موسوعة التفسير

سورةُ الأحزابِ
الآيات (50-52)

ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ

غَريبُ الكَلِماتِ:

أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ: أي: رجَعَه ورَدَّه إليك مِن الكُفَّارِ بأن سَبَيْتَه ومَلَكْتَه، والفَيءُ هو: ما ناله المُسلِمونَ مِن العَدُوِّ بغيرِ قِتالٍ، وأصلُ (فيأ): يدُلُّ على الرُّجوعِ .
تُرْجِي: أي: تُؤخِّرُ، وأصلُ (رجأ): يدُلُّ على التَّأخيرِ .
وَتُؤْوِي: أي: تَضُمُّ، وأصلُ (أوي): يدُلُّ على تجَمُّعٍ .
عَزَلْتَ: أي: تَركْتَ وأخَّرْتَ، وأصلُ (عزل): يدُلُّ على تَنحيةٍ وإمالةٍ .
أَدْنَى: أي: أقرَبُ، وأصلُ الدُّنوِّ: القُربُ .
تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ: أي: تَطِيبُ نَفْوسُهُنَّ، قيل: أصلُه مِن القُرِّ، أي: البَردِ، فَقَرَّتْ عينُه، قيل: معناه: بردَتْ فصحَّتْ، وقيل: بل لأنَّ للسُّرورِ دمعةً باردةً قارَّةً، وقيل: هو مِن القرارِ .
رَقِيبًا: أي: حافظًا، عالِمًا، مُطَّلِعًا، وأصلُ (رقب): يدُلُّ على انتِصابٍ لمُراعاةِ شَيءٍ .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ تعالى مبيِّنًا جانبًا مِن مظاهرِ فضلِه على نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّمَ وتكريمِه له: يا أيُّها النَّبيُّ إنَّا أحلَلْنا لك أزواجَك اللَّاتي آتيتَهنَّ مُهورَهنَّ، وما ملَكَت يمينُك مِمَّا نِلْتَه مِن الكُفَّارِ، وبناتِ عَمِّك وبناتِ عمَّاتِك، وبناتِ خالِك وبناتِ خالاتِك؛ اللَّاتي هاجَرْنَ معك مِن مكَّةَ إلى المدينةِ، وامرأةً مُؤمِنةً إنْ وهَبَت نفْسَها لك لِتتزَوَّجَها بغيرِ مَهرٍ، فقبِلْتَ الزَّواجَ بها، وذلك خاصٌّ بك، ولا يحِلُّ ذلك لأحدٍ مِن أُمَّتِك؛ فليس لغيرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَستبيحَ وَطْءَ امرأةٍ بلَفظِ الهِبةِ مِن غَيرِ وَليٍّ ولا مَهرٍ.
قد عَلِمْنا ما أوجَبْنا على المؤمِنينَ في الزَّواجِ مِن الأحكامِ: ألَّا يتزوَّجوا أكثَرَ مِن أربَعٍ، ولا يتزوَّجوا إلَّا بوليٍّ وشُهودٍ ومَهرٍ، ولهم مِلكُ ما شاؤوا مِنَ الإماءِ.
وسَّعْنا عليك في أمرِ الزَّواجِ بالنِّساءِ -يا محمَّدُ- لكيلا يكونَ عليك إثمٌ وضِيقٌ في نِكاحِهنَّ، وكان اللهُ غَفورًا رحيمًا.
 تُؤخِّرُ -يا محمَّدُ- مَن أُحِلَّ لك مِن النِّساءِ، وتَضُمُّ إليك مَن تشاءُ مِنهُنَّ، وإن أردْتَ أن تُؤويَ إليك امرأةً مِمَّن عزلْتَهنَّ وأخَّرْتَهنَّ مِن القِسمةِ، وتَضُمَّها إليك؛ فلا جُناحَ عليك؛ ذلك -يا محمَّدُ- أقرَبُ لِأن يَفرَحْنَ ولا يحزَنَّ، ويَرضَينَ بما أعطيتَهنَّ كُلُّهنَّ، واللهُ يعلَمُ ما في قُلوبِكم مِن أمرِ النِّساءِ والمَيلِ إلى بَعضِهنَّ، وكان اللهُ عليمًا بخَلقِه، حَليمًا فلا يُعاجِلُهم بالمؤاخَذةِ على ذنوبِهم.
لا يَحِلُّ لك -يا محمَّدُ- الزَّواجُ بالنِّساءِ مِن بَعْدُ، ولا أن تُطَلِّقَ واحِدةً مِن أزواجِك لِتتزوَّجَ بأُخرَى ولو أعجَبك جمالُها، إلَّا ما ملكَتْ يمينُك مِن الإِماءِ؛ فإنَّهنَّ حَلالٌ لك، وكان اللهُ على كُلِّ شَيءٍ حافِظًا ومُراقِبًا.

تفسيرُ الآياتِ:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان النَّبيُّ أَولى بالمؤمِنينَ مِن أنفُسِهم، وكان المرادُ الأعظَمُ في هذه الآياتِ بَيانَ ما شَرَّفه اللهُ به من ذلك؛ أتْبَعَ ما بيَّن أنَّه لا عِدَّةَ فيه مِن نكاحِ المؤمِنينَ، وما حَرَّمه عليهم مِنَ التَّضييقِ على الزَّوجاتِ المطَلَّقاتِ- بعضَ ما شَرَّفه اللهُ تعالى به وخَصَّه مِن أمرِ التَّوسِعةِ في النِّكاحِ، وختَمَه بأنَّ أزواجَه لا تحِلُّ بعْدَه .
وأيضًا لَمَّا خاض المنافِقونَ في تزوُّجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زينبَ بنتَ جَحشٍ، وقالوا: (تزوَّجَ مَن كانت حليلةَ مُتبَنَّاه)، أراد اللهُ أن يجمَعَ في هذه الآيةِ مَن يَحِلُّ للنَّبيِّ تزوُّجُهنَّ؛ حتَّى لا يقَعَ النَّاسُ في تردُّدٍ، ولا يفتِنَهم المُرجِفونَ .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ.
أي: يا أيُّها النَّبيُّ إنَّا أحلَلْنا لك أزواجَك اللَّاتي آتيتَهنَّ مُهورَهنَّ .
وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ.
أي: وأحلَلْنا لك النِّساءَ اللَّاتي مَلَكْتَهنَّ ممَّا نِلْتَه مِنَ الكُفَّارِ .
وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ .
أي: وأحلَلْنا لك بناتِ عَمِّك وبناتِ عمَّاتِك، وبناتِ خالِك وبناتِ خالاتِك؛ اللَّاتي هاجَرْنَ مِن مكَّةَ إلى المدينةِ كما فعَلْتَ .
وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا.
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
لَمَّا بيَّن ما هو الأشرَفُ مِن النِّكاحِ؛ لِكَونِه الأصلَ، وأتبَعَه سُبحانَه ما خَصَّ به شَرْعَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ المَغنَمِ الَّذي تولَّى سُبحانَه إباحتَه؛ أتْبَعَه ما جاءت إباحتُه مِن جهةِ المُبيحِ؛ إعلامًا بأنَّه ليس مِن نَوعِ الصَّدَقةِ الَّتي نزَّهَ عنها قَدْرَه، فقال :
وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا.
أي: وأحلَّ اللهُ لك -يا مُحمَّدُ- الزَّواجَ مِن أيِّ امرأةٍ مُؤمِنةٍ إذا وهَبَت نَفسَها لكَ لِتتزوَّجَها بغيرِ مَهرٍ، فقَبِلْتَ الزَّواجَ بها .
عن سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ الله عنهما، قال: ((جاءت امرأةٌ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي قد وهَبْتُ لك مِن نَفْسي. فقال رجُلٌ: زوِّجْنيها. قال: قد زوَّجْناكها بما معك مِن القُرآنِ )) .
وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: (كنتُ أغارُ على اللَّاتي وهَبْنَ أنفُسَهنَّ لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأقولُ: أتهَبُ المرأةُ نَفْسَها؟! فلمَّا أنزل اللهُ تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ قلتُ: ما أرى رَبَّك إلَّا يُسارِعُ في هواك !) .
وعن ثابتٍ البُنانيِّ، قال: (كنتُ عندَ أنسٍ وعِندَه ابنةٌ له. قال أنَسٌ: جاءت امرأةٌ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَعرِضُ عليه نَفْسَها، قالت: يا رَسولَ اللهِ، ألكَ بي حاجةٌ؟ فقالت بنتُ أنسٍ: ما أقَلَّ حياءَها! واسَوْأَتاهْ واسَوأَتاهْ ! قال: هي خيرٌ منك؛ رَغِبَتْ في النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فعَرَضَت عليه نَفْسَها ) .
خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ.
أي: أحلَّ اللهُ لك -يا محمَّدُ- خاصَّةً تزوُّجَ مَن وَهَبَت نفْسَها لك، بلا مَهرٍ ولا وَليٍّ، ولا يحِلُّ ذلك لأحَدٍ مِن أمَّتِك .
قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ.
أي: قد عَلِمْنا ما أوجَبْنا على المؤمِنينَ في الزَّواجِ، وعَلِمْنا أنَّ المصلحةَ تَقتَضي ما شرَعْناه؛ فلا يكونُ إلَّا بمَهرٍ ووَليٍّ وشُهودٍ عُدولٍ، ولا يحِلُّ لهم أكثَرُ مِن أربَعِ زَوجاتٍ، ولهم مِلكُ ما شاؤوا مِنَ النِّساءِ بالسَّبْيِ، أو التَّسَرِّي، أو غيرِ ذلك مِن أسبابِ المِلْكِ .
لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ.
أي: وسَّعْنا عليك في أمرِ الزَّواجِ بالنِّساءِ -يا مُحمَّدُ-؛ لكيلا يكونَ عليك إثمٌ وضِيقٌ في نِكاحِهنَّ .
وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا.
أي: إنَّ اللهَ تعالى مُتَّصِفٌ أزَلًا وأبدًا بالمَغفِرةِ لذُنوبِ عِبادِه، فيَستُرُها عليهم ويَتجاوَزُ عن مُؤاخَذتِهم بها، ومُتَّصِفٌ أزَلًا وأبدًا بالرَّحمةِ بعبادِه، فيُحسِنُ إليهم ويُنعِمُ عليهم مِن فَضلِه .
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا بيَّن اللهُ تعالى أنَّه أحَلَّ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما ذُكِر مِنَ الأزواجِ؛ بيَّنَ أنَّه أحلَّ له وُجوهَ المُعاشَرةِ بهِنَّ كيفَ يَشاءُ، ولا يجِبُ عليه القَسْمُ .
وأيضًا لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى هاتين الصِّفَتينِ غَفُورًا رَحِيمًا؛ أتْبَعَهما ما خفَّفَه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أمرِهنَّ؛ إكرامًا له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ممَّا كان مِن شأنِه أن يتحَمَّلَ فيه، ويتحَرَّجَ عن فِعلِه ؛ فهو مِن توسِعةِ اللهِ على رَسولِه ورَحمتِه به؛ أنْ أباح له تَرْكَ القَسْمِ بينَ زوجاتِه على وَجهِ الوُجوبِ .
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ.
أي: تُؤخِّرُ -يا مُحمَّدُ- مَن أُحِلَّ لك مِنَ النِّساءِ، وتَضُمُّ إليك مَن تَشاءُ مِنهُنَّ .
عن مُعاذةَ العَدَويَّةِ، عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَستأذِنُ في يومِ المرأةِ مِنَّا بعدَ أن أُنزِلَت هذه الآيةُ: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ، فقلتُ لها: ما كُنتِ تَقولينَ؟ قالت: كُنتُ أقولُ له: إنْ كان ذاك إلَيَّ فإنِّي لا أُريدُ -يا رَسولَ اللهِ- أن أُوثِرَ عليك أحَدً ا!)) .
وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ.
أي: فإنْ عَزَلْتَ بالإرجاءِ إحداهنَّ -كما لو كان بطَلاقٍ أو رَدِّ هِبةٍ مَثلًا- ثمَّ رَغِبْتَ فيها؛ فلا بأسَ ولا إثمَ عليك في إيوائِها بعدَ ذلك، سواءٌ كان ذلك بقَبولِ هِبتِها نَفْسَها له، أو برَدِّها إلى ما كانت عليه مِنَ النِّكاحِ أو القَسْمِ إن كانت مِن زَوجاتِه؛ فاختيارُك السَّابِقُ غَيرُ مُلزِمٍ لك، بل الأمرُ راجِعٌ إلى اختيارِك ورَغبتِك في ذلك .
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: (لَمَّا أنزَل الله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ قُلتُ: ما أرى رَبَّك إلَّا يُسارِعُ في هواك!) .
ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ.
أي: ذلك -يا مُحمَّدُ- هو أقرَبُ لِأنْ يَفرَحْنَ ولا يَحزَنَّ .
وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ.
أي: وأقرَبُ لِأنْ يَرضَينَ كُلُّهنَّ بما أعطَيتَهنَّ -يا مُحمَّدُ .
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ.
أي: واللهُ يَعلَمُ كلَّ ما تُضمِرونَه في قُلوبِكم، ومِن ذلك أمورُ النساءِ، والمَيلُ إلى بَعضِهنَّ دونَ بَعضٍ .
وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا.
أي: إنَّ اللهَ واسِعُ العِلمِ بأعمالِ عِبادِه وضَمائِرِهم، وبما يَصلُحُ لهم مِنَ الشَّرائعِ والأحكامِ، وبغيرِ ذلك؛ فلا يخفَى عليه شَيءٌ سُبحانَه، وهو كثيرُ الحِلمِ على عِبادِه؛ فلا يُعاجِلُهم بمُؤاخَذتِهم على ذُنوبِهم .
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا لم يُوجِبِ اللهُ على نَبيِّه القَسْمَ، وأمَرَه بتَخييرِهنَّ، فاختَرْنَ اللهَ ورَسولَه؛ ذكَرَ لَهنَّ ما جازاهنَّ به مِن تحريمِ غَيرِهنَّ على النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، ومَنْعِه مِن طَلاقِهنَّ .
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ.
النَّاسِخُ والمَنسوخُ:
قيل: إنَّ هذه الآيةَ مُحكَمةٌ ولا نَسْخَ فيها .
وقيل: إنَّ هذه الآيةَ مَنسوخةٌ، واختُلِف في النَّاسِخِ؛ فقيل: مَنسوخةٌ بالآيةِ الَّتي قَبْلَها، وهي قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ... [الأحزاب: 50] . وقيل: مَنسوخةٌ بقولِه سُبحانه: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب: 51] . وقيل: مَنسوخةٌ بالسُّنَّةِ، وليس في القرآنِ ما يُوجِبُ نَسْخَها .
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ.
أي: لا يَحِلُّ لك الزَّواجُ بالنِّساءِ -يا مُحمَّدُ- مِن بَعدُ .
وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ.
أي: ولا يحِلُّ لك أن تُطَلِّقَ واحِدةً مِن أزواجِك؛ لِتَتزوَّجَ بأُخرى، ولو أعجبَك جمالُها .
إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ.
أي: لا يحِلُّ لك إلا نِكاحُ مَن شِئتَ مِن النِّساءِ اللَّاتي تَملِكُهنَّ .
وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا.
أي: وكان اللهُ على كُلِّ شَيءٍ حافِظًا ومُراقِبًا؛ لا يخفَى عليه شَيءٌ سُبحانَه، وقائِمًا بتَدبيرِ كُلِّ شَيءٍ على أكمَلِ نِظامٍ، وأحسَنِ إحكامٍ .

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- قال تعالى: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ، قولُه: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ أي: مِن بعدِ النِّساءِ اللَّاتي نصُّ إحلالِهنَّ لك في الآيةِ قَبلُ -على أحدِ القَولَينِ في التَّفسيرِ-، وانظُرْ إلى تكريمِه تعالى لنبيِّه صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه؛ حيثُ لم يقُلْ له: (وحرَّم عليك ما وراءَ ذلك) كما خاطَبَ المؤمِنينَ بنَظيرِه؛ لِتَعلَمَ كيف يَتفاوَتُ النَّاسُ بالخِطابِ تفاوُتَهم في رفيعِ الدَّرَجاتِ .
2- في قَولِه تعالى: قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ أنَّ اللهَ تعالى فَرَضَ علينا فرائِضَ في أزواجِنا علينا مُراعاتُها، وكذلك نقولُ في مِلْكِ اليَمينِ .
3- في قَولِه تعالى: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ أنَّه ينبغي مُراعاةُ المؤمنِ بإدخالِ السُّرورِ عليه، ونَفْيِ الحُزنِ عنه .
4- قال الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا فيَجِبُ أن يُتَّقى؛ لعِلمِه وحِلمِه؛ فعِلمُه مُوجِبٌ للخَوفِ منه، وحِلمُه مُقتَضٍ للاستحياءِ منه، وأخْذُ الحَليمِ شديدٌ؛ فينبغي لعبدِه المحِبِّ له أن يَحلُمَ عمَّن يَعلَمُ تَقصيرَه في حَقِّه؛ فإنَّه سُبحانَه يأجُرُه على ذلك بأن يَحلُمَ عنه فيما عَلِمَه منه، وأن يَرفَعَ قَدْرَه، ويُعليَ ذِكرَه .
5- قَولُ الله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا تحذيرٌ عن مُجاوَزةِ حُدودِه، وتخطِّي حَلالِه وحَرامِه .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالى: اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ أنَّه لا بُدَّ في النِّكاحِ مِن المَهرِ .
2- قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ... ذُكِرَ للنَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ما هو الأَولى؛ فإنَّ الزَّوجةَ الَّتي أُوتِيَت مَهْرَها أطيَبُ قَلبًا مِن الَّتي لم تُؤتَ، والمملوكةَ الَّتي سباها الرَّجُلُ بنَفْسِه أطهَرُ مِن الَّتي اشتراها الرَّجُلُ؛ لأنَّها لا يُدرَى كيفَ حالُها، ومَن هاجَرتْ مِن أقاربِ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ معه أشرَفُ ممَّن لم تُهاجِرْ .
3- قَولُه تعالى: وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ عامٌّ يَشملُ ما مَلَكْتَه مِن الكِتابيَّاتِ، وما مَلَكْتَه مِن غيرِهنَّ، ولا دليلَ على التَّقييدِ بالكتابيَّةِ .
4- قَال تعالى: وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ يَمِينُكَ ويداك وما أشبهَ ذلك يُعبَّرُ بها عن الذَّاتِ؛ لأنها غالبًا وسيلةُ الأخذِ والإعطاءِ، فقوله: وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ أي: مما مَلَكْتَ، ففيه صِحَّةُ إضافةِ الشَّيءِ إلى بعضِه، وهذا كثيرٌ في القرآنِ، ومنه قولُه تعالى: فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى: 30] ، وقولُه تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [النساء: 92] ؛ فإنَّ الإنسانَ لا يُحَرِّرُ الرَّقَبةَ وحْدَها، بل يُحَرِّرُ كُلَّ العَبدِ .
5- قَولُ الله تعالى: وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ فيه إشارةٌ إلى ما خَصَّ اللهُ تعالى به نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن تحليلِ ما كان حَظَرَه على مَن كان قَبْلَه مِن الغَنائِمِ .
6- المحرَّماتُ بالنَّسَبِ: الضَّابِطُ فيه أنَّ جميعَ أقارِبِ الرَّجُلِ مِن النَّسَبِ حرامٌ عليه إلَّا بناتِ أعمامِه وأخوالِه، وعمَّاتِه وخالاتِه، وهذه الأصنافُ الأربعةُ هنَّ اللَّاتي أحلَّهنَّ اللهُ لِرَسوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بقَولِه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب: 50] الآيةَ؛ فأحَلَّ سُبحانَه لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ النِّساءِ أجناسًا أربعةً، ولم يجعَلْ خالِصًا له مِن دونِ المؤمِنينَ إلَّا المَوهوبةَ الَّتي تهَبُ نَفْسَها للنَّبيِّ ، فالآيةُ فيها حَصرُ المحلَّلاتِ، يؤخَذُ مِن مَفهومِه: أنَّ ما عداهنَّ مِن الأقارِبِ غَيرُ مُحلَّلٍ، كما تقدَّمَ في سورةِ (النِّساءِ)؛ فإنَّه لا يُباحُ مِن الأقاربِ مِن النِّساءِ غَيرُ هؤلاءِ الأربَعِ. وما عداهُنَّ مِن الفُروعِ مُطلقًا، والأصوِل مُطلقًا، وفُروعِ الأبِ والأمِّ وإن نَزَلوا، وفُروعِ مَن فَوقَهم لصُلبِه: فإنَّه لا يُباحُ .
7- قَولُ الله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ دلَّ وَصفُ وَامْرَأَةً بأنَّها مؤمنةٌ على أنَّ المرأةَ غيرَ المُؤمِنةِ لا تحِلُّ للنَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بهِبةِ نَفْسِها .
8- قَولُ الله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ دلَّ وَصفُ وَامْرَأَةً بأنَّها مُؤمِنةٌ -بدَلالةِ لحنِ الخِطابِ - على أنَّه لا يحِلُّ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تزوُّجُ الكتابيَّاتِ، بَلْهَ المُشرِكاتِ .
9- قَولُ الله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ذُكِرَ وَصفُ النُّبوَّةِ؛ لأنَّه مَدارُ الإكرامِ مِن الخالقِ، والمحبَّةِ مِن الخلائِقِ؛ تَشريفًا له به، وتعليقًا للحُكمِ بالوَصفِ؛ لأنَّه لو قال: (إن وهَبتْ نفسَها لك) كان رُبَّما وقَعَ في بعضِ الأوهامِ أنَّه غيرُ خاصٍّ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم . فالآيةُ فيها أنَّ التَّخصيصَ بالحُكمِ لا بُدَّ أنْ يكونَ له عِلَّةٌ تقتضي تخصيصَ ذلك المحكومِ عليه أو له؛ فإنَّ العِلَّةَ في ذلك أنَّه نَبيٌّ، وهذه العِلَّةُ لا تكونُ للمُؤمِنينَ .
10- قَولُ الله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فيه مِن خَصائِصِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: النِّكاحُ بلَفظِ الهِبةِ، وبلا مَهرٍ ولا وَليٍّ. وليس ذلك لِغَيرِه .
11- في قَولِه تعالى: إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ الرَّدُّ على الجَبْريَّةِ؛ حيث أثبتَ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إرادةً، والجَبْريَّةُ لا يُثبِتونَ إرادةً للإنسانِ؛ يقولونَ: إنَّه مُجبَرٌ على عَمَلِه !
12- في قَولِه تعالى: خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أنَّ ما ثَبَتَ في حقِّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ مِن الأحكامِ ثَبَتَ في حَقِّ الأُمَّةِ إذا لم يُخَصَّصْ. هذا مذهَبُ السَّلَفِ والفُقَهاءِ .
13- قَولُه تعالى: مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فائِدتُه أنَّ الكُفَّارَ وإن كانوا مُخاطَبينَ بفُروعِ الشَّريعةِ على قولٍ، فليس لهم في ذلك دُخولٌ؛ لأنَّ تصريفَ الأحكامِ إنَّما يكونُ فيهم على تقديرِ الإسلامِ .
14- في قَولِه تعالى: لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ عنايةُ اللهِ تعالى برسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم، ولُطْفُه به؛ حيث أحَلَّ له ما يَزولُ به عنه الحَرَجُ .
15- قَولُ الله تعالى: قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ذُكِرَ هذا؛ لِئَلَّا يَحمِلَ واحِدٌ مِن المؤمنينَ نَفْسَه على ما كان للنَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ فإنَّ له في النِّكاحِ خصائِصَ ليست لغيرِه، وكذلك في السَّراريِّ .
16- قَولُ الله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ فيه مِن خَصائِصِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: عدَمُ وُجوبِ القَسْمِ عليه .
17- في قَولِه تعالى: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ أنَّه يجوزُ للإنسانِ أنْ يَرْجِعَ في حقِّه بعدَ إسقاطِه -هذا إذا كان الحقُّ متجدِّدًا-، أمَّا إذا كان الحقُّ غيرَ متجدِّدٍ؛ فإنَّ الإنسانَ إذا أسْقَطَه لا يَمْلِكُ الرُّجوعَ فيه .
18- في قَولِه تعالى: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم داخِلٌ في التَّكليفِ؛ لأنَّ نَفْيَ الوَصفِ عن شَيءٍ ما يدُلُّ على إمكانِ اتِّصافِه به؛ إذْ لو كان مُنتَفيًا مِن الأصلِ ما احتِيجَ إلى نَفْيِه؛ فدلَّ هذا على أنَّه يُمكِنُ أنْ يكونَ على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم جُناحٌ، وهذا دليلٌ على تَكليفِه بأحكامِ الرِّسالةِ .
19- في قَولِه تعالى: لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ، وقولِه: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ إثباتُ العِلَلِ والحِكَمِ للأحكامِ؛ حيث إنَّ الأحكامَ مربوطةٌ بعِلَلِها وحِكَمِها. وإثباتُ الحِكَمِ في أحكامِ اللهِ سبحانه وتعالى الكونيَّةِ والقَدَريَّةِ: كثيرةٌ جدًّا، وكُلُّها تَرُدُّ أيضًا على الجَبْريَّةِ؛ لأنَّ الجَبْريَّةَ يَرون أنَّ أفعالَ اللهِ سُبحانَه وتعالى وأحكامَه غيرُ مُعَلَّلةٍ، وأنَّه تعالى يَفعَلُ لا لِعِلَّةٍ وحِكمةٍ، بل لِمُجَرَّدِ المَشيئةِ !
20- في قَولِه تعالى: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ مُراعاةُ قلوبِ زوجاتِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم، وإدخالُ السُّرورِ عليهنَّ؛ فإنَّ في هذا مراعاةً لقلوبِ هؤلاءِ النِّساءِ حتَّى تَقَرَّ أعينُهُنَّ .
21- أنَّ ما في القلبِ ممَّا لا يَملِكُه الإنسانُ لا يُؤاخَذُ عليه؛ لأنَّه لَمَّا ذَكَر أنَّ الرَّسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم مُخَيَّرٌ، قال: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ يعني: مِن الشَّيءِ الَّذي لا تَملِكونَه؛ ولهذا لا يَحرُمُ على الإنسانِ أنْ يُفَضِّلَ إحدَى نسائِه على الأُخرَى في المحبَّةِ؛ لأنَّ المحبَّةَ محلُّها القَلبُ، ولا يمكِنُ للإنسانِ أنْ يُسَلِّطَ قَلبَه ويُسَخِّرَه حتَّى يُحِبَّ ويَكرَهَ !
22- في قَولِه تعالى: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ أنَّ التَّكليفَ لا يمكِنُ أنْ يَسقُطَ عن أحدٍ مهما بَلَغَتْ مَنزلتُه في الدِّينِ؛ فيَكونُ في ذلك رَدٌّ على أولئك الَّذين يَزعُمونَ أنَّ الأولياءَ إذا بلَغوا مرتبةً مِن المراتبِ سَقَطَ عنهم التَّكليفُ؛ لأنَّنا نعلمُ أنَّ أعلَى دَرَجاتِ الخَلْقِ عندَ الله تعالى هم الأنبياءُ والرُّسُلُ عليهم السَّلامُ، وأنَّ أعلاهم محمَّدٌ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ فإذا كان هو مَحَلًّا للتَّكليفِ، فمَنْ دونَه مِن بابِ أَولى .
23- في قَولِه تعالى: وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ أنَّه لا يجوزُ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يُطَلِّقَ أحدًا مِن نسائِه ليتزَوَّجَ غيرَها ، والحكمةُ أنهنَّ لَمَّا لم يَختَرْنَ عليه غيرَه؛ أُمِر بمكافأتِهنَّ في التَّمسُّكِ بنكاحِهنَّ .
24- قَولُ الله تعالى: وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ فيه دليلٌ على جوازِ أن ينظُرَ الرَّجُلُ إلى مَن يريدُ زواجَها ؛ لأنَّ النَّظرةَ الأولى لا تكادُ تُثبِتُ ما عليه المرئيُّ مِن حاقِّ الوَصفِ .
25- في قَولِه تعالى: وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كغيرِه مِن البشَرِ؛ يُعجِبُه حُسْنُ النِّساءِ الظَّاهرُ والباطِنُ .
26- في قَولِه تعالى: وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ جوازُ تَزَوُّجِ الرَّجُلِ المرأةَ لحُسْنِها، ويؤيِّدُ هذا قولُ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((تُنْكَحُ المرأةُ لأربعٍ: لِمالِها، وحَسَبِها، وجمالِها، ودِينِها؛ فاظفَرْ بذاتِ الدِّينِ )) .
27- في قَولِه تعالى: إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ أنَّ الوَطْءَ بمِلْكِ اليَمينِ أهوَنُ على المرأةِ مِن الوَطْءِ بالزَّواجِ؛ ولهذا أباح اللهُ سُبحانَه وتعالى للإنسانِ ألَّا يَعْدِلَ بيْنَ سَراريِّه؛ لأنَّ الغَيرةَ بيْنَهنَّ ليست كالغَيرةِ بينَ الزَّوجاتِ .
28- في قَولِه تعالى: إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ تفضيلُ اليمينِ على الشِّمالِ؛ حيثَ نَسَبَ الملكيَّةَ إليها دونَ الشِّمالِ! ولم يُعَبِّرْ باليدِ الشِّمالِ عن الذاتِ أبدًا؛ ولكنْ عَبَّرَ بالأيدي عمومًا وعَبَّرَ باليمينِ، وأمَّا التَّعبيرُ بالشِّمالِ فلمْ يَرِدْ .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
- قولُه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ كَلامٌ مُستأنَفٌ مَسوقٌ لاختِصاصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالأطيَبِ الأزْكَى بعْدَ أنْ خيَّرَ نِساءَه فاختَرْنَه، وهو خبرٌ مُرادٌ به التَّشريعُ. ودُخولُ حَرْفِ (إنَّ) عليه لا يُنافي إرادةَ التَّشريعِ؛ إذ مَوقعُ (إنَّ) هنا لِمُجرَّدِ الاهتِمامِ، والاهتمامُ يُناسِبُ كُلًّا مِن قَصدِ الإخبارِ وقَصْدِ الإنشاءِ؛ ولذلك عُطِفَت على مَفعولِ أَحْلَلْنَا مَعطوفاتٌ قُيِّدَت بأَوصافٍ لم يَكُنْ شَرْعُها مَعلومًا مِن قبْلُ؛ وذلك في قولِه: وَبَنَاتِ عَمِّكَ وما عُطِفَ عليه، باعتبارِ تَقييدِهنَّ بوَصفِ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ، وفي قولِه: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا باعتبارِ تَقييدِها بوَصفِ الإيمانِ، وتَقييدِها بـ إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ وأَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا .
- قولُه: إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ إضافةُ (أزواج) إلى ضَميرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تُفِيدُ أنَّهنَّ الأزواجُ اللَّاتي في عِصمتِه؛ فيَكونُ الكلامُ إخبارًا لِتَقريرِ تَشريعٍ سابقٍ، ومَسوقًا مَساقَ الامتِنانِ، ثمَّ هو تَمهيدٌ لِمَا سَيَتْلوهُ مِن التَّشريعِ الخاصِّ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن قولِه: اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ إلى قولِه: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ [الأحزاب: 52] .
- قولُه: مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ الوَصْفانِ ببَناتِ عمِّه وعمَّاتِه وبَناتِ خالِه وخالاتِه وبأنَّهنَّ هاجرْنَ معه؛ غيرُ مَقصودٍ بهما الاحترازُ عمَّن لَسْنَ كذلك، ولكنَّه وَصْفٌ كاشفٌ مَسوقٌ للتَّنويهِ بشَأنِهنَّ، على قَولٍ .
- وخَصَّ هؤلاء النِّسوةَ مِن عُمومِ المنعِ؛ تكريمًا لشأنِ القَرابةِ والهِجرةِ الَّتي هي بمنزلةِ القَرابةِ؛ لقولِه تعالى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا [الأنفال: 72] .
- وأُفرِدَ لفظُ (عمٍّ) وجُمِعَ لَفظُ (عمَّاتٍ)؛ لأنَّ العمَّ في استِعمالِ كَلامِ العرَبِ يُطلَقُ على أخي الأبِ، ويُطلَقُ على أخي الجَدِّ، وأخي جَدِّ الأبِ... وهكذا؛ فهمْ يَقولون: هؤلاء بَنو عمٍّ أو بَناتُ عمٍّ، إذا كانوا لِعَمٍّ واحدٍ أو لِعِدَّةِ أعمامٍ، فأمَّا لَفظُ (العمَّةِ) فإنَّه لا يُرادُ به الجِنسُ في كَلامِهم، فإذا قالوا: هؤلاء بَنو عمَّةٍ، أرادوا أنَّهم بنو عَمَّةٍ مُعَيَّنةٍ؛ فَجِيءَ في الآيةِ عَمَّاتِكَ جَمْعًا؛ لِئلَّا يُفهَمَ منه بَناتُ عمَّةٍ مُعيَّنةٍ. وكذلك القولُ في إفرادِ لَفظِ (الخال) مِن قولِه: (بَنَاتِ خَالِكَ)، وجَمْعِ الخالةِ في قولِه: وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ .
وقيل: وحَّد لَفظَ الذَّكَرِ؛ لِشَرَفِه، وجمَعَ الإناثَ؛ لِنَقصِهنَّ، كقَولِه تعالى: عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ [النحل:48] ، يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة: 257] ، وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ [الأنعام: 1] ، وله نظائِرُ كثيرةٌ .
وقيل: جُمِعَ لفظُ العَمِّ والخَالِ دونَ العَمَّاتِ والخالاتِ بسببِ أنَّ قوَّةَ صِلَةِ العَمِّ بالإنسانِ أقوى مِن قوَّةِ صِلَةِ العَمَّةِ؛ فلهذا جُمِعَ، وإلَّا فمِنَ المعلومِ أنَّ الإنسانَ له أعمامٌ وليس له عَمٌّ واحدٌ فقط، وبناتُ أعمامِه كُلُّهُنَّ حلالٌ .
وقيل: لأنَّ العَمَّ والخالَ بوَزنِ مَصدَرينِ، وهما: (الضَّمُّ) و (المالُ)، والمصدَرُ يَستوي فيه المفرَدُ والجَمعُ، بخلافِ العَمَّةِ والخالةِ .
وقيل: أفردَ العَمَّ؛ لأنَّ واحِدَ الذُّكورِ يُجمَعُ مِن غيرِه؛ لِشَرفِه وقوَّتِه، وكَونِه الأصلَ الَّذي تفرَّعَ منه هذا النَّوعُ، وجَمَع الإناثَ؛ لأنَّ المرادَ به الجِنسُ؛ لئلَّا يُتوهَّمَ أنَّ المرادَ إباحةُ الأخواتِ مجتَمِعاتٍ .
- قولُه: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ التَّنكيرُ في (امْرَأَةً) للنَّوعيَّةِ، والمعنى: ونُعلِمُك أنَّا أحلَلْنا لك امرأةً مُؤمِنةً بقَيدِ أنْ تهَبَ نفْسَها لك، وأنْ تُرِيدَ أنْ تَتزوَّجَها؛ فقولُه: لِلنَّبِيِّ و(النَّبِيُّ) في المَوضعينِ إظهارٌ في مَقامِ الإضمارِ؛ والمعنى: إنْ وهبَتْ نفْسَها لك وأردتَ أنْ تَنكِحَها، وهذا تَخصيصٌ مِن عُمومِ قولِه: وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ، فإذا وهَبَتِ امرأةٌ نفْسَها للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأراد نِكاحَها؛ جازَ له ذلك بدونِ ذَينِك الشَّرطينِ، ولأجْلِ هذا وُصِفَت (امْرَأَةً) بـ مُؤْمِنَةً؛ لِيُعلَمَ عدَمُ اشتراطِ ما عَدا الإيمانَ .
- وأيضًا في قولِه: إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إظهارٌ في مَقامِ الإضمارِ؛ لأنَّ مُقْتضَى الظَّاهرِ أنْ يُقالَ: إنْ وهَبَتْ نفْسَها لكَ، والغرَضُ مِن هذا الإظهارِ ما في لَفظِ (النَّبيِّ) مِن تَزكيةِ فِعلِ المرأةِ الَّتي تهَبُ نفْسَها؛ بأنَّها راغبةٌ لِكَرامةِ النُّبوَّةِ. والعُدولُ عن الإضمارِ في قولِه: إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ بأنْ يُقالَ: إنْ أراد أنْ يَستنكِحَها؛ لِمَا في إظهارِ لَفظِ (النَّبيِّ) مِن التَّفخيمِ والتَّكريمِ، وبيانِ عُلُوِّ شأنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
- وقولُه: إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا جُملةٌ مُعترِضةٌ بيْن جُملةِ إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ وبيْنَ خَالِصَةً لَكَ، وليس مَسوقًا للتَّقييدِ؛ إذ لا حاجةَ إلى ذِكرِ إرادتِه نِكاحَها؛ فإنَّ هذا مَعلومٌ مِن معنى الإباحةِ، وإنَّما جِيءَ بهذا الشَّرطِ لِدفْعِ تَوهُّمِ أنْ يكونَ قَبولُه هِبتَها نفْسَها له واجبًا عليه كما كان عُرفُ أهْلِ الجاهليَّةِ، ولِكَيْ لا يُلزِمَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم نفْسَه قَبولَ الهِبةِ لِمَا عُلِم مِن خُلُقِه صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لذا أثبَت الله عزَّ وجلَّ له الإرادةَ والتَّخييرَ في هذه الحالِ. وجَوابُ الشَّرطِ مَحذوفٌ دلَّ عليه ما قبْلَه، والتَّقديرُ: إنْ أراد أنْ يَستنكِحَها فهي حلالٌ له، فهذا شَرطٌ مُستقِلٌّ، وليس شَرطًا في الشَّرطِ الَّذي قبْلَه .
- وفي قولِه: خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ الْتِفاتٌ مِن الغَيبةِ إلى الخِطابِ، والسِّرُّ في الالتفاتِ هنا أنَّه رُجوعٌ إلى أصْلِ الكلامِ؛ فقد صُدِّر الكلامُ بمُخاطَبةِ النَّبيِّ بقولِه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ إلخ، ثمَّ عُدِلَ عن الخِطابِ إلى الغَيبةِ في قولِه: إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا؛ للإيذانِ بأنَّه ممَّا خُصَّ به وأُوثِرَ، وأنَّ هذا الاختصاصَ تَكرِمةٌ له مِن أجْلِ النُّبوَّةِ .
- ولَمَّا كان التَّخصيصُ لا يَصِحُّ ولا يُتصَوَّرُ إلَّا مِن مُحيطِ العِلمِ بأنَّ هذا الأمرَ ما كان لغيرِ المخصوصِ تامِّ القُدرةِ لِيَمنَعَ غيرَه مِن ذلك؛ عَلَّلَه بقَولِه: قَدْ أي: أخبَرْناك بأنَّ هذا أمرٌ يخُصُّك دونَهم؛ لأنَّا قد عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا .
- قولُه: قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ ... تَعديةُ فِعلِ فَرَضْنَا بحَرْفِ (على) المُقتضي للتَّكليفِ والإيجابِ؛ للإشارةِ إلى أنَّ مِن شرائعِ أزواجِهم وما ملَكَت أَيْمانُهم ما يَوَدُّونَ أنْ يُخفَّفَ عنهم، مِثلُ عَددِ الزَّوجاتِ، وإيجابِ المُهورِ والنَّفقاتِ، فإذا سَمِعوا ما خُصَّ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن التَّوسِعةِ في تلك الأحكامِ، وَدُّوا أنْ يُلحَقوا به في ذلك؛ فسَجَّلَ اللهُ عليهم أنَّهم باقونَ على ما سبَقَ شَرْعُه لهم في ذلك. والإخبارُ بأنَّ اللهَ قد عَلِمَ ذلك كِنايةٌ عن بَقاءِ تلك الإحكامِ؛ لأنَّ معناهُ: أنَّا لم نَغفُلْ عن ذلك، أي: لمْ نُبطِلْه، بلْ عن عِلْمٍ خَصَّصْنا نَبيَّنا بما خَصَّصْناه به في ذلك الشَّأنِ، فلا يَشملُ ما أحلَلْناه له بقيَّةَ المؤمنينَ؛ فالجُملةُ اعتراضٌ بيْنَ قولِه: لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ومُتعلَّقِه -وهو خَالِصَةً-؛ للدَّلالةِ على أنَّ الفرْقَ بيْنَه وبيْنَ المؤْمِنِينَ في نحوِ ذلك لا لِمُجرَّدِ قَصْدِ التَّوسيعِ عليه، بلْ لِمَعانٍ تَقْتضي التَّوسيعَ عليه والتَّضييقَ عليهم تارةً، وبالعكسِ أُخْرى .
- قولُه: لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ تَعليلٌ لِمَا شرَعه اللهُ تعالى في حَقِّ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الآياتِ السَّابقةِ مِن التَّوسِعةِ بالازديادِ مِن عَددِ الأزواجِ، وتَزوُّجِ الواهباتِ أنفُسَهنَّ دونَ مَهرٍ، وجَعْلِ قَبولِ هِبَتِها مَوكولًا لإرادتِه، وبما أبْقَى له مِن مُساواتِه أُمَّتَه فيما عدَا ذلك مِن الإباحةِ، فلم يُضيِّقْ عليه، وهذا تَعليمٌ وامتِنانٌ .
- وجُملةُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا تَذييلٌ لِمَا شَرَعَه مِن الأحكامِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أي: إنَّ ما أردْناهُ مِن نَفْيِ الحرَجِ عنك هو مِن مُتعلَّقاتِ صِفَتيِ الغُفرانِ والرَّحمةِ، وجُعِلَ اتِّصافُ اللهِ بهما أمْرًا مُتمكِّنًا بما دلَّ عليه فِعلُ (كان) المُشيرُ إلى السَّابقيَّةِ والرُّسوخِ .
2- قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا
- قولُه: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ استِئنافٌ بَيانيٌّ ناشئٌ عن قولِه: إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ إلى قَولِه: لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ [الأحزاب: 50] ؛ فإنَّه يُثِيرُ في النَّفْسِ تَطلُّبًا لِبَيانِ مَدَى هذا التَّحليلِ. والجُملةُ خَبرٌ مُستعمَلٌ في إنشاءِ تَحليلِ الإرجاءِ والإيواءِ لِمَن يَشاءُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ .
- ومُقابَلةُ الإرجاءِ بالإيواءِ في قولِه: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ تَقْتضي أنَّ الإرجاءَ مُرادٌ منه ضِدُّ الإيواءِ، أو أنَّ الإيواءَ ضِدُّ الإرجاءِ، وبذلك تَنشَأُ احتمالاتٌ في المُرادِ مِن الإرجاءِ والإيواءِ صَريحِهما وكِنايتِهما .
- قولُه: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ لِبَيانِ أنَّ التَّخييرَ لا يُوجِبُ استِمرارَ ما أخَذَ به مِن الطَّرَفينِ المُخيَّرِ بيْنَهما، أي: لا يكونُ عمَلُه بالعزْلِ لازمًا للدَّوامِ بمَنزلةِ الظِّهارِ والإيلاءِ، بلْ أذِنَ اللهُ أنْ يَرجِعَ إلى مَن يَعزِلُها منْهنَّ؛ فصرَّحَ هنا بأنَّ الإرجاءَ شاملٌ للعزْلِ؛ ففي الكلامِ جُملةٌ مُقدَّرة ٌدلَّ عليها قولُه: ابْتَغَيْتَ؛ إذ هو يَقْتضي أنَّه ابْتَغى إبطالَ عَزْلِها، فمَفعولُ ابْتَغَيْتَ مَحذوفٌ دَلَّ عليه قولُه: وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ، كما هو مُقْتضى المُقابَلةِ بقولِه: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ؛ فإنَّ العزْلَ والإرجاءَ مُؤدَّاهما واحدٌ .
- ومُتعلِّقُ الجُناحِ في قولِه: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ مَحذوفٌ دلَّ عليه قولُه: ابْتَغَيْتَ، أي: ابتغَيْتَ إيواءَها فلا جُناحَ عليك مِن إيوائِها .
- وفي قَولِه: وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ إشارةٌ إلى أنَّ المُرادَ الرِّضا الَّذي يَتساوينَ فيه، وإلَّا لم يكُنْ للتَّأكيدِ بـ كُلُّهُنَّ نُكتةٌ زائدةٌ؛ فالجمْعُ بيْن ضَميرِهنَّ في قولِه: كُلُّهُنَّ يُومِئُ إلى رِضًا مُتساوٍ بيْنَهنَّ ، حتى لا يَتَوَهَّمَ واهمٌ أنَّ رضا بعضِهنَّ وانتفاءَ الحُزْنِ عنهُنَّ كافٍ في ذلك! بل الرِّضا يكونُ للجميعِ .
- وذِكْرُ وَلَا يَحْزَنَّ بعدَ ذِكرِ أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ -مع ما في قُرَّةِ العَينِ مِن تَضمُّنِ مَعنى انتفاءِ الحُزْنِ-: إيماءٌ إلى تَرغيبِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ابتغاءِ بَقاءِ جَميعِ نِسائِه في مُواصلَتِه؛ لأنَّ في عَزْلِ بَعضِهنَّ حُزْنًا للمَعزولاتِ، وهو بالمؤمنينَ رَؤوفٌ لا يُحِبُّ أنْ يُحزِنَ أحَدًا .
- والتَّذْييلُ بقَولِه: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا كلامٌ جامعٌ لِمَعنى التَّرغيبِ والتَّحذيرِ؛ ففيه تَرغيبُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الإحسانِ بأزواجِه وإمائِه والمُتعرِّضاتِ للتَّزوُّجِ به، وتَحذيرٌ لهنَّ مِن إضمارِ عدَمِ الرِّضا بما يَلْقَينَه مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفي إجراءِ صِفتيْ عَلِيمًا حَلِيمًا على اسمِ الجلالةِ: إيماءٌ إلى ذلك؛ فمُناسَبةُ صِفةِ العِلمِ لقولِه: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ظاهرةٌ، ومُناسَبةُ صِفَةِ الحليمِ باعتبارِ أنَّ المقصودَ تَرغيبُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ألْيَقِ الأحوالِ بصِفَةِ الحليمِ .
3- قوله تعالى: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا مَوقِعُ هذه الآيةِ في المُصحَفِ عقِبَ الَّتي قبْلَها يدُلُّ على أنَّها كذلك نزَلَتْ، وأنَّ الكلامَ مُتَّصِلٌ بعضُه ببعضٍ، ومُنتظِمٌ هذا النَّظْمَ البديعَ، على أنَّ حَذْفَ ما أُضِيفَت إليه بَعْدُ يدُلُّ على أنَّه حَذْفٌ مَعلومٌ دلَّ عليه الكلامُ السَّابقُ، وتَقديرُ المُضافِ إليه المحذوفِ: مِن بَعدِ الأصنافِ المذكورةِ بقولِه: إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [الأحزاب: 50] إلخ ، وذلك على قولٍ في التفسيرِ.
- و(مِنْ) في قولِه: مِنْ أَزْوَاجٍ مَزيدةٌ على المفعولِ الثَّاني لـ تَبَدَّلَ؛ لِقَصْدِ إفادةِ العُمومِ، وتَأكيدِ النَّفيِ، وفائدتُه استِغراقُ جِنسِ الأزواجِ بالتَّحريمِ، والتَّقديرُ: ولا أنْ تَبدَّلَ بهنَّ أزواجًا أُخَرَ .
- قولُه: وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ أي: إنَّ مَن حصَلَتْ في عِصمتِك مِن الأصنافِ المذكورةِ لا يَحِلُّ لك أنْ تُطلِّقَها؛ فكُنِّيَ بالتَّبدُّلِ عن الطَّلاقِ لأنَّه لازِمُه في العُرْفِ الغالبِ؛ لأنَّ المَرْءَ لا يُطلِّقُ إلَّا وهو يَعتاضُ عن المُطلَّقةِ امرأةً أُخرى .
- وفي جُملةِ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إيذانٌ بأنَّ اللهَ لَمَّا أباحَ لِرَسولِه الأصنافَ الثَّلاثةَ، أرادَ اللُّطفَ له، وألَّا يُناكِدَ رَغبتَه إذا أعجَبَتْه امرأةٌ، لكنَّه حدَّدَ له أصنافًا مُعيَّنةً وفيهنَّ غَناءٌ، وأُكِّدَت هذه المُبالَغةُ بالتَّذييلِ مِن قولِه: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا، أي: عالِمًا بِجَرْيِ كلِّ شَيءٍ على نَحوِ ما حدَّدهُ أو على خِلافِه، فهو يُجازي على حسَبِ ذلك. وهذا وَعدٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بثَوابٍ عظيمٍ على ما حدَّدَ له مِن هذا الحُكمِ، كما أنَّ فيه تَحذيرًا مِن مُجاوَزةِ حُدودِ اللهِ وتَخطِّي حَلالِه وحَرامِه ، فلَمَّا كان المَقامُ مقامَ تحليلٍ وتحريمٍ خَتَمَ الله تعالى الآيةَ بقولِه: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا، يعني: فهو يُراقبُك لو خالفْتَ ما شَرَعَ لك، وهذا مِن بلاغةِ القرآنِ؛ حيث يَخْتِمُ الآياتِ بما يُناسِبُ الأحكامَ الموجودةَ فيها .
- والاستِثناءُ في قولِه: إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مُنقطِعٌ، والمعنى: لكنْ ما ملَكَتْ يَمينُك حلالٌ في كلِّ حالٍ، والمَقصودُ مِن هذا الاستِدراكِ: دَفْعُ تَوهُّمِ أنْ يكونَ المُرادُ مِن لَفظِ النِّساءِ في قولِه: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ ما يُرادِفُ لَفظَ الإناثِ دونَ استعمالِه العُرفيِّ بمَعنى الأزواجِ .