موسوعة التفسير

سورةُ نوحٍ
الآيات (5-12)

ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ

غريب الكلمات:

وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ: أي: تغطَّوْا بها، وجَعَلوها غِشاوةً على أسماعِهم وأبصارِهم، وذلك عبارةٌ عن الامتِناعِ عن الإصغاءِ، وأصلُ (غشي): يدُلُّ على تغطيةِ شَيءٍ بشَيءٍ .
مِدْرَارًا: أي: مُتتابِعًا غَزيرًا، والدَّرُّ: تحلُّبُ الشَّيءِ حالًا بعدَ حالٍ، وأصلُه مِنَ الدَّرِّ، أي: اللَّبَنِ، ويُستعارُ ذلك للمَطَرِ .

المعنى الإجمالي:

يَحكي الله تعالى شكوى نوحٍ -عليه السَّلامُ- إليه مِن إعراضِ قومِه، فيقولُ: قال نوحٌ: رَبِّ إنِّي دَعَوتُ قَومي لَيلًا ونهارًا إلى توحيدِك، فلم يَزِدْهم دُعائي لهم إلَّا هَرَبًا وإعراضًا! وإنِّي كُلَّما دَعوتُهم إلى الإيمانِ بك لكي تَغفِرَ لهم ذُنوبَهم، جَعَلوا أصابِعَهم في آذانِهم؛ كي لا يَسمَعوا كَلامي، وتغَطَّوا بثِيابِهم؛ لئَلَّا يَرَوني، واستَمَرُّوا على شِرْكِهم ولم يَتوبوا، وتكبَّروا عن قَبولِ الحقِّ.
ثمَّ يذكرُ اللهُ تعالى ما أخبَر به نوحٌ عليه السَّلامُ عن طُرقِه في دعوةِ قَومِه، وتوجيهاتِه ونصائحِه لهم، فيقولُ: ثمَّ إنِّي دَعَوتُ قَومي إلى الحَقِّ مجاهرًا، ثمَّ إنِّي أظهَرتُ دَعوتي لهم ونشَرْتُها بيْنَهم، ودَعَوتُهم سِرًّا فيما بيْني وبيْنَهم، فقُلْتُ لهم: استَغفِروا رَبَّكم؛ إنَّه سُبحانَه متَّصِفٌ أزَلًا وأبدًا بكَمالِ المَغفِرةِ لذُنوبِ عِبادِه؛ فإنَّكم إنِ استَغْفَرتُم رَبَّكم يُرسِلْ عليكم أمطارًا مُتتابِعةً مُتواصِلةً، ويُعْطِكم أموالًا وأبناءً، ويجعَلْ لكم في الدُّنيا بَساتينَ فيها أنواعُ الثِّمارِ، ويَجعَلْ لكم أنهارًا جارِيةً.

تفسير الآيات:

قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5).
أي: قال نوحٌ مُشتَكِيًا إلى رَبِّه طُغيانَ قَومِه: رَبِّ إنِّي دَعَوتُ قَومي في اللَّيلِ والنَّهارِ إلى توحيدِك، وحذَّرْتُهم مِنَ الشِّركِ بك ومَعصيتِك .
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6).
أي: فلم يَزِدْهم دُعائي لهم إلى الحقِّ ليتَّبِعوه إلَّا هَرَبًا منه، وإعراضًا عنه !
كما قال الله تبارك وتعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ [القمر: 9].
وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7).
وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ.
أي: وإنِّي كُلَّما دَعوتُهم إلى سَبَبِ المَغفِرةِ -وهو الإيمانُ بك، وتوحيدُك وطاعتُك- لِتَمحوَ بذلك ذُنوبَهم، وتتجاوَزَ عن مؤاخَذتِهم بها؛ جَعَلوا أصابِعَهم في آذانِهم، فسَدُّوها؛ كي لا يَسمَعوا كَلامي .
وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ.
أي: وتغَطَّوا بثِيابِهم لئَلَّا يَرَوني؛ مُبالَغةً منهم في الإعراضِ عَنِّي .
وَأَصَرُّوا.
أي: واستَمَرُّوا على شِرْكِهم ولم يَتوبوا .
وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا.
أي: وتعاظَموا وتكبَّروا عن قَبولِ الحقِّ، وعن اتِّباعِه .
كما قال تعالى: فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ [هود: 27] .
وقال سُبحانَه: قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [الشعراء: 111] .
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ نُوحًا عليه السَّلامُ ارتقى في شَكواه واعتِذارِه بأنَّ دَعوتَه كانت مختَلِفةَ الحالاتِ في القَولِ؛ مِن جَهرٍ وإسرارٍ .
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8).
أي: ثمَّ إنِّي دَعَوتُ قَومي إلى الحَقِّ بمَسمَعٍ منهم، مجاهِرًا بالدَّعوةِ .
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9).
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ.
أي: ثمَّ إنِّي أظهَرتُ دَعوتي لهم، وأشَعْتُها ونشَرْتُها بيْنَهم .
وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا.
أي: ودَعَوتُهم سِرًّا فيما بيْني وبيْنَهم في الخَفاءِ .
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا أخبَرَ نوحٌ عليه السَّلامُ أنَّه بالَغَ في الدَّعوةِ إلى حَدٍّ لا مَزيدَ عليه، فلم يَدَعْ مِنَ الأوقاتِ ولا مِن الأحوالِ شَيئًا؛ سَبَّبَ عنه بيانَ ما قال في دَعوتِه، وهو التَّسَبُّبُ في السَّعادةِ كُلِّها بدَفعِ المَضارِّ، وجَلبِ المسارِّ .
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ.
أي: فقُلْتُ لهم: اطلُبوا مِن رَبِّكم أن يَغفِرَ لكم ذُنوبَكم، فيَمحوَها عنكم، ويَتجاوَزَ عن مؤاخَذتِكم بها .
إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا.
أي: إنَّ اللهَ متَّصِفٌ أزَلًا وأبدًا بكَمالِ المَغفِرةِ لذُنوبِ عِبادِه .
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11).
أي: فإنَّكم إنِ استَغْفَرْتُم رَبَّكم يُرسِلْ عليكم أمطارًا مُتتابِعةً مُتواصِلةً .
كما قال هودٌ عليه السَّلامُ لقومِه: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ [هود: 52] .
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12).
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ.
أي: ويُعْطِكم رَبُّكم أموالًا وأبناءً، ويُكَثِّرْ ذلك لكم .
وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ.
أي: ويجعَلْ لكم في الدُّنيا بساتينَ فيها أنواعُ الثِّمارِ .
وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا.
أي: ويَجعَلْ لكم أنهارًا جارِيةً .
كما قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف: 96] .
وقال سُبحانَه: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود: 3] .
وقال عزَّ وجَلَّ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ [النحل: 30] .
وقال تبارك وتعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل: 97] .
وقال جَلَّ شأنُه: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا [الجن: 16] .

الفوائد التربوية:

1- قَولُ اللهِ تعالى: ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا جَمَع بيْنَ الجَهرِ والإسرارِ؛ لأنَّ الجَمعَ بيْنَ الحالتَينِ أقوى في الدَّعوةِ وأغلَظُ من إفرادِ إحداهما .
2- في قَولِه تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا حَثٌّ على الاستِغفارِ، وإشارةٌ إلى وُقوعِ المغفرةِ لِمَنِ استغفَرَ .
3- قال اللهُ تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا في هذه الآيةِ دَليلٌ على أنَّ الاستِغفارَ يُستَنزَلُ به الرِّزقُ والأمطارُ . ففيها استِحبابُ الاستِغفارِ عِندَ الجَدْبِ وضِيقِ الرِّزقِ، وأنَّه مَجلَبةٌ له .
4- في قَولِه تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا دليلٌ على تكثيرِ الأولادِ بالعَمَلِ الصَّالحِ؛ لأنَّ نوحًا عليه السَّلامُ وَعَدَ قومَه على الاستِغفارِ إمدادًا بالبَنينَ ، ولو أنَّ رجُلًا ممَّن لا يُولَدُ له اشْتَهَى أنْ يكونَ له ولدٌ فاستَغفَرَ محتَسِبًا مُستعطِفًا به أولادًا، لَوُلِدَ له، وإنْ كان مِئْنَاثًا فأَحَبَّ الذُّكورَ مِن الأولادِ لم يَعْدَمْهم؛ فإنَّ اللهَ صادِقٌ في قَولِه، لا يُخْلِفُ مِيعادَه .
5- في قَولِه تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا أنَّ مَن أراد أنْ تُرفَعَ عنه العقوبةُ فَلْيَتُبْ إلى اللهِ تعالى؛ فإنَّ التَّوبةَ مِن أسبابِ رَفْعِ العُقوبةِ، وجَلْبِ المَثُوبةِ .
6- في قَولِه تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا أنَّه لا بأسَ مِن مُلاحظةِ الأمورِ الدُّنيويَّةِ في الاستِقامةِ، وأنَّ مُلاحظتَها لا تَضُرُّه؛ فالرُّسُلُ يأمُرون أقوامَهم بالطَّاعةِ، ثُمَّ يَذكُرونَ المصالحَ الدُّنيويَّةَ، فقولُ نوحٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا هذه المصلحةُ الدِّينيَّةُ، ويُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا هذه مصلحةٌ دُنيويَّةٌ، ولولا أنَّ الإنسانَ لا يَضُرُّه إذا لاحظَها ما ذَكَرَها الرُّسُلُ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُه تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا استُدِلَّ به على أنَّ اسمَ «القومِ» واقِعٌ على الرِّجالِ والنِّساءِ، وأنَّه لا يُفْرَدُ به الرِّجالُ إلَّا بإرادةِ ذلك وإضمارِه، لا أنَّه اسمٌ لا يَقَعُ إلَّا على الرِّجالِ فقط؛ لإحاطةِ أنَّ نوحًا عليه السَّلامُ دَعَا الرِّجالَ والنِّساءَ إلى دِينِه .
2- قال تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا، جَعَل دَعوتَه مَظروفةً في زَمنَيِ اللَّيلِ والنَّهارِ؛ للدَّلالةِ على عدَمِ الهوادةِ في حِرْصِه على إرشادِهم، وأنَّه يَترصَّدُ الوقتَ الَّذي يَتوسَّمُ أنَّهم فيه أقرَبُ إلى فَهْمِ دَعوتِه منهم في غيرِه مِن أوقاتِ النَّشاطِ، وهي أوقاتُ النَّهارِ، ومِن أوقاتِ الهُدوِّ وراحةِ البالِ، وهي أوقاتُ اللَّيلِ .
3- قَولُ اللهِ تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا يدُلُّ على أنَّ جميعَ الحوادِثِ بقَضاءِ اللهِ وقَدَرِه؛ وذلك لأنَّا نرى إنسانَينِ يَسمَعانِ دَعوةَ الرَّسولِ في مجلِسٍ واحِدٍ بلَفظٍ واحِدٍ، فيَصيرُ ذلك الكلامُ في حَقِّ أحدِهما سَبَبًا لحُصولِ الهِدايةِ، والمَيلِ والرَّغبةِ، وفي حَقِّ الثَّاني سَبَبًا لِمَزيدِ العُتُوِّ والتَّكَبُّرِ، ونهايةِ النَّفرةِ .
4- في قَولِه تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا أنَّه سُبحانَه يُعَلِّلُ أحكامَه وأفعالَه بأسمائِه؛ فليست أسماؤُه ألفاظًا مُجَرَّدةً لا مَعانيَ لها! ولو لَمْ يكُنْ لها معنًى لَمَا كان التَّعليلُ صحيحًا !
5- قَولُ اللهِ تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، فيه سؤالٌ: نوحٌ عليه السَّلامُ أمَر الكفَّارَ قبْلَ هذه الآيةِ بالعبادةِ والتَّقْوى والطَّاعةِ، فأيُّ فائدةٍ في أنْ أمَرهم بعدَ ذلك بالاستِغفارِ؟
الجوابُ: كأنَّهم لَمَّا أمَرَهم بالعبادةِ قالوا: إنْ كنَّا على حقٍّ فلا نَترُكُه، وإنْ كنَّا على باطلٍ، فكيف يَقبَلُنا ويَلطُفُ بنا مَن عَصَيْناهُ؟ فأمَرَهم بما يَجُبُّ مَعاصيَهم، ويَجلِبُ إليهم المِنَحَ، ولذلك وَعَدَهم عليه بما هو أوقَعُ في قُلوبِهم .
6- قَولُ اللهِ تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا فيه سُؤالٌ: لِمَ قال: إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، ولم يقُلْ: (إنَّه غَفَّارٌ)؟
الجوابُ: أنَّ المرادَ: أنَّه كان غَفَّارًا في حَقِّ كُلِّ مَن استَغفَروه، كأنَّه يقولُ: لا تظُنُّوا أنَّ مَغفِرتَه إنَّما حَدَثَت الآنَ، بل هو أبدًا هكذا كان .
7- قَولُ اللهِ تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا فيه دَلالةٌ على أنَّ اللهَ تعالى يُجازي عِبادَه الصَّالِحينَ بطِيبِ العَيشِ؛ قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل: 97] ، وقال: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف: 96] ، وقال: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا [الجن: 16] .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا
- قولُه: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا جُرِّدَ فِعلُ (قال) مِن العاطفِ؛ لأنَّه حِكايةُ جَوابِ نوحٍ عن قولِ اللهِ له: أَنْذِرْ قَوْمَكَ، عُومِلَ مُعامَلةَ الجوابِ الَّذي يُتلقَّى به الأمْرُ على الفورِ على طَريقةِ المُحاوَراتِ؛ تَنبيهًا على مُبادَرةِ نُوحٍ عليه السَّلامُ بإبلاغِ الرِّسالةِ إلى قَومِه، وتَمامِ حِرصِه في ذلك كما أفادَه قولُه: لَيْلًا وَنَهَارًا [نوح: 5] ، وحُصولِ يأْسِه منهم، فجَعَل مُراجَعتَه ربَّه بعْدَ مُهلةٍ مُستفادةٍ مِن قولِه: لَيْلًا وَنَهَارًا بمَنزلةِ المراجَعةِ في المقامِ الواحدِ بيْنَ المُتحاورَيْنِ. ولك أنْ تَجعَلَ جُملةَ قَالَ رَبِّ إلخ مُستأنَفةً استئنافًا بَيانيًّا؛ لأنَّ السَّامعَ يَترقَّبُ مَعرفةَ ماذا أجاب قومُ نُوحٍ دَعوتَه؟ فكان في هذه الجُملةِ بَيانُ ما يَترقَّبُه السَّامعُ مع زِيادةِ مُراجَعةِ نُوحٍ ربَّه تَعالى .
- وهذا الخبَرُ مُستعمَلٌ في لازِمِ معْناه، وهو الشِّكايةُ والتَّمهيدُ لطلَبِ النَّصرِ عليهم؛ لأنَّ المخاطَبَ به عالِمٌ بمَدلولِ الخبَرِ، وذلك ما سيُفْضي إليه بقولِه: وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا الآياتِ .
- وفائدةُ حِكايةِ ما ناجَى به نوحٌ ربَّه إظهارُ تَوكُّلِه على اللهِ، وانتصارُ اللهِ له، والإتيانُ على مُهِمَّاتٍ مِن العِبرةِ بقصَّتِه، بتَلوينٍ لحِكايةِ أقوالِه، وأقوالِ قَومِه، وقَولِ اللهِ له، وتلك ثَمانِ مَقالاتٍ؛ هي:
أ- أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ ... إلخ [نوح: 1] .
ب- قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ... إلخ [نوح: 2] .
ج- قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي ... إلخ [نوح: 5] .
د- فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ... إلخ [نوح: 10] .
هـ- قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي ... إلخ [نوح: 21] .
و- وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا ... إلخ [نوح: 24] .
ز- وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ ... إلخ [نوح: 26] .
ح- رَبِّ اغْفِرْ لِي ... إلخ [نوح: 28] .
- قولُه: فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا فيه تأْكيدٌ للمدْحِ بما يُشبِهُ الذَّمَّ، أو تأْكيدُ الشَّيءِ بما يُشبِهُ ضِدَّه، وهو هنا تأْكيدُ إعراضِهم المُشبَّهِ بالابتعادِ بصُورةٍ تُشبِهُ ضِدَّ الإعراضِ، ولَمَّا كان فِرارُهم مِن التَّوحيدِ ثابتًا لهم مِن قبْلُ، كان قولُه: فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا مِن تأْكيدِ الشَّيءِ بما يُشبِهُ ضِدَّه .
- وتَصديرُ كلامِ نُوحٍ بالتَّأكيدِ؛ لإرادةِ الاهتِمامِ بالخبرِ .
2- قولُه تعالَى: وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا
- قولُه: وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ جاء بكَلمةِ (كلَّما) الدَّالَّةِ على شُمولِ كلِّ دَعوةٍ مِن دَعَواتِه مُقترِنةً بدَلائلِ الصَّدِّ عنها؛ لأنَّ المعنى: أنَّهم لم يُظهِروا مَخِيلةً مِن الإصغاءِ إلى دَعوتِه، ولم يَتخلَّفوا عن الإعراضِ والصُّدودِ عن دَعوتِه طَرْفةَ عَينٍ .
- وحُذِفَ مُتعلَّقُ دَعَوْتُهُمْ؛ لدَلالةِ ما تَقدَّمَ عليه مِن قولِه: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [نوح: 3] ، والتَّقديرُ: كلَّما دَعوتُهم إلى عِبادتِك وتَقْواك وطاعَتي فيما أمَرْتُهم به .
- واللَّامُ في قولِه: لِتَغْفِرَ لامُ التَّعليلِ، أي: دَعوتُهم بدَعوةِ التَّوحيدِ، فهو سبَبُ المغفرةِ، فالدَّعوةُ إليه مُعلَّلةٌ بالغُفرانِ. وجُعِلَت الدَّعوةُ مُعلَّلةً بمَغفرةِ اللهِ لهم؛ لأنَّها دَعوةٌ إلى سَببِ المغفرةِ، وهو الإيمانُ باللهِ وحْدَه وطاعةُ أمْرِه على لِسانِ رَسولِه، وفي ذلك تَعريضٌ بتَحميقِهم، وتَعجُّبٌ مِن خُلُقِهم؛ إذ يُعرِضون عن الدَّعوةِ لِما فيه نَفْعُهم، فكان مُقْتضى الرَّشادِ أنْ يَسمَعوها ويَتدبَّرُوها .
- قولُه: جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ يَجوزُ أنْ يكونَ كِنايةً عن المُبالَغةِ في إعراضِهم عمَّا دَعاهم إليه، فهمْ بمَنزلةِ مَن سَدَّ سَمْعَه، ومنَعَ بَصَرَه . ويجوزُ أنْ يكونَ تَمثيلًا لحالِهم في الإعراضِ عن قَبولِ كَلامِه، ورُؤيةِ مَقامِه بحالِ مَن يسُكُّ سمْعَه بأُنملتَيْه، ويَحجُبُ عَينَيه بطَرَفِ ثَوبِه .
- وعُبِّرَ عن الأناملِ بالأصابعِ؛ للمُبالَغةِ في إرادةِ سَدِّ المَسامِعِ، بحيث لو أمكَنَ لأدْخَلوا الأصابعَ كلَّها .
- والسِّينُ والتَّاءُ في (اسْتَغْشَوْا) للمُبالَغةِ .
- وحُذِفَ مُتعلَّقُ وَأَصَرُّوا؛ لظُهورِه، أي: أصَرُّوا على ما همْ عليه مِن الشِّركِ .
- قولُه: وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (اسْتَكْبَرُوا) مُبالَغةٌ في تَكبَّروا، أي: جَعَلوا أنفُسَهم أكبَرَ مِن أنْ يَأْتمِروا لواحدٍ منهم. وتأْكيدُ وَاسْتَكْبَرُوا بمَفعولِه المُطلَقِ اسْتِكْبَارًا؛ للدَّلالةِ على تَمكُّنِ الاستِكبارِ .
- وتَنوينُ اسْتِكْبَارًا للتَّعظيمِ، أي: استِكبارًا شَديدًا، لا يَفُلُّه حدُّ الدَّعوةِ .
- قولُه: ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا عُطِفَ الكلامُ بـ (ثُمَّ) الَّتي تُفيدُ في عَطْفِها الجُمَلَ أنَّ مَضمونَ الجُملةِ المعطوفةِ أهمُّ مِن مَضمونِ المعطوفِ عليها؛ لأنَّ اختِلافَ كَيفيَّةِ الدَّعوةِ ألْصَقُ بالدَّعوةِ مِن أوقاتِ إلْقائِها؛ لأنَّ الحالةَ أشدُّ مُلابَسةً بصاحِبِها مِن مُلابَسةِ زَمانِه، فذَكَر أنَّه دَعاهم جِهارًا، أي: عَلَنًا، ثمَّ ارْتَقى فذَكَرَ أنَّه جمَعَ بيْن الجَهرِ والإسرارِ؛ لأنَّ الجمْعَ بيْنَ الحالتَينِ أقْوى في الدَّعوةِ، وأغلَظُ مِن إفرادِ إحْداهما، فقولُه: أَعْلَنْتُ لَهُمْ تأْكيدٌ لقولِه: دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا؛ ذُكِرَ ليُبْنى عليه عطْفُ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا، والمعْنى: أنَّه تَوخَّى ما يَظُنُّه أوْغَلَ إلى قُلوبِهم مِن صِفاتِ الدَّعوةِ؛ فجَهَر حينَ يكونُ الجهرُ أجْدى مِثلُ مَجامعِ العامَّةِ، وأسرَّ للَّذين يَظُنُّهم مُتجَنِّبينَ لَوْمَ قَومِهم عليهم في التَّصدِّي لسَماعِ دَعوتِه، وبذلك تكونُ ضَمائرُ الغَيبةِ في قولِه: دَعَوْتُهُمْ، وقولِه: أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ مُوزَّعةً على مُختَلِفِ النَّاسِ .
- وانتصَب جِهَارًا بالنيابةِ عن المفعولِ المطلقِ المبيِّنِ لنوعِ الدعوةِ، وانتصَبَ إِسْرَارًا على أنَّه مَفعولٌ مُطلَقٌ مُفيدٌ للتَّوكيدِ، أي: إسرارًا خَفيًّا .
3- قولُه تعالَى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا فصَّل دَعوتَه بفاءِ التَّفريعِ فقال: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ؛ فهذا القولُ هو الَّذي قالَه لهم ليلًا ونهارًا، وجِهارًا وإسرارًا .
- قولُه: إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا تعليلٌ لقولِه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ؛ علَّلَ لهم بأنَّ اللهَ مَوصوفٌ بالغُفرانِ صِفةً ثابتةً تَعهَّدَ اللهُ بها لعِبادِه المستغفرينَ، فأفادَ التَّعليلَ بحرْفِ (إنَّ)، وأفاد ثُبوتَ الصِّفةِ للهِ بذِكرِ فِعلِ (كان)، وأفاد كَمالَ غُفرانِه بصِيغةِ المُبالَغةِ بقولِه: غَفَّارًا، وهذا وعْدٌ بخَيرِ الآخِرةِ. ورتَّبَ على الوعْدِ بخيرِ الآخرةِ وعْدًا بخيرِ الدُّنيا بطَريقِ جَوابِ الأمرِ، وهو يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ ... الآيةَ .
- قولُه: غَفَّارًا  صيغةُ مبالغةٍ، وهو أبلغُ في المغفرةِ مِن (غافر)؛ لأنَّ (فعَّالًا) يدلُّ على كثرةِ صدورِ الفعلِ، و(فاعلًا) لا يدلُّ على الكثرةِ، وقوَّةُ اللفظِ تدلُّ على قوةِ المعنَى، فالألفاظُ أدلةٌ على المعاني، وأمثلةٌ للإبانةِ عنها .
- وقدَّمَ إليهم الموعدَ بما هو أوقَعُ في نُفوسِهم وأحَبُّ إليهم؛ مِن المنافعِ الحاضرةِ، والفوائدِ العاجلةِ؛ تَرغيبًا في الإيمانِ وبَرَكاتِه، والطَّاعةِ ونَتائجِها مِن خَيرِ الدَّارَينِ .
- قولُه: يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا الإرسالُ: مُعبَّرٌ به عن الإيصالِ والإعطاءِ، وتَعديتُه بـ عَلَيْكُمْ لأنَّه إيصالٌ مِن عُلوٍّ. والمِدرارُ: الكثيرةُ الدَّرِّ والدُّرورِ، وهو السَّيَلانُ، ومعْنى ذلك: أنْ يَتبَعَ بَعضُ الأمطارِ بَعضًا، ومِدرارٌ زِنةُ مُبالَغةٍ .
4- قولُه تعالَى: وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا فيه إعادةُ فِعلِ (يَجعَل) بعْدَ واوِ العطفِ في قولِه: وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا للتَّوكيدِ؛ اهتمامًا بشأْنِ المعطوفِ؛ لأنَّ الأنهارَ قِوامُ الجنَّاتِ، وتَسْقي المزارعَ والأنعامَ .