ حرَمَهم من دخولها، إلَّا على وجه الخوف من الله، أو من عِباده المؤمنين، ولهم مع ذلك ذلٌّ وعارٌ في الدنيا، وأمَّا في الآخِرة، فلهم عقوبةٌ عظيمة.
ثمَّ أخبَر سبحانه عن عظيم مُلكه، وأنَّ له مُلكَ الدنيا كلها مشرقها ومغربها ومُلك ما بينهما؛ فأينما حوَّل الإنسانُ وجهَه فهناك وجه الله.
ثم ذكَر سبحانه النَّصارى الذين يزعمون أنَّ المسيح ابن الله، تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا، بل له جميعُ ما في السَّموات والأرض، وكلُّهم بلا استثناء عبيدٌ له، مدبَّرون منقادون؛ فكيف يكون له ولدٌ منهم؟! تنزَّهَ عن ذلك وتقدَّسَ.
ثم أخبر أنَّه هو سبحانه مَن أوجد السَّمواتِ والأرضَ على غير مثال سابقٍ؛ فالذي قدَرَ على إيجادهما من العدم مع عظمتِهما، قادرٌ على إيجادِ ما دونهما؛ فكيف يُخرِجون عيسى عن قُدرته وإبداعه، ويَجعلونه جزءًا منه سبحانه؟!
ومِن صِفاته جلَّ وعلا أنَّه إذا أراد شيئًا، فإنَّما يقول له: كن فيكون، فمَنْ يدبِّر الأشياءَ بكلمته جلَّ وعلا لا يحتاجُ إلى توليد الأشياءِ منه؛ فكيف يجعلون عيسى ولدًا له؟! وإنَّما عيسى عليه السَّلام من مخلوقاته التي خلقَها بكلمة «كن».
ثمَّ أخبر تعالى عن مشركِي العرب الأميِّين، الذين ليس لديهم ما لدى أهل الكِتاب من العِلم، أنَّهم قالوا: هلَّا يكلِّمنا الله، أو تأتينا معجزةٌ؟! وذلك ليصدِّقوا بمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ، فشابهوا بهذا القول الأُممَ السابقةَ من اليهود والنصارى؛ فقد قالوا كقولهم، وذلك نتيجة تشابُه قلوب الكفَّار في ردِّهم الحقَّ وتعنُّتهم، ثم أخبر الله تعالى أنه قد أظْهَر العلاماتِ الدالَّةَ على صِدق رُسله- ومنهم محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ- بما لا يُحتاج معه إلى سؤال آخَر، لكن ذلك التبيِّين لا يستفيد منه إلَّا الذين يوقِنون.
ثمَّ خاطَب اللهُ عزَّ وجلَّ نبيَّه محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّمَ، بأنَّه قد أرسله بالحقِّ، مبشرًا مَن أطاع بالفلاح والسَّعادة في الدَّارين، ومنذِرًا مَن عصى بالشقاء فيهما، وأعْلَمه أنَّه -بعدَ بيان ما أُمِر ببيانه من الحقِّ- ليس مؤاخذًا بمَنْ بقِي منهم على كُفره.

تفسير الآيات:

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114).
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا.
أي: لا أحدَ من المانعين شيئًا، أشدُّ جَراءةً وتعدِّيًا على حدود الله عزَّ وجلَّ ممَّن منَعَ العبادة في بيوت الله تعالى، واجتهد وبذَل وُسعَه في إفسادها حسيًّا ومعنويًّا [1006] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/441، 444)، ((تفسير السعدي)) (ص: 63)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/512)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/5-6). واختَلف المفسِّرون فيمَن عنى الله تعالى بهذه الآية الكريمة، وذلك على أقوال؛ منها: أنَّ المعنيِّين بها، مشرِكو قريش الذين صدُّوا الرسول صلَّى الله عليه وسلَّمَ وصحابتَه رضي الله عنهم عن الدخول للمسجد الحرام، يُنظر: ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/193)، ((تفسير ابن كثير)) (1/388)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/678). وممَّن قال من السَّلف بهذا القول: ابن عبَّاس-في رواية عنه-وابن زيد. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/444)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (1/210). وقيل: المعنيُّون بها: النصارى؛ وذلك أنَّهم سعَوْا في خراب بيت المقدس، وأعانوا بُخْتُنَصَّر على ذلك، ومنَعوا مؤمني بني إسرائيل من الصَّلاة فيه بعد مُنصرَف بُختنصَّر عنهم إلى بلادِه. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/444). وممَّن ذهَب إلى هذا القول من السَّلف قتادة، والسُّدِّي، والحسن. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/442). و((تفسير ابن أبي حاتم)) (1/210). وقيل: الآية على عمومها شامِلة لجميع مَن اتَّصف بذلك. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (1/199)، ((تفسير السعدي)) (ص: 63). .
أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ.
أي: قد منَع اللهُ تعالى أولئك الذين يسعَون في خراب بيوت الله تعالى حسيًّا ومعنويًّا، منْ أنْ يدخلوها إلَّا وقلوبهم وجِلة؛ خوفًا من عقوبة إلهيَّة تحلُّ بهم، أو خوفًا من المؤمنين أن يعاقبوهم تسليطًا من الله تعالى لهم [1007] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/446)، ((شرح عمدة الفقه-كتاب الصلاة)) لابن تَيميَّة (ص: 285)، ((تفسير السعدي)) (ص: 63)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/681). .
لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
أي: لأولئك الذين تقدَّمت صِفتُهم في هذه الآية، ذلٌّ وعارٌ يحلُّ بهم في الدُّنيا، من قَتْلٍ، أو سَبيٍ، أو جزيةٍ، أو فضيحةٍ، أو غير ذلك، أمَّا في الآخرة فلهم عقوبةٌ عظيمة [1008] قال بهذا المعنى: ابن جرير في ((تفسيره)) (2/447- 448)، وابن كثير في ((تفسيره)) (1/390)، وابن عثيمين في ((تفسير الفاتحة والبقرة)) (2/6). .
وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115).
وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ.
أي: إنَّ لله تبارك وتعالى مُلكَ الجِهة التي تطلُع منها الشَّمس، ومُلك الجِهة التي تَغيب منها، وله مُلك جميع ما بينهما من الجِهات والمخلوقات [1009] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/455-456)، ((مختصر الصواعق لابن القيم)) للبعلي (ص: 414)، ((تفسير السعدي)) (ص: 63)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/12-13). .
فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله.
أي: إنَّكم حيثما كنتم وتوجَّهتم في صلاتكم نحو الجهة التي شرعها الله تعالى، فإنكم تتَّجهون إلى الله عزَّ وجلَّ في الحقيقة؛ لأنَّ المصلِّي إذا توجَّه إلى القبلة، فقد استقبل وجه الله سبحانه حقيقةً [1010] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/13-14). ويُنظر: ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (6/16-17)، ((مختصر الصواعق لابن القيم)) للبعلي (ص: 416، 418، 419). .
وقيل المعنى: إنَّكم مهما حوَّلتم وجوهَكم إلى ناحيةٍ ما، فهنالك وجهُ الله تعالى، وسواء كان ذلك لأجْل استقبال القِبلة في الصَّلاة أو لا، في الحضَر أو السَّفر، أو لغير ذلك من أحوال [1011] يُنظر: ((مختصر الصواعق لابن القيم)) للبعلي (ص: 414). .
إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.
أي: ختَم الله سبحانه هذه الآيةَ باسمين دالَّين على الإحاطة، فالله عزَّ وجلَّ واسعُ الرَّحمة والمغفرة والعِلم، واسع الجُود والعطاء، وغير ذلك من صِفاته الحُسنى، وهو ذو عِلمٍ محيطٍ بكلِّ شيء، لا يَغيب عن عِلمه شيء أبدًا [1012] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/457، 460)، ((تفسير السعدي)) (ص: 64)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/14). قال ابن تيميَّة: (هذه الآية تدلُّ على جواز استقبال جميع الجِهات؛ نُسخ ذلك في حقِّ العالم القادِر في صلاة الفرد، فيَبقى في حقِّ الجاهل بالقِبلة والعاجز عن استقبالها لخوفٍ ونحوه في حقِّ المتنفل في السَّفر لم يُنسخ؛ وهذا لأنَّ الأصل جواز استقبال الوجه إلى جميع الجِهات، لكن إذا لم يكُن بُدٌّ من الصَّلاة إلى واحدة منها، عيَّن الله سبحانه لنا استقبالَ أحبِّ الوجوه إليه، وأوْجب ذلك، فإذا تعذَّر ذلك بالجهل وبالعجز، سقَط هذا الوجوب حينئذٍ؛ لأنَّ الإيجاب حينئذ مُحالٌ) ((شرح عمدة الفقه-كتاب الصلاة)) (1/543-544). ويُنظر: ((نواسخ القرآن)) لابن الجوزي (1/208)، ((الناسخ والمنسوخ)) للنحاس (ص: 78). .
وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116).
وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا.
أي: قالت النصارى بزعمهم: المسيح ابن الله [1013] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/461)، ((تفسير ابن عطية)) (1/201). قال ابن كثير: (اشتملت هذه الآية الكريمة، والتي تليها على الرد على النصارى-عليهم لعائن الله-وكذا من أشبههم من اليهود ومن مشركي العرب، ممن جعل الملائكة بنات الله) ((تفسير ابن كثير)) (1/396). .
سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ.
أي: يتنزَّه الله ويتعالى علوًّا كبيرًا عن أن يكون له ولد، وليس الأمر كما افتروا، فهو سبحانه مالك جميع ما في السموات وجميع ما في الأرض، وهو خالقهم ومصرفهم كيف شاء، هو الغني وهم الفقراء، والجميع عبيد له بلا استثناء، فكيف يكون له ولد منهم؟! والولد إنما يكون متولدًا من شيئين متناسبين، كما أن الولد بعض الوالد وشريكه، فلا يكون مخلوقًا ومملوكًا له؛ لأن المخلوق مملوك مربوب، والابن نظير الأب، فكيف يكون مخلوقه ومملوكه بعضه ونظيره؟ والله تبارك وتعالى ليس له نظير، ولا مشارك في عظمته وكبريائه، فكيف يكون له ولد [1014] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/461)، ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (4/152)، ((تفسير ابن كثير)) (1/396)، ((تفسير السعدي)) (ص: 64). ؟!
كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ.
أي: إنَّ كلَّ أحد لا يخرُج عن مشيئته وقُدرته ومُلكه سبحانه، بل الجميع- حتى مَن ادُّعِيت بُنوَّتُه لله تعالى كعيسى عليه السَّلام- عبيدٌ مقهورون مُدبَّرون، وهم منقادون وخاضِعون للنواميس الإلهيَّة في أبدانهم وغيرها، طوعًا أو كرهًا [1015] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/463)، ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (4/152)، ((تفسير ابن كثير)) (1/397)، ((تفسير السعدي)) (ص: 64)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/685). وممَّن ذهب من السَّلف إلى نحو هذا القول: ابن عبَّاس، قتادة، ومجاهد، والسُّدِّي، وعكرمة. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/462). .
كما قال تعالى: قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ [يونس: 68-69] .
وقال عزَّ وجلَّ: إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [النساء: 171] .
وقال سبحانه: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان: 1-2] .
بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117).
أي: إنَّ مَن أوجد هذه السَّمواتِ والأرضَ مِن العدم، وأحْسَن خلقهما على غيرِ مِثالٍ سابقٍ مع عِظمهما وآياتهما الباهِرة، فهو قادرٌ على خَلْق ما دونهما؛ فكيف يُخرجون عيسى عليه السَّلام عن قُدرته وإبداعه، ويجعلونه نظيرًا وشريكًا وجزءًا مِنه سُبحانه جلَّ شأنُه؟! فإنَّ مبدِع العالَم العُلويِّ والسُّفليِّ لا يُعجزه أن يخلُق عبدَه بقدرته، من غير أبٍ؛ فكيف يدَّعون أنَّه ولدُه [1016] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/465)، ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 132)، ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (4/152)، ((تفسير ابن كثير)) (1/399). ؟!
كما قال تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنعام: 100-101] .
وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.
أي: إنَّه سبحانه إذا أراد شيئًا، فحسبُه أن يقول له: كن، فيكون ذلك الشيء على وَفقِ ما يُريد الله تبارك وتعالى، ومن ذلك خَلْق المسيح عيسى عليه السَّلام، فقد خلَقَه بكلمة كن، وهذا منافٍ للتوليد؛ فمَن يدبِّر الأشياء بمجرَّد كلمته، ليس كمَن يحتاج إلى توليدِ الأشياء منه، فكيف يُوصَف بالتولُّد سبحانه، وهو في جميع ما يَقضيه إنَّما يقول له: كن، فيكون [1017] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/473)، ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تَيميَّة (7/374)، ((بدائع الفوائد)) لابن القيِّم (4/153)، ((تفسير ابن كثير)) (1/399). ؟!
كما قال تعالى: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [مريم: 34-35] .
وقال سبحانه: قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران: 47] .
وقال عزَّ وجلَّ: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران: 59] .
وقال جلَّ وعلا: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 81-82] .
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118).
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ.
أي: قال مُشرِكو العرب: هلَّا أَوحى الله عزَّ وجلَّ إلينا كما أَوحى إلى رُسله؟ أو يكلِّمنا بتصديق رسوله محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ؟ أو تأتينا معجزةٌ دالَّة على صِدق ما جاء به؟ وهذا الطَّلب قد صدَر منهم على سبيل التعنُّت والعِناد، وإلَّا فقد جاءتْهم آيات كثيرة دالَّة على صِدق بِعثة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، ومنها القرآن الكريم [1018] يُنظر: ((الوجيز)) للواحدي (ص: 128)، ((تفسير ابن كثير)) (1/399)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/689). وممَّن قال من السَّلف بأنَّ المقصودَ بالذين لا يعلمون: مشرِكو العرب: أبو العالية، وقَتادة، والرَّبيع ابن أنس، والسُّدِّي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/474)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (1/215). .
كما قال تعالى: وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ [الأنعام: 124] .
وقال سبحانه: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا [الإسراء: 90 - 93] .
كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ.
أي: قولهم ذلِك مطابقٌ لقول مَن قَبلهم من الأُمم السابقة من اليَهود والنصارى وغيرِهم [1019] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/399)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/689). .
قال الله تعالى: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً [النساء: 153] .
تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ.
أي: قلوبُ الكفَّار متشابهةٌ في ردِّ الحق، والعِناد والتعنُّت؛ ولذا جاءتْ أقوالهم متوافقةً، وإن اختلفت مذاهبُهم وأساليبهم في ذلك [1020] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/477)، ((تفسير ابن كثير)) (1/399)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/23). .
كما قال تعالى: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الذاريات: 52-53].
قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
أي: قد أَظهَرْنا ووضَّحنا العلاماتِ الدالَّاتِ على صِدق الرُّسل عليهم السَّلام- ومنهم محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ- بما لا يُحتاج معها إلى سؤالٍ آخَر، ولكنْ ذلك لِمَن كان اليقين من خِصالهم الدَّائمة؛ فهم يَتثبَّتون ويستوثقون، ويطلُبون معرفةَ حقائق الأشياء إلى درجة اليقين [1021] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/479)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/690-691). .
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119).
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا.
أي: يُخاطب الله تعالى نبيَّه محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّمَ، مؤكِّدًا له بأنَّه قد أرسله بالحقِّ، فبِعثتُه حقٌّ، وما جاء به من عند الله عزَّ وجلَّ حقٌّ، وقد أرسله تعالى لعموم المكلَّفين من الإنس والجن، والحال أنَّه مبشِّر مَن أطاعه بنيل السَّعادة في الدنيا والآخِرة، ومحذِّر ومُخوِّف مَن عصاه بالشَّقاوة في الدُّنيا والآخِرة [1022] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/480)، ((تفسير السعدي)) (ص: 64)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/691)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/26-27). .
وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ.
القراءات ذات الأثر في التفسير:
في قوله تعالى: تُسْأَل قِراءتان:
1- (تَسْأَلْ) بفتح التاء، وجزْم اللام، على النهي عن السُّؤال عن ذلك أي: لا تَسألْ يا محمَّدُ، عنهم؛ فقد بَلَغوا غاية العذاب [1023] قرَأَ بها نَافِعٌ وَيَعْقُوبُ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/221). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((الكشف)) لمكي (1/262). ((تفسير أبي حيان)) (1/589). .
2- (تُسْأَلُ) بضمِّ التاء والرَّفْع، أي: إنَّك لا تُسأل عن الكفَّار: ما لهم لم يُؤمِنوا؛ لأنَّ ذلك ليس إليك [1024] قَرَأَ بها الْبَاقُونَ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/221). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((الكشف)) لمكي (1/262). ((تفسير أبي حيان)) (1/589). .
وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ.
أي: إنَّك لستَ مؤاخَذًا يا محمَّد، على بقاء الكفَّار -أصحاب النار الملازِمين لها- على كُفرهم؛ فلن تُسألَ عنهم بعد أنْ بلَّغتَهم بالحقِّ؛ فإنَّما عليك البلاغ فحسبُ، وحِسابهم على الله عزَّ وجلَّ. ولا تَسأَلْ يا محمَّد، عمَّ لأولئك من العذاب؛ فإنَّهم في حالٍ من الفظاعة والشَّناعة لا يتصوَّرها عقلُ إنسان؛ وذلك لشدَّةِ ما أُعِدَّ لهم من العذاب العظيم [1025] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (1/692)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/27-28).   .
كما قال تعالى: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران: 20-21] .

الفوائد التربويَّة:

1- في قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، إشارةٌ إلى أنَّ ذِكر الله تعالى باللِّسان لا بدَّ أن يكون باسمِه، أمَّا ذِكرُه بالضمير المفرَد فبِدعة، وليس بذِكر، مِثل طريقة بعض الصوفيَّة، الذين يقولون: أفضل الذِّكر أن تقول: (هو، هو، هو) [1026] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/10). .
2- تَسليةُ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ؛ لأنَّ الإنسان المصاب إذا رأى أنَّ غيره أُصيب، فإنَّه يتسلَّى بذلك، وتخفُّ عليه المصيبة؛ فالله تعالى يُسلِّي رسوله صلَّى الله عليه وسلَّمَ بأنَّ هذا القول الذي قِيل له قد قِيل لِمَن قبْله، كما قال تعالى: كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ [1027] يُنظر: ((تفسير المنار)) لرشيد ضا (1/364)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/25). .

الفوائد العلميَّة واللَّطائف:

1- في قوله سبحانه: مَسَاجِدَ اللهِ [البقرة: 114] ، دلالةٌ على شرَف المساجد؛ لإضافتِها إلى الله تعالى [1028] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/8). .
2- أنَّه لا يجوز أن يُوضَع في المساجد ما يكون سببًا للشرك؛ لأنَّ مَسَاجِدَ اللهِ معناها: موضع السُّجود له؛ فإذا وُضِع فيها ما يكون سببًا للشرك، فقد خرجَتْ عن موضوعها، مثل أن يُقبَر فيها الموتى، فهذا محرم؛ لأنَّه وسيلةٌ إلى الشِّرك [1029] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/9). .
3- وجوب تطهير المساجد؛ وذلك لإضافتِها إلى الله عزَّ وجلَّ، وهي إضافة تشريف وتعظيم؛ ولذا قال تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [1030] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/9). .
4- أنَّ الناس في المساجد سواءٌ؛ لأنَّ الله تعالى أضافَها إلى نفْسه: مَسَاجِدَ الله [1031] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/9). .
5- في قوله تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله إثبات صفة الوجه لله سبحانه وتعالى [1032] يُنظر: ((كتاب التوحيد)) لابن خزيمة (١/٢٥)، ((كتاب التوحيد)) لابن منده (٣/٣٦)، ((أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (٣/٤١٢)، ((طبقات الحنابلة)) لابن أبي يعلى (١/٢٨٢)، ((تفسير السعدي)) (ص: 63). .
6- أنَّه ليس بين أمْر الله تعالى بتكوين شيءٍ، وتكوُّنه تراخٍ، بل يكون على الفوريَّة؛ لقوله تعالى: فَيَكُونُ: بالفاء، والفاء تدلُّ على التَّرتيب، والتعقيب [1033] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/22). .
7- أنَّ المشركين يُقرُّون بأنَّ الله تعالى يتكلَّم بحرفٍ، وصوتٍ مسموع؛ لقوله تعالى: لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ [1034] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/24). .
8- أنَّ الأقوال تابعةٌ لِما في القلوب؛ لقوله تعالى: كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ؛ فلتشابُهِ القلوبِ تَشابهت الأقوالُ [1035] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/24). .

بلاغة الآيات:

1- قوله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ استفهامٌ يراد به النفي والإنكار والاستبعاد [1036] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (1/571)، ((تفسير أبي السعود)) (1/149)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/679). .
2- قوله: أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ
فيه: بِناء الفِعل (يُذْكَر) للمفعول وحذْف الفاعِل؛ للاختصار؛ لأنَّ الذاكرين كثيرون جدًّا [1037] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (1/573). .
وتقديم الجار والمجرور (فيها) على نائب الفاعل (اسمُه)؛ لأنَّ مساجدَ الله مذكورةٌ في اللفظ قبل اسم الله؛ فناسب تقديم المجرور لذلك [1038] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (1/573). .
3- قوله: لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
فيه تنكير (خِزي)؛ للتعظيم والتهويل، ويدلُّ على أنَّ الذمَّ واقعٌ في النِّهاية العظمى [1039] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (3/593)، ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 162). .
وتنكير (عذاب)؛ للتعظيم والتهويل، ووصفه بصيغة فعيل (عظيم)؛ للمبالغة [1040] يُنظر: ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 162). .
وفيه: تقديم الجار والمجرور في قوله: لَهُمْ... وَلَهُمْ... في الموضعيْن مع تَكراره؛ للتوكيد، وبيان شِدَّة العذاب [1041] يُنظر: ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 162). .
4- في قوله: وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ
التنصيصُ على ذِكْرِ (المَشْرقِ والمَغْرِبِ) دونَ غيرِهما؛ لشرَفِهما حيث جُعِلا لله تعالى، أو يكون مِن حَذْفِ المعطوفِ للعِلم، أي: لله المشرقُ والمغربُ وما بينهما، كقوله: تَقِيكم الحَرَّ، أي: والبردَ [1042] يُنظر: ((الدر المصون)) للسَّمين الحلبي (2/80). .
5- قوله: إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ تعليل مقرِّر لمضمون ما قَبلَه، وفيه تأكيدٌ بإنَّ، واسميَّة الجملة [1043] يُنظر: ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 163). .
6- قوله: وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا في لفظ (اتخذ) تعريض [1044] التعريض: في اللغة ضدُّ التصريح. وفي اصطلاح البلاغيِّين: هو الدلالة على المعنى من طريق المفهوم، أي: تضمين الكلام ما يصلح للدلالة على مقصود المتكلم، ويصلح للدلالة على غير مقصوده؛ إلَّا أنَّ إشعاره بجانب المقصود أتمُّ وأرجح. وقد يُسمَّى تلويحًا؛ لأنه يلوح منه ما يريد. والفرق بين الكناية والتعريض: أن الكناية ذِكر الشيء بذِكر لوازمه، كقولك: فلان طويل النجاد، كثير الرماد، والتعريض: ذِكر كلام يحتمل مقصود المتكلم ويحتمل غير مقصوده، إلا أنَّ قرائن الأحوال تؤكد حمله على مقصوده. ((تفسير الرازي)) (6/469)، ((البرهان)) للزركشي (2/311)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (2/127). بالاستهزاء بهم بأنَّ كلامهم لا يلتئم؛ لأنَّهم أثبتوا ولدًا لله تعالى، ويقولون: اتَّخذه الله؛ والاتخاذ الاكتساب، وهو ينافي الولدية؛ إذ الولدية تأتي بدون صُنع، فإذا جاء الصنع جاءت العبودية لا محالة [1045] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (1/684). .
7- في قوله: بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ
جَمَعَ (قانِتون) حَمْلًا على المعنى لأنَّ (كُل) إذا قُطِعَتْ عن الإِضافة جاز فيها مراعاةُ اللفظِ ومراعاةُ المعنى، وحَسُنَ الجمعُ هنا؛ لتواخِي رؤوسِ الآي ومراعاة فواصلِها [1046] يُنظر: ((الدر المصون)) للسَّمين الحلبي (2/84). .
وفيه: تأكيد الخبر باسميَّة الجملة، وتقديم له على قانتون فيه تأكيدٌ كذلك [1047] يُنظر: ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 164). .
8- في قوله: وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ جاء تقديم الضمير في يُكَلِّمُنَا على الفاعل لفظ الجلالة اللهُ؛ لبيان إمعانهم في المكابرة والعِناد، وعدم الطاعة والانقياد [1048] يُنظر: ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 166). .
9- في قوله: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا جيء بالتأكيد (إِنَّا) وإنْ كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا يتردَّد في ذلك؛ لمزيد الاهتمام بهذا الخبر، وتنويهًا بشأن الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام [1049] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (1/691). .