موسوعة اللغة العربية

الفَرْعُ الثالثُ: علاماتُ الفِعْلِ


دُخولُ (قد، والسِّين وسوف، وتاءِ التأنيثِ السَّاكِنةِ، وتاءِ الفاعِلِ، ونونِ التوكيدِ، وياءِ المخاطَبةِ).
العلامةُ الأولى: (قد)، وتدخُلُ على الماضي والمضارِعِ.
معناها إذا دخلت على الماضي:
1- التحقيقُ، نَحوُ قَولِه تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون: 1] ، وقَولِه تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عنِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح: 18] ، وقَولِك: قدْ غاب محمَّدٌ أمْسِ.
2- التقريبُ، أي: تقريبُ الماضي من الحالِ؛ فإذا قُلتَ: نام زَيدٌ، فالمعنى أنَّك لم تَدْرِ هل نام منذُ وقتٍ طويلٍ أو قصيرٍ، فإذا قُلتَ: قدْ نام زَيدٌ، كان المعنى أنَّه نام منذ قليلٍ جدًّا أقرَبَ ما يكونُ إلى الوقتِ الحالي، ومِثلُ ذلك:  (قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)، أي: حان وقتُها في هذا الزَّمانِ يُنظَر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/ 92)، ((شرح الكافية لابن الحاجب)) لرضي الدين الإستراباذي (4/ 444). .
معناها إذا دخلت على المُضارعِ:
1- التقليلُ، نحو: (قَدْ يَصْدُقُ الكَذُوبُ)، وهي بمعنى: رُبَّمَا، فتقول: زيدٌ قد يُعطي؛ أي: يقلُّ ذلك منه.
2- التكثيرُ، مِثلُ قَولِ الشَّاعِرِ:
قَدْ يُدْرِكُ الْمُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ
وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْمُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ
فالمعنى: أنَّ المتأنِّي كثيرًا ما يدْرِكُ ما يريدُ، على العَكسِ من المتعجِّلِ؛ فإنَّ أكثَرَ أمرِه الخَطَأُ، كما قيل: «في التأنِّي السَّلامةُ، وفي العَجَلةِ النَّدامةُ».
3- التَّحقيقُ، فتُفيدُ التوكيدَ، كقَولِه تعالى: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ... [الأنعام: 33] ، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
وقد تُدرِكُ الإنسانَ رحْمةُ ربِّه
ولو كان تحْتَ الأرضِ سبْعينَ وادِيَا
4- صرْفُ المضارعِ إلى معنى الماضي، كقَولِه تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ [البقرة: 144] ، أي: قد رَأَيْنا، وقَولِه تعالى: قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ [النور: 64] ، أي: قدْ عَلِم القاعِدةُ: أنْ (قد) إذا دخَلَت على المضارعِ المسنَدِ إلى اللهِ تعالى فهي للتحقيقِ دائِمًا. يُنظَر: ((قواعد التفسير)) لخالد السبت (1/395). .
5- التَّوقُّعُ، تقولُ: قد يأتي زيدٌ، أي: قدْ يأتي وقدْ لا يأتي، لكِنَّك تَتوقَّعُ قُدومَه يُنظَر: ((اللباب في علل البناء والإعراب)) للعكبري (1/ 49) ، ((شرح التسهيل)) لابن مالك (1/ 29)، ((ارتشاف الضَّرَب من لسان العرب)) لأبي حيان الأندلسي (5/ 2364). .
العلامتانِ الثَّانيةُ والثالثةُ: السِّينُ وسَوف. ويختصَّانِ بالفِعْلِ المضارعِ المثْبَتِ.
معناهما: الاستِقبالُ، ويُسمَّيانِ (حَرْفَا تنفيسٍ)؛ لأنَّ كُلًّا منهما يخلِّصُ المضارعَ من الزَّمَنِ الضَّيِّقِ المحدودِ (زمن الحال) إلى الزَّمَنِ الواسِعِ غيرِ المحدودِ (المُستقبَل).
مِثالُ دُخولِ (السين) على المضارِعِ قَولُه تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف: 146] ، وقَولُه تعالى: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا [الفتح: 11] ، وتقولُ: سأذهَبُ الآنَ وأعودُ غَدًا.
مِثالُ دُخولِ (سوف) على المضارعِ قَولُه تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى: 5] ، وتقولُ: سَوف أُعيدُ زيارتَك قَريبًا.
ومعناهما واحِدٌ في الدَّلالةِ على الاستِقبالِ؛ قال تعالى: كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ [النبأ: 4، 5]، وفي موضِعٍ آخَرَ: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ [التكاثر: 3، 4]؛ فعُبِّرَ مرَّةً بالسِّينِ، ومرَّةً بـ(سَوْف)، وقيل: إنَّ السِّينَ تدُلُّ على المُستقبَلِ القريبِ، و(سوف) تدُلُّ على المُستقبَلِ البعيدِ.
العلامةُ الرَّابعةُ: تاءُ التأْنيثِ السَّاكنةُ. وتختَصُّ بالفِعْلِ الماضي؛ لتَدُلَّ على تأنيثِ الفاعِلِ أو نائِبِه، سواءٌ كان تأنيثًا حقيقيًّا أم مجازيًّا، كقَولِه تعالى: وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ [يوسف: 23]، وقَولِه تعالى: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ [الانشقاق: 1 - 5] .
وتقول: أشرقَتْ شمْسُ اليومِ، وجاءتْ فاطِمةُ، وجاءتْ وُفودُ النَّصرِ.
وتتحَرَّكُ التاءُ بالكَسرِ إذا كان ما بَعْدَها ساكنًا؛ لئلَّا يلتقيَ ساكنانِ، كقَولِه تعالى: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا [الزمر: 69] ، وتقولُ: انكسرتِ الزُّجاجةُ، واختَفَتِ الكواكِبُ.
العلامةُ الخامِسةُ: تاءُ الفاعِلِ، وتختَصُّ بالفِعْلِ الماضي.
وقد جاءت هذه التَّاءُ مع الفعلِ، ودلَّ اتِّصالُها بالكلمة على أنَّها فِعلٌ؛ لأنَّ الضَّميرَ المتَّصلَ المرفوعَ لا يكونُ إلَّا فاعلًا، والفاعلُ لا يَتَّصلُ بغيرِ الفعلِ ينظر: ((المرتجل)) لابن الخشاب (ص: 17، 18)، ((اللباب)) للعكبري (1/ 50). .
وهي على ثلاثةِ أوجُهٍ، تختَلِفُ باختِلافِ نَوعيَّةِ الفاعِلِ، وهي:
1- مضمومةٌ تدُلُّ على المتكلِّمِ المفرَدِ مذكَّرًا كان أو مؤنَّثًا.
مِثالُ المذكَّرِ قولُكَ: رأيتُ الشَّمسَ طالعةً.
(رَأَيْتُ) رأى: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاءِ الفاعِلِ، والتاءُ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبنيٌّ على الضَّمِّ في محلِّ رفعٍ فاعِلٌ.
ومثالُ المتكلِّمِ المؤنَّثِ قَولُه تعالى: قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل: 44] .
(ظلَمْتُ، أسلمْتُ): فِعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاءِ الفاعِلِ، والتاءُ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مبنيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ.
2- مفتوحةٌ للمُخاطَبِ المذكَّرِ المفرَدِ.
مِثْلُ قَولِه تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ [الشرح: 7] .
(فَرَغْتَ) فَرَغَ: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاءِ الفاعِلِ، والتاءُ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبنيٌّ على الفَتحِ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ.
3- مكسورةٌ للمُخاطَبةِ المؤنَّثةِ المُفرَدةِ.
نحوُ قَولِه تعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق: 30] .
(امْتَلَأْتِ) امتلأ: فِعلٌ ماضٍ مَبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاءِ الفاعِلِ، والتاءُ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مبنيٌّ على الكَسرِ في محَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ.
العلامةُ السَّادِسةُ: نونُ التوكيدِ. وتَلحَقُ المضارعَ والأمرَ، وتأتي مخفَّفةً ومُشدَّدةً.
مثالُ دُخولِها مُشَدَّدةً على المضارعِ قَولُه تعالى: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف: 23 - 24] .
(تقولَنَّ) تقولُ: فِعلٌ مضارع مبنيٌّ على الفتحِ لاتِّصالِه بنونِ التوكيدِ، والنونُ حرفُ توكيدٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ لا مَحلَّ له مِنَ الإعرابِ.
مِثالُ دُخولِها مُخفَّفةً على المضارعِ قَولُه تعالى: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ [العلق: 15] .
(لَنَسْفعًا): اللامُ لامُ القَسَمِ، نسْفَع: فِعلٌ مضارعٌ مَبنيٌّ على الفتحِ لاتِّصالِه بنونِ التوكيدِ، والنونُ حَرفُ توكيدٍ مَبنيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له مِنَ الإعرابِ، وقد رُسِمِ في القرآنِ ألِفًا هنا مراعاةً للوَقفِ؛ لأنَّه يُوقَفُ عليها بالألفِ، وتُكتَبُ في غيرِ القُرآنِ: لَنَسْفَعَنْ.
وتقولُ: لَآخُذَنْ بيَدِ الضَّعيفِ.
مِثالُ دُخولِها مُشدَّدةً على فِعلِ الأمرِ: (صاحِبَنَّ الصَّالحَ).
(صاحِبَنَّ) صاحِب: فِعلُ أمرٍ مَبنيٌّ على الفَتحِ لاتِّصالِه بنونِ التوكيدِ الثقيلةِ، والنونُ حَرفُ توكيدٍ مَبنيٌّ لا مَحلَّ له مِنَ الإعرابِ.
مثالُ دُخولها مُخفَّفةً على الأمرِ: قولُ عبدِ اللهِ بنِ رَواحةَ:
فأنْزِلَنْ سَكِينةً عَلْينا يُنظَر: ((صحيح البخاري)) (4106)، و((صحيح مسلم)) (1803).
(فأنْزِلَنْ) الفاءُ حَرفٌ لا مَحلَّ له مِنَ الإعرابِ، أنزِلْ: فِعلُ أمرٍ مَبنيٌّ على الفَتحِ لاتِّصالِه بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ، والنونُ حرفُ توكيدٍ مَبنيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له مِنَ الإعرابِ.
العلامةُ السَّابعةُ: ياءُ المخاطَبةِ.
وتختصُّ بالدُّخولِ على الفِعْلِ المضارعِ وفِعلِ الأمرِ؛ فمِثالُ دُخولِها على المضارعِ قَولُك: أنتِ تَأكُلين وتشْرَبينَ، ولن تَأكُلي، وأنتِ لم تَحْضُري. ومنه قَولُه تعالى: وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي [القصص: 7] .
(ولا تخافي) لا: حرفُ نهْيٍ وجزْمٍ، تخافي: فِعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بـ(لا) الناهيةِ، وعلامةُ الجَزمِ حذفُ النُّونِ؛ لأنَّه من الأفعالِ الخَمسةِ.
وتَدخُلُ كذلك على الأمرِ، كقولِك: ادْخُلي، نامي، اجتَهِدي، ومنه قَولُه تعالى: فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا [مريم: 26] .
(كُلِي) فِعلُ أمرٍ مَجْزومٌ بحذْف النُّونِ؛ لأنَّه من الأفعالِ الخَمسةِ. وكذلك إعرابُ (واشْرَبي)، (وقَرِّي).

انظر أيضا: