موسوعة التفسير

سورةُ الانشِقاقِ
الآيات (1-6)

ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ

غريب الكلمات:

وَأَذِنَتْ: أي: سَمِعَت وأطاعت؛ مِنَ الأَذَنِ، وهو الاستِماعُ للشَّيءِ، والإصغاءُ إليه [10] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (23/353)، ((المفردات)) للراغب (ص: 70)، ((تفسير ابن عطية)) (5/456)، ((تفسير الألوسي)) (15/287). .
وَحُقَّتْ: أي: وحُقَّ لها أن تُطيعَ رَبَّها؛ مِن قَولِهم: هو محقوقٌ بكذا وحقيقٌ به، وأصلُ (حقق): يدُلُّ على إحكامِ الشَّيءِ وصِحَّتِه [11] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 521)، ((تفسير ابن جرير)) (24/232)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/15)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 86)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 456)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 73). .
مُدَّتْ: أي: بُسِطَت باندِكاكِ جِبالِها وتَسويتِها، وأصلُ (مدد): يدُلُّ على اتِّصالِ شَيءٍ بشَيءٍ [12] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/232)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/269)، ((تفسير القرطبي)) (19/270)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 880). .
وَتَخَلَّتْ: أي: خلَتْ عمَّا كان فيها غايةَ الخُلُوِّ، ولم تَتمسَّكْ منه بشَيءٍ، حتَّى لم يَبْقَ في باطِنِها شيءٌ، وأصلُ (خلو): يدُلُّ على تَعَرِّي الشَّيءِ مِن الشَّيءِ [13] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/204)، ((الوسيط)) للواحدي (4/451)، ((تفسير ابن عطية)) (5/456)، ((تفسير الرازي)) (31/97). .
كَادِحٌ: أي: ساعٍ بعَمَلِك، والكادِحُ: العامِلُ بشِدَّةٍ وسُرعةٍ واجتهادٍ، والكَدْحُ: عَمَلُ الإنسانِ وجُهدُه في الأمرِ مِن الخَيرِ والشَّرِّ حتَّى يَكدَحَ ذلك فيه، أي: يُؤَثِّرَ، وأصلُ (كدح): يدُلُّ على تأثيرٍ في شيءٍ [14] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 521)، ((تفسير ابن جرير)) (24/235)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 393)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/167)، ((تفسير البغوي)) (8/374). .

المعنى الإجمالي:

افتَتَح اللهُ تعالى هذه السُّورةَ الكريمةَ بالإخبارِ عن أهوالِ القيامةِ، فقال تعالى: إذا تَشَقَّقت السَّماءُ يومَ القيامةِ وتصَدَّعَت، واستمَعَت لأمرِ رَبِّها وأطاعَتْه في تشَقُّقِها، وحُقَّ لها أن تستَمِعَ لأمْرِه وتُطيعَه، وإذا بُسِطَت الأرضُ فكانت واسِعةً مُسْتَوِيةً لا انخِفاضَ فيها ولا ارتِفاعَ، وألقَت ما في بَطْنِها مِن الأمواتِ إلى سَطْحِها، واستَمَعَت لأمرِ رَبِّها وأطاعَتْه، وحُقَّ لها ذلك- إذا حَدَث ذلك رأَيْتُم أعمالَكم مِن خيرٍ أو شَرٍّ.
ثمَّ قال تعالى موجِّهًا نداءَه إلى الإنسانِ: يا أيُّها الإنسانُ إنَّك عامِلٌ ومُجِدٌّ في عَمَلِك، وساعٍ إلى ربِّك بعَمَلِك لا محالةَ ولا مَفَرَّ، فتَلْقَاه بعَمَلِك ويُجازيك عليه.

تفسير الآيات:

إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1).
أي: إذا تَشَقَّقت السَّماءُ يومَ القيامةِ وتصَدَّعَت [15] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/230)، ((تفسير ابن كثير)) (8/355)، ((تفسير السعدي)) (ص: 917)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 109). قال البِقاعي: (ذلك بعدَ القيامِ مِن القُبورِ). ((نظم الدرر)) (21/335). .
كما قال تعالى: وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ [الحاقة: 16] .
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2).
أي: واستمَعَت لأمرِ رَبِّها وأطاعَتْه في تشَقُّقِها، وحُقَّ لها أن تستَمِعَ لأمْرِه وتُطيعَه؛ فهو رَبُّها الَّذي خلَقَها ويَملِكُها ويُدَبِّرُ أَمْرَها [16] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/230-232)، ((الوسيط)) للواحدي (4/451)، ((تفسير القرطبي)) (19/269)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/470)، ((تفسير ابن كثير)) (8/355، 356)، ((تفسير السعدي)) (ص: 917)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/219)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 109). قال ابنُ عطية: (يحتَمِلُ أن يريدَ: وحُقَّ لها أن تَنْشَقَّ؛ لشِدَّةِ الهَولِ وخَوفِ اللهِ تعالى). ((تفسير ابن عطية)) (5/456). وقال البِقاعي: (وَحُقَّتْ بالبناءِ للمَفعولِ، بمعنى: أنَّها مَجبولةٌ على أنَّ ذلك حَقٌّ عليها ثابِتٌ لها، فهي حقيقةٌ به؛ لأنَّها مَربوبةٌ له سُبحانَه، وكُلُّ مَربوبٍ فهو حقيقٌ بالانقيادِ لرَبِّه، وهي لم تَزَلْ مُطيعةً له في ابتدائِها وانتهائِها، لكِنْ هناك يكونُ الكَشْفُ التَّامُّ لجميعِ الأنامِ). ((نظم الدرر)) (21/336). .
وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بدأَ بالعالَمِ العُلويِّ؛ لِكَونِه أشرَفَ لأنَّه أعلى مكانةً ومَكانًا؛ ثَنَّى بالسُّفْليِّ [17] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/336). .
وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3).
أي: وإذا بُسِطَت الأرضُ يومَ القيامةِ ومُطَّتَ بعْدَ نَسْفِ جِبالِها، فتكونُ أرضًا واسِعةً مُسْتَوِيةً لا انخِفاضَ فيها ولا ارتِفاعَ ولا انثِناءَ، وتَسَعُ النَّاسَ جَميعًا على كَثْرَتِهم [18] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/232)، ((تفسير القرطبي)) (19/270)، ((تفسير ابن كثير)) (8/356)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/336)، ((تفسير السعدي)) (ص: 917)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/219، 220)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 110). قال ابن عاشور: (... ومِن معاني المدِّ أن يُزالَ تَكويرُها بتمَدُّدِ جِسْمِها حتَّى تصيرَ إلى الاستِطالةِ بعدَ التَّكويرِ). ((تفسير ابن عاشور)) (30/220). .
كما قال تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ [إبراهيم: 48] .
وقال سبحانه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا [طه: 105 - 107] .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يَجمَعُ اللهُ يومَ القيامةِ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ في صعيدٍ واحدٍ، فيُسمِعُهم الدَّاعي، ويَنفُذُهم البَصَرُ [19] أي: يُحيطُ بهم بَصَرُ النَّاظِرِ لا يَخفى عليه منهم شَيءٌ؛ لاستواءِ الأرضِ. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقَسْطَلَّاني (5/351). ) [20] رواه البخاريُّ (4712)، ومسلمٌ (194) واللَّفظُ له. .
وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4).
أي: وألقَتِ الأرضُ ما في بَطْنِها مِن الأمواتِ إلى سَطْحِها، فخلَتْ عمَّا كان فيها، ولم يَبْقَ فيها أحدٌ منهم [21] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/233)، ((تفسير ابن عطية)) (5/456)، ((تفسير ابن كثير)) (8/356)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 110). ومِمَّن ذهب إلى أنَّ المرادَ إلقاءُ الأرضِ ما في جَوفِها مِن الأمواتِ: ابنُ جرير، وابنُ عطيَّةَ ونسَبَه للجُمهورِ، وقال به ابنُ كثير، وابنُ عثيمين. يُنظر: المصادر السابقة. وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه، ومجاهدٌ، وسعيدٌ، وقَتادةُ في روايةٍ عنه. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/233)، ((تفسير ابن كثير)) (8/356)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (8/455). وقيل: إلقاءُ الأرضِ يَعُمُّ الأمواتَ والكُنوزَ. ومِمَّن ذهب إليه: الزَّجَّاجُ، والواحديُّ، والزمخشري، والسعدي. يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (5/303)، ((الوسيط)) للواحدي (4/451)، ((تفسير الزمخشري)) (4/726)، ((تفسير السعدي)) (ص: 917). وضَعَّفه ابنُ عَطيَّةَ؛ حيث قال: (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا: يريدُ الموتى. قاله الجمهورُ. وقال الزَّجَّاجُ: ومِن الكُنوزِ. وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّ ذلك يكونُ وقتَ خُروجِ الدَّجَّالِ، وإنَّما تُلقي يومَ القيامةِ الموتى). ((تفسير ابن عطية)) (5/456). وقال قَتادةُ في قولِه: وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ: أخرجَتْ أثقالَها وما فيها. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/233). وقال ابنُ عاشور: (قَولُه: وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا صالحٌ للحَمْلِ على ما يُناسِبُ هذه الاحتِمالاتِ في مَدِّ الأرضِ، ومحتَمِلٌ لأن تنقَذِفَ مِن باطِنِ الأرضِ أجزاءٌ أُخرى يكونُ لانقذافِها أثَرٌ في إتلافِ الموجوداتِ؛ مِثلُ البراكينِ، واندِفاعِ الصُّخورِ العَظيمةِ، وانفِجارِ العُيُونِ إلى ظاهِرِ الأرضِ، فيكونُ طُوفانٌ). ((تفسير ابن عاشور)) (30/220). .
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5).
أي: واستَمَعَت لأمرِ رَبِّها، وأطاعَتْه في إخراجِ ما في بَطْنِها من الأمواتِ، وحُقَّ لها أن تستَمِعَ لأمْرِه وتُطيعَه؛ فهو رَبُّها الَّذي خلَقَها ويَملِكُها ويُدَبِّرُ أَمْرَها [22] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/233، 234)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/470)، ((تفسير ابن كثير)) (8/355، 356)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/337). قيل: جوابُ إِذَا محذوفٌ، تقديرُه: إذا وقَعَت تلك الأمورُ قابَلَ الإنسانُ رَبَّه، أو: رأى ما عَمِلَه مِن خيرٍ أو شَرٍّ، أو رأى ثوابَه وعِقابَه. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/234-235)، ((الوسيط)) للواحدي (4/451)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/220). وقيل غيرُ ذلك. ويُنظر ما يأتي في بلاغة الآيات (ص: 518). .
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6).
أي: يا أيُّها الإنسانُ إنَّك عامِلٌ أعمالًا تجتَهِدُ فيها سواءٌ كانت خيرًا أو شرًّا، ثمَّ تَرجِعُ إلى رَبِّك فتَلْقَاه بعَمَلِك ويُجازيك عليه [23] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/235)، ((الوسيط)) للواحدي (4/452)، ((تفسير الزمخشري)) (4/726)، ((تفسير ابن عطية)) (5/456)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 288)، ((تفسير ابن كثير)) (8/356)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/339)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 111). قال ابنُ جُزَي: (الكَدْحُ في اللُّغةِ هو: الجِدُّ والاجتِهادُ والسُّرعةُ، فالمعنى: إنَّك في غايةِ الاجتِهادِ في السَّيرِ إلى رَبِّك؛ لأنَّ الزَّمانَ يطيرُ، وأنت في كلِّ لحظةٍ تَقطَعُ حَظًّا مِن عُمُرِك القَصيرِ، فكأنَّك سائِرٌ مُسرِعٌ إلى الموتِ، ثمَّ تلاقي ربَّك). ((تفسير ابن جزي)) (2/464). والخِطابُ هنا لجميعِ النَّاسِ لا لإنسانٍ بعَيْنِه. ومِمَّن ذكر ذلك: ابنُ عطيَّة، وابنُ القيِّم، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/456)، ((الروح)) لابن القيم (ص: 125، 126)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/221). وقولُه: فَمُلَاقِيهِ ممَّن اختار أنَّ الضَّميرَ يعودُ على قولِه: رَبِّكَ وأنَّ المعنى: «فمُلاقِي ربِّك»: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، والقرطبيُّ، وابن جُزَي، والسعديُّ، وابنُ عاشور، وابنُ عثيمين، ونسَبَه ابنُ عطيَّةَ لجمهورِ المتأوِّلينَ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/634)، ((تفسير ابن جرير)) (24/235)، ((تفسير القرطبي)) (19/271)، ((تفسير ابن جزي)) (2/464)، ((تفسير السعدي)) (ص: 917)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/220، 222)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 113)، ((تفسير ابن عطية)) (5/457). وممَّن اختار أنَّ الضَّميرَ يعودُ على العملِ، أي: فمُلاقٍ عمَلَك: الزَّجَّاجُ، ومكِّيٌّ، والواحدي، والنسفي، وجلال الدين المحلي. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/303)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/8154)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1186)، ((تفسير النسفي)) (3/619)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 799). ونحو هذا القولِ قولُ مَن قال: فَمُلَاقِيهِ أي: مُلاقي جزاءِ عمَلِك، خيرًا كان أو شرًّا. ومنهم: البغويُّ، والخازن، والعُلَيمي، والألوسي. يُنظر: ((تفسير البغوي)) (5/228)، ((تفسير الخازن)) (4/408)، ((تفسير العليمي)) (7/321)، ((تفسير الألوسي)) (15/288). قال ابنُ القَيِّم: (فَمُلَاقِيهِ إنْ عاد الضَّميرُ على العَمَلِ فهو رؤيتُه في الكتابِ مَسطورًا مُثبَتًا، وإن عاد على الرَّبِّ سُبحانَه وتعالى فهو لقاؤه الَّذي وَعَد به). ((حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح)) (ص: 288). وقال ابن كثير: (قوله: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ أي: ساعٍ إلى ربِّك سَعْيًا، وعامِلٌ عمَلًا فَمُلَاقِيهِ ثمَّ إنَّك ستَلْقى ما عَمِلْتَ مِن خَيرٍ أو شرٍّ... ومِن النَّاسِ مَن يُعيدُ الضَّميرَ على قولِه: رَبِّكَ أي: فمُلاقٍ ربَّك، ومعناه: فيُجازيك بعَمَلِك، ويُكافئك على سَعْيِك. وعلى هذا فكِلا القولَينِ مُتلازِمٌ). ((تفسير ابن كثير)) (8/356). .
كما قال تعالى: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية: 25-26] .
وقال سبحانه: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران: 30] .

الفوائد التربوية:

1- مِمَّا هو جَديرٌ بالتَّنبيهِ عليه أنَّه إذا كانت السَّماءُ مع عِظَمِ جِرْمِها، والأرضُ مع مِساحةِ أَصْلِها (أَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) مع أنَّها لم تتحَمَّلْ أمانةً، ولن تُسأَلَ عن واجِبٍ؛ فكيف بالإنسانِ على ضَعْفِه، وقد تحَمَّلَ أمانةَ التَّكليفِ؟! كما قال تعالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ [النازعات: 27] ، وكقولِه تعالى: وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ [الأحزاب: 72] ؛ فكان أحَقَّ بالسَّمعِ والطَّاعةِ في كَدْحِه إلى أن يَلْقى رَبَّه لِما يُرْضِيه [24] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/469). .
2- في قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ إثباتُ لقاءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ويؤخَذُ مِن ذلك: أنَّه يَجِبُ على الإنسانِ أنْ يَسْتَعِدَّ لِمُلاقاةِ اللهِ، وأنْ يَعْرِفَ كيف يُلاقي اللهَ: هل يُلاقيه على حالٍ مَرْضِيَّةٍ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، أو على العَكسِ؟ ففَتِّشْ نفْسَك، واعرِفْ ما أنت عليه [25] يُنظر: ((شرح الأربعين النووية)) لابن عثيمين (ص: 405). .
3- في قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ حَثٌّ على الاجتِهادِ في الإحسانِ في العَمَلِ؛ لأنَّ مَن أيقَنَ بأنَّه لا بُدَّ له مِن العَرْضِ على المَلِكِ أفرَغَ جُهْدَه في العَمَلِ بما يَحمَدُه عليه عندَ لِقائِه [26] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/339). .
4- في قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ أنَّ الإنسانَ لا بُدَّ أنْ يكونَ دائمًا في عملٍ، يجتازُ مِن عَمَلٍ إلى عَمَلٍ، ليس في حياتِه عُطْلةٌ إطلاقًا؛ فالإنسانُ دَؤوبٌ كادِحٌ إلى أنْ يَلقى اللهَ عزَّ وجلَّ، فقد أَتَتِ «الفاءُ» بعدَ قولِه: إِنَّكَ كَادِحٌ إشارةً إلى أنَّ هذا الكَدْحَ سوف يَسْتَمِرُّ إلى مُلاقاةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وذلك بحُلولِ الأَجَلِ [27] يُنظر: ((اللقاء الشهري)) لابن عثيمين (اللقاء رقْم: 36). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُه تعالى: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ استُدِلَّ به على أنَّ الأرضَ كُرَويَّةٌ؛ لأنَّ هذا إنَّما يكونُ يومَ القيامةِ، وهو يدُلُّ على أنَّها قبْلَ ذلك ليست ممدودةً، بل هي كُرَويَّةٌ، وهذا لا يعارِضُ قولَه تعالى: أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية: 17 - 20] ؛ لأنَّ سَطْحَها هو باعتبارِ المشاهَدةِ، فأنت الآنَ إذا وقفتَ على الأرضِ تَجِدُها مُستَوِيةً إلى مَدِّ البَصَرِ [28] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة ص)) (ص: 159). .
2- في قَولِه -تعالى- عن السَّماءِ والأرضِ: وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ أنَّ الكونَ كُلَّه مُطِيعٌ مُنقادٌ لأوامِرِ اللهِ [29] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/468). ؛ فتأمَّلْ أيُّها الآدَمِيُّ البَشَرُ الضَّعيفُ كيف كانت هذه المخلوقاتُ العَظيمةُ تَسمَعُ وتُطيعُ لله عزَّ وجَلَّ هذه الطَّاعةَ العظيمةَ في ابتداءِ الخَلْقِ، وفي انتهاءِ الخَلْقِ! في ابتداءِ الخَلْقِ قال: اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت: 11] ، وفي انتهاءِ الخَلْقِ: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ حُقَّ لها أن تأذَنَ: تَسمَعَ وتُطيعَ [30] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 110). .
3- في قَولِه تعالى: وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ أنَّها بعدَ أن كانت لهم كِفاتًا أحياءً وأمواتًا، وبعدَ أن كانت لهم مِهادًا، لَفَظَتْهم وتخَلَّت عنهم، وهذا ما يَزيدُ في رَهبةِ الموقِفِ وشِدَّتِه والتَّضييقِ على العِبادِ؛ وأنْ لَا مَلْجَأَ لهم ولا مَنجَى إلَّا إلى اللهِ، كما قال تعالى: كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ [31] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/468). [القيامة: 11-12] .
4- في قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ أنَّ الخَلْقَ كلَّهم مَصيرُهم ومَرْجِعُهم إلى اللهِ على أيِّ طريقٍ سَلَكوا [32] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/213). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ
- (إذا) ظَرفٌ للزَّمانِ المُستَقبَلِ، والفِعلُ الَّذي في الجُملةِ المُضافةِ إليه (إذا) مُؤوَّلٌ بالمُستقبَلِ، وصِيغَ بالمُضِيِّ؛ للتَّنبيهِ على تَحقُّقِ وُقوعِه؛ لأنَّ أصلَ (إذا) القَطعُ بوُقوعِ الشَّرطِ [33] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/218). .
- وقُدِّمَ المُسنَدُ إليه -السَّمَاءُ والْأَرْضُ- على المُسنَدِ الفِعليِّ -انْشَقَّتْ ومُدَّتْ- دُون أنْ يُقالَ: (إذا انشَقَّتِ السَّماءُ)، (وإذا مُدَّتِ الأرضُ)؛ لإفادةِ تَقَوِّي الحُكمِ، وهو التَّعليقُ الشَّرْطيُّ، أي: أنَّ هذا الشَّرطَ مُحقَّقُ الوُقوعِ، زِيادةً على ما يَقتَضيه (إذا) في الشَّرطيَّةِ مِن قَصدِ الجَزمِ بحُصولِ الشَّرطِ، بخِلافِ (إِنْ) [34] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/218، 219). .
- قولُه: وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ التَّعرُّضُ لعُنوانِ الرُّبوبيَّةِ مع الإضافةِ إليها؛ للإشْعارِ بعِلَّةِ الحُكمِ؛ فالتَّعبيرُ بـ (رَبِّهَا) دُون غَيرِ ذلك مِن أسْماءِ اللهِ وطُرُقِ تَعريفِه؛ لِما يُؤذِنُ به وَصْفُ الرَّبِّ مِن المُلْكِ والتَّدْبيرِ [35] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/131)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/219). .
- قولُه: وَحُقَّتْ، أي: جُعِلَتْ حَقيقةً بالاستِماعِ والانقِيادِ، لكنْ لا بَعْدَ أنْ لم تَكُن كذلك، بلْ في نفْسِها وحَدِّ ذاتِها، مِن قَولِهم: هو مَحقوقٌ بكذا وحَقيقٌ به، والمَعْنى: انقادَتْ لرَبِّها، وهي حَقيقةٌ بذلك، لكنْ لا على أنَّ المُرادَ خُصوصيَّةُ ذاتِها مِن بيْنِ سائرِ المَقدوراتِ، بل خُصوصيَّةُ القُدرةِ القاهِرةِ الرَّبَّانيَّةِ الَّتي يَتأتَّى لها كُلُّ مَقدورٍ، ولا يَتخَلَّفُ عنها أمرٌ مِن الأُمورِ؛ فحَقُّ الجُملةِ أنْ تَكونَ اعتِراضًا مُقرِّرًا لِما قبْلَها، لا مَعطوفةً عليه [36] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/297)، ((تفسير أبي السعود)) (9/131)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/219)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/422). .
- ومُتعلَّقُ (حُقَّتْ) مَحذوفٌ دَلَّ عليْه فِعلُ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا، أي: وحُقَّتْ بذلك الانقِيادِ والتأثُّرِ، يُقالُ: حُقَّ فُلانٌ بكذا، أي: تَوجَّهَ عليْه حَقٌّ [37] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/219). .
- قولُه: وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ذكَرَه مَرَّتَينِ؛ لأنَّ الأوَّلَ مُتَّصلٌ بالسَّماءِ، والثَّانيَ بالأرضِ، وإذا اتَّصَلَ بغيرِ ما اتَّصَلَ به الآخَرُ لا يكونُ تَكرارًا [38] يُنظر: ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 247)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 604). .
- قولُه: وَتَخَلَّتْ، أي: أَخرَجَتْ ما في باطِنِها، فلمْ يَبقَ منه شَيءٌ؛ لأنَّ فِعلَ (تَخلَّى) يدُلُّ على قُوَّةِ الخُلُوِّ عن شَيءٍ؛ لِما في مادَّة (التَّفَعُّلِ) مِن الدَّلالةِ على تَكلُّفِ الفِعلِ، كما يُقالُ: تَكرَّمَ فُلانٌ، إذا بالَغَ في الإكْرامِ، والمَعْنى: إنَّه لم يَبقَ ممَّا في باطِنِ الأرضِ شيءٌ [39] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/627)، ((تفسير البيضاوي)) (5/297)، ((تفسير أبي حيان)) (10/436)، ((تفسير أبي السعود)) (9/131)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/220). .
- وتَكريرُ (إذا) في الآيتَينِ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ؛ لاستِقلالِ كُلٍّ مِن الجُملتَينِ بنَوعٍ مِن القُدرةِ [40] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/297). .
- وجَوابُ (إِذَا) قيل: هو قولُه: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا إلخ، وقولُه تعالَى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ اعتِراضٌ. وقيلَ: جَوابُ (إِذَا) مَحذوفٌ؛ للتَّهويلِ، والإيماءِ إلى قُصورِ العِبارةِ عن بَيانِه، أو للتَّعويلِ على ما مَرَّ في سُورةِ (التَّكويرِ) و(الانفِطارِ). وقيلَ: هو ما دَلَّ عليه قولُه تعالَى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ، تَقديرُه: لاقَى الإنسانُ كَدْحَه، وذلك على قولٍ. وقيلَ: هو قولُه تعالَى: فَمُلَاقِيهِ، وما قبْلَه اعتِراضٌ. وقيلَ: هو يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ ... إلخ، بإضْمارِ القولِ، أي: يُقالُ: يا أيُّها الإِنسانُ [41] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/725)، ((تفسير البيضاوي)) (5/297)، ((تفسير أبي حيان)) (10/436)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 603)، ((تفسير أبي السعود)) (9/132)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/422). ، أو يكونُ قولُه: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ ... جَوابَ (إِذَا) باعتِبارِ ما فُرِّعَ عليه مِن قولِه: فَمُلَاقِيهِ؛ فالمَعنى: إذا السَّماءُ انشَقَّتْ، وإذا الأرضُ مُدَّتْ؛ لاقَيتَ رَبَّك -أيُّها الإنسانُ- بعْدَ كَدْحِك لمُلاقاتِه؛ فكان قولُه: إِنَّكَ كَادِحٌ إدْماجًا [42] الإدماجُ: أنْ يُدمِجَ المتكلِّمُ غرضًا في غَرضٍ، أو بديعًا في بديعٍ بحَيثُ لا يَظهرُ في الكلامِ إلَّا أحدُ الغرَضينِ أو أحدُ البَديعينِ؛ فهو مِن أفانينِ البَلاغةِ، ويكونُ مرادُ البليغِ غَرَضينِ فيَقرِنُ الغرضَ المَسوقَ له الكلامُ بالغرضِ الثَّاني، وفيه تَظهرُ مَقدرةُ البليغِ؛ إذ يأتي بذلك الاقترانِ بدونِ خروجٍ عن غَرَضِه المسوقِ له الكلامُ ولا تَكلُّفٍ، بمعنى: أن يَجعلَ المتكلِّمُ الكلامَ الَّذي سِيق لِمعنًى -مِن مَدحٍ أو غيرِه- مُتضمِّنًا معنًى آخَرَ، كقولِه تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ [القصص: 70] ؛ فهذا مِن إدماجِ غرَضٍ في غَرَضٍ؛ فإنَّ الغرَضَ منها تَفرُّدُه تعالى بوصْفِ الحمدِ، وأُدمِجَ فيه الإشارةُ إلى البعثِ والجزاءِ، وقيل: أُدمِجتِ المبالَغةُ في المطابَقةِ؛ لأنَّ انفِرادَه بالحمدِ في الآخِرَةِ -وهي الوقتُ الَّذي لا يُحمَدُ فيه سِواه- مبالَغةٌ في الوَصفِ بالانفِرادِ بالحَمْدِ. يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/298)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 344)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/339)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (2/427). بمَنزِلةِ الاعتِراضِ أمامَ المَقصودِ. وجُوِّزَ أن يَكونَ جَوابُ (إذا) مَحذوفًا دَلَّ عليْه قولُه: فَمُلَاقِيهِ، والتَّقديرُ: إذا السَّماءُ انشَقَّتْ... إلى آخِرِه، لاقَيتَ أيُّها الإنسانُ رَبَّك [43] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/220). .
2- قولُه تعالَى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ
- الخِطابُ لجَميعِ النَّاسِ؛ فاللَّامُ في قولِه: الْإِنْسَانُ لتَعريفِ الجِنسِ، وهو للاستِغراقِ، كما دَلَّ عليه التَّفصيلُ في قولِه: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [الانشقاق: 7] إلى قولِه: كَانَ بِهِ بَصِيرًا [الانشقاق: 15] ، والمَقصودُ الأوَّلُ مِن هذا وَعيدُ المُشرِكين؛ لأنَّهم الَّذين كَذَّبوا بالبَعثِ، فالخِطابُ بالنِّسبةِ إليهم زِيادةٌ للإنذارِ، وهو بالنِّسبةِ إلى المُؤمِنينَ تَذكيرٌ وتَبشيرٌ [44] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/221). .
- وتَعليقُ مَجرورِ كَدْحًا في هذه الآيةِ بحرْفِ (إِلَى) يُؤذِنُ بأنَّ المُرادَ به: عمَلٌ يَنتَهي إلى لِقاءِ اللهِ، فيَجوزُ أنْ يُضَمَّنَ (كَادِحٌ) مَعنى: ساعٍ؛ لأنَّ كَدْحَ النَّاسِ في الحَياةِ يَتَطلَّبون بعَملِ اليَومِ عَملًا لغَدٍ، وهكذا [45] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/221). .
- وكَدْحًا مَنصوبٌ على المَفعولِيَّةِ المُطْلقةِ؛ لتَأكيدِ (كَادِحٌ) المُضمَّنِ مَعنى: ساعٍ إلى رَبِّك، أي: ساعٍ إليه لا مَحالةَ، ولا مَفرَّ [46] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/221). .
- وضَميرُ النَّصبِ في (مُلَاقِيهِ) عائِدٌ إلى الرَّبِّ، أي: فمُلاقٍ رَبَّك، أي: لا مَفرَّ لك مِن لِقاءِ اللهِ؛ ولذلك أُكِّدَ الخَبَرُ بـ (إنَّ) [47] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/222). .