موسوعة التفسير

سُورَةُ آل عِمْرانَ
الآيتان: (29- 30)

ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ

غريبُ الكَلِماتِ:

رَؤُوفٌ: شديدُ الرَّحمة، وأصل (رَأَف): الرِّقَّة والرَّحمة .

المَعنَى الإجماليُّ:

يأمُرُ اللهُ تعالَى رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يقول تحذيرًا للمؤمنين مِن اتِّخاذِ الكافرين أولياءَ: إنَّكم لو أخفيتُم ما في صُدورِكم, وسترتُم ما في ضَمائرِكم من خيرٍ أو شرٍّ أو عداوة أو ولاية, أو أبديتُم ذلك بأقوالِكم أو أفعالِكم، فإنَّ الله يعلمُه, فيُجازيكم على جميعِ ذلك؛ إنْ خيرًا فخيرٌ, أو شرًّا فشرٌّ؛ فهو الَّذي أحاط علمُه بما في السَّموات وما في الأرض, فلا يَخفَى عليه شيءٌ ولا يَغيبُ عنه, وهو ذو القُدرةِ النَّافذةِ على كلِّ شيءٍ, فلا يُعجِزه شيءٌ في السَّمواتِ ولا في الأرض.
ثمَّ ذكَر موعدَ هذه المجازاة، وهو يومُ القيامةِ, يومَ تجِدُ كلُّ نفسٍ ما عمِلَتْه من الخيرِ والإحسانِ قليلِه وكثيرِه حاضرًا بتمامِه من غيرِ نقصٍ, موفَّرًا من غيرِ تغييرٍ ولا تبديل, أمَّا ما عمِلَتْه من سوءٍ وشرٍّ، فإنَّها تَتمنَّى لو أنَّ بينهما مسافةً بعيدة, ثمَّ يؤكِّد اللهُ تهديدَه ووعيدَه بتحذيرِ عبادِه مِن نفْسِه, وتخويفِهم من عِقابه, ومُبيِّنًّا أنَّه إنَّما حَذَّرهم لشدَّة رحمتِه بهم, ورأفتِه عليهم.

تفسير الآيتين:

قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا نهى اللهُ تعالى المؤمنين عن اتِّخاذ الكافِرين أولياءَ ظاهرًا وباطنًا، واستَثْنى منه التَّقيَّةَ في الظَّاهر، أتْبَع ذلك بالوعيدِ على أنْ يَصيرَ الباطنُ موافقًا للظَّاهر في وقت التَّقيَّة؛ وذلك لأنَّ مَن أَقْدَم عند التَّقيَّةِ على إظهارِ الموالاة، فقد يصيرُ إقدامُه على ذلك الفعلِ بحسَب الظَّاهر سببًا لحصولِ تلك الموالاةِ في الباطن؛ فلا جَرَم بَيَّن تعالى أنَّه عالمٌ بالبواطن كعِلْمِه بالظَّواهر، فيعلم العبدُ أنَّه لا بدَّ أنْ يجازيَه على كلِّ ما عزَم عليه في قلبه ؛ لذا قال:
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ
 أي: قلْ- يا محمَّدُ-: إنْ تُخفوا ما في قلوبِكم وضمائرِكم- من الخيرِ أو الشَّرِّ، أو الولايةِ أو العَداوةِ وغير ذلك- أو تُظهروه، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَعلمُه ويُجازيكم عليه .
 وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
 أي: وقُلْ لهم أيضًا: إنَّ الله يَعلمُ جميعَ ما في السَّموات وجميعَ ما في الأرض، لا يغيبُ عنه شيءٌ .
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
 أي: واللهُ قادرٌ على كلِّ شيء؛ فقُدرتُه نافذة، ولا يُعجِزه شيءٌ في الأرض ولا في السَّماء، ولكمالِ عِلمه وكمالِ قُدرته إذا أراد معاجلةَ أحدٍ بعقوبة، فلن يُفلِتَ من عِقابه، فاحذَروا .
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا أخبَر الله تعالى عن عِلمه وقُدرته، وفي ضِمنه الإخبارُ بما هو لازمُ ذلك من المجازاةِ على الأعمال، أخبَر عن مَحلِّ ذلك، وهو يومُ القيامة، الَّذي تُوفَّى فيه كلُّ نُفْسٍ ما كسبتْ ؛ فلهذا قال:
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا
يومَ تجِد كلُّ نفْسٍ الَّذي عمِلَتْه من خيرٍ- سواء كان قليلًا أو كثيرًا- قد أُحضِر كاملًا موفَّرًا .
كما قال الله تعالى: وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا [الكهف: 49] .
وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا
 أي: والَّذي عمِلَتْه كلُّ نفْس من سوء- قلَّ أو كثُر- تُحبُّ وتتمنَّى لو أنَّ بينها وبينه مسافةً بعيدةً، أو زمانًا طويلًا متأخِّرًا .
ثمَّ قال تعالى مؤكِّدًا ومهدِّدًا ومتوعِّدًا:
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ
 أي: ويُخوِّفُكم الله مِن نفْسِه .
وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ
 أي: واللهُ رحيمٌ بخَلْقه أشدَّ الرَّحمةِ وأرقَّها؛ لذا حذَّرهم .

الفوائد التربوية :

1- في قوله: يَعْلَمْهُ اللَّهُ إرشادٌ إلى تطهيرِ القلوب، واستحضارِ عِلمِ الله كلَّ وقت، فيستحي العبدُ من ربِّه أنْ يرى قلبَه محلًّا لكلِّ فِكرٍ رديءٍ، بل يَشغَلُ أفكارَه فيما يُقرِّبُ إلى الله .
2- يُؤخَذُ من قوله تعالى: قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ، أنَّه متى آمَن الإنسانُ بصِفة العِلمِ أوْجَب له ذلك أمرين:
- الأوَّل: الهروبُ مِن معصيةِ الله، فلا يَجِده اللهُ عزَّ وجلَّ حيث نهاه.
- الثَّاني: الرَّغبةُ في طاعةِ الله، فلا يَفقِده حيثُ أمَرَه؛ لأنَّه يؤمنُ بأنَّ الله تعالى يَعلَمُه .
3- ختَم الله الآية بقوله: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ إشارةً إلى أنَّه قد وسِع كلَّ شيءٍ علمًا وقُدرةً، وأنَّه قادرٌ على الانتقامِ منكم فيما إذا أخفيتُم ما لا يَرضاه، ولكنَّه لحِكمته قد يُؤخِّرُ الانتقام .
4- في قوله: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إرشادٌ للإنسانِ إلى أنْ يَتعلَّق بربِّه؛ لأنَّه متى علِم أنَّ اللهَ على كلِّ شيء قديرٌ، فإنَّه لن يمنَعَه مانعٌ من أنْ يلتجئَ إليه سبحانه وتعالى بسؤال ما يُريد .
5- التَّحذيرُ والتَّذكيرُ لهذا اليومِ العظيمِ الَّذي يجِد فيه الإنسانُ ما عمِل من خيرٍ أو سوء , وذلك من قوله: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا...
6- في قوله تبارَك وتعالَى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا... كمالُ قُدرة الله عزَّ وجلَّ بإحضارِ ما عمِلَه الإنسانُ من قليلٍ وكثير؛ لقوله: مَا وهي موصولة تُفيد العُمومَ .
7- في قوله: وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ... تنبيهٌ للعبد؛ ليحذَرَ من أعمال السُّوءِ الَّتي لا بدَّ أنْ يحزَنَ عليها أشدَّ الحزن .
8- في قوله: تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا بيانٌ لكراهةِ المسيءِ لِمَا عمِله في ذلك اليوم، وأنَّه يحبُّ أنْ يكونَ بينه وبينه كما بين المشرقِ والمغرب .
9- ترْكُ كلِّ شهوة ولذَّة- وإنْ عسُر تركُها على النَّفس في هذه الدَّار- أيسرُ مِن معاناةِ تلك الشَّدائدِ، واحتمالِ تلك الفضائِح .
10- أعاد تعالى التَّحذيرَ من نفْسه؛ رأفةً بالعبادِ ورحمةً؛ لئلَّا يطُولَ عليهم الأمدُ فتقسوَ قلوبُهم، وليجمعَ لهم بين التَّرغيب الموجِب للرَّجاء والعملِ الصالح، والتَّرهيبِ الموجِبِ للخوف وترْكِ الذُّنوب .
11- لَمَّا قال: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وهو للوعيدِ أتْبعه بقوله: وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ وهو للوعدِ؛ ليعلَمَ العبدُ أنَّ وعْدَه ورحمتَه، غالبٌ على وعيدِه وسخَطه .
12- أنَّه يَنبغي للإنسان أنْ يعرفَ قدْرَ نفْسِه بالنِّسبة إلى ربِّه, وأنَّه عبدٌ، والعبد يجبُ أنْ يكونَ منقادًا لأمر الربِّ، وأنْ يكونَ ذليلًا له شرعًا، كما أنَّه ذليل له قدَرًا .

الفَوائدُ العِلميَّةُ واللَّطائِف :

1- المرادُ بالصُّدور في قوله: مَا فِي صُدُورِكُمْ البواطنُ والضَّمائر، وهو جريٌ على معروف اللُّغة من إضافة الخواطر النَّفسيَّة إلى الصَّدر والقلب؛ لأنَّ الانفعالاتِ النَّفسانيَّةَ وتردُّدات التَّفكُّر- كلُّها يشعُرُ لها بحركاتٍ في الصُّدور .
2- لَمَّا كان الخِطابُ للمؤمنين سَمَّى الموعظة تحذيرًا في قوله: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ؛ لأنَّ المحذَّر لا يكونُ متلبسًا بالوقوع في الخطرِ؛ فإنَّ التَّحذير تبعيدٌ من الوقوع, وليس انتشالًا بعد الوقوع .
3- ختَم اللهُ الآية بقوله: وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ مع أنَّ المقامَ مقامُ تحذيرٍ, والتَّحذيرُ يَقتضي الوعيد؛ وذلك لأنَّ إخبارَ الإنسان بحقيقة الحال من الرَّأفة به, ومن رأفته عزَّ وجلَّ بالعباد أنْ حذَّرهم نفسَه، وأخبرَهم بأنَّ الأمر عظيمٌ .
4- التَّعريفُ في العباد في قوله: رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ للاستغراق؛ لأنَّ رأفةَ الله شاملةٌ لكلِّ النَّاس، مسلمِهم وكافرِهم، ولك أنْ تجعل (أل) عوضًا عن المضافِ إليه، أي: بعِبادِه، فيكون بِشارةً للمؤمنين .

بلاغة الآيتين:

1- في قوله تعالى: إنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ: عبَّر بالصُدور، ولم يقُل: (ما في قلوبكم)؛ لأنَّ القلبَ في الصَّدر، فجازَ إقامةُ الصَّدرِ مقام القلْب، وفي هذا تفنُّن في اختلافِ التعبيرِ، بناءً على أنَّ المرادَ بالجميعِ واحد .
2- قوله عزَّ وجلَّ: قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ:
- هذا مِن باب ذِكْر العامِّ بعد الخاصِّ، وهو مَا فِي صُدُورِكُمْ؛ تأكيدًا له وتقريرًا .
- وقدَّم هنا الإخفاءَ على الإبداءِ، وجَعَل محلَّهما الصُّدور، وجعَل جوابَ الشرط العِلم، بخِلافِ ما في البقرة في قوله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة: 284] ؛ فإنَّه قدَّم فيها الإبداءَ على الإخفاءِ، وجعَل مَحلَّهما النَّفس، وجَعَل جواب الشَّرْط المحاسَبة، وكلُّ ذلك تفنُّنٌ في البلاغةِ، وتنوُّعٌ في الفصاحة ، مع ما فيه من المناسبةِ الحَسنةِ لكلِّ سِياقٍ.
- وقوله: وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ: هو خبرٌ مقصودٌ به غايةُ التَّحذير؛ لأنَّه إذا كان لا يَخفى عليه شيءٌ فيهما؛ فكيف يخفَى عليه الضَّمير ؟!
- وجملة: وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ معطوفةٌ على جملةِ الشَّرط؛ فهي معمولةٌ لفعل قُلْ، وليستْ معطوفةً على جوابِ الشَّرْط؛ لأنَّ عِلمَ الله بما في السَّموات وما في الأرض ثابتٌ مطلَقًا، غيرُ مُعلَّق على إخفاءِ ما في نُفوسِهم وإبدائِه .
3- قوله تعالى: واللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إتمامٌ للتحذير؛ وذلك لأنَّ العالِم بكلِّ المعلوماتِ عالمٌ بما في القلب، وعالمٌ بمقاديرِ استحقاقِه من الثَّوابِ والعقابِ، ثم لَمَّا بيَّن أنَّه قادرٌ على جميعِ المقدورات، فكان لا مَحالةَ قادرًا على إيصالِ حقِّ كلِّ أحد إليه؛ فيكون في هذا تمامُ الوعدِ والوعيدِ، والترغيبِ والترهيبِ .
- وإظهارُ الاسمِ الجليلِ (الله) في موضِعِ الإضمار؛ حيث لم يقُلْ: (وهو على كلِّ شيء قديرٌ)؛ لتربية المهابةِ، وللتَّهويل ، ولتكونَ الجملةُ مستقلَّةً، فتجري مجرَى المَثَل .
4- يَعْلَمْهُ اللهُ، واللهُ عَلَى... فيها تَكرارٌ للفظ الجلالةِ، وإظهارُه في موضعِ الإضمارِ حيثُ لم يقُل: (وهو على..)؛ لإدخال المهابةِ أيضًا .
5- قوله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا...
- فيه تقديمُ الظَّرف يَوْمَ على عاملِه تَوَدُّ؛ لأنَّ اسمَ الزَّمان هنا هو الأهمُّ في الغرَض المسوقِ له الكلامُ، وهو ظرفٌ لشيءٍ من علائقِه، فجِيءَ به منصوبًا على الظرفيَّة، وجُعِل معنى بعضِ ما يَحصُل منه مَصُوغًا في صِيغة فِعلٍ عاملٍ في ذلِك الظَّرْف .
- وهذه الآيةُ من بابِ التَّرغيبِ والتَّرهيبِ، ومن تمامِ الكلامِ الذي تَقدَّم، وخُصَّ هذا اليومُ بالذِّكر، وإنْ كان غيرُه من الأيَّام بمنزلتِه في قُدرةِ اللهِ تعالى؛ تَفضيلًا له لعِظَمِ شأنِه .
- قوله تعالى: مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا: عبر بقوله: مُحْضَرًا لأنَّ فيه من التهويلِ ما ليس في حاضرًا .
6- قوله عزَّ وجلَّ: مَا عَمِلَتْ، وَمَا عَمِلَتْ: فيه تكرار ؛ للتأكيد.
7- قوله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ:
قوله: وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ تقدَّم في آية (28) وأعادَه هنا؛ لإفادةِ ما يُفيدُه قوله عزَّ وجلَّ: واللهُ رَؤُوفٌ بِالعِبَادِ مِن أنَّ تحذيرَه تعالى من رأفتِه بهم ورحمتِه الواسعةِ، أو أنَّ رأفتَه بهم لا تَمنعُ تحقيقَ ما حذَّرهموه من عِقابِه، وأنَّ تحذيرَه ليس مبنيًّا على تناسي صِفةِ الرَّأفة، بل هو مُتحقِّقٌ مع تحقُّقها أيضًا ، فقوله: وَيُحَذِّرُكُم اللهُ نَفْسَهُ في الموضعين يَتعلَّق بما ذُكِر قَبلَه؛ فلا تَكرارَ حِينئذٍ؛ فالأوَّل تحذيرٌ من موالاةِ الكافرين، والثاني تحذيرٌ من أن يَجِدوا يومَ القيامة ما عمِلوا من سوءٍ محضرًا؛ لأنَّه ذكَره بعدَ أنْ ذكَر الجزاءَ الَّذي يكونُ يومَ القِيامةِ .
- وتكريرُ الاسمِ الجليلِ الله؛ لتربيةِ المهابةِ .
8- قوله عزَّ وجلَّ: وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالعِبَادِ هذه الجملة وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالعِبَادِ أبلغُ في الوصْف من جملة التخويف وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ؛ لأنَّ جملةَ التخويفِ جُعِلَ فيها التحذيرُ مِن نفْسِ اللهِ، أي: ذاته؛ ليكون أعمَّ في الأحوالِ؛ لأنَّه لو قيل: يُحذِّركم الله غضَبَه لتُوهِّم أنَّ للهِ رِضًا لا يضرُّ معه تَعمُّدُ مخالفةِ أوامرِه، ولم يَتكرَّر فيها اسمُ الله، وجاءَ المحذَّر مَخصوصًا بالمخاطَب فقط، وهذه الجملةُ جاءتْ اسميَّةً، فتكرَّر فيها اسمُ الله؛ إذِ الوصفُ رَؤوفٌ محتمِلٌ ضميرَه تعالى (هو)، وجاءَ المحكومُ به رَؤوفُ على وزنِ (فَعُول) المقتضِي للمبالغةِ والتكثير، وجاءَ بأخصِّ ألفاظِ الرحَّمة، وهو رَؤُوف، وجاءَ متعلِّقُه عامًّا؛ ليشملَ المخاطَبَ وغيرَه، وبلفظ العِبَاد؛ ليدلَّ على الإحسانِ التامِّ؛ لأنَّ المالك محسِنٌ لعبدِه، وناظرٌ له أحسنَ نظَر؛ إذ هو ملكُه .