موسوعة التفسير

سُورةُ النَّازِعاتِ
الآيات (34-41)

ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ

غريب الكلمات :

الطَّامَّةُ: أي: القيامةُ والدَّاهِيةُ الَّتي لا تُستطاعُ، والحادِثةُ الَّتي تَطُمُّ على ما سِواها، أي: تَعلو وتَغلِبُ، مأخوذٌ مِن: طَمَّ الماءُ: إذا غَمَر الأشياءَ، وأصلُ (طمم): يدُلُّ على تَغطيةِ الشَّيءِ للشَّيءِ [217] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 320)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/406)، ((المفردات)) للراغب (ص: 523)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 437)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/90). .
وَبُرِّزَتِ: أي: أُظْهِرتْ، وأصلُ (برز): ظُهورُ الشَّيْءِ وبُدُوُّه [218] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/98)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/218)، ((المفردات في غريب القرآن)) للراغب (ص: 118). .
وَآَثَرَ: أي: اختارَ وقَدَّم، وأصلُ (أثر) هنا: يدُلُّ على تقديمِ الشَّيءِ [219] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/53)، ((تفسير ابن كثير)) (8/317)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 40). .
الْمَأْوَى: أي: المَثوى والمَسكَنُ والمقَرُّ، والمَأْوى: مَكَانُ كلِّ شَيْءٍ ومَرجِعُه الَّذي يَعودُ إليه ليلًا أو نهارًا؛ يُقالُ: أَوَى إلى كذا، أي: انضمَّ إليه، وأصلُ (أوى) هنا: يدُلُّ على التَّجمُّعِ [220] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1 /151)، ((المفردات)) للراغب (ص: 103)، ((غريب القرآن)) لقاسم الحنفي (ص: 90)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/93). .
الْهَوَى: أي: المَيْلِ إلى الشَّهوةِ، قيل: سُمِّيَ بذلك لأنَّه يَهْوِي بصاحِبِه في الدُّنيا إلى كلِّ داهيةٍ، وفي الآخرةِ إلى الهاوِيةِ، وقيل: الهوى أصلُه مُطلَقُ المَيلِ، وأصلُ (هوي): الخُلوُّ والسُّقوطُ؛ ولذلك يُقالُ للآراءِ الزَّائفةِ: أهواءٌ [221] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 134، 491)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/ 15)، ((المفردات)) للراغب (ص: 849)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 106)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 211)، ((تفسير الألوسي)) (15/238). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى مبيِّنًا أحوالَ النَّاسِ يومَ القيامةِ: فإذا جاءت الدَّاهِيةُ الكُبْرى الَّتي تَفوقُ شِدَّتُها كُلَّ شِدَّةٍ، يومَ يَتذكَّرُ الإنسانُ ما عَمِلَه في الدُّنيا مِن خيرٍ أو شَرٍّ، وأُظهِرَت النَّارُ للنَّاسِ، فيَرَوْنَها عِيانًا؛ فأمَّا مَن جاوَزَ حَدَّه فتمَرَّدَ واستكبَرَ، وفَضَّل مَتاعَ الحياةِ الدُّنيا وقدَّمَها على الآخِرةِ؛ فإنَّ النَّارَ هي مَسكَنُه، وأمَّا مَن خافَ مَقامَه بيْن يَدَيِ اللهِ تعالى للحِسابِ يومَ القيامةِ، ونهى نَفْسَه وزَجَرَها عَمَّا يُسخِطُ اللهَ تعالى؛ فإنَّ الجَنَّةَ تكونُ مَسكَنَه ومُستَقَرَّه في الآخِرةِ.

تفسير الآيات:

فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى إنَّما ذَكَر كيفيَّةَ خَلْقِه السَّماءَ والأرضَ؛ لِيستَدلَّ بها على كَونِه قادِرًا على الحَشْرِ والنَّشرِ، فلمَّا قَرَّر ذلك وبيَّن إمكانَ الحَشْرِ عَقلًا؛ أخبَرَ بعدَ ذلك عن وُقوعِه [222] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/243). .
وأيضًا لَمَّا كان الَّذي خَلَق السَّمَواتِ العِظامَ وما فيها مِن الأنوارِ والأجرامِ، والأرضَ الكَثيفةَ الغَبراءَ وما فيها مِن ضَروريَّاتِ الخَلْقِ ومَنافِعِهم- لا بُدَّ أن يَبعَثَ الخَلْقَ المكَلَّفينَ، فيُجازيَهم على أعمالِهم، فمَن أحسَنَ فله الحُسنى، ومَن أساء فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَه- ذَكَر بعدَ هذا قيامَ السَّاعةِ، ثمَّ الجزاءَ [223] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 909). .
فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34).
أي: فإذا جاءت المُصِيبةُ العُظْمى والدَّاهِيةُ الكُبْرى الَّتي شِدَّتُها وهَولُها فَوقَ كُلِّ خَطْبٍ ومُصيبةٍ [224] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/97)، ((الوسيط)) للواحدي (4/421)، ((تفسير الزمخشري)) (4/697)، ((تفسير ابن كثير)) (8/317)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/241)، ((تفسير السعدي)) (ص: 910)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/90)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 52). قال الرَّسْعَني: (قَولُه تعالى: فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى يريدُ: القيامةَ. وقيل: السَّاعةُ الَّتي يَتصَدَّعون فيها؛ فريقٌ إلى الجنَّةِ، وفريقٌ إلى السَّعيرِ. وقيل: النَّفخةُ الثَّانيةُ). ((تفسير الرسعني)) (8/479). .
قال تعالى: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [القمر: 46].
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35).
أي: يومَ يتذكَّرُ الإنسانُ ما عَمِلَه في الدُّنيا مِن خيرٍ أو شَرٍّ [225] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/97)، ((تفسير القرطبي)) (19/207)، ((تفسير ابن كثير)) (8/317)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 52). قال السمين الحلبي: (قولُه: يَوْمَ يَتَذَكَّرُ: بدَلٌ مِنْ «إذا»، أو منصوبٌ بإضمارِ فعلٍ، أي: أعني يومَ، أو: يومَ يتذكَّرُ يجري كَيْتَ وكيتَ). ((الدر المصون)) (10/681). .
كما قال تعالى: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر: 23] .
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36).
أي: وأُظهِرَت النَّارُ الَّتي اشتَدَّ توَقُّدُها وأُبرِزَت للنَّاسِ، فيَرَوْنَها عِيانًا [226] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/98)، ((تفسير ابن كثير)) (8/317)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/242)، ((تفسير السعدي)) (ص: 910)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/90). .
كما قال تعالى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر: 23] .
وقال سُبحانَه وتعالى: لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [التكاثر: 6-7] .
وقال عزَّ وجَلَّ: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [الشعراء: 91] .
وعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعوٍد رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يُؤتَى بجَهَنَّمَ يَومَئِذٍ لها سَبعونَ ألْفَ زِمامٍ، مع كُلِّ زِمامٍ سَبعونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَها )) [227] رواه مسلم (2842). .
فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37).
أي: فأمَّا مَن جاوَزَ حَدَّه فتمَرَّدَ واستكبَرَ عن طاعةِ اللهِ تعالى وعبادتِه [228] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/98)، ((تفسير القرطبي)) (19/207)، ((تفسير السعدي)) (ص: 910)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/91)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 53). .
وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38).
أي: وفَضَّل مَتاعَ الحياةِ الدُّنيا، وقدَّمَها على الآخِرةِ؛ إرضاءً لِهَواه، فعَمِل لدُنْياه، ولم يَعمَلْ لأُخْراه [229] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/98)، ((تفسير ابن كثير)) (8/317)، ((تفسير السعدي)) (ص: 910)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/91، 92)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 53). .
كما قال الله تبارك وتعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى: 16-17] .
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39).
أي: فإنَّ مَسْكَنَه ومُستَقَرَّه في الآخِرةِ: النَّارُ الشَّديدةُ التَّوَقُّدِ [230] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/98)، ((تفسير القرطبي)) (19/207)، ((تفسير ابن كثير)) (8/317)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/243)، ((تفسير السعدي)) (ص: 910)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 53). .
كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس: 7-8] .
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَر اللهُ تعالى الطَّاغيَ؛ أتْبَعَه المتَّقِيَ [231] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 909). ، فقال:
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ.
أي: وأمَّا مَن خافَ مَقامَه بيْن يَدَيِ اللهِ تعالى للحِسابِ يومَ القيامةِ، فاتَّقاه بفِعْلِ أوامِرِه، واجتنابِ نَواهيه [232] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/98)، ((تفسير القرطبي)) (19/207)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/20)، ((تفسير ابن كثير)) (8/318)، ((تفسير السعدي)) (ص: 910)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 53). .
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((سَبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه ))، وذكَرَ منهم: ((ورَجُلٌ دَعَتْه امرأةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجَمالٍ، فقال: إنِّي أخافُ اللهَ، ورجُلٌ ذَكَر اللهَ خاليًا ففاضَتْ عَيْناه )) [233] رواه البخاري (660)، ومسلم (1031). .
وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى.
أي: ونهى نَفْسَه وزَجَرَها عن كُلِّ ما لا يُرضي اللهَ تعالى [234] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/98)، ((تفسير ابن عطية)) (5/435)، ((تفسير القرطبي)) (19/208)، ((تفسير ابن كثير)) (8/318)، ((تفسير السعدي)) (ص: 910)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/92)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 53). .
كما قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: 28] .
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41).
أي: فإنَّ الجَنَّةَ تكونُ مَسْكَنَه ومُستَقَرَّه في الآخِرةِ [235] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/98)، ((تفسير القرطبي)) (19/208)، ((تفسير ابن كثير)) (8/318)، ((تفسير السعدي)) (ص: 910)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/93). .
كما قال تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن: 46].
وقال سُبحانَه: جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ [البينة: 8] .

الفوائد التربوية:

1- مِن طريقةِ القُرآنِ الكريمِ: التَّصريحُ بذِكْرِ ثَوابِ الأبرارِ والمتَّقينَ والمخلِصينَ والمحسِنينَ، ومَن رَجَحَتْ حَسَناتُهم، وبذِكْرِ عِقابِ الكُفَّارِ والفُجَّارِ والظَّالِمينَ لأنفُسِهم، ومَن خَفَّتْ موازينُهم، ويَسْكُتُ عنِ القِسْمِ الَّذي فيه شائبتانِ وله مادَّتانِ، هذه طريقةُ القُرآنِ، كقولِه تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى، وقَولِه تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار: 13-14]، وهذا كثيرٌ في القرآنِ. قالوا: وفي السُّكوتِ عن شأنِ صاحبِ الشَّائبتَينِ تحذيرٌ عظيمٌ وتخويفٌ له؛ فإنَّ أمْرَه مُرْجَأٌ إلى اللهِ تعالى، وليس له عليه ضَمانٌ، ولا له عِندَه وَعْدٌ، فلْيَحْذَرْ كلَّ الحذرِ، ولْيُبادِرْ بالتَّوبةِ النَّصوحِ الَّتي تُلْحِقُه بالمضمونِ لهم النَّجاةُ والفَلاحُ [236] يُنظر: ((طريق الهجرتين)) لابن القيم (ص: 192). .
2- الطُّغيانُ وإيثارُ الحياةِ الدُّنيا وشَهَواتِها: مِن مُوجِباتِ النَّارِ، كما قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى [237] يُنظر: ((التخويف من النار)) لابن رجب (ص: 274). .
3- النَّاسُ على قِسمَينِ: قِسمٌ ظَفِرَتْ به نفْسُه فمَلَكَتْه وأهلكَتْه، وصار طَوعًا لها تحتَ أوامِرِها؛ وقِسمٌ ظَفِروا بنُفوسِهم فقَهَرُوها، فصارتْ طَوعًا لهم مُنقادةً لأوامِرِهم. قال بعضُ العارفينَ: انتهى سفرُ الطَّالبِينَ إلى الظَّفَرِ بأنفُسِهم، فمَن ظَفِرَ بنَفْسِه أَفلَحَ وأَنجَحَ، ومَن ظَفِرَتْ به نفْسُه خَسِرَ وهَلَكَ؛ قال اللهُ تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى، فالنَّفْسُ تدعو إلى الطُّغيانِ وإيثارِ الحياةِ الدُّنيا، والرَّبُّ يدعو عَبْدَه إلى خوْفِه ونَهْيِ النَّفْسِ عنِ الهوى [238] يُنظر: ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/75). .
4- في قَولِه تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى أنَّ الخَشْيةَ تَمنَعُ اتِّباعَ الهوى [239] يُنظر: ((جامع الرسائل)) لابن تيمية (2/181). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى فيه سؤالٌ: أنَّه تعالى قال في سُورةِ (الشُّعَراءِ): وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [الشعراء: 90-91] ، فخَصَّ الغاوينَ بتبريزِها لهم؟
الجوابُ: أنَّها بُرِّزَت للغاوينَ، والمؤمِنونَ يَرَونَها أيضًا في الممَرِّ، ولا مُنافاةَ بيْن الأمْرَينِ [240] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (31/48). .
2- في قَولِه تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى أنَّ اللهَ تعالى لَم يَجعَلْ للجَنَّةِ طريقًا غيرَ مُخالَفةِ الهوى، ولَم يَجعَلْ للنَّارِ طريقًا غيرَ مُتابَعتِه [241] يُنظر: ((روضة المحبين)) لابن القيم (ص: 401). !
3- قَولُ اللهِ تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى متى كان الإنسانُ موَصوفًا بهذَينِ الأمْرَينِ كان بالِغًا في الفَسادِ إلى أقصى الغاياتِ، وهو الكافِرُ الَّذي يكونُ عِقابُه مُخَلَّدًا [242] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (31/49). .
4- قال تعالى: وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا والإيثارُ: تَفضيلُ شَيءٍ على شَيءٍ في حالٍ لا يَتيسَّرُ فيها الجمْعُ بيْنَ أحوالِ كلٍّ منهما، ويُفهَمُ مِن فعلِ الإيثارِ أنَّ معه نَبْذًا لنعيمِ الآخِرةِ [243] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/91، 92). .

بلاغة الآيات :

1- قولُه تعالَى: فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى يجوزُ أنْ يكونَ التَّفريعُ على الاستِدلالِ الَّذي تَضمَّنَه قولُه: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا [النازعات: 27] الآياتِ؛ فإنَّ إثباتَ البعثِ يَقتضي الجزاءَ؛ إذ هو حِكمتُه، وفُرِّع على دَليلِ إثباتِ البعثِ تَذكيرٌ بالجزاءينِ، وإرشادٌ إلى النَّجْدَينِ. وإذْ قد قُدِّم قبْلَ الاستِدلالِ تحذيرٌ إجماليٌّ بقولِه: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ الآيةَ [النازعات: 6] جِيءَ عَقِبَ الاستِدلالِ بتَفصيلِ ذلك التَّحذيرِ مع قَرْنِه بالتَّبشيرِ لِمَن تَحلَّى بضِدِّه؛ فلذلك عُبِّر عن البعثِ ابتِداءً بالرَّاجفةِ؛ لأنَّها مَبدؤُه، ثمَّ بالزَّجْرةِ، وأخيرًا بالطامَّةِ الكُبرى؛ لِما في هذينِ الوَصفينِ مِن معنًى يَشملُ الرَّاجفةَ وما بعْدَها مِن الأهوالِ إلى أنْ يَستقِرَّ كلُّ فريقٍ في مَقَرِّه. ومِن تَمامِ المُناسَبةِ للتَّذكيرِ بيومِ الجزاءِ وُقوعُه عَقِبَ التَّذكيرِ بخلْقِ الأرضِ، والامتنانِ بما هَيَّأ منها للإنسانِ متاعًا به؛ للإشارةِ إلى أنَّ ذلك يَنتهي عِندَما يَحينُ يومُ البعثِ والجزاءِ. ويجوزُ أنْ يُجعَلَ قولُه: فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى مُفرَّعًا على قولِه: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [النازعات: 13-14] ؛ فإنَّ الطامَّةَ هي الزَّجرةُ، ومَناطُ التَّفريعِ هو ما عَقَّبه مِن التَّفصيلِ بقولِه: فَأَمَّا مَنْ طَغَى إلخ؛ إذ لا يَلتئِمُ تفريعُ الشَّيءِ على نفْسِه [244] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/89). .
- و(إذا) ظرْفٌ للمُستقبَلِ؛ فلذلك إذا وقَعَ بعدَه الفعلُ الماضي صُرِف إلى الاستقبالِ، وإنَّما يُؤتى بعدَ (إذا) بفعلِ الماضي؛ لزيادةِ تحقيقِ ما يُفيدُه (إذا) مِن تحقُّقِ الوُقوعِ [245] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/89، 90). .
- والطَّامَّةُ: الحادثةُ، أو الوَقعةُ الَّتي تطُمُّ، أي: تَعْلو وتَغلِبُ، بمعنى تَفوقُ أمثالَها مِن نَوعِها بحيثُ يَقِلُّ مِثلُها في نوعِها، وهذا الوصفُ يُؤذِنُ بالشِّدَّةِ والهَولِ؛ إذ لا يُقالُ مِثلُه إلَّا في الأمورِ المَهولةِ، ثمَّ بُولِغَ في تشخيصِ هَولِها بأنْ وُصِفَتْ بالكُبرى، فكان هذا أصرَحَ الكلماتِ لتصويرِ ما يُقارِنُ هذه الحادثةَ مِن الأهوالِ [246] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/90). .
- وجوابُ (إذا) قولُه: فَأَمَّا مَنْ طَغَى [النازعات: 37] إلخ. وقيلَ: محذوفٌ، تقديرُه: فإنَّ الجحيمَ مأواهُ [247] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/698)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 597، 598). . وقيلَ: جوابُ (إذا) محذوفٌ يدُلُّ عليه التَّفصيلُ المذكورُ، والتَّقديرُ: كان مِن عظائمِ الأمورِ ما لا يخطُرُ في بالٍ، ولا تَراهُ عينٌ، ولا تَسمَعُ به أُذُنٌ [248] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/370). .
- وفيه مُناسَبةٌ حسَنةٌ، حيثُ قال هنا: فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى، وقال في سُورةِ (عَبَسَ): فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ [عبس: 33] ؛ فسمَّاها الطَّامَّةَ الكُبرى في الأُولى، وسمَّاها الصَّاخَّةَ في الثَّانيةِ؛ وَجْهُ ذلك: أنَّ الطَّامَّةَ والصَّاخَّةَ وإنْ أُرِيدَ بهما في السُّورتَينِ شَيءٌ واحدٌ، فإنَّ اسمَ الطَّامَّةِ أرهَبُ وأنبَأُ بأهوالِ القِيامةِ؛ لأنَّها مِن قَولِهم: طمَّ السَّيلُ؛ إذا عَلا وغَلَبَ. وأمَّا الصَّاخَّةُ فالصَّيحةُ الشَّديدةُ، مِن قَولِهم: صخَّ بأُذنَيه، مِثل أصاخَ، فعُبِّرَ بها عن القِيامةِ؛ لأنَّ النَّاسَ يُصِيخون لها، فلمَّا كانت الطَّامَّةُ أبلَغَ في الإشارةِ إلى أهْوالِها، خُصَّ بها أبلَغُ السُّورتَينِ في التَّخويفِ والإنذارِ، وعلى ذلك بُنِيَت سُورةِ (النازعاتِ)، ألَا تَرى قولَه: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ [النازعات: 6-7] ، ووَصْفَ الطَّامَّةَ بالكُبْرى، وما أُتبِعَ به بَعْدُ، وابتِداءَ السُّورةِ وخِتامَها، فكلُّها تَخويفٌ وتَرهيبٌ، فناسَبَها أشدُّ العبارتينِ مَوقعًا وأرهَبُها. وأمَّا سُورةُ (عَبَسَ) فلم تُبْنَ على ذلك الغرَضِ، وإنَّما بُنِيَت على قصَّةِ عبدِ اللهِ بنِ أمِّ مَكتومٍ الأعْمى، وذلك مَشهورٌ، ثمَّ وَرَدَ قولُه: فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ عَقِبَ التَّذكيرِ بقولِه: كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ [عبس: 11] ، والتَّحريكِ للاعتبارِ بقولِه: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ [عبس: 24] إلى قولِه: مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [عبس: 32] ، ثمَّ أتبعَ بعْدَ ذِكرِ الصَّاخَّةِ بقولهِ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ [عبس: 38-39] . فسُورةُ النَّازعاتِ -على الجُملةِ- أشدُّ في التَّخويفِ والتَّرهيبِ، فناسَبَها أبلَغُ العبارتينِ مِن أسماءِ القيامةِ في التَّخويفِ والإنذارِ بحالِها، وليست سُورةُ (عَبَسَ) كسُورةِ النَّازعاتِ في التَّخويفِ والتَّرهيبِ، فناسَبَها إيرادُ اسمِ القيامةِ بالصَّاخَّةِ؛ إذ ليس في الإرهابِ كالطَّامَّةِ، فجاء كلٌّ على ما يُناسِبُ [249] يُنظر: ((ملاك التأويل)) لأبي جعفر الغرناطي (2/502). . وقيل غيرُ ذلك [250] يُنظر: ((درة التنزيل وغرة التأويل)) للإسكافي (ص: 1331-1334)، ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 245، 246)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/499، 500)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 597، 598). .
2- قولُه تعالَى: يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى التَّذكُّرُ يَقتضي سَبْقَ النِّسيانِ، وهو انْمِحاءُ المعلومِ مِن الحافظةِ، والمعنى: يومَ يُذكَّرُ الإنسانُ فيَتذكَّرُ، أي: يُعرَضُ عليه عمَلُه فيَعترِفُ به؛ إذ ليس المقصودُ مِن التَّذكُّرِ إلَّا أثرَه، وهو الجزاءُ، فكُنِّيَ بالتَّذكُّرِ عن الجزاءِ [251] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/90). .
3- قولُه تعالَى: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى مَعطوفٌ على يَتَذَكَّرُ، وصِيغةُ الماضِيوَبُرِّزَتِ؛ للدَّلالةِ على التَّحقُّقِ [252] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/105). . وبناه للمَفعولِ؛ لعدَمِ الغرضِ ببيانِ مُبْرِزِها؛ إذ الموعظةُ في الإعلامِ بوُقوعِ إبرازِها يومَئذٍ؛ لأنَّ الهائِلَ مُطلَقُ تَبريزِها، لا كونُه مِن مُعَيَّنٍ، مع الدَّلالةِ على الخِفَّةِ والسُّهولةِ؛ لكَونِه على طريقةِ كلامِ القادِرينَ [253] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/242)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/91). .
- وتَبريزُ الجحيمِ: إظهارُها لأهلِها، وجيءَ بالفِعلِ المضاعَفِ وَبُرِّزَتِ؛ لإفادةِ إظهارِ الجحيمِ؛ لأنَّه إظهارٌ مِن أجْلِ الإرهابِ [254] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/90). .
- قولُه: لِمَنْ يَرَى، أي: لكلِّ راءٍ، ففِعلُ يَرَى مُنزَّلٌ مَنزلةَ اللَّازمِ؛ لأنَّ المقصودَ: لِمَن له بصَرٌ [255] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/91). .
4- قولُه تعالَى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى تَفصيلٌ للجوابِ المحذوفِ، تقديرُه: انقسَمَ الرَّاؤونَ قِسمَينِ: فأمَّا مَن... إلخ. أي: تفصيلٌ لحالَيِ الإنسانِ الَّذي يَتذكَّرُ ما سَعى، وتقسيمٌ له بحسَبِ أعمالِه إلى القِسمَينِ المذكورينِ. والَّذي تَستدعيهِ فخامةُ التَّنزيلِ، ويَقتضيهِ مَقامُ التَّهويلِ، أنَّ الجوابَ المحذوفَ: كان مِن عظائمِ الشُّؤونِ، ما لم تُشاهِدْهُ العيونُ [256] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/104، 105). .
أو يَكونُ الجوابُ: فَأَمَّا ... وما بعدَه، كما تَقولُ: إذا جاءَكَ بَنو تَمِيمٍ، فأمَّا العاصي فأهِنْه، وأمَّا الطَّائِعُ فأكْرِمْه [257] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/401). .
وقيل: الفاءُ في قولِه: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا استِئنافيَّةٌ، والكلامُ مُستأنَفٌ مَسوقٌ لبيانِ حالِ النَّاسِ في الدُّنيا [258] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/371). .
- وقُدِّم ذِكرُ الطُّغيانِ على إيثارِ الحياةِ الدُّنيا؛ لأنَّ الطُّغيانَ مِن أكبرِ أسبابِ إيثارِ الحياةِ الدُّنيا، فلمَّا كان مسبَّبًا عنه ذُكِر عَقِبَه؛ مراعاةً للتَّرتُّبِ الطبيعيِّ [259] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/91). .
- والمرادُ بالحَياةِ الدُّنيا: حُظوظُها ومنافعُها الخاصَّةُ بها، أي: الَّتي لا تُشارِكُها فيها حظوظُ الآخرةِ؛ فالكلامُ على حذفِ مُضافٍ، تقديرُه: نعيمُ الحياةِ [260] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/92). .
- قولُه: فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى تَقديرُ الآيةِ: فإنَّ الجَحيمَ هي مأواه، كما تقولُ للرَّجُلِ: غُضَّ الطَّرْفَ، تُريد: طرْفَك، وليس الألِفُ واللَّامُ بدَلًا مِن الإضافةِ، ولكن لَمَّا عُلِمَ أنَّ الطَّاغيَ هو صاحِبُ المأوَى، وأنَّه لا يَغُضُّ الرَّجُلُ طرْفَ غيرِه: تُرِكتِ الإضافةُ، ودخولُ حرْفِ التَّعريفِ في المأوى والطَّرْفِ للتَّعريفِ، لأنَّهما مَعروفانِ. أو التَّقديرُ: المأوَى له، ثمَّ حُذِفتِ الصِّلةُ لوُضوحِ المعنَى. أو التَّقديرُ: فإنَّ الجَحيمَ هي المأوَى اللَّائِقُ بمَن كان مَوصوفًا بهذه الصِّفاتِ والأخلاقِ [261] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/698)، ((تفسير الرازي)) (31/49)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (16/284). .
5- قولُه تعالَى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى
- قولُه: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى في إضافةِ المَقامِ إلى الرَّبِّ سُبحانَه تَفخيمٌ للمَقامِ، وتهويلٌ عظيمٌ، واقعٌ مِن النُّفوسِ موقعًا عظيمًا [262] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/401). .
- ونهيُ الخائفِ نفْسَه مُعبَّرٌ به عن الانكفافِ عن تَناوُلِ ما تُحِبُّه النَّفْسُ مِن المعاصي والهوى، فجُعِلتْ نفْسُ الإنسانِ بمنزلةِ شخصٍ آخَرَ يدْعوهُ إلى السَّيِّئاتِ وهو يَنهاهُ عن هذه الدَّعوةِ، وهذا يُشبِهُ ما يُسمَّى بالتَّجريدِ [263] التَّجريد: أن يُنتزَعَ مِن أمرٍ ذي صِفةٍ أمرٌ آخَرُ مِثلُه في تلك الصِّفةِ، حتَّى تَصِيرَ الذَّاتُ الواحدةُ ذاتَينِ؛ مُبالَغةً لكمالِ الوصفِ في تلكَ الذَّاتِ. كقَولِهم: لي مِنكَ صديقٌ حميمٌ، و: لَئِنْ سألْتَ فُلانًا، لَتَسْأَلَنَّ به بحرًا. يُنظر: ((حاشية الطِّيبي على الكشاف)) (13/229)، ((التِّبيان في البيان)) للطِّيبي (ص: 160 - 163)، ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (3/448، 449)، ((موجز البلاغة)) لابن عاشور (ص: 46). ، يقولونَ: قالتْ له نفْسُه كذا فعصاها، ويُقالُ: نَهى قلْبَه [264] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/92). .
- وتَعريفُ الهوَى تعريفُ الجِنسِ، والتَّعريفُ في المَأْوى تعريفُ العهدِ، أي: مَأوى مَن خافَ مَقامَ ربِّه، وهو تعريفٌ مُغْنٍ عن ذِكرِ ما يُضافُ إليه (مَأْوى)، ومِثلُه شائعٌ في الكلامِ، كما في قولِه: غُضَّ الطَّرْفَ، أي: الطَّرْفَ المعهودَ مِن الأمرِ، أي: غُضَّ طَرْفَك، وقولِه: واملَأِ السَّمعَ، أي: سَمْعَك، أو يكونُ تقديرُ الكلامِ: المأْوَى له [265] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/93). .
- ومَقَامَ رَبِّهِ أصلُ المَقامِ مكانُ القيامِ؛ فكانُ أصلُه مكانَ ما يُضافُ هو إليه، ثمَّ شاعَ إطلاقُه على نفْسِ ما يُضافُ إليه على طريقةِ الكنايةِ بتعظيمِ المكانِ عن تعظيمِ صاحِبِه، مِثلَ ألفاظِ: جَنابٍ، وكَنَفٍ، وذَرًى، وذلك مِن قبيلِ الكنايةِ المطلوبِ بها نِسبةٌ إلى المُكَنَّى عنه؛ فإنَّ خَوفَ مَقامِ اللهِ مُرادٌ به خَوفُ اللهِ، والمرادُ بالنِّسبةِ ما يَشملُ التَّعلُّقَ بالمفعولِ [266] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/93). .
- وتعريفُ النَّفْسِ هو للعهدِ، مِثلُ التَّعريفِ في الْمَأْوَى [267] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/94). .
- وفي تَعريفِ أصحابِ الجحيمِ وأصحابِ الجنَّةِ بطريقِ المَوصولِ فَأَمَّا مَنْ طَغَى ... وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ...: إيماءٌ إلى أنَّ الصِّلتَينِ عِلَّتانِ في استِحقاقِ ذلك المَأْوى [268] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/94). .
- وفي قولِه: يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى إلى قولِه: فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى مُحسِّنُ الجَمعِ مع التَّقسيمِ [269] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/93). والجمعُ والتَّقسيمُ: هو جمْعُ مُتعدِّدٍ تحتَ حُكمٍ، ثمَّ تقسيمُه، كقولِه تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ [فاطر: 32] . يُنظر: ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (3/315)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (ص: 424). .