موسوعة التفسير

سورة هود
الآيات (91-95)

ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ

غريب الكلمات:

مَكَانَتِكُمْ: أي: طَريقتِكم التي أنتم عليها، تقولُ للرَّجُلِ إذا أمَرْتَه أن يَثبُتَ على حالِه: على مكانَتِك، أي: اثبُتْ على ما أنت عليه .
نَفْقَهُ: أي: نفهمُ، ويقال: فقهتُ الكلام إذا فهمتَه حقَّ فهمِه، والفقهُ: هو التوصلُ إلى علمٍ غائبٍ بعلمٍ شاهدٍ، وأصلُ (فقه): يدلُّ على إدراكِ الشيءِ، والعلمِ به .
رَهْطُكَ: أي: عشيرتُك وقومُك، وأصلُ (رهط): يدلُّ على تجمُّعٍ في النَّاسِ وغيرِهم .
لَرَجَمْنَاكَ: أي: لقتلناك رميًا بالحجارةِ، أو لَسَبَبْناك، وأصلُ (رجم): رميٌ بالحجارةِ .
ظِهْرِيًّا: الظِّهْريُّ: كلُّ شَيءٍ تجعَلُه بظَهرٍ، أي: تَنساه، كأنَّك قد جعلتَه خلفَ ظَهرِك؛ إعراضًا عنه وتركًا له، وأصلُ (ظهر): يدلُّ على قوَّةٍ وبُروزٍ .

المعنى الإجمالي:

يُخبِرُ تعالى عن قومِ شُعَيبٍ أنَّهم قالوا له: يا شُعَيبُ لا نفهم كثيرًا ممَّا تقولُ، وإنَّنا لَنراك فينا ضعيفًا، ولولا مُراعاةُ عَشيرتِك- الذين هم من أهلِ مِلَّتِنا- لرجمناك، وليس لك قَدْرٌ أو مكانةٌ في نفوسِنا. قال: يا قومِ أعشيرتي أعزُّ وأكرَمُ عليكم من اللهِ؟ وجعلتُموه خلفَ ظُهورِكم، لا تأتَمِرونَ بأمره، ولا تنتَهونَ بنهيِه، إنَّ ربِّي بما تَعملونَ مُحيطٌ، لا يخفى عليه من أعمالِكم مِثقالُ ذَرَّةٍ، وسيُجازيكم عليها.
 ويا قومِ اعمَلوا على طريقتِكم وحالتِكم، إنِّي عاملٌ مُثابِرٌ على طريقتي ودِيني، سوف تعلمونَ مَن مِنَّا يأتيه عذابٌ يذلُّه، ومَن منَّا كاذبٌ في قولِه، أنا أم أنتم؟ وانتَظِروا ما سيَحُلُّ بكم، إنِّي معكم من المُنتَظرينَ، ولَمَّا جاء أمرُنا بإهلاكِ قَومِ شُعَيبٍ نجَّينا رسولَنا شُعيبًا والذين آمنوا معه برحمةٍ منَّا، وأخذتِ الذين ظلَموا الصَّيحةُ من السَّماءِ فأهلكَتْهم، فأصبحوا في ديارِهم باركينَ على رُكَبِهم، مُنكبِّينَ على وُجوهِهم؛ ميِّتينَ، لا حِرَاك بهم، كأنْ لم يُقيموا في ديارِهم وقتًا من الأوقاتِ، ألا بُعدًا لـمَدينَ- إذ أهلَكها اللهُ وأخزاها- كما بَعِدَت قبلَهم  ثمودُ.

تفسير الآيات:

قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91).
مُناسبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّه لَمَّا رأى قومُ شُعَيبٍ عليه السَّلامُ أنَّه لا يَنزِعُ عنهم، ولم يَقدِروا لكلامِه على جوابٍ؛ أيأسُوه من الرُّجوعِ إليه بأن أنزَلوا أنفُسَهم- عنادًا في الفَهمِ لهذا الكلامِ الواضحِ جِدًّا- إلى عِدادِ البهائمِ، وهَدَّدوه .
قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ.
أي: قال قومُ شُعَيبٍ: يا شُعَيبُ لا نفهَمُ كثيرًا ممَّا تَعِظُنا وتُخبِرُنا به .
وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا.
أي: وإنَّا لنراك فينا ضعيفًا، لا قُوَّةَ لك تقدِرُ بها على أنْ تمنعَ نفسَكَ مِنَّا .
وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ.
أي: ولولا معَزَّتُنا لِعَشيرتِك وجماعتِك- الذين هم على دينِنا- لرجمناك .
وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ.
أي: وما أنت علينا بكَريمٍ، ولا مَعَزَّةَ لك عندنا ولا قدْرَ، ولا نُبالي بإذلالِك .
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92).
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ.
أي: قال شعيبٌ لقومِه: يا قومِ أعشيرتي أعظَمُ مِن اللهِ في قُلوبِكم وأعَزُّ عليكم منه، فتركتُم رجمي لأجلِ عَشيرتي وليس لله عزَّ وجلَّ ؟!
وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا.
أي: وجعلتُم اللهَ خلفَ ظُهورِكم مُستخِفِّينَ به، لا تخافونَ منه، ولا تُطيعونَه، ولا تعَظِّمونَه !
إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ.
أي: إنَّ ربِّي مُحيطٌ عِلمًا بجميعِ أعمالِكم، وسيُجازيكم عليها .
وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93).
مُناسبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا يئِسَ نبيُّ الله شُعيبٌ مِن استجابةِ قَومِه له، وأعيَوه، وعجَزَ عنهم، قال :
وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ.
أي: ويا قومِ، اعمَلوا على حالِكم وطريقتِكم التي أنتم عليها، إنِّي عامِلٌ على طريقتي وديني .
كما قال سُبحانَه لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام: 135] .
وقال عزَّ وجلَّ: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا [الإسراء: 84] .
وقال تبارك وتعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون: 1 - 6] .
سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ.
أي: سوفَ تعلمونَ مَن يأتيه عذابٌ من اللهِ يُذِلُّه، ومَن هو كاذِبٌ منا، أنا أم أنتم ؟
وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ.
أي: وانتَظِروا نزولَ العذابِ، إنِّي معكم مُنتَظِرٌ نُزولَه بكم .
وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94).
وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا.
أي: ولَمَّا أتى عذابُنا نجَّينا شُعَيبًا والمؤمنينَ معه بفَضلٍ منَّا عليهم .
وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ.
أي: وأصابت الصَّيحةُ الذين ظَلَموا أنفُسَهم بالكُفرِ، فصاروا في مَنازِلِهم لاصقينَ بالأرضِ على رُكَبِهم، ومُنكَبِّينَ على وُجوهِهم صَرْعى، خامِدينَ لا حياةَ فيهم .
كما قال تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [الأعراف: 91] .
وقال سُبحانه: فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء: 189] .
كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95).
كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا.
أي: كأنَّ قومَ شُعَيبٍ لَمَّا جاءهم العذابُ لم يعيشُوا في ديارِهم، ولم يتمتَّعوا فيها .
أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ.
أي: ألا أبعدَ اللهُ مَدْيَنَ مِن رحمتِه، كما بَعِدَت مِن قَبلِهم ثمودُ .
كما قال تعالى عن ثمود: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ *كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ [هود: 66 - 68] .

الفوائد التربوية :

1- المُتَمسِّكَ بدينِه قد يعينُه اللهُ، ويُعِزُّه بنُصرةِ قريبِه الكافرِ، كما بيَّن اللَّهُ تعالى بقولِه حكايةً عن قَومِ شُعَيبٍ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ فمنَعه اللَّهُ مِن الكُفَّارِ، وأعزَّ جانبَه بسَببِ العواطفِ العَصَبيَّةِ، والأواصِرِ النَّسبيَّةِ مِن قومِه الذين هم كُفَّارٌ .
2- قَولُ الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا فيه أنَّه تعالى إنَّما خَلَّصَه من ذلك العذابِ لِمَحضِ رحمتِه؛ تنبيهًا على أنَّ كُلَّ ما يصِلُ إلى العبدِ، فليس إلَّا بفَضلِ اللهِ ورَحمتِه .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قولُ الله تعالى: قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ، وقولُه تعالى: وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ [فصلت: 5] من يتدَبَّرْ ما ذكَرَه اللهُ عن أعداءِ الرُّسُلِ مِن نفيِ فِقهِهم وتكذيبِهم، يجِدْ بعضَ ذلك فيمن أعرَضَ عن ذِكرِ اللهِ وعن تدبُّرِ كتابِه، واتَّبَع ما تتلوه الشَّياطينُ، وما تُوحيه إلى أوليائِها .
2- قولُ الله تعالى: وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ فيه أنَّ اللهَ يَدفَعُ عن المؤمنينَ بأسبابٍ كثيرةٍ قد يعلمونَ بعضَها، وقد لا يعلمونَ شَيئًا منها، وربَّما دفع عنهم بسبَبِ قَبيلتِهم أو أهلِ وَطنِهم الكُفَّارِ، وأنَّ هذه الرَّوابِطَ التي يحصُلُ بها الدَّفعُ عن الإسلامِ والمُسلمينَ لا بأسَ بالسَّعيِ فيها، بل ربَّما تعيَّنَ ذلك؛ لأنَّ الإصلاحَ مَطلوبٌ على حسَبِ القُدرةِ والإمكانِ .
3- قولُ الله تعالى: وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ الرَّجمُ: القتلُ بالحِجارةِ رَميًا- على أحدِ وجْهَي التفسيرِ- وهو قِتلةُ حَقارةٍ وخِزيٍ، وفيه دَلالةٌ على أنَّ حُكمَ من يخلعُ دينَه الرَّجمُ في عوائِدِهم
4- قال الله تعالى: وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ذكرَ هاهنا أنَّه أتَتهم صيحةٌ، وفي الأعرافِ رَجفةٌ، وفي الشُّعَراءِ عذابُ يومِ الظُّلَّة، وهم أمَّةٌ واحدةٌ ، اجتمع عليهم يومَ عذابِهم هذه النِّقَمُ كُلُّها، وإنَّما ذُكِرَ في كلِّ سياقٍ ما يُناسِبُه، ففي الأعرافِ لَمَّا قالوا: لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا [الأعراف:88] ناسبَ أن يُذكَرَ هناك الرَّجفةُ، فرجَفَت بهم الأرضُ التي ظَلَموا بها، وأرادوا إخراجَ نبيِّهم منها، وهاهنا لَمَّا أساؤوا الأدبَ في مقالتِهم على نبيِّهم ناسب ذِكر الصَّيحةِ التي أسكَتَتْهم وأخمَدَتهم، وفي الشُّعَراءِ لَمَّا قالوا: فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الشعراء: 187] قال: فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء: 189] وهذا من الأسرارِ الغريبةِ الدَّقيقةِ .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ
- قولُه: وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا فيه تأكيدُهم للكلامِ بـ (إنَّ) ولامِ الابتداءِ؛ مُبالَغةً في تنزيلِه مَنزِلةَ مَن يَجهَلُ أنَّهم يَعلَمون ذلك فيه، أو مَن يُنكِرُ ذلك .
- وجملةُ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ مؤكِّدةٌ لمضمونِ قولِه: وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ؛ لأنَّه إذا انتَفى كونُه قويًّا في نُفوسِهم، تَعيَّن أنَّ كَفَّهم عن رَجْمِه- مع استِحْقاقه إيَّاه في اعتقادِهم- ما كان إلَّا لأجلِ إكرامِهم رَهْطَه، لا للخوفِ منهم، وعُطِفَت هذه الجملةُ على الَّتي قبْلَها- مع أنَّ حقَّ الجملَةِ المؤكِّدةِ أنْ تُفصَلَ ولا تُعطَفَ- لأنَّها مع إفادتِها تأكيدَ مضمونِ الَّتي قبْلَها أفادَت أيضًا حُكمًا يَخُصُّ المخاطَبَ؛ فكانت بهذا الاعتبارِ جَديرةً بأن تُعطَفَ على الجُمَلِ المفيدةِ أحوالَه مِثلُ جملةِ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ والجُمَلِ بَعدَها .
2- قوله تعالى: قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
- الاستفهامُ في قولِه: أَرَهْطِي إنكاريٌّ؛ أي: اللهُ أعَزُّ مِن رَهْطي، وهو كنايةٌ عن اعتِزازِه باللهِ لا برَهْطِه، فلا يَرِيبُه عدَمُ عِزَّةِ رَهْطِه عليهم، وهذا تهديدٌ لهم بأنَّ اللهَ ناصِرُه؛ لأنَّه أرسَلَه فعِزَّتُه بعِزَّةِ مُرْسِلِه ، وإنَّما أنكَر عليهم أعَزِّيَّةِ رهطِه منه تعالى مع أنَّ ما أثبَتوه إنَّما هو مُطْلَقُ عزَّةِ رهطِه، لا أعَزِّيَّتُهم منه عزَّ وجلَّ، مع الاشتِراك في أصلِ العزَّةِ؛ لِتَثنيةِ التَّقريعِ، وتَكْريرِ التَّوبيخِ؛ حيث أنكَر عليهم أوَّلًا تَرجيحَ جَنْبةِ الرَّهطِ على جَنْبةِ اللهِ تعالى، وثانيًا بنَفْيِ العِزَّةِ بالمرَّةِ .
- قولُه: ظِهْرِيًّا فيه كِنايةٌ عن النِّسيانِ؛ لأنَّ الشَّيءَ الموضوعَ بالوَراءِ يُنْسى؛ لقِلَّةِ مُشاهَدتِه؛ فهو يُشبِهُ الشَّيءَ المجعولَ خَلْفَ الظَّهرِ في ذلك .
- قولُه: إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ استئنافٌ، أو تعليلٌ لِمَفهومِ جُملةِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ الَّذي هو تَوكُّلُه عليه واستِنْصارُه به، وفيه تعريضٌ بالتَّهديدِ .
3- قوله تعالى: وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ
- قوله: وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ذَكَر عمَلَهم على مكانتِهم وعمَلَه على مكانتِه، ثم أتْبعه ذِكرَ عاقبةِ العاملينَ منه ومنهم، وكان الظاهرُ أنْ يقولَ: (مَن يأتيه عذابٌ يُخزيه ومَن هو صادقٌ)؛ حتَّى يَنصرِفَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ إلى الجاحِدين، و(مَن هو صادقٌ) إلى النبيِّ المبعوثِ إليهم؛ ولكنَّهم لَمَّا كانوا يَدْعُونه كاذبًا، قال: وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ يعني: في زعْمِكم ودَعواكم؛ تَجهيلًا لهم. وقيل: إنَّ الكَلامينِ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ جميعًا لهم؛ فالأوَّل مُضمَّنٌ ذِكرَ جُرمِهم الذي يُجازون به، وهو الكذبُ، ويكون مِن بابِ عَطف الصِّفةِ على الصِّفةِ، والموصوفُ واحدٌ، كما تقولُ لِمَن تُهدِّدُه: ستَعلمُ مَن يُهانُ ومَن يُعاقبُ، والمخاطبُ هو المقصودُ في الكلامَينِ؛ فإذا ثبَت صَرْفُ الكلامينِ إليهم كان فيه دَلالةٌ على ذِكرِ عاقبتِه هو؛ لأنَّ أحدَ الفريقين إذا كان مُبطِلًا فالآخَرُ هو المحقُّ قطعًا؛ فذِكرُه لإحْدى العاقبتَينِ صريحًا يُفهِمُ ذِكرَ الأخرى تَعريضًا، والتعريضُ في كثيرٍ مِن مواضعِه أبلغُ وأوقعُ من التصريحِ، وهذا مِنه، ويَدُلُّ على أنَّ الكَلامَين لهما أنَّ عاقِبةَ أمْرِ شُعيبٍ لم تُذكَرْ؛ استِغْناءً عنها بذِكْرِ عاقِبَتِهم، وكذلك قولُه في سورةِ الأنعامِ: قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ؛ فذكَر هناك أيضًا إحْدى العاقِبَتَين؛ لأنَّ المرادَ بهذه العاقبةِ عاقبةُ الخيرِ، ومَتى أُطلِقَت فلا يُعْنى إلَّا ذلك، كقولِه: وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ واستَغْنى عن ذِكْرِ مُقابِلَتِها، وهنا في آيةِ هودٍ فقد ذكَر عاقبتَهم، وهي سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ، واستَغْنى بها عن عاقِبَتِه، فلْيُتأمَّلْ هذا؛ فإنَّه تُحفةٌ لِمَن همُّه نَظمُ دُررِ الكِتابِ العزيزِ، وضَمِّ بعضِها إلى بَعضٍ .
- والأمرُ في اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ للتَّهديدِ .
- وفيه مُناسَبةٌ حسَنةٌ، حيثُ قال هنا في سورةِ (هودٍ): وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ، وقال في (الأنعامِ): قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ [الأنعام: 135] ، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ [هود: 39] ، وكذلك في سورةِ (الزُّمرِ) في قولِه: قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ [الزمر: 39- 40] ؛ فأُفرِدَت آيةُ (هودٍ) هذه بمَجيءِ حرْفِ التَّسويفِ (سوف) بلا فاءِ التَّعقيبِ، بخلافِ الأُخرَيَينِ مع اتِّفاقِ الآياتِ الثَّلاثِ في التَّهديدِ، وحرْفِ التَّسويفِ، ووجهُ ذلك: أن قولَه: فَسَوْفَ تَعْلَمُوْنَ بالفاءِ حيثُ وقَع، وفى هودٍ: سَوْفَ تَعْلَمُوْنَ بغيرِ فاءٍ؛ لأنَّه تقدَّم فى هذه السورةِ وغيرِها قُلْ فأمَرهم أمرَ وعيدٍ بقولِه: اعْمَلُوا أَى: اعملوا فستجزَونَ، فوقَع جوابًا بالأمرِ قبْلَه، ولم يكُنْ فى (هودٍ) (قل) فصار استئنافًا؛ لأنَّه لم يتَقدَّمْه أمرٌ. وقيل: سَوْفَ تَعْلَمُوْنَ فى سورةِ (هودٍ) صفةٌ لـ عَامِلٌ، أَى: إِنِّى عاملٌ سوفَ تعلمون، فحَذَف الفاءَ .
وقيل: لم يُقرَنْ حرفُ (سَوف) في قولِه: سَوْفَ تَعْلَمُونَ في هذه الآيةِ بالفاءِ، وقُرِن في آيةِ سورةِ (الأنعامِ) بالفاءِ مِن قولِه تعالى: قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام: 135] ؛ لأنَّ جُملةَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ هنا جُعِلَت مُستأنَفةً استئنافًا بيانيًّا؛ إذ لَمَّا فاتَحَهم بالتَّهديدِ كان ذلك يُنشِئُ سُؤالًا في نُفوسِهم عمَّا يَنشَأُ على هذا التَّهديدِ، فيُجابُ بالتَّهديدِ بـ سَوْفَ تَعْلَمُونَ؛ ولكونِه كذلك كان مُساويًا للتَّفريعِ بالفاءِ الواقِعِ في آيةِ (الأنعامِ) في المآلِ، ولكنَّه أبلَغُ في الدَّلالةِ على نَشْأةِ مَضمونِ الجملَةِ المستأنَفةِ عن مضمونِ الَّتي قبْلَها؛ ففي خِطابِ شُعيبٍ عليه السَّلامُ قومَه مِن الشِّدَّةِ ما ليس في الخِطابِ المأمورِ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سورةِ (الأنعام)؛ جَريًا على ما أرسَل اللهُ به رَسولَه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن اللِّينِ لهم: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران: 159] ، وكذلك التَّفاوُتُ بين مَعمولَيْ تَعلَمُونَ؛ فهو هنا غَليظٌ شديدٌ: مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ، وهو هنالِك ليِّنٌ: مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ .
- وأيضًا مِن الفَرْقِ بينَ إدخالِ الفاءِ ونَزْعِها في سَوْفَ تَعْلَمُونَ: أنَّ إدخالَ الفاءِ وصْلٌ ظاهرٌ بحَرْفٍ موضوعٍ للوَصْلِ، ونَزْعَها وصْلٌ خفيٌّ تقديريٌّ بالاستِئْنافِ الَّذي هو جَوابٌ لسُؤالٍ مقدَّرٍ، فيَجعَلُه جوابًا عن سُؤالٍ مُقدَّرٍ، والتَّقديرُ: أنَّه لَمَّا قال: وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ، فكأنَّهم قالوا: فماذا يَكونُ إذا عَمِلنا نحنُ على مَكانتِنا وعَمِلتَ أنت؟ فقال: سَوْفَ تَعْلَمُونَ؛ فوصَل تارةً بالفاءِ وتارةً بالاستئنافِ؛ للتَّفنُّنِ في البلاغةِ، كما هو عادةُ البُلَغاءِ، وأقوى الوَصْلَين وأبلَغُهما الاستئنافُ، وهو بابٌ مِن أبوابِ عِلمِ البيانِ، تتَكاثَرُ مَحاسِنُه؛ فظهَر أنَّ حذْفَ حرْفِ الفاءِ هاهنا أكمَلُ في بابِ الفظاعةِ والتَّهويلِ .
- قولُه: مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ فيه وصْفُ العذابِ بالإخزاءِ؛ تَعْريضًا بما أَوعَدوا شُعيبًا عليه السَّلامُ به مِن الرَّجْمِ؛ فإنَّه مع كونِه عَذابًا فيه خِزْيٌ ظاهِرٌ، حيث لا يكون إلَّا بجنايةٍ عَظيمةٍ تُوجِبُه .
- قولُه: وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ: في زيادةِ مَعَكُمْ إظهارٌ مِنه عليه السَّلامُ لكَمالِ الوُثوقِ بأمرِه .
- ولفظةُ: رَقِيبٌ على وَزْنِ فَعيلٍ؛ للمُبالَغةِ .
4- قوله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ
- قولُه: وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا فيه مناسَبةٌ حسنةٌ، حيث ساق قصَّةَ عادٍ وقصَّةَ مَدْيَنَ بالواوِ، وساقَ الوُسْطَيَينِ (قِصَّتَيْ صالحٍ ولوطٍ) بالفاءِ؛ لأنَّ الوُسْطَيَين وقَعَتا بعد ذِكْرِ الوعدِ، وذلك قولُه: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ، وقولُه: ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ؛ فجيءَ بالفاءِ الَّذي هو للتَّسْبيبِ، كما تقولُ: وعَدتُه، فلمَّا جاء الميعادُ كان كَيْتَ وكَيْتَ، وأمَّا الأُخْرَيانِ فلَم تَقَعا بتِلك المثابةِ، وإنَّما وقَعَتا مُبتدَأَتَين؛ إذْ لم يَسبِقْه ذِكْرُ وعدٍ يَجْري مَجْرى السَّببِ له؛ فكان حقُّهما أن تُعطَفا بحرفِ الجمعِ على ما قَبْلَهما، كما تُعطَفُ قصَّةٌ على قصَّةٍ .
- قولُه: وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا فيه وضعُ الظَّاهرِ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَوضِعَ المضمَرِ- حيث لم يَقُلْ: (وأخَذَتْهم)-؛ تسجيلًا عليهم بالظُّلمِ، وإشعارًا بأنَّ ما أخَذَهم إنَّما أخَذَهم بسَببِ ظُلمِهمُ الَّذي فُصِّل فيما سبَق .
5- قولُه تعالى: كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ
- قولُه: أَلًا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ فيه العُدُولُ عن الإضمارِ إلى الإظهارِ؛ لِيَكونَ أدَلَّ على طُغْيانِهم الَّذي أدَّاهم إلى هذه المرتَبةِ، ولِيَكونَ أنْسَبَ بمَنْ شُبِّهَ هَلاكُهم بهَلاكِهم وهم ثَمودُ، وإنَّما شُبِّه هَلاكُهم بهَلاكِهم؛ لأنَّهما أُهلِكَتا بنَوعٍ من العذابِ، وهو الصَّيحةُ .
- قولُه: كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ فيه تَشبيهُ (البعد) الَّذي هو انقِراضُ مَدْينَ بانقراضِ ثَمودَ، ووَجهُ الشَّبَهِ التَّماثُلُ في سبَبِ عِقابِهم بالاستئصالِ، وهو عَذابُ الصَّيحةِ، ويجوزُ أن يكونَ المقصودُ من التَّشبيهِ الاستِطْرادَ بذَمِّ ثَمودَ؛ لأنَّهم كانوا أشَدَّ جُرأَةً في مُناوَأَةِ رُسلِ اللهِ تعالى، فلمَّا تَهيَّأ المقامُ لاختِتامِ الكلامِ في قَصصِ الأممِ البائدةِ؛ ناسَب أن يُعادَ ذِكرُ أشَدِّها كُفرًا وعِنادًا، فشُبِّه هُلْكُ مَدْينَ بهُلْكِهم .