موسوعة التفسير

سورةُ الإسراءِ
الآيات (78-81)

ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ

غريب الكلمات :

لِدُلُوكِ: أي: غُرُوبِ وزَوالِ، وأصلُ (دلك): يدلُّ على مَيلٍ وزَوالٍ [1003] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 259)، ((تفسير ابن جرير)) (15/27)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/297)، ((المفردات)) للراغب (ص: 317)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 207)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 268).   .
غَسَقِ: أي: ظَلامِ، وأصلُ (غسق): يدُلُّ على ظُلمةٍ [1004] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 260)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 351)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/425)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 268).   .
فَتَهَجَّدْ: أي: اسهَرْ، وألقِ الهُجودَ، وهو النَّومُ، فمادَّةُ التفَعُّلِ فيه للإزالةِ، مثل التحَرُّجِ والتأثُّمِ، وأصلُ (هجد): يدُلُّ على رُكودٍ، كأنَّه بصَلاتِه تَرَك الهُجودَ عنه [1005] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 260)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/34)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 268).   .
نَافِلَةً: أي: زيادةً؛ مِن النَّفلِ: وهو الزِّيادةُ على الواجِبِ، وأصلُ (نفل): يدُلُّ على عَطاءٍ وإعطاءٍ [1006] يُنظر: ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (1/389)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/455)، ((البسيط)) للواحدي (13/441)، ((المفردات)) للراغب (ص: 820).   .
مُدْخَلَ: المدخَلُ: الإدخالُ، مِن أدخَل، والدُّخولُ: نقيضُ الخروجِ [1007] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/663)، ((المفردات)) للراغب (ص: 309)، ((تفسير القرطبي)) (10/313).   .
مُخْرَجَ: المخرَجُ: الإخراجُ، وخرَج خُروجًا: برَز مِن مقرِّه أو حالِه، وأصلُ (خرج): النَّفاذُ عَنِ الشَّيءِ [1008] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/663)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/175)، ((المفردات)) للراغب (ص: 278)، ((تفسير القرطبي)) (10/313).   .
وَزَهَقَ: أي: بطَلَ وهلَكَ، وأصلُ (زهق): يدُلُّ على ذَهابِ الشَّيءِ، وقِلَّةِ مُكثِه ولُبثِه [1009] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/61)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 252)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/258)، ((الغريبين)) للهروي (6/1912)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 207)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 268).   .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى: أقِمْ -يا مُحَمَّدُ- الصَّلاةَ تامَّةً مِن وَقتِ زَوالِ الشَّمسِ إلى وَقتِ ظُلمةِ اللَّيلِ -فيَدخُلُ في هذا صلاةُ الظُّهرِ والعَصرِ، والمَغرِبِ والعِشاءِ- وأقمْ صَلاةَ الفَجرِ؛ إنَّ صلاةَ الفَجرِ تَحضُرُها مَلائِكةُ اللَّيلِ ومَلائِكةُ النَّهارِ. وقُمْ -يا مُحَمَّدُ- مِن نَومِك بعضَ اللَّيلِ، فصَلِّ بالقرآنِ زيادةً لك؛ عسى أن يبعَثَك اللهُ شافعًا للنَّاسِ يومَ القيامةِ، وتقومَ مَقامًا يَحمَدُك فيه الأوَّلونَ والآخِرونَ.
ثمَّ أمَر الله تعالى رسولَه صلَّى الله عليه وسلَّم بأن يدعوَه فقال: وقُلْ -يا مُحَمَّدُ- ربِّ أدخِلْنى إدخالًا حسنًا مَرضِيًّا في كُلِّ ما أدخُلُ فيه، وأخرِجْنى إخراجًا حسنًا مَرضِيًّا مِن كُلِّ ما أخرجُ منه، واجعَلْ لي مِن عندِك حُجَّةً بيِّنةً، وسُلطةً وغلبةً تنصُرُني بها على مَن خالفَني، وقُوَّةً تُعينُني بها على إقامةِ دينِك، وقُلْ -يا مُحمَّدُ: جاء الحَقُّ مِن عندِ اللهِ وظهَرَ على كلِّ ما يخالِفُه من شِركٍ وكُفرٍ، وذهَبَ الباطِلُ واضمَحَلَّ وزالت دولتُه، إنَّ الباطِلَ لا بقاءَ له ولا ثَباتَ.

تفسير الآيات:

أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ الله تعالى لَمَّا ذكَرَ كَيدَ الكافرينَ للرَّسولِ، وما كانوا يَرومونَ به؛ أمَرَه تعالى أن يُقبِلَ على شأنِه مِن عبادةِ رَبِّه، وألَّا يَشغَلَ قَلْبَه بهم، وكان قد تقَدَّمَ القَولُ في الإلهيَّاتِ والمعادِ والنبُوَّاتِ؛ فأردَفَ ذلك بالأمرِ بأشرَفِ العِباداتِ والطَّاعاتِ بعدَ الإيمانِ، وهي الصَّلاةُ [1010] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/97). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الرازي)) (21/382).   .
وأيضًا فإنَّ اللهَ لمَّا امتَنَّ على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالعصمةِ وبالنَّصرِ؛ ذكَّرَه بشُكرِ النِّعمةِ بأنْ أمَرَه بأعظمِ عِبادةٍ يعبُدُه بها، وبالزِّيادةِ منها؛ طلبًا لازديادِ النِّعمةِ عليه، كما دَلَّ عليه قولُه في آخرِ الآيةِ: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [1011] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/181).   [الإسراء: 79] .
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ.
أي: أدِّ -يا مُحَمَّدُ- الصَّلَواتِ المَكتوباتِ على وَجهِ التَّمامِ بجَميعِ أركانِها وشُروطِها، في أوقاتِها؛ مِن مَيلِ الشَّمسِ للزَّوالِ -فيَدخُلُ في ذلك صَلاتا الظُّهرِ والعَصرِ- إلى إقبالِ الظَّلامِ واجتِماعِه، ويدخُلُ في ذلك صلاتا المَغرِبِ والعِشاءِ [1012] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/25)، ((تفسير ابن كثير)) (5/101)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/491)، ((تفسير السعدي)) (ص: 464)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/179). قال ابنُ عطية: (هذه -بإجماعٍ مِن المُفَسِّرينَ- إشارةٌ إلى الصَّلَواتِ المَفروضةِ). ((تفسير ابن عطية)) (3/477). وقال السمعاني: (اختلَفوا في الدُّلوك: قال ابن مسعود : هو الغروبُ، وقال ابن عباس: هو الزَّوالُ، وقد حكِيَ عنهما كلا القولين، وكذلك اختلف التابعون في هذا. وأصل الدُّلوكِ مِن الميل، والشَّمسُ تميلُ إذا زالت أو غرَبَت... وأولى القولين أن يحمَلَ على الزَّوالِ؛ لكثرة القائلين به، فإنَّ أكثر التابعين حملوه عليه، ولأنَّا إذا حمَلْناه عليه تناوَلَت الآيةُ جميعَ الصلواتِ الخمس؛ فإنَّ قوله: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ يتناول الظُّهرَ والعصرَ، وقولَه: إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ يتناولُ المغرِبَ والعِشاءَ). ((تفسير السمعاني)) (3/267). ويُنظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (10/69). وممن قال مِن السلفِ: إنَّ الدلوكَ المرادُ به: الزوالُ: ابنُ مسعود في روايةٍ عنه، وابنُ عباسٍ في روايةٍ عنه، وابنُ عمرَ، وأبو برزةَ، وأبو هريرةَ، والحسنُ، والشعبي، وسعيدُ بنُ جبيرٍ، وأبو العاليةِ، ومجاهدٌ، وعطاءٌ، وعبيدُ بنُ عُميرٍ، وقتادةُ، والضحَّاكُ، ومقاتلٌ، وأبو جعفرٍ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/546)، ((تفسير ابن جرير)) (15/25)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/45). وذهب ابنُ عاشور إلى أنَّ الدُّلوكَ يَجمَعُ ثلاثةَ أوقاتٍ: وقتَ الظهرِ والعصرِ والمغربِ، باستعمالِ المشتركِ في معانيه، وأمَّا الغَسَقُ فهو وقتُ غيبوبةِ الشَّفَقِ، وهو وقتُ صلاةِ العشاءِ. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/182- 183). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن عطية)) (3/477). قال ابنُ عاشور: (اللَّامُ في لِدُلُوكِ الشَّمْسِ لامُ التَّوقيتِ، وهي بمعنَى «عندَ»). ((تفسير ابن عاشور)) (15/182). .
كما قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ [هود: 114] .
وقال سُبحانَه: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم: 17، 18].
وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ.
أي: وأقِمْ -يا مُحَمَّدُ- صَلاةَ الفَجرِ [1013] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/102)، ((تفسير السعدي)) (ص: 464)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/179). قال ابنُ عاشور: (ثمَّ عَطَفَ قُرآنَ الفَجرِ على الصَّلاةِ، والتقديرُ: وأقمْ قرآنَ الفَجرِ، أي: الصَّلاةَ به. كذا قدَّرَ القُرَّاءُ وجُمهورُ المفَسِّرين؛ ليُعلَمَ أنَّ لكُلِّ صَلاةٍ مِن تلك الصَّلواتِ قُرآنًا). ((تفسير ابن عاشور)) (15/183).   .
عن أبي بَرزةَ الأسلميِّ رَضِيَ الله عنه، قال: ((كان رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقرأُ في الفَجرِ ما بين السِّتينَ إلى المائةِ آيةٍ) ) [1014] رواه البخاري (541)، ومسلم (461) واللفظ له.   .
وعن جابِرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ الله عنه، قال: ((إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقرأُ في الفَجرِ بـ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق: 1]، وكان صلاتُه بعدُ تخفيفًا )) [1015] رواه مسلم (458).   .
وعنه أيضًا: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقرأُ في الظُّهرِ بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: 1] ، وفي الصُّبحِ بأطوَلَ مِن ذلك )) [1016] رواه مسلم (459).   .
وعنه أيضًا، قال: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرأُ في الفَجرِ «الواقِعةَ» ونَحوَها مِن السُّوَرِ) ) [1017] أخرجه أحمد (20995)، وابن خُزيمة (531)، وابن حبَّان (1823) مطوَّلًا. صحَّحه ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (1/430)، والألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (2/430) وقال: (على شرط مسلم).   .
إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا.
أي: إنَّ صَلاةَ الفَجرِ مَحضورةٌ؛ تَشهَدُها مَلائِكةُ اللَّيلِ، ومَلائِكةُ النَّهارِ [1018] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/33، 35)، ((معاني القرآن)) للزجاج (3/256)، ((تفسير السمعاني)) (3/268)، ((تفسير الشوكاني)) (3/298)، ((تفسير السعدي)) (ص: 464). قال الواحدي: (كلُّهم قالوا: صلاةُ الفَجرِ تَشهَدُها ملائِكةُ اللَّيلِ ومَلائِكةُ النَّهارِ). ((الوسيط)) (3/121).   .
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((فَضلُ صَلاةِ الجَميعِ على صلاةِ الواحِدِ خَمسٌ وعِشرونَ دَرجةً، وتجتَمِعُ ملائِكةُ اللَّيلِ وملائِكةُ النَّهارِ في صلاةِ الصُّبحِ، يقولُ أبو هريرة: اقرَؤوا إن شِئتُم: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)) [1019] رواه البخاري (4717) واللفظ له، ومسلم (649).   .
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا أمَرَ اللهُ تعالى بالصَّلَواتِ الخَمسِ على سَبيلِ الرَّمزِ والإشارةِ؛ أردَفَه بالحَثِّ على صلاةِ اللَّيلِ [1020] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (21/386).   .
وأيضًا لَمَّا أمَرَ اللهُ تعالى نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بإقامةِ الصَّلاةِ للوَقتِ المَذكورِ، ولم يَدُلَّ أمرُه تعالى إيَّاه على اختِصاصِه بذلك دونَ أمَّتِه؛ ذكَرَ ما اختَصَّه به تعالى وأوجَبَه عليه مِن قِيامِ اللَّيلِ، وهو في أمَّتِه تطَوُّعٌ [1021] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/99).   .
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ.
أي: ومِن بَعضِ اللَّيلِ قُمْ -يا مُحَمَّدُ- مِن نَومِك فصَلِّ بالقُرآنِ؛ زيادةً لك [1022] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/38، 40)، ((تفسير القرطبي)) (10/307)، ((تفسير ابن كثير)) (5/103)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/493)، ((تفسير القاسمي)) (6/490)، ((تفسير السعدي)) (ص: 465). واختُلِف في وجهِ تخصيصِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأنَّها نافلةٌ له على أقوالٍ:  فقيل: نَافِلَةً لَكَ أَي: فريضةً زائدةً على سائرِ الفرائضِ التي فرَضها الله عليك، فإنها كانت فريضةً عليه، وهي لغيرِه تطوعٌ. وممن ذهَب إلى هذا المعنى: ابنُ جرير، والخازنُ، وابنُ عاشورٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/40)، ((تفسير الخازن)) (3/140)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/185). وممن قال بهذا القول من السلف: ابنُ عباس، وسعيدُ بنُ جُبير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/40)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/47). وقيل: لأنَّها زِيادةٌ للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وفضيلةٌ؛ لأنَّ ذنوبَه مغفورةٌ، وتكفيرٌ لذُنُوبِ غيرِه. وممَّن قال بنحوِ هذا القولِ: السعدي. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 465). ويُنظر أيضًا: ((تفسير السمعاني)) (3/268)، ((تفسير الماوردي)) (3/264). وممن قال بنحوِ هذا القول من السلفِ: مجاهدٌ، وأبو أمامة، والحسنُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/41)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/47). وقيل: خُصَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك؛ تخصيصًا له بالترغيبِ فيها، والسبقِ إلى حيازةِ فضلِها، وليقتديَ النَّاسُ به فيها. يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (3/268)، ((تفسير الماوردي)) (3/264). .كما قال تعالى: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل: 2 - 4] .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُئِلَ: أيُّ الصَّلاةِ أفضَلُ بعدَ المَكتوبةِ؟ فقال: أفضَلُ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ المكتوبةِ الصَّلاةُ في جَوفِ اللَّيلِ) ) [1023] رواه مسلم (1163).   .
وعن عائِشةَ رَضِيَ الله عنها: ((أنَّ نبيَّ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقومُ مِن اللَّيلِ حتى تتفَطَّرَ قَدَماه )) [1024] رواه البخاري (4837).   .
عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا.
أي: افعَلْ هذا الذي أمَرْتُك به [1025] قيل: المراد: أمْرُه بما سبقَ مِن إقامةِ الصَّلواتِ المفروضةِ في أوقاتِها والتهَجُّدِ مِن اللَّيلِ بالقُرآنِ؛ لعَلَّ اللهَ أن يَبعَثَه المقامَ المحمودَ. وممَّن قال بذلك: ابن جرير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/43). وقيل: جاءت جملةُ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ تعليلًا لتَخصيصِه بإيجابِ التهَجُّدِ عليه. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: ابن عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/185).   -يا مُحَمَّدُ- فيَبعَثَك ربُّك يومَ القيامةِ شَفيعًا في أهلِ المَوقِفِ، فيَحمَدَك الأوَّلونَ والآخِرونَ [1026] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/43، 47)، ((تفسير القرطبي)) (10/309)، ((تفسير ابن كثير)) (5/103)، ((فتح الباري)) لابن حجر (2/95)، ((تفسير السعدي)) (ص: 465). قال الرازي: (اتَّفق المفسرونَ على أنَّ كلمةَ عَسَى مِن الله واجبٌ، قال أهلُ المعاني: لأنَّ لفظةَ «عسى» تفيدُ الإطماعَ، ومَن أطمَع إنسانًا في شيءٍ ثمَّ حرَمه كان عارًا، والله تعالى أكرمُ مِن أن يُطمعَ أحدًا في شيءٍ ثمَّ لا يُعطيه ذلك). ((تفسير الرازي)) (21/387). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/42، 43). ومَقَامًا مَحْمُودًا قيل: نُصِب على الظرفِ بإضمارِ فعلِه، أي: عسَى أن يبعثَك فيقيمَك مقامًا محمودًا، أو ضمَّن يَبْعَثَكَ معنَى: يقيمَك، ويجوزُ أن يكونَ حالًا بمعنَى: أن يبعثَك ذا مقامٍ محمودٍ. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/687)، ((تفسير الرسعني)) (4/217)، ((تفسير البيضاوي)) (3/264). قال الواحدي: (إجماعُ المُفَسِّرينَ على أنَّ المقامَ المحمودَ هو مقامُ الشَّفاعةِ). ((الوسيط)) (3/122). وقال ابنُ جرير: (اختلف أهلُ التأويلِ في معنى ذلك المقامِ المحمودِ، فقال أكثرُ أهلِ العلمِ: ذلك هو المقامُ الذي هو يقومُه صلَّى الله عليه وسلَّم يومَ القيامةِ للشفاعةِ للناسِ). ((تفسير ابن جرير)) (15/43). .
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الشَّمسَ تدنو يومَ القيامةِ، حتى يبلُغَ العَرَقُ نِصفَ الأُذُنِ، فبينا هم كذلك استغاثوا بآدَمَ، ثمَّ بموسى، ثُمَّ بمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيَشفَعُ ليُقضَى بين الخَلقِ، فيمشي حتى يأخُذَ بحَلقةِ البابِ، فيَومَئذٍ يَبعَثُه اللهُ مَقامًا مَحمودًا، يَحمَدُه أهلُ الجَمعِ كُلُّهم )) [1027] رواه البخاري (1475).   .
وعن أنس رَضِيَ اللهُ عنه، في حديثِ الشفاعةِ الطويلِ، وسؤالِ الناسِ يومَ القيامةِ الأنبياءَ الشفاعةَ: آدمَ ونوحًا وإبراهيمَ وموسَى وعيسَى عليهم السلامُ إلى أن يأتوا محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم ويأذنَ الله له بالشفاعةِ، ويقولَ له بعدَ أن يقعَ له ساجدًا: ((ارفعْ مُحَمَّدُ، وقلْ يُسمَعْ، واشفعْ تشفَّعْ، وسلْ تُعْطَ. قال: فأرفع رأسي، فأُثني على ربي بثناءٍ وتحميدٍ يعلِّمُنيه، ثم أشفعُ فيحدُّ لي حدًّا، فأخرجُ فأُخرجُهم مِن النارِ، وأُدخلُهم الجنة)) إلى أن يقولَ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((حتى ما يبقَى في النارِ إلَّا مَن حبَسه القرآنُ)) أي: وجَب عليه الخلودُ، قال: ثم تلا هذه الآيةَ: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا قال: ((وهذا المقامُ المحمودُ الذي وُعِده نبيُّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم )) [1028] رواه البخاري (7440).   .
وعن جابِرِ بنِ عَبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن قال حينَ يَسمَعُ النِّداءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذه الدَّعوةِ التَّامَّةِ، والصَّلاةِ القائمةِ؛ آتِ مُحَمَّدًا الوَسيلةَ والفَضيلةَ، وابعَثْه مَقامًا محمودًا الذي وعَدْتَه؛ حَلَّت له شفاعتي يومَ القيامةِ )) [1029] رواه البخاري (614).   .
وعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، قال: ((إنَّ النَّاسَ يَصيرونَ يومَ القيامةِ جُثًا [1030] جُثًا: أي: جماعاتٍ. يُنظر: ((شرح القسطلاني)) (7/210).   ، كُلُّ أمَّةٍ تَتبَعُ نَبيَّها، يقولونَ: يا فُلانُ اشفَعْ، يا فُلانُ اشفَعْ، حتى تنتهيَ الشَّفاعةُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذلك يومَ يَبعَثُه اللهُ المقامَ المحمودَ )) [1031] رواه البخاري (4718).   .
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا أمَرَ اللهُ تعالى نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بإقامةِ الصَّلاةِ والتهَجُّدِ، ووعَدَه بَعْثَه مقامًا محمودًا، وذلك في الآخرةِ؛ أمَرَه بأن يَدعُوَه بما يَشمَلُ أمورَه الدُّنيويَّةَ والأُخرَويَّةَ [1032] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/102).   .
وأيضًا لَمَّا أمَرَ اللهُ تعالى نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالشُّكرِ الفِعليِّ، عطَفَ عليه الأمرَ بالشُّكرِ اللِّسانيِّ بأن يبتَهِلَ إلى اللهِ بسُؤالِ التَّوفيقِ في الخُروجِ مِن مَكانٍ والدُّخولِ إلى مكانٍ؛ كيلا يضُرَّه أن يَستَفِزَّه أعداؤه مِن الأرضِ لِيُخرِجوه منها، مع ما فيه مِن المناسبةِ لِقَولِه: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، فلمَّا وَعَدَه بأن يُقيمَه مقامًا مَحمودًا، ناسَبَ أن يَسألَ أن يكونَ ذلك حالَه في كُلِّ مَقامٍ يَقومُه [1033] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/186).   .
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ.
أي: وقُلْ -يا مُحَمَّدُ- رَبِّ اجعَلْ دُخولي المدينةَ وكُلَّ ما أدخُلُ فيه، مُدخَلًا حَسَنًا، وفِّقْني فيه لِمَرضاتِك، واجعَلْ خُروجي مِن مَكَّةَ وكُلِّ ما أخرُجُ منه، مُخرَجًا حَسَنًا مَرضِيًّا تُوَفِّقُني فيه لطاعَتِك [1034] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/54، 57)، ((مدارج السالكين)) (2/259)، ((تفسير ابن كثير)) (5/111)، ((تفسير القاسمي)) (6/495)، ((تفسير السعدي)) (ص: 465). قيل: المرادُ بمُدخَل الصِّدق: دخولُه المدينةَ، ومُخرَج الصِّدق: خروجُه مِن مكَّةَ. وممَّن رجَّحَ هذا القولَ: ابنُ جرير، وابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/57- 58)، ((تفسير ابن كثير)) (5/111). وممن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عباسٍ، والحسنُ، وقتادةُ، وابنُ زيد. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/54)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/48). قال ابن القيم: (فُسِّرَ مُدْخَلُ الصِّدْقِ وَمُخْرَجُه: بخروجِه صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ مَكَّةَ، ودخولِه المدينةَ، ولا ريبَ أنَّ هذا على سبيلِ التَّمثيلِ؛ فإنَّ هذا المُدْخَلَ والمُخْرَجَ مِنْ أجلِّ مداخِلِه ومخارِجِه صلَّى الله عليه وسلَّم). ((مدارج السالكين)) (2/ 260). وقيل: المراد: جميعُ المداخِلِ والمخارِجِ على وَجهِ العُمومِ سواءٌ المتعَلِّقةُ بالأمكنةِ أو بغيرِها. وممَّن قال بهذا المعنى: ابنُ عطية، وهو ظاهرُ اختيارِ ابنِ القيمِ، واختيارُ ابنِ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/479)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 101)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/186- 187). .
وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا.
أي: واجعَلْ لي -يا رَبِّ- مِن عِندِك حُجَّةً بَيِّنةً، ومُلكًا وسُلطةً وغلبةً تُظهِرُ بها ديني، وتَنصُرُني بها على مَن عاداني [1035] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/58)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (6/4273، 4274)، ((تفسير ابن جزي)) (1/453)، ((تفسير ابن كثير)) (5/111)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/187). وفي معنى السلطان النصير أقوال: فقيل: المرادُ به: الملكُ والرئاسةُ والقوةُ والعزةُ. وممن ذهب إلى نحوِ ذلك: ابنُ جريرٍ، وابنُ جزي، وابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/59-60)، ((تفسير ابن جزي)) (1/453)، ((تفسير ابن كثير)) (5/111). وممن ذهب إلى نحو هذا القولِ مِن السلفِ: الحسنُ، وقتادةُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/58)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/48). وقيل: المرادُ به: الحُجَّةُ البيِّنةُ. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: السعدي. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 465). وممَّن قال بهذا القول من السَّلَفِ: مجاهِدٌ . يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/59)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/48). وقال ابن تيمية: (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا فإنَّ السُّلطانَ النَّصيرَ يجمَعُ الحُجَّةَ والمنزلةَ عند اللهِ، وهو كَلِماتُه الدِّينيةُ والقَدَريَّةُ والكونيَّةُ عند الله بكَلِماتِه الكونيَّاتِ. ومُعجِزاتُ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ تجمَعُ الأمرَينِ؛ فإنَّها حجَّةٌ على النبُوَّةِ مِن اللهِ، وهي قَدَريَّةٌ. وأبلغُ ذلك القرآنُ الذي جاء به محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّه هو شَرعُ اللهِ وكَلِماتُه الدينياتُ، وهو حجَّةُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على نبوَّتِه ومجيئِه مِن الخوارقِ للعاداتِ، فهو الدَّعوةُ، وهو الحُجَّةُ والمعجِزةُ). ((مجموع الفتاوى)) (11/324). وقال ابنُ جرير بعد ترجيحِه السلطان بمعنى المُلك والرئاسة: (وإذا أُوتيَ ذلك، فقد أوتيَ -لا شكَّ- حُجَّةً بيِّنةً). ((تفسير ابن جرير)) (15/60). وممن جمَع بينَ المعنيينِ السابقين مِن المفسرينَ: الزجاجُ، ومكي، والواحدي، والبقاعي، وابنُ عاشورٍ. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (3/257)، ((الهداية)) لمكي (6/4273-4274)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 644)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/496)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/187). قال مكي: (أي: حجةً تنصرُني بها على مَن ناوأني، وعزًّا أُقيمُ به دينَك، ومُلكًا تقوَى به أُمَّتي). ((الهداية)) (6/4273-4274). وقال ابن عاشور: (السلطانُ: اسمُ مصدر يُطلَق على السُّلطة، وعلى الحُجَّةِ، وعلى المُلك. وهو في هذا المقامِ كَلمةٌ جامعة على طريقةِ استعمال المشتَرَك في معانيه، أو هو من عمومِ المُشتَرك، تشمل أن يجعَلَ له الله تأييدًا وحُجَّةً وغَلَبةً ومُلكًا عظيمًا، وقد آتاه الله ذلك كلَّه، فنصره على أعدائِه، وسخَّر له من لم ينوِّهْ بنهوض الحجَّة وظهور دلائل الصدقِ، ونصَرَه بالرعب... والنصيرُ: مبالغةٌ في الناصر، أي سلطانًا ينصرني. وإذ قد كان العمَلُ القائم به النبيُّ هو الدعوةَ إلى الإسلام، كان نصره تأييدًا له فيما هو قائم به، فصار هذا الوصفُ تقييدًا للسلطان بأنه لم يسأل سلطانًا للاستعلاء على الناسِ، وإنما سأل سلطانًا لنَصرِه فيما يَطلُبُ النُّصرةَ، وهو التبليغ وبثُّ الإسلام في الناس). ((تفسير ابن عاشور)) (15/187). وقال أبو حيان: (السلطانُ هنا قال الحسن: التسليطُ على الكافرين بالسيفِ، وعلى المنافقينَ بإقامة الحدود. وقال قتادة: مُلكًا عزيزًا تنصرُني به على كلِّ من ناوأني. وقال مجاهد: حجَّةً بيِّنة. وقيل: كتابًا يحوي الحدودَ والأحكام. وقيل: فتحَ مكة. وقيل: في كل عصر سلطانًا ينصُرُ دينَك. ونَصِيرًا مبالغةٌ في ناصر. وقيل: فعيلٌ بمعنى مفعول، أي منصورًا، وهذه الأقوال كلُّها محتَمِلة لقولِه: سُلْطَانًا نَصِيرًا). ((تفسير أبي حيان)) (7/103). .
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّه لما سأل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الله النصرةَ؛ بيَّن الله له أنَّه أجاب دعاءَه، فقال [1036] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (21/389).   :
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ
أي: وقُلْ -يا مُحَمَّدُ: جاء الحَقُّ مِن عندِ اللهِ وثَبَت، وذهَبَ الباطِلُ المُخالِفُ لِشَرعِ اللهِ واضمَحَلَّ [1037] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/61، 62)، ((تفسير ابن كثير)) (5/111، 112)، ((تفسير السعدي)) (ص: 465)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/188)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/180). قال ابن جرير: (لم يَخصُص اللهُ عَزَّ ذِكرُه بالخَبَرِ عن بعضِ طاعاتِه، ولا ذَهاب بعضِ معاصيه، بل عَمَّ الخبَر عن مجيءِ جَميعِ الحَقِّ، وذَهابِ جَميعِ الباطِلِ، وبذلك جاء القرآنُ والتنزيلُ، وعلى ذلك قاتَلَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أهلَ الشِّركِ بالله، أعني: على إقامةِ جَميعِ الحَقِّ، وإبطال جميعِ الباطِلِ). ((تفسير ابن جرير)) (15/62). ويُنظر: ((تفسير القرطبي)) (10/315). وقال الشنقيطي: (وقد بيَّن جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة: أنَّ الإسلامَ جاء ثابتًا راسخًا، وأنَّ الشِّركَ بالله زَهَقَ، أي: ذهبَ واضمحَلَّ وزال... ثم بيَّن جل وعلا أن الباطِلَ كان زهوقًا، أي: مضمَحِلًّا غيرَ ثابت في كلِّ وقتٍ). ((أضواء البيان)) (3/180). .
كما قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء: 18] .
وقال سُبحانَه: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ [سبأ: 48-49] .
وقال عزَّ وجلَّ: كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد: 17] .
وعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ الله عنه، قال: ((دخَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مكَّةَ يومَ الفَتحِ، وحَولَ البَيتِ سِتُّونَ وثَلاثُمئةِ نُصُبٍ [1038] نُصُب: أي: حَجَر كانوا ينصِبونَه في الجاهليَّةِ ويتَّخِذونَه صَنَمًا يَعبُدونَه، والجَمعُ أنصابٌ. يُنظر: ((شرح القسطلاني)) (4/278).   ، فجَعَلَ يَطعُنُها بعُودٍ في يَدِه، ويقولُ: جاء الحَقُّ وزهَقَ الباطِلُ، جاء الحَقُّ وما يُبدِئُ الباطِلُ وما يُعيدُ )) [1039] رواه البخاري (4287) واللفظ له، ومسلم (1781).   .
إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا.
أي: إنَّ الباطِلَ ذاهبٌ، لا بقاءَ له عند مجيءِ الحَقِّ [1040] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/62)، ((تفسير القرطبي)) (10/315)، ((تفسير السعدي)) (ص: 465)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/188).   .

الفوائد التربوية:

1- قِيامُ اللَّيلِ يُوجِبُ عُلُوَّ الدَّرَجاتِ في الجنَّةِ؛ قال اللهُ تعالى لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، فجعَلَ جَزاءَه على التهَجُّدِ بالقُرآنِ باللَّيلِ أن يَبعَثَه المقامَ المحمودَ، وهو أعلى درَجاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [1041] يُنظر: ((مجموع رسائل ابن رجب)) (4/47)..
2- مُدخَلُ الصِّدقِ ومُخرَجُ الصِّدقِ: هو المُدخَلُ والمُخرَج الذي يكون صاحِبُه فيه ضامنًا على الله، وهو دخولٌ وخُروجٌ باللهِ ولله، وهذه الدَّعوةُ مِن أنفعِ الدُّعاءِ للعبدِ؛ فإنَّه لا يزالُ داخِلًا في أمرٍ وخارجًا من أمرٍ، فمتى كان دخولُه لله وبالله، وخروجُه كذلك؛ كان قد أُدخِلَ مُدخَلَ صِدقٍ وأُخرِجَ مُخرَجَ صِدقٍ [1044] يُنظر: ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 101).   .
3- قَولُ الله تعالى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا هذا وَصفُ الباطِلِ، ولكِنَّه قد يكونُ له صَولةٌ ورَوجانٌ إذا لم يُقابِلْه الحَقُّ، فعندَ مَجيءِ الحَقِّ يَضمَحِلُّ الباطِلُ، فلا يبقى له حِراكٌ؛ ولهذا لا يَرُوجُ الباطِلُ إلَّا في الأزمانِ والأمكِنةِ الخاليةِ مِن العِلمِ بآياتِ اللهِ وبَيِّناتِه [1046] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 464).   .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا يَشهَدُه مَلائِكةُ اللَّيلِ ومَلائِكةُ النَّهارِ، يَنزِلُ هؤلاء، ويَصعَدُ هؤلاء؛ فهو في آخِرِ دِيوانِ اللَّيلِ، وأوَّلِ دِيوانِ النَّهارِ. وفي هذه الآيةِ دَليلٌ واضِحٌ على تعَلُّقِ وُجوبِ الصَّلاةِ بأوَّلِ الوَقتِ، واستحبابِ التَّغليسِ [1047] التَّغليس: أي: الصلاةُ بغَلَسٍ، والغلسُ اختلاطُ ضياءِ الصبحِ بظلمةِ الليلِ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (1/132)، ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 228)، ((المصباح المنير)) للفيومي (2/450).   بصَلاةِ الفَجرِ [1048] يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (6/122).   ، ولأنَّ طولَ القراءةِ في هذه الصلاةِ مطلوبٌ، ولن يتمَّ هذا المطلوبُ إلَّا إذا شرَع في أدائِه في أوَّلِ الوقتِ [1049] يُنظر: ((تفسير النيسابوري)) (4/376).   .
2- قَولُ الله تعالى: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا فيه أنَّ القِراءةَ في الصلاةِ رُكنٌ؛ لأنَّ العبادةَ إذا سُمِّيَت ببَعضِ أجزائِها، دَلَّ على فَرضيَّةِ ذلك [1050] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 464)، ويُنظر أيضًا: ((تفسير السمعاني)) (3/268).   .
3- قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا فيه مشروعيةُ إطالةِ قراءةِ القرآنِ في صلاةِ الفجرِ؛ لأنَّه خصَّ الفجرَ بإضافةِ القراءةِ إليه، والتَّخصيصُ بالذِّكرِ يدُلُّ على كَونِه أكمَلَ مِن غَيرِه، وأيضًا لفضلِ القراءةِ فيها؛ حيثُ تشهدُها ملائكةُ الليلِ وملائكةُ والنهارِ؛ لذا بَيَّنَ الفُقَهاءُ أنَّ السُّنَّةَ أن تكونَ القِراءةُ في صلاةِ الفجرِ أطوَلَ مِن القِراءةِ في سائِرِ الصَّلَواتِ [1051] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (21/384)، ((تفسير النيسابوري)) (4/376)، ((تفسير السعدي)) (ص: 464).   .
4- قَولُ الله تعالى: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا فيه: فَضيلةُ صَلاةِ الفَجرِ [1052] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 464).   .
5- قَولُ الله تعالى: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا فيه أنَّ الصَّلواتِ المُوقَعةَ في هذه الأوقاتِ فرائِضُ؛ لِتَخصيصِها بالأمرِ [1053] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 464).   .
6- قَولُ الله تعالى: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا فيه دلالةٌ على مواقيتِ الصلواتِ الخمسِ، ذكَر ذلك غيرُ واحدٍ مِن الأئمةِ؛ كمالكٍ والشافعيِّ، ورُوِي معناه عن طائفةٍ مِن السلفِ [1054] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (4/175).   .
7- قَولُ الله تعالى: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا فيه أنَّ الوَقتَ شَرطٌ لصِحَّةِ الصلاةِ، وأنَّه سَبَبٌ لوُجوبِها؛ لأنَّ اللهَ أمَرَ بإقامَتِها لهذه الأوقاتِ [1055] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 464).   .
8- قال الله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا يأمُرُ تعالى نَبيَّه مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بإقامةِ الصَّلاةِ تامَّةً، ظاهِرًا وباطِنًا، في أوقاتِها. لِدُلُوكِ الشَّمْسِ أي: مَيلانِها إلى الأُفُقِ الغَربيِّ بعدَ الزَّوالِ، فيَدخُلُ في ذلك صَلاةُ الظُّهرِ وصَلاةُ العَصرِ. إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ أي: ظُلمَتِه، فدخَلَ في ذلك صَلاةُ المَغرِبِ وصَلاةُ العِشاءِ، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ أي: صلاةَ الفَجرِ، ونستفيدُ مِن ذلك أنَّ الظُّهرَ والعَصرَ يُجمَعانِ، والمَغرِبَ والعِشاءَ كذلك؛ للعُذرِ، لأنَّ اللهَ جمَعَ وَقتَهما جميعًا [1056] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 464). قال ابنُ رجبٍ: (وقد قيل: إنَّ الله تعالى ذكَر ثلاثةَ أوقاتٍ؛ لأنَّ أصلَ الأوقاتِ ثلاثةٌ، ولهذا تكونُ في حالةِ جوازِ الجمعِ بينَ الصلاتينِ ثلاثةً فقط). ((فتح الباري)) (4/175).   .
9- قَولُ اللهِ تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا اللامُ في لَكَ متعلِّقةٌ بـ نَافِلَةً وهي لامُ العلَّةِ، أي: نافلةً لأجلِك، وفي هذا دَليلٌ على أنَّ الأمرَ بالتهَجُّدِ خاصٌّ بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فالأمرُ للوجوبِ، وبذلك انتظمَ في عدادِ الصَّلواتِ الواجبةِ؛ فبَعضُها واجِبٌ عليه وعلى الأمَّةِ، وبعضُها واجِبٌ عليه خاصَّةً، ويُعلَمُ منه أنَّه مرغَّبٌ فيه، كما صرَّحَت به آيةُ سورةِ (المزمِّل): إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ [المزمل: 20] إلى قَولِه: مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ، وفي هذا الإيجابِ عليه زيادةُ تَشريفٍ له؛ ولهذا أُعقِبَ بوَعدِ أن يبعَثَه اللهُ مَقامًا محمودًا [1057] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/185).   .
10-  قَولُ الله تعالى: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا عَبَّرَ بـ (عسى) دونَ ما يُفيدُ القَطعَ؛ لأنَّ ذلك أقعَدُ في كَلامِ المُلوكِ؛ لأنَّه أدَلُّ على العَظَمةِ [1058] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/495).   .
11- ما ذُكر مُضافًا إلى الصِّدقِ، كـ (مُدخَلِ الصِّدقِ)، و(مُخرَجِ الصِّدقِ) في قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ، وكـ (قدَم الصِّدقِ)، في سورة (يونسَ) [الآية: 2]، و(لسانِ الصِّدقِ)، في سورة (الشُّعَراء) [الآية: 84]، و(مَقعَدِ الصِّدقِ)، في سورة (القمر) [الآية: 55]، فحقيقةُ الصِّدقِ في هذه الأشياءِ: هو الحقُّ الثَّابِتُ، المتَّصِلُ باللهِ، المُوصِلُ إلى اللهِ، وهو ما كان به وله، مِن الأقوالِ والأعمالِ، وجزاءُ ذلك في الدُّنيا والآخرةِ [1059] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/259).   .
12- قَولُ الله تعالى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا فيه استِحبابُ هذا القَولِ عندَ إزالةِ المُنكَرِ [1060] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 168-169).   ، وقد دَخَل النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مَكَّةَ وحولَ البيتِ سِتُّونَ وثلاثُمِئَةِ نُصُبٍ، فجَعَل يطعُنُها بعُودٍ في يدِه ويقولُ: جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا، جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ [1061] أخرجه البخاري (4720) واللفظ له، ومسلم (1781) من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه   [سبأ: 49] .
13- قال تعالى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا لمَّا كانت دعوةُ الرَّسولِ هي لإقامةِ الحقِّ، وإبطالِ الباطلِ؛ كان الوعدُ بظُهورِ الحقِّ وعدًا بظُهورِ أمْرِ الرَّسولِ، وفوزِه على أعدائِه، واستحفَظَه اللهُ هذه الكلمةَ الجليلةَ إلى أنْ ألقاها يومَ فتْحِ مكَّةَ على مسامِعِ مَن كانوا أعداءَه [1062] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/187).   .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا الجُملةُ استئنافٌ ابتدائيٌّ [1063] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/181).   .
- قولُه: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ فيه الاكتفاءُ ببَيانِ المبدَأِ والمُنْتهى في أوقاتِ الصَّلواتِ من غيرِ فصْلٍ بينها؛ ولعلَّ ذلك لِمَا أنَّ الإنسانَ فيما بين هذه الأوقاتِ على اليقظةِ؛ فبعضُها مُتَّصلٌ ببعضٍ، بخلافِ أوَّلِ وقْتِ العشاءِ والفجْرِ، فإنَّه باشتغالِه فيما بينهما بالنَّومِ ينقطِعُ أحدُهما عن الآخرِ؛ ولذلك فصَلَ وقْتَ الفجرِ عن سائرِ الأوقاتِ [1064] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/189).   .
- قولُه: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا جُملةُ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا استئنافٌ بيانيٌّ لوجْهِ تَخصيصِ صلاةِ الصُّبحِ باسمِ القُرآنِ بأنَّ صلاةَ الفجرِ مشهودةٌ، أي: مَحضورةٌ، أي: تَحضرُها ملائكةُ اللَّيلِ ومَلائكةُ النَّهارِ، وذلك زِيادةٌ في فَضلِها وبَركتِها. وأيضًا فهي يَحضرُها أكثرُ المُصلِّينَ؛ لأنَّ وقتَها وقتُ النَّشاطِ وبَعدَها يَنتظرُ النَّاسُ طُلوعَ الشَّمسِ؛ ليَخرجوا إلى أعمالِهم فيَكثُرَ سَماعُ القرآنِ حِينئذٍ [1065] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/183- 184).   . وقيل: خَصَّ ذِكْرَ القُرآنِ بصَلاةِ الفجرِ دونَ غيرِها؛ لأنَّها يُجْهَرُ بالقُرآنِ في جَميعِ رَكَعاتِها، ولأنَّ سُنَّتَها أنْ يُقْرَأَ بسُورٍ من طوالِ المُفصَّلِ [1066] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/97)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/183).   .
- وقولُه: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ فيه إظهارٌ في مقامِ الإضمارِ، حيث لم يقُلْ: (إنَّه)؛ إبانةً لمزيدِ الاهتمامِ والتَّنويهِ بقُرآنِ الفَجرِ وتَعظيمِه [1067] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/98)، ((تفسير أبي السعود)) (5/189).   ، وللاحتِرازِ لئلَّا يُفهمَ أو يُتوهَّمَ أنَّ الضَّميرَ يعودُ على الْفَجْرِ؛ فإنَّه لو قال: (إنه) لأَوهمَ عَوْدَ الضَّميرِ إلى الْفَجْرِ [1068] يُنظر: ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (2/489).   .
2- قوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا
- قولُه: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ فيه تَقديمُ المجرورِ وَمِنَ اللَّيْلِ المُتعلِّقِ بـ تَهَجَّدْ على مُتعلَّقِه؛ اهتمامًا به وتَحريضًا عليه. وقولُه: وَمِنَ اللَّيْلِ في معنى الإغراءِ؛ بناءً على أنَّ نصْبَ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ على الإغراءِ؛ فيكونُ فَتَهَجَّدْ تَفريعًا على الإغراءِ تَفريعَ مُفصَّلٍ على مُجْمَلٍ [1069] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/184).   .
- قولُه: نَافِلَةً لَكَ، أي: فَريضةً زائِدةً على الصَّلَواتِ الخَمسِ المفروضةِ، خاصَّةً بك دونَ الأُمَّةِ، ولعَلَّه هو الوَجهُ في تَأخيرِ ذِكرِها عن ذِكرِ صَلاةِ الفَجرِ مع تقدُّمِ وَقتِها على وَقتِها [1070] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/189).   .
- وجُملةُ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ تَعليلٌ لتَخصيصِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإيجابِ التَّهجُّدِ عليه [1071] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/185).   .
- والتنكيرُ في قولِه تعالى: مَقَامًا مَحْمُودًا يدلُّ على أنَّه يحصلُ للنبيِّ -عليه السلامُ- في ذلك المقامِ حمدٌ بالغٌ، عظيمٌ كاملٌ [1072] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (21/387).   .
3- قولُه تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا
- قولُه: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ اخْتِيرَ هنا الاسمُ المُشتقُّ -مُدْخَلَ مُخْرَجَ- من الفعلِ المُتعدِّي؛ للإشارةِ إلى أنَّ المطلوبَ دُخولٌ وخُروجٌ مُيسَّرانِ من اللهِ تعالى وواقعانِ بإذْنِه، وذلك دُعاءٌ بكلِّ دُخولٍ وخُروجٍ مباركَينِ؛ لتتِمَّ المُناسبةُ بين المسؤولِ وبين الموعودِ به، وهو المقامُ المحمودُ [1073] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/186).   .
- وقولُه: نَصِيرًا مُبالغةٌ في ناصرٍ [1074] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/103).   .
4- قولُه تعالى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا
- أعقَبَ تلقينَه الدُّعاءَ بسَدادِ أعمالِه، وتأييدِه فيها، بأنْ لقَّنَه هذا الإعلانَ المُنْبِئَ بحُصولِ إجابةِ الدَّعوةِ المُلْهَمةِ، بإبرازِ وعْدِه بظُهورِ أمْرِه في صُورةِ الخبَرِ عن شَيءٍ مضَى [1075] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/187).   .
- قولُه: إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا تَذييلٌ للجُملةِ الَّتي قبله، خرَجَ مخرَجَ المثَلِ السَّائرِ؛ لِمَا فيه من عُمومٍ يشمَلُ كلَّ باطلٍ في كلِّ زمانٍ، وإذا كان هذا شأنَ الباطلِ، كان الثَّباتُ والانتصارُ شأْنَ الحقِّ؛ لأنَّه ضِدُّ الباطلِ، فإذا انتفَى الباطِلُ ثبَتَ الحقُّ، ودَلَّ فعْلُ (كان) على أنَّ الزُّهوقَ شِنْشنةُ [1076] الشِّنْشِنةُ: الخُلُقُ والطَّبيعةُ. يُنظر: ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 169).   الباطلِ، وشأْنُه في كلِّ زمانٍ أنَّه يظهَرُ ثمَّ يضْمحِلُّ [1077] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/188)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/487-488).   .
- قوله: زَهُوقًا صِفَةُ مُبالغةٍ في اضمحلالِه وعدَمِ ثُبوتِه في وقتٍ ما [1078] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/103).   .