موسوعة التفسير

سُورةُ القَمَرِ
الآيات (1-8)

ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ

غريب الكلمات:

مُسْتَمِرٌّ: أي: ذاهِبٌ، مِن قَولِهم: مَرَّ الشَّيءُ على وَجهِه واستَمَرَّ، أي: ذَهَبَ، وقيل: شَديدٌ قَوِيٌّ مُحكَمٌ؛ مِن قَولِهم: قد مرَّ الحَبْلُ: إذا صَلُبَ وقَوِيَ واشتَدَّ، وأصلُ (مرر) هنا: يدُلُّ على مُضِيِّ الشَّيءِ [6] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 431)، ((تفسير ابن جرير)) (22/112-114)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/270)، ((البسيط)) للواحدي (21/90، 91). .
مُسْتَقِرٌّ: أي: واقِعٌ كائِنٌ، وأصلُ (قرر): يدُلُّ على تمكُّنٍ [7] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/7)، ((تفسير ابن كثير)) (7/475). .
مُزْدَجَرٌ: أي: مُتَّعَظٌ ومُنتهًى عن الشِّركِ والمَعاصي، وأصلُ (زجر): يدُلُّ على الانتِهارِ [8] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 431)، ((تفسير ابن جرير)) (22/115)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 450)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/47)، ((المفردات)) للراغب (ص: 378)، ((تفسير القرطبي)) (17/128)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 878). .
النُّذُرُ: أي: الرُّسُلُ، وأصلُ (نذر): يدُلُّ على تخويفٍ [9] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/414)، ((تفسير القرطبي)) (17/129)، ((تفسير ابن كثير)) (6/556). .
نُكُرٍ: أي: مُنكَرٍ فَظيعٍ، وأصلُ (نكر): يدُلُّ على خِلافِ المَعرِفةِ [10] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 431)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/476)، ((المفردات)) للراغب (ص: 824)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 917). .
خُشَّعًا: أي: ذَليلةً خاضِعةً، وأصلُ (خشع): يدُلُّ على التَّطامُنِ [11] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/117)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/182)، ((تفسير ابن كثير)) (7/476). .
الْأَجْدَاثِ: أي: القُبورِ، جَمعُ جَدَثٍ [12] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 366)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/436)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 349)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 52). .
مُهْطِعِينَ: أي: مُسرِعينَ مُقبِلينَ، وأصلُ (هطع): يدُلُّ على إقبالٍ على الشَّيءِ وانقيادٍ [13] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 233)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 442)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/56)، ((تفسير البغوي)) (7/428)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 186)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 397). .
عَسِرٌ: أي: صَعبٌ شَديدٌ، وأصلُ (عسر): يدُلُّ على صُعوبةٍ وشِدَّةٍ [14] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/119)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/319)، ((المفردات)) للراغب (ص: 566)، ((تفسير القرطبي)) (17/130). .

مشكل الإعراب:

قوله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ
قَولُه تعالى: يَوْمَ: مَنصوبٌ على الظَّرفيَّةِ بـ يَخْرُجُونَ، أو على المَفعوليَّةِ بـ «اذْكُرْ» مُضمَرةً. وعليهما فيُوقَفُ على فَتَوَلَّ عَنْهُمْ وَقفًا تامًّا، ثمَّ يُبدَأُ بما بَعْدَها. وجَوَّزَ بَعضُهم نَصْبَ يَوْمَ على الظَّرفيَّةِ بـ «تَوَلَّ»، معناه: فتَولَّ عنهم يومَ يدعو الدَّاعي؛ لأنَّهم لَمَّا أعرَضوا حينَ دعاهم كان جزاؤُهم أن يُعرِضَ عنهم يومَ حاجتِهم إليه؛ لأنَّ الجزاءَ مِن جِنسِ العَمَلِ. وعلى هذا فلا يُوقَفُ على فَتَوَلَّ عَنْهُمْ. وقيلَ غَيرُ ذلك في ناصِبِ يَوْمَ.
وحُذِفَت الواوُ مِن يَدْعُ لَفظًا؛ لالتِقاءِ السَّاكِنَينِ، وخَطًّا؛ اتِّباعًا لِلَّفظِ.
 وحُذِفَت الياءُ مِن الدَّاعِ تخفيفًا واكتِفاءً بالكَسرةِ؛ إجراءً لـ «أل» مجرى ما عاقَبَها وهو التَّنوينُ، فكما تُحذَفُ الياءُ مع التنوينِ كذلك مع ما عاقَبها.
خُشَّعًا حالٌ مُقَدَّمةٌ مِن فاعلِ يَخْرُجُونَ. أَبْصَارُهُمْ فاعِلٌ باسمِ الفاعِلِ خُشَّعًا: جمعُ خاشِعٍ. يَخْرُجُونَ حالٌ مِنَ الضَّميرِ في أَبْصَارُهُمْ، أو جملةٌ مُستأنَفةٌ لا محَلَّ لها مِن الإعرابِ [15] يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/86)، ((البسيط)) للواحدي (21/94)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (2/1193)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (10/123-128)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/99)، ((تفسير الألوسي)) (14/79). .

المعنى الإجمالي:

افتَتَح اللهُ تعالى هذه السُّورةَ الكريمةَ بالإخبارِ بدُنُوِّ القيامةِ، وبانفِلاقِ القَمَرِ فِلقَتَينِ؛ تأييدًا لنبيِّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، ثمَّ يُخبِرُ تعالى عنْ مُشرِكي قُرَيشٍ بأنَّهم إنْ يَرَوا عَلامةً تَدُلُّهم على صِدقِ نُبُوَّةِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يُعرِضوا عن الإيمانِ بها، ويَقولوا مُنكِرينَ لها: هذا الَّذي يُرينا محمَّدٌ إيَّاه سِحرٌ ذاهِبٌ لا حقيقةَ له!
 ثمَّ بيَّن الله تعالى حالَهم، فقال: وكَذَّبوا بالحَقِّ، واتَّبَعوا ما يَشتَهونَه بلا بُرهانٍ، وكُلُّ أمرٍ مُستَقِرٌّ إلى غايةٍ في الدُّنيا أو في الآخِرةِ، ولقد جاء مُشرِكي قُرَيشٍ مِنَ الأنباءِ ما فيه زَجرٌ لهم عن الكُفرِ باللهِ، والتَّكذيبِ بآياتِه ورُسُلِه؛ حِكمةٌ تامَّةٌ قد بَلَغَت الغايةَ، واصِلةٌ إلى المقصودِ منها، فما تَنفَعُهم النُّذُرُ، وهم مُعِرضونَ عن الآياتِ؟!
ثمَّ سلَّى رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: فأَعرِضْ عنهم؛ فإنَّ الإنذارَ لا يُجدي فيهم. يومَ يَدعو الدَّاعي النَّاسَ إلى مَوقِفٍ فَظيعٍ كَثيرِ الأهوالِ يَخرُجونَ مِن قُبورِهم وأبصارُهم ذَليلةٌ خاضِعةٌ؛ مِن شِدَّةِ خَوفِهم وفَزَعِهم، فيَتوَجَّهونَ إلى مَوقِفِ الحِسابِ، وكأنَّهم في انتِشارِهم وكَثرتِهم جَرادٌ مُنتَشِرٌ، مُسرِعينَ إلى الدَّاعي؛ تلبيةً لنِدائِه، يقولُ الكافِرونَ يومَ القيامةِ: هذا يومٌ شَديدُ الصُّعوبةِ والعُسرِ.

تفسير الآيات:

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1).
أسبابُ النُّزولِ:
عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (انشَقَّ القَمَرُ على عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت قُرَيشٌ: هذا سِحرُ ابنِ أبي كَبْشةَ [16] أبو كَبْشةَ: رجُلٌ مِن خُزاعةَ خالَفَ قُرَيشًا في عبادةِ الأوثانِ، وعَبَد الشِّعْرَى، فلمَّا خالَفَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في عبادةِ الأوثانِ شَبَّهوه به، ونَسَبوه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليه. وقيل: إنَّه كان جَدَّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن قِبَلِ أمِّه، فأرادوا أنَّه نَزَع في الشَّبَهِ إليه. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/144). ! سَحَرَكم، فسَلُوا السُّفَّارَ [17] السُّفَّارَ: أي: المسافِرينَ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/371)، ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 148). ، فسَألُوهم، فقالوا: نَعَمْ، قد رَأَيْناه، فأنزَلَ اللهُ تبارك وتعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [18] أخرجه الطَّيالسي (293)، والطَّحاوي في ((شرح مُشْكِل الآثار)) (697) مختصَرًا، وابنُ جرير في ((التفسير)) (22/567) واللَّفظُ له. صَحَّحه ابنُ حجر في ((موافقة الخُبْرِ الخَبَر)) (1/203)، وصَحَّح إسنادَه على شرطِ البخاريِّ شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((شرح مُشْكِل الآثار)) (697). .
وعن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (سألَ أهلُ مكَّةَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم آيةً، فانشَقَّ القمَرُ بمكَّةَ مرَّتَينِ [19] مرَّتَينِ: أي: شِقَّتَينِ وفِلقتَينِ. يُنظر: ((إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان)) لابن القيم (1/301)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (4/304)، ((فتح الباري)) لابن حجر (7/183). ، فنَزَلت اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ إلى قَولِه: سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ، يقولُ: ذاهِبٌ) [20] أخرجه الترمذي (3286) واللَّفظُ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11554)، وأحمد (12688). قال الترمذي: (حسَنٌ صحيحٌ)، وصَحَّحه الحاكمُ في ((المستدرك)) (2/513) وقال: (على شرطِهما)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (3286)، وصَحَّح إسنادَه على شرط الشَّيخينِ شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (20/118). والحديثُ أصلُه في الصَّحيحَينِ دونَ ذِكرِ نُزولِ الآيةِ؛ أخرجه البخاري (4867)، ومسلم (2802). .
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ.
أي: دَنَت القيامةُ الَّتي يَبعَثُ اللهُ فيها عِبادَه للحِسابِ والجَزاءِ [21] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/103)، ((تفسير ابن كثير)) (7/470)، ((تفسير السعدي)) (ص: 823)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 261). !
قال الله تبارك وتعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ [الأنبياء: 1 - 3] .
وعن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((بُعِثْتُ أنا والسَّاعةُ كهاتَينِ -وضَمَّ السَّبَّابةَ والوُسْطى )) [22] رواه البخاري (6504)، ومسلم (2951) واللَّفظُ له. .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه سَمِعَ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إنَّما أجَلُكم في أجَلِ مَن خَلا مِنَ الأُمَمِ ما بيْنَ صلاةِ العَصرِ إلى مَغرِبِ الشَّمسِ! )) [23] رواه البخاري (3459). .
وَانْشَقَّ الْقَمَرُ.
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان الإخبارُ باقتِرابِ السَّاعةِ يَحتاجُ عندَ المعانِدِ إلى آيةٍ دالَّةٍ عليه، وكانت الآياتُ السَّماويَّةُ أعظَمَ -فالتَّأثيرُ فيها أدَلُّ على تمامِ الاقتِدارِ-، وكان القَمَرُ أدَلَّ على الأنواءِ الَّتي بها مَنافِعُ الخَلقِ في مَعاشِهم، وكانت العَرَبُ أعرَفَ النَّاسِ بها- دَلَّهم على التَّأثيرِ فيه على اقتِرابِها، فقال [24] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/87). :
وَانْشَقَّ الْقَمَرُ.
أي: وقد انفَلَق القَمَرُ، فصار فِلقَتَينِ بإذنِ اللهِ؛ تأييدًا لنبيِّه محمَّدٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ [25] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/103)، ((تفسير ابن عطية)) (5/211)، ((تفسير القرطبي)) (17/125، 126)، ((الجواب الصحيح)) لابن تيمية (6/160، 161، 420)، ((تفسير السعدي)) (ص: 823)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 263). قال ابن كثير: (قد كان هذا في زَمانِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما ثَبَت ذلك في الأحاديثِ المُتواتِرةِ بالأسانيدِ الصَّحيحةِ، وقد ثَبَت في الصَّحيحِ عن ابنِ مَسعودٍ أنَّه قال: «خَمْسٌ قد مَضَيْنَ: الرُّومُ، والدُّخَانُ، واللِّزامُ، والبَطشةُ، والقمَرُ» [((صحيح البخاري)) (4767)، ((صحيح مسلم)) (2798)]، وهذا أمرٌ مُتَّفَقٌ عليه بيْنَ العُلَماءِ: أنَّ انشِقاقَ القَمَرِ قد وقع في زمانِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّه كان إحدى المُعجِزاتِ الباهِراتِ). ((تفسير ابن كثير)) (7/472). ويُنظر: ((البداية والنهاية)) لابن كثير (4/293)، (8/558). وقال الواحدي: (إلَّا ما روى عثمانُ بنُ عطاءٍ عن أبيه أنَّه قال: معناه: وسيَنشَقُّ القمرُ. وهو مَحجوجٌ بإجماعِ المفسِّرينَ على خلافِه، وبالأخبارِ المتظاهرةِ في انشقاقِ القمرِ). ((البسيط)) (21/89). .
عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((انشَقَّ القَمَرُ على عَهدِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شِقَّتَينِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اشهَدوا! )) [26] رواه البخاري (3636) واللَّفظُ له، ومسلم (2800). .
وعن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ أهلَ مَكَّةَ سألوا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُريَهم آيةً، فأراهم القَمَرَ شِقَّتَينِ، حتَّى رأَوا حِراءً بَيْنَهما )) [27] رواه البخاري (3868) واللَّفظُ له، ومسلم (2802). .
وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان التَّقديرُ: فأعرَضَ الكُفَّارُ عن آيةِ انشِقاقِه، وقالوا: سِحرٌ، مع عِلْمِهم بأنَّه دالٌّ قَطْعًا على صِدقِ مَن انَشَقَّ لتَصديقِه؛ عَطَف عليه الإعلامَ بحالِهم في المُستَقبَلِ؛ فَطمًا لِمَن يَطلُبُ مِنَ المُؤمِنينَ إجابةَ مُقتَرَحٍ مِن مُقتَرحاتِهم؛ رجاءَ إيمانِهم، فقال [28] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/96). :
وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2).
أي: وإنْ يَرَ مُشرِكو قُرَيشٍ عَلامةً باهِرةً تَدُلُّهم على صِدقِ نُبُوَّةِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يُعرِضوا عن الإيمانِ بها، ويَقولوا مُنكِرينَ لها: هذا الَّذي يُرينا محمَّدٌ مِنَ المُعجِزاتِ -كانشِقاقِ القَمَرِ- سِحرٌ ذاهِبٌ باطِلٌ لا قَرارَ له، وخيالٌ لا حقيقةَ له [29] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/112)، ((تفسير القرطبي)) (17/127)، ((تفسير ابن كثير)) (7/475)، ((تفسير السعدي)) (ص: 824)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 263، 264). ممَّن اختار المعنى المذكورَ؛ أنَّ المرادَ بقولِه: مُسْتَمِرٌّ أي: ذاهبٌ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والفَرَّاءُ، وابنُ جرير، والزَّجَّاجُ، وابن أبي زَمَنين، والثعلبي، ومكِّي، والواحدي، والعُلَيمي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/177)، ((معاني القرآن)) للفراء (3/104)، ((تفسير ابن جرير)) (22/112)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/85)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (4/315)، ((تفسير الثعلبي)) (9/162)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (11/7184)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1045)، ((تفسير العليمي)) (6/458). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: مجاهِدٌ، وقَتادةُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/113)، ((تفسير الثعلبي)) (9/162)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/197)، ((تفسير ابن كثير)) (7/475). وقيل: إنَّ المرادَ به: دائمٌ. وممَّن اختاره: الزمخشريُّ، والخازن، وابنُ جُزَي، والألوسي. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/431)، ((تفسير الخازن)) (4/218)، ((تفسير ابن جزي)) (2/322)، ((تفسير الألوسي)) (14/77). وقيل: المرادُ: شديدٌ. وممَّن اختاره: أبو عُبَيْدةَ، وابنُ قُتَيْبةَ. يُنظر: ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (2/240)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 431). قال ابنُ جُزَي: (قيل: شديدٌ. وهو على هذا المعنى مِن المِرَّةِ، وهي القُوَّةُ). ((تفسير ابن جزي)) (2/322). وممَّن قال مِن السَّلفِ: إنَّ المرادَ: مُحكَمٌ شديدٌ قويٌّ: الضَّحَّاكُ، وأبو العاليةِ. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (9/162)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/197). قال الفراءُ: (قال بعضُهم: سِحْرٌ يُشبِهُ بعضُه بعضًا). ((معاني القرآن)) (3/104). وقال السمعاني: (فيحتمِلُ أن يكونَ معناه: فِعلُه هذا في السِّحرِ يُشبِهُ سائرَ أفعالِه في السِّحرِ. ويحتملُ أنَّ معناه: سِحرُه يُشبِهُ سِحرَ موسى وعيسى وغَيرِهما). ((تفسير السمعاني)) (5/307). !
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3).
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ.
أي: وكَذَّبوا بالحَقِّ، واتَّبَعوا ما يَشتَهونَه ويَختارونَه مِنَ الباطِلِ بلا دَليلٍ ولا بُرهانٍ [30] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/114)، ((تفسير ابن عطية)) (5/212)، ((تفسير القرطبي)) (17/128)، ((تفسير ابن كثير)) (7/475)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 264). .
كما قال الله تبارك وتعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص: 50].
وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ.
أي: وكُلُّ أمرٍ لا بُدَّ أن يَستَقِرَّ في نهايتِه إلى غايةٍ في الدُّنيا أو في الآخِرةِ؛ فالحَقُّ ثابِتٌ، والباطِلُ زائِلٌ، وأهلُ الخَيرِ يَستَقِرُّونَ في الجنَّةِ، وأهلُ الشَّرِّ يَستَقِرُّونَ في النَّارِ [31] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/114)، ((تفسير ابن عطية)) (5/212)، ((تفسير القرطبي)) (17/128)، ((تفسير ابن كثير)) (7/475)، ((تفسير السعدي)) (ص: 824)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 264). .
قال تعالى: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [الأنعام: 67] .
وقال الله سُبحانَه وتعالى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء: 81] .
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4).
أي: ولقد جاء مُشرِكي قُرَيشٍ مِنَ الأنباءِ ما فيه زَجرٌ لهم وانتِهاءٌ يَردَعُهم عن الكُفرِ باللهِ، والتَّكذيبِ بآياتِه ورُسُلِه [32] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/115)، ((تفسير ابن عطية)) (5/212)، ((تفسير القرطبي)) (17/128)، ((الجواب الصحيح)) لابن تيمية (6/447)، ((تفسير ابن كثير)) (7/475)، ((تفسير السعدي)) (ص: 824)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 264). قيل: الأنباءُ هنا هي أخبارُ الأُمَمِ المُكَذِّبةِ لرُسُلِها، وما أصابهم مِنَ الهلاكِ. ومِمَّن قال بهذا المعنى: ابنُ جرير، واستظهره الرَّازيُّ، وذهب إليه القرطبيُّ، وابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/115)، ((تفسير الرازي)) (29/291)، ((تفسير القرطبي)) (17/128)، ((تفسير ابن كثير)) (7/475). قال ابنُ عاشور: (أي: جاءهم في القُرآنِ مِن أنباءِ الأُمَمِ ما فيه مُزدَجَرٌ لهؤلاء. أو أُريدَ بالأنباءِ: الحُجَجُ الوارِدةُ في القُرآنِ، أي: جاءهم ما هو أشَدُّ في الحُجَّةِ مِن انشِقاقِ القَمَرِ). ((تفسير ابن عاشور)) (27/174). وقيل: يدخُلُ في المرادِ بالأنباءِ: ما ورد في القُرآنِ مِن المواعِظِ والقَصَصِ والبَراهينِ ومَثُلاتِ الأُمَمِ الكافِرةِ. وممَّن قال بهذا المعنى في الجملةِ: ابنُ عطيَّة، وابنُ جُزَي. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/212)، ((تفسير ابن جزي)) (2/322). .
حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5).
حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ.
أي: حِكمةٌ تامَّةٌ كامِلةٌ -قد بَلَغَت الغايةَ، فلا نَقْصَ فيها ولا خَلَلَ-، واصِلةٌ إلى المقصودِ منها [33] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/116)، ((البسيط)) للواحدي (21/94)، ((تفسير السمعاني)) (5/308)، ((تفسير ابن عطية)) (5/212)، ((تفسير القرطبي)) (17/128)، ((تفسير الشوكاني)) (5/146)، ((تفسير السعدي)) (ص: 824)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/175)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 265). قال الرَّسْعَني: (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ بدَلٌ مِن «ما»، أو خَبَرُ مُبتدَأٍ مَحذوفٍ، تقديرُه: هو حِكمةٌ تامَّةٌ قد بَلَغت الغايةَ). ((تفسير الرسعني)) (7/511). قيل: المرادُ بالحِكمةِ البالِغةِ: القُرآنُ. وممَّن ذهب إلى هذا القولِ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، والسَّمعانيُّ، والبغوي، والقرطبي، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/ 177)، ((تفسير ابن جرير)) (22/116)، ((تفسير السمعاني)) (5/308)، ((تفسير البغوي)) (4/322)، ((تفسير القرطبي)) (17/128)، ((تفسير الشوكاني)) (5/146). قال البغوي: (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ، يعني: القُرآنُ حِكمةٌ تامَّةٌ قد بلغت الغايةَ في الزَّجْرِ). ((تفسير البغوي)) (4/322). وقال الواحدي: (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ أي: ما أتاهم مِن أخبارِ مَنْ قَبْلَهم حِكمةٌ بالِغةٌ تامَّةٌ ليس فيها نُقصانٌ، أي: القُرآنُ؛ وذلك أنَّ تلك الأخبارَ قُصَّت عليهم في القُرآنِ). ((الوجيز)) (ص: 1046). وذكر الرَّازيُّ وُجوهًا؛ منها: أنَّ المرادَ: شأنُ السَّاعةِ وعَلاماتُها. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/291). ويُنظر أيضًا: ((تفسير البيضاوي)) (5/164). وقال ابنُ كثير: (قَولُه: حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ أي: في هدايتِه تعالى لِمَن هَداه، وإضلالِه لِمَن أضَلَّه). ((تفسير ابن كثير)) (7/475). وممَّن قال في الجملةِ بأنَّ معنى بَالِغَةٌ: تامَّةٌ وكامِلةٌ: الواحديُّ، والسمعاني، والبغوي، والشوكاني. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (21/94)، ((تفسير السمعاني)) (5/308)، ((تفسير البغوي)) (4/322)، ((تفسير الشوكاني)) (5/146). وقيل: المرادُ: واصِلةٌ إلى الغَرَضِ المقصودِ منها. وممَّن قال بهذا المعنى في الجملةِ: ابنُ عطيَّة، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/212)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/175). وممَّن جمَع بيْن المعنيَينِ السَّابقَينِ: ابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 265). .
فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ.
أي: فما تَنفَعُهم النُّذُرُ وهم مُعرِضونَ عن الآياتِ [34] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/116)، ((تفسير القرطبي)) (17/129)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/175، 176)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 265). قال ابنُ جرير: (في «مَا» الَّتي في قَولِه: فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ وجهانِ؛ أحَدُهما: أن تكونَ بمعنى الجَحدِ، فيكونَ -إذا وُجِّهَتْ إلى ذلك- معنى الكلامِ: فليسَت تُغْني عنهم النُّذُرُ، ولا يَنتَفِعونَ بها؛ لإعراضِهم عنها، وتكذيبِهم بها. والآخَرُ: أن تكونَ بمعنى: «أَنَّى»، فيكونَ معنى الكلامِ إذا وُجِّهَت إلى ذلك: فأيَّ شَيءٍ تُغْني عنهم النُّذُرُ؟). ((تفسير ابن جرير)) (22/116). وقال الشوكاني: (والنُّذُرُ جمعُ نذيرٍ، بمعنَى المُنْذِرِ، أو بمعنَى الإنذارِ على أنَّه مَصدَرٌ). ((تفسير الشوكاني)) (5/146). .
قال تعالى: وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ [يونس: 101] .
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بان أنَّ المكذِّبينَ لا حيلةَ في هداهم؛ لم يَبْقَ إلَّا الإعراضُ والتَّولِّي عنهم، فقال [35] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 824). :
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ.
أي: فأعرِضْ -يا محمَّدُ- عن هؤلاء المكذِّبينَ المُعانِدينَ [36] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/116)، ((تفسير ابن عطية)) (5/212)، ((تفسير ابن كثير)) (7/476)، ((تفسير السعدي)) (ص: 824)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/176)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 265). قال ابن عاشور: (هذا تَسليةٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتَطمينٌ له بأنَّه ما قَصَّر في أداءِ الرِّسالةِ، ولا تعَلُّقَ لهذه الآيةِ بأحكامِ قِتالِهم؛ إذْ لم يكن السِّياقُ له، ولا حدَثَت دواعيه يومَئذٍ؛ فلا وَجْهَ للقَولِ بأنَّها مَنسوخةٌ). ((تفسير ابن عاشور)) (27/176). قال الواحدي: (وهاهنا وقْفُ التَّمامِ). ((البسيط)) (21/94). قال أبو عَمرٍو الدَّاني: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ تامٌّ. وقال ابنُ الأنباري: غيرُ تامٍّ. وليس كما قال؛ لأنَّ جميعَ أهلِ التَّفسيرِ يَجعلَون العاملَ في الظَّرفِ يَخْرُجُونَ [القمر: 7]. والمعنى عندَهم على [التَّقديمِ و] التَّأخيرِ، والتَّقديرُ: يَخرُجون مِن الأجْداثِ يومَ يَدْعُ الدَّاعِ، فإذا كان كذلك فالتَّمامُ: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ). ((المكتفى في الوقف والابتدا)) (ص: 207). ويُنظر: ((إيضاح الوقف والابتداء)) لابن الأنباري (2/913). .
يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ.
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بَيَّن اقتِرابَ السَّاعةِ بالإجابةِ إلى بَعضِ مُقتَرَحاتِهم، تطَلَّعَت النُّفوسُ إلى وَصفِ السَّاعةِ؛ فأجاب عن ذلك على سَبيلِ الاستِئنافِ بذِكرِ ظَرْفِها، وذِكرِ ما يقَعُ فيه مِنَ الأهوالِ [37] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/99). .
يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ.
أي: يومَ يَدعو داعي اللهِ النَّاسَ إلى مَوقِفٍ فَظيعٍ، شَديدِ البَلاءِ، كَثيرِ الأهوالِ، لم يُشاهِدِ النَّاسُ له نظيرًا [38] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/116، 117)، ((تفسير القرطبي)) (17/129)، ((تفسير ابن جزي)) (2/323)، ((تفسير ابن كثير)) (7/476)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/176-178)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 265). قال القرطبي: (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ العامِلُ في يَوْمَ: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ، أو خُشَّعًا، أو فِعلٌ مُضمَرٌ تَقديرُه: واذكُرْ يَومَ. وقيل: على حَذفِ حَرفِ الفاءِ وما عَمِلَت فيه مِن جوابِ الأمرِ، تقديرُه: فتوَلَّ عنهم؛ فإنَّ لهم يومَ يدعو الدَّاعي. وقيل: توَلَّ عنهم -يا محمَّدُ-؛ فقد أقمْتَ الحُجَّةَ، وأبصِرْهم يومَ يدعو الدَّاعي. وقيل: أي: أعرِضْ عنهم يومَ القيامةِ، ولا تسألْ عنهم وعن أحوالِهم؛ فإنَّهم يُدْعَونَ إلى شيءٍ نُكُرٍ، ويَنالُهم عذابٌ شديدٌ). ((تفسير القرطبي)) (17/129). وقال أبو حيَّان: (الدَّاعِ: هو إسرافيلُ، أو جِبرائيلُ، أو مَلَكٌ غيرُهما موكَّلٌ بذلك). ((تفسير أبي حيان)) (10/35). .
كما قال تعالى: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق: 41، 42].
خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بَيَّن دُعاءَه بما هال أمرُه؛ بَيَّنَ حالَ المَدْعُوِّينَ؛ زيادةً في الهَولِ، فقال [39] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/100). :
خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ.
أي: يَخرُجونَ مِن قُبورِهم والحالُ أنَّ أبصارَهم ذَليلةٌ خاضِعةٌ؛ مِن شِدَّةِ خَوفِهم وفَزَعِهم [40] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/117)، ((تفسير القرطبي)) (17/129)، ((تفسير ابن كثير)) (7/476)، ((تفسير السعدي)) (ص: 824)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/177)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 266). قال الواحدي: (قال المفسِّرون: يعني: ذليلةً خاضِعةً أبصارُهم عِندَ مُعايَنةِ العَذابِ. وقال أهل المعاني: وُصِفَت الأبصارُ بالخُشوعِ؛ لأنَّ ذِلَّةَ الذَّليلِ وعِزَّةَ العَزيزِ تَتبيَّنُ في نَظَرِه). ((البسيط)) (21/96). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/117)، ((معاني القرآن)) للزجاج (5/86). !
كما قال الله تبارك وتعالى: خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ [المعارج: 44].
وقال سُبحانَه: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ [النازعات: 8، 9].
يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ.
أي: يَخرُجونَ مِنَ القُبورِ، فيَتوَجَّهونَ إلى مَوقِفِ الحِسابِ، وكأنَّهم في انتِشارِهم وكَثرتِهم جَرادٌ مُنتَشِرٌ [41] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/117، 118)، ((تفسير ابن كثير)) (7/476)، ((تفسير السعدي)) (ص: 824)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 265). قال ابن جُزَي: (شبَّههم بالجرادِ في خروجِهم مِن الأرضِ، فكأنَّه استِدلالٌ على البعثِ، كالاستِدلالِ بخروجِ النَّباتِ). ((تفسير ابن جزي)) (2/323). وقال ابن جرير: (كأنَّهم في انتِشارِهم وسَعيِهم إلى مَوقِفِ الحِسابِ جَرادٌ مُنتَشِرٌ). ((تفسير ابن جرير)) (22/118). وقال ابن كثير: (كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ أي: كأنَّهم في انتِشارِهم وسُرعةِ سَيرِهم إلى مَوقِفِ الحسابِ إجابةً للدَّاعي جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ في الآفاقِ). ((تفسير ابن كثير)) (7/476). وقال الشوكاني: (كأنَّهم لكثرتِهم واختِلاطِ بعضِهم ببعضٍ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ، أي: مُنْبَثٌّ في الأقطارِ، مُختلِطٌ بعضُه ببعضٍ). ((تفسير الشوكاني)) (5/147). وقال الرَّسْعَني: (كأنَّهم في كثرتِهم واضْطِرابِهم وتمَوُّجِهم جَرادٌ مُنبَثٌّ في كلِّ مكانٍ، ليست له جِهةٌ يَقصِدُها). ((تفسير الرسعني)) (7/514). وقال البِقاعي: (كأنَّهم في كثرتِهم، وتَراكُمِ بعضِهم على بعضٍ مِن كبيرِهم وصغيرِهم، وضعيفِهم وقَويِّهم). ((نظم الدرر)) (19/101). وذكر ابن عاشور أنَّ التَّشبيهَ في الاكتِظاظِ، واستِتارِ بعضِهم ببعضٍ مِن شدَّةِ الخَوفِ، بالإضافةِ إلى الكثرةِ والتَّحرُّكِ. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/177). .
كما قال تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [المعارج: 43، 44].
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان الانتِشارُ قد يكونُ على وَجهِ المَهَلِ والوَقارِ؛ قال مُبَيِّنًا أنَّ الأمرَ على خِلافِ ذلك؛ زيادةً في هَولِ ذلك اليَومِ، وتَقريرًا لِما تقَدَّمَ مِن وَصفِه [42] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/101). :
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ.
أي: يَخرُجونَ مِن قُبورِهم مُقبِلينَ مُسرِعينَ إلى الدَّاعي؛ تلبيةً لنِدائِه [43] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/118)، ((الوسيط)) للواحدي (4/208)، ((تفسير القرطبي)) (17/130)، ((تفسير ابن كثير)) (7/476)، ((تفسير السعدي)) (ص: 824). قال القرطبي: (مُهْطِعِينَ معناه: مُسرِعينَ... الضَّحَّاكُ: مُقبِلينَ. قَتادةُ: عامِدينَ. ابنُ عبَّاسٍ: ناظِرينَ. عِكْرمةُ: فاتِحينَ آذانَهم إلى الصَّوتِ. والمعنى مُتقارِبٌ؛ يُقال: هَطَع الرَّجُلُ يَهطَعُ هُطوعًا: إذا أقبَلَ على الشَّيءِ ببَصَرِه لا يُقلِعُ عنه، وأهطَعَ: إذا مَدَّ عُنُقَه وصَوَّبَ رأسَه). ((تفسير القرطبي)) (17/130). ويُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/101)، ((تاج العروس)) للزَّبِيدي (22/398). .
كما قال تعالى: مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ [إبراهيم: 43].
وقال سُبحانَه: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ [طه: 108] .
يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ.
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
لَمَّا بَيَّن حالَ الكُلِّ؛ حَصَرَ حالَ المُبطِلينَ، فقال [44] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/101). :
يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ.
أي: يقولُ الكافِرونَ باللهِ يومَ القيامةِ: هذا يومٌ في غايةِ العُسْرِ والصُّعوبةِ والشِّدَّةِ [45] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/119)، ((تفسير القرطبي)) (17/130)، ((تفسير ابن كثير)) (7/476)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/101)، ((تفسير السعدي)) (ص: 824). .
كما قال عزَّ وجلَّ: وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [الفرقان: 26] .
وقال الله سُبحانَه وتعالى: فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [المدثر: 9، 10].

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُه تعالى: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ هذا بالنِّسبةِ للقَريبينَ مِن مَكَّةَ؛ كأهلِ الجزيرةِ مثلًا، أمَّا البَعيدونَ فقد لا يَرَونَه، وكما نعلَمُ الآنَ أنَّ اللَّيلَ هنا يكونُ نَهارًا في مكانٍ آخَرَ، أو لوجودِ غيومٍ وضبابٍ كثيرٍ يَمنَعُ الرُّؤيةَ؛ ولهذا لا يُمكِنُ أبدًا لأيِّ عاقِلٍ أنْ يُنكِرَ انشِقاقَ القَمَرِ انشقاقًا حِسِّيًّا لأنه لم يُذْكَرْ في تاريخِ اليونانِ! ولم يُذْكَرْ في تاريخِ الهندِ! ولم يُذْكَرْ في كذا وكذا! هذا ليس حجَّةً يَبطُلُ به ما ثَبَتَ في الصَّحيحَينِ وغَيرِهما مِن أنَّ القمرَ انشقَّ فِعلًا انشِقاقًا حِسِّيًّا، ونحن نؤمِنُ بأنَّ القادِرَ على أنْ يَطويَ السَّمَواتِ بيَمينِه كطَيِّ السِّجِلِّ للكُتُبِ قادِرٌ على أنْ يَفْلُقَ القَمرَ فِلْقَتَينِ، ولا شَيءَ يُعْجِزُهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا [فاطر: 44] ؛ ولهذا لا وَجْهَ لإنكارِ مَن أنكَر ذلك ممَّن يَنتَسِبونَ إلى الإسلامِ، ويقولونَ: إنَّ الأفلاكَ السَّماويَّةَ لا يُمكِنُ أنْ تتغيَّرَ! نقولُ: اللهُ أكبَرُ! مَنِ الَّذي خَلَقَ الأفلاكَ السَّماويَّةَ؟ أليس اللهَ؟! بلى، إذنْ هو قادِرٌ على أنْ يُغَيِّرَها إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [46] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 262). ويُنظر أيضًا: ((البداية والنهاية)) لابن كثير (4/299) و (8/564). [يس: 82] .
2- في قَولِه تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ذَكَر اللهُ تعالى انشِقاقَ القَمَرِ، وبَيَّن أنَّ اللهَ فَعَله، وأخْبَر به؛ لحِكمتَينِ عَظيمتَينِ؛ إحداهما: كَونُه مِن آياتِ النُّبُوَّةِ لَمَّا سَأَلَه المُشرِكونَ آيةً، فأراهم انشِقاقَ القمرِ. والثَّانيةُ: أنَّه دَلالةٌ على جَوازِ انشقاقِ الفَلَكِ، وأنَّ ذلك دليلٌ على ما أَخبَرَتْ به الأنبياءُ مِن انشقاقِ السَّمَواتِ؛ ولهذا قال تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ، فذَكَر اقتِرابَ السَّاعةِ، وانشِقاقَ القَمَرِ، وجَعَل الآيةَ في انشِقاقِ القَمَرِ دونَ الشَّمسِ وسائرِ الكواكبِ؛ لأنَّه أقرَبُ إلى الأرضِ مِن الشَّمسِ والنُّجومِ، وكان الانشِقاقُ فيه دونَ سائرِ أجزاءِ الفَلَكِ؛ إِذْ هو الجِسمُ المُستنيرُ الَّذي يَظهَرُ فيه الانشِقاقُ لكُلِّ مَن يَراه ظُهورًا لا يُتمارَى فيه، وأنَّه نَفْسَه إذا قَبِل الانشِقاقَ فقَبولُ مَحَلِّه أَولى بذلك، وقد عاينَه النَّاسُ وشاهَدوه، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرأُ بهذه السُّورةِ في المجامِعِ الكِبارِ، مِثلُ: صَلاةِ الجُمُعةِ والعيدَينِ؛ لِيُسمِعَ النَّاسَ ما فيها مِن آياتِ النُّبُوَّةِ ودلائِلِها، والاعتِبارِ بما فيها. وكُلُّ النَّاسِ يُقِرُّ بذلك ولا يُنكِرُه؛ فعُلِمَ أنَّ انشِقاقَ القَمَرِ كان معلومًا عندَ النَّاسِ عامَّةً، وفي الحديثِ ((أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ سأل أبا واقدٍ اللَّيثيَّ: ما كان يَقرَأُ به رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الأضحى والفِطرِ؟ فقال: كان يَقرَأُ فيهما بـ ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ [ق: 1] واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر: 1])) [47] أخرجه مسلم (891). . ومعلومٌ بالضَّرورةِ في مُطَّرِدِ العادةِ أنَّه لو لم يكُنِ انشَقَّ لَأسرعَ المؤمِنونَ به إلى تكذيبِ ذلك، فضلًا عن أعدائِه الكُفَّارِ والمنافقِينَ، ومعلومٌ أنَّه كان مِن أحرَصِ النَّاسِ على تصديقِ الخَلقِ له، واتِّباعِهم إيَّاه، فلو لم يكُنِ انشَقَّ لَمَا كان يُخبِرُ به ويَقرَؤُه على جميعِ النَّاسِ، ويَستَدِلُّ به ويَجعَلُه آيةً له [48] يُنظر: ((الجواب الصحيح)) لابن تيمية (6/159). .
3- قال اللهُ تعالى: وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ التَّكذيبُ واتِّباعُ الهَوى قَرينانِ؛ فإذا حَصَل اتِّباعُ الهوى فمِن شُؤمِه يَحصُلُ التَّكذيبُ؛ لأنَّ اللهَ تعالى يُلبِّسُ على قَلبِ صاحِبِه حتَّى لا يَستَبصِرَ الرُّشدَ، أمَّا اتِّباعُ الرِّضا فمَقْرونٌ بالتَّصديقِ؛ لأنَّ اللهَ ببَركاتِ اتِّباعِ الحَقِّ يَفتَحُ عَينَ البَصيرةِ، فيَحصُلُ التَّصديقُ [49] يُنظر: ((تفسير القشيري)) (3/494). !
4- في قَولِه تعالى: حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ دليلٌ على أنَّ القرآنَ -على قولٍ في تفسيرِ الآيةِ- غايةُ كُلِّ حُجَّةٍ، وفاتِقُ كلِّ لُبْسَةٍ [50] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/206). .
5- في قَولِه تعالى: حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ أنَّه ما مِن شَيءٍ يَحكُمُ اللهُ تعالى به إلَّا وهو حِكمةٌ عَظيمةٌ [51] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 33). .
6- في قَولِه تعالى: خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ أنَّ خَفْضَ البَصَرِ مِن تمامِ الخُشوعِ [52] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (6/578). .
7- في قَولِه تعالى: كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ إجازةُ تَشبيهِ النَّاسِ بغَيرِهم، وفي ذلك حُجَّةٌ للشُّعراءِ، إذا لم يَكذِبوا كَذِبًا مَحْضًا لا تأويلَ فيه [53] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/206). ، ولم يكُنْ على سبيلِ الاحتِقارِ أو السُّخريةِ، أو التَّنقُّصِ لِخَلقِ الله.
8- في قَولِه تعالى: يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ لم يَقُلْ سُبحانَه: «يقولُ النَّاسُ»؛ لأنَّ هذا اليومَ العَسِرَ لا شكَّ أنَّه في حَدِّ ذاتِه عَسِرٌ شديدٌ عظيمٌ، ولكِنَّه على الكافِرينَ عَسيرٌ، وعلى المؤمِنينَ يَسيرٌ، كما قال اللهُ تبارك وتعالى: وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [الفرقان: 26] ، وقال تعالى: عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [المدثر: 10] ، وأمَّا على المؤمِنينَ فهو يَسيرٌ [54] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 266). ، وبقَدْرِ ما يكونُ الإيمانُ عندَ العبدِ يكونُ اليُسرُ في ذلك اليَومِ؛ لأنَّ الجزاءَ مِن جِنْسِ العَمَلِ [55] يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (1/258). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ
- تَصديرُ السُّورةِ بقَولِه: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ للاهتِمامِ بالمَوعظةِ؛ إذْ قد تَقرَّرَ المَقصودُ مِن تَصديقِ المُعجزةِ، فجُعِلَت تلك المُعجزةُ وَسيلةً للتَّذكيرِ باقترابِ السَّاعةِ على طَريقةِ الإدماجِ [56] الإدماجُ: أنْ يُدمِجَ المتكلِّمُ غرضًا في غَرضٍ، أو بديعًا في بديعٍ بحَيثُ لا يَظهرُ في الكلامِ إلَّا أحدُ الغرَضينِ أو أحدُ البَديعينِ؛ فهو مِن أفانينِ البَلاغةِ، ويكونُ مرادُ البليغِ غَرَضينِ فيَقرِنُ الغرضَ المَسوقَ له الكلامُ بالغرضِ الثَّاني، وفيه تَظهرُ مَقدرةُ البليغِ؛ إذ يأتي بذلك الاقترانِ بدونِ خروجٍ عن غَرَضِه المسوقِ له الكلامُ ولا تَكلُّفٍ، بمعنى: أن يَجعلَ المتكلِّمُ الكلامَ الَّذي سِيق لِمعنًى -مِن مَدحٍ أو غيرِه- مُتضمِّنًا معنًى آخَرَ، كقولِه تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ [القصص: 70] ؛ فهذا مِن إدماجِ غرَضٍ في غَرَضٍ؛ فإنَّ الغرَضَ منها تَفرُّدُه تعالى بوصْفِ الحمدِ، وأُدمِجَ فيه الإشارةُ إلى البعثِ والجزاءِ، وقيل: أُدمِجتِ المبالَغةُ في المطابَقةِ؛ لأنَّ انفِرادَه بالحمدِ في الآخِرَةِ -وهي الوقتُ الَّذي لا يُحمَدُ فيه سِواه- مبالَغةٌ في الوَصفِ بالانفِرادِ بالحَمْدِ. يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/298)، ((علوم البلاغة البيان المعاني البديع)) للمراغي (ص: 344)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/339)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (2/427). ؛ بمُناسَبةِ أنَّ القمَرَ كائنٌ مِن الكائناتِ السَّماويَّةِ ذاتِ النِّظامِ المُسايِرِ لنَظامِ الجوِّ الأرضيِّ، فلمَّا حدَثَ تَغيُّرٌ في نِظامِه لم يكُنْ مأْلوفًا؛ ناسَبَ تَنبيهُ النَّاسِ للاعتبارِ بإمكانِ اضمِحلالِ هذا العالَمِ، وكان الفِعلُ الماضي مُستعمَلًا في حَقيقتِه [57] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/168، 169). .
- قولُه: اقْتَرَبَتِ بمعْنى قَرُبَت، وزِيادةُ المبْنى تدُلُّ على زِيادةِ المعْنى، وهنا اقْتَرَبَتِ فيها زِيادةُ المبْنى على (قَرُبَت)، فيَدُلُّ على أنَّ القربَ قريبٌ جدًّا، فمعْنى اقْتَرَبَتِ أي: قَرُبَت جِدًّا [58] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 261). . فقوله: اقْتَرَبَتِ أبلَغُ من قَرُبَت، كما أنَّ (اقتدَرَ) أبلَغُ مِن (قَدَرَ) [59] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/211). .
والاقتِرابُ أصْلُه صِيغةُ مُطاوَعةٍ، أي: قَبولُ فِعلِ الفاعِلِ، وهو هنا للمُبالَغةِ في القُرْبِ، فإنْ حُمِلَ على حَقيقةِ القُربِ فهو قُرْبٌ اعتباريٌّ، أي: قُرْبُ حُلولِ السَّاعةِ فيما يأْتي مِن الزَّمانِ قُرْبًا نِسبيًّا بالنِّسبةِ لِما مَضى مِن الزَّمانِ ابتِداءً مِن خلْقِ السَّماءِ والأرضِ. وفائدةُ هذا الاعتِبارِ أنْ يُقبِلَ النَّاسُ على نَبْذِ الشِّركِ، وعلى الاستِكثارِ مِن الأعمالِ الصَّالحاتِ، واجتِنابِ الآثامِ؛ لقُرْبِ يومِ الجَزاءِ [60] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/170، 171)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/374). .
- قولُه: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ الخبَرُ مُستعمَلٌ في لازمِ مَعناهُ، وهو المَوعظةُ إنْ كانت الآيةُ نزَلَت بعْدَ انشقاقِ القمَرِ؛ لأنَّ عِلْمَهم بذلك حاصلٌ، فلَيسوا بحاجةٍ إلى إفادتِهم حكْمَ هذا الخبَرِ، وإنَّما هم بحاجةٍ إلى التَّذكيرِ بأنَّ مِن أماراتِ حُلولِ السَّاعةِ أنْ يقَعَ خسْفٌ في القمَرِ بما تَكرَّرت مَوعظتُهم به؛ كقولِه تعالى: فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ [القيامة: 7، 8] الآيةَ؛ إذ ما يُؤَمِّنُهم أنْ يكونَ ما وقَعَ مِن انشِقاقِ القمَرِ أمارةً على اقتِرابِ السَّاعةِ، فما الانشقاقُ إلَّا نوعٌ مِن الخسْفِ [61] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/171). .
2- قولُه تعالَى: وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ يَجوزُ أنْ يكونَ تَذييلًا للإخبارِ بانشقاقِ القمَرِ، فيَكونَ المُرادُ بـ آَيَةً في قولِه: وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً القمَرَ. ويَجوزُ أنْ يكونَ كلامًا مُستأنَفًا مِن ذِكرِ أحوالِ تَكذيبِهم ومُكابرتِهم، وعلى كِلا الوجْهينِ فإنَّ وُقوعَ آَيَةً -وهو نَكرةٌ- في سِياقِ الشَّرطِ يُفيدُ العُمومَ [62] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/171، 172). .
- وجِيءَ بهذا الخبرِ في صُورةِ الشَّرطِ؛ للدَّلالةِ على أنَّ هذا دَيدنُهم ودأْبُهم [63] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/172). .
- وضَميرُ يَرَوْا عائدٌ إلى غيرِ مَذكورٍ في الكلامِ دالٍّ عليه المَقامُ، وهم المُشرِكون [64] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/172). .
3- قولُه تعالَى: وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ، هذا إخبارٌ عن حالِهم فيما مَضَى، بعْدَ أنْ أخبَرَ عن حالِهم في المُستقبَلِ بالشَّرطِ الَّذي في قولِه: وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا [القمر: 2]، ومُقابَلةُ ذلك بهذا فيه شِبهُ احتِباكٍ [65] الاحْتِبَاك: هو الحذفُ مِن الأوائلِ لِدَلالةِ الأواخِرِ، والحذفُ مِن الأواخِرِ لدَلالةِ الأوائلِ، إذا اجتمَع الحذفانِ معًا، وله في القرآنِ نظائرُ، وهو مِن إبداعاتِ القُرآنِ وعناصِرِ إعجازِه، وهو مِن ألْطفِ الأنواعِ. يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/204)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (1/347). ؛ كأنَّه قِيل: وإنْ يَرَوا آيةً يُعرِضوا ويَقولوا: سِحرٌ، وقد رَأَوُا الآياتِ وأعْرَضوا وقالوا: سِحرٌ مُستمِرٌّ، وكذَّبوا واتَّبعوا أهواءَهُم، وسيُكذِّبون ويتَّبِعون أهواءَهُم [66] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/172). .
- وعُطِفَ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ عطْفَ العِلَّةِ على المَعلولِ؛ لأنَّ تَكذيبَهم لا دافِعَ لهم إليه إلَّا اتِّباعُ ما تَهواهُ أنفُسُهم مِن بَقاءِ حالِهم على ما ألِفُوه وعهِدُوه واشتُهِرَ دَوامُه [67] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/172). .
- وذِكرُ الفِعلينِ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا بلَفظِ الماضي؛ للإِشعارِ بأنَّهما مِن عادتِهم القديمةِ، وللدَّلالةِ على التَّحقُّقِ [68] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/164)، ((تفسير أبي السعود)) (8/167)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/374). .
- وجمَعَ الأهواءَ دونَ أنْ يقولَ: واتَّبعوا الهَوى، كما قال: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ [الأنعام: 116] ؛ حيثُ إنَّ الهَوى اسمُ جِنسٍ يَصدُقُ بالواحدِ والمتعدِّدِ، فعُدِلَ عن الإفرادِ إلى الجمْعِ؛ لمُزاوَجةِ ضَميرِ الجمْعِ المُضافِ إليه، وللإشارةِ إلى أنَّ لهم أصنافًا مُتعدِّدةً مِن الأهواءِ: مِن حُبِّ الرِّئاسةِ، ومِن حسَدِ المؤمنينَ على ما آتاهم اللهُ، ومِن حُبِّ اتِّباعِ مِلَّةِ آبائِهِم، ومِن مَحبَّةِ أصنامِهم، وإلْفٍ لعَوائدِهم، وحِفاظٍ على أنفَتِهم [69] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/172، 173). .
- قولُه: وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ استئنافٌ مَسوقٌ لإقناطِهم عمَّا علَّقوا به أمانِيَهم الفارغةَ مِن عدَمِ استِقرارِ أمْرِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حسبَما قالُوا: سِحرٌ مُستمرٌّ؛ ببَيانِ ثَباتِه ورُسوخِه، أي: وكلُّ أمْرٍ مِن الأمورِ مُستقِرٌّ، أي: مُنتَهٍ إلى غايةٍ يَستقِرُّ عليها لا مَحالةَ، ومِن جُملتِها أمْرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسَيصيرُ إلى غايةٍ يَتبيَّنُ عندَهَا حقِّيَّتُه، وعُلوُّ شَأْنِه. وإبهامُ المُستقَرِّ عليهِ؛ للتَّنبيهِ على كَمالِ ظُهورِ الحالِ، وعدَمِ الحاجةِ إلى التَّصريحِ بهِ [70] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/167). .
أو تَذييلٌ للكَلامِ السَّابقِ مِن قَولِه: وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا إلى قولِه: أَهْوَاءَهُمْ [القمر: 2، 3]، فهو اعتِراضٌ بيْنَ جُملةِ وَكَذَّبُوا وجُملةِ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ [القمر: 4]، والواوُ اعتراضيَّةٌ، وهو جارٍ مَجْرى المثَلِ [71] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/173). .
- و(كُلُّ) مِن أسماءِ العُمومِ، و(أمْر): اسمٌ يدُلُّ على جِنسٍ عالٍ، ومِثلُه: شَيءٌ، ومَوجودٌ، وكائنٌ، وهو هنا يَعُمُّ الأمورَ ذواتِ التَّأثيرِ [72] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/173). .
- قولُه: وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ فيه تعريضٌ بأنَّ أمرَ الرَّسولِ لا بدَّ أنْ يستقِرَّ إلى غايةٍ، هي الظُّهورُ والنُّصرةُ، وأمرَ مكذبيه إلى الخذلانِ والشَّقاوةِ [73] يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (9/ 89). .
- ومُستقِرٌّ: اسمُ فاعلٍ مِنِ استقَرَّ، أي: قَرَّ، والسِّينُ والتَّاءُ للمُبالَغةِ؛ مِثلُ السِّينِ والتَّاءِ في استجابَ [74] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/174). .
- وقد تَضمَّنَ هذا التَّذييلُ بإجْمالِه تَسليةً للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتَهديدًا للمُشرِكين، واستِدعاءً لنظَرِ المُتردِّدين [75] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (15/120)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/174). .
4- قولُه تعالَى: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ عطْفٌ على جُملةِ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [76] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/174). [القمر: 3].
- وهذه الجملةُ مؤكَّدةٌ بثَلاثةِ مُؤكِّداتٍ: باللَّامِ و(قد) في قولِه: وَلَقَدْ، وبالقسَمِ المقدَّرِ الذي دلَّتْ عليه اللَّامُ [77] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 264). .
- ومِنَ الْأَنْبَاءِ بَيانُ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ، قُدِّمَ على المُبيَّنِ، و(مِن) بَيانيَّةٌ [78] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/174). .
- قولُه: مُزْدَجَرٌ مَصدرٌ مِيمِيٌّ، وهو مُصاغٌ بصِيغةِ اسمِ المَفعولِ الَّذي فِعْلُه زائدٌ على ثَلاثةِ أحرُفٍ، ازدَجَره بمعْنى زجَرَه، ومادَّةُ الافتِعالِ فيه للمُبالَغةِ [79] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/174، 175). .
- قولُه: مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ أي: ما فيه مانعٌ لهم مِن ارتكابِ ما ارتكَبُوه، والمعْنى: ما هو زاجرٌ لهم، فجُعِلَ الازدجارُ مَظروفًا فيه؛ للمُبالَغةِ في مُلازَمتِه له على طَريقةِ التَّجريدِ [80] التَّجريد: أن يُنتزَعَ مِن أمرٍ ذي صِفةٍ أمرٌ آخَرُ مِثلُه في تلك الصِّفةِ، حتَّى تَصِيرَ الذَّاتُ الواحدةُ ذاتَينِ؛ مُبالَغةً لكمالِ الوصفِ في تلكَ الذَّاتِ. كقَولِهم: لي مِنكَ صديقٌ حميمٌ، و: لَئِنْ سألْتَ فُلانًا، لَتَسْأَلَنَّ به بحرًا. يُنظر: ((حاشية الطِّيبي على الكشاف)) (13/229)، ((التِّبيان في البيان)) للطِّيبي (ص: 160 - 163)، ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (3/448، 449)، ((موجز البلاغة)) لابن عاشور (ص: 46). ؛ كقولِه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21] ، أي: هو أُسوةٌ [81] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/175). .
ومَا مَوصولةٌ أو مَوصوفةٌ، وهي فاعل بـ (جاءَ)، ومعناها: أنباءٌ وأخبارٌ، ومِنَ الْأَنْبَاءِ حالٌ منها [82] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/35)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 705)، ((حاشية الجمل على الجلالين)) (4/241). .
5- قولُه تعالَى: حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ
- الفاءُ في قولِه: فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ لتَرتيبِ عدَمِ الإغناءِ على مَجيءِ الحكمةِ البالغةِ مع كَونِه مَظِنَّةً للإغناءِ [83] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/168)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/175). .
- وصِيغةُ المُضارِعِ للدَّلالةِ على تَجدُّدِ عدَمِ الإغناءِ واستِمرارِه حسَبَ تَجدُّدِ مَجيءِ الزَّواجرِ واستمرارِه [84] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/168). .
- و(مَا) تَحتمِلُ النَّفيَ، أي: لا تُغْني عنهم النُّذرُ بعْدَ ذلك، وهذا تَمهيدٌ لقولِه: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ [القمر: 6]، فالمُضارِعُ للحالِ والاستقبالِ، أي: ما هي مُغْنيةٌ، ويُفيدُ بالفَحوى أنَّ تلك الأنباءَ لم تُغْنِ عنهم فيما مَضى بطَريقِ الأحْرى؛ لأنَّه إذا كان ما جاءهُم مِن الأنباءِ لا يُغْني عنهم مِن الانزجارِ شيئًا في الحالِ والاستقبالِ، فهو لم يُغْنِ عنهم فيما مَضى؛ إذ لو أغْنى عنهم لارْتفَعَ اللَّومُ عليهم. ويَحتمِلُ أنْ تكونَ (ما) استفهاميَّةً للإنكارِ، أي: ماذا تُفيدُ النُّذرُ في أمثالِهم المُكابِرين المُصِرِّين؟! أي: لا غَناءَ لهم في تلك الأنباءِ؛ فـ (ما) على هذا في مَحلِّ نصْبٍ على المَفعولِ المُطلَقِ لـ تُغْنِ، وحُذِفَ ما أُضِيفَت إليه (ما)، والتَّقديرُ: فأيَّ غَناءٍ تُغْني النُّذرُ [85] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/432)، ((تفسير البيضاوي)) (5/164)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/175). ؟!
6- قولُه تعالَى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ
- قولُه: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ تَفريعٌ على فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ [القمر: 5]، أي: أعرِضْ عن مُجادلتِهم؛ فإنَّهم لا تُفيدُهم النُّذرُ، أي: إنَّك قد بلَّغْتَ، فما أنت بمَسؤولٍ عن استِجابتِهم، وهذا تَسليةٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ [86] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/35)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/176). .
وقيل: قوله: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ، أي: لعِلْمِك أنَّ الإنذارَ لا يُغْني فيهم، فالفاءُ نَتيجةٌ للكَلامِ السَّابقِ، وفي مَدخولِها معْنى المُتارَكةِ والمُوادَعةِ؛ وذلك أنَّه تعالى لَمَّا أخبَرَ عن المُعانِدين أنَّه بلَغَ إعراضُهم وتَمرُّدُهم بحيث إنْ يَرَوا آيةً يَقولوا: سِحرٌ مُستمِرٌّ، وكرَّرَ المعْنى بقولِه: وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ؛ لأنَّ الإعراضَ وقولَهم: سِحرٌ مُستمِرٌّ، تَكذيبٌ ومُتابَعةٌ للهوَى، ثمَّ جاء بقَولِه: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ جُملةً قَسَميَّةً حالًا مُقرِّرةً لجِهةِ الإشكالِ، أي: يُكذِّبون والحالُ أنَّه جاءتْهم حِكمةٌ بالغةٌ، ثمَّ سجَّلَ عِنادَهم بقولِه: فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ -قال: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ، أي: بعْدَ أنِ استعْلَمْتَ حالَهم وأنَّهم لا يُؤمِنون البَتَّةَ، فتَولَّ عنهم وأعرِضْ عن الإنذارِ؛ لأنَّ الإنذارَ إنَّما يُفيدُ إذا انتفَعَ به المُنذَرُ [87] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/432)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (15/121). .
- قولُه: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ استئنافٌ بَيانيٌّ؛ لأنَّ الأمْرَ بالتَّولِّي مُؤْذِنٌ بغضَبٍ ووَعيدٍ، فمِن شأْنِه أنْ يُثِيرَ في نفْسِ السَّامعِ تَساؤُلًا عن مُجمَلِ هذا الوعيدِ، وهذا الاستئنافُ وقَعَ مُعترِضًا بيْن جُملةِ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ [القمر: 4] وجُملةِ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ [القمر: 9]، وإذ قد كان المُتوعَّدُ به شيئًا يَحصُلُ يومَ القيامةِ قُدِّمَ الظَّرفُ على عامِلِه -وهو يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ-؛ ليَحصُلَ بتَقديمِه إجمالٌ يُفصِّلُه بَعضَ التَّفصيلِ ما يُذكَرُ بعْدَه، فإذا سمِعَ السَّامعُ هذا الظَّرفَ، عَلِمَ أنَّه ظرْفٌ لأهوالٍ تُذكَرُ بعْدَه هي تَفصيلُ ما أجْمَلَه قولُه: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ مِن الوعيدِ، بحيث لا يَحسُنُ وقْعُ شَيءٍ ممَّا في هذه الجُملةِ هذا المَوقعَ غيرُ هذا الظَّرْفِ، ولولا تَقديمُه لَجاء الكلامُ غيرَ مَوثوقِ العُرى، وانظُرْ كيف جمَعَ فيما بعْدُ قولُه: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ كثيرًا مِن الأهوالِ آخِذٌ بَعضُها بحُجَزِ بَعضٍ بحُسْنِ اتِّصالٍ يَنقُلُ كلٌّ منها ذِهنَ السَّامعِ إلى الَّذي بعْدَه، مِن غيرِ شُعورٍ بأنَّه يُعدِّدُ له أشياءَ [88] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/176، 177). .
- وعُدَّ في قولِه: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ سَبعةٌ مِن مَظاهرِ الأهوالِ:
أوَّلُها: دُعاءُ الدَّاعي؛ فإنَّه مُؤْذِنٌ بأنَّهم مُحضَرونَ إلى الحسابِ؛ لأنَّ مَفعولَ يَدْعُ مَحذوفٌ، بتَقديرِ: يَدْعوهم الدَّاعي؛ لدَلالةِ ضَميرِ عَنْهُمْ على تَقديرِ المَحذوفِ.
الثَّاني: أنَّه يَدْعو إلى شَيءٍ عظيمٍ؛ لأنَّ ما في لَفظِ شَيْءٍ مِن الإبهامِ يُشعِرُ بأنَّه مَهولٌ، وما في تَنكيرِه مِن التَّعظيمِ يُجسِّمُ ذلك الهَولَ.
وثالثُها: وصْفُ شَيْءٍ بأنَّه نُكُرٍ، أي: مَوصوفٌ بأنَّه تُنكِرُه النُّفوسُ وتَكرَهُه.
ورابعُها: خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ، أي: ذَليلةً يَنظُرونَ مِن طرْفٍ خَفيٍّ، لا تَثبُتُ أحداقُهم في وُجوهِ النَّاسِ، وهي نَظْرةُ الخائفِ المُفتضَحِ، وهو كِنايةٌ؛ لأنَّ ذِلَّةَ الذَّليلِ وعِزَّةَ العزيزِ تَظهَرانِ في عُيونِهما.
وخامسُها: تَشبيهُهم بالجَرادِ المُنتشِرِ في الاكتِظاظِ واستتارِ بَعضِهم ببَعضٍ مِن شِدَّةِ الخوفِ -على قولٍ-، زِيادةً على ما يُفيدُه التَّشبيهُ مِن الكثرةِ والتَّحرُّكِ، وهو تَشبيهٌ تَمثيليٌّ [89] التشبيه: هو إلحاقُ شيءٍ بذِي وصْفٍ في وَصْفِه. وقيل: إثباتُ حُكمٍ للمُشبَّه من أحكام المُشبَّه به.  وينقسمُ التشبيهُ عِدَّةَ تقسيماتٍ باعتبارات عِدَّة: فمنه: التشبيه المفرَد. ومنه: التشبيه المركَّب: هو الذي يكون وجهُ الشبه فيه مُنتزَعًا من متعدِّد، أو من أمورٍ مجموعٍ بعضُها إلى بعضٍ، كقولِه تعالى: كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة: 5] ؛ فالتشبيهُ مركَّب من أحوال الحِمار. وخصَّ البيانيون لفظ «التمثيل» بالتشبيه المركَّب. يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسكاكي (ص: 332 وما بعدها)، ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي، (3/414، 422)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 244)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (1/66)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني (2/161). ؛ لأنَّه تَشبيهُ هَيئةِ خُروجِ النَّاسِ مِن القبورِ مُتراكِمينَ، بهَيئةِ خُروجِ الجَرادِ مُتعاظِلًا (يَركَبُ بَعضُه بَعضًا) يَسيرُ غيرَ ساكنٍ، وقد أفاد هذا التَّشبيهُ تَجْسيدَ الصُّورةِ وتَشخيصَها؛ فهذه الجُموعُ الخارجةُ مِن الأجداثِ في مِثلِ رجْعِ الطَّرْفِ تُشبِهُ الجَرادَ الَّذي اشتُهِرَ بانتشارِه واحتشادِه دونَ أنْ يكونَ له هدَفٌ مِن هذا الانتشارِ والاحتشادِ، وكذلك هذه الجُموعُ قد ألْجَمَها الخَوفُ، وعقَدَ الهولُ أفهامَها، وضرَبَ عليها رَواكِدَ مِن الحَيرةِ، وغشِيَها بأمواجٍ مِن الضَّلالةِ والرَّينِ، فهي تَسيرُ تَلبيةً لدَعوةِ الدَّاعِ دونَ أنْ تَعرِفَ لِمَ يَدْعوها، ولكنَّها تَعرِفُ بصُورةٍ مُبْهَمةٍ أنَّه يَدْعوها إلى شَيءٍ نُكُرٍ لا تَكتَنِهُ حَقيقتَه، ولا تَعرِفُ فَحواهُ.
وسادسُها: وصْفُهم بمُهطِعينَ، والمُهطِعُ: الماشي سَريعًا مادًّا عُنُقَه، وهي مِشْيَةُ مَذعورٍ غيرِ مُلْتفِتٍ إلى شَيءٍ.
وسابعُها: قولُهم: هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ، وهو قولٌ مِن أثَرِ ما في نُفوسِهم مِن خَوفٍ، وعَسِرٌ: صِفةٌ مُشبَّهةٌ مِن العُسْرِ، وهو الشِّدَّةُ والصُّعوبةُ، ووصْفُ اليومِ بـ عَسِرٌ باعتِبارِ كَونِه زَمانًا لأُمورٍ عَسِرةٍ شَديدةٍ مِن شِدَّةِ الحسابِ، وانتِظارِ العَذابِ [90] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/432)، ((تفسير البيضاوي)) (5/164، 165)، ((تفسير أبي حيان)) (10/37)، ((تفسير أبي السعود)) (8/168)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/177، 179)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/374، 375). .
- وفي قولِه: كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ شبَّهَهم بالجَرادِ المنتشِرِ، أي: كأنَّهم مِن كَثرتِهم، وتموُّجِ بعضِهم في بعضٍ، وكأنَّهم في انتِشارِهم وسُرعةِ سَيرِهم إلى مَوقفِ الحِسابِ إجابةً للدَّاعي جرادٌ منتشِرٌ في الآفاقِ، مُسرِعينَ لا يُخالِفونَ ولا يَتأخَّرونُ [91] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/213)، ((تفسير القرطبي)) (17/130)، ((تفسير ابن كثير)) (7/476)، ((تفسير السعدي)) (ص: 824). .
- والجرادُ المنتشِرُ هو المُنبَثُّ في الأرضِ الَّذي لا يَدْري أين وجْهُه، ليس له طريقٌ قائِمةٌ، لا يَعرِفُ كيف يَنْتهي، ولكنَّهم مُنتشِرونَ، وهذا مِن أدقِّ التَّشبيهاتِ؛ لأنَّ الجرادَ المنتشِرَ تَجِدُه يَذهَبُ يَمينًا ويَسارًا لا يَدْري أين يَذهَبُ؛ فهمْ سيَخرُجون مِن الأجداثِ على هذا الوجْهِ، بيْنَما هم في الدُّنيا لهم قائدٌ، ولهم أميرٌ، ولهم مُوجِّهٌ، يَعرِفون طَريقَهم، وإنْ كان طريقًا فاسدًا [92] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 266). .
- وفي إسنادِ القولِ المَذكورِ إلى الكُفَّارِ تَلويحٌ بأنَّ المؤمنينَ ليسُوا في تلكَ المَرْتبةِ مِن الشِّدَّةِ [93] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/168). .
- قولُه: يَقُولُ الْكَافِرُونَ إظهارٌ في مَقامِ الإضمارِ؛ لوصْفِهم بهذا الوصْفِ الذَّميمِ، وفيه تَفسيرُ الضَّمائرِ السَّابقةِ [94] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/178). .