موسوعة التفسير

سُورةُ النِّساءِ
الآيات (153-162)

ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ

غريب الكلمات:

جَهْرَةً: أي: علانيةً ظاهرًا، وأصل الجهر: إعلانُ الشيءِ وكشفُه، وعلوُّه يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 49)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (1/173)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/487)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 75). .
الصَّاعِقَةُ: النَّار التي تَنزلُ من السَّماء عندَ اشتداد الرَّعد، أو الصَّوت الشَّديد من الجوِّ، والوَقعُ الشَّديدُ منَ الرَّعْدِ، أو كلُّ عذاب مُهلِك (الموت - العذاب - النار)، ومنه: صَعِق، إذا مات، وأصل (صعق): يدُلُّ على شِدَّة الصَّوت يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 49)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/285)، ((المفردات)) للراغب (ص: 484-485)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 55)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 543). .
الْبَيِّنَاتُ: جمْع بيِّنة، وهي: الدَّلالة الواضحة؛ يُقال: بان الشيءُ وأبان، إذا اتَّضح وانكَشف يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/328)، ((المفردات)) للراغب (ص: 157). .
سُلْطَانًا: أي: حُجَّة، وأصْل السُّلطان: القُوَّة والقهر، من التَّسلُّط؛ ولذلك سُمِّي السُّلطانُ سُلطانًا يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 113)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3 /95)، ((المفردات)) للراغب (ص: 247، 420، 724). .
الطُّورَ: اسمُ جبلٍ مخصوصٍ، وهو يُطلق على الجبَل الشَّاهق، أو اسم لكلِّ جبل، أو الجبل المُنبِت، وأصل (طور): الامتدادُ في شيءٍ من مكانٍ أو زمان يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 52، 281)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/430)، ((المفردات)) للراغب (2/39)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 459)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 91، 392). .
بِمِيثَاقِهِمْ: الميثاق: العقد المؤكَّد بيمينٍ وعهد، أو العهدُ المُحكَم، وأصل (وثق): العقد والإحكام يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/85)، ((المفردات)) للراغب (ص: 853). .
لَا تَعْدُوا: لا تَتعدَّوا وتُجاوزوا ما أُمرتُم به، وأصْل التَّعدِّي: التَّجاوزُ في الشَّيء، والتقدُّم لِمَا يَنبغي الاقتصار عليه يُنظر: ((العين)) للخليل (2/213)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 77)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/249)، ((المفردات)) للراغب (ص: 553)، ((تفسير القرطبي)) (6/7)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 68). .
غَلِيظًا: أَيْ: شَدِيدًا، وخَشنًا، والغِلظة ضد الرِّقَّة يُنظر: ((المفردات)) للراغب (ص: 612)، ((تفسير ابن كثير)) (2/396). .
نَقْضِهِمْ: أي: نبْذِهم إيَّاه بعدَ القَبول به، وتركِهم العملَ به، وأصل النَّقض ضِدُّ الإِبرام: وهو فكُّ تركيبِ الشيء وردُّه إلى ما كان عليه أوَّلًا؛ فنقض البناء: هدمُه، ونقض المُبرَم: حَلُّه يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 44)، ((المفردات)) للراغب (ص: 821). .
غُلْفٌ: جمْع أغلف، أي: كأنَّها في غِلاف لا تَفهم، ولا تَعقِل شيئًا ممَّا يُقال، وأصل الغلف: الغشاوة، وغشيان شيءٍ لشيء يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 57)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (1/353)، مقاييس اللغة (4/390)، ((المفردات)) للراغب (ص: 612)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 85). .
طَبَعَ: ختَم عليها؛ فلا يَصل إليها هُدًى ولا نورٌ يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 321)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/438)، ((المفردات)) للراغب (ص: 515). .
بُهْتَانًا: أي: ظُلمًا، ويُطلَق الْبُهْتَانُ على الكَذِبُ، وعلى كلِّ فِعل مُستبشَع يُتعاطى باليد والرِّجل، مِن تناوُل ما لا يجوز، والمشيِ إلى ما يَقبُح يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (1 /122)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1 /307)، ((المفردات)) للراغب (1 /148). .
الْمَسِيحَ: هو عيسى عليه السَّلام؛ وسُمِّي عيسى بالمسيح؛ لأنَّه كان لا يَمسحُ بيدِه ذا عاهةٍ إلَّا برِئ يُنظر: ((المفردات)) للراغب (ص:767-768)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (1/45). وثمَّة أقوالٌ أخرى عن سبب تسمية عيسى عليه السلام بالمسيح؛ فمنها: أنَّه سُمي به لسياحته في الأرض. ومنها: لأنَّه خرَج مِن بَطنِ أُمِّه ممسوحًا بالدُّهن. ومنها: لأنَّه كان أمسحَ الرِّجلين، أي: ليس لرِجله أخمص- والأخمص: ما جفا عن الأرض من باطن الرِّجل. يُنظر: ((التبيان)) لابن الهائم (ص:123). .
صَلَبُوهُ: علَّقوه وشدُّوا صُلبَه على خَشَبٍ؛ ليَقتلوه يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/301)، ((المفردات)) للراغب (ص: 489). .
شَهِيدًا: شاهدًا على مَن كَفَر به وكذَّبه، ولِمَن آمَن به وصَدَّقه، والشَّهادةُ قولٌ صادرٌ عن عِلمٍ حَصَل بمشاهدة بصيرة أو بصَر يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (1 /65)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3 /221)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (1 /28)، ((المفردات)) للراغب (1 /465)، ((تفسير الخازن)) (1/446). .
الرِّبَا: أصْل الرِّبا الزِّيادة، وخُصَّ في الشَّرع بالزِّيادة على رأسِ المالِ دون وجْه حقٍّ يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/483)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 116). .
الرَّاسِخُونَ: الثَّابتون، جمْع: راسخ، ورُسوخُ الشَّيءِ في الشَّيء، هو ثبوتُه وولوجُه فيه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/223)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 235)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/395)، ((المفردات)) للراغب (ص: 352)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 119). .

مشكل الإعراب:

1- قوله: فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً:
جَهْرَةً: مصدَر، أو مصدرٌ واقعٌ موقعَ الحال؛ وعليه: فيجوز أن تكون جهرةً من صِفة القول أو السُّؤال، أو من صِفة السَّائلين، أي: فقالوا مُجاهِرين، أو: سألوا مجاهرين؛ فتكون في محلِّ نصْبٍ على الحال، أو منصوبةً على المصدَر مِن نوع الفِعل (أرنا)؛ فإنَّ الجهرة نوعٌ من الرُّؤية، مثل (قعَد القرفصاءَ)، ويجوز أن تكون نعتًا لمصدرٍ محذوفٍ تقديرُه: رؤية جهرة؛ فحينئذٍ تكون نائبةً عن المفعول المطلَق [2563] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/211)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/64- 403)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (1/367- 368) و(4/140)، ((إعراب القرآن الكريم)) للدعاس (1/232). .
2- قوله: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ:
رَسُولَ: بدلٌ من المَسِيحَ، أو عطفُ بيان، أو صِفة له، أو صِفة لـعِيسَى عليه السَّلام؛ هذا على أنَّ الكلامَ ما زالَ لليهودِ، وقالوه على سَبيلِ التهكُّم والاستهزاءِ، كقولِ فرعون: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ [الشعراء: 27] ، ويجوزُ أنْ يَضَعَ اللَّهُ الذِّكرَ الحسَنَ مكانَ ذِكرِهم القبيحِ في الحِكاية عنهم؛ رفعًا لعيسى عمَّا كانوا يَذكُرونه به، وتعظيمًا لِمَا أرادوا بمثلِه، وقيل غيرُ ذلك [2564] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/587)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/405)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/145)، ((إعراب القرآن الكريم)) للدعاس (1/234). .
3- قوله: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ:
إلَّا اتِّباعَ: مستثنى مُنقطِع، وهو منصوب؛ لأنَّ اتباع الظنِّ ليس من جِنس العِلم، والنَّصبُ هو أصلُ الاستثناءِ المنقطع في لُغةِ الحجاز، ويَجوزُ في لُغة تميم الإِبدالُ من (عِلمٍ) لفظًا فيجرُّ، أو على الموضِع فيُرفَعُ؛ لأنَّ قولَه: عِلْمٍمَرفوعُ المحلِّ على الابتداءِ، ومِنْ زائدةٌ فيه [2565] القول بأنَّ الاستثناء منقطع هو الصَّحيح الذي لم يذكر الجمهورُ غيرَه. وقيل: إنَّه متصل؛ إذ العِلم والظنُّ يَضمُّهما جِنس أنَّهما من معتقدات اليقين؛ يقول الظانُّ على طريق التجوُّز: (علمي في هذا الأمر كذا)، إنما يريد ظني، ورُدَّ هذا القول بأنَّ الظنَّ ما ترجَّح فيه أحد الطرفين، واليقين ما جُزِم فيه بأحدهما، وعلى تقدير التسليم به فاتباعُ الظنِّ ليس من جنس العِلم، بل هو غيره، فهو منقطع أيضًا، أي: ولكنَّ اتباعَ الظن حاصلٌ لهم. يُنظر: ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/147)، ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/212). .
4- قوله: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا:
يَقِينًا: في نَصْبه أوجه؛ منها: أنَّه حالٌ منصوبة من واوِ الجماعةِ في قَتَلُوهُ، أي: وما قتلوه مُتيقِّنين لقتْله أنَّه عيسى عليه السَّلام أو غيره. ومنها: أنه نعتٌ لمصدر محذوف، أي: قَتْلًا يَقينًا؛ فيكون نائبًا عن المفعول المطلق. ومنها: أنَّه منصوبٌ بفِعلٍ مِن لفظه حُذِف للدَّلالة عليه، أي: ما تيقَّنوه يقينًا، ويكون مؤكِّدًا لمضمون الجملة المنفية قبله، وقيل غير ذلك [2566] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/212)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/148)، ((إعراب القرآن الكريم)) للدعاس (1/234). .
5- قوله: وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا:
كَثِيرًا منصوبٌ على أنه نعتٌ لمفعول به محذوف، أي: أُناسًا كثيرًا. أو على أنَّه نائبٌ عن المفعول المطلَق (وهو المصدر)، أي: صَدًّا كثيرًا. وقيل غير ذلك [2567] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/212)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/407)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/151-152). .
6- قوله: لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا:
والْمُقِيمينَ الصَّلَاةَ والْمُؤتُونَ الـزَّكَاةَ:
لَكِنِ الرَّاسِخُونَ: لكِنْ: مخفَّفة، وهي حرفُ استدراكٍ لا عمَلَ لها. والرَّاسخون: مبتدأ مرفوع، وخبره إمَّا قوله يُؤْمِنُونَ... أو قوله: أُولِئَكَ سَنُؤْتِيهِمْ على ما سيأتي بيانُه.
والْمُقِيمينَ: على قِراءة الجمهور بالياء [2568] وقُرِئ بالواو (والمقيمون)، ولا إشكالَ في إعرابها. ؛ ففي إعرابه عدَّة أوجه: أظهرُها: أنه منصوبٌ على القطع الذي يُفيد المدح، أي: وأمْدَح - أو أعني، أو أخصُّ - المقيمين، وهذا القطع مفيد لبيان فضل الصلاة، فكثر الكلام في الوصف بأن جعل في جملة أخرى. وعلى هذا الوجه يجب أن يكون خبر الرَّاسِخُونَ هو جملة: يُؤْمِنُونَ...، وليس: أُولِئَكَ سَنُؤْتِيهِمْ؛ لأنَّ القطعَ إنَّما يَكونُ بعدَ تمامِ الكلام.
وقيل: إنَّه مجرورٌ عطفًا على (مَا)؛ أي: يُؤمنون بِـما أُنزل إليك وبالمقيمين الصَّلاة، والمراد بهم: الملائكة أو الأنبياء. وقيل: التقدير: وبدِين المقيمين، فيكون المرادُ بهم: المسلمين. وعليه يكون الخبر جملة أُولِئَكَ سَنُؤْتِيهِمْ، وتكون جملة (يُؤمِنون بما ...) جملةَ اعتراض؛ لأنَّ فيه تأكيدًا وتسديدًا للكلام، ويكون (يؤمنون) يعود على (الراسخون) و(المؤمنون) جميعًا، ويجوزُ أن تكون جملة (يؤمنون) حالًا منهما. وقيل غير ذلك [2569] قال السَّمين الحلبي- بعد حكاية أوجه الإعراب وتخريجاتها في هذه القراءة-: (وقد زعَم قومٌ لا اعتبارَ بهم أنَّها لحن، ونقَلوا عن عائشةَ وأبان بن عثمان أنَّها خطأ من جِهة غلَط كاتِب المصحف، قالوا: وأيضًا فهي في مصحَف ابن مسعود بالواو فقط؛ نقله الفراء، وفي مُصحَف أُبيٍّ كذلك، وهذا لا يصحُّ عن عائشةَ ولا أبان. وما أحسنَ قولَ الزمخشريِّ رحمه الله: ولا يُلتفت إلى ما زَعَموا من وقوعه لحنًا في خط المصحف، وربَّما التفت إليه مَن لم ينظر في الكتاب، ومَن لم يعرف مذاهبَ العرب وما لهم في النَّصب على الاختصاص من الافتنان، وغُبِّي عليه أنَّ السابقين الأوَّلين الذين مَثَلُهم في التوراة ومثَلُهم في الإنجيل كانوا أبعدَ هِمَّةً في الغَيرة عن الإسلام، وذبِّ المطاعن عنه من أنْ يقولوا ثُلمةً في كتاب الله؛ ليسدَّها مَن بعدهم، وخرقًا يرفوه مَن يَلحق بهم) ((الدر المصون)) (4/155)، وينظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/590)، وينظر أيضًا: ((مفاتيح التفسير)) للدكتور أحمد سعد الخطيب (ص: 709-728) تحت مصطلح "اللحن"؛ فقد عالج  هذه الفريةَ (ادِّعاء اللحن في القرآن الكريم أو في بعض قراءاته) من خلال مناقشة الآثار والحُكم عليها وتوجيه معنى اللَّحن أيضًا. .
والْمُؤتُونَ: في رفْعه أوجهٌ؛ أظهرها: أنَّه خبرٌ لمبتدأ محذوف، ويكون من باب القَطعِ على المدح المذكور في نَصْب (والمقيمين). ومنها: أنَّه معطوفٌ على الضمير المستكنِّ في (الرَّاسخون)، وجاز ذلِك للفَصل. ومنها: أنَّه معطوفٌ على الضَّمير في (المؤمنون)، أو على الضَّمير في (يؤمنون). ومنها: أنَّه مبتدأٌ أوَّل، وخَبَره أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ، فيكون (أولئك) مبتدأً ثانيًا، و (سنؤتيهم) خبَرَ المبتدأ الثاني، والجملةُ خبرَ المبتدأِ الأوَّل (المُؤتونَ). وعلى هذا الوجهِ يجبُ أنْ يكونَ خبَرُ الرَّاسِخُونَ هو جُملة: يُؤْمِنُونَ أيضًا.
والصَّلَاةَ والـزَّكَاةَ: كلٌّ منهما مفعولٌ به لاسم الفاعِل العامِل عمَلَ فِعله (المقيمين) (الْمُؤتُونَ) [2570] يُنظر في إعراب هذه الآية وتفصيل الأوجه فيها: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/212)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/407-408)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/152- 155)، ((إعراب القرآن الكريم)) للدعاس (1/231). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى لنبيِّه محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ: إنَّ أهل التوراة من اليهود يَطلُبون منك على سبيلِ التعنُّت أن تُنزِّل عليهم كتابًا من السَّماء، فيَنبغي ألَّا تكترثَ لذلك؛ فقد سألوا موسى ما هو أعظمُ من ذلك، بأنْ يُريهم اللهَ عِيانًا، فعُوقبوا بالصَّعق، بسبب ما ارتكبوه، ثم أنْجاهم اللهُ فعادوا لقبيح أفعالهم، فعَبَدوا العِجلَ بعدَما رأوا الآياتِ الواضحةَ التي جاء بها موسى، ثم عفَا الله عن ذلك، وأعطى موسى آياتٍ بيِّناتٍ، وحججًا واضحاتٍ، تدلُّ على صِدق ما جاء به.
ثم أخبَر تعالى أنَّه رفَعَ فوقَهم الجبلَ؛ تخويفًا لهم حين امتنعوا عن العمل بالتوارة التي أُخذَ عليهم العهد الموثَّق أن يلتزموا بها، وأخبر أنَّه أمَرَهم تعالى عند دُخولهم أحدَ أبواب بيت المقدس، أن يَدخُلوه وهم سجودٌ، ونهاهم عن الاعتداء يومَ السبت فيَقعوا فيما حرَّمه عليهم، وأخَذ عليهم سبحانه عهدًا مؤكَّدًا شديدًا أنْ يفعلوا ما أُمروا به، ويَجتنبوا ما نُهوا عنه.
ثم أخبر تعالى أنَّ طَرْدَهم من رحمته كان بسبب نَقْضهم للعهودِ التي عاهدوا اللهَ عليها، وكُفرِهم بآيات الله، وقَتْلِهم الأنبياءَ بلا سببٍ يستوجب قتْلَهم، وبسببِ قولهم: إنَّ قلوبهم في أغلفةً وأغطية، فلا يعقلون بها، وقد كذَبوا في ذلك، بل ختَم الله عليها؛ بسببِ كُفرهم، فلا يؤمنون بما طُلب منهم الإيمانُ به إلَّا بشيءٍ يسير، كذلك كان إبعادُهم من رحمته سبحانه وتعالى بسبب كُفرِهم واتِّهامهم مريمَ بالوقوع في الزِّنا كذبًا وافتراءً. وبقولهم: إنَّهم قتَلوا المسيح عيسى ابنَ مريم رسولَ الله تعالى، وما قتلوه وما صَلبوه، ولكن أُلقي شبهُه على شخصٍ آخَرَ فظنُّوه عيسى عليه السَّلام, وأمَّا الذين اختلفوا في شأنِه من اليهود والنصارى فهُم في شكٍّ وحَيرة منه، وليس معهم سوى مُجرَّدِ ظُنون، وما قتلوه متيقِّنِين من أنه عيسى عليه السَّلام، بل رفَعَه الله إليه فلم يَنالوا منه عليه السَّلام، وكان الله عزيزًا حكيمًا.
ثمَّ أخبَر تعالى أنَّه لا يَبقى أحدٌ من أهل الكتاب بعد أن يَنزل عيسى في آخِرِ الزمان إلَّا وسيُؤمن به قبلَ موته، وسيكون عليه السَّلام شاهدًا عليهم يومَ القيامة.
وبيَّن اللهُ سبحانه بعدَ ذلك أنَّه بسببِ ظُلم اليهود وصَدِّهم عن سبيله كثيرًا، حرَّم عليهم بعضَ الطيِّبات التي كان أَحلَّها لهم من قبلُ؛ عقوبةً لهم على ذلك، وعلى أخذهم للرِّبا وقد نُهوا عنه، وعلى استيلائِهم على أموال النَّاس بدون وجهِ حقٍّ، وأعدَّ الله لِمَن كَفَر منهم عذابًا مؤلِمًا.
ثم وضَّح تعالى أنَّه ليس كلُّ اليهود متَّصِفون بتلك الصِّفات السيِّئة؛ فالذين ثبَت العلمُ في صُدروهم وانتفعوا به، والمؤمنون منهم باللهِ وكُتبه ورُسله جميعًا، هؤلاء يؤمنون بما أُنزل إلى رسولِ الله محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ وهو القُرآن، وبما أُنزل من قبله من الكتُب المتقدِّمة، والذين يُقيمون الصَّلاة على أتمِّ الوجوه، ويُعطون الزكاة لِمَن يستحقُّها، والذين يُؤمنون بالله تعالى وباليوم الآخِر وما يكون فيه، أولئك وعَدَ الله أنَّه سيُؤتيهم أجرًا وثوابًا كبيرًا، وهو الجنة.

تفسير الآيات:

يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153)
مُناسبةُ الآية لِمَا قَبلَها:
لَمَّا ذكَر اللهُ تعالى معاذيرَ أهل الكتابين في إنكارهم رِسالةَ محمد صلَّى الله عليه وسلَّمَ، أعقَبَ ذلك بذِكر شيءٍ من اقتراحهم مجيءَ المعجزات على وَفقِ مطالبهم يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/13). ، فقال تعالى:
يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ
أي: يسألك أهلُ التوراة من اليهود يا محمَّد، على سبيل التعنُّت والعِنادِ أن تُنزِّل عليهم كتابًا من السَّماء جملةً واحدة، مكتوبًا بخطٍّ سماويٍّ، كما كانت ألواحُ التَّوراة، يَشهَدُ لك بالصِّدق, ويأمُرهم باتباعك يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/638-641)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 299)، ((تفسير ابن كثير)) (2/446)، ((تفسير السعدي)) (ص: 213). .
فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ
أي: لا يَعظُمنَّ عليك يا محمَّد، سؤالُهم ذلك، ولا تعجبنَّ منه؛ فإنَّه ليس بغريبٍ من أمرهم، بل سبَق لهم طلبُ ما هو أعظمُ من ذلك من موسى عليه السَّلام، الذي يَزعُمون أنَّهم يؤمنون به يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/641)، ((تفسير السعدي)) (ص: 213)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/407). !
فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً
أي: فقالوا لموسى عليه السَّلام: نُريد رُؤيةَ الله تعالى عِيانًا نَنظُر إليه؛ كي نُصدِّقَك يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/641)، ((تفسير السعدي)) (ص: 213)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/408). .
كما قال تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً [البقرة: 55] .
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ
أي: عُوقبوا بالصَّعق؛ بسببِ عُدوانهم وعِنادهم فهَلَكوا، ثم أحياهم اللهُ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/642)، ((تفسير ابن كثير)) (2/446)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/408). .
 كما قال تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 55 - 56] .
ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ
أي: ثم اتَّخذ هؤلاء الذين سألوا موسى رؤيةَ ربِّهم عِيانًا، بعدَما أحياهم اللهُ تعالى من صَعقتِهم، اتخذوا العجلَ إلهًا يعبدونه، مِن بعدِ ما رأوا بأبصارهم الأدلَّةَ الواضحةَ، والمعجزاتِ الباهرةَ التي جرَت لموسى عليه السَّلام يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/446)، ((تفسير السعدي)) (ص: 213)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/408-410). !
فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ
أي: فعَفوْنا لعبدةِ العجل عن عِبادتهم إيَّاه. وقد جعَل الله تعالى توبتَهم: أن يَقتُل بعضُهم بعضًا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/643)، ((تفسير ابن كثير)) (2/446)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/408-410). .
كما قال سبحانه: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: 54] .
وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا
أي: وأَعطينا موسى عليه السَّلام حُجَّةً واضحة، تُبِين عن صِدقه ونبوَّته، وهي الآياتُ البيِّنات، والحُججُ الباهرات التي أُعطيها يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/643)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/410-411). .
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154)
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ
أي: حين امتَنعوا من العملِ بالتوراة التي عُهِد إليهم الالتزامُ بها عهدًا مؤكَّدًا، رفَعْنَا فوق رؤوسهم جبلًا لتخويفهم؛ كي يُقرُّوا بما عُوهِدوا عليه، ويَعمَلوا به بقوَّة يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/644)، ((تفسير ابن كثير)) (2/446)، ((تفسير السعدي)) (ص: 213)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/419). .
كما قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 63] .
وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا
أي: وأمَرْناهم أن يَخضعوا لله سبحانه بالفِعل والقولِ عند دُخولِهم أحدَ أبواب بيت المقدس، بأنْ يدخُلوا رُكَّعًا متواضعين، وأن يَطلُبوا من الله تعالى أن يَضعَ عنهم ذُنوبَهم وخطاياهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/644)، ((تفسير ابن كثير)) (2/447)، ((تفسير السعدي)) (ص: 213)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/419-420). .
وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ
أي: وقُلنا لهم: لا تَتجاوزوا في يوم السَّبت ما أُبيح لكم إلى ما حُرِّم عليكم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/644)، ((تفسير ابن كثير)) (2/447)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/420). .
كما قال تعالى:وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) [الأعراف: 163] .
وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا
أي: وأَخذْنا عليهم عهدًا مؤكَّدًا شديدًا بأنْ يَعملوا بما أمرَهم اللهُ تعالى به، ويَنتهوا عمَّا نهاهم عنه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/645)، ((تفسير ابن كثير)) (2/447)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/421). .
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155)
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ
أي: فبسببِ نقضِهم عهودَهم، التي عاهدوا اللهَ تعالى أن يأخذوا بها، طَرَدْناهم وأبعدناهم من رحمتِنا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/645-648)، ((تفسير ابن كثير)) (2/447)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/422). .
كما قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً... [المائدة: 13] .
وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ
أي: وبسبب كُفرهم بالأدلَّة والحُجج والمعجزاتِ، التي شاهدوها دالَّةً على الحقِّ بوضوحٍ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/646)، ((تفسير ابن كثير)) (2/447)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/422). .
وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ
أي: وبسببِ قيامِهم بقَتْلِ الأنبياءِ الكرام عليهم السَّلام بغير سببٍ يَستحقُّون به القتل يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/646)، ((تفسير ابن كثير)) (2/447)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/423). .
وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ
أي: وبسببِ قولهم: قلوبُنا داخلةٌ في غِلاف وأَغطيةٍ، فلا نَعقِل بها يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/646)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/423). .
كقوله تعالى: وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ [فصلت: 5] .
بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ
أي: ليس الأمرُ كما زعَموا من أنَّ قلوبَهم غُلف؛ فقد كذَبوا في ذلك، وإنَّما ختَم الله تعالى على قلوبِهم؛ بسببِ كُفرهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/646)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/423). .
فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا
أي: إنَّهم آمنوا بشيءٍ يسيرٍ ممَّا وجب عليهم الإيمانُ به، لكنَّه إيمانٌ لا ينفعهم؛ لأنَّه مغمورٌ بما كفروا به، كإيمانهم ببعضِ الأنبياء وكُفرهم ببعضهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/646)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 267)، ((تفسير القرطبي)) (5/244). .
وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156)
أي: وبسبب كُفرهم وبسبب افترائِهم على مريمَ عليها السَّلام برَمْيِها بالوقوعِ في الزِّنا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/649)، ((تفسير ابن كثير)) (2/448)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/433). .
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157)
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ
أي: وبسببِ دَعواهم قتْل عيسى عليه السَّلام يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/650)، ((تفسير ابن كثير)) (2/448)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/437). أمَّا قوله: رَسُولَ اللَّهِ، فقيل: إنَّها من قول الله تعالى، أي: لَمَّا قال هؤلاء: قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فهم لا يُقرُّون بأنه رسول، لكن الله تعالى قال: رَسُولَ اللَّهِ كأنَّه يقول: إنَّه لا يستحقُّ أن يُقتَل؛ لأنَّه رسول الله. وقيل: بل هذا من كلامهم، وإنَّما قالوه على سبيل التهكُّم، يعني: الذي يزعم أنه رَسُول اللَّهِ ويدَّعي لنفسه هذا المقام، كقول قريش لمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ: وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الحجر: 6] . يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/20)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/437). قال ابنُ عثيمين: (القرآن عظيمٌ، جاء بهذه الصِّيغة، من أجل أن يُدير الإنسان فِكرَه في كلِّ ناحية؛ ليتأمَّل أيهما أحق، ويُمكن أن يُقال: قاله الله تعالى تكريمًا وتعظيمًا لعيسى عليه الصَّلاة والسَّلام، وقاله هؤلاءِ استهزاءً وتهكُّمًا) ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2 /437). .
وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ
أي: والحقُّ أنَّهم لم يَقتُلوا عيسى عليه السَّلام، ولم يَصلِبوه كما يَدَّعون، ولكن أُلقي شبهُه على شخصٍ آخِرَ؛ فظنُّوه هو واختار هذا القولَ- أي في معنى شبه لهم-: الواحديُّ في ((الوجيز)) (ص: 300)، والقرطبيُّ في ((تفسيره)) (6/9)، وابنُ كثير في ((تفسيره)) (2 /449)، والسعديُّ في ((تفسيره)) (ص: 132)، والشنقيطيُّ في ((أضواء البيان)) (1/201)، وفي ((العذب النمير)) (2/402)، وابنُ عثيمين في ((تفسير سورة النساء)) (2/438). وقيل: يحتملُ أن يكونَ المعنى: ولكن شُبِّه لليهودِ الأولين والآخرين خبرَ صلبِ المسيحِ، أي: اشتبه عليهم الكذبُ بالصدقِ، فيكونُ من بابِ قولِ العربِ: خُيِّل إليك، واختلطَ على فلانٍ. وليس ثمة شبيهٌ بعيسى. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/21). .
وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ
أي: إنَّ الذين اختلفوا من اليهود والنَّصارى في شأنِ عيسى عليه السَّلام- هل هو الذي قُتِل وصُلِب أم غيره- يُخالج نُفوسَهم الشكُّ، وتنتابهم الحَيرةُ من هذا الأمر يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/660)، ((تفسير الواحدي)) (2/137)، ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (13/108)، ((تفسير ابن كثير)) (2/449)، ((تفسير ابن عاشور)) (6/22)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/439-440). .
مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ
أي: مِن غير أن يكونَ لهم عِلمٌ جازم بمَن قتلوه حقًّا؛ أهو عيسى عليه السَّلام أم غيره، وإنَّما غايةُ ما لديهم هو مجرَّدُ ظنونٍ لا تَرقى إلى درجةِ اليقين يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/661)، ((تفسير الواحدي)) (2/137)، ((تفسير ابن عاشور)) (6/22)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/440-441). .
وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا
أي: وما قتَلوه متيقِّنين أنَّه عيسى عليه السَّلام وهذا اختيارُ ابنِ جريرٍ في ((تفسيره)) (7/661)، والواحديِّ في ((الوجيز)) (ص: 300)، وابنِ كثيرٍ في ((تفسيره)) (2/449)، وجعَله ابنُ عاشور أحدَ الاحتمالاتِ في ((تفسيره)) (6/23). وقيل: أي: عدم قتْل عيسى عليه السَّلام، أمرٌ يَقينيٌّ لا شكَّ فيه. يُنظر: ((الجواب الصحيح)) لابن تيمية (4/40)، ((تفسير ابن عاشور)) (6/23). وذهب ابنُ عثيمينَ إلى حمل الآية على كلا المعنيين. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة النساء)) (2/442). .
بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)
بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ
أي: ليس الأمرُ كما ظنُّوا من أنَّهم قتلوه وصلبوه, ولكنَّ الحقيقةَ هي أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد رفَعه إليه في السَّماء؛ فلم يَظفروا به يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/661)، ((تفسير ابن عاشور)) (6/23)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/447). .
كما قال تعالى: إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران: 55] .
وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
أي: إنَّ الله تعالى ذو قدْرٍ عظيمٍ، منيع الجَناب، غالبٌ على أمره، قاهرٌ لأعدائه ومنتقِمٌ منهم، ذو حكمةٍ في تدبيره وقَضائه؛ فيضع كلَّ شيءٍ في موضعه اللائق به سبحانه، ومِن عِزَّته وحِكمته عزَّ وجلَّ: رفْعُه لعيسى عليه السَّلام، ومنعُ أعدائه من الوصول إليه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/663)، ((تفسير ابن كثير)) (2/449)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/448-449). .
وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)
مُناسبةُ هذه الآية لِمَا قَبلَها:
لَمَّا ذكَر الله تعالى فضائح اليهود وقبائحَ أفعالهم، وأَوْضَح أنَّهم قَصدوا قتْل عيسى عليه السَّلام، وأنَّه ما حصَل لهم ذلك المقصود، وأنَّه حصَل لعيسى أعظمُ المناصب، وأجلُّ المراتب- بَيَّن تعالى أنَّ هؤلاء اليهودَ الذين كانوا مبالغين في عَداوته لا يخرُج أحدٌ منهم من الدُّنيا إلَّا بعدَ أن يؤمن به يُنظر: ((تفسير الرازي)) (11/263). ، فقال:
وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ
أي: إنَّه لا يَبقى أحدٌ من أهل الكِتاب بعد نُزولِ عيسى عليه السَّلام في آخِر الزَّمان، عند اقترابِ السَّاعة، وظهورِ علاماتها الكِبار، إلَّا آمَن به قبلَ موته عليه السَّلام يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/672-675)، ((تفسير ابن كثير)) (2/454)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/452). .
عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((والذي نَفْسي بيدِه، ليُوشِكنَّ أن يَنزلَ فيكم ابنُ مريمَ حَكمًا عدلًا، فيَكسِرَ الصَّليبَ، ويَقتُلَ الخِنزيرَ، ويضعَ الجزيةَ، ويَفيضَ المالُ حتى لا يقبلَه أحدٌ، حتى تكونَ السجدةُ الواحدةُ خيرًا من الدُّنيا وما فيها، ثم يقولُ أبو هريرةَ: واقرؤوا- إنْ شئتم -: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)) رواه البخاري (3448) واللفظ له، ومسلم (155). .
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا
أي: ويوم القِيامة يكونُ عيسى عليه السَّلام شاهدًا على أهل الكِتاب من اليَهود والنَّصارى، الذين تعارَضتْ أقوالُهم فيه بتكذيبِ مَن كفَر به منهم, وتَصديق مَن آمَن به منهم، فيما أَتاهم به من عند الله، وبإبلاغِه رسالةَ ربِّه ومولاه، وشاهدًا على أعمالهم التي شاهدَها منهم قَبلَ رفْعِه إلى السَّماء، وبعد نُزوله إلى الأرض يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/675-676)، ((تفسير ابن كثير)) (2/454)، ((تفسير السعدي)) (ص: 214)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/452-454). .
كما قال تعالى: وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة: 116 - 118] .
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا (160)
مُناسبةُ الآية لِمَا قَبلَها:
أنَّ الله تعالى لَمَّا بَيَّن فَضائحَ أعمالِ اليهودِ، وقبائحَ الكافرين وأفعالَهم، ذكر عقيبه تشديده تعالى عليهم في الدنيا وفي الآخرة يُنظر: ((تفسير الرازي)) (11/264). ، فقال:
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ
أي: بسبب ظُلم اليهود- بما ارْتكبوه من الذُّنوب العَظيمة- حرَّم الله تعالى عليهم؛ عقوبةً لهم، عددًا من الطيِّبات التي أحلَّها لهم سبحانه من قبلُ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/676)، ((تفسير ابن كثير)) (2/467)، ((تفسير السعدي)) (ص: 214)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/456). قال ابنُ كثير: (وهذا التحريم قد يكون قدريًّا، بمعنى: أنه تعالى قيَّضهم لأنْ تأوَّلوا في كتابهم، وحرَّفوا وبدَّلوا أشياءَ كانت حلالًا لهم، فحرَّموها على أنفسهم؛ تشديدًا منهم على أنفسِهم، وتضييقًا وتنطُّعًا. ويحتمل أن يكون شرعيًّا، بمعنى: أنه تعالى حرَّم عليهم في التوراة أشياءَ كانت حلالًا لهم قبل ذلك) ((تفسير ابن كثير)) (2/467). .
كما قال تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ [الأنعام: 146] .
وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا
أي: وبسببِ صدِّهم أنفُسَهم عن اتِّباع الحقِّ، وصدِّهم الناسَ أيضًا عن طريقِ الهُدى صدًّا كثيرًا، فقد قالوا على الله تعالى الباطِل, وبدَّلوا كتابَ الله، وحرَّفوا معانيَه عن وجوهِه، وكتَموا ما فيه- كأمْر مُحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ وبيان صِفته للنَّاس- وقتَلوا خلقًا من الأنبياء، وكذَّبوا عيسى ومحمدًا عليهما الصَّلاة والسَّلام يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/677)، ((تفسير ابن كثير)) (2/467)، ((تفسير السعدي)) (ص: 214)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/456-457). .
وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)
وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ
أي: وبسببِ تَناوُلهم الرِّبا، والحال أنَّهم قد نُهوا عن أخْذه، فقامتْ عليهم الحُجَّةُ في ذلك يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/677)، ((تفسير ابن كثير)) (2/467)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/457-459). .
وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ
أي: وبسبب استيلائِهم على أموالِ الناسِ بغير حقٍّ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/678)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/459). .
وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
أي: وهيَّأْنا للكفَّارِ من هؤلاء اليهود عذابًا موجعًا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/678)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/461). .
لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)
مُناسبةُ الآية لِمَا قَبلَها
لَمَّا ذَكَر الله تعالى معايبَ أهل الكتاب، ذكَر الممدوحين منهم يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 214). ، فقال:
لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ
أي: ليس كلُّ اليهود على تِلك الأوصاف السيِّئة؛ فالذين ثبَت العِلمُ النافع في قلوبِهم، ورسَخَ الإيقانُ في أفئدتهم، والمؤمنون بالله تعالى وجميعِ كُتبِه ورُسلِه عليهم السَّلام يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/678-679)، ((تفسير ابن كثير)) (2/468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 214)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/467-468). وقيل: المراد بالمؤمنين هنا أصحابُ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ. يُنظر: ((الوجيز)) للواحدي (ص: 302)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/468). وقال ابن عاشور: (وعطف المُؤْمِنُونَ على الرَّاسِخُونَ ثناءً عليهم بأنَّهم لم يسألوا نبيَّهم أنْ يُريهم الآياتِ الخوارق للعادة؛ فلذلك قال: يُؤْمِنُونَ، أي: جميعهم، بما أنزل إليك، أي: القرآن، وكفاهم به آيةً، وما أنزل من قبلك على الرُّسل، ولا يُعادون رسل الله تعصُّبًا وحمية) ((تفسير ابن عاشور)) (6/28). .
يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
أي: يُؤمِنون بالقُرآنِ الذي أُنزل إليك يا محمَّدُ، وبالكتُب السابقة التي أُنزلتْ على الأنبياء عليهم السَّلام من قَبْلك يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/679)، ((تفسير ابن كثير)) (2/468)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/468). .
وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ
أي: والذين يُؤدُّون الصلاةَ على وجه الاستقامة والتَّمام، فيأتون بها تامَّةَ الشروط، مستوفيةَ الأركان والواجبات، ويُكمِّلونها بالمستحبَّات يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 214)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/468). ويُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/468). .
وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
أي: والذين يُعطون زكاةَ أموالهم أهلَها المستحقِّين لها يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/685)، ((تفسير ابن كثير)) (2/468)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/470). .
وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
أي: والذين يُؤمنون باللهِ تعالى، ويُؤمنون بالبَعثِ بعد الموت، والجزاءِ على الأعمالِ؛ خيرِها وشرِّها يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/685)، ((تفسير ابن كثير)) (2/468)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/471-472). .
أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا
أي: أولئك الذين هذه صِفتُهم- ممن جمعوا بين العِلم والإيمانِ والعملِ الصالح- سنُعطيهم جزاءً وثوابًا كبيرًا, وهو الجنة يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/685)، ((تفسير ابن كثير)) (2/468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 214)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/472-473). .

الفوائِد التربويَّة :

1- النَّظر إلى عاقبة التعنُّت في الدِّين؛ قال الله تعالى: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ فأخذتْهم الصاعقة بتعنُّتِهم وسؤالِهم ما ليس لهم أن يَسألوه يُنظر: ((تفسير الرازي)) (11/256)، ((تفسير أبي حيان)) (4/121). .
2- أنَّ الذَّنب كلَّما عظُم كان أسرعَ للعقوبة؛ لقوله: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ، والفاء تدلُّ على الترتيب والتعقيب؛ ولهذا أخذتْهم الصَّاعقةُ في الحال، فماتوا جميعًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/416). .
3- أنَّ مَن تحيَّل على محارمِ الله مِن هذه الأمَّة ففيه شبهٌ من اليهود، سواء كان في البَيع أو في الشِّراء، أو فيما أحلَّ الله من الطعام وحرَّم، أو في النِّكاح يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/427). .
4- الكُفر المتزايد يَزيد تَعاصي القلوب عن تلقِّي الإرشاد؛ يستفاد ذلك من قول الله تعالى: بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/18). .
5- وجوب اقتِناع الإنسان بحُكم الله، ورِضاه بقَدَره، فوجوب اقتناعه بحُكم الله؛ لأنَّه إذا آمن أنه لحِكمةٍ، وجَبَ أن يقتنع به؛ قال تعالى: وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا؛ ولهذا كان السَّلف الصالح لا يُقنعون النفوسَ عند الإشكال إلَّا بالنُّصوص، وأمَّا الرِّضا بقضائه، فالمراد: أنْ يرضَى الإنسان بقضاء الله لا بالمقضيِّ؛ لأنَّ المقضيَّ فيه تفصيل، لكن القضاء من حيثُ هو قضاءُ الله يجب عليه أن يَرضَى به، وهذا من تمامِ توحيد الربوبيَّة يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/450). .
6- اقتراف الذُّنوب والظُّلم موجبٌ للتَّشديد في الدُّنيا والآخِرة، وجامع لنكد الدَّارين؛ وسبب لحرمان الخير الشرعيِّ والقدري، قال الله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ، وفي ذلك بيانُ فُحش الظُّلم، والتقبيح له، والتحذير منه يُنظر: ((تفسير الرازي)) (11/264)، ((تفسير أبي حيان)) (4/133)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/462).. .
7- أنَّ الجزاءَ مِن جِنس العَمل؛ قال الله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ؛ فمُنعوا مستلذَّات تلك المآكِل بما مَنَعوا أنفسَهم وغيرَهم من لذاذةِ الإيمان يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/344). .
8- في قوله تعالى: لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ إلى قوله: أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا بيانُ فَضيلةِ العالِمِين بأحكام اللهِ تعالى، العامِلين بتِلك الأحكام يُنظر: ((تفسير الرازي)) (11/265). .
9- أنَّ العِلم سببٌ للإيمان؛ لقوله: يُؤْمِنُونَ، ولا شكَّ أنَّه كلَّما ازداد الإنسان علمًا، ازداد إيمانًا وبصيرةً بتوفيق الله عزَّ وجلَّ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/475). .

الفوائِد العِلميَّة واللَّطائف:

1- قول الله تعالى: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فيه الاستدلالُ على حالتهم بحالةِ أسلافهم، من قَبيل الاستدلال بأخلاق الأُمم والقبائل على أحوالِ العَشائر منهم يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/14). .
2- دِفاع اللهِ تعالى عن الرَّسولِ عليه الصَّلاة والسَّلام؛ لأنَّه سلَّاه وقال: لا تتعجب ولا تستكبر هذا السؤال فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/412). .
3- أنَّ ما جاءت به الرُّسلُ فهو حُجَّة ظاهرة لا تَخفى إلَّا على مَن أعْمَى اللهُ قلبَه؛ لقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/417). .
4- إثباتُ الأسباب، وأنَّ لها أثرًا في حُصولِ المسبَّبات؛ لقوله: بِظُلْمِهِمْ؛ فإنَّ الباء للسببيَّة يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/416). .
5- قوله: مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فيه دليل على العُذر بالجهل يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/418). .
6- أنَّ إيمانَ بني إسرائيل إيمانُ إكراه؛ لأنَّ أيَّ قادرٍ يقول: أنا سأُسقط عليك حجارةً من السَّماء إنْ لم تؤمن، فيؤمن المُهدَّدُ على إكراه، وعليه: فالمؤمن على إكراهٍ لا بدَّ أن يكون إيمانه ضعيفًا، إذا زال الإكراهُ ربما يَرجِع إلى الكفر؛ قال تعالى: وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ .. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/425). .
7- إثباتُ الأسباب الشرعيَّة، وكذلك إثبات الأسباب القدريَّة من باب أَوْلى؛ لقوله: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ والباء للسببيَّة، وإثبات الأسباب المؤثِّرة في مُسبَّباتها من مقتضى حِكمة الله عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ الشيء لو وقَع صُدفةً هكذا لكان سفهًا، والإنسان الذي يفعل الشيءَ اعتباطًا بدون سبب موجب له لا يعد حكيمًا، لكن الذي يفعل الشيء بأسبابه والمؤثرات فيه هذا هو الحكيم، والله عزَّ وجلَّ قد ربط المسببات بالأسباب، ولكن لقصورنا ونقصنا قد نعلم السبب وقد لا نعلمه يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/427). .
8- أنَّ نقْضَ الميثاق سببٌ لِلَعنةِ الله عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ الآيةَ على تقديرِ محذوف، وهو: (لعنَّاهم)، أي:  فبما نقضهم ميثاقهم.... لعنَّاهم يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/429). .
9- أنَّ كلَّ مَن احتجَّ بالقَدَر على الشَّرْع، فحُجَّتُه داحضةٌ؛ لأنَّ هؤلاء احتجُّوا بقَدَرِ الله على شَرْعِه، حيث قالوا: قُلُوبُنَا غُلْفٌ فأبطل اللهُ تعالى حُجَّتَهم بقوله: بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا، فمن كَفَر، ولم يعلمِ اللهُ فيه خيرًا، طبَع على قلبِه؛ فلا يَهتدي أبدًا، كما قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف: 5] فمَن زاغ عن الحقِّ فهو السبب يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/429، 432). .
10- في قوله تعالى: وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ إثباتُ الآيات لله، وآياتُ الله تعالى نوعان: كونيَّة وشرعيَّة؛ فالكونيَّة جميعُ المخلوقات، فكلُّ المخلوقات دالَّةٌ على خالقها عزَّ وجلَّ، وعلى قُدرتِه وعِلمه، وحِكمتِه ورحمته، وغير ذلك ممَّا يتعلَّق بهذه المخلوقات، والآيات الشرعية: هي ما أنزله الله على رسله من الوحي يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/430). .
11- عُتوُّ بني إسرائيل؛ حيث اعْتَدَوْا على مَن أتَوْا بشَرْع يَهدُون الناس به، فقتلوا: الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، بل قتَلوا الَّذِينَ يَأمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ [آل عمران: 21] ولو كانوا غيرَ أنبياء يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/431). !
12- أنَّ قتْلَ الأنبياء لا يُمكن أن يكون بحَقٍّ، وقوله: بِغَيْرِ حَقٍّ بيانٌ للواقِع، وليس قيدًا احترازيًّا، وهو كثيرٌ في القرآن يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/431). .
13- أنَّ اليهود باؤوا بإثم قَتْل المسيح أَخْذًا بإقرارهم، حيث قالوا: إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ؛ لأنَّ الله جعَلَ الإقرارَ شهادة، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ [النساء: 135] ولهذا نقول: اليهود قتَلوا المسيح حكمًا ولم يقتلوه واقعًا؛ لأنهم أقروا بأنهم قتلوه، ولكنهم لم يقتلوه واقعًا في الحقيقة، فحكم قتل المسيح ثابت على اليهود بإقرارهم يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/442). .
14- نِسبة الإنسان إذا لم يكُن له أبٌ إلى أُمِّه، وتُؤخذ من قوله: عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/443). .
15- فائدة نحويَّة: أنَّ الإنسان إذا اشتهر بلقبِه، فلا بأس أن يُقدَّم على اسم العَلَم؛ لأنَّه قدَّم المسيح، في قوله تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ، وإلَّا فالأصل أن يُقدَّم الاسم أولًا، ثم اللَّقب، ثم الكُنية، لكن إذا اشتهَر باللَّقب فإنَّه يُقدَّم، مثل أن تقول: الإمام أحمد بن حنبل، أو أحمد بن حنبل الإمام؛ فالأوَّل مُقدَّم؛ لأنَّه مشتهرٌ به يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/443). .
16- سَفاهةُ النَّصارى وقِلَّة تمييزهم؛ إذ إنَّهم يَعبُدون الصَّليب ويُعظِّمونه، ولو كانوا عُقلاءَ لكسروه؛ صليبٌ يُصلَب عليه نبيُّهم- على زعمِهم- ثم يذهبون إلى تقديسه! لو أُخِذ بظاهر الحال لقِيل: هذا دليلٌ على بُغضهم لعيسى عليه السَّلامُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/444). .
17- أنَّ عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسَّلام حيٌّ؛ لقوله: بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ، وهذا يقتضي رَفْعَه برُوحه وجَسَدِه، كما عُرِج بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ برُوحه وجسَدِه إلى السموات يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/449). .
18- في قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أنَّ الكتابيَّ قد يؤمن إيمانَ اضطرارٍ إمَّا عند موته- على قول-، أو إذا نَزَل عيسى، ولكن النصوص تدلُّ على أنَّ الإيمانَ الاضطراريَّ لا ينفع، وأنَّ الإيمان لا ينفع إذا حضَر الأجلُ؛ لقوله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء: 18] ، ولكن الإيمان الاضطراري في غير هذا الحال قد يَرْسَخُ في قلْبِ المرء، فقد يُؤمِنُ أولًا خوفًا من السَّيف، ثم يَرسَخُ الإيمان في قلبه ويثبت، ويكون إيمانًا حقيقيًّا يُثاب عليه، وينجو به من النَّارِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/454). .
19- قوله تعالى: وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا فيه التحذيرُ من كلِّ أنواع الصدِّ عن سبيلِ اللهِ؛ فالصَّد لا يتقيَّد بصيغةٍ معيَّنة، بل كلُّ ما فيه صدٌّ عن سبيل الله سواء بالتخذيل، أو بالإرجاف، أو بالإيعاد، أو بالوعد، أو بغير ذلك فإنَّه داخلٌ في التَّحذير من ذلك يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/464). .
20- أنَّ المتعاطِين للرِّبا من هذه الأمَّة مُشبهون لليهود؛ لقوله: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/465). .
21- أنَّ أخْذ الرِّبا مُحرَّمٌ، سواء كان للأكْل، أو للشُّرب، أو للبس، أو للاقتناء، أو لأيِّ غرَضٍ كان؛ لعموم قوله: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/465). .
22- قول الله تعالى: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ في الآية دليل على أنَّ النهي للتحريم يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/345). .
23- أنَّ الحُجَّة لا تقوم إلَّا بعدَ بُلوغها، وأنَّ مَن فعَل شيئًا لا يَدري عن حُكمه، فهو غير مُؤاخَذٍ به؛ لقوله: وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/465). .
24- أنَّه لا يمكن أنْ يتمَّ الإيمان إلَّا بالإيمان بما جاء به الرسولُ عليه الصلاة والسَّلام؛ لقوله: يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ، فكلُّ إنسان يدَّعي أنه مؤمن دون أن يُؤمن بما أُنزل على محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ، فإنَّه كافرٌ، وكاذب في دَعواه؛ لأنَّ دِينَ الإسلام الذي جاء به محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ ناسخٌ لجميع الأديان يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/475). .
25- الإشارة إلى أنَّه لا نبيَّ بَعد محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ؛ لقوله: مِنْ قَبْلِكَ ولم يقُلْ: (من بعدك)، وهذا هو الواقع، لكن الآية فيها الإشارةُ، وليس فيها التصريح يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/476). .
26- فضيلةُ إقامة الصَّلاة وإيتاء الزكاة؛ لأنَّ الله تعالى نصَّ عليهما من بين سائر الأعمال، وإقامة الصَّلاة وإيتاء الزَّكاة قرينتانِ في كتابِ الله يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/476). . وأيضًا لَمَّا كانتِ الصلاةُ أعظمَ دعائم الدِّين، نُصب قولُه: والمُقِيمِينَ على المدحِ من بين هذه المرفوعات؛ إظهارًا لفضلِها يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/345)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/503). .

بلاغة الآيات:

1- قوله: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ: جيء بالفِعل المضارع هنا يَسْأَلُكَ؛ إمَّا لقصْد استحضارِ حالتهم العجيبة في هذا السُّؤال، حتى كأنَّ السامعَ يَراهم، وإمَّا للدَّلالة على تَكرارِ السؤالِ وتجدُّدِه المرةَ بعد الأخرى، بأنْ يكونوا ألَـحُّوا في هذا السؤال؛ لقصد الإعناتِ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/13). .
2- قوله: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى: الفاء في (فَقَدْ) فاء الفصيحة، دالَّة على مُقدَّر دلَّت عليه صيغةُ المضارع المراد منها التعجُّب، أي: فلا تعجب من هذا؛ فإنَّ ذلِك شنشنةٌ- أي: عادةٌ- قديمةٌ لأسلافهم مع رسولِهم؛ إذ سألوه معجزةً أعظم من هذا يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/14). .
- وفيه: إسنادُ السُّؤال إليهم، وإن كان وُجِد من آبائهم في أيام موسى عليه السَّلام - وهم النقباء السَّبعون-؛ لأنَّهم كانوا على مذهبهم، وراضين بسؤالهم، ومُضاهين ومُشاكِلين لهم في التعنُّت يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/589)، ((تفسير الرازي)) (11/256)، ((تفسير أبي حيان)) (4/121)، ((قواعد التفسير)) للسبت (ص: 316). .
3- قوله: ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ فيه عطفُ جملة اتِّخاذهم العجلَ بحرف (ثم) المفيدِ في عطفِه الجُملَ معنى التَّراخي الرُّتبي؛ لأنَّ اتخاذهم العجل إلهًا أعظمُ جُرمًا ممَّا حُكِيَ قبله ((تفسير ابن عاشور)) (6/15). .
4- قوله: فَعَفَوْنَا: عبَّر الربُّ الجليل عن نفْسه سبحانه بضمير الجَمْع؛ للتَّعظيم، وليست للتعدد كما زعَم النصرانيُّ الخبيث؛ فإنَّ النصرانيَّ يقول: الآلهة متعدِّدة ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/417). .
5- قولُه تعالى: وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ فيه إيجازٌ بالحذف، حيث نزَع الجارَّ فقال: فَوْقَهُمْ ولم يقل: (مِنْ فَوقِهم)؛ لأنَّه لَمَّا كان الطور قد ملأ جِهةَ الفوق بأنْ وارى جميعَ أبدانهم ولم يسلم أحدٌ منهم من ذلك، نَزَع الجار؛ دلالةً على ذلك ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/456). .
6- قوله تعالى: وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ: فيه مناسبةٌ حسنةٌ؛ فإنَّه قال في سورة آل عمران: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ [آل عمران: 21] ؛ فلكونِه هنا في سورة النساء في سِياق طَعنِهم في القُرآنِ الذي هو أعظمُ الآياتِ عبَّر- مع جَمْع الكثرة الْأَنْبِيَاءَ وتنكير حَقٍّ- بالمصدرِ المُفْهِم قَتْلهم؛ لأنَّ الاجتراءَ على القَتلِ صارَ لهم خُلقًا وصِفةً راسخةً، بخِلاف ما مَضَى في آل عِمران؛ فإنَّه بالمضارع وَيَقْتُلُونَ الذي ربَّما دلَّ على العُروضِ ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/462). .
7- قوله تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ... وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا فيه عطف قوله: وَبِكُفْرِهِمْ مرةً ثانية على قوله: فَبِمَا نَقْضِهِمْ، ولم يَستغنِ عنه بقولِه: وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وأُعيد مع ذلك حرفُ الجر الذي يُغني عنه حرفُ العطف؛ قصدًا للتأكيد، واعتُبر العطفُ لأجْل بعد ما بين اللَّفظينِ، ولأنَّه في مقام التهويلِ لأمر الكُفر، فالمتكلِّم يَذكُره ويُعيده؛ ليري أنه لا ريبةَ في إناطة الحُكم به ((تفسير ابن عاشور)) (6/18). .
8- قوله: وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ: فيه استدراك الاستدراك: هو رفع توهُّم يتولَّد من الكلام السابق رفعًا شبيهًا بالاستثناء، وهو معنى (لكن)، وهو من البديع، ويُشترط فيه زيادة نُكتة طريفة على معنى الاستدراك، لتُحسنه وتُدخله في البديع، وإلَّا فلا يعد منه؛ وهو قسمان: قسم يتقدَّم الاستدراك تقريرٌ وتوكيد؛ إمَّا لظفًا أو معنى لما أخبر به المتكلِّم، وهذا هو الأكثرُ الذي بَنى عليه فحول أرباب البديعيات أبياتهم، وقسم لا يتقدَّمه ذلك. يُنظر: ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (2/238)، ((أنوار الربيع)) صدر الدين المدني (1/79). ؛ لرَفْع التوهُّم، والمستدرَك هو ما أفادَه قوله: وَما قَتَلُوهُ؛ من كون هذا القولِ لا شُبهة فيه، وأنَّه اختلاق محض؛ فبيَّن بالاستدراك أنَّ أصل ظنِّهم أنهم قتلوه أنَّهم توهَّموا أنَّهم قتلوه يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/20). .
9- قوله: يَقِينًا بعد قوله: إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ فيه تأكيدٌ لقوله: وَما قَتَلُوهُ كقولك: ما قتلوه حقًّا، أي حقَّ انتفاءُ قتْلِه حقًّا، وفيه تهكُّم؛ لأنَّه إذا نفى عنهم العلمَ نفيًا كليًّا بحرف الاستغراق (ما)، ثم قيل: وما علموه علمَ يقين وإحاطة لم يكُن إلَّا تهكُّمًا بهم يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/588)، ((تفسير ابن عاشور)) (6/23). ،ونُصب يَقِينًا على النِّيابة عن المفعول المطلق المؤكِّد لمضمون جملة قبله؛ لأنَّ مضمون وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بعد قوله: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ إلى قوله: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ يدلُّ على أنَّ انتفاءَ قتلهم إيَّاه أمرٌ متيقَّن؛ فصحَّ أن يكون يقينًا مؤكدًا لهذا المضمون يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/588)، ((تفسير ابن عاشور)) (6/23). ، فاليقين هنا عائد إلى نفي القتل، والذي أوجب هذا أنَّ اليهود لهم دِعايةٌ قويَّة فيما يذهبون إليه؛ فمِن أجْل هذه الدِّعاية القوية قُوبلوا بهذه التأكيدات التي تدلُّ على أنَّهم لم يَقتُلوا عيسى، وهذا من رحمة الله وحِكمته، أما كونه من رحمته؛ فلئلَّا يعلق في قلوب المسلمين من هذه الدعاية، وأمَّا كونه من حِكمة الله؛ فلأجْل أن يتبيَّن الأمرُ كما هو، حتى لا يكون ملتبسًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/446). .
10- قوله: وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا: تذييل حسنٌ ومناسبٌ لقوله تعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ؛ لأنَّه لَمَّا عزَّ فقد حقَّ لعزه أن يُعزَّ أولياءَه، ولَمَّا كان حكيمًا؛ فقد أتْقن صُنع هذا الرفع فجعله فِتنةً للكافرين، وتبصرةً للمؤمنين يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/24). ، وفيه مناسبة حسنة في ختْم الآية بهذَينِ الاسمينِ الكريمين؛ وَجهُها أنَّ هؤلاءِ اليهود جاؤوا مغالبين يُريدون أن يقتُلوا رسولًا من رسل الله عزَّ وجلَّ، فناسب أن يختم الآية بقوله: عَزِيزًا حَكِيمًا وهي الحَكيمُ هنا محمولٌ على معنى الحُكم، وهو أظهرُ مِن حمْله هنا على مَعْنى الحِكمة؛ فإنَّ الحَكيمَ يأتي لهذا وهذا، يعني: هو الحاكِمُ عزَّ وجلَّ؛ ولذلك منَعَ هؤلاءِ مِن إفسادِهم وقتْلهم النبيَّ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/449). .
11- قوله: فَبِظُلْمٍ مِنَ الذِّينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ...:
- فيه: تنكير (ظلم) للتعظيم يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/26). .
- وتقديم السَّبب (الظُّلم) على المسبَّب (تحريم الطيِّبات)؛ للتَّنبيه على فُحش الظلم، والتقبيح له، والتحذير منه يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/133). ، وأيضًا هذا التقديم يُفيد الحصر، أي: حرَّم عليهم ذلك بسبب الظُّلمِ لا بسببٍ آخَرَ، وقد أبهم ما حرَّم عليهم هنا; لأنَّ الغرضَ من السياق العبرةُ بكونه عقوبةً، لا بيانُه في نَفْسِه، كما أبهم الظلم الذي كان سببًا له; ليعلمَ القارئ والسامع أنَّ أيَّ نوع من الظلم يكون سببًا للعقاب في الدُّنيا قبل الآخرة يُنظر: ((تفسير المنار)) (6/50). .
- والإظهار في مقام الإضمار - حيث قال: فَبِظُلْمٍ مِنَ الذِّينَ هَادُوا، ولم يقل: (فبِظُلمهم) -؛ حتى تأتيَ الضمائر متتابعةً من قوله: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ إلى آخره؛ ولأنَّ في الموصول وصِلته من قوله: الَّذِينَ هَادُوا ما يَقتضي التنزُّهَ عن الظُّلم لو كانوا كما وَصَفوا أنفسهم، فصدور الظُّلم عن الذين هادُوا محلُّ استغراب يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/26). .
12- قولُه: لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فيه استدراكٌ ناشئ على ما يُوهمه الكلام السابق ابتداءً من قوله: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ من توغُّلهم في الضلالة حتى لا يُرجى لأحد منهم خير وصلاح، فاستدرك بأنَّ الراسخين في العِلم منهم ليسوا كما تُوهِّم؛ فهم يؤمنون بالقرآن مِثل عبد الله بن سلام رضي الله عنه يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/28). ، وكان مجيء (لكن) هنا في غايةِ الحُسن؛ لأنَّها داخلةٌ بين نَقيضينِ وجَزائهما، وهم الكافِرون والعذابُ الأليم، والمؤمنونَ والأجرُ العظيم يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/134). .
13- قوله: وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فيه ذكر الخَاصِّ بعد العامِّ، فإنَّ الإيمان بهذا داخلٌ في قولِه قبلَه: يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ؛ وذلك لأهميَّته؛ فإنَّ مدارَ الإيمان كلِّه على الإيمانِ بالله؛ لأنَّا نؤمن بأنَّ الرُّسل رسل الله، وأنَّ الكتب كتب الله، وأنَّ الملائكة عباد الله، وهلمَّ جرًّا، فالركيزةُ الأولى هي الإيمان بالله عزَّ وجل، وما بعدَه يُعدُّ فروعًا أو جِهاتٍ متعدِّدةً من الإيمان بالله يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/476). .
14- قوله: أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا
- فيه: بيان علوِّ مرتبةِ هؤلاء المتَّصفين بهذه الصفات، يُؤخَذ ذلك من الإشارة إليهم بإشارة البعيد، ولم يقل: (هؤلاء)، ولم يقل: (فإننا سنؤتيهم)، بل قال: أُولَئِكَ، والإشارة إلى المشار إليه بالبُعد تدلُّ على علو مرتبته، كما في قوله تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدَىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2] مع أنَّه بين أيدينا، لكن لعلوِّ مرتبته أُشير إليه بإشارة البَعيد ذَلِكَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/477). .
- تنكير أجرًا، ووصفه بـعظيمًا؛ للدَّلالة على أنَّه أجرٌ عظيم لا تُتصوَّر عظمتُه يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/476). .