موسوعة التفسير

سُورةُ يُونُس
الآيات (101-103)

ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى: قُل- يأيُّها الرَّسولُ- للمُشرِكينَ الذين يسألونَك الآياتِ: تفَكَّروا، واعتَبِروا بما في السَّمَواتِ والأرضِ مِن آياتِ اللهِ البَيِّناتِ؛ فإنَّها تُغنيكم عن طَلَبِ الآياتِ، والآياتُ والعِبرُ والرُّسُلُ المُنذِرةُ عبادَ اللهِ عقابَه، لا تنفَعُ قَومًا لا يُؤمِنونَ بِشَيءٍ من ذلك؛ لإعراضِهم وعنادِهم، فهل ينتظِرُ هؤلاء إلَّا أن يحُلَّ عليهم عذابُ اللهِ مِثلَ أسلافِهم المُكَذِّبينَ الذين مَضَوا قَبلَهم؟ قل لهم- أيُّها الرَّسولُ-: فانتَظِروا عقابَ اللهِ، إنِّي معكم مِن المُنتَظِرينَ عِقابَكم، ثمَّ نُنَجِّي رسُلَنا والذين آمَنوا معهم، وكما نجَّينا أولئك الرُّسُلَ والمؤمنينَ بهم، ننجِّيك- أيُّها الرَّسولُ- ومَن آمن بك؛ تفضُّلًا منَّا ورحمةً.

تفسير الآيات:

قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ (101).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بيَّنَ اللهُ تعالى في الآياتِ السَّالِفةِ أنَّ الإيمانَ لا يحصُلُ إلَّا بتَخليقِ الله تعالى ومَشيئتِه؛ أمَرَ بالنَّظَرِ والاستدلالِ في الدَّلائلِ حتى لا يُتَوهَّمَ أنَّ الحقَّ هو الجَبرُ المَحضُ [1181] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (17/306). .
وأيضًا لما تقرَّر ما مضَى مِن النَّهيِ عن الإصغاءِ إليهم في طلبِ الآياتِ، وختَم بتعليقِ الأمرِ بمجرَّد المشيئةِ، كان كأنَّه قِيل: فماذا يُقال لهم إذا طلَبوا [1182] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/211). .  
قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.
أي: قُلْ- يا مُحَمَّدُ- للمُشرِكينَ الذين يسألونَك الآياتِ: انظُروا ماذا في السَّمواتِ مِن الشَّمسِ والقَمَرِ والنُّجومِ والسَّحابِ، وفي الأرضِ مِن الجِبالِ والبِحارِ، والأنهارِ والأشجارِ، والثِّمارِ والدوابِّ وغيرِ ذلك من المخلوقاتِ الصَّغيرةِ والكبيرةِ، فتفَكَّروا فيها واعتَبِروا؛ فإنَّها دالَّةٌ على وحدانيَّةِ اللهِ في ربوبيَّتِه وألوهيَّتِه، وعلى كمالِ قُدرتِه وعظيمِ صِفاتِه، فتُغنيكم عن طلَبِ الآياتِ [1183] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/300، 301)، ((البسيط)) للواحدي (11/327، 328)، ((تفسير ابن عطية)) (3/145)، ((تفسير ابن كثير)) (4/299)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (11/396)، ((تفسير السعدي)) (ص: 375). .
وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ.
أي: وما تنفَعُ [1184] قال الواحدي: (يجوزُ أن تكونَ (ما) نفيًا بمعنى: ما تغني عنهم شيئًا بدَفعِ الضَّررِ، واجتلابِ النَّفعِ، كقولِك: ما يُغني عنك المالُ إذا لم تُنفِقْ، ويجوز أن يكون استفهامًا كقولِك: أيَّ شيءٍ يُغني عنهم؟). ((البسيط)) (11/329). وممن اختار أنَّ (ما): نافيةٌ: الواحديُّ، والقرطبي، وأبو حيان. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (2/561)، ((تفسير القرطبي)) (8/386)، ((تفسير أبي حيان)) (6/110). وممن اختار أنَّ (ما) استفهاميةٌ: ابنُ كثيرٍ. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/299). الآياتُ السَّماويةُ والأرضيَّةُ، والرسلُ المُنذِرةُ [1185] قال أبو حيان: (النُّذُرُ جمعُ نَذير، إمَّا مَصدرٌ، فمعناه: الإنذارات، وإمَّا بمعنى مُنذِر، فمعناه: المُنذِرونَ والرُّسُل). ((تفسير أبي حيان)) (6/110). وممن قال: إنَّ المراد بـالنُّذُرُ: الرسلُ: ابنُ جريرٍ، وابنُ كثيرٍ، والقرطبي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/301)، ((تفسير ابن كثير)) (4/299)، ((تفسير القرطبي)) (8/386). وممن قال: إنَّ المرادَ بها الإنذاراتُ: ابنُ عاشورٍ. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/296- 297). قومًا سبَقَ في علمِ اللهِ أنَّهم لا يُؤمِنونَ [1186] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/301)، ((البسيط)) للواحدي (11/329)، ((تفسير القرطبي)) (8/386)، ((تفسير أبي حيان)) (6/110)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (6/272)، ((تفسير ابن كثير)) (4/299)، ((تفسير الشوكاني)) (2/541)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (11/396). .
كما قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا [الكهف: 57] .
وقال عزَّ وجلَّ: حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ [القمر: 5].
وقال سُبحانه: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [يونس: 96-97] .
فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (102).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لمَّا كان ما في السمواتِ والأرضِ مِن الآياتِ في غايةِ الدلالةِ؛ نبَّه سبحانَه على أنَّ التوقفَ عن الإيمانِ بعدَ التنبيهِ على كيفيةِ الاستدلالِ معاندةٌ، فقال: وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ، فكان ذلك سببًا لتهديدِهم بقولِه [1187]  يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/212). :
فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ.
أي: فهل ينتَظِرُ هؤلاء المُشرِكونَ المكَذِّبونَ لك- يا مُحمَّدُ- من النِّقمةِ والعذابِ، إلَّا مِثلَ وقائِعِ اللهِ تعالى في الأممِ الماضيةِ مِن قَبلِهم، المكَذِّبةِ لِرُسُلِهم [1188] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/301)، ((البسيط)) للواحدي (11/330)، ((تفسير القرطبي)) (8/386)، ((تفسير ابن كثير)) (4/299)، ((تفسير السعدي)) (ص: 375). ؟
قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ.
أي: قُل- يا مُحمَّدُ- لهم: فانتَظِروا عذابَ اللهِ، إنِّي معكم من المُنتَظرينَ ما يحُلُّ بكم مِن العذابِ والهلاكِ الذي وعَدَكم اللهُ [1189] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/301)، ((تفسير القرطبي)) (8/386)، ((تفسير الخازن)) (2/467). .
ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ (103).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا أُمِرَ الرَّسولُ في الآيةِ السَّابقةِ أن يُوافِقَ الكُفَّارَ في انتظارِ العَذابِ؛ ذكَرَ التَّفصيلَ، فقال: العذابُ لا يَنزِلُ إلَّا على الكُفَّارِ، وأمَّا الرَّسولُ وأتباعُه فهم أهلُ النَّجاةِ [1190] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (17/307). .
ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ.
أي: ثم نُنجِّي رسُلَنا والمُؤمِنينَ بهم مِن عَذابِنا الواقِعِ على قَومِهم [1191] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/302، 303)، ((البسيط)) للواحدي (11/331، 332)، ((تفسير القرطبي)) (8/387). .
كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ.
أي: كما أنجَينا الرُّسُلَ السَّابقينَ والمؤمنينَ بهم حين نزولِ العَذابِ، كذلك نفعَلُ بك- يا مُحمَّدُ- وبالمُؤمِنينَ بك، فنُنَجِّيكم جميعًا، حقًّا ووعدًا أوجَبْناه علينا لا نُخلِفُه [1192] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/303)، ((البسيط)) للواحدي (11/332)، ((تفسير القرطبي)) (8/387)، ((تفسير ابن كثير)) (4/299). .
كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج: 38] .
وقال سُبحانه: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر: 51] .

الفوائد التربوية :

1- قال الله تعالى: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أمَرَ تعالى بالفِكرِ فيما أودَعَه تعالى في السَّمَواتِ والأرضِ؛ إذ السَّبيلُ إلى مَعرِفتِه تعالى هو بالتفَكُّرِ في آياتِه ومخلوقاتِه [1193] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/109). .
2- قال الله تعالى: كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ هذا مِن دَفْعِه سبحانَه عن المُؤمِنينَ؛ فإنَّ اللهَ يُدافِعُ عن الذين آمنوا، فإنَّه بحسَبِ ما مع العبدِ مِن الإيمانِ تحصُلُ له النَّجاةُ مِن المكارِه [1194] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:374). ، فمدارُ النَّجاةِ هو الإيمانُ [1195] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4 /178). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ الله تعالى: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عمَّم ما في السَّمواتِ والأرضِ؛ لتتوجَّهَ كُلُّ نَفسٍ إلى ما هو أقرَبُ إليها، وأيسَرُ استدلالًا عليه لَدَيها [1196] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/295). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا أشار بأداةِ التَّراخي ثُمَّ إلى طولِ زَمانِ الابتلاءِ، وعظيمِ رُتبةِ التَّنجيةِ [1197] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/213). .
3- قَولُ الله تعالى: كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ فيه سؤالٌ: أنَّ قَولَه حَقًّا يقتضي الوجوبَ، واللهُ تعالى لا يجِبُ عليه شيءٌ! الجوابُ: أنَّ ذلك حقٌّ بحَسَبِ الوَعدِ والحُكم، لا أنَّه حَقٌّ بحسَبِ الاستحقاقِ [1198] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (2/40). ؛ فالله سبحانه أحَقَّه على نفسِه بحُكمِ إحسانِه وفَضلِه ووَعدِه، لا هم أحَقُّوه عليه كالحَقِّ الذي لإنسانٍ على مَن له عنده يَدٌ، وكقوله أيضًا: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [1199]  يُنظر: ((الرد على البكري)) لابن تيمية (1/84). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ
قولُه: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ استفهامٌ فيه تقريرٌ وتَوعُّدٌ، وحضٌّ على الإيمانِ [1200] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/110). .  
قولُه: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ وقَع الاستفهامُ بـ (هَلْ) لإفادَتِها تَحقيقَ السُّؤالِ، وهو باعتبارِ تحقيقِ المسؤولِ عنه، وأنَّه جديرٌ بالجوابِ بالتَّحقيقِ، وهو استفهامٌ تَهكُّميٌّ إنكاريٌّ، نُزِّلوا مَنزِلةَ مَن يَنتظِرون شَيئًا يَأتيهم لِيُؤمِنوا، وليس ثَمَّةَ شيءٌ يَصلُحُ لأنْ يَنتَظِروه إلَّا أن يَنتظِروا حُلولَ مِثلِ أيَّامِ الَّذين خلَوا مِن قَبلِهم الَّتي هلَكوا فيها، وضُمِّن الاستفهامُ مَعْنى النَّفيِ، والتَّقديرُ: فهل ينتَظِرون شيئًا؟ ما ينتَظِرون إلَّا مِثلَ أيَّامِ الَّذين خَلَوا مِن قبلِهم [1201] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/297- 298). .
وقولُه: قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ قُلْ أمرٌ مُرادٌ منه التَّهديدُ، أي: انتَظِروا ما يَحِلُّ بكُم كما حَلَّ بمَن قَبلَكم مِن مُكذِّبي الرُّسُلِ [1202] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/110). .
وجملةُ: قُلْ فَانْتَظِرُوا مُفرَّعةٌ على جملةِ: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ، وفُصِلَ بينَ المفرَّعِ والمفرَّعِ عليه بـقُلْ؛ لزيادةِ الاهتمامِ، ولِيَنتقِلَ مِن مُخاطَبةِ اللهِ رسولَه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إلى مُخاطَبةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قومَه، وبهذا النَّسْجِ حصَل إيجازٌ بديعٌ؛ لأنَّه بالتَّفريعِ اعتُبِر ناشِئًا عن كلامِ اللهِ تعالى، فكأنَّ اللهَ بلَّغه النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ثمَّ أمَر النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بأن يُبلِّغَه قومَه؛ فليس له فيه إلَّا التَّبليغُ، وهو يتَضمَّنُ وعْدَ اللهِ نبيَّه بأنَّه يَرى ما يَنتظِرُهم مِن العذابِ؛ فهو وعيدٌ، وهو يتَضمَّنُ النَّصرَ عليهم [1203] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/298). .
وجملةُ: إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ استئنافٌ بيانيٌّ ناشئٌ عن جملةِ: فَانْتَظِرُوا؛ لأنَّها تُثيرُ سُؤالَ سائلٍ يَقولُ: ها نحن أولاءِ نَنتظِرُ، وأنت ماذا تَفعَلُ؟ وهذا مُستعمَلٌ كنايةً عن تَرقُّبِه النَّصرَ؛ إذ لا يُظَنُّ به أنَّه يَنتظِرُ سوءًا؛ فتَعيَّن أنَّه يَنتظِرُ مِن ذلك ضِدَّ ما يَحصُلُ لهم، فالمعيَّةُ في أصلِ الانتظارِ، لا في الحاصلِ بالانتظارِ [1204] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/298-299). .
2- قوله تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ
قولُه: ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا معطوفٌ على كلامٍ محذوفٍ، يَدُلُّ عليه قولُه: إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ، كأنَّه قيل: نُهلِكُ الأُممَ ثمَّ نُنجِّي رُسلَنا، على حكايةِ الأحوالِ الماضيةِ [1205] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/373)، ((تفسير أبي حيان)) (6/110)، ((تفسير أبي السعود)) (4/178). ، وهذا التَّعبيرُ مِن أعجبِ إيجازِ القُرآنِ المُعجِز الذي انفرَدَ به في العَطفِ على محذوفٍ، وهو ذِكرُ شَيءٍ يدُلُّ دلالةً واضحةً على أمرٍ عامٍّ: كسُنَّةٍ اجتماعيَّةٍ تُستنبَطُ مِن قِصَّةٍ أو قِصَص واقعةٍ، ثم يأتي بجملةٍ مَعطوفةٍ لا يصِحُّ عَطفُها على ما قَبلَها من الجُمَل، فيتبادَرُ إلى الذِّهنِ وُجوبُ عَطفِها على ذلك الأمرِ العامِّ، بحرفِ العطفِ المُناسِب للمَقامِ، بحيث يُستَغنى به عن ذِكرِه، وتقديرُه هنا: تلك سُنَّتُنا في رسُلِنا مع قومِهم: يُبَلِّغونَهم الدَّعوةَ، ويُقيمونَ عليهم الحُجَّةَ، ويُنذِرونَهم سوءَ عاقبةِ الكُفرِ والتَّكذيبِ، فيؤمِنُ بعضٌ، ويُصِرُّ الآخرونَ، فنُهلِكُ المكَذِّبينَ، ثمَّ نُنَجِّي رسُلَنا والذين آمَنوا بهم، كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ [1206] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (11/397). .
وفي صيغةِ الاستقبالِ نُنَجِّي لحكايةِ الأحوالِ الماضيةِ: تهويلٌ لأمرِها باستحضارِ صُوَرِها [1207] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/373)، ((تفسير أبي حيان)) (6/110)، ((تفسير أبي السعود)) (4 /178). .
وقولُه: كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ تذييلٌ لما قبلَه مقرِّرٌ لمضمونِه، والمرادُ بالمؤمنين إمَّا الجنسُ المتناوِلُ للرُّسلِ عليهم السَّلامُ والأتباعِ، وإمَّا الأتباعُ فقط ولم يَذكُرْ إنجاءَ الرُّسلِ؛ إيذانًا بعدَمِ الحاجةِ إليه [1208] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4 /178). .