الموسوعة الحديثية


-  كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَسْتَأْذِنُنَا إذَا كانَ في يَومٍ لِلْمَرْأَةِ مِنَّا، بَعْدَ ما نَزَلَتْ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51]، فَقالَتْ لَهَا مُعَاذَةُ: فَما كُنْتِ تَقُولِينَ لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا اسْتَأْذَنَكِ؟ قالَتْ: كُنْتُ أَقُولُ: إنْ كانَ ذَاكَ إلَيَّ، لَمْ أُوثِرْ أَحَدًا علَى نَفْسِي.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 1476 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
كان أزواجُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُحْبِبْنَهُ حُبًّا شَديدًا، حتَّى إنَّهنَّ كُنَّ يَتَنافسْنَ في إرضائِهِ ومَحبَّتِهِ.
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ أمُّ المؤمنين عائشةُ رَضِي اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كان يَسْتأذِنُ زَوجتَه إذا كان يَومُها الَّذي قَسَمه لها، في أنْ يَذهَبَ إلى زَوجةٍ أُخْرى مِن زَوجاتِه، وكان لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم تِسعُ زَوجاتٍ، يَجعَلُ لكلِّ واحدةٍ منهنَّ يومًا يَبيتُ فيه عِندها، وكان استئذانُه ذلك بعْدَ نُزولِ قولِه تعالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا} [الأحزاب: 51]، ومعنى الآيةِ: أنَّه يَحِقُّ لك -أيُّها الرَّسولُ- أنْ تُؤخِّرَ مَن تَشاءُ تَأخيرَ قَسْمِه مِن نِسائِكَ، فلا تَبيتَ معها، وتَضُمَّ إليك مَن تَشاءُ منْهنَّ فتَبيتَ معها، ومَن طلَبْتَ أنْ تَضُمُّها ممَّن أخَّرْتَهنَّ، فلا إثمَ عليك في ذلك، ذلك التَّخييرُ والتَّوسيعُ لكَ أقرَبُ أنْ تَقَرَّ به أعيُنُ نِسائِك، وأنْ يَرضَيْنَ بما أعطيْتَهنَّ جَميعهنَّ؛ لعِلمِهنَّ أنَّك لم تَترُكْ واجبًا، ولم تَبخَلْ بحَقٍّ، واللهُ يَعلَمُ ما في قُلوبِكم -أيُّها الرِّجالُ- مِن الميْلِ إلى بعضِ النِّساءِ دونَ بعضٍ، وكان اللهُ عليمًا بأعمالِ عِبادِه، لا يَخْفى عليه منها شَيءٌ، حَليمًا لا يُعاجِلُهم بالعُقوبةِ؛ لعلَّهم يَتوبون إليه.
فَسَألَت التَّابعيةُ مُعاذَةُ العدويَّةُ عائشةَ رَضِي اللهُ عنها: «فما كُنْتِ تَقولِينَ لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إذا استأْذنَكِ؟» فأجابَتْها عائشةُ رَضِي اللهُ عنها أنَّها كانت تقولُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «إنْ كان ذاكَ إلَيَّ»، أي: إذا كانَ هذا الاسْتِئْذانُ يَرجِعُ إنفاذُه بيَدي، «لم أُوثِرْ أَحَدًا على نَفْسِي»، أي: لم أُقَدِّمْ يَومي لَزوجةٍ أُخرى. وهذا مِن حُبِّها في القُرْبِ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في خِدمَتِهِ ومُعَاشرَتِه والاسْتِفادةِ منه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.
فهذه المنافَسةُ بيْن زَوجاتِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لم تكُنْ لمُجرَّدِ الاستمتاعِ، ولمُطلَقِ العِشرةِ، وشَهواتِ النُّفوسِ وحُظوظِها الَّتي تكونُ مِن بعضِ النَّاسِ، بل هي مُنافَسةٌ في أُمورِ الآخرةِ والقُربِ مِن سيِّدِ الأوَّلينَ والآخِرينَ والرَّغبةِ فيه، وتَوقُّعِ نُزولِ الرَّحمةِ والوحيِ عليه عِندها، ونحْوِ ذلك.
وفي الحديثِ: بَيانُ بعضِ ما اختُصَّ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن أنَّه يَختارُ مِن زَوجاتِه ما شاءَ وقْتَما شاءَ.
وفيه: بَيانُ بعضِ الآدابِ بيْن الزَّوجَينِ، وتَعليمٌ لهما؛ فالرَّجُلُ يَستأذِنُ زَوجاتِه في التَّنقُّلِ بيْنهنَّ، والمرأةُ تُظهِرُ الحُبَّ والمودَّةَ له.