موسوعة التفسير

سورةُ المُمْتَحَنةِ
الآيات (1-3)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ

غريب الكلمات:

أَوْلِيَاءَ: أي: أنصارًا وأخِلَّاءَ، وأصلُ (ولي): يدُلُّ على القُرْبِ؛ سواءٌ مِن حيثُ المكانُ أو النِّسبةُ، أو الدِّينُ أو الصَّداقةُ، أو النُّصرةُ أو الاعتِقادُ، وكلُّ مَن وَلِيَ أمْرَ آخَرَ فهو وَلِيُّه [5] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/141)، ((المفردات)) للراغب (ص: 885)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 89). .
بِالْمَوَدَّةِ: المودَّةُ: المَحَبَّةُ، والوُدُّ: محبَّةُ الشَّيءِ، أو هو خالصُ الحُبِّ وألطفُه وأرَقُّه، يُقالُ: وَدِدْتُ الرَّجُلَ وُدًّا: أحببْتُه، وأصلُ (ودد): يدُلُّ على محبَّةٍ [6] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/75)، ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 335)، ((روضة المحبين ونزهة المشتاقين)) لابن القيم (ص: 46، 47)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (5/184)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/82). .
سَوَاءَ السَّبِيلِ: أي: قَصْدَ الطَّريقِ ووسَطَه، وأصلُ السَّواءِ: الوَسَطُ، وأصلُ (سبل): يدُلُّ على إرسالِ شَيءٍ وامتِدادِه، وسُمِّيَ الطَّريقُ بذلك لامْتِدادِه [7] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 141)، ((تفسير ابن جرير)) (2/416)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 258)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/129)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 103). .
يَثْقَفُوكُمْ: أي: يَجِدُوكم ويَظفَروا بكم، وأصلُ (ثقف): يدُلُّ على الحِذْقِ في إدراكِ الشَّيءِ، ثمَّ يُتجَوَّزُ به فيُستعمَلُ في الظَّفَرِ والإدراكِ مطلقًا [8] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 76)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 168)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/382)، ((المفردات)) للراغب (ص: 173)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 29)، ((تفسير القرطبي)) (18/54)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 104)، ((تفسير الألوسي)) (14/262). .
وَيَبْسُطُوا...: أي: يُؤذوكُم بالمقالِ والفِعالِ، وبَسطُ اليدِ: مدُّها، ويُستعمَلُ تارةً للطَّلبِ، وتارةً للأخذِ، وتارةً للضَّربِ، وتارةً للبذلِ،  وأصلُ (بسط): امْتِدادُ الشَّيءِ [9] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/ 247)، ((المفردات)) للراغب (ص: 123)، ((تفسير القرطبي)) (18/55)، ((تفسير ابن كثير)) (8/86)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 242). .

مشكل الإعراب:

قَولُه تعالى: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي
قَولُه: وَإِيَّاكُمْ ضميرٌ مُنفَصِلٌ مَبنيٌّ في محلِّ نَصبٍ مَعطوفٌ على الرَّسُولَ، أي: ويُخرِجونَكم. أَنْ تُؤْمِنُوا مَصدَرٌ مُؤَوَّلٌ في محَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ لأجلِه، أي: يُخرجونَكم؛ لإيمانِكم، أو كَراهةَ إيمانِكم. إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ: شَرطٌ جَوابُه مَحذوفٌ؛ لدَلالةِ ما تقدَّمَ عليه، وهو قَولُه تعالى: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي [10] يُنظر: ((إعراب القرآن)) للنحاس (4/271)، ((تفسير أبي حيان)) (8/251)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (10/299). .

المعنى الإجمالي:

 افتَتَح اللهُ تعالى هذه السُّورةَ الكريمةَ بخِطابِ المؤمِنينَ قائِلًا: يا أيُّها الَّذين آمَنوا لا تتَّخِذوا أعدائي وأعداءَكم أنصارًا تَتودَّدونَ إليهم، وقد كَفَروا بالحَقِّ الَّذي جاءَكم، يُخرِجونَ رَسولَ اللهِ، ويُخرِجونَكم مِن ديارِكم؛ بسَبَبِ إيمانِكم باللهِ رَبِّكم، إن كُنتُم هاجَرْتُم وخرَجْتُم مِن أوطانِكم جِهادًا في سَبيلِ اللهِ، وطَلَبًا لنَيلِ رِضوانِه فلا تتَّخِذوا الكُفَّارَ أولياءَ.
تَتودَّدونَ إليهم -أيُّها المؤمِنونَ- بمناصَحتِهم في السِّرِّ، والحالُ أنِّي أعلَمُ بما أضمَرْتُموه وما أظهَرْتُموه، ومَن يَفعَلْ ذلك منكم فقد حادَ عن طريقِ الحَقِّ.
ثمَّ بيَّن الله تعالى حالَ هؤلاءِ الأعداءِ عندَما يتمكَّنونَ مِن المؤمنينَ، فقال: إنْ يَظفَرْ بكم الكُفَّارُ يُظهِروا لكم العَداوةَ، ويَبسُطوا إليكم أيديَهم وألسِنَتَهم بما يَسوؤُكم، وتَمَنَّوا أن تَكفُروا برَبِّكم.
ثمَّ بيَّن الله تعالى عدمَ نفعِ الأرحامِ والأولادِ يومَ القيامةِ، فقال: لا تَحمِلَنَّكم قراباتُكم وأولادُكم على مَعصيةِ اللهِ مِن أجْلِهم؛ فلن يَنفَعوكم يومَ القيامةِ الَّذي يَفصِلُ اللهُ فيه بَيْنَكم وبيْنَهم، فيُدخِلُ المؤمِنينَ الجنَّةَ، ويُدخِلُ الكافِرينَ والعُصاةَ النَّارَ. واللهُ بصيرٌ بأعمالِكم.

تفسير الآيات:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ.
سَبَبُ النُّزولِ:
عن عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((بَعَثني رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنا والزُّبَيرُ والمِقدادُ، فقال: انطَلِقوا حتَّى تأتوا رَوضةَ خاخٍ [11] مَوضِعٌ بيْن مكَّةَ والمدينةِ بقُربِ المدينةِ. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (9/4012). ؛ فإنَّ بها ظَعينةً [12] الظَّعينةُ: المرأةُ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 151). معها كتابٌ، فخُذوا منها، فانطلَقْنا تَعادَى [13] تَعادَى: أي: تَتَعادى، والمعنى: تَجْري وتتسابقُ. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقَسْطَلَّاني (5/141). بنا خَيلُنا حتَّى أتَيْنا الرَّوضةَ، فإذا نحن بالظَّعينةِ، قُلْنا لها: أخرِجي الكِتابَ، قالت: ما معي كِتابٌ، فقُلْنا: لَتُخرِجِنَّ الكتابَ، أو لَنُلْقِيَنَّ الثِّيابَ. فأخرَجَتْه مِن عِقاصِها [14] عِقاصِها: أي: الخَيطِ الَّذي يُعتقَصُ به أطرافُ الذَّوائبِ، أو الشَّعرِ المضفورِ. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقَسْطَلَّاني (6/387). ، فأتَيْنا به رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا فيه: مِن حاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعةَ إلى ناسٍ بمكَّةَ مِن المشركِينَ، يُخبِرُهم ببَعضِ أمرِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا حاطِبُ، ما هذا؟! قال: يا رَسولَ اللهِ، لا تَعْجَلْ علَيَّ، إنِّي كُنتُ امرَأً مُلصَقًا في قُرَيشٍ -يقولُ: كنتُ حَليفًا، ولم أكُنْ مِن أنفُسِها-، وكان مَن معَك مِن المهاجِرينَ مَنْ لهم قَراباتٌ يَحْمُونَ أهلِيهم وأموالَهم، فأحببتُ إذ فاتَني ذلك مِنَ النَّسَبِ فيهم أن أتَّخِذَ عِندَهم يدًا يَحمُونَ قَرابتي، ولم أفعَلْه ارتِدادًا عن ديني، ولا رِضًا بالكُفرِ بعدَ الإسلامِ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أمَا إنَّه قد صَدَقَكم! فقال عُمَرُ: يا رَسولَ اللهِ، دَعْني أضرِبْ عُنُقَ هذا المنافِقِ! فقال: إنَّه قد شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدريكَ لعَلَّ اللهَ اطَّلَع على مَن شَهِدَ بَدرًا، فقال: اعمَلوا ما شِئتُم؛ فقد غفرْتُ لكم. فأنزل اللهُ السُّورةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [الممتحنة: 1] )) [15] رواه البخاريُّ (4274) واللَّفظُ له، ومسلمٌ (2494). قال الواحدي: (قال المفسِّرونَ: إنَّ الآيةَ نزلت في حاطِبٍ، حينَ كتَبَ إلى مُشرِكي قُرَيشٍ يُخبِرُهم بمَسيرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهم لَمَّا قصَد فتْحَ مكَّةَ، يَنهاه اللهُ عن موالاةِ الكفَّارِ). ((الوسيط)) (4/282). وقال ابنُ عاشور: (اتَّفَقوا على أنَّ الآيةَ الأولى نزلت في شأنِ كتابِ حاطِبِ بنِ أبي بَلتَعةَ إلى المشركينَ مِن أهلِ مكَّةَ... واختَلَفوا في آنِ كتابِه إليهم: أكان عندَ تجهُّزِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للحُدَيبيَةِ؟ وهو قولُ قَتادةَ، ودَرَج عليه ابنُ عطيَّةَ، وهو مقتضى روايةِ الحارثِ عن عليِّ ابنِ أبي طالبٍ عندَ الطَّبَريِّ... قال ابنُ عطيَّةَ: نزَلَت هذه السُّورةُ سَنةَ سِتٍّ. وقال جماعةٌ: كان كِتابُ حاطِبٍ إلى أهلِ مكَّةَ عند تجهُّزِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لفَتحِ مكَّةَ. وهو ظاهِرُ صَنيعِ جمهورِ أهلِ السِّيَرِ، وصَنيع البُخاريِّ في كتابِ المغازي مِن صَحيحِه في ترتيبِه للغَزَواتِ، ودرَج عليه مُعظَمُ المفسِّرينَ. ومعظَمُ الرِّواياتِ ليس فيها تعيينُ ما قصَدَه رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن تجَهُّزِه إلى مكَّةَ: أهو لأجْلِ العُمرةِ أمْ لأجلِ الفَتحِ؟ فإن كان الأصَحُّ الأوَّلَ -وهو الَّذي نختارُه- كانت السُّورةُ جميعُها نازلةً في مدَّةٍ مُتقارِبةٍ؛ فإنَّ امتحانَ أمِّ كُلثومٍ بنتِ عُقبةَ كان عَقِبَ صُلحِ الحُدَيبيَةِ، ويكونُ نزولُ السُّورةِ مُرَتَّبًا على ترتيبِ آياتِها، وهو الأصلُ في السُّوَرِ. وعلى القَولِ الثَّاني يكونُ صُدورُ السُّورةِ نازِلًا بعدَ آياتِ الامتحانِ وما بَعْدَها). ((تفسير ابن عاشور)) (28/130، 131). ويُنظر: ((صحيح البخاري)) (5/145)، ((تفسير ابن جرير)) (22/560)، ((تفسير ابن عطية)) (5/293). ويُنظر أيضًا: ((سيرة ابن هشام)) (2/398)، ((دلائل النبوة)) للبيهقي (5/14)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (2/525)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (10/235)، ((تفسير ابن كثير)) (8/82-85). .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ.
أي: يا أيُّها الَّذين آمَنوا، اعمَلوا بمُقتَضى إيمانِكم، فلا تتَّخِذوا أعدائي وأعداءَكم مِن المشرِكينَ والكُفَّارِ أنصارًا وأخِلَّاءَ [16] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/557)، ((تفسير السمعاني)) (5/413)، ((تفسير ابن عطية)) (5/293)، ((تفسير ابن كثير)) (8/85)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/484-486)، ((تفسير السعدي)) (ص: 855). قال الألوسي: (الصَّحيحُ أنَّ كُلَّ ما عَدَّه العُرفُ تَعظيمًا وحَسِبَه المسلمون موالاةً، فهو مَنهيٌّ عنه، ولو مع أهلِ الذِّمَّةِ، لا سيَّما إذا أوقَعَ شَيئًا في قلوبِ ضُعَفاءِ المؤمنينَ). ((تفسير الألوسي)) (2/116). .
كما قال تعالى: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران: 28] .
وقال سُبحانَه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51] .
تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ.
أي: تُبادِرونَ إلى موَدَّتِهم والتَّودُّدِ إليهم، ومِن ذلك إيصالُ أسرارِ المُسلِمينَ إليهم، والنُّصحُ لهم [17] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/557)، ((تفسير القرطبي)) (18/52)، ((تفسير أبي حيان)) (10/152، 153)، ((تفسير السعدي)) (ص: 855)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/134). قال ابن جُزَي: (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ عبارةٌ عن إيصالِ الموَدَّةِ إليهم، و«ألْقى» يَتعدَّى بحرفِ جرٍّ وبغيرِ حرفِ جرٍّ، كقولِه: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه: 39] ). ((تفسير ابن جزي)) (2/364). وقال الشوكاني: (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ أي: توصِلون إليهم الموَدَّةَ، على أنَّ الباءَ زائدةٌ. أو هي سببيَّةٌ، والمعنى: تُلْقون إليهم أخبارَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم بسببِ الموَدَّةِ الَّتي بيْنَكم وبيْنَهم. قال الزَّجَّاجُ: (تُلْقون إليهم أخبارَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وسِرَّه بالموَدَّةِ الَّتي بيْنَكم وبيْنَهم). ((تفسير الشوكاني)) (5/250). ويُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/155). وقال ابن جرير: (قولُه: تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ يقولُ جلَّ ثَناؤُه: تُلْقون إليهم مَوَدَّتَكم إيَّاهم. ودُخولُ الباءِ في قولِه: بِالْمَوَدَّةِ وسُقوطُها سَواءٌ). ((تفسير ابن جرير)) (22/557). وقال القرطبي: (قَولُه تعالى: تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ يعني: بالظَّاهِرِ؛ لأنَّ قَلْبَ حاطِبٍ كان سليمًا، بدليلِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لهم: «أمَّا صاحِبُكم فقد صَدَق»، وهذا نَصٌّ في سلامةِ فُؤادِه، وخُلوصِ اعتِقادِه). ((تفسير القرطبي)) (18/52). !
وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ.
أي: والحالُ أنَّ أولئك المُشرِكينَ الَّذين نُهيتُم عن اتِّخاذِهم أولياءَ: قد كَفَروا بالحَقِّ الَّذي جاءَكم مِن عِندِ اللهِ [18] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/558)، ((الوسيط)) للواحدي (4/282)، ((تفسير القرطبي)) (18/53)، ((تفسير السعدي)) (ص: 855)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/134). قال الواحدي: (وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يعني: القرآنَ). ((الوسيط)) (4/282). .
يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ.
أي: وهم يُخرِجونَ رَسولَ اللهِ ويُخرِجونَكم أيضًا -أيُّها المؤمِنونَ- مِن ديارِكم، ويَحمِلونَكم على فِراقِ أوطانِكم؛ بسَبَبِ إيمانِكم باللهِ وَحْدَه الَّذي أحسَنَ إليكم، وربَّاكم بنِعَمِه الظَّاهِرةِ والباطِنةِ [19] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/558)، ((تفسير القرطبي)) (18/53)، ((تفسير ابن كثير)) (8/86)، ((تفسير السعدي)) (ص: 855)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/135). قال ابنُ جرير: (ذلك إخراجُ مُشرِكي قُرَيشٍ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابَه مِن مكَّةَ). ((تفسير ابن جرير)) (22/558). ويُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/486، 487). وقال السمعاني: (معنى الإخراجِ هاهنا: هو الإلجاءُ إلى الخروجِ). ((تفسير السمعاني)) (5/413). !
كما قال تعالى: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [الحج: 40] .
وقال سُبحانَه: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج: 8] .
إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي.
أي: لا تتَّخِذوا الكُفَّارَ أولياءَ، ولا تُلْقُوا إليهم بالموَدَّةِ إن كُنتُم هاجَرْتُم وخرَجْتُم مِن أوطانِكم بقَصدِ الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ لإعلاءِ كَلِمتِه، وطَلَبًا لنَيلِ رِضوانِه [20] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/558)، ((تفسير ابن كثير)) (8/86)، ((تفسير السعدي)) (ص: 855)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/137). .
تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ.
أي: تَتودَّدونَ إليهم -أيُّها المؤمِنونَ- بمناصَحتِهم في السِّرِّ، والحالُ أنِّي أعلَمُ مِن كُلِّ أحَدٍ بالَّذي أضمَرْتُموه والَّذي أظهَرْتُموه، فكيفَ تَفعَلونَ ذلك [21] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/558)، ((تفسير القرطبي)) (18/54)، ((تفسير ابن كثير)) (8/86)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/488)، ((تفسير السعدي)) (ص: 855)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/138). ؟!
وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ.
أي: ومَن يَفعَلْ ذلك منكم -أيُّها المؤمِنونَ- فقد حادَ عن طريقِ الحَقِّ، وأخطَأَ الصَّوابَ [22] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/558، 559)، ((الوسيط)) للواحدي (4/283)، ((تفسير ابن عطية)) (5/294)، ((تفسير القرطبي)) (18/54)، ((تفسير ابن كثير)) (8/86)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/139). قال ابن عطية: (السَّواءُ: الوَسَطُ؛ وذلك لأنَّه تتساوى نِسبَتُه إلى أطرافِ الشَّيءِ، والسَّبيلُ هنا: شَرعُ اللهِ، وطريقُ دِينِه). ((تفسير ابن عطية)) (5/294). .
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا نَهَى المؤمنينَ عن اتِّخاذِ الكفَّارِ أولياءَ، وشرَحَ ما به الولايةُ مِن الإلْقاءِ بالمَودَّةِ بيْنَهم، وذكَرَ ما صنَعَ الكُفَّارُ بهم أوَّلًا مِن إخراجِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والمؤمنينَ- ذكَرَ صَنيعَهم آخِرًا لو قَدَروا عليه؛ مِن أنَّه إنْ تَمكَّنوا منْكم تَظهَرْ عَداوتُهم لكم، ويَبسُطوا أيدِيَهم بالقتْلِ والتَّعذيبِ، وألْسنَتَهم بالسَّبِّ، ووَدُّوا لو ارْتدَدْتُم عن دِينِكم الَّذي هو أحبُّ الأشياءِ إليكم، وهو سَببُ إخراجِهم إيَّاكم [23] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/153). .
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً.
أي: إنْ يَظفَرْ بكم الكُفَّارُ الَّذين توادُّونَهم -أيُّها المؤمِنونَ- يُظهِروا لكم العَداوةَ؛ فلا تَظُنُّوا أنَّ في التَّوَدُّدِ إليهم مَنفَعةً لكم [24] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/564)، ((تفسير الزمخشري)) (4/513)، ((تفسير ابن عطية)) (5/294)، ((تفسير القرطبي)) (18/54)، ((تفسير السعدي)) (ص: 855)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/139). قال الرَّسْعَني: (أخبَرَهم بما في أنفُسِهم لهم مِن العداوةِ، فقال: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ أي: يَظفَروا بكم يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً ظاهِري العداوةِ). ((تفسير الرسعني)) (8/83). .
كما قال : وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة: 120] .
وقال سُبحانَه: كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة: 8] .
وقال عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران: 118] .
وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ.
أي: ولو ظَفِروا بكم لَبَسَطوا إليكم أيديَهم بفِعلٍ يُؤذِيكم، وألسِنَتَهم بكَلامٍ يَسوؤُكم [25] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/564)، ((تفسير القرطبي)) (18/55)، ((تفسير ابن كثير)) (8/86)، ((تفسير أبي السعود)) (8/236)، ((تفسير السعدي)) (ص: 856)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/140). .
وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ.
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان أعدى الأعداءِ لك مَن تمَنَّى أن يَفوتَك أعزُّ الأشياءِ لديك، وكان أعزُّ الأشياءِ عندَ كلِّ أحدٍ دِينَه؛ قال مُتمِّمًا للبَيانِ [26] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/494). :
وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ.
أي: وتَمَنَّوا وأحَبُّوا لكم أن تَكفُروا برَبِّكم، فتَكونوا على مِثْلِ ما هم عليه مِنَ الكُفرِ [27] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/565)، ((تفسير السمرقندي)) (3/436)، ((البسيط)) للواحدي (21/406)، ((تفسير القرطبي)) (18/55). قال مقاتل بن سليمان: (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ إن ظَهَروا عليكم). ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/300). وقال ابن عاشور: (جملةُ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ حالٌ مِن ضَميرِ يَكُونُوا، والواوُ: واوُ الحالِ، أي: وهم قد ودُّوا مِنَ الآنَ أن تَكفُروا، فكيف لو يأسِرونَكم؟ أليس أهمُّ شَيءٍ عندَهم حينَئذٍ أن يَرُدُّوكم كُفَّارًا؟). ((تفسير ابن عاشور)) (28/140). وقال ابن كثير: (يحرِصونَ على ألَّا تَنالوا خَيرًا، فهم عداوتُهم لكم كامِنةٌ وظاهِرةٌ، فكيف توالُونَ مِثلَ هؤلاء؟ وهذا تهييجٌ على عداوتِهم). ((تفسير ابن كثير)) (8/86). !
كما قال تعالى: وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة: 217] .
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان حاطِبٌ رضِيَ اللهُ عنه قدِ اعتذَرَ بأنَّ له بمكَّةَ قَرابةً، فكَتَبَ إلى أهْلِها بما كَتَبَ لَيَرْعَوه في قَرابتِه؛ قال تعالَى: لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ [28] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/154). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الرازي)) (29/518). .
وأيضًا لَمَّا كانت عداوتُهم معروفةً، وإنَّما غطَّاها محبَّةُ القَراباتِ؛ لأنَّ الحُبَّ للشَّيءِ يُعْمي ويُصِمُّ، فخَطَّأَ رأيَهم في موالاتِهم بما أعَلَمهم به مِن حالاتِه- زَهَّد فيها بما تُورِثُه مِن الشَّقاءِ الدَّائِمِ يومَ البَعْثِ [29] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/494). .
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ.
أي: لا تَحمِلَنَّكم قراباتُكم وأولادُكم على مَعصيةِ اللهِ مِن أجْلِهم؛ فإنَّكم إذا أرضَيْتُموهم بما يُسخِطُ اللهَ فلن يَنفَعوكم بأيِّ وَجهٍ مِن الوُجوهِ يومَ القيامةِ الَّذي يَفصِلُ اللهُ فيه بيْنَكم وبَيْنَهم، فيُدخِلُ المؤمِنينَ الجنَّةَ، ويُدخِلُ الكافِرينَ والعُصاةَ النَّارَ [30] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/565)، ((الوسيط)) للواحدي (4/283)، ((تفسير القرطبي)) (18/55)، ((تفسير ابن كثير)) (8/86، 87)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/494، 495)، ((تفسير السعدي)) (ص: 856). قال ابنُ جُزَي: (يَحتَمِلُ أن يكونَ مِن الفَصلِ بالحُكمِ بَيْنَهم، أو مِنَ الفَصلِ بمعنى التَّفريقِ، أي: يُفَرِّقُ بَيْنَكم وبيْنَ قرابتِكم يومَ القيامةِ). ((تفسير ابن جزي)) (2/365). وقال السمين الحلبي: (قولُه: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يجوزُ فيه وجْهانِ؛ أحدُهما: أنْ يَتعلَّقَ بما قبْلَه، أي: لن يَنفعَكم يومَ القيامةِ، فيُوقَفُ عليه، ويُبْتدأُ: يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ. والثَّاني: أنْ يَتعلَّقَ بما بعْدَه، أي: يَفصِلُ بيْنَكم يومَ القيامةِ، فيُوقَفُ على أَوْلَادُكُمْ ويُبتدَأُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ). ((الدر المصون)) (10/302). ويُنظر: ((منار الهدى في بيان الوقف والابتدا)) للأشموني (2/332). وقال ابنُ عاشور: (يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَرفٌ يَتنازَعُه كُلٌّ مِن فِعلِ لَنْ تَنْفَعَكُمْ، وفِعلُ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ؛ إذ لا يَلزَمُ تقَدُّمُ العامِلَينِ على المعمولِ المتنازَعِ فيه إذا كان ظرفًا؛ لأنَّ الظُّروفَ تتقَدَّمُ على عوامِلِها، وإن أبَيتَ هذا التَّنازُعَ فقُلْ: هو ظَرفُ تَنْفَعَكُمْ، واجعَلْ لـ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ظرفًا محذوفًا دَلَّ عليه المذكورُ. والفَصلُ هنا: التَّفريقُ، وليس المرادُ به القَضاءَ. والمعنى: يومَ القيامةِ يُفَرِّقُ بَيْنَكم وبَينَ ذَوي أرحامِكم وأولادِكم: فريقٌ في الجنَّةِ، وفَريقٌ في السَّعيرِ). ((تفسير ابن عاشور)) (28/141). وممَّن اختار أنَّ الفصلَ بيْنَهم بإدخالِ المؤمنينَ الطَّائعينَ الجنَّةَ، والكافرين والعاصينَ النَّارَ: ابنُ جرير، والسمعانيُّ، والرازي، والقرطبي، والخازن، والعُلَيمي، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/565)، ((تفسير السمعاني)) (5/414)، ((تفسير الرازي)) (29/518)، ((تفسير القرطبي)) (18/55)، ((تفسير الخازن)) (4/280)، ((تفسير العليمي)) (7/26)، ((تفسير الشوكاني)) (5/251). .
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
أي: واللهُ بصيرٌ بأعمالِكم، لا يخفَى عليه شَيءٌ منها، وسيُجازيكم عليها [31] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/565)، ((تفسير البيضاوي)) (5/205)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/495)، ((تفسير الشوكاني)) (5/251). قال السعدي: (فلذلك حَذَّركم مِن مُوالاةِ الكافِرينَ الَّذين تضُرُّكم مُوالاتُهم). ((تفسير السعدي)) (ص: 856). .

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالى: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ بيانُ أنَّ خُلَّةَ غيرِ المتَّقينَ المؤمِنينَ لا مُعَوَّلَ عليها؛ ألَا ترَى أنَّ الموالِينَ المُلْقَى إليهم بالموَدَّةِ -في أوَّلِ هذه السُّورةِ- لم يُراعُوا للمُسِرِّينَ إليهم بها، ولم يُحامُوا عليهم مِن أجْلِها [32] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/264). ؟!
2- قَولُ الله تعالى: لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ فيه بَيانٌ واضِحٌ في أنَّ روابِطَ الدِّينِ أقوى وألزَمُ مِن روابِطِ النَّسَبِ [33] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/84). .
3- قال تعالى: لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ، وقال سبحانه: يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا [الانفطار: 19]، وقال: وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [لقمان: 33] ، وهذا كلُّه تكذيبٌ لأطماعِ المشركين الباطِلةِ أنَّ مَنْ تعلَّقوا به مِن دون اللهِ مِن قَرابةٍ أو صِهْرٍ أو نكاحٍ أو صُحْبةٍ يَنفَعُهم يومَ القيامةِ، أو يُجيرُهم مِن عذابِ الله، أو هو يَشفَعُ لهم عندَ اللهِ؛ فإنَّ الأسبابَ كلَّها تَنقَطِعُ يومَ القيامةِ إلَّا ما كان منها متَّصِلًا باللهِ وَحْدَه على أيدي رُسُلِه، فمَن رَكِبَ معصيةَ اللهِ وخالَفَ أمْرَه، فلنْ يَنفَعَه صلاحُ غيرِه مِن قريبٍ أو أجنبيٍّ، ولو كان بيْنَهما في الدُّنيا أشدُّ الاتِّصالِ؛ فلا اتِّصالَ فَوقَ اتِّصالِ البُنوَّةِ والأبُوَّةِ والزَّوجيَّةِ، ولم يُغْنِ نوحٌ عنِ ابنِه، ولا إبراهيمُ عن أبيه، ولا نوحٌ ولا لوطٌ عن امرأتَيهما مِن اللهِ شَيئًا [34] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/144). !

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ فيه النَّهيُ الشَّديدُ عن مُوالاةِ الكُفَّارِ مِن المُشرِكينَ وغَيرِهم، وإلقاءِ المودَّةِ إليهم، وأنَّ ذلك مُنافٍ للإيمانِ [35] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 854). . والسُّورةُ أصلٌ في النَّهيِ عن مُوالاةِ الكُفَّارِ [36] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (18/52). .
2- قَولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ردَّ أهلُ السُّنَّةِ به وأمثالِه على المُعتَزِلةِ وأمثالِهم قَولَهم: (إنَّ المعصيةَ تُنافي الإيمانَ)؛ لأنَّ اللهَ ناداهم بوَصفِ الإيمانِ مع قَولِه: وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ، فلم يُخرِجْهم بضَلالِهم عن عُمومِ إيمانِهم، ويَشهَدُ لهذا أنَّ الضَّلالَ هنا عن سواءِ السَّبيلِ لا مُطلَقِ السَّبيلِ [37] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/82). .
3- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ هذا كُلُّه مُعاتَبةٌ لحاطِبٍ، وهو يدُلُّ على فَضْلِه وكَرامتِه، ونَصيحتِه لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وصِدْقِ إيمانِه؛ فإنَّ المُعاتَبةَ لا تكونُ إلَّا مِن مُحِبٍّ لحَبيبِه [38] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (18/54). .
4- في قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ أنَّه قد تَحصُلُ للرَّجُلِ مُوادَّةُ أعداءِ اللهِ؛ لِرَحِمٍ أو حاجةٍ، فتكونُ ذنْبًا يَنقُصُ به إيمانُه ولا يكونُ به كافِرًا، كما حَصَلَ مِن حاطِبِ بنِ أبي بَلْتعةَ لَمَّا كاتَبَ المُشرِكينَ ببَعضِ أخبارِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنزَلَ اللهُ فيه الآياتِ [39] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/522). .
5- قَولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ فيه سؤالٌ: اتِّخاذُ العَدُوِّ وليًّا كيف يُمكِنُ، وقد كانت العداوةُ مُنافِيةً للمَحَبَّةِ والموَدَّةِ، والمحبَّةُ والمودَّةُ مِن لوازمِ ذلك الاتِّخاذِ؟
الجوابُ: لا يَبعُدُ أن تكونَ العداوةُ بالنِّسبةِ إلى أمرٍ، والمحبَّةُ والمودَّةُ بالنِّسبةِ إلى أمرٍ آخَرَ، كما قال تعالى: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ [40] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/516). [التغابن: 14] .
6- في قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ أنَّ الكافرَ عدوٌّ للهِ ولنا [41] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/172). .
7- في قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ أنَّ موَدَّةَ أعداءِ اللهِ ومحبَّتَهم ومُوالاتَهم مُخالِفةٌ لِمَا يجِبُ على المُسلِمِ؛ فإنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى قد نهى عن ذلك [42] يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (3/16). .
8- قَولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ نزَلَ فيما فعَلَه حاطِبٌ خَوفًا على مالِه ووَلَدِه؛ فيُؤخَذُ منه أنَّ الخَوفَ عليهما لا يُبيحُ التَّقِيَّةَ في دِينِ اللهِ [43] يُنظر: ((أحكام القرآن)) لِلْكِيَا الهَرَّاسي (4/409)، ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 260). ، ولا يُبيحُ التَّقِيَّةَ في إظهارِ الكُفْرِ، كما يُبيحُ في الخَوفِ على النَّفْسِ، ويُبَيِّنُ ذلك أنَّ اللهَ تعالى فَرَضَ الهِجْرةَ، ولم يَعْذِرْهم في التَّخَلُّفِ مِن أجْلِ أموالِهم وأولاِدهم. وقيل: إنَّما ظَنَّ حاطِبٌ أنَّ ذلك يجوزُ له؛ ليَدفَعَ به عن وَلَدِه، كما يجوزُ له أن يَدفَعَ عن نَفْسِه بمِثْلِ ذلك عندَ التَّقِيَّةِ [44] يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (4/268) نقلًا عن القاضي أبي يعلى. .
9- قَولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ فيه سُؤالٌ: لَمَّا قال: عَدُوِّي، فلِمَ لمْ يكتَفِ به حتَّى قال: وَعَدُوَّكُمْ؛ لأنَّ عَدُوَّ اللهِ إنَّما هو عَدُوُّ المؤمنينَ؟
الجوابُ: الأمرُ لازِمٌ مِن هذا التَّلازُمِ، وإنَّما لا يَلزَمُ مِن كَونِه عَدُوًّا للمُؤمِنينَ أن يكونَ عَدُوًّا لله، كما قال سبحانه وتعالى: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ [45] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/516). [التغابن: 14] . أو أنَّه ذكَرَ ذلك في مَقامِ التَّنفيرِ؛ إذ هو عدوٌّ لله وعدوٌّ لهم أيضًا.
10- قَولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ فيه سُؤالٌ: لِمَ قال: أَوْلِيَاءَ ولم يقُلْ: (وَلِيًّا)، والعَدُوُّ والوَلِيُّ بلَفظٍ؟
الجوابُ: كما أنَّ المعَرَّفَ بحَرفِ التَّعريفِ يتناوَلُ كُلَّ فَردٍ، فكذلك المُعَرَّفُ بالإضافةِ [46] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/516). ، وكذلك فإنَّ لفظ «العَدُوَّ» مَصدَرٌ يُطلَقُ على الواحِدِ والاثنينِ والجماعةِ [47] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (5/250). .
11- في قَولِه تعالى: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ سؤالٌ: لماذا لم يَكُنِ الكَلامُ: «يُخرِجونَكم والرَّسولَ»؛ لأنَّه لا فَصْلَ مع إمكانِ الوَصلِ، كما قال ابنُ مالكٍ في الألفيَّةِ:
«وفي اختيارٍ لا يَجيءُ المُنفَصِلْ           إذا تأتَّى أنْ يجيءَ المتَّصِلْ»؟
الجوابُ: نعَمْ، هو في الإمكانِ أنْ يكونَ هذا، لكنْ يُفَوِّتُ الغايةَ؛ ففي قَولِه: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ تقديمُ الرُّتبةِ؛ فذُكِرَ الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ لئلَّا يكونَ تابعًا لغَيرِه، فيُقالَ: «يُخرِجونَكم والرَّسولَ» [48] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/309). ؛ لأنَّه الأصلُ للمؤمنينَ به [49] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/153). . وكذلك قُصِدَ فيها تقدُّمُ ذِكْرِ الرَّسولِ؛ تشريفًا له، وتشنيعًا على مَنْ تجاسَرَ على مثلِ ذلك الفِعلِ الفَظيعِ [50] يُنظر: ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/111). .
12- قَولُ الله تعالى: وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ فيه سؤالٌ: لمْ يقُلْ: (بما أسرَرْتُم وما أعلَنْتُم)، مع أنَّه أليقُ بما سبقَ، وهو تُسِرُّونَ؟
الجوابُ: أنَّ فيه مِن المبالغةِ ما ليس في ذلك؛ فإنَّ الإخفاءَ أبلَغُ من الإسرارِ؛ دَلَّ عليه قَولُه تعالى: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه: 7] ، أي: أخفى مِنَ السِّرِّ [51] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/517). .
13- في قَولِه تعالى: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ أنَّ الخِلافَ الَّذي يَقَعُ بيْنَ أهلِ الحقِّ وأهلِ الباطلِ لا يَنتَهي بالدُّنيا، وإنَّما سوف يَحكُمُ اللهُ بيْنَهم يومَ القيامةِ، ويَنصُرُ أهلَ الحقِّ [52] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/291). . وذلك على قولٍ في تفسيرِ يَفْصِلُ.

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ
- في قولِه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ... وُجِّهَ الخِطابُ بالنَّهيِ إلى جَميعِ المؤمنينَ؛ تَحذيرًا مِن إتيانِ مِثلِ فِعلِ حاطبٍ [53] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/133). .
- والاتِّخاذُ: افتِعالٌ مِن الأخْذِ، صِيغَ الافتِعالُ للمُبالَغةِ في الأخذِ؛ فأُطلِقَ على التَّلبُّسِ والمُلازَمةِ [54] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/134). .
- وأضافَ العدُوَّ إليه سُبحانَه في قولِه: عَدُوِّي؛ تَغليظًا لجُرْمِهم، وإعلامًا بحُلولِ عِقابِ اللهِ بهم [55] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/152). .
- قولُه: عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ قُدِّم عَدُوِّي على (عَدُوَّكُمْ)؛ قيل: لأنَّ الشَّيءَ إذا كان له نِسبةٌ إلى الطَّرَفَينِ، فالطَّرَفُ الأعلى مُقدَّمٌ على الطَّرفِ الأدنى. وقيل: لأنَّ عداوةَ العبدِ لله هي الأصلُ، وهي أشدُّ قُبحًا؛ فلذا قُدِّمَتْ، وقُبحُها في أنَّهم عبَدوا غيرَ خالِقِهم، وشكَروا غيرَ رازِقِهم، وكذَّبوا رُسُلَ ربِّهم وآذَوْهم. كذلك فتقديمُه يؤكِّدُ بأنَّه هو السَّببُ في العداوةِ بيْن المؤمنينَ والكافِرِين، وما كان سببًا فحقُّه التَّقديمُ [56] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/516)، ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/81). .
- وقولُه: تُلْقُونَ بَيانٌ لمُوالاتِهم، أو استئنافُ إخبارٍ، كأنَّه لَمَّا قِيل: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ، قالوا: كيف نتَّخِذُهم أولياءَ؟ فقِيل: تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ. ويَجوزُ أنْ تكونَ جُملةُ تُلْقُونَ ... في مَوضعِ الحالِ مِن ضَميرِ لَا تَتَّخِذُوا؛ لأنَّ جَعْلَها حالًا يُتوصَّلُ منه إلى التَّعجيبِ مِن إلْقائِهم إليهم بالمودَّةِ [57] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/512)، ((تفسير البيضاوي)) (5/204)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (15/349)، ((تفسير أبي حيان)) (10/152)، ((تفسير أبي السعود)) (8/ 235)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/134). .
- والإلقاءُ مُعبَّرٌ به هنا عن إيقاعِ الشَّيءِ بدونِ تَدبُّرٍ في مَوقِعِه، أي: تَصرِفونَ إليهم مَودَّتَكم بغَيرِ تأمُّلٍ [58] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/134). .
- والباءُ في بِالْمَوَدَّةِ لتأْكيدِ اتِّصالِ الفِعلِ بمَفعولِه، وأصلُ الكلامِ: تُلْقُون إليهم المَودَّةَ، وذلك تَصويرٌ لقُوَّةِ مَودَّتِهم لهم. أو سَببيَّةٌ، والمفعولُ مَحذوفٌ، والتَّقديرُ: تُلْقُون إليهم أخبارَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بسَببِ المودَّةِ الَّتي بيْنَكم وبيْنَهم [59] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/512)، ((تفسير البيضاوي)) (5/204)، ((تفسير أبي حيان)) (10/152)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 560)، ((تفسير أبي السعود)) (8/235)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/134). .
- وبدَأَ هنا في قولِه: تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ بلَفظِ تُلْقُونَ، وبعْدَه بلَفظِ تُسِرُّونَ؛ تَنبيهًا بالأوَّلِ على ذمِّ مَودَّةِ الأعداءِ جَهرًا وسِرًّا، وبالثَّاني على تأْكيدِ ذَمِّها سِرًّا، وخَصَّ الأوَّلَ بالعُمومِ -أي: جَهرًا وسِرًّا-؛ لتَقدُّمِه [60] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 560). .
- وزِيدَ في تَصويرِ هذه الحالةِ بجُملةِ الحالِ الَّتي بعْدَها، وهي وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ، وهي حالٌ مِن ضَميرِ إِلَيْهِمْ أو مِن عَدُوِّي. و(مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) هو القرآنُ والدِّينُ، وذُكِر بطَريقِ الموصوليَّةِ؛ لِيَشملَ كلَّ ما أتاهم به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على وجْهِ الإيجازِ، مع ما في الصِّلةِ مِن الإيذانِ بتَشنيعِ كُفْرِهم بأنَّه كُفْرٌ بما ليس مِن شأْنِه أنْ يَكفُرَ به طُلَّابُ الهُدى؛ فإنَّ الحقَّ مَحبوبٌ مَرغوبٌ [61] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/134). .
- قولُه: وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ فيه تَعديةُ (جَاءَ) إلى ضَميرِ المُخاطَبينَ -وهمُ الَّذين آمَنوا-؛ لأنَّهم الَّذين انتَفَعوا بذلك الحقِّ وتَقبَّلوه، فكأنَّه جاء إليهم لا إلى غَيرِهم، وإلَّا فإنَّه جاء لدَعوةِ الَّذين آمَنوا والمُشرِكين، فقَبِله الَّذين آمَنوا، ونَبَذَه المشرِكون، وفيه إيماءٌ إلى أنَّ كُفْرَ الكافِرينَ به ناشئٌ عن حَسَدِهم الَّذين آمَنوا قبْلَهم، وفي ذلك أيضًا إلهابٌ لقُلوبِ المؤمنينَ؛ ليَحذَروا مِن مُوالاةِ المشرِكين [62] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/135). .
- وجُملةُ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ استِئنافٌ مُبيِّنٌ لكُفْرِهم، أو حالٌ مِن ضَميرِ كَفَرُوا، أي: لم يَكتَفُوا بكُفْرِهم بما جاء مِن الحقِّ، فتَلبَّسوا معه بإخراجِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإخراجِكم مِن بَلَدِكم؛ لأنْ تُؤمِنوا باللهِ ربِّكم، أي: هو اعتداءٌ حَمَلَهم عليه أنَّكم آمنْتُم باللهِ ربِّكم، وأنَّ ذلك لا عُذْرَ لهم فيه؛ لأنَّ إيمانَكم لا يَضِيرُهم؛ ولذلك أُجرِيَ على اسمِ الجلالةِ وصْفُ رَبِّكُمْ. وحُكِيَت هذه الحالةُ بصِيغةِ المضارعِ لتَصويرِ الحالةِ؛ لأنَّ الجُملةَ لَمَّا وَقَعَت حالًا مِن ضَميرِ وَقَدْ كَفَرُوا، كان إخراجُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والمؤمنينَ في تلك الحالةِ عَمَلًا فظيعًا؛ فأُرِيدَ استحضارُ صُورةِ ذلك الإخراجِ العَظيمِ [63] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/512)، ((تفسير البيضاوي)) (5/204)، ((تفسير أبي حيان)) (10/153)، ((تفسير أبي السعود)) (8/235)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/135). .
- وأُسنِدَ الإخراجُ إلى ضَميرِ العدُوِّ كلِّهم في قولِه: يُخْرِجُونَ؛ لأنَّ جَميعَهم كانوا راضِينَ بما يَصدُرُ مِن بَعضِهم مِن أذَى المسلمين، وربَّما أغْرَوا به سُفهاءَهُم [64] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/135). .
- وقولُه: أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ تَعليلٌ للإخراجِ، أي: يُخرِجونكم لإيمانِكم، وفيه تَغليبُ المُخاطَبِ، والْتِفاتٌ مِن التَّكلُّمِ إلى الغَيبةِ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ؛ للدَّلالةِ على ما يُوجِبُ الإيمانَ مِن الأُلوهيَّةِ والرُّبوبيَّةِ [65] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/512)، ((تفسير البيضاوي)) (5/204)، ((تفسير أبي السعود)) (8/235). .
- وجِيءَ بصِيغةِ المضارعِ في قولِه تعالَى: أَنْ تُؤْمِنُوا؛ لإفادةِ استِمرارِ إيمانِ المؤمنينَ، وفيه إيماءٌ إلى الثَّناءِ على المؤمنينَ بثَباتِهم على دِينِهم، وأنَّهم لمْ يَصُدَّهم عنه ما سبَّبَ لهم الخُروجَ مِن بِلادِهم [66] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/135). .
- قولُه: إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي شرْطٌ ذُيِّل به النَّهيُ مِن قولِه: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ، بمَنزلةِ التَّتميمِ لِما قبْلَه دونَ قصْدِ تَعليقِ ما قبْلَه بمَضمونِ فِعلِ الشَّرطِ، أي: لا يُقصَدُ أنَّه إذا انْتَفى فِعلُ الشَّرطِ انْتَفى ما عُلِّقَ عليه كما هو الشَّأنُ في الشُّروطِ، بلْ يُقصَدُ تأْكيدُ الكلامِ الَّذي قبْلَه بمَضمونِ فِعلِ الشَّرطِ، فيَكونُ كالتَّعليلِ لِما قبْلَه، وإنَّما يُؤتَى به في صُورةِ الشَّرطِ مع ثِقةِ المُتكلِّمِ بحُصولِ مَضمونِ فِعلِ الشَّرطِ بحيث لا يُتوقَّعُ مِن السَّامعِ أنْ يَحصُلَ منه غَيرُ مَضمونِ فِعلِ الشَّرطِ، فتَكونُ صِيغةُ الشَّرطِ مُرادًا بها التَّحذيرُ؛ لأنَّ معْنى الشَّرطِ يَلزَمُه التَّردُّدُ غالبًا؛ ولهذا يُؤتَى بمِثلِ هذا الشَّرطِ إذا كان المُتكلِّمُ واثقًا بحُصولِ مَضمونِه مُتحقِّقًا صِحةَ ما يقولُه قبْلَ الشَّرطِ، ويَغلِبُ أنْ يكونَ فِعلُ الشَّرطِ في مِثلِه فِعلَ كَونٍ إيذانًا بأنَّ الشَّرطَ مُحقَّقُ الحُصولِ، والمقصودُ استقرارُ النَّهيِ عن اتِّخاذِ عَدُوِّ اللهِ أولياءَ، وعُقِّبَ بفرْضٍ شَرْطُه مَوثوقٌ بأنَّ الَّذين نُهُوا مُتلبِّسونَ بمَضمونِ فِعلِ الشَّرطِ بلا رَيبٍ، فكان ذِكرُ الشَّرطِ ممَّا يَزيدُ تأْكيدَ الانكفافِ [67] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/512)، ((تفسير البيضاوي)) (5/204)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (15/351)، ((تفسير أبي حيان)) (10/153)، ((تفسير أبي السعود)) (8/ 236)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/136). .
- والمرادُ بالخُروجِ الخروجُ مِن مكَّةَ مُهاجَرةً إلى المدينةِ، فالخِطابُ خاصٌّ بالمهاجرينَ، على طَريقةِ تَخصيصِ العُمومِ في قولِه تَعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ، رُوعِيَ في هذا التَّخصيصِ قَرينةُ سَببِ نُزولِ الآيةِ على حادثِ حاطبِ بنِ أبي بَلْتعةَ [68] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/137). .
- قولُه: تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ يَجوزُ أنْ تكونَ الجُملةُ بَيانًا لجُملةِ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، أو استئنافٌ، أو بدَلُ اشتمالٍ منها؛ فإنَّ الإسرارَ إليهم بالموَدَّةِ ممَّا اشتَمَلَ عليه الإلقاءُ إليهم بالمَودَّةِ. والخبَرُ مُستعمَلٌ في التَّوبيخِ والتَّعجيبِ، فالتَّوبيخُ مُستفادٌ مِن إيقاعِ الخبَرِ عَقِبَ النَّهيِ المُتقدِّمِ، والتَّعجيبُ مُستفادٌ مِن تَعقيبِه بجُملةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ، أي: كيف تَظُنُّون أنَّ إسرارَكم إليهم يَخْفَى علينا، ولا نُطلِعُ عليه رَسولَنا [69] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/512)، ((تفسير البيضاوي)) (5/204)، ((تفسير أبي حيان)) (10/153)، ((تفسير أبي السعود)) (8/236)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/138). ؟!
- ومَفعولُ تُسِرُّونَ يجوزُ أنْ يكونَ مَحذوفًا يدُلُّ عليه السِّياقُ، أي: تُخبِرُونهم أحوالَ المسلمينَ سِرًّا، وجِيءَ بصِيغةِ المُضارِعِ لتَصويرِ حالةِ الإسرارِ إليه؛ تَفظيعًا لها، والباءُ في بِالْمَوَدَّةِ للسَّببيَّةِ، أي: تُخبِرونهم سِرًّا بسَببِ المودَّةِ، أي: بسَببِ طَلَبِ المودَّةِ لهم، كما هو في قضيَّةِ كِتابِ حاطبٍ. ويجوزُ أنْ يكونَ بِالْمَوَدَّةِ في مَحلِّ المفعولِ لفِعلِ تُسِرُّونَ، والباءُ زائدةً لتَأكيدِ المَفعوليَّةِ [70] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/512)، ((تفسير البيضاوي)) (5/204)، ((تفسير أبي السعود)) (8/236)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/138). .
- وجُملةُ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ في مَوضعِ الحالِ مِن ضَميرِ تُسِرُّونَ، أو مُعترِضةٌ، والواوُ اعتراضيَّةٌ، وهذا مَناطُ التَّعجيبِ مِن فِعلِ المُعرَّضِ به، وهو حاطبُ بنُ أبي بَلْتعةَ [71] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/138). .
- وتَقديمُ الإخفاءِ على الإعلانِ؛ لأنَّه المناسِبُ لقولِه: وَأَنَا أَعْلَمُ، ولمُوافَقتِه للقصَّةِ، وللمُبالَغةِ في بَيانِ شُمولِ عِلمِه المحيطِ لجَميعِ المعلوماتِ، كأنَّ عِلمَه بما يُسِرُّونه أقدَمُ منه بما يُعْلِنونَه، مع كَونِهما في الحقيقةِ على السَّويَّةِ [72] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (1/118) و(8/236)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/138). . وأيضا قَدَّم العِلمَ بالإخفاءِ على الإعلانِ، مع أنَّ ذلك مُستَلزِمٌ لهذا مِن غيرِ عَكسٍ؛ إذ هما سِيَّانِ في عِلْمِ الله تعالى، ولأنَّ المقصودَ هو بيانُ ما هو الأخفى، فيكونُ مُقَدَّمًا [73] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/517). .
- قولُه: وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ عطْفٌ على جُملةِ النَّهيِ في قولِه تَعالى: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ، عُطِفَ على النَّهيِ التَّوعُّدُ على عدَمِ الانتهاءِ بأنَّ مَن لم يَنتَهِ عمَّا نُهِيَ عنه هو ضالٌّ عن الهُدى. و(مَنْ) شَرطيَّةٌ، الفِعلُ بعْدَها مُستقبَلٌ، وهو وَعيدٌ للَّذين يَفعَلون مِثلَ ما فَعَلَ حاطِبٌ بعْدَ أنْ بَلَغَهم النَّهيُ والتَّحذيرُ والتَّوبيخُ والتَّفظيعُ لعَمَلِه [74] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/139). .
- وقولُه: سَوَاءَ السَّبِيلِ مُعبَّرٌ به هنا عن أعْمالِ الصَّلاحِ والهُدَى؛ لشَبَهِها بالطَّريقِ المُستوي الَّذي يَبلُغُ مَن سَلَكَه إلى بُغيتِه، ويَقَعُ مَنِ انحَرَفَ عنه في هَلَكةٍ، والمُرادُ به هنا: ضلَّ عن الإسلامِ، وضلَّ عن الرُّشدِ [75] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/139). .
- وسَوَاءَ السَّبِيلِ مِن إضافةِ الصِّفةِ للمَوصوفِ، أي: الطَّريقَ المستويَ؛ لقصدِ المبالغةِ في بيانِ قوَّةِ الاتِّصافِ كأنَّه نفْسُ السَّواءِ [76] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (1/145)، ((حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي)) (8/184). .
2- قولُه تعالَى: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ
- هذه الجُملةُ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ ... تُفيدُ معْنى التَّعليلِ لمُفادِ قولِه تعالى: فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [الممتحنة: 1] ، باعتبارِ بَعضِ ما أفادَتْه الجُملةُ، وهو الضَّلالُ عن الرُّشدِ؛ فإنَّه قد يَخفَى ويُظَنُّ أنَّ في تَطلُّبِ مَودَّةِ العدُوِّ فائدةً، كما هو حالُ المنافقينَ، فقد يُظَنُّ أنَّ مُوالاتَهم مِن الدَّهاءِ والحزْمِ رجاءَ نفْعِهم إنْ دالَتْ لهم الدَّولةُ؛ فبيَّنَ اللهُ لهم خطَأَ هذا الظَّنِّ، وأنَّهم إنِ استَفادوا مِن مَودَّتِهم إيَّاهم اطِّلاعًا على قُوَّتِهم فتَأهَّبوا لهم وظَفِروا بهم، لم يَكونوا لِيَرْقُبوا فيهم إلًّا ولا ذِمَّةً، وأنَّهم لو أخَذُوهم وتَمكَّنوا منهم لَكانوا أعداءً لهم؛ لأنَّ الَّذي أضْمَرَ العداوةَ زَمَنًا يَعسُرُ أنْ يَنقلِبَ وَدودًا؛ وذلك لشِدَّةِ الحَنَقِ على ما لَقُوا مِن المسلمينَ مِن إبطالِ دِينِ الشِّركِ، وتَحقيرِ أهْلِه وأصنامِهم [77] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/139). .
- وفِعلُ يَكُونُوا مُشعِرٌ بأنَّ عَداوتَهم قَديمةٌ، وأنَّها تَستمِرُّ [78] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/139). .
- والبَسطُ: مُعبَّرٌ به هنا عن الإكثارِ؛ لِما شاعَ مِن تَشبيهِ الكثيرِ بالواسعِ والطَّويلِ، وتَشبيهِ ضِدِّه -وهو القبضُ- بضِدِّ ذلك، فبَسْطُ اليدِ الإكثارُ مِن عَمَلِها، والمرادُ به هنا: عمَلُ اليدِ الَّذي يضُرُّ، مثل الضَّربِ والتَّقييدِ والطَّعنِ، وعمَلُ اللِّسانِ الَّذي يُؤذِي، مثل الشَّتمِ والتَّهكُّمِ [79] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/140). .
- قولُه: وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ قيل: إنَّه مَعطوفٌ على جَوابِ الشَّرطِ، وعُدِلَ عن المضارعِ المناسبِ لِمَا قبْلَه إلى الماضي، مع أنَّ السِّياقَ يَتطلَّبُ أنْ يكونَ مُضارعًا مُستقبَلًا؛ لاعتبارِه قدْ كان، أي: إنَّ وَدادتَهم كُفْرَكم هو المُهِمُّ لَدَيهم، ولا شَيءَ يَعدِلُه في الرُّجحانِ، يعْني أنَّهم يُرِيدون أنْ يُلْحِقوا بكم جَميعَ مَضارِّ الدُّنيا والدِّينِ، وارْتدادُكم كُفَّارًا أسبَقُ المَضارِّ لكم؛ لأنَّهم يَعلَمون أنَّ الدِّينَ أعزُّ عليكم مِن أرواحِكم، وهذا مِن بَديعِ التَّعبيرِ [80] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/513)، ((تفسير البيضاوي)) (5/204)، ((تفسير أبي السعود)) (8/236)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/59). . فلأنَّ مُصيبةَ الدِّينِ أعظَمُ، فهُم إليها أسرَعُ؛ لأنَّ دأبَ العدُوِّ القَصدُ إلى أعظَمِ ضَررٍ يَراهُ لِعَدوِّه، وعُبِّر بما يُفهِمُ التَّمنِّيَ الَّذي يَكونُ في المُحالاتِ؛ لِيَكونَ المعنى أنَّهم أحَبُّوا ذلك غايةَ الحُبِّ وتَمَنَّوْهُ، وفيه بُشْرى بأنَّه مِن قَبِيلِ المُحالِ [81] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/494). .
وقيل: التَّعبيرُ بالماضي وإنْ كان المعنى على الاستِقبالِ؛ للإشعارِ بأنَّ وَدادَتَهم كُفْرَهم قبْلَ كلِّ شَيءٍ، وأنَّها حاصِلةٌ وإنْ لم يَثقَفوهم. وتحقيقُ ذلك أنَّ الوَدادةَ سابقةٌ بالنَّوعِ، مُتأخِّرةٌ باعتِبارِ بعضِ الأفرادِ؛ فعُبِّر بالماضي نظَرًا للأوَّلِ، وجُعِلَت جوابًا مُتأخِّرًا نظرًا للثَّاني [82] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (14/262). .
- وقيل: إنَّ جُملةَ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ حالٌ مِن ضَميرِ يَكُونُوا، والواوُ واوُ الحالِ، أي: وهمْ قدْ ودُّوا مِن الآنَ أنْ تَكفُروا، فكيف لو يَأسِرُونكم؟! أليس أهمُّ شَيءٍ عِندَهم حينَئذٍ أنْ يَرُدُّوكم كُفَّارًا؟! فجُملةُ الحالِ دليلٌ على مَعطوفٍ مُقدَّرٍ على جَوابِ الشَّرطِ، كأنَّه قِيل: إنْ يَثقَفوكم يَكونوا لكمْ أعداءً... إلى آخِرِه، ويرُدُّوكم كُفَّارًا، وليستْ جُملةُ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ مَعطوفةً على جُملةِ الجوابِ؛ لأنَّ مَحبَّتَهم أنْ يَكفُرَ المسلمون مَحبَّةٌ غيرُ مُقيَّدةٍ بالشَّرطِ؛ ولذلك وقَعَ فِعلُ (ودُّوا) ماضيًا ولم يقَعْ مُضارِعًا مِثلَ الأفعالِ الثَّلاثةِ قبْلَه يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا؛ ليُعلَمَ أنَّه ليس مَعطوفًا على جَوابِ الشَّرطِ [83] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/140). ؛ فليس قولُه: وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ مَعطوفًا على جَوابِ الشَّرطِ؛ لأنَّ وَدادَتَهم كُفْرَهم ليست مُترتِّبةً على الظَّفرِ بهم، والتَّسلُّطِ عليهم، بلْ هم وادُّون كُفْرَهم على كلِّ حالٍ، سواءٌ أظَفِروا بهمْ أمْ لم يَظْفَروا، وإنَّما هو مَعطوفٌ على جُملةِ الشَّرطِ والجزاءِ، أخبَرَ تَعالى بخَبَرَين؛ أحدُهما: اتِّضاحُ عَداوتِهم والبَسطُ إليهم ما ذُكِرَ على تَقديرِ الظَّفرِ بهم، والآخرُ: وَدادتُهم كُفْرَهم، لا على تَقديرِ الظَّفرِ بهم [84] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/154). .
- وقُدِّمُ الأوَّلُ -وهو إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ-؛ لأنَّه أبيَنُ في العَداوةِ، وإنْ كان الثَّاني -وهو: وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ- أنكَأَ [85] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/494). .
3- قولُه تعالَى: لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ كَلامٌ مُستأنَفٌ مَسوقٌ للإعلامِ بأنَّ أرحامَهم وأولادَهم لنْ يَنفَعُوهم [86] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/236)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/58). . وهو تَخلُّصٌ مِن تَبْيينِ سُوءِ عاقبةِ مُوالاةِ أعداءِ الدِّينِ في الحياةِ الدُّنيا، إلى بَيانِ سُوءِ عاقبةِ تلك المُوالاةِ في الآخِرةِ، ومُناسَبةُ حُسْنِ التَّخلُّصِ قولُه: وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة: 2] الدَّالُّ على معْنى: أنَّ وَدادتَهم كُفْرَكم مِن قبْلِ أنْ يَثقَفوكم تَنقلِبُ إلى أنْ يُكْرِهوكم على الكُفرِ حِينَ يَثقَفونَكم، فلا تَنفَعُكم ذَوُو أرحامِكم -مِثل الأُمهاتِ والإخوةِ الأشِقَّاءِ ولِلأُمِّ-، ولا أولادُكم، ولا تَدفَعُ عنكم عَذابَ الآخِرةِ إنْ كانوا قد نَفَعوكم في الدُّنيا بصِلةِ ذَوي الأرحامِ ونُصرةِ الأولادِ؛ فجُملةُ لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ إلى آخِرِها مُستأنَفةٌ استِئنافًا بيانيًّا ناشئًا عن سؤالٍ مَفروضٍ ممَّن يَسمَعُ جُملةَ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة: 2] ، أي: مِن حقِّ ذلك أنْ يَسألَ عن آثارِه لخطَرِ أمْرِها، وإذا كان ناشئًا عن كَلامٍ جَرى مَجرى التَّعليلِ لجُملةِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [الممتحنة: 1] ؛ فهو أيضًا مُفيدٌ تَعليلًا ثانيًا بحسَبِ المعْنى، ولولا إرادةُ الاستئنافِ البَيانيِّ لَجاءتْ هذه الجُملةُ مَعطوفةً بالواوِ على الَّتي قبْلَها، وزاد ذلك حُسْنًا أنَّ ما صدَرَ مِن حاطِبِ بنِ أبي بَلْتعةَ ممَّا عُدَّ عليه هو مُوالاةٌ للعَدُوِّ، وأنَّه اعتذَرَ بأنَّه أراد أنْ يتَّخِذَ عِندَ المشركين يدًا يَحْمُون بها قَرابتَه (أي: أُمَّه وإخوتَه)؛ ولذلك ابتُدِئَ في نفْيِ النَّفعِ بذِكرِ الأرحامِ؛ لمُوافَقةِ قِصَّةِ حاطبٍ؛ لأنَّ الأمَّ ذاتُ رَحِمٍ، والإخوةُ أبْناؤها همْ إخوتُه مِن رَحِمِه، وأمَّا عطْفُ وَلَا أَوْلَادُكُمْ فَتَتميمٌ [87] التَّتميم: مِن أنواعِ إطنابِ الزِّيادةِ، وهو الإتيانُ بكلمةٍ أو كلامٍ مُتمِّمٍ للمقصودِ، أو لزِيادةٍ حَسنةٍ، بحيثُ إذا طُرِحَ من الكلام نقَصَ معناه في ذاتِه، أو في صِفاتِه. أو: هو الإتيانُ في كلامٍ لا يُوهِمُ غيرَ المرادِ بفَضلةٍ تُفيدُ نُكتةً. أو: هو إردافُ الكلامِ بكَلمةٍ تَرفعُ عنه اللَّبسَ، وتُقرِّبُه للفَهمِ. ومِن أمثلةِ التَّتميمِ قولُه تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ [النساء: 124] ؛ فقوله: وَهُوَ مُؤْمِنٌ تتميمٌ في غايةِ الحُسنِ. ومنه قولُه تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [البقرة: 206] ؛ وذلك أنَّ العِزَّةَ محمودةٌ ومذمومةٌ، فلمَّا قال: بِالْإِثْمِ اتَّضحَ المعنى وتَمَّ، وتبيَّن أنَّها العزَّةُ المذمومةُ المُؤثَّمُ صاحِبُها. يُنظر:  ((تحرير التَّحبير)) لابن أبي الإصبع (ص: 127)، ((التِّبيان في البيان)) للطِّيبي (ص: 217)، ((تفسير أبي حيان)) (1/120) و (2/332، 333)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدِّين درويش (1/44)، ((مفاتيح التَّفسير)) لأحمد سعد الخطيب (1/240، 241). ؛ لشُمولِ النَّهيِ قومًا لهم أبناءٌ في مكَّةَ [88] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/140، 141). .
- قولُه: لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ، أي: إنَّهم لا يَنفَعونكم يومَ القِيامةِ، فما لَكم تَرفُضون حقَّ اللهِ مُراعاةً لهم وهم يَفِرُّون منكم يومَ اشتِدادِ الهولِ؟! خطَّأَ رأْيَهم في مُوالاةِ الكفَّارِ أوَّلًا بما يَرجِعُ إلى حالِ مَن والَوهُ، ثمَّ خطَّأهُ ثانيًا بما يَرجِعُ إلى حالِ مَنِ استَعْمَلوا المُوالاةَ مِن أجْلِهم، وهو تَقسيمٌ حاصرٌ؛ إشارةً إلى أنَّ ما أقدَمَ عليه حاطِبٌ مِن أيِّ جِهةٍ نُظِر إليه يكونُ خطَأً وباطلًا [89] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/513)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/142). .