موسوعة التفسير

سُورةُ الفَتْحِ
الآيات (11-14)

ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ

غَريبُ الكَلِماتِ:

بُورًا: أي: هَلْكى، وأصلُ (بور): يدُلُّ على هَلاكِ الشَّيءِ وتَعَطُّلِه وخُلُوِّه [165] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 311)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 129)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/316)، ((المفردات)) للراغب (ص: 153). .
سَعِيرًا: أي: نارًا شَديدةَ التَّلَهُّبِ والاتِّقادِ، وأصلُ (سعر): يدُلُّ على اشتِعالِ الشَّيءِ واتِّقادِه [166] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 259)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3 /75)، ((المفردات)) للراغب (ص: 411)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 163)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 521). .

المعنى الإجماليُّ:

يخبِرُ اللهُ تعالى نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم بما يَعتذِرُ به المتخلِّفونَ الَّذينَ لم يَخرُجوا معَه عامَ الحُدَيبيَةِ، فيقولُ سبحانَه: سيَقولُ لك -يا مُحمَّدُ- أهلُ البَوادي السَّاكِنونَ حوْلَ المدينةِ، الَّذين خَلَّفهم اللهُ عن الخُروجِ معك عامَ الحُدَيبيَةِ، إذا عاتَبْتَهم على تخَلُّفِهم: شغَلَتْنا أموالُنا وأهلُونا عن الخُروجِ معك؛ فادْعُ اللهَ أن يَغفِرَ لنا تخَلُّفَنا عنك! يَقولون ذلك بألسِنَتِهم، ولا يَعتَقِدونَه بقُلوبِهم!
 قُلْ -يا محمَّدُ- لأولئك الأعرابِ: مَن يَملِكُ دَفْعَ الضَّرِّ عنكم إنْ أراده اللهُ بكم؟! أوْ مَن يَملِكُ مَنْعَ النَّفعِ عنكم إن أرادَه اللهُ بكم؟! ليس الأمرُ كما يَظُنُّ أولئك الأعرابُ مِن أنَّ اللهَ لا يَعلَمُ ما تَنطوي عليه قُلوبُهم؛ فهو تعالى عالِمٌ ببَواطِنِ أُمورِهم، لا يَخفَى عليه شَيءٌ مِن أعمالِهم.
ثمَّ يؤكِّدُ الله تعالى كذِبَهم، فيقولُ: لم تَتخَلَّفوا -أيُّها الأعرابُ- عن الخُروجِ لِشَغْلِكم بأموالِكم وأهليكم كما زعَمْتُم، بل لِظَنِّكم أنَّ كُفَّارَ قُرَيشٍ سيَستأصِلونَ الرَّسولَ وأصحابَه بالقَتلِ، فلا يَرجِعونَ إلى أهليهم أبَدًا، وحَسَّن الشَّيطانُ ذلك الظَّنَّ في قُلوبِكم، وظنَنْتُم ذلك الظَّنَّ السَّيِّئَ، وكُنتُم قَومًا هَلْكَى لا خَيرَ فيكم.
ثمَّ يقولُ تعالى متوعِّدًا مَن كفَر: ومَنْ لم يُؤمِنْ باللهِ ورَسولِه فإنَّه كافِرٌ مُستَحِقٌّ للعِقابِ، وقد أعدَدْنا وهَيَّأْنا للكافِرينَ نارًا شديدةَ الاتِّقادِ.
ثمَّ يُبيِّنُ سبحانَه سَعةَ مُلكِه، ونُفوذَ مشيئتِه، وأنَّه الحاكمُ المتصرِّفُ في أهلِ السَّمواتِ والأرضِ، فيقولُ: ولله سُلطانُ السَّمَواتِ والأرضِ، يتصَرَّفُ فيهما كيف يَشاءُ؛ يَغفِرُ بفَضلِه لِمَن يَشاءُ مِن عِبادِه، ويُعَذِّبُ بعَدْلِه مَن يَشاءُ منهم، وكان اللهُ غَفورًا رَحيمًا.

تَفسيرُ الآياتِ:

سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا حَذَّر مِنَ النَّكْثِ، ورغَّبَ في الوفاءِ؛ أتْبَعَ ذلك بذِكرِ التَّخلُّفِ عن الانضِمامِ إلى جيشِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ الخروجِ إلى عُمرةِ الحُدَيبيَةِ، وهو ما فعَلَه الأعرابُ الَّذينَ كانوا نازِلينَ حوْلَ المدينةِ، بعدَ أن بايَعوه على الخروجِ معه [167] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/160، 161). .
وأيضًا لَمَّا ذكَرَ سُبحانَه وتعالى أهْلَ بَيعةِ الرِّضوانِ، تَشَوَّفَ السَّامعُ إلى الخبرِ عمَّن غاب عن ذلك الجَنابِ؛ فاستُؤنِفَ الإخبارُ عمَّا يُنافِقونَ به، بقَولِه تعالى [168] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/299). :
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا.
أي: سيَقولُ لك -يا مُحمَّدُ- أهلُ البَوادي السَّاكِنونَ حوْلَ المدينةِ، الَّذين خَلَّفهم اللهُ في أهالِيهم عن السَّفَرِ معك إلى مَكَّةَ عامَ الحُدَيبيَةِ، إذا عاتَبْتَهم على تخَلُّفِهم، وقد أمَرْتَهم بالخُروجِ معك: شغَلَتْنا أموالُنا مِنَ الإبِلِ أو غَيرِها، وأهلونا مِنَ النِّساءِ والذَّراريِّ عن الخُروجِ معك؛ فادعُ اللهَ أن يَغفِرَ لنا تخَلُّفَنا عنك [169] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/256، 257)، ((الوسيط)) للواحدي (4/137)، ((الإيمان)) لابن تيمية (ص: 196)، ((تفسير ابن كثير)) (7/337)، ((تفسير السعدي)) (ص: 792)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/161). قال ابنُ عاشور: (هو ما فعَلَه الأعرابُ الَّذين كانوا نازِلينَ حوْلَ المدينةِ، وهم سِتُّ قِبائِلَ: غِفارٌ، ومُزَينةُ، وجُهَينةُ، وأشجَعُ، وأسلَمُ، والدِّيْلُ، بعدَ أنْ بايَعوه على الخُروجِ معه؛ فإنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا أراد المَسيرَ إلى العُمرةِ استَنفَرَ مَن حَوْلَ المدينةِ منهم؛ لِيَخرُجوا معه، فيَرهَبَه أهلُ مكَّةَ فلا يَصُدُّوه عن عُمرتِه، فتثاقَلَ أكثَرُهم عن الخُروجِ معه... وتخلَّف عن الخُروجِ معه مُعظَمُهم). ((تفسير ابن عاشور)) (26/160، 161). وقد اختلف في هؤلاء الأعرابِ فقيل: كانوا مِن المنافقينَ، وقيل: كانوا مِن ضعافِ الإيمانِ، ولم يكونوا منافقينَ. ممن اختار القولَ الأولَ: ابنُ جرير، والزَّجَّاج، والزَّمَخْشري، والرَّسعني، وابنُ كثير، والشَّوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/256)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/23)، ((تفسير الزمخشري)) (4/336)، ((تفسير الرسعني)) (7/300)، ((تفسير ابن كثير)) (7/ 337)، ((تفسير الشوكاني)) (5/57). وممن اختار القولَ الثَّاني: الغرناطي، وابن عاشور. يُنظر: ((ملاك التأويل)) للغرناطي (1/94)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/161). وقال ابنُ عطيةَ، وابنُ جزي: لم يكنْ إيمانُهم متمكِّنًا. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/130)، ((تفسير ابن جزي)) (2/287). !
يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ.
أي: يَقولُ لك أولئك المُخَلَّفونَ بألسِنَتِهم قَولًا مُجرَّدًا لا يَعتَقِدونَه بقُلوبِهم، فهم كاذِبونَ في اعتذارِهم، وفي طلبِهم للاستِغفارِ [170] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/256)، ((الوسيط)) للواحدي (4/137)، ((الإيمان)) لابن تيمية (ص: 196)، ((تفسير ابن كثير)) (7/337)، ((تفسير القاسمي)) (8/493). قال الرازي في قولِه تعالى: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ: (هذا يحتَمِلُ أمْرَينِ؛ أحَدُهما: أن يكونَ التَّكذيبُ راجِعًا إلى قَولِهم: فَاسْتَغْفِرْ لَنَا، وتحقيقُه هو أنَّهم أظهَروا أنَّهم يَعتَقِدونَ أنَّهم مُسِيئونَ بالتَّخَلُّفِ حتَّى استَغفَروا، ولم يكُنْ في اعتِقادِهم ذلك، بل كانوا يَعتَقِدونَ أنَّهم بالتَّخَلُّفِ مُحسِنونَ. ثانيهما: قالوا: شَغَلَتْنَا؛ إشارةً إلى أنَّ امتِناعَنا لهذا لا غَيرُ، ولم يكُنْ ذلك في اعتِقادِهم، بل كانوا يَعتَقِدونَ امتِناعَهم لاعتقادِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والمؤمِنينَ يُقهَرونَ ويُغلَبونَ، كما قال بَعْدَه: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا [الفتح: 12] ). ((تفسير الرازي)) (28/74). وممَّن قال بأنَّ المرادَ أنَّهم في طلَبِ الاستِغفارِ عن التَّخَلُّفِ كاذِبون؛ لأنَّهم لا يُبالون أَسْتَغفَرَ لهم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمْ لا: ابنُ جرير، والسمرقندي، ومكِّي، والواحدي، وابن الجوزي، والخازن، وابن كثير، والسعدي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/256)، ((تفسير السمرقندي)) (3/314)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (11/6946)، ((الوسيط)) للواحدي (4/137)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/131)، ((تفسير الخازن)) (4/157)، ((تفسير ابن كثير)) (7/337)، ((تفسير السعدي)) (ص: 792). وممَّن قال: إنَّ المرادَ تكذيبُهم في الاعتِذارِ والاستِغفارِ: الثعلبيُّ، والزمخشري، والبيضاوي، وأبو حيَّان، والبِقاعي، وأبو السعود، والألوسي، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (9/45)، ((تفسير الزمخشري)) (4/336)، ((تفسير البيضاوي)) (5/128)، ((تفسير أبي حيان)) (9/488)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/301)، ((تفسير أبي السعود)) (8/107)، ((تفسير الألوسي)) (13/253)، ((تفسير القاسمي)) (8/493). قال القاسمي: (قوله تعالى: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ تكذيبٌ لهم في اعتِذارِهم، وأنَّ الَّذي خلَّفَهم ليس بما يَقولون، وإنَّما هو الشَّكُّ في الله، والنِّفاقُ. وكذا طلَبُهم للاستِغفارِ أيضًا ليس بصادرٍ عن حقيقةٍ؛ لأنَّه بغيرِ تَوبةٍ منهم، ولا ندَمٍ على ما سلَف منهم مِن معصيةِ التَّخلُّفِ). ((تفسير القاسمي)) (8/493). وقال أبو حيَّان: (ولَمَّا عَلِموا أنَّ ذلك التَّخلُّفَ عن الرَّسولِ كان معصيةً، سألوا أن يَستغفِرَ لهم. يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ: الظَّاهرُ أنَّه راجِعٌ إلى الجُملتَينِ المَقولتَينِ مِن الشُّغلِ وطلَبِ الاستِغفارِ، لأنَّ قولَهم: شَغَلَتْنَا كَذِبٌ، وطلَبَ الاستِغفارِ خُبثٌ منهم، وإظهارُ أنَّهم مؤمِنون عاصون). ((تفسير أبي حيان)) (9/488). !
قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا.
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان فِعْلُهم هذا مِن تخَلُّفِهم واعتِلالهِم وسُؤالِهم الاستِغفارَ: ظَنًّا منهم أنَّهم يَدفَعونَ عن أنفُسِهم بذلك المكروهَ، ويُحَصِّلونَ لها المحبوبَ، وكان كأنَّه قيل: قد عُلِمَ كَذِبُهم، فماذا يُقالُ لهم؟ استأنَفَ سُبحانَه الجوابَ بقَولِه [171] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/301). :
قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا.
القراءاتُ ذاتُ الأثرِ في التَّفسيرِ:
1- قراءةُ ضُرًّا بضمِّ الضَّادِ، بمعنى البؤسِ والسُّقمِ وسوءِ الحالِ [172] قرأ بها حمزةُ، والكِسائيُّ، وخلَفٌ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/375). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((تفسير ابن جرير)) (21/258)، ((معاني القراءات)) للأزهري (3/ 20)، ((الحجة للقراء السبعة)) لأبي علي الفارسي (6/202). .
2- قراءةُ ضَرًّا بفتحِ الضَّادِ، ضدُّ النَّفعِ، وقيل: هما بمعنًى واحدٍ، مِثلُ: الضُّعفِ والضَّعفِ [173] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/375). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((تفسير ابن جرير)) (21/258)، ((معاني القراءات)) للأزهري (3/20)، ((الحجة للقراء السبعة)) لأبي علي الفارسي (6/202). .
قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا.
أي: قُلْ -يا محمَّدُ- لأولئكَ الأعرابِ: لا أحَدَ يَملِكُ دَفْعَ الضَّرِّ الَّذي أراده اللهُ بكم مِن أيِّ نَوعٍ كان؛ عَظيمًا أو حَقيرًا؛ فهو قادِرٌ على إهلاكِ أموالِكم وأهليكم مهما فعَلْتُم وشُغِلْتُم بها، ولا أحَدَ يَملِكُ مَنْعَ النَّفعِ الَّذي أرادَه اللهُ لكم مِن أيِّ نَوعٍ كان؛ قليلًا أو كثيرًا؛ فهو قادِرٌ على حِفظِ أموالِكم وأهليكم مع تَغَيُّبِكم، فلا يَضُرُّها بُعدُكم عنها [174] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/256)، ((تفسير ابن عطية)) (5/130)، ((تفسير ابن كثير)) (7/337)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/301، 302)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/396). .
كما قال تعالى: قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [الأحزاب: 17] .
بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا.
أي: ليس الأمرُ كما يَظُنُّ أولئك الأعرابُ مِن أنَّ الله لا يَعلَمُ ما تَنطوي عليه قُلوبُهم؛ فاللهُ تعالى عالِمٌ ببَواطِنِ أُمورِهم، لا يَخفَى عليه تخَلُّفُهم أو غَيرُه مِن أعمالِهم [175] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/256، 257)، ((الوسيط)) للواحدي (4/137)، ((تفسير ابن كثير)) (7/337)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/302). .
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12).
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا.
أي: لم تَتخَلَّفوا -أيُّها الأعرابُ- عن الخُروجِ مع الرَّسولِ والمُؤمِنينَ لِشَغْلِكم بأموالِكم وأهليكم كما زعَمْتُم، كلَّا! وإنَّما تخَلَّفتُم عنهم لظَنِّكم أنَّ كُفَّارَ قُرَيشٍ سيَستأصِلونَهم بالقَتلِ، فلا يَرجِعونَ إلى أهليهم في المدينةِ أبَدًا [176] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/258)، ((البسيط)) للواحدي (20/296)، ((تفسير ابن كثير)) (7/337). .
وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ.
أي: وحَسَّن الشَّيطانُ ذلك الظَّنَّ في قُلوبِكم، فحسَّن لكم التَّخَلُّفَ عن الخُروجِ مع المؤمِنينَ [177] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/258)، ((الوسيط)) للواحدي (4/137)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/164). .
وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ.
أي: وظنَنْتُم أنَّ اللهَ لن يَنصُرَ رَسولَه والمؤمِنينَ، ولن يَرْجِعَهم سالِمينَ، ولن يُظهِرَ الحَقَّ المُبِينَ [178] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/258)، ((تفسير القرطبي)) (16/269)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (3/205)، ((تفسير ابن كثير)) (7/337)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/303). .
وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا.
أي: وكُنتُم -أيُّها المُخلَّفونَ- قَومًا في غايةِ الهَلاكِ والكَسادِ، لا خَيرَ فيكم، ولا نَفْعَ يُرجَى منكم [179] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/259)، ((تفسير القرطبي)) (16/269)، ((تفسير ابن كثير)) (7/337)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/303، 304)، ((تفسير السعدي)) (ص: 792). !
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا أخبَرَ تعالى أنَّهم قَومٌ بُورٌ؛ ذكَرَ ما يدُلُّ على أنَّهم ليسوا بمؤمِنينَ، فقال [180] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/489). :
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13).
أي: ومَنْ لم يُؤمِنْ باللهِ ورَسولِه فإنَّه كافِرٌ مُستَحِقٌّ للعِقابِ، وقد أعدَدْنا وهَيَّأْنا للكافِرينَ نارًا شديدةَ التلَهُّبِ والاتِّقادِ [181] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/260)، ((تفسير ابن كثير)) (7/337)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/304، 305)، ((تفسير السعدي)) (ص: 792). !
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه بَعدَ ما ذكَرَ اللهُ تعالى مَن له أجرٌ عَظيمٌ مِن المُبايِعينَ، ومَن له عذابٌ أليمٌ مِن الظَّانِّينَ الضَّالِّينَ؛ أشار إلى أنَّه يَغفِرُ للأوَّلِينَ بمَشيئتِه، ويُعَذِّبُ الآخَرينَ بمَشيئتِه، وغُفرانُه ورَحمتُه أعَمُّ وأشمَلُ، وأتَمُّ وأكمَلُ [182] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/75). .
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
أي: ولله سُلطانُ السَّمَواتِ والأرضِ، فيَتصَرَّفُ وَحْدَه فيهما كما يَشاءُ، ويَحكمُ بما يَشاءُ [183] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/260)، ((تفسير ابن كثير)) (7/337)، ((تفسير السعدي)) (ص: 792). .
يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ.
أي: يَغفِرُ اللهُ بفَضلِه لِمَن يَشاءُ مِن عِبادِه، ويُعَذِّبُ بعَدْلِه مَن يَشاءُ منهم [184] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/260)، ((تفسير السمرقندي)) (3/315)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/306)، ((تفسير السعدي)) (ص: 792). قال ابن جرير: (هذا مِنَ اللهِ جَلَّ ثناؤه حَثٌّ لهؤلاء الأعرابِ المتخَلِّفينَ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على التَّوبةِ والمُراجَعةِ إلى أمرِ اللهِ في طاعةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يقولُ لهم: بادِروا بالتَّوبةِ مِن تخَلُّفِكم عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّ اللهَ يَغفِرُ للتَّائِبينَ). ((تفسير ابن جرير)) (21/260، 261). وقال ابنُ عطيَّة: (القَومُ لم يَكونوا مُجاهِرينَ بالكُفرِ؛ فلذلك جاءَ وَعيدُهم وتَوبيخُهم ممزوجًا فيه بَعضُ الإمهالِ والتَّرجيةِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قد كان عَلِمَ منهم أنَّهم سيُؤمِنونَ). ((تفسير ابن عطية)) (5/131). .
وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا.
أي: إنَّ اللهَ تعالى مُتَّصِفٌ بالمَغفِرةِ والرَّحمةِ أزَلًا وأبَدًا، فهو الغَفورُ لِذُنوبِ عِبادِه؛ فيَستُرُها عليهم، ويَتجاوَزُ عن مُؤاخَذتِهم بها، وهو الرَّحيمُ بهِم؛ فيُكرِمُهم، ويُنعِمُ عليهم بنِعَمِه [185] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/260)، ((تفسير ابن كثير)) (7/337)، ((تفسير السعدي)) (ص: 792). .

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- مَنِ اتَّخَذَ أهلًا ومالًا يَشغَلُه عنِ اللهِ -تعالى- فهو خاسِرٌ، كما قالت الأعرابُ: شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا، وقال تعالى: لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون: 9] ، وقال تعالى: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا [186] يُنظر: ((مجموع رسائل ابن رجب)) (2/422). [سبأ: 37] .
2- قَولُ اللهِ تعالى: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ إنَّما جُعِلَ ذلك الظَّنُّ مُزَيَّنًا في اعتِقادِهم؛ لأنَّهم لم يَفرِضوا غيرَه مِن الاحتِمالِ، وهو أن يَرجِعَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سالِمًا، وهكذا شأنُ العُقولِ الواهيةِ والنُّفوسِ الهاويةِ؛ ألَّا تأخُذَ مِنَ الصُّوَرِ الَّتي تُتصَوَّرُ بها الحوادِثُ إلَّا الصُّورةَ الَّتي تَلوحُ لها في بادئِ الرَّأيِ، وإنَّما تَلوحُ لها أوَّلَ شَيءٍ؛ لأنَّها الصُّورةُ المحبوبةُ، ثمَّ يَعتَريها التَّزيينُ في العَقلِ، فتَلهو عن فَرضِ غَيرِها، فلا تَستَعِدُّ لحِدْثانِه؛ ولذلك قيل: «حُبُّك الشَّيءَ يُعمِي ويُصِمُّ» [187] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/164). !

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- قَولُ اللهِ تعالى: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا لم يَقولوا: (شغَلَتْنا الأموالُ)؛ وذلك لأنَّ جَمْعَ المالِ لا يَصلُحُ عُذرًا؛ لأنَّه لا نهايةَ له، وأمَّا حِفظُ ما جُمِعَ مِن الشَّتاتِ، ومَنْعُ الحاصِلِ مِن الفَواتِ: يَصلُحُ عُذرًا، فقالوا: شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا، أي: ما صار مالًا لنا، لا مُطلَقُ الأموالِ [188] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/74). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ أخبَرَ اللهُ رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما بيَّتوه في قُلوبِهم، وفَضَح أمْرَهم مِن قَبلِ أن يَعتَذِروا، وهذه مِن مُعجِزاتِ القُرآنِ، بالإخبارِ عن ذلك قبْلَ وُقوعِه [189] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/161). .
3- قَولُه تعالى: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وقَولُه تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [الكهف: 5] ، حيثُ ذَكَر اللهُ سُبحانَه «يقولونَ بألسِنَتِهم» و«يقولونَ بأفواهِهم»، فالمرادُ به أنَّه قولٌ باللِّسانِ مُجَرَّدٌ لا معنى تَحتَه، فإنَّه باطِلٌ، والباطِلُ لا حقيقةَ تَحتَه، وإنَّما غايتُه وقُصاراه أنَّه حركةُ لسانٍ مجرَّدةٌ عن مَعنًى، فليس وراءَ حَرَكةِ اللِّسانِ به شَيءٌ [190] يُنظر: ((جامع المسائل- المجموعة الثامنة)) لابن تيمية (ص: 340). !
4- قال الله تعالى: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا قد عُلِمَ مِن تَصنيفِه سُبحانَه حالَهم إلى صِنفَينِ مع الإبهامِ: أنَّه يكونُ لِبَعضِهم الضَّرُّ؛ لأنَّ مِنهم مَن ارتَدَّ في زَمَنِ الرِّدَّةِ، ولِبَعضِهم النَّفعُ؛ لأنَّه ثَبَت على الإسلامِ [191] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/302). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قَولُه تعالَى: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا الجُملةُ مُستأنَفةٌ استِئنافًا ابتدائيًّا لِمُناسَبةِ ذِكرِ الإيفاءِ والنَّكثِ؛ فكَمُل بذِكرِ مَن تَخلَّفوا عن الدَّاعي للعهْدِ [192] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/160، 161). .
- وبدَؤُوا بذِكرِ الأموالِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا؛ لأنَّ بها قِوامَ العَيشِ [193] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/488). ، ولأنَّ الانشِغالَ بها أكثَرُ، والعملَ على تنميتِها يَستَدْعي وقتًا طويلًا، وقد يَنشغِلُ المرءُ بها عن أهْلِه [194] يُنظر: ((لمسات بيانية)) للسامرائي (ص: 181، 182). .
- يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ أي: إنَّ كلامَهم مِن طرَفِ اللِّسانِ غيرُ مُطابِقٍ لِما في الجَنانِ، وهو كِنايةٌ عن كَذِبِهم؛ فالجملةُ استِئنافٌ لتكذيبِهم. وقيل: جُملةُ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ في موضعِ الحالِ. وقيل: يجوزُ أنْ تكونَ بَدَلَ اشْتِمالٍ مِن جُملةِ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ. والكذبُ راجِعٌ لِما تضَمَّنه الكلامُ مِن الخبَرِ عن تخلُّفِهم بأنَّه لِضَرورةٍ داعيةٍ له، وهي القيامُ بمَصالِحِهم الَّتي لا بُدَّ منها، وعدمُ مَن يَقومُ بها لو ذهَبوا معه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وكذا راجِعٌ لِما تضَمَّنه (استَغفِرْ)، وهو وإنْ كان أمرًا وإنشاءً لا يحتمِلُ الصِّدقَ ولا الكَذِبَ، بَيْدَ أنَّ تكذيبَهم في الاستِغفارِ باعتِبارِ ما تضَمَّنه مِنِ اعتِرافِهم بأنَّهم مُذْنِبون، وأنَّ دُعاءَه صلَّى الله عليه وسلَّمَ لهم يُفيدُهم فائدةً لازِمةً لهم معَ أنَّ اعتِقادَهم يُخالِفُه [195] يُنظر: ((حاشية الشهاب على البيضاوي)) (8/59)، ((تفسير الألوسي)) (13/253)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/162). .
- وفي قَولِه: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا أُمِر الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنْ يقولَ لهمْ ما فيه ردُّ أمْرِهم إلى اللهِ؛ لِيُعلِمَهم أنَّ استِغفارَه اللهَ لهم لا يُكرِهُ اللهَ على المغفرةِ؛ بلِ اللهُ يَفعَلُ ما يَشاءُ إذا أرادَه، فإنْ كان أراد بهم نفعًا نَفَعهم، وإنْ كان أرادَ بهم ضَرًّا ضَرَّهم، فما كان مِن النُّصحِ لأنفُسِهم أنْ يَتورَّطوا فيما لا يُرضِي اللهَ، ثمَّ يَستغْفِروه، فلعلَّه لا يَغفِرُ لهم؛ فالغرَضُ مِن هذا تَخويفُهم مِن عِقابِ ذَنْبِهم؛ إذ تَخلَّفوا عن نَفيرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكَذَبوا في الاعتذارِ؛ لِيُكثِروا مِن التَّوبةِ، وتَدارُكِ المُمكِنِ [196] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/162). .
- ومعنى المُلكِ هنا: القُدْرةُ والاستِطاعةُ، أي: لا يَقدِرُ أحدٌ أنْ يُغيِّرَ ما أرادهُ اللهُ، والغالِبُ في مِثلِ هذا التَّركيبِ أنْ يكونَ لنَفْيِ القُدرةِ على تَحويلِ الشَّرِّ خَيرًا؛ فكان الجرْيُ على ظاهرِ الاستِعمالِ مُقتضيًا الاقتِصارَ على نفْيِ أنْ يَملِكَ أحدٌ لهم شيئًا إذا أرادَ اللهُ ضَرَّهم دُونَ زِيادةِ أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا، فتُوجَّهُ هذه الزِّيادةُ أنَّها لقَصْدِ التَّتميمِ والاستِيعابِ [197] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/163). .
- وأيضًا قولُه: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا لا يَخلو مِن الفنِّ المعروفِ عندَ علماءِ البيانِ باللَّفِّ [198] اللَّفُّ والنَّشْرُ: هو ذِكرُ شيئَينِ أو أشياءَ، إمَّا تفصيلًا -بالنَّصِّ على كلِّ واحدٍ-، أو إجمالًا -بأن يُؤتَى بلفظٍ يَشتمِلُ على مُتعدِّدٍ- ثمَّ تُذكَرُ أشياءُ على عدَدِ ذلك، كلُّ واحدٍ يرجِعُ إلى واحدٍ مِن المتقدِّمِ، ويُفوَّضُ إلى عقلِ السَّامعِ ردُّ كلِّ واحدٍ إلى ما يَليقُ به. فاللَّفُّ يُشارُ به إلى المتعدِّدِ الَّذي يُؤتَى به أوَّلًا، والنَّشرُ يُشارُ به إلى المتعدِّدِ اللَّاحقِ الَّذي يَتعلَّقُ كلُّ واحدٍ منه بواحدٍ مِن السَّابقِ دونَ تعيينٍ. مثل قولِه تعالى: وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة: 111] ، أي: وقالت اليهودُ: لن يَدخُلَ الجنَّةَ إلَّا اليهودُ، وقالت النَّصارى: لن يدخُلَ الجنَّةَ إلَّا النَّصارى. وهذا لَفٌّ ونَشْرٌ إجماليٌّ. واللَّفُّ المُفصَّلُ يأتي النَّشرُ اللَّاحقُ له على وجهَينِ؛ الوجهُ الأوَّلُ: أنْ يأتيَ النَّشرُ على وَفْقِ ترتيبِ اللَّفِّ، ويُسَمَّى «اللَّفَّ والنَّشرَ المُرَتَّبَ». الوجهُ الثَّاني: أنْ يأتيَ النَّشرُ على غيرِ تَرتيبِ اللَّفِّ، ويُسمَّى «اللَّفَّ والنَّشرَ غيرَ المُرتَّبِ»، وقد يُعَبَّرُ عنه بـ «اللَّفِّ والنَّشرِ المُشَوَّشِ»، أو «المعكوس». يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسكاكي (ص: 425)، ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (3/320)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (2/403). ؛ فقد كان الأصْلُ: (فمَن يَملِكُ لكم مِن اللهِ شيئًا إنْ أراد بكم ضَرًّا، ومَن يَحرِمُكم النَّفعَ إنْ أرادَ بكم نفْعًا)؛ لأنَّ مِثلَ هذا النَّظمِ يُستعمَلُ في الضَّرِّ، وسِرُّ اختِصاصِه بدَفْعِ المَضرَّةِ: أنَّ المُلْكَ مُضافٌ في هذه المواضعِ باللَّامِ، ودفْعُ المَضرَّةِ نفْعٌ يُضافُ للمَدْفوعِ عنه، وليس كذلك حِرمانُ المَنفعةِ؛ فإنَّه ضَرَرٌ عائدٌ عليه لا له، فإذا ظهَرَ ذلك فإنَّما انتظَمَت الآيةُ على هذا الوجْهِ؛ لأنَّ القِسمينِ يَشتركانِ في أنَّ كلَّ واحدٍ منهما نفْيٌ لدَفْعِ المُقدَّرِ مِن خَيرٍ وشَرٍّ، فلمَّا تَقارَبا أدْرَجَهما في عِبارةٍ واحدةٍ، وخصَّ عِبارةَ دفْعِ الضَّرِّ؛ لأنَّه هو المُتوقَّعُ لهؤلاء؛ إذ الآيةُ في سِياقِ التَّهديدِ أو الوعيدِ الشَّديدِ [199] يُنظر: ((تفسير الزمخشري - حاشية ابن المنيِّر)) (4/336)، ((حاشية الطِّيبي على الكشاف)) (14/387، 388)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/238). .
- وهذا الجوابُ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا لا عِدَةَ فيه مِن اللهِ بأنْ يَغفِرَ لهم؛ إذ المقصودُ تَرْكُهم في حالةِ وجَلٍ؛ لِيَستكثِروا مِن فِعلِ الحَسَناتِ؛ وقُصِدَت مُفاتَحتُهم بالإبهامِ؛ لإلْقاءِ الوجَلِ في قُلوبِهم أنْ يَغفِرَ لهم، ثمَّ سيُتبِعُه بقَولِه: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الفتح: 14] الآيةَ، الَّذي هو أقرَبُ إلى الإطماعِ [200] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/163). .
- و(بلْ) في قَولِه: بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا إضرابٌ لإبطالِ قَولِهم: شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا، وبه يَزدادُ مَضمونُ قَولِه: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ تَقريرًا؛ لأنَّه يَتضمَّنُ إبطالًا لعُذْرِهم، ومِن معنى الإبطالِ يَحصُلُ بيانُ الإجمالِ الَّذي في قَولِه: كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا؛ إذ يُفيدُ أنَّه خَبيرٌ بكَذِبِهم في الاعتِذارِ؛ فلذلك أبطَلَ اعتِذارَهم بحرْفِ الإبطالِ [201] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/107)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/163، 164). .
- وتَقديمُ بِمَا تَعْمَلُونَ على مُتعلَّقِه؛ لقَصْدِ الاهتِمامِ بذِكرِ عَمَلِهم هذا [202] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/164). .
- وفي قَولِه: بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا تَهديدٌ ووَعيدٌ [203] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/164). .
2- قَولُه تعالَى: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا هذه الجُملةُ بدَلُ اشتِمالٍ مِن جُملةِ بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [الفتح: 11] ، أي: خَبيرًا بما عَمِلْتُم، ومنه ظنُّكم أنْ لنْ يَنقلِبَ الرَّسولُ والمؤمِنون. وأُعِيدَ حرْفُ الإبطالِ؛ زِيادةً لتَحقيقِ معنى البَدَليَّةِ [204] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/164). .
- قَولُه: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ جِيءَ بحرْفِ (لن) المُفيدِ استِمرارَ النَّفيِ، وأُكِّدَ بقَولِه: أَبَدًا؛ لأنَّ ظنَّهم كان قَويًّا [205] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/164). .
- والتَّزيينُ: التَّحسينُ، وهو كِنايةٌ عن قَبولِ ذلك [206] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/164). .
- والمُرادُ بقولِه: وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ إمَّا الظَّنُّ الأوَّلُ، والتَّكريرُ لتَشديدِ التَّوبيخِ والتَّسجيلِ عليه بالسَّوْءِ. أو هو وسائرُ ما يَظُنُّون باللهِ ورَسولِه مِن الأمورِ الزَّائغةِ الفاسِدةِ، الَّتي مِن جُمْلتِها الظَّنُّ بعدَمِ صِحَّةِ رِسالتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ فإنَّ الجازِمَ بصِحَّتِها لا يَحومُ حوْلَ فِكْرِه ما ذُكِرَ مِن الاستِئصالِ [207] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/128)، ((تفسير أبي السعود)) (8/107)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/165). .
- وإقحامُ كَلِمةِ قَوْمًا بيْن (كُنْتُمْ) وبُورًا؛ لإفادةِ أنَّ البَوارَ صارَ مِن مُقوِّماتِ قَوميَّتِهم؛ لشِدَّةِ تَلبُّسِه بجَميعِ أفرادِهم [208] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/165). .
3- قَولُه تعالَى: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا
- قَولُه: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا كَلامٌ مُبتَدأٌ مِن جِهتِه تعالَى، غيرُ داخلٍ في الكَلامِ المُلقَّنِ، مُقرِّرٌ لبَوارِهم، ومُبيِّنٌ لكَيفيَّتِه، أي: ومَنْ لم يُؤمِنْ بهما كدَأْبِ هؤلاءِ المُخلَّفينَ؛ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا [209] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/108). .
وقيل: هو جُملةٌ مُعترِضةٌ بيْن أجزاءِ القَولِ المأمورِ به في قَولِه: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [الفتح: 11] الآياتِ، وقولِه: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الفتح: 14] ، وهذا الاعتِراضُ للتَّحذيرِ مِن استِدراجِهم أنفُسَهم في مَدارجِ الشَّكِّ في إصابةِ أعمالِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُفضِيَ بهم إلى دَرَكاتِ الكُفْرِ بعدَ الإيمانِ؛ إذ كان تَخلُّفُهم عن الخُروجِ معه وما عَلَّلوا به تَثاقُلَهم في نُفوسِهم، وإظهارُ عُذْرٍ مَكذوبٍ أضْمَروا خِلافَه، كلُّ ذلك حَومًا حوْلَ حِمى الشَّكِّ يُوشِكونَ أنْ يَقَعوا فيه [210] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/165). . وذلك على القولِ بأنَّهم لم يكونوا مِن المنافِقينَ.
- وإظْهارُ لَفظِ (الكافرين) في مَقامِ أنْ يُقالَ: (أعتَدْنا لهم سَعيرًا)؛ لزِيادةِ تَقريرِ معنى وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ إيذانًا بأنَّ مَنْ لم يجمَعْ بيْنَ الإيمانِ بالله وبرسولِه فهو كافرٌ، وأنَّه مستوجِبٌ للسَّعيرِ بكُفرِه [211] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/337)، ((تفسير البيضاوي)) (5/128)، ((تفسير أبي السعود)) (8/108)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/165). .
- ونُكِّرَ سَعِيرًا للتَّهويلِ، أو لأنَّها نارٌ مَخصوصةٌ [212] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/337)، ((تفسير البيضاوي)) (5/128)، ((تفسير أبي السعود)) (8/108). .
4- قَولُه تعالَى: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا عطْفٌ على جُملةِ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [الفتح: 11] ؛ فهو مِن أجزاءِ القَولِ، وهذا انتقالٌ مِن التَّخويفِ الَّذي أشعَرَ به فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إلى إطْماعِهم بالمَغفرةِ الَّتي سَأَلوها؛ ولذلك قُدِّمَ الضَّرُّ على النَّفعِ في الآيةِ الأُولى، فقِيل: إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا [الفتح: 11] ؛ لِيَكونَ احتمالُ إرادةِ الضَّرِّ بهم أسبَقَ في نُفوسِهم، وقُدِّمَتِ المَغفرةُ هنا؛ ليَتقرَّرَ معنى الإطْماعِ في نُفوسِهم، فيَبتدِروا إلى استِدراكِ ما فاتَهم. وهذا تَمهيدٌ لوَعْدِهم الآتي في قَولِه: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ إلى قولِه: فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا [213] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/166). [الفتح: 16] .
- وقولُه: غَفُورًا رَحِيمًا صِيغَتا مُبالَغةٍ في المَغفرةِ والرَّحمةِ [214] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/108). .
- وزادَ رَجاءَ المَغفرةِ تأْكيدًا بقَولِه: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا، أي: الرَّحمةُ والمغفرةُ أقرَبُ مِن العِقابِ [215] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/166). .