موسوعة التفسير

سورةُ الإسراءِ
الآيات (16-21)

ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ

غريب الكلمات:

مُتْرَفِيهَا: أي: المُنَعَّمِينَ فيها، الذين قد أبطَرَتْهم النِّعمةُ وسَعَةُ العَيشِ، وأصلُ (ترف): يدُلُّ على التَّوسُّعِ في النِّعمةِ [234] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/529)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/345)، ((البسيط)) للواحدي (13/290)، ((المفردات)) للراغب (ص: 166)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 308)، ((تفسير القرطبي)) (14/305).   .
الْقُرُونِ: جمعُ قَرْنٍ، والقرنُ: القومُ أو الأُمَّةُ مِنَ النَّاسِ المقترنونَ في زمنٍ واحدٍ، غَيْر مُقَدَّرٍ بمدةٍ مُعَيَّنةٍ، وقيل: مدَّة القرنِ مئةُ سنةٍ، وقيل: ثمانونَ، وقيل: ثلاثون، وقيل غيرُ ذلك، وهو مأخوذٌ مِن الاقترانِ، وهو اجتماعُ شيئينِ، أو أشياءَ في معنًى مِن المعاني، وأصلُ (قرن): يدلُّ على جمعِ شيءٍ إلى شيءٍ [235] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 150)، ((معاني القرآن)) للنحاس (2/400)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/76، 77)، ((المفردات)) للراغب (ص: 667)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 155)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 729).   .
مَدْحُورًا: أي: مَطرودًا مُبْعَدًا، وأصلُ (دحر): يدلُّ على الطَّردِ والإبعادِ [236] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 166، 255)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 416)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/331)، ((المفردات)) للراغب (ص: 308).   .

مشكل الإعراب:

قَولُه تعالى: كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ
قَولُه: كُلًّا مَنصوبٌ على المَفعوليَّةِ المقَدَّمةِ بـ نُمِدُّ، والتَّنوينُ فيه تَنوينُ عِوَضٍ عن المُضافِ إليه، أي: كُلَّ الفَريقَينِ. هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ بدَلٌ مِن قَولِه: كُلًّا بدَلُ مُفَصَّلٍ مِن مُجمَلٍ [237] يُنظر: ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (2/816)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (7/332)، ((تفسير ابن عاشور)) (14/50).   .

المعنى الإجمالي:

يقول تعالى: وإذا قدَّرْنا إهلاكَ أهلِ قَريةٍ لِظُلمِهم، أمَرْنا المُتنَعِّمينَ فيها بطاعةِ اللهِ وتَوحيدِه، على لسانِ الرسولِ المرسَلِ إليهم، فعَصَوا أمرَ رَبِّهم، وكذَّبوا المُرسَلين، فوجب عليهم عذابُنا، فأهلَكْنا قريتَهم واستأصَلْنا شأفتَهم، وكثيرًا أهلَكْنا مِن الأُمَمِ المُكَذِّبةِ رُسُلَها مِن بعدِ نُوحٍ، وحَسبُك ربُّك -يا مُحمَّدُ- إحاطةً وعِلمًا واطِّلاعًا بما يعمَلُه العبادُ.
ثمَّ ذكَر تعالى مصيرَ الذين يُؤثِرونَ الدُّنيا على الآخرةِ، فقال: مَن كان همُّه الدُّنيا وسَعيُه لها وحْدَها، ولم يعمَلْ للآخرةِ؛ عجَّل اللهُ له فيها ما يَشاء تعجيلَه له مِن زينتِها ومُتَعِها؛ لِمن يريدُ اللهُ، ثمَّ يجعَلُ اللهُ له في الآخرةِ جَهنَّمَ يدخُلُها مَذمومًا مطرودًا مِن رَحمة اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ومَن قصَدَ بقَولِه وعَمَلِه ثَوابَ الدَّارِ الآخرةِ، وسعَى لها على ما يحِبُّ اللهُ ويرضى، وهو مُؤمِنٌ؛ فأولئك كان عَمَلُهم مَقبولًا، يُضاعِفُ الله لهم ثوابَه، ويُحسِنُ لهم جزاءَه.
ثم قال تعالى: كلًّا من الفَريقينِ المتقدِّمَينِ نَزيدُ مِن فَضلِنا ورِزقِنا، فنَرزُقُ المُؤمِنينَ والكافرينَ في الدُّنيا، وما كان عَطاءُ رَبِّك مَمنوعًا عن المؤمِنِ ولا عن الكافِرِ، انظُرْ -يا مُحمَّدُ- كيف فضَّل اللهُ بَعضَ النَّاسِ على بَعضٍ في الدُّنيا، ولَلآخِرةُ أكبَرُ تفاضُلًا وتفاوتًا في الدَّرَجاتِ والمنازلِ مِمَّا كانوا عليه في الدُّنيا.

تفسير الآيات:

وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
أنَّه لَمَّا أشار اللهُ تعالى إلى عذابِ المُخالِفينَ؛ قَرَّرَ أسبابَه، وعرَّفَ أنَّها بقَدَرِه، فقال تعالى [238] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/390).   :
وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا .
القِراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
1- قراءةُ آمَرْنَا بمَدِّ الهمزةِ، قيل: المعنى: أكثَرْنا مُتْرَفِيها عددًا، أو أكثَرْنَا حُروثَهم وأموالَهم، وقيل غير ذلك [239] قرأ بها يعقوب. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/306). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((معاني القراءات)) للأزهري (2/90)، ((الحجة للقراء السبعة)) لأبي علي الفارسي (5/92)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/55).   .
2- قراءةُ أَمَرْنَا مِن غَيرِ مَدٍّ، مِنَ الأمرِ الذي هو خِلافُ النَّهيِ، والمعنى: أمَرْناهم بالطَّاعةِ ففَسَقوا بمَعصيتِهم اللهَ، وقيل غيرُ ذلك [240] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/306). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((تفسير ابن جرير)) (14/528، 527)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/90)، ((الحجة للقراء السبعة)) لأبي علي الفارسي (5/91 - 93)، ((تفسير البغوي)) (3/124)، ((تفسير ابن كثير)) (5/61).   .
وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا.
أي: وإذا أرَدْنا أن نُهلِكَ أهلَ قَريةٍ بعَذابٍ في الدُّنيا، أمَرْنا مُتنَعِّميها وجَبابِرَتَها بطاعتي، على لسانِ الرسولِ المبعوثِ إليهم، فخَرَجوا عن أوامِري وعَصَوني [241] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/527، 532)، ((الفِصَل)) لابن حزم (3/103)، ((تفسير النسفي)) (2/249)، ((العواصم والقواصم)) لابن الوزير (5/377)، ((تفسير القاسمي)) (6/450)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/75). وممَّن ذهَبَ إلى أنَّ المرادَ بالأمرِ هنا: الأمرُ الشَّرعيُّ، أي: أمَرهم بطاعتِه، فخالَفوا أمرَه وعَصَوه: ابنُ جرير، وابنُ حزم، والنَّسَفي، وابنُ الوزير، والقاسمي، ومحمد رشيد رضا، والشنقيطي، ونسَبَه إلى جمهورِ العُلَماء. يُنظر: المصادر السابقة. و((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (8/29). وممن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عباسٍ، وسعيدُ بنُ جُبيرٍ، وجماعةٌ مِن التَّابِعينَ، منهم ابنُ جريجٍ وغيرُه. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/527)، ((تفسير السمعاني)) (3/227). وقوله: أَمَرْنَا يدلُّ على أنَّه أمَر بالطاعةِ، وإن لم يُذكَرْ؛ كما تقول: أمرتُك فعصيتَني، معناه: أمرتُك بطاعتي. فإن قيل: لِمَ خصَّ المترفين بالأمر بالطاعة، وأمرُه بالطاعة لا يكون مقصورًا على المُترفين، وقد أمر الله بطاعتِه جميعَ خلقِه من مترَفٍ وغيره؟! قيل: لأنَّهم الرؤساءُ الذين مَن عداهم تبَعٌ لهم، كما أن موسى بُعِثَ إلى فرعون ليأمُرَه بطاعة الله، وكان مَن عداه من القبط تبعًا له. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (13/285). قال الشوكاني: (اختلف المفسِّرون في معنى أَمَرْنَا على قولين: الأولُ: أن المرادَ به الأمرُ الذي هو نقيضُ النهي، وعلى هذا اختلفوا في المأمورِ به، فالأكثَرُ على أنَّه الطاعة والخير... القول الثاني: أنَّ معنى أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا أكثَرْنا فسَّاقَها). ((تفسير الشوكاني)) (3/254). وممن اختار القولَ الثاني؛ أنَّ (أمر) بمعنى (كثَّر): أبو علي الفارسي، والقصاب. يُنظر: ((الحجة للقراء السبعة)) للفارسي (5/93)، ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (1/227). ويُنظر أيضًا: ((فتح الباري)) لابن حجر (8/394). وقيل: الأمرُ هنا: أمرٌ كونيٌّ قَدَريٌّ، لا أمرٌ دينيٌّ شَرعيٌّ، أي: أمَرهم أمرًا قَدَريًّا بأن يفسُقوا. وممَّن اختار ذلك: ابنُ تيميةَ، وابنُ القَيِّم، والسعديُّ، وابنُ عثيمينَ. يُنظر: ((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)) لابن تيمية (1/151)، ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 281)، ((تفسير السعدي)) (ص: 455)، ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (اللقاء رقم: 172). .
 فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا.
أي: فوَجَبَ على أهلِ القَريةِ العَذابُ الذي حُذِّروا منه، فخرَّبْنا القَريةَ تخريبًا، وأهلَكْنا أهلَها فاستأصَلْناهم [242] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/532، 533)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 630)، ((تفسير ابن عطية)) (3/445)، ((تفسير القرطبي)) (10/234).   .
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
أنَّ اللهَ تعالى ضَرَب مِثالًا لإهلاكِ القُرى الذي وصَفَ سَبَبَه وكيفيَّتَه في الآيةِ السَّابقةِ، فعَقَّبَ ذلك بتَمثيلِه؛ لأنَّه أشَدُّ في الكَشفِ، وأدخَلُ في التَّحذيرِ المَقصودِ، وفي ذلك تحقيقٌ لِكَونِ حُلولِ العَذابِ بالقُرى مُقَدَّمًا بإرسالِ الرَّسولِ إلى أهلِ القَريةِ، ثمَّ بتَوجيهِ الأوامِرِ إلى المُتْرَفينَ، ثمَّ فِسقِهم عنها [243] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/56).   .
وأيضًا لَمَّا قَرَّرَ أنَّ ما سبَقَ هو شأنُه إذا أراد أن يُهلِكَ؛ أخبَرَ أنَّه فعل ذلك بمَن لا يُحصِيهم العَدُّ مِن القُرونِ، ولا يُحيطُ بهم الحَدُّ مِن الأُمَمِ؛ لأنَّ الاعتبارَ بالمُشاهَدِ أوقَعُ في القَلبِ وأهوَلُ عند النَّفسِ [244] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/393).   .
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ.
أي: وكثيرٌ مِن أهلِ القُرونِ الماضيةِ عذَّبْناهم في الدُّنيا؛ لكُفرِهم وتَكذيبِهم رُسُلَهم، وذلك مِن بعدِ أوَّلِ الرُّسُلِ نُوحٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فأنتم -يا كُفَّارَ قُرَيشٍ- لَستُم أكرَمَ على اللهِ منهم، وقد كذَّبتُم أشرَفَ الرُّسُلِ؛ فعُقوبتُكم أَولى وأحْرَى إن لم تَنتَهوا عن كُفرِكم وتَكذيبِكم [245] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/533)، ((تفسير ابن كثير)) (5/62)، ((تفسير السعدي)) (ص: 455)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/56، 57)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/79).   .
كما قال تعالى: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا [الفرقان: 37 - 39] .
وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا.
أي: وحسبُك ربُّك -يا محمَّدُ- خَبيرًا بَصيرًا بذُنوبِ عِبادِه، يَعلَمُ بَواطِنَها وظَواهِرَها، لا يخفى عليه شَيءٌ منها، وسيُجازيهم عليها [246] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/533، 535)، ((تفسير البيضاوي)) (3/251)، ((تفسير ابن كثير)) (5/62).   .
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
أنَّه لَمَّا تَقَرَّرَ أنَّ اللهَ سُبحانَه خَبيرٌ بذُنوبِهم بعد تَزهيدِه في الدُّنيا بما ذَكَرَ مِن مَصارعِ الأوَّلينَ؛ أتبَعَه الإخبارَ بأنَّه يُعامِلُهم على حَسَبِ عِلْمِه على وَجهٍ مُعَرِّفٍ بعِلمِه بجميعِ طَويَّاتِهم مِن خَيرٍ وشَرٍّ، مُرَغِّبٍ في الآخرةِ، مُرَهِّبٍ من الدُّنيا؛ لأنَّها المانِعةُ مِن اتِّباعِ الرُّسُلِ والتقَيُّد بطاعتِهم، خوفًا مِن نَقصِ الحَظِّ مِن الدُّنيا بزَوالِ ما هو فيه مِنَ الرِّئاسةِ والمالِ، والانهماكِ في اللَّذَّةِ، جهلًا بأنَّ ما قُدِّرَ لا يكونُ غَيرُه، سواءٌ كان صاحِبُه في طاعةٍ أو مَعصيةٍ [247] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/395).   .
وأيضًا فإنَّ هذا بيانٌ لجُملةِ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ [الإسراء: 15] ، وهو راجِعٌ أيضًا إلى جُملةِ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ [الإسراء: 13] ؛ تدريجًا في التِّبيانِ للنَّاسِ بأنَّ أعمالَهم مِن كَسبِهم واختيارِهم، فابتُدِئُوا بأنَّ اللهَ قد ألزمَهم تَبِعةَ أعمالِهم، بقَولِه: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ ثمَّ وكَلَ أمرَهم إليهم؛ وأنَّ المسيءَ لا يضُرُّ بإساءتِه غَيرَه ولا يَحمِلُها عنه غيرُه، فقال: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا [الإسراء: 15] ، ثمَّ أعذرَ إليهم بأنَّه لا يأخُذُهم على غِرَّةٍ، ولا يأخُذُهم إلَّا بسُوءِ أعمالِهم، بقَولِه: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ إلى قَولِه: خَبِيرًا بَصِيرًا [الإسراء: 15- 17] ، ثمَّ كشفَ لهم مقاصِدَهم من أعمالِهم، وأنَّهم قِسمانِ، فقال [248] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/58).   :
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ.
أي: مَن كانت نيَّتُه الدَّارَ العاجِلةَ وهي الدُّنيا، ولها وحدَها يَعملُ، ولا يَعملُ لآخِرتِه؛ عَجَّلْنا له في الدُّنيا ما نَشاءُ مِن مَتاعِها وأرزاقِها، لِمَن نريدُ إعطاءَه مِن ذلك [249] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/535، 536)، ((تفسير القرطبي)) (10/235)، ((تفسير السعدي)) (ص: 455)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/59). قال ابن كثير: (يخبِرُ تعالى أنَّه ما كُلُّ من طلب الدنيا وما فيها من النَّعيمِ يحصُلُ له، بل إنَّما يحصُلُ لمن أراد الله ما يشاء، وهذه مقيِّدةٌ لإطلاقِ ما سواها من الآياتِ). ((تفسير ابن كثير)) (5/62، 63).   .
ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا.
أي: ثمَّ جعَلْنا له في الآخِرةِ عَذابَ جَهنَّمَ، فيَدخُلُها ويَحتَرِقُ بنارِها مذمومًا مِنَ اللهِ ومِن عِبادِه، على فَسادِ نيَّتِه، وسُوءِ صَنيعِه، مُبعَدًا مِن رَحمةِ رَبِّه، مُقْصًى ذَليلًا [250] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/536)، ((تفسير القرطبي)) (10/235)، ((تفسير ابن كثير)) (5/63)، ((تفسير السعدي)) (ص: 455).   .
كما قال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود: 15- 16] .
وقال سُبحانَه: وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [الشورى: 20] .
وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19).
وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ.
أي: ومَن نوى ثَوابَ الدَّارِ الآخرةِ، وعَمِلَ للجَنَّةِ الأعمالَ الصَّالِحةَ، بإخلاصٍ لله ومُتابَعةٍ لرَسولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وهو مُؤمِنٌ باللهِ ومَلائكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليَومِ الآخِرِ، ومُصَدِّقٌ بالثَّوابِ والجَزاءِ [251] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/537)، ((تفسير القرطبي)) (10/235)، ((تفسير ابن كثير)) (5/63)، ((تفسير السعدي)) (ص: 455)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/81).   .
فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا.
أي: فأولئك الذين فعَلوا ذلك كان عملُهم بطاعةِ اللَّه مَقبولًا غيرَ مردودٍ، يُضاعِفُ الله لهم ثوابَه، ويُحسِنُ لهم جزاءَه، معَ تجاوزِه عن سيئاتِهم [252] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/537)، ((تفسير القرطبي)) (10/235، 236)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/397).   .
كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا أخبَرَ عن نَفسِه بما يشيرُ إلى التَّوسِعةِ على مَن يُريدُ مِن أهلِ الباطِلِ؛ أخبَرَ بأنَّه قضَى بذلك في الأزَلِ تفَضُّلًا [253] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/397).   .
كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ.
أي: كلَّ واحدٍ مِن الفَريقينِ: الكافرينَ الذين يُريدُونَ الدُّنيا، والمُؤمِنينَ الذين يُريدونَ الآخرةَ، نَزيدُ -يا مُحمَّدُ- مِن فَضلِ رَبِّك ورزقِه [254] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/537)، ((تفسير السمرقندي)) (2/306)، ((تفسير السمعاني)) (3/229)، ((تفسير ابن عطية)) (3/446)، ((تفسير الرسعني)) (4/143)، ((تفسير القرطبي)) (10/236)، ((تفسير الشوكاني)) (3/258)، ((تفسير القاسمي)) (6/453). قال ابن عطية: (قولُه: مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ يحتَمِلُ أن يريد: من الطاعاتِ لِمريدي الآخرةِ، والمعاصي لمريدي العاجلةِ، ورويَ هذا التأويلُ عن ابن عباس، ويحتَمِل أن يريد بـ «العطاء» رزقَ الدنيا، وهذا هو تأويلُ الحسن بن أبي الحسن وقتادة، أي: أنَّ الله تعالى يرزقُ في الدنيا مريدي الآخرة المؤمنين ومُريدي العاجلة من الكافرين، ويمُدُّهم بعطائِه منها، وإنما يقع التفاضُلُ والتباين في الآخرةِ، ويتناسَبُ هذا المعنى مع قَولِه: وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا، أي: أنَّ رِزقَه في الدنيا لا يضيقُ عن مؤمنٍ ولا كافرٍ، وقلَّما تصلُحُ هذه العبارة لمن يمدُّ بالمعاصي التي توبِقُه). ((تفسير ابن عطية)) (3/446).   .
وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا.
أي: وما كان فَضلُ رَبِّك -يا مُحمَّدُ- مَمنوعًا عن أحدٍ مِن خَلْقِه؛ فلكُلِّ أحدٍ نَصيبٌ منه [255] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/537)، ((تفسير القرطبي)) (10/236)، ((تفسير ابن كثير)) (5/63)، ((تفسير السعدي)) (ص: 455)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/62). قال السمعاني: (وأجْمعَ أهل التَّفسيرِ أن معنى عَطَاءِ رَبِّكَ في هذه السُّورة هو الدُّنيا، فإن الآخِرة للمُتقين، وليسَ للكفَّار فيها نصيبٌ). ((تفسير السمعاني)) (3/229). وقال ابن جرير: (ثمَّ تختَلِفُ بهما [أي: مريدي الدنيا ومريدي الأخرةِ] الأحوالُ بعد المماتِ، وتفتَرِقُ بهما بعدَ الورودِ المصادِرُ؛ ففَريقُ مُريدي العاجلةِ إلى جهنَّمَ مَصدَرُهم، وفريقُ مُريدي الآخرةِ إلى الجنَّةِ مآبُهم). ((تفسير ابن جرير)) (14/537). .
كما قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود: 6].
وقال سُبحانَه: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ [العنكبوت: 60] .
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا كان العَطاءُ المبذولُ للفَريقَينِ هو عَطاءَ الدُّنيا، وكان النَّاسُ مُفَضَّلينَ فيه على وجهٍ يُدرِكونَ حِكمَتَه؛ لَفَت اللهُ لذلك نظَرَ نَبيِّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لَفْتَ اعتبارٍ وتدَبُّرٍ، ثمَّ ذَكَّرَه بأنَّ عطاءَ الآخرةِ أعظَمُ عَطاءٍ، وقد فَضَّلَ اللهُ به المُؤمِنينَ [256] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/63).   .
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
أي: انظُرْ -يا مُحمَّدُ- كيف فضَّلْنا بعضَ النَّاسِ على بَعضٍ في عطاءِ الدُّنيا، كالرِّزقِ، والعِلمِ، والعَقلِ، والجَمالِ، والصحةِ إلى غيرِ ذلك [257] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/63)، ((تفسير الشوكاني)) (3/259)، ((تفسير السعدي)) (ص: 455)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/63). ممن ذهَب إلى أنَّ التفضيلَ المذكورَ في الدنيا بالغنَى والفقرِ، والحسنِ والقبحِ، والعلمِ والجهلِ، والعقلِ والسفهِ، والقوةِ والضعفِ، والصحةِ والمرضِ إلى غيرِ ذلك: ابنُ كثير، والشوكاني، والسعدي، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/63)، ((تفسير الشوكاني)) (3/259)، ((تفسير السعدي)) (ص: 455)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/63). ومِن المفسِّرينَ مَن قصَر هذا التفضيلَ على الرزقِ، ومنهم: الواحدي، وهو ظاهرُ اختيارِ السمعاني، والرسعني. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (13/294)، ((تفسير السمعاني)) (3/230)، ((تفسير الرسعني)) (4/144). ومِن المفسرينَ مَن جعَل التفضيلَ على الرزقِ والعملِ، ومنهم: الثعلبي، والبغوي، والقرطبي، والعليمي. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (6/92)، ((تفسير البغوي)) (3/126)، ((تفسير القرطبي)) (10/236)، ((تفسير العليمي)) (4/90). وجعلَ ابنُ جرير مدارَ التَّفضيلِ هنا على الهُدى والرَّشادِ، والضَّلالِ والخِذلانِ، فقال: (يقولُ تعالى ذِكرُه لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم: انظُرْ -يا محمَّدُ- بعينِ قَلبِك إلى هذينِ الفريقين اللذين همُّ أحدِهما الدارُ العاجلةُ، وإيَّاها يطلُبُ ولها يعمَلُ، والآخَرُ الذي يريد الدَّارَ الآخرةَ ولها يسعى موقِنًا بثوابِ اللهِ على سَعيِه، كيف فضَّلْنا أحدَ الفريقينِ على الآخَرِ، بأنْ بصَّرْنا هذا رُشدَه، وهديناه للسَّبيلِ التي هي أقوَمُ، ويسَّرْناه للذي هو أهدى وأرشَدُ، وخذَلْنا هذا الآخَرَ فأضلَلْناه عن طريقِ الحَقِّ، وأغشينا بصَرَه عن سبيلِ الرُّشدِ). ((تفسير ابن جرير)) (14/539-540). .
كما قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الروم: 37].
وقال سُبحانَه: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ [الزخرف: 32] .
وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا.
أي: ولَتفاوتُهم في الدارِ الآخرةِ أكبرُ مِن الدُّنيا، فتفاضلُ درجاتِ العاملين في الآخرةِ أكبرُ، وأهلُ الآخرةِ يتفاضلون فيها أكثرَ ممَّا يتفاضلُ الناسُ في الدُّنيا [258] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (11/188)، ((تفسير ابن كثير)) (5/63)، ((تفسير الشوكاني (3/259)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/494). قال الواحدي: (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا يحتملُ معنيينِ: أحدهما: أنَّ هذا خاصٌّ في المؤمنينَ الذين يدخلونَ الجنَّةَ، فتتفاوتُ درجاتُهم في الآخرةِ أكبرَ مما تتفاوتُ درجاتُ المرزوقينَ في الدنيا في الرِّزقِ، وهذا التفضيلُ بينَ المؤمنينَ خاصةً. والثاني: أنَّ هذا التفصيلَ بينَ المؤمنينَ والكافرينَ، ويكونُ المعنى: أنَّ المؤمنين يدخلونَ الجنةَ، والكافرينَ يدخلونَ النارَ، فتَبينُ درجاتُهم، ويفضلُ أحدُ الفريقينِ على الآخرِ، وعلى هذا لا تدلُّ الآيةُ على تفاوتِ درجاتِ المؤمنين بينَهم، وإنما تدلُّ على تفضيلِهم على الكفارِ بدرجاتِ الجنةِ. والمفسرونَ على القولِ الأوَّلِ). ((البسيط)) (13/294). وقال ابن كثير: (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا أي: ولَتفاوُتُهم في الدَّارِ الآخرةِ أكبرُ مِنَ الدُّنيا؛ فإنَّ منهم مَنْ يكونُ في الدَّركاتِ في جهنَّمَ وسلاسِلِها وأغلالِها، ومنهم مَنْ يكونُ في الدَّرَجاتِ العُلَى ونَعيمِها وسُرورِها، ثُمَّ أهلُ الدَّركاتِ يتفاوَتونَ فيما هم فيه، كما أنَّ أهلَ الدَّرَجاتِ يتفاوَتونَ؛ فإنَّ الجنَّةَ مئةُ درجةٍ ما بينَ كلِّ درجتينِ كما بينَ السَّماءِ والأرضِ). ((تفسير ابن كثير)) (5/63). .
كما قال تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا [الأنعام: 132] .
وقال سُبحانه: وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى [طه: 75] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة: 7 - 11] .
وقال تبارك وتعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء: 145] .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إنَّ في الجنَّةِ مِئَةَ دَرَجةٍ أعدَّها اللهُ للمُجاهِدينَ في سَبيلِه، كلُّ درجتَينِ ما بينهما كما بينَ السَّماءِ والأرضِ، فإذا سألتُم اللهَ فسَلُوه الفِردَوسَ؛ فإنَّهُ أوسَطُ الجنَّةِ، وأعلى الجَنَّةِ، وفَوقَه عَرشُ الرَّحمنِ، ومنه تَفَجَّرُ أنهارُ الجَنَّةِ )) [259] رواه البخاري (7423).   .

الفوائد التربوية:

1- نَبَّه اللهُ تعالى بقَولِه: وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا على أنَّ الذُّنوبَ هي أسبابُ الهَلَكةِ لا غَيرُ، وأنَّه عالِمٌ بها ومُعاقِبٌ عليها [261] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/655).   ؛ وذلك لأنَّه لَمَّا عقَّبَ إهلاكَهم بعِلمِه بالذُّنوبِ عِلمًا أتمَّ، دلَّ على أنَّه جازاهم بها [262] يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (6/451).   .
2- قَولُه تعالى: وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا فيه أعظَمُ زَجرٍ عن ارتِكابِ ما لا يُرضِي اللهَ تعالى [263] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/81).   .
3- قال اللهُ تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا فَمِن الجُهَّالِ مَن إذا ساعَدَتْه الدُّنيا اغتَرَّ بها وظَنَّ أنَّ ذلك لأجْلِ كَرامتِه على اللهِ تعالى، وأنَّه تعالى بَيَّنَ أنَّ مُساعدةَ الدُّنيا لا ينبغي أن يُستَدَلَّ بها على رِضا اللهِ تعالى؛ لأنَّ الدُّنيا قد تَحصُلُ مع أنَّ عاقِبَتَها هي المصيرُ إلى عذابِ اللهِ وإهانتِه [264] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (20/317).   .
4- الذي ينبغي للإنسانِ العاقِلِ أنَّه كُلَّما رأى مِن نَفسِه طُموحًا إلى الدُّنيا، وانشِغالًا واغتِرارًا بها، تذَكَّرَ الموتَ، وتَذَكَّرَ حالَ الآخِرةِ؛ لأنَّ هذا هو المآلُ المُتيقَّنُ؛ وأنَّ ما يُؤَمِّلُه الإنسانُ في الدُّنيا قد يحصُلُ وقد لا يحصُلُ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لا ما يَشاء هو، بل ما يشاءُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [265] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/437).   .
5- الإنسانُ ينبغي له أن يجعلَ الدُّنيا وسيلةً إلى الآخرةِ؛ ولا يكون كلُّ هَمِّه وقَصْدِه الدُّنيا؛ فالإنسانُ إذا أراد الدُّنيا فقط، فإنَّه قد يُضَيِّعُ الدُّنيا والآخرةَ؛ لِقَولِه تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [266] يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (4/2).   .
6- قَولُ اللهِ تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا فيه وجوبُ الإخلاصِ والنيَّةِ في العباداتِ [267] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 166).   .
7- قَولُ الله تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا أي: سَعْيَها الذي هو لها، وهو ما كانت جَديرةً به مِن العَمَلِ بما يُرضي اللهَ بما شَرَعَه في كتابِه وسُنَّةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسَلَّم، لا أيَّ سَعيٍ كان بما لم يَشهَدْ له ظاهِرُ الكِتابِ والسُّنَّةِ [268] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/396).   .
8- قولُه تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ شَرَط فيه شُروطًا ثلاثةً:
الشرط الأول: أنْ يُريدَ بعَمَلِه الآخِرةَ، أي: ثوابَ الآخرةِ؛ فإنَّه إن لم تَحصُلْ هذه الإرادةُ، وهذه النِّيَّةُ، لم يَنتَفِعْ بذلك العَمَلِ؛ لقَولِه تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم: 39] .
الشَّرطُ الثاني: قَولُه تعالى: وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا بأن يكونَ العَمَلُ الذي يُتَوَصَّلُ به إلى الفَوزِ بثَوابِ الآخرةِ، مِن الأعمالِ التي بها يُنالُ ثَوابُ الآخرةِ، ولا يكونُ كذلك إلَّا إذا كان مِن بابِ القُرَبِ والطَّاعاتِ، فكثيرٌ مِن النَّاسِ يتَقَرَّبونَ إلى اللهِ تعالى بأعمالٍ باطلةٍ!
الشَّرطُ الثَّالِثُ: قَولُه تعالى: وَهُوَ مُؤْمِنٌ وهذا الشَّرطُ مُعتبَرٌ؛ لأنَّ الشَّرطَ في كَونِ أعمالِ البِرِّ مُوجِبةً للثَّوابِ تَقَدُّمُ الإيمانِ، فإذا لم يُوجَدِ الشَّرطُ لم يَحصُلِ المَشروطُ. ثمَّ إنَّه تعالى أخبَرَ أنَّ عند حُصولِ هذه الشَّرائِطِ يَصيرُ السَّعيُ مَشكورًا، والعَمَلُ مَبرورًا، فقال: فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [269] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (20/317).   .
9- قال تعالى: وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا فإذا كانت الآخرةُ كذلك فإنَّه ينبغي التَّسابُقُ إلى دَرَجاتِها العاليةِ، وحَياتِها الباقيةِ؛ فذلك خَيرٌ وأحسَنُ تأويلًا [270] يُنظر: ((الضياء اللامع من الخطب الجوامع)) لابن عثيمين (2/298).   .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا دَلالةٌ على أنَّ القُرى إنَّما تَهلِكُ بعد فِسْقِ مُترَفيها [271] يُنظر: ((جامع المسائل لابن تيمية)) (5/47).   .
2- قَولُ الله تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ جُعِل زمنُ نوحٍ مَبدأً لقَصصِ الأُممِ؛ لأنَّه أوَّلُ رسولٍ، واعتُبِر القَصصُ مِن بَعدِه؛ لأنَّ زمنَ نوحٍ صار كالمُنقَطِعِ بسَبَبِ تجديدِ عُمرانِ الأرضِ بعدَ الطُّوفانِ، ولأنَّ العَذابَ الذي حَلَّ بقَومِه عذابٌ مَهولٌ، وهو الغَرَقُ الذي أحاط بالعالَمِ [272] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/57).   .
3- قوله تعالى: وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا فيه إشارةٌ إلى أنَّ البعثَ في قولِه: حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا والأمْرَ في قولِه: أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا وما يَتْلوهما من فسْقِهم ليس لتَحصيلِ العلْمِ بما صدَرَ عنْهم منَ الذُّنوبِ؛ فإنَّ ذلك حاصلٌ قبلَ ذلك، وإنَّما هو لقطعِ الأعذارِ، وإلزامِ الحُجَّةِ من كلِّ وجْهٍ [273] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/251)، ((تفسير أبي السعود)) (5/163).   .
4- قَولُ الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا، إن قيل: إنَّ قضيَّتَه أنَّ مَن لم يترُكِ الدُّنيا يكونُ مِن أهلِ النَّارِ، وليس كذلك؟
فالجواب: أنَّ المرادَ مَن لم يُرِدْ بإسلامِه وعبادتِه إلَّا الدنيا، وهذا لا يكونُ إلَّا كافرًا، أو منافِقًا [274] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 322).   .
5- قَولُه تعالى: لِمَنْ نُرِيدُ يدُلُّ على أنَّه لا يَحصُلُ الفَوزُ بالدُّنيا لكُلِّ أحَدٍ، بل كثيرٌ مِن الكُفَّارِ والضُّلَّالِ يُعرِضونَ عن الدِّينِ في طَلَبِ الدُّنيا، ثمَّ يَبقَونَ مَحرومينَ مِن الدُّنيا ومِن الدِّينِ، وهذا أيضًا فيه زَجرٌ عَظيمٌ لهؤلاءِ الكُفَّارِ الضُّلَّالِ الذين يَترُكونَ الدِّينَ لِطَلَبِ الدُّنيا؛ فإنَّه رُبَّما فاتَتْهم الدُّنيا، فهم الأخسَرونَ أعمالًا؛ الذين ضَلَّ سَعيُهم في الحَياةِ الدُّنيا وهم يَحسَبونَ أنَّهم يُحسِنونَ صُنعًا [275] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (20/317).   .
6- في قَولِه تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا حُجَّةٌ على المُعتَزلةِ والقَدَرِيَّةِ؛ لأنَّه سُبحانَه أخبَرَ عن العاجِلةِ -التي استحَقُّوا بها النَّارَ- أنَّه هو الذي عجَّلَها لهم، بل أخبَرَ مع التَّعجيلِ لهم بأنَّه أرادَه منهم بقَولِه: لِمَنْ نُرِيدُ، بل وأَكَّدَه بما بَعدَه؛ حيثُ قال سُبحانَه: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا فقد أَخْبَرَ سُبحانَه عن إمدادِه إيَّاهم بعَطائِه وعن تَفضيلِ بَعضِهم على بعضٍ، وسببُ التَّفضيلِ عَطاؤُه، لا انفرادُهم باكتِسابِ الخَيرِ والشَّرِّ [276] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (2/114).   .
7- قال اللهُ تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا فمَن لم يُرِدِ الدَّارَ الآخرةَ قولًا وعَمَلًا، وإيثارًا ومَحبَّةً، ورَغبةً وإنابةً؛ فلا خَلاقَ له في الآخِرةِ، ولا فائِدةَ له في الدَّارِ الدُّنيا، بل هو كافِرٌ مَلعونٌ، مُشَتَّتٌ مُعَذَّبٌ [277] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (20/146).   .
8- قولُه تعالى: مَذْمُومًا فيه إشارةٌ إلى الإهانةِ، وقوله: مَدْحُورًا فيه إشارةٌ إلى البُعدِ والطَّردِ [278] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/29).   .
9- الكافِرُ يُجازى على عَمَلِه الحَسَنِ في الدُّنيا لا في الآخِرةِ، والمُؤمِنُ قد يُؤخَّرُ له الثَّوابُ في الآخرةِ، وقد يُجازَى به في الدُّنيا وفي الآخرةِ؛ قال اللهُ تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [الشورى: 20] ، وقال عزَّ وجلَّ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ، وقال عزَّ وجلَّ: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا إذَنْ، فالتَّوفيةُ تكونُ في الدُّنيا دونَ الآخرةِ للكافِرِ، أمَّا المُؤمِنُ فتَكونُ في الدُّنيا والآخرةِ جَميعًا، أو في الآخرةِ فقط [279] يُنظر: ((شرح الأربعين النووية)) لابن عثيمين (ص: 242).   .
10- قال اللهُ تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا لم يَثْبُتِ المَدحُ إلَّا على إيمانٍ معه العَمَلُ، لا على إيمانٍ خالٍ عن عَمَلٍ [280] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/181).   . وفي الآيةِ دَليلٌ على أنَّ الأعمالَ الصَّالحةَ لا تَنفَعُ إلَّا مع الإيمانِ باللهِ؛ لأنَّ الكُفرَ سَيِّئةٌ لا تنفَعُ معها حَسَنةٌ؛ لأنَّه شَرطٌ في ذلك [281] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/81).   .
11- قَولُ الله تعالى: وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا إن قيلَ: كيف قال ذلك مع أنَّا نُشاهِدُ الواحِدَ لا يملكُ شيئًا مِن المالِ، وآخَرَ معه الألوفُ؟
فالجوابُ: أنَّ المُرادَ بالعَطاءِ هنا الرِّزقُ، واللهُ سَوَّى في ضَمانِه بين المُطيعِ والعاصي مِنَ العِبادِ، فلا تَفاوُتَ بينهم في أصلِ الرِّزقِ، وإنَّما التَّفاوُتُ بينهم في مَقاديرِ الأملاكِ [282] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 322).   .
12- قَولُ الله تعالى: وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا إنَّما لم يمنَعِ الكُفَّارَ الرِّزقَ، كما منَعَهم الهدايةَ؛ لأنَّ في مَنعِه له هلاكَهم وقيامَ الحُجَّةِ لهم بأن يقولوا: لو أمهَلْتَنا ورزَقْتَنا لبَقِينا أحياءً فآمَنَّا، ولأنَّهم لو منَعَهم الرِّزقَ لكان قد عاجلَهم بالعُقوبةِ، ولكان ذلك مِن صِفاتِ البُخلاءِ، واللهُ تعالى منَزَّهٌ عن ذلك؛ لأنَّه حليمٌ كريمٌ، ولأنَّ إعطاءَ الرِّزقِ لجَميعِ العبادِ عَدلٌ، وعَدلُ الله عامٌّ؛ وهِبةَ الهدايةِ فَضلٌ، والفَضلُ بيدِ اللهِ يؤتيه من يشاءُ [283] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 322-323).   .
13- النَّاسُ في الجنَّةِ على دَرَجاتٍ مُتفاوِتةٍ؛ كما قال تعالى: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا [284] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (10/701).   .
14- قولُه تعالى: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ المرادُ التفضيلُ في عطاءِ الدنيا؛ لأنَّه الذي يدركُه التأملُ والنظرُ، وبقرينةِ مقابلتِه بقولِه: وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ. والمقصودُ مِن هذا التنظيرِ: التنبيهُ إلى أنَّ عطاءَ الدنيا غيرُ منوطٍ بصلاحِ الأعمالِ؛ ألا ترَى إلى ما فيه مِن تفاضلٍ بينَ أهلِ العملِ المتَّحدِ، وقد يفضلُ المسلمُ فيه الكافرَ، ويفضلُ الكافرُ المسلمَ، ويفضلُ بعضُ المسلمينَ بعضًا، وبعضُ الكفرةِ بعضًا، وكفاك بذلك هاديًا إلى أنَّ مناطَ عطاءِ الدنيا أسبابٌ ليست مِن وادي العملِ الصالحِ، ولا ممَّا يُساقُ إلى النفوسِ الخيرةِ [285] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/63).   .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا تَفصيلٌ للحُكمِ المُتقدِّمِ، قُصِدَ به تَهديدُ قادةِ المُشركينَ، وتَحميلُهم تبِعَةَ ضَلالِ الَّذين أضَلُّوهم، وهو تَفريعٌ لتَبيينِ أسبابِ حُلولِ التَّعذيبِ بعدَ بَعثةِ الرَّسولِ، أُدْمِجَ فيه تَهديدُ المُضلِّينَ؛ فكان مُقْتَضى الظَّاهرِ أنْ يُعْطَفَ بالفاءِ على قولِه: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15] ، ولكنَّه عُطِفَ بالواوِ؛ للتَّنبيهِ على أنَّه خبرٌ مَقصودٌ لذاتِه باعتبارِ ما يتضمَّنُه من التَّحذيرِ من الوُقوعِ في مثْلِ الحالةِ الموصوفةِ، ويظهَرُ معنى التَّفريعِ من طبيعةِ الكلامِ، فالعطفُ بالواوِ هنا تَخريجٌ على خِلافِ مُقْتضى الظَّاهرِ في الفصْلِ والوصْلِ [286] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/53).   .
- قولُه: أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فيه تَخصيصُ المُتْرفينَ بالذِّكرِ مع تَوجُّهِ الأمْرِ إلى الكلِّ؛ لأنَّهم الأصولُ في الخطابِ، والباقي أتباعٌ لهم، ولأنَّ توجُّهَ الأمْرِ إليهم آكَدُ [287] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/162- 163).   ، فقُيِّدُ الأمْرُ بالمُتْرفينَ، وإنْ كان الأمرُ لا يختَصُّ بهم؛ لأنَّ صلاحَهم أو فسادَهم مُستلزِمٌ لصلاحِ غيرِهم أو فسادِه [288] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (1/321).   ، ولأنَّهم أحَقُّ النَّاسِ بالشُّكرِ، وأولَى بالانتِقامِ عندَ الكُفرِ [289] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (11/391).   ، وكذلك لأنَّهم أسرَعُ إلى الحَماقةِ، وأقدَرُ على الفُجورِ [290] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (2/291).   .
- قولُه: أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا قيل: لم يَقُلْ بماذا أمَرَهم؛ إيجازًا في القَولِ، واعتِمادًا على بَديهةِ السَّامعِ؛ لأنَّ قولَه: فَفَسَقُوا فِيهَا يدُلُّ عليه [291] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/409).   .
2- قَولُه تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا
- قولُه: مِنْ بَعْدِ نُوحٍ في هذا التَّخصيصِ إيجازٌ، كأنَّه قيل: من قومِ نوحٍ فمَن بعدهم [292] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/57).   .
- قولُه: وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا فيه تَقديمُ خَبِيرًا؛ لتقدُّمِ مُتعلَّقِه من الاعتقاداتِ والنِّيَّاتِ الَّتي هي مَبادِئُ الأعمالِ الظَّاهرةِ، أو لعُمومِه؛ حيث يتعلَّقُ بغيرِ المُبصَراتِ أيضًا [293] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/251)، ((تفسير أبي السعود)) (5/163).   .
3- قَولُه تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا
- قولُه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا بَيانٌ لجُملةِ: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي، وهو راجعٌ أيضًا إلى قولِه: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ؛ فمَعْنى كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ أنَّه لا يريدُ إلَّا العاجلةَ، أي: دونَ الدُّنيا، بقَرينةِ مُقابَلَتهِ بقولِه: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ؛ لأنَّ هذه المُقابَلةَ تقومُ مقامَ الحصرِ الإضافيِّ؛ إذ ليس الحصرُ الإضافيُّ سِوى جُملتينِ: إثباتٍ لشَيءٍ، ونَفيٍ لخلافِه [294] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/58).   .
- قولُه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ، أي: من غيرِ أنْ يريدَ معها الآخرةَ، كما يُنْبِئُ عنه الاستمرارُ المُستفادُ من زيادةِ (كان) هاهنا، مع الاقتصارِ على مُطلَقِ الإرادةِ في قَسيمِه [295] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/163).   .
- قولُه: عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ فيه ذكْرُ شَريطةِ المشيئةِ مرَّتينِ، وإنَّما عدَلَ إلى هذا الأُسلوبِ الَّذي جاءت به الآيةُ؛ لإدماجِ التَّعريضِ بتَهديدِ أهْلِ مكَّةَ بأنَّهم مُعرَّضونَ لمثْلِ هذا ممَّا حَلَّ بأهْلِ القُرى الَّتي كذَّبَت رُسلَ اللهِ [296] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/54).   . وقيل: إنَّ تَقييدَ المُعجَّلِ والمُعجَّلِ له بما ذُكِرَ من المشيئةِ والإرادةِ؛ لأنَّ الحِكمةَ الَّتي عليها يدورُ فلَكُ التَّكوينِ لا تَقْتضي وُصولَ كلِّ طالبٍ إلى مَرامِه، ولا استيفاءَ كلِّ واصَلٍ لِما يطلُبُه بتَمامِه [297] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/164).   .
- وقولُه: لِمَنْ نُرِيدُ بدَلٌ من قولِه: لَهُ بدلَ بعضٍ من كُلٍّ؛ بإعادةِ حرفِ الجرِّ العاملِ في المُبْدَلِ منه؛ لتأكيدِ معنى التَّبعيَّةِ، وللاستغناءِ عن الرَّبطِ بضَميرِ المُبْدلِ منهم بأنْ يُقالَ: مَن نُريدُ منهم [298] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/59).   .
- وعطْفُ جُملةِ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ بحرفِ (ثمَّ)؛ لإفادةِ التَّراخي الرُّتبيِّ، ولَهُ ظرفٌ مُستقَرٌّ هو المفعولُ الثَّاني لـ جَعَلْنَا، قُدِّمَ على المفعولِ الأوَّلِ للاهتمامِ [299] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/60).   .
4- قَولُه تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا
- في قولِه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ... وقولِه: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ... مُناسبةٌ حَسنةٌ، حيث خُولِفَ بين الجُملتَينِ بجَعْلِ الفعلِ مُضارعًا في الأُولى، وماضيًا في الثَّانيةِ؛ للإيماءِ إلى أنَّ إرادةَ النَّاسِ العاجلةَ مُتكرِّرةٌ مُتجدِّدةٌ. وفيه تَنبيهٌ على أنَّ أُمورَ العاجلةِ مُتَقضِّيةٌ زائلةٌ. وجعْلُ فعْلِ إرادةِ الآخرةِ ماضيًا لدلالةِ المُضيِّ على الرُّسوخِ؛ تَنبيهًا على أنَّ خيرَ الآخرةِ أَولى بالإرادةِ؛ ولذلك جُرِّدَتِ الجُملةُ مِن (كان) ومن المُضارعِ، وما شرَطَ في ذلك إلَّا أنْ يَسْعى للآخرةِ سَعْيَها، وأنْ يكونَ مُؤمِنًا [300] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/60).   .
- في قولِه: وَسَعَى لَهَا اللَّامُ تفيدُ اعتبارَ النِّيَّةِ والإخلاصِ [301] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/251).   .
- وفيه إيرادُ الإيمانِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بالجُملةِ الحاليَّةِ؛ للدَّلالةِ على اشتراطِ مُقارنتِه لِما ذُكِرَ في حيِّزِ الصِّلةِ [302] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/164).   ، وجِيءَ بها كذلك اسميَّةً؛ لدلالتِها على الثَّباتِ والدَّوامِ، أي: وقد كان راسِخَ الإيمانِ [303] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/61).   .
- قولُه: فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا الإتيانُ باسمِ الإشارةِ فَأُولَئِكَ؛ للتَّنبيهِ على أنَّ المُشارَ إليهم جَديرونَ بما سيُخْبَرُ به عنهم؛ لأجْلِ ما وُصِفوا به قبلَ ذكْرِ اسمِ الإشارةِ [304] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/61).   .
- والتَّعبيرُ بـ (كان)؛ للدَّلالةِ على أنَّ الوصفَ تَحقَّقَ فيه مِن قبلُ، أي: من الدُّنيا؛ لأنَّ الطَّاعةَ تَقْتضي ترتُّبَ الشُّكرِ عاجِلًا، والثَّوابِ آجِلًا [305] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/61).   .
- وفي تَعليقِ المَشكوريَّةِ في قولِه: كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا بالسَّعْيِ دونَ قرينَيْهِ (إرادةِ الآخرةِ، والإيمانِ): إشعارٌ بأنَّه العُمدةُ فيها [306] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/164).   .
5- قَولُه تعالى: كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا
- قولُه: كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا تَذييلٌ لآيةِ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ... [307] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/61).   .
- قولُه: كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ فيه لَفٌّ ونشرٌ مُرتَّبٌ؛ فـ هَؤُلَاءِ الأُولى للفريقِ الأوَّلِ، أي: مُريدِ الدُّنيا، وهَؤُلَاءِ الثَّانيةُ للفريقِ الثَّاني، أي: مُريدِ الآخرةِ [308] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (5/410).   .
- وقولُه: هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ بدَلٌ من قولِه: كُلًّا بدلَ مُفصَّلٍ من مُجمَلٍ، والمقصودُ من الإبدالِ التَّعجُّبُ من سَعَةِ رحمةِ اللهِ تَعالى [309] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/62).   .
- قولُه: وَهَؤُلَاءِ عُطِفَ عليه؛ ففيه تَذكيرٌ لِما به الإمدادُ، وتَعيينٌ للمُضافِ إليه المحذوفِ دَفعًا لتَوهُّمِ كونِه أفرادَ الفريقِ الأخيرِ؛ وتأكيدٌ للقصرِ المُستفادِ من تَقديمِ المفعولِ [310] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/164).   .
- قولُه: مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا فيه التَّعرُّضُ لعُنوانِ الرُّبوبيَّةِ في الموضعَينِ؛ للإشعارِ بمَبدئيَّتِها لِمَا ذُكِرَ من الإمدادِ، وعدَمِ الحظْرِ [311] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/165).   .
- قولُه: وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا اعتراضٌ أو تَذييلٌ [312] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/62).   .
- واعتبارُ عدَمِ المَحظوريَّةِ بالنِّسبةِ إلى الفريقِ الأوَّلِ تَحقيقًا لشُمولِ الإمدادِ له: يَقْتضي كونَ القصرِ لدفْعِ توهُّمِ اختصاصِ الإمدادِ الدُّنيويِّ بالفريقِ الثَّاني، مع أنَّه لم يَسبِقْ في الكلامِ ما يُوهِمُ ثُبوتَه له، فَضلًا عن إيهامِ اختصاصِه [313] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/165).   .
6- قَولُه تعالى: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا
- قولُه: كَيْفَ اسمُ استفهامٍ مُستعمَلٌ في التَّنبيهِ [314] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/63).   .