موسوعة التفسير

سورةُ الأنْبياءِ
الآيات (11-18)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ

غريب الكلمات :

قَصَمْنَا: أي: أهلَكْنا وكَسرْنا، وأصلُ القَصْمِ: الكَسرُ [136] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 234)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/93)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 236)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 293). .
يَرْكُضُونَ: أي: يَفِرُّونَ، ويَهرُبونَ مُسرِعينَ، وأصلُ (ركض): يدُلُّ على تَحريكِ الرِّجلَينِ [137] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 234)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/434)، ((البسيط)) للواحدي (15/31). .
مَا أُتْرِفْتُمْ: أي: نُعِّمْتُم وبَقيتُم في المُلكِ، وأصلُ (ترف): يدلُّ على توسُّعٍ في النِّعمةِ [138] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/345)، ((المفردات)) للراغب (ص: 166)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 293). .
يَاوَيْلَنَا: الويلُ: الهلاكُ والعذابُ، ويُطلَقُ كذلك على حُلولِ الشرِّ، وقد يُستعمَلُ في التَّحسُّرِ. وقيلَ: الوَيلُ: وادٍ في جَهَنَّمَ [139] يُنظر: ((العين)) للخليل بن أحمد (8/366)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 478)، ((المفردات في غريب القرآن)) للراغب (ص: 888)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 945)، ((تفسير الشوكاني)) (3/474). قال الراغب: (ومَن قال: «ويلٌ»: وادٍ في جهنَّمَ، فإنَّه لم يُرِدْ أنَّ «ويلًا» في اللغةِ هو موضوعٌ لهذا، وإنَّما أراد مَن قال الله تعالى ذلك فيه فقد استحقَّ مقرًّا مِن النَّارِ، وثبَت ذلك له). ((المفردات)) (ص: 888). .
دَعْوَاهُمْ: أي: دُعاؤُهم، وقولُهم، وكلامُهم؛ فالدَّعوى تُطلَقُ على: الادِّعاءِ والدُّعاءِ والقَولِ كذلِك، وأصلُ (دعو): أنْ يُمِيلَ الشَّخصُ الشَّيءَ إليه بصَوتٍ وكَلامٍ يكونُ منه [140] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/126)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 220)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/279)، ((المفردات)) للراغب (ص: 316)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 447، 453). .
حَصِيدًا خَامِدِينَ: أي: هالكينَ لم تبقَ منهم بقيَّةٌ، وأصلُ (حصد): يدُلُّ على قَطعِ الشَّيءِ، وأصلُ (خمد): يَدُلُّ على سُكونِ الحركةِ [141] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/237)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 193)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/71، 215)، ((المفردات)) للراغب (ص: 238)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 294). .
لَدُنَّا: أي: عندِنا، وقيل: (لَدُنْ) أخصُّ مِن (عند) وأبلغُ [142] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 285)، ((تفسير ابن جرير)) (16/238)، ((البسيط)) للواحدي (15/38)، ((المفردات في غريب القرآن)) للراغب (ص: 739). .
فَيَدْمَغُهُ: أي: يُذهِبُه، ويُبطِلُه، وأصلُ هذا إصابةُ الرأسِ والدِّماغِ بالضَّربِ، وهو مَقتَلٌ [143] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 285)، ((تفسير ابن جرير)) (16/240)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 516)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/302)، ((المفردات)) للراغب (ص: 318)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 236). .
زَاهِقٌ: أي: زائلٌ، ذاهِبٌ، هَالِكٌ، وأصلُ (زهق): يدُلُّ على مُضِيٍّ [144] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 285)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/32)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 236)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 493). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى: وكثيرٌ من القرَى كان أهلُها ظالِمينَ لكُفرِهم باللهِ وبما جاءَتْهم به رسُلُهم، فأهلَكْناهم، وأوجَدْنا بَعدَهم قومًا آخرينَ سِواهم، فلمَّا رأى هؤلاء الظَّالِمونَ عَذابَنا نازِلًا بهم، وشاهَدوا بوادِرَه؛ إذا هم يُسرِعونَ هاربينَ مِن قَريتِهم. فنُودوا في هذه الحالِ: لا تَهرَبوا وارجِعوا إلى النِّعَمِ التي كُنتم فيها ومَساكِنِكم المشيَّدةِ؛ لعلَّكم تُسأَلونَ. فقالوا مُعتَرِفين بجُرمِهم: يا وَيْلَنا! إنَّا ظَلَمْنا أنفُسَنا بكُفرِنا بالله، وتَكذيبِنا رُسُلَه. فما زالت تلك المقالةُ -وهي الدُّعاءُ على أنفُسِهم بالويلِ والهلاكِ، والاعترافُ بالظُّلمِ- دَعوَتَهم يرَدِّدونَها حين نزلَ بهم العذابُ، حتى جَعَلْناهم موتى كالزَّرعِ المحصودِ، خامِدينَ لا حياةَ فيهم؛ فاحذَروا -أيُّها المُخاطَبونَ- أن تستَمِرُّوا على تكذيبِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيَحِلَّ بكم ما حَلَّ بالأُمَمِ قَبْلَكم!
ثمَّ ذكَر الله سبحانَه ما يدُلُّ على قدرتِه ووحدانيَّتِه، فقال: وما خلَقْنا السَّماءَ والأرضَ وما بينهما عَبَثًا وباطِلًا، بل لإقامةِ الحُجَّةِ عليكم، ولِتَعتَبِروا بذلك كُلِّه، فتَعلَموا أنَّ الذي خلَقَ ذلك لا تَصلُحُ العبادةُ إلَّا له.
لو أرَدْنا -على سبيلِ الفرضِ المحالِ- أن نتَّخِذَ زوجةً وولدًا، لاتَّخَذْناه مِن عِندِنا لا مِن عِندِكم، إنْ كُنَّا فاعلينَ ذلك، ولكِنْ لا يليقُ بنا فِعلُه ولا ينبغي.
بل نُلقي بحُجَجِ القرآنِ على الباطِلِ، فيَدحَضُه فإذا هو ذاهِبٌ مُضمَحِلٌّ. ولكم العذابُ والهَلاكُ -أيُّها المُشرِكونَ- بسببِ كذبِكم وافترائِكم على الله تعالى.

تفسير الآيات:

وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (11).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا رَدَّ اللَّهُ تعالَى عليهم ما قالوه؛ بالَغ تعالى في زَجْرِهم بذِكرِ ما أهلَك مِن القُرَى [145] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/412). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الرازي)) (22/123). ، فقال:
وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً.
أي: وكثيرٌ مِن القُرى الماضيةِ أهلَكْناها وأهلَها المُشرِكينَ؛ لكُفرِهم باللهِ، وتَكذيبِهم رُسُلَه [146] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/233)، ((تفسير ابن كثير)) (5/335)، ((تفسير السعدي)) (ص: 520)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/137، 138). .
كما قال تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ [الإسراء: 17] .
وقال سُبحانَه: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ [الحج: 45] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا [الطلاق: 8، 9].
وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ.
أي: وأوجَدْنا بعدَ إهلاكِهم أُمَّةً أُخرَى سِواهم [147] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/233)، ((تفسير القرطبي)) (11/274)، ((تفسير ابن كثير)) (5/335). .
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12).
أي: فلمَّا رأَى هؤلاءِ الظَّالِمونَ عَذابَنا نازلًا بهم ووجَدوا مسَّه، إذا هم يَهرُبونَ مِن قَريتِهم مُسرعينَ [148] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/234)، ((تفسير القرطبي)) (11/274)، ((تفسير ابن كثير)) (5/335)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/394، 395). قال البقاعي: (فَلَمَّا أَحَسُّوا أي: أدرك أهلُها بحواسِّهم). ((نظم الدرر)) (12/394). .
لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13).
أي: لا تَرْكُضوا هاربينَ مِن العذابِ، وارجِعوا إلى النِّعَمِ التي كُنتم فيها وبُيوتِكم التي سَكَنْتُم فيها؛ لعلَّكم تُسألُونَ [149] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/234)، ((تفسير القرطبي)) (11/274)، ((تفسير ابن كثير)) (5/335). قال أبو السعود: (قيل لهم بلِسانِ الحال أو بلِسانِ المقالِ مِن الملَكِ أو ممَّن ثمَّةَ من المؤمنينَ بطريق الاستهزاءِ والتوبيخِ). ((تفسير أبي السعود)) (6/58). وفي معنى لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ أقوالٌ: فقيل: المعنى: لعلَّكم تُسألونَ شَيئًا من دنياكم؛ استهزاءً بهم. وممن قال بهذا المعنى: يحيى بنُ سلَّامٍ، والواحدي، والسمعاني، وابنُ الجوزي، والقرطبي، والخازنُ، والعليمي. يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (1/301)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 712)، ((تفسير السمعاني)) (3/371)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 236)، ((تفسير القرطبي)) (11/275)، ((تفسير الخازن)) (3/221)، ((تفسير العليمي)) (4/345). وممن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: قتادةُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/236). وقيل: المعنى: لعلَّكم تُسألون عمَّا كنتم فيه مِن أداءِ شُكرِ النِّعمةِ. وممن قال بذلك: ابنُ كثيرٍ. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/335). وقيل: لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ أي: تُقصَدونَ للسُّؤالِ والتشاوُرِ والتدبير في المهمَّات، وهذا على طريقةِ التهَكُّم بهم والتوبيخِ لهم. وممن قال بذلك: الشوكاني. يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (3/473). .
قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14).
أي: قال أولئك الكفَّارُ حينَ نزَل بهم العَذابُ مُعتَرِفينَ بذُنوبِهم نادِمينَ: يا وَيْلَنا! إنَّا كنَّا ظالمينَ لأنفُسِنا بكُفرِنا بالله، وتكذيبِنا رُسُلَه [150] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/236)، ((الوسيط)) للواحدي (3/232)، ((تفسير القرطبي)) (11/275)، ((تفسير ابن كثير)) (5/335). .
كما قال تعالى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ * فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأعراف: 4، 5].
فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15).
أي: فما زال الكفَّارُ حينَ نزَل بهم العذابُ يُكَرِّرونَ قَولَهم: يا وَيلَنا إنَّا كُنَّا ظالِمينَ، حتى أهلَكْناهم واستَأصَلْناهم، فجَعَلْناهم موتَى كالزَّرعِ الذي استُؤصِلَ، قد خَمَدت منهم الحَرَكاتُ، وسَكَنَت منهم الأصواتُ كما تُخمَدُ النَّارُ فتُطفَأُ؛ فاحذَروا -أيُّها المُخاطَبونَ- أن تَستَمِرُّوا على تكذيبِ رَسولِكم فيَحِلَّ بكم مِثلُ ما حلَّ بأولئك القَومِ [151] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/236)، ((تفسير ابن جزي)) (2/19)، ((تفسير ابن كثير)) (5/335)، ((تفسير السعدي)) (ص: 520)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/28). .
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
في تعلُّقِ هذه الآيةِ بما قبلَها وجهان:
الأولُ: أنه لَمَّا بَيَّنَ اللهُ تعالى إهلاكَ أهلِ القَريةِ لأجْلِ تَكذيبِهم؛ أتبَعَه بما يدُلُّ على أنَّه فَعَل ذلك عَدلًا منه، ومجازاةً على ما فَعَلوا.
الثاني: أنَّ الغَرَضَ منه تقريرُ نبُوَّةِ محمَّدٍ صَلَّى الله عليه وسلم، والردُّ على مُنكِريه؛ لأنَّه أظهَرَ المُعجِزةَ عليه، فإنْ كان محمَّدٌ كاذِبًا كان إظهارُ المعجزةِ عليه مِن بابِ اللَّعِبِ، وذلك منفيٌّ عنه، وإنْ كان صادِقًا فهو المطلوبُ، وحينئذ يفسُدُ كُلُّ ما ذَكَروه مِن المطاعِنِ [152] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (22/124، 125). .
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16).
أي: وما خلَقْنا السَّماءَ والأرضَ وما بينَهما مِن المخلوقاتِ عَبَثًا وباطِلًا، بل خلَقْناها ليتفَكَّرَ النَّاسُ فيها، فيَستَدِلُّوا بها على عَظيمِ صِفاتِ خالِقِها، واستِحقاقِه للعبادةِ، فيَعلَموا أنَّ الذي دَبَّرَها وخَلَقَها لا يُشبِهُه شَيءٌ، وأنَّه لا تكونُ الألوهيَّةُ إلَّا له، ولا تصلُحُ العبادةُ لِشَيءٍ سِواه، وأنَّ القادِرَ على خَلقِها مع سَعَتِها وعِظَمِها قادِرٌ على إعادةِ الأجسادِ بعدَ مَوتِها؛ ليجازيَ المُحسِنَ بإحسانِه، والمُسيءَ بإساءتِه [153] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/237)، ((البسيط)) للواحدي (15/35)، ((تفسير القرطبي)) (11/276)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (17/95)، ((تفسير ابن كثير)) (5/335)، ((تفسير السعدي)) (ص: 520). .
كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص: 27].
وقال سُبحانَه: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الدخان: 38- 39] .
وقال عزَّ وجَلَّ: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 190، 191].
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ الله تعالى لَمَّا نفَى عن نَفْسِه اللَّعِبَ؛ أتبَعَه دَليلَه، فقال تعالى [154] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/398). :
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17).
أي: لو أرَدْنا -على سَبيلِ الفَرضِ والتَّقديرِ المُحالِ- أن نتَّخِذَ زوجةً وولدًا، لاتَّخَذْنا ذلك مِن عِندِنا، إنْ كُنَّا فاعلينَ ذلك، ولكِنْ لا يليقُ بنا فِعلُه ولا ينبغي [155] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/238)، ((تفسير البغوي)) (3/285)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (5/405)، ((البحر المديد)) لابن عجيبة (3/449)، ((تفسير السعدي)) (ص: 520). قال الماوردي: (قوله تعالى: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا فيه ثلاثةُ تأويلاتٍ: أحدُها: ولدًا، قاله الحسنُ. الثاني: أنَّ اللهوَ النساءُ، قاله مجاهدٌ. وقال قتادةُ: اللهوُ بلغةِ أهلِ اليمنِ: المرأةُ. قال ابنُ جريج: لأنَّهم قالوا: مريمُ صاحبتُه، وعيسى ولدُه! الثالث: أنَّه اللهوُ الذي هو داعي الهوى، ونازعُ الشهوةِ). ((تفسير الماوردي)) (3/440). وممن اختار أنَّ المرادَ باللهوِ الولدُ: مقاتلُ بنُ سليمانَ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/73). وممن قال مِن السلفِ بهذا القولِ: ابنُ عبَّاس في روايةٍ عنه، وعكرمةُ، والسُّدِّي. يُنظر: ((تفسير ابن أبي حاتم)) (8/2447)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/187). وقال ابن جزي: (ومِنْ لَدُنَّا: أي: مِن الملائكةِ، فالمعنَى على هذا: لو أرَدْنا أن نتَّخِذَ ولدًا لاتَّخَذْناه مِن الملائكةِ، لا مِن بني آدمَ، فهو ردٌّ على مَن قال: إنَّ المسيحَ ابنُ الله، وعُزَيرًا ابنُ الله). ((تفسير ابن جزي)) (2/19). وممن اختار أنَّ المرادَ باللهوِ النساءُ: الواحدي، والسمعاني، والبغوي. يُنظر: ((الوجيز)) للواحدي (ص: 713)، ((تفسير السمعاني)) (3/372)، ((تفسير البغوي)) (3/285). وقال البغوي: (وهو في المرأةِ أظهرُ؛ لأنَّ الوطءَ يُسمَّى لهوًا في اللغةِ، والمرأةُ محلُّ الوطءِ). ((تفسير البغوي)) (3/285). وممن جمَع بينَ القولينِ: ابنُ قتيبةَ، وابنُ جريرٍ، والعُليمي. يُنظر: ((تأويل مشكل القرآن)) لابن قتيبة (ص: 104)، ((تفسير ابن جرير)) (16/238)، ((تفسير العليمي)) (4/346). وذكر ابنُ كثيرٍ أنَّ القولينِ متلازمانِ. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/335). قال ابن قتيبة: (قال قتادة والحَسَنُ: اللَّهوُ: المرأةُ، وقال ابنُ عبَّاسٍ: هو الولَدُ. والتفسيرانِ مُتقاربان؛ لأنَّ امرأةَ الرجُلِ لَهوُه، وولَدَه لَهوُه... وتأويل الآية: أنَّ النَّصارى لَمَّا قالت في المَسيحِ وأمِّه ما قالت؛ قال الله جلَّ وعزَّ: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا، أي: صاحِبةً وولَدًا، كما يقولونَ، لاتَّخَذْنا ذلك من لدُنَّا). ((تأويل مشكل القرآن)) (ص: 104). واستحسنه الواحديُّ في ((الوسيط)) (3/232). وقال ابن تيميَّة: (أي: لاتخَذْنا ذلك عندَنا لا عِندَكم؛ لأنَّ زوجةَ الرجُلِ وولدَه يكونانِ عندَه بحَضرتِه، لا عندَ غيرِه). ((مجموع الفتاوى)) (5/405). وممن قال به من السَّلَفِ: ابنُ جُريجٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/239). وقيل: المعنى: لو أرَدْنا أن نَتَّخِذَ ما يُتَلهَّى به ويُلعَبُ. وممن اختاره: البيضاوي، والطِّيبي، وأبو السعود، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/47)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/307)، ((تفسير أبي السعود)) (6/59)، ((تفسير القاسمي)) (7/181). .
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18).
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ.
أي: ولكِنَّنا نُلقي بحُجَجِ القرآنِ على الباطِلِ، فيَذهَبُ ويَضمَحِلُّ، فلا نعمَلُ عَمَلًا يكونُ باطِلًا ولَعِبًا ولَهوًا [156] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/240)، ((تفسير السمعاني)) (3/372)، ((تفسير القرطبي)) (11/277)، ((تفسير ابن كثير)) (5/336)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/399، 400)، ((تفسير السعدي)) (ص: 520)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/33، 34). .
كما قال تعالى: إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ [سبأ: 48- 49].
وقال سُبحانَه: أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ [الرعد: 17] .
وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ.
أي: ولكم العَذابُ والهَلاكُ -أيُّها المُشرِكونَ- بسَبَبِ ما تكذِبونَ وتفترونَ [157] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/241)، ((تفسير القرطبي)) (11/277)، ((تفسير ابن كثير)) (5/336)، ((تفسير السعدي)) (ص: 520). قال ابن جرير: (ولكُمُ الوَيلُ مِن وَصفِكم ربَّكم بغيرِ صِفَتِه، وقيلِكم: إنَّه اتخَذَ زَوجةً وولَدًا، وفِريَتِكم عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويل، إلَّا أنَّ بَعضَهم قال: معنى تَصِفُونَ: تَكذِبونَ. وقال آخرون: معنى ذلك: تُشرِكون. وذلك وإن اختَلَفت به الألفاظُ فمُتَّفِقةٌ معانيه؛ لأنَّ مَن وصف اللهَ تعالى بأنَّ له صاحبةً، فقد كذبَ في وصفِه إيَّاه بذلك، وأشرَكَ به، ووصَفَه بغير صِفَتِه. غيرَ أنَّ أَولى العبارات أن يعبَّرَ بها عن معاني القرآنِ أقرَبُها إلى فَهمِ سامعيه). ((تفسير ابن جرير)) (16/241). وقال البِقَاعي: (مِمَّا تَصِفُونَ أي: مِن وَصْفِكم لكُلِّ شَيءٍ بما تهوى أنفسُكم، من غيرِ إذنٍ مِنَّا لكم؛ لأنَّكم لا تَقِفونَ على حقائِقِ الأمور، فإن وصفتُم القرآنَ بشَيءٍ مِمَّا تقدَّمَ، ثمَّ قَذَفْنا عليه بما يبَيِّنُ بُطلانَه، بانَ لكلِّ عاقلٍ أنَّه يجِبُ عليكم أن تُنادِمُوا الويلَ بمَيلِكم كلَّ المَيلِ، وإنْ وَصفتُم اللهَ أو الدنيا أو غيرهما، فكذلك إنما أنتم متعَلِّقونَ بقُشورٍ وظواهِرَ لا يرضاها إلَّا بعيدٌ عن العقلِ، مَحجوبٌ عن الإدراكِ). ((نظم الدرر)) (12/400). .

الفوائد التربوية:

1- قَولُه تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ عَقَّب به ذِكرَ القَومِ المُهلَكينَ، والمقصودُ مِن ذلك إيقاظُ العُقولِ إلى الاستِدلالِ بما في خَلْقِ السَّمَواتِ والأرضِ وما بينهما مِن دقائِقِ المُناسَباتِ، وإعطاءِ كُلِّ مَخلوقٍ ما به قِوامُه، فإذا كانت تلك سُنَّةَ الله في خَلقِ العوالِمِ ظَرفِها ومَظروفِها، استُدِلَّ بذلك على أنَّ تلك السُّنَّةَ لا تتخلَّفُ في ترتُّبِ المسَبَّباتِ على أسبابِها فيما يأتيه جِنسُ المكَلَّفينَ مِن الأعمالِ، فإذا ما لاحَ لهم تخَلُّفُ سَبَبٍ عن سَبَبِه، أيقَنوا أنَّه تخَلُّفٌ مُؤَقَّتٌ، فإذا عَلَّمَهم اللهُ على لسانِ شرائِعِه بأنَّه ادَّخَر الجَزاءَ الكامِلَ على الأعمالِ إلى يومٍ آخِرٍ؛ آمَنوا به، وإذا عَلَّمهم أنَّهم لا يفوتونَ ذلك بالموتِ، بل إنَّ لهم حياةً آخِرةً، وأنَّ اللهَ باعِثُهم بعد الموتِ؛ أيقنوا بها، وإذا عَلَّمَهم أنَّه رُبَّما عَجَّلَ لهم بعضَ الجزاءِ في الحياةِ الدُّنيا؛ أيقَنوا به؛ ولذلك كَثُرَ تَعقيبُ ذِكرِ نِظامِ خَلْقِ السَّمَواتِ والأرضِ بذِكرِ الجَزاءِ الآجِلِ والبَعثِ، وإهلاكِ بَعضِ الأُمَمِ الظَّالِمةِ، أو تعقيبُ ذِكرِ البَعثِ والجزاءِ الآجِلِ والعاجِلِ بذِكرِ نِظامِ خَلقِ السَّمَواتِ والأرضِ [158] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/31). .
2- ينبغي للإنسانِ أنْ يَعرِفَ شُبَهَ المُخالِفينَ -التي يَدَّعونَها حُجَجًا- لِيَنقَضَّ عليهم منها فيُبطِلَها؛ قال اللهُ تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [159] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (2/158). .
3- قال بَعضُ أهلِ العِلمِ: (كيف لا يَخشَى الكَذِبَ على اللهِ ورَسولِه مَن يَحمِلُ كَلامَه على التَّأويلاتِ المُستَنكَرةِ والمجازاتِ المُستَكرَهةِ التي هي بالألغازِ والأحاجيِّ أَولى منها بالبَيانِ والهِدايةِ؟! وهل يأمَنُ على نَفْسِه أن يكونَ مِمَّن قال اللهُ فيهم: وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ؟!). قال الحَسَنُ: (هي واللهِ لكُلِّ واصِفٍ كَذِبًا إلى يَومِ القيامةِ) [160] يُنظر: ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) لابن القيم (4/191). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قولُ اللهِ تعالى: قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ سُمِّيَ ذلك القَولُ (دعوى)؛ لأنَّ المقصودَ منه هو الدُّعاءُ على أنفُسِهم بالوَيلِ، والدُّعاءُ يُسمَّى دَعوى، كما في قَولِه تعالى: دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ [161] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/28). [يونس: 10] .
2- قَولُ اللهِ تعالى: جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ فيه سؤالٌ: كيف يَنصِبُ (جعَلَ) ثلاثةَ مَفاعِيلَ؟
الجوابُ: أنَّ حُكمَ الاثنينِ الآخَرينِ حَصِيدًا خَامِدِينَ حُكمُ الواحِدِ، فـ خَامِدِينَ مع حَصِيدًا في حَيِّزِ المَفعولِ الثَّانيِ للجَعْلِ، والمعنى: جعَلْناهم جامِعِينَ لهذينِ الوَصفَينِ، والمرادُ أنَّهم أُهلِكوا بذلك العَذابِ حتى لم يبقَ لهم حِسٌّ ولا حَرَكةٌ، وجَفُّوا كما يجِفُّ الحَصيدُ، وخَمَدوا كما تَخمُدُ النَّارُ [162] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/106)، ((تفسير الرازي)) (22/124). .
3- في قَولِه تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ دَلالةٌ على كَمالِ حِكمتِه سُبحانه وتعالى [163] يُنظر: ((الفوائد)) لابن القيم (ص: 7). .
4- قَولُ اللهِ تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ فيه أنَّه تعالى تكَفَّل بإحقاقِ الحَقِّ وإبطالِ الباطِلِ، وأنَّ كُلَّ باطِلٍ قيلَ وجُودِلَ به، فإنَّ اللهَ يُنزِلُ مِن الحَقِّ والعِلمِ والبيانِ ما يَدمَغُه، فيَضمَحِلُّ ويتبيَّنُ لكُلِّ أحَدٍ بُطلانُه، وهذا عامٌّ في جميعِ المسائِلِ الدِّينيَّةِ؛ لا يُورِدُ مُبطِلٌ شُبهةً عَقليَّةً ولا نقليَّةً في إحقاقِ باطلٍ أو رَدِّ حَقٍّ، إلَّا وفي أدِلَّةِ اللهِ مِن القواطعِ العَقليَّةِ والنَّقليَّةِ ما يُذهِبُ ذلك القَولَ الباطِلَ ويَقمَعُه، فإذا هو مُتَبيِّنٌ بُطلانُه لكُلِّ أحَدٍ [164] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:520). .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ

- قولُه: وَكَمْ قَصَمْنَا... عطْفٌ على قولِه: مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا [الأنبياء: 6] ، أو على قولِه: وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ، وهو تَعريضٌ بالتَّهديدِ، وفيه تَعريضٌ بنصْرِ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَعريضٌ بإنذارِ المُشرِكينَ بالانقراضِ بقاعدةِ قياسِ المُساواةِ [165] قياسُ المساواةِ، نحو: (أ) مساوٍ ( ب)، و(ب) مساوٍ لـ (ج)، فيلزم: (أ) مساوٍ لـ (ج)، بواسطةِ مقدمةٍ أجنبيةٍ، وهو: كلُّ ما هو مساوٍ لـ (ب) مساوٍ لـ (ج). يُنظر: (( أصول الفقه)) لابن مفلح (1/21). ، وأنَّ اللهَ يُنشِئُ بعْدَهم أُمَّةً مُؤمِنةً [166] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/23، 24). . أو استئنافٌ مَسوقٌ للتَّمثيلِ بالأُمَمِ الَّتي هلَكَتْ قبْلَهم [167] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/287). .
- وفيه نوعُ تَفصيلٍ لإجمالِ قولِه تعالى: وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ، وبَيانٌ لكَيفيَّةِ إهلاكِهم وسبَبِه، وتَنبيهٌ على كثرَتِهم [168] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/58). .
- و(كمْ) في قولِه: وَكَمْ قَصَمْنَا تَقْتضي التَّكثيرَ، وفي لفْظِ القصْمِ الَّذي هو عبارةٌ عن أفظَعِ الكسْرِ بإبانةِ أجزاءِ المكسورةِ، وإزالةِ تأْليفِها بالكُلِّيَّةِ، مِن الدَّلالةِ على قُوَّةِ الغضبِ وشدَّةِ السَّخَطِ ما لا يَخْفى [169] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/1575)، ((تفسير أبي حيان)) (7/412)، ((تفسير أبي السعود)) (6/58). . وفي (كم) الدَّالَّةِ على كثرةِ العدَدِ إيماءٌ إلى أنَّ هذه الكثرةَ تَستلزِمُ عدَمَ تخلُّفِ إهلاكِ هذه القُرى، وبَضميمةِ وَصْفِ تلك الأُمَمِ بالظُّلْمِ، أي: الشِّرْكِ، إيماءٌ إلى سبَبِ الإهلاكِ؛ فحصَلَ منه ومِن اسْمِ الكثرةِ معنى العُمومِ، فيَعلَمُ المُشرِكونَ التَّهديدَ بأنَّ ذلك حالٌّ بهم لا مَحالةَ بحُكمِ العُمومِ، وأنَّ هذا ليس مُرادًا به قريةٌ مُعيَّنةٌ [170] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/24). .
- قولُه: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً مِنْ قَرْيَةٍ المرادُ: أهلُها؛ إِذْ لا تُوصَفُ القريةُ بالظُّلْمِ، كَقَوْلِهِ: مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا [171]  يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/412). [النساء: 75] .
- قولُه: قَوْمًا آَخَرِينَ فيه تَنبيهٌ على استئصالِ الأوَّلينَ، وقطْعِ دابِرِهم بالكُلِّيَّةِ، وهو السِّرُّ في تَقديمِ حِكايةِ إنشاءِ هؤلاء على حِكايةِ مبادئِ إهْلاكِ أولئك بقولِه تعالى: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا...، فضميرُ الجمعِ فِي أَحَسُّوا عائدٌ على (أهلِ) المحذوفِ مِن قولِه: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ، ولا يعودُ على قولِه: قَوْمًا آَخَرِينَ؛ إذ لا ذنبَ لهم يَقتضي ما تضمَّنه هذا الكلامُ [172] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/413)، ((تفسير أبي السعود)) (6/58)، ((تفسير الألوسي)) (9/16). .
- قولُه: وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ جُملةٌ مُعترِضةٌ بين جُملةِ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ وفَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إلخ، فجُملةُ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إلخ، تَفريعٌ على جُملةِ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ [173] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/25). .
2- قوله تعالى: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ
- قولُه: مِنْهَا يَرْكُضُونَ الرَّكضُ: ضَرْبُ الدَّابَّةِ بالرِّجْلِ، ويجوزُ أنْ يَرْكبوا دوابَّهم يَرْكُضونها هاربينَ مُنهزِمينَ مِن قَريتِهم لمَّا أدرَكَتْهم مُقدِّمةُ العذابِ، ويجوزُ أنْ يُشَبَّهوا في سُرعةِ عَدْوِهم على أرجُلِهم بالرَّاكبينَ الرَّاكضينَ لدوابِّهم، فقيل لهم: لَا تَرْكُضُوا، والقولُ مَحذوفٌ، فهو على إرادةِ القولِ، أي: قيل لهم استهزاءً: لَا تَرْكُضُوا؛ إمَّا بلسانِ الحالِ، أو المقالِ [174] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/105)، ((تفسير البيضاوي)) (4/47)، ((تفسير أبي حيان)) (7/413)، ((تفسير أبي السعود)) (6/58). .
- وحَرْفُ (مِن) في قولِه: مِنْهَا يَرْكُضُونَ يجوزُ أنْ يكونَ للابتداءِ، أي: خارجينَ منها، ويجوزُ أنْ يكونَ للتَّعليلِ، أي: من البأْسِ الَّذي أحسُّوا به؛ فلا بُدَّ من تَقديرِ مُضافٍ، أي: مِن بأْسِنا [175] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/25). .
- وفي دُخولِ (إذا) الفُجائيَّةِ في جوابِ (لمَّا): دَلالةٌ على أنَّهم ابْتَدَروا الهُروبَ من شِدَّةِ الإحساسِ بالبأْسِ؛ تَصويرًا لشِدَّةِ الفزَعِ [176] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/26). .
3- قوله تعالى: لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ
- وجُملةُ: لَا تَرْكُضُوا ... مُعترِضةٌ بين فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا وقَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ، وهي خِطابٌ للرَّاكضينَ بتَخيُّلِ كونِهم الحاضرينَ المُشاهِدينَ في وقْتِ حكايةِ قِصَّتِهم، تَهيئةً وتأهيلًا لِما اقْتَضى اجتلابَ حَرْفِ المُفاجأةِ. والكلامُ تَهكُّمٌ بهم [177] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/26). .
- ولَمَّا كان التَّأسيفُ إنَّما هو على العَيشِ الرَّافِهِ، لا على كَونِه مِن مُعطٍ مُعَيَّنٍ، بُنِيَ للمفعولِ قَولُه: أُتْرِفْتُمْ فِيهِ. ويجوزُ أن يكونَ بُنِيَ للمفعولِ؛ إشارةً إلى غَفْلَتِهم عن العِلمِ لِمَن أترَفَهم، أو إلى أنَّهم كانوا يَنسُبونَ نِعمَتَهم إلى قُواهم، ولو عَدُّوها منَ اللهِ لشَكَروه فنفَعَهم [178] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/395). .
- قولُه: لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ أي: ارْجِعوا إلى نَعيمِكم ومَساكنِكم لعلَّكم تُسْألون غدًا عمَّا جَرى عليكم؛ ففيه تَوبيخٌ وتَهكُّمٌ بهم، أو: يَسْألُكم الوافدونَ نوالَكم، إمَّا لأنَّهم كانوا أسخياءَ يُنفقونَ أموالَهم رئاءَ الناسِ وطلبَ الثناءِ، أو كانوا بُخلاءَ، فقيل لهم ذلك تَهكُّمًا إلى تَهكُّمٍ، وتَوبيخًا إلى تَوبيخٍ [179] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/106)، ((تفسير أبي حيان)) (7/414)، ((تفسير أبي السعود)) (6/59)، ((تفسير الألوسي)) (9/17)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/27)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/288، 289). .
4- قولُه تعالى: قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ إنْ جُعِلَتْ جُملةُ لَا تَرْكُضُوا مُعترِضةً، تكونُ جُملةُ قَالُوا يَاوَيْلَنَا مُستأنفةً استئنافًا بَيانيًّا عن إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ؛ كأنَّ سائِلًا سأَلَ عمَّا يقولونَه حين يُسْرِعونَ هاربينَ؛ لأنَّ شأْنَ الهاربِ الفزِعِ أنْ تَصدُرَ منه أقوالٌ تدُلُّ على الفزَعِ أو النَّدمِ عن الأسبابِ الَّتي أحلَّتْ به المخاوِفَ، فيُجابُ بأنَّهم أيْقَنوا حينَ يرَونَ العذابَ أنَّهم كانوا ظالِمينَ. وإنْ جُعِلَتْ جُملةُ لَا تَرْكُضُوا مقولَ قولٍ مَحذوفٍ، كانت جُملةُ قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ جوابًا لقولِ مَن قال لهم: لَا تَرْكُضُوا ... [180] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/27). .
5- قولُه تعالى: فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ
- قولُه: حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ كِنايةٌ عن مَوتِهم [181] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/305). .
- وفي قولِه: حَصِيدًا خَامِدِينَ تَشبيهٌ بليغٌ؛ فقد شبَّهَهم بعْدَ حُلولِ العذابِ بهم بالحصيدِ أوَّلًا، وهو الزَّرعُ المحصودُ، ووجْهُ الشَّبهِ بين المُشبَّهِ والمُشبَّهِ به هو الاستئصالُ من المنابتِ، ثمَّ شبَّهَهم ثانيًا بالنَّارِ المُنطفِئةِ ولم يبْقَ منها إلَّا جمْرٌ مُنطفِئٌ لا نفْعَ فيه، ولا قابليَّةَ لشَيءٍ من النَّفعِ منه، فلا تُرى إلَّا أشْلاءٌ مُتناثِرةٌ وأجزاءٌ مُتفرِّقةٌ قد تَمدَّدتْ، وقد رانَ عليها البِلَى [182] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/106)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/28، 29)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/295). .
6- قولُه تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ
- قولُه: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ ... إشارةٌ إجماليَّةٌ إلى أنَّ تكوينَ العالَمِ وإبداعَ بني آدَمَ مُؤسَّسٌ على قواعدِ الحِكَمِ البالغةِ المُسْتتبِعةِ للغاياتِ الجليلةِ، وتَنبيهٌ على أنَّ ما حُكِيَ من العذابِ الهائلِ والعقابِ النَّازلِ بأهْلِ القُرى مِن مُقتضياتِ تلك الحِكَمِ ومُتفرِّعاتِها حسَبَ اقتضاءِ أعمالِهم إيَّاهُ، وأنَّ للمُخاطَبينَ المُقتدينَ بآثارِهم ذَنوبًا مثْلَ ذَنوبِهم [183] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/59). .
- وتَخصيصُ وَمَا بَيْنَهُمَا بالذِّكْرِ يدُلُّ على الاهتمامِ به؛ لأنَّ أشرَفَه هو نوعُ الإنسانِ المقصودِ بالعِبْرةِ والاستدلالِ، وهو مَناطُ التَّكليفِ [184] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/32). .
- وعبَّرَ بقولِه: لَاعِبِينَ لبَيانِ كَمالِ تَنزُّهِه تعالى عن الخلْقِ الخالي عن الحِكْمةِ، بتَصويرِه بصُورةِ ما لا يَرتابُ أحدٌ في استحالةِ صُدورِه عنه سُبحانه [185] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/59). .
7- قوله تعالى: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ
- قولُه: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا جُملةٌ مُستأْنَفةٌ مُقرِّرةٌ لمعنى جُملةِ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ تَقريرًا بالاستدلالِ على مَضمونِ الجُملةِ، وتَعليلًا لنفْيِ أنْ يكونَ خلْقُ السَّمواتِ والأرضِ لَعِبًا [186] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/59)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/32). .
- وقولُه: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا عَقِيبَ قولِه: وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ من بابِ وضْعِ المُظهَرِ مَوضِعَ المُضْمرِ من غيرِ لفْظِه السَّابقِ؛ لأنَّ اللَّهْوَ: ما يُتلهَّى به ويُلْعَبُ [187] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/307). ، وهذا على قولٍ في التفسيرِ.
- قولُه: لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا في إضافةِ (لَدُنْ) إلى ضَميرِ الجَلالةِ دَلالةٌ على الرِّفْعةِ والتَّفضيلِ [188] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/33). .
- قولُه: إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ فيه مَحذوفٌ؛ ثِقةً بدَلالةِ ما قبْلَه عليه، أي: إنْ كُنَّا فاعلينَ لاتَّخذناه. وإنْ جُعِلَتْ (إنْ) شَرطيَّةً كان تَكريرًا للتَّلازُمِ، وإنْ جُعِلَتْ (إنْ) حَرْفَ نفْيٍ كانت الجُملةُ مُستأْنفةً؛ بَيانًا لتَقريرِ الامتناعِ المُستفادِ مِن (لو)، أي: ما كنَّا فاعلينَ لَهْوًا [189] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/59، 60)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/33). .
8- قولُه تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
- قولُه: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ (بل) للإضرابِ عن اتِّخاذِ اللَّهوِ، وعن أنْ يكونَ الخلْقُ لَعِبًا، إضرابَ إبطالٍ وارتقاءٍ [190] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/107)، ((تفسير البيضاوي)) (4/48)، ((تفسير أبي حيان)) (7/416)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/33). . أو إضرابٌ عن إرادتِه، وتَخصيصُ شأْنِه هذا مِن بينِ سائرِ شُؤونه تعالى بالذِّكْرِ؛ للتَّخلُّصِ إلى ما سيأْتي من الوعيدِ [191] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/60). .
- قولُه: فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ في (إذا) الفُجائيَّةِ والجُملةِ الاسميَّةِ، من الدَّلالةِ على كَمالِ المُسارَعةِ في الذَّهابِ والبُطلانِ ما لا يَخْفى؛ فكأنَّه زاهِقٌ من الأصْلِ [192] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/60). . أو دَلَّ على سُرعةِ مَحْقِ الحقِّ الباطلَ عندَ وُرودِه؛ لأنَّ للحقِّ صَولةً، فهو سريعُ المفعولِ إذا وَرَد ووَضَحَ [193] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/34). .