موسوعة التفسير

سورةُ الحَجِّ
الآيات (55-57)

ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ

غريب الكلمات :

مِرْيَةٍ: أي: شكٍّ، وقيل: المِرْيةُ: التردُّدُ في الأمرِ، وهو أخصُّ مِن الشَّكِّ .
بَغْتَةً: أي: فجأَةً، وكلُّ ما جاءَ فجأةً فقد بَغَتَ، يقال: قد بَغَتَه الأمرُ يَبْغَتُه بغْتًا وبَغتةً، إذَا أتاه فجأةً، وأصْلُ (بغت): مُفاجأةُ الشَّيءِ مِن حيث لا يحتسِبُ .
عَقِيمٍ : أي: لا خَيْرَ فيه للكافرينَ، كأنَّ ذلك اليومَ عليهم يومٌ لا ليلَ لهم بَعدَه؛ مِن العُقمِ: وهو القَطعُ والمَنعُ، يُقالُ: رجُلٌ عَقيمٌ: إذا مُنِعَ مِن الوَلَدِ .

المعنى الإجمالي:

يقول تعالى: ولا يَزالُ الكافِرونَ المُكَذِّبونَ في شَكٍّ مِنَ القُرآنِ إلى أن تأتيَهم السَّاعةُ فَجأةً، وهم على تَكذيبِهم، أو يأتيَهم عذابُ يومٍ عقيمٍ.
 المُلكُ والسُّلطانُ يومَ القيامةِ لله وَحْدَه، وهو سُبحانَه يقضي بين المُؤمِنينَ والكافرينَ؛ فالذين آمَنوا وعَمِلوا الأعمالَ الصَّالِحةَ، لهم النَّعيمُ الدَّائِمُ في الجَنَّاتِ، والذينَ كَفَروا باللهِ ورَسولِه وكذَّبوا بآياتِ القُرآنِ لهم عذابٌ مُخزٍ مُذِلٌّ في جَهنَّمَ.

تفسير الآيات:

وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بيَّن اللهُ سُبحانَه حالَ الكافِرينَ أوَّلًا، ثمَّ حالَ المؤمنين ثانيًا، عاد إلى شرْحِ حالِ الكافرينَ مرَّةً أخرى .
وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ.
أي: ولا يَزالُ الذين كَفَروا في شَكٍّ ورَيبٍ مِنَ القُرآنِ؛ لإعراضِهم وعنادِهم .
حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ.
أي: هم مُستَمِرُّونَ على تلك الحالِ إلى أن يأتيَهم يومُ القيامةِ فَجأةً، أو يأتيَهم عذابُ يَومٍ عقيمٍ .
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
بعدَ أن بيَّن سبحانَه حالَ الفريقينِ فى الدُّنيا؛ أرشَد إلى حالِهم فى الآخرةِ .
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ.
أي: السُّلطانُ يومَ القيامةِ لله وَحْدَه، لا مُنازِعَ له فيه، يَحكُمُ فيه بالعَدلِ بينَ عِبادِه المُؤمِنينَ والكافرينَ .
كما قال تعالى: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4] .
وقال سُبحانَه: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ [الفرقان: 26] .
وقال عزَّ وجَلَّ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر: 16] .
فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
أي: فالذين آمَنوا باللهِ ورَسولِه وما جاء به مِن عندِ اللهِ تعالى، وعَمِلوا الأعمالَ الصَّالِحةَ؛ يكونونَ يَومَ القيامةِ في جنَّاتِ النَّعيمِ، يَتنَعَّمونَ فيها بأرواحِهم وأبدانِهم .
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ ثوابَ المُؤمِنينَ العامِلينَ للصَّالحاتِ؛ ثَنَّى بذِكرِ مَن يُقابِلُهم .
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57).
أي: والذينَ كَفَروا باللهِ ورَسولِه وكذَّبوا بآياتِ القُرآنِ، فأولئك لهم يَومَ القيامةِ عَذابٌ مُخْزٍ ومُذِلٌّ في النَّارِ؛ جزاءً لهم على استِكبارِهم عن الحَقِّ، واستِهانتِهم بآياتِ اللهِ ورُسُلِه .
كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60] .

الفوائد التربوية:

1- قال الله عزَّ وجلَّ: فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، والعملُ الصالحُ مبنيٌّ على الإيمانِ، فعملٌ بلا إيمانٍ لا فائدةَ منه، فالمنافقون يَعملون، ويَذْكرون الله، ويُصَلُّون، ويتصدَّقون، ولكن ليس عندَهم إيمانٌ؛ فلا ينفعُهم، ولهذا يقدِّمُ الله عزَّ وجلَّ الإيمانَ على العملِ الصالحِ .
2- الإيمانُ وحْدَه لا يكفي، بل لا بدَّ مِن عملٍ، والعملُ وحْدَه لا يكفي، بل لا بدَّ مِن إيمانٍ، فلا يستحقُّ الجنةَ إلَّا مَن جمَع بينَ الإيمانِ والعملِ الصالحِ؛ قال تعالى: فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وإذا ذُكِر ثوابُ الجنةِ مقيَّدًا أو معلَّقًا بالإيمانِ وحْدَه، فالمرادُ بذلك الإيمانُ المتضمِّنُ للعملِ الصالحِ .
3- العملُ لا ينفعُ صاحبَه إلَّا إذا كان صالحًا؛ قال تعالى: وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، والعملُ الصالحُ هو: الخالصُ الصوابُ؛ أي: ما ابتُغِي به وجهُ الله، وكان على شريعةِ الله .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- لَمَّا ذكَرَ عزَّ وجَلَّ أهلَ الإيمانِ وثوابَهم، ذكَرَ أصحابَ الشِّمالِ بعد ذلك، فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ؛ لأنَّ القُرآنَ مَثانٍ، تُثَنَّى فيه الأمورُ والمعاني؛ ولهذا تجِدُ القُرآنَ الكريمَ في الغالبِ إذا ذكَرَ اللهُ الجنَّةَ ذكَرَ النَّارَ، وإذا ذكَرَ أولياءَ اللهِ ذكَرَ أعداءَ الله، والحِكمةُ مِن ذلك ألَّا يَمَلَّ الإنسانُ؛ لأنَّه كُلَّما تَنقَّلَ المعنى إلى معنًى آخَرَ نَشِطَ الإنسانُ، وحِكمةٌ أُخرى: أن يكونَ الإنسانُ سائرًا إلى الله، أي: مُتعَبِّدًا إلى الله بين الخَوفِ والرَّجاءِ؛ لأنَّه إذا مَرَّت به صفاتُ المؤمِنينَ قَوِيَ جانِبُ الرَّجاءِ، وإذا ذُكِرَت أحوالُ الكافِرينَ غَلَب جانِبُ الخَوفِ .
2- قال الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا الكُفرُ قد يَصحَبُه التَّكذيبُ وقد لا يَصحَبُه؛ ولهذا أحيانًا يَذكُرُ اللهُ الكُفرَ فقط، مِثلُ قَولِه تعالى: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران: 131] ، وأحيانًا يَذكُرُ التَّكذيبَ فقط، قال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ [الزمر: 32] ، وأحيانًا يَقرِنُ بينهما كما هنا؛ وذلك لأنَّ كُلًّا منهما قد يكونُ وَحْدَه مُوجِبًا للخُلودِ في النَّارِ، فإذا اجتَمَعا جميعًا صار ذلك أشَدَّ وأعظَمَ. والعياذُ باللهِ .
3- لم يَجِئْ إعدادُ العذابِ المُهينِ في القُرآنِ إلَّا في حَقِّ الكُفَّارِ، كقَولِه تعالى: وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء: 37] ، وقَولِه: إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء: 102] ، وقَولِه: وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [البقرة: 90] ، وقَولِه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [الحج: 57] إلى غيرِ ذلك من الآياتِ، وأمَّا العذابُ العظيمُ فقد جاء وعيدًا للمُؤمِنينَ في قَولِه: لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [الأنفال: 68] ، وقَولِه: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور: 14] ، وفي المحارِبِ: ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ المائدة: 33].
4- قَولُ الله تعالى: وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً يدُلُّ على أنَّ الأعصارَ إلى قيامِ السَّاعةِ لا تخلو مِمَّن هذا وَصْفُه .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ خَصَّ في هذه الآيةِ الكافرينَ بالقُرآنِ بعْدَ أنَّ عَمَّهم مع جُملةِ الكافرينَ بالرُّسلِ؛ فخَصَّهم بأنَّهم يَستمِرُّ شَكُّهم فيما جاء به محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَتردَّدونَ في الإقدامِ على الإسلامِ إلى أنْ يُحالَ بينهم وبينه بحُلولِ السَّاعةِ بَغتةً، أو بحُلولِ عَذابِ يومٍ عقيمٍ .
- قولُه: الَّذِينَ كَفَرُوا فيه وَضْعُ المُظْهَرِ مَوضِعَ المُضْمَرِ، أي: لا يَزالونَ في مِرْيةٍ، وهم الشَّاكُّون الَّذين في قُلوبهم مَرضٌ .
- قولُه: أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ المُرادُ به السَّاعةُ، كأنَّه قيل: أو يأْتِيَهم عَذابُها، فوُضِعَ ذلك مَوضِعَ ضَميرِها؛ لمَزيدِ التَّهويلِ . وذلك على أحدِ القولينِ في التفسيرِ.
2- قَولُه تعالى: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ
- قولُه: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ استئنافٌ بَيانِيٌّ؛ فقد آذَنَتِ الغايةُ الَّتي في قولِه: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً [الحج: 55] أنَّ ذلك وَقْتُ زَوالِ مِرْيةِ الَّذين كَفَروا، فكان ذلك مَنشَأَ سُؤالِ سائلٍ عن صُورةِ زَوالِ المِرْيَةِ، وعن ماذا يَلْقَونه عندَ زَوالِها؟ فكان المَقامُ أنْ يُجابَ السُّؤالُ بجُملةِ: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ، إلى آخِرِ ما فيها من التَّفصيلِ .
- والتَّعريفُ في الْمُلْكُ تَعريفُ الجِنْسِ؛ فدَلَّتْ جُملةُ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ على أنَّ ماهيَّةَ المُلْكِ مَقصورةٌ يَومَئذٍ على الكونِ مُلْكًا للهِ، أي: لا مُلْكَ لغَيرِه يومَئذٍ .
- والمقصودُ بالكَلامِ هو جُملةُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ؛ إذ هم البدلُ. وإنَّما قُدِّمَت جُملةُ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ؛ تَمهيدًا لها، ولِيَقَعَ البَيانُ بالبَدلِ بعْدَ الإبهامِ الَّذي في المُبْدَلِ منه . وقيل: جُملةُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ مُستأْنَفةٌ، وقعَتْ جَوابًا عن سُؤالٍ نشَأَ من الإخبارِ بكَونِ المُلْكِ يَومئذٍ للهِ؛ كأنَّه قيل: فماذا يُصْنَعُ بهم حينئذٍ؟ فقيل: يَحكُمُ بين فريقيِ المؤمنينَ به والمُمارينَ فيه بالمُجازاةِ .
- قولُه: فَالَّذِينَ آَمَنُوا ... إلخ تَفسيرٌ للحُكمِ المذكورِ، وتَفصيلٌ له .
3- قَولُه تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ
- قولُه: فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ فيه التَّعبيرُ باسمِ الإشارةِ (أُولَئِكَ) وما فيه مِن معنى البُعدِ؛ للإيذانِ ببُعْدِ مَنزِلَتِهم في الشَّرِّ والفسادِ ، وللتَّنبيهِ على أنَّهم استحَقُّوا العذابَ المُهينَ؛ لأجْلِ ما تقدَّمَ مِن صِفَتِهم بالكُفْرِ والتَّكذيبِ بالآياتِ .
- وتَصديرُ الخبرِ بالفاءِ؛ للدَّلالةِ على أنَّ تَعذيبَ الكُفَّارِ بسبَبِ أعمالِهم السَّيِّئةِ . وقيل: قُرِنَ فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ بالفاءِ؛ لِمَا تَضمَّنَه التَّقسيمُ مِن معنى حَرفِ التَّفصيلِ وهو (أمَّا)، كأنَّه قيل: وأمَّا الَّذين كَفَروا... لأنَّه لمَّا تقدَّمَ ثَوابُ الَّذين آمَنوا، كان المَقامُ مُثيرًا لسُؤالِ مَن يَترقَّبُ مُقابَلةَ ثَوابِ المُؤمِنين بعِقابِ الكافرينَ، وتلك المُقابَلةُ مِن مَواقِعِ حَرفِ التَّفصيلِ .
- وعَطَف التَّكذيبَ على الكُفرِ وهو نَوعٌ منه، في قَولِه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا؛ لأنَّه أشَدُّ، فالذي يَكفُرُ ولم يُكَذِّبْ أهوَنُ مِن الذي يَكفُرُ ويُكَذِّبُ؛ فعَطفُ وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا على كَفَرُوا مِن بابِ عَطفِ الخاصِّ على العامِّ، كعَطفِ الرُّوحِ على الملائِكةِ، وهو منهم، قال الله تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا [القدر: 4] ، والرُّوحُ جبريلُ عليه السَّلامُ، وهو مِن الملائِكةُ .
- وفي قولِه: عَذَابٌ مُهِينٌ قابَلَ النَّعيمَ بالعذابِ، ووصَفَهُ بالمُهينِ مُبالَغةً فيه ؛ فـ مُهِينٌ مُؤكِّدةٌ لِمَا أفادَهُ التَّنوينُ مِن الفَخامَةِ، وفيه مِن المُبالَغةِ مِن وُجوهٍ شَتَّى ما لا يَخْفَى .