موسوعة التفسير

سورةُ مَريمَ
الآيات (7-11)

ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ

غريب الكلمات:

سَمِيًّا: أي: أحدًا مُسمًّى قَبلَه بهذا الاسمِ، وأصلُه مِن السُّمُوِّ [72] قال السمين الحلبي: (وذهَب الكوفيون إلى أنَّه مشتقٌّ مِن الوَسْمِ، وهو العلامةُ؛ لأنه علامةٌ على مُسَمَّاه، وهذا وإنْ كان صحيحًا مِن حيثُ المعنى، لكنَّه فاسدٌ مِن حيثُ التصريفُ). ((الدر المصون)) (1/19). ، وهو الذي به رَفعُ ذِكرِ المُسَمَّى، فيُعرَفُ به [73] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 272)، ((تفسير ابن جرير)) (15/463)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/98)، ((المفردات)) للراغب (ص: 428)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 221). .
عِتِيًّا: أي: غايةَ الكِبَرِ في السِّنِّ، حتَّى نحِل العظمُ ويَبِس، والعِتِيُّ: الكِبَرِ المُتَناهي، وكلُّ مُتَناهٍ إلى غايَتِه في كِبرٍ، أو فسادٍ، أو كفرٍ، فهو عاتٍ، وقيل: العِتِيُّ: يبسٌ في الأعضاءِ والمفاصلِ [74] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 272)، ((تفسير ابن جرير)) (15/ 465)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 343)، ((المفردات)) للراغب (ص: 546)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 222)، ((تفسير القرطبي)) (11/83)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/368). .
سَوِيًّا: أي: صَحيحًا، لا عِلَّةَ به مِن خَرَسٍ أو مَرَضٍ يمنَعُه مِن الكَلامِ، وأصلُ (سوي): يدُلُّ على استِقامةٍ واعتدالٍ [75] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 273)، ((تفسير ابن جرير)) (15/468)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/112 ((المفردات)) للراغب (ص: 440)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 222)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 519). .
الْمِحْرَابِ: المحرابُ: الموضِعُ العالي الشَّريفُ، ويُطلَقُ على الغُرفةِ، والمسجدِ، ومقدَّمِ كلِّ مجلسٍ ومصلًّى [76] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 104)، ((تفسير ابن جرير)) (5/358)، (15/471)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 455)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/48)، ((المفردات)) للراغب (ص: 225)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 44). .
بُكْرَةً: أي: أوَّلَ النهارِ، وقيل: المرادُ صلاةُ الغداةِ، وأصلُ (بكر): أوَّلُ الشيءِ وبدؤُه [77] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/123- 124)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/287)، ((المفردات في غريب القرآن)) للراغب (ص: 140)، ((تفسير القرطبي)) (14/198). .
وَعَشِيًّا: أي: آخرَ النهارِ، أو: ما بعدَ الزَّوالِ إلى المغرِب، أو: من الظُّهْرِ إلى نِصْفِ اللَّيْل، أو: مِنْ زوالِ الشَّمْسِ إلى الصَّباحِ، وقيل: المرادُ صلاةُ العصرِ، وأصلُ (عشو): يدلُّ على ظلامٍ، وقلةِ وضوحِ الشيءِ [78] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/322)، ((المفردات)) للراغب (ص: 567)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 336)، ((النهاية)) لابن الأثير (3/242)، ((التبيان في تفسير غريب القرآن)) لابن الهائم (ص: 122)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 982). .

المعنى الإجمالي:

يبيِّنُ الله تعالى أنَّه قد أجاب بفضلِه وكرمِه دعاءَ عبدِه زكريا، وأنَّه نوديَ: يا زكريَّا، إنَّا نُبشِّرُك بإجابةِ دُعائِك، قد وَهَبْنا لك غُلامًا اسمُه يحيى، لم نُسَمِّ أحدًا قَبلَه بهذا الاسمِ، قال زكريَّا متعَجِّبًا: ربِّ كيف يكونُ لي غُلامٌ، وكانت امرأتي عقيمًا لا تَلِدُ، وقد بلغتُ النِّهايةَ في الكِبَر؟ قال: هكذا الأمرُ كما تقولُ مِن كَونِ امرأتِك عاقِرًا، وبلوغِك من الكِبَرِ عِتيًّا، ولكنَّ ربَّك قال: هذا أمرٌ سَهلٌ هيِّنٌ عليَّ، وقد خَلقتُك أنت مِن قَبلِ يحيى، ولم تكُن شَيئًا مَوجودًا. قال زكريَّا: ربِّ اجعَلْ لي علامةً على تحقُّقِ هذه البشارةِ. قال: علامتُك ألَّا تَقدِرَ على كلامِ النَّاسِ مُدَّةَ ثلاثِ ليالٍ، وأنت صحيحٌ ليس بك مَرَضٌ يمنَعُك من الكلامِ. فخرج زكريَّا على قَومِه مِن مُصَلَّاه الذي بُشِّرَ فيه بالوَلَدِ، فأشار إليهم: أنْ سَبِّحوا اللهَ أوَّلَ النَّهارِ وآخِرَه؛ شُكرًا له تعالى.

تفسير الآيات:

يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7).
يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى.
أي: فاستجاب اللهُ له ونُودِيَ [79] قال الشنقيطي: (في هذه الآيةِ الكريمةِ حذفٌ دَلَّ المقامُ عليه، وتقديرُه: فأجابَ الله دعاءَه فنُودِي: يَا زَكَرِيَّا ... الآيةَ). ((أضواء البيان)) (3/367). : يا زكريَّا، إنا نُبَشِّرُك بإجابةِ دُعائِك، فستُوهَبُ غُلامًا اسمُه يحيى [80] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/461)، ((تفسير ابن كثير)) (5/214)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/68، 69)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/367). قال الشنقيطي: (وقد أوضَح جلَّ وعلا في موضعٍ آخرَ هذا الَّذي أجْمَله هنا، فبَيَّن أنَّ الَّذي ناداهُ بعضُ الملائكةِ، وأنَّ النِّداءَ المذكورَ وَقَع وهو قائمٌ يصلِّي في المحرابِ، وذلك قولُه تعالَى: فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران: 39] ، وقولُه تعالَى: فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، قال بعضُ العلماءِ: أطْلَق الملائكةَ وأرادَ جبريلَ). ((أضواء البيان)) (3/367). وقال الواحدي: (وهذا قولُ ابنِ عباسٍ، والأكثرينَ: أنَّ المنادِيَ جبريلُ وحدَه). ((البسيط)) (5/220). وذكَر الرازي أنَّ الأكثرينَ على أنَّ المناديَ هو الله تعالى؛ قال: (وذلك لأنَّ ما قبلَ هذه الآيةِ يدُلُّ على أنَّ زكريَّا عليه السَّلامُ إنما كان يخاطِبُ الله تعالى ويسألُه). ((تفسير الرازي)) (21/511-512). .
كما قال تعالى: فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران: 39] .
وقال سُبحانَه: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ [الأنبياء: 90] .
لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا.
أي: لم نُسَمِّ أحدًا قبلَ يحيى بهذا الاسمِ [81] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/463)، ((تفسير القرطبي)) (11/83)، ((تفسير السعدي)) (ص: 490)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/368). وممَّن ذهَب إلى هذا المعنى المذكورِ: ابنُ جريرٍ، والقرطبي، والسعدي، والشنقيطي. يُنظر: المصادر السابقة. ونسَبه إلى أكثرِ المفسرينَ: ابنُ الجوزي، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/120)، ((تفسير الشوكاني)) (3/381) وممن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عباسٍ في روايةٍ عنه، وقتادةُ، وابنُ جُريجٍ، وعبدُ الرحمنِ بنُ زيدِ بنِ أسلمَ، وعكرمةُ، والسديُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/462)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (7/2399)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/120). وقيل: معنى سَمِيًّا: مَثيلًا ونَظيرًا. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: ابنُ عاشور، وجعَله السعدي احتِمالًا. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/69- 70)، ((تفسير السعدي)) (ص: 490). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عباسٍ في روايةٍ عنه، ومجاهدٌ، وسعيدُ بنُ جبيرٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/462)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (7/2399)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/120). واستَبعد القرطبي والشنقيطي هذا المعنى؛ لوجودِ أنبياءَ أفضَلَ مِن يحيى عليه السلامُ، كإبراهيمَ، وموسى، وغيرِهما مِن الأنبياءِ عليهم السلامُ جميعًا. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/83)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/368). ولكِنْ قال ابنُ عاشور: (المعنى: أنَّه لم يجئْ قبلَ يحيى من الأنبياءِ مَن اجتمعَ له ما اجتمع ليحيى؛ فإنَّه أُعطيَ النبُوَّةَ وهو صَبيٌّ [على القولِ بأنَّ المرادَ بالحُكمِ الذي أُوتي في صباه هو النبوةُ]... وجُعِل حَصورًا؛ ليكونَ غيرَ مَشقوقٍ عليه في عِصمتِه عن الحرامِ، ولئلَّا تكونَ له مَشقَّةٌ في الجَمعِ بينَ حُقوقِ العبادةِ وحُقوقِ الزَّوجةِ، ووُلِد لأبيه بعد الشَّيخوخةِ ولأمِّه بعدَ العُقرِ... وجُعِلَ اسمُه العَلَمُ مُبتكَرًا غيرَ سابقٍ مِن قَبلِه. وهذه مزايا وفضائِلُ وُهِبت له ولأبيه، وهي لا تقتضي أنَّه أفضَلُ الأنبياءِ؛ لأنَّ الأفضليَّةَ تكونُ بمَجموعِ فَضائِلَ لا ببَعضِها وإن جَلَّت؛ ولذلك قيل: «المزيَّةُ لا تقتضي الأفضليَّةَ» وهي كلمةُ صِدقٍ). ((تفسير ابن عاشور)) (16/69، 70). وقال السعدي: (يحتَمِلُ أنَّ المعنى: لم نجعَلْ له مِن قَبلُ مَثيلًا ومُسامِيًا، فيكونُ ذلك بِشارةً بكَمالِه، واتِّصافِه بالصِّفاتِ الحميدةِ، وأنَّه فاق مَن قَبلَه، ولكِنْ على هذا الاحتمالِ، هذا العُمومُ لا بُدَّ أن يكونَ مخصوصًا بإبراهيمَ وموسى ونوحٍ عليهم السَّلامُ، ونحوهم، ممَّن هو أفضَلُ مِن يحيى قطعًا). ((تفسير السعدي)) (ص: 490). .
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8).
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا.
أي: قال زكريَّا مُتعَجِّبًا: يا ربِّ كيف يُولَدُ لي غُلامٌ، وزوجتي عقيمٌ لا تَحمِلُ [82] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/463، 464)، ((تفسير القرطبي)) (11/83)، ((تفسير ابن كثير)) (5/214)، ((تفسير الشوكاني)) (3/383). .
وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا.
وقد بلغتُ غايةً في كِبَر السنِّ حتى نحَلَت عظامي ويَبِسَت [83] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/463، 464)، ((تفسير السمعاني)) (3/280)، ((تفسير الزمخشري)) (3/6)، ((تفسير القرطبي)) (11/83)، ((تفسير ابن كثير)) (5/214)، ((تفسير الشنقيطي)) (3/368). قال السعدي: (وكأنَّه وقتَ دُعائِه لم يستحضِرْ هذا المانِعَ؛ لقوةِ الواردِ في قلبِه، وشِدَّةِ الحِرصِ العظيمِ على الولَدِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 490). وقال الشنقيطي: (استفهامُ زكريَّا استِفهامُ استِخبارٍ واستعلامٍ؛ لأنَّه لا يعلَمُ هل اللهُ يأتيه بالولَدِ مِن زوجِه العجوزِ على كِبَرِ سِنِّهما على سبيلِ خرق العادة، أو يأمُرُه بأن يتزوَّجَ شابَّةً، أو يرُدُّهما شابَّينِ؟ فاستفهَم عن الحقيقةِ ليعلَمَها). ((أضواء البيان)) (3/369). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/464)، ((تفسير ابن عطية)) (4/6). ؟!
كما قال تعالى: قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ [آل عمران: 40] .
قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9).
قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ.
أي: قال لزكريَّا [84] ممَّن قال بأنَّ القائِلَ هو مَلَكٌ مِن الملائكةِ: يحيى بنُ سلَّام، وابنُ أبي زمنين، وابنُ عطية، والقرطبي، وابنُ كثير، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (1/215)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (3/88)، ((تفسير ابن عطية)) (4/6)، ((تفسير القرطبي)) (11/84)، ((تفسير ابن كثير)) (5/215)، ((تفسير الشوكاني)) (3/387). واختار الرازي أنَّ القائلَ هو الله تعالى. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (21/514). : هكذا الأمرُ كما ذكرتَ مِن أنَّ امرأتَك عاقِرٌ، وأنَّك بلغْتَ من الكِبَر عِتيًّا، فمجيءُ الولَدِ منكما والحالةُ هذه أمرٌ مُستغرَبٌ في العادةِ، ولكِنْ قال ربُّك: هذا الأمرُ يسيرٌ وسَهلٌ عليَّ [85] يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (1/215، 216)، ((تفسير ابن عطية)) (4/6)، ((تفسير ابن كثير)) (5/215). وممن اختار أنَّ الإشارَة في قوله: كَذَلِكَ إلى ما سَبَق مِنْ قولِ زكريَّا: ابنُ جرير، والسمرقندي، والزمخشري، وابن عطية، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/466)، ((تفسير السمرقندي)) (2/369)، ((تفسير الزمخشري)) (3/6)، ((تفسير ابن عطية)) (4/9)، ((تفسير الشوكاني)) (3/382). وقيل: المعنى: قال: الأمرُ كذلك، أي: الأمرُ كما قيل لك. أي: أهبُ لك غلامًا اسمُه يحيى. يُنظر: ((الهداية الى بلوغ النهاية)) لمكي (7/4499). .
كما قال تعالى: قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [آل عمران: 40] .
وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا.
أي: وقد أوجَدْتُك -يا زكريَّا- مِن قَبلِ يحيى، ولم تكنْ شيئًا موجودًا؛ فكذلك أنا قادِرٌ على إيجاد ولدٍ لك مِن زوجتِك العاقِرِ مع كِبَرِ سِنِّك، فلا تعجَبْ؛ فكما لا عجَبَ مِن خَلقِ الولَدِ في الأحوالِ المألوفةِ، كذلك لا عجَبَ مِن خَلقِ الولَدِ في الأحوالِ النَّادرةِ؛ فكلاهما إيجادٌ بعدَ عَدَمٍ [86] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/467)، ((تفسير القرطبي)) (11/84)، ((تفسير ابن كثير)) (5/215)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/72). .
قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10).
قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً.
أي: قال زكريَّا: يا رَبِّ، اجعَلْ لي علامةً أستَدِلُّ بها على حَملِ زوجتي؛ ليطمَئِنَّ قلبي [87] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/467)، ((تفسير القرطبي)) (11/84)، ((تفسير ابن كثير)) (5/215)، ((تفسير السعدي)) (ص: 490)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/73)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/371). .
قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا.
أي: قال اللهُ لزكريَّا: العَلامةُ التي جعَلْناها لك دليلًا على حَملِ زَوجتِك: ألَّا تَقدِرَ على الكَلامِ مع النَّاسِ ثَلاثَ ليالٍ، وأنت صحيحٌ ليس بك مَرَضٌ يمنَعُك مِن الكلامِ [88] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/467)، ((تفسير ابن كثير)) (5/215)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/73)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/371). قال السعدي: (هذا مِن الآياتِ العَجيبةِ؛ فإنَّ مَنْعَه من الكلامِ مُدَّةَ ثلاثةِ أيَّامٍ، وعجزَه عنه -مِن غيرِ خَرسٍ ولا آفةٍ، بل كان سَوِيًّا لا نقصَ فيه- مِنَ الأدلَّةِ على قُدرةِ اللهِ الخارقةِ للعوائِدِ! وهو مع هذا ممنوعٌ مِن الكلامِ الذي يتعلَّقُ بالآدميِّينَ وخطابِهم، وأمَّا التَّسبيحُ والتَّهليلُ والذِّكرُ ونحوُه فغيرُ ممنوعٍ منه!). ((تفسير السعدي)) (ص: 490). ويُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/371). !
كما قال تعالى: قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ [آل عمران: 41] .
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11).
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ.
أي: فخرج زكريَّا على قَومِه بني إسرائيلَ مِن مُصَلَّاه الذي بُشِّرَ فيه بالوَلَدِ [89] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/622)، ((تفسير ابن جرير)) (15/470)، ((تفسير ابن كثير)) (5/216)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/372، 373). .
قال تعالى: فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى [آل عمران: 39] .
فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا.
أي: فأشار إلى قَومِه أن سبِّحوا [90] قال ابنُ جرير: (وقد يجوزُ في هذا الموضِعِ أن يكونَ عنى به التسبيحَ الذي هو ذِكرُ الله، فيكونَ أمَرَهم بالفراغِ لذِكرِ الله في طَرَفي النَّهارِ بالتَّسبيح، ويجوزُ أن يكونَ عنى به الصَّلاةَ، فيكونَ أمَرَهم بالصَّلاةِ في هذين الوقتَينِ). ((تفسير ابن جرير)) (15/473). و(أَنْ) في قولِه: أَنْ سَبِّحُوا مصدريَّةٌ أو مفسِّرةٌ، والمعنَى: فأوحَى إليهم بأنْ سبِّحوا أو: أي سبِّحوا. يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (3/383). في أوَّلِ النَّهارِ وآخِرِه [91] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/471، 473)، ((تفسير ابن عطية)) (4/7)، ((تفسير البيضاوي)) (4/7)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/372). قال السَّعدي: (أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا لأنَّ البِشارةَ بـ «يحيى» في حقِّ الجميعِ مَصلحةٌ دينيَّةٌ). ((تفسير السعدي)) (ص: 490). .

الفوائد التربوية :

يُستحبُّ للمُسلِمِ أنْ يُبادِرَ إلى مَسَرَّةِ أخيه، وإعلامِه بما يُفرِحُه، ومن ذلك بِشارةُ مَن وُلِدَ له وَلَدٌ، قال تعالى: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا [92] يُنظر: ((تحفة المودود بأحكام المولود)) لابن القيم (ص: 27). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى سمَّاه اللهُ له «يحيى» وكان اسمًا موافِقًا لِمُسماه: يحيا حياةً حِسِّيةً، فتَتِمُّ به المنَّةُ، ويحيا حياةً مَعنويَّةً، وهي حياةُ القلبِ والرُّوحِ بالوَحيِ والعِلمِ والدِّينِ [93] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 490). .
2- قولُه تعالى: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا فيه فضيلَةٌ ليحيى مِن جهتينِ: الأولَى أَنَّ اللَّهَ سبحانَه هو الَّذي تولَّى تَسْمِيَتَه به، ولم يَكِلْها إِلى الأبوينِ. والجهةُ الثَّانيةُ: أنَّ تسميتَه باسمٍ لم يُوضَعْ لغيرِه يُفيدُ تشريفَه وتعظيمَه [94] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (3/381). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الرسعني)) (4/391). .
3- في قوله تعالى: قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا إلى قوله سبحانه: قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً دليلٌ على تثبيتِ الخبرِ المرويِّ وصحته: ((ليس الخَبَرُ كَالمعاينة )) [95] أخرجه أحمد في ((المسند)) (2447)، وابن حبان في ((صحيحه)) (6213) من حديث ابن عباس مرفوعًا. صحَّح إسنادَه أحمدُ شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (4/147)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (5374). ؛ وذلك أنَّ زكريا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَشْكُ إلى ربِّه وَهَنَ عَظْمِه، واشتعالَ الشيبِ في رأسه إلَّا وهو مُوقنٌ بإجابةِ دعوتِه؛ ثم بَشَّرَه اللهُ ببشارةِ الغلامِ؛ فقال ما قال -وهو عالمٌ بأنَّ ربَّه يَقْدِرُ عليه- فلا وجهَ له -واللهُ أعلمُ- غيرُ ما قُلْنا مِن أنَّ المعاينةَ في الأشياءِ أبلغُ مِن الخَبرِ، وإنْ كان الخَبرُ بالغًا عندَ المؤمنين [96] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (2/224). .
4- قوله تعالى: قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا جُعِلت الآيةُ الدالةُ عليه سكوتًا عن غيرِ ذكرِ الله؛ دلالةً على إخلاصِه، وانقطاعِه بكليتِه إلى الله دونَ غيرِه [97] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/177). .
5- الإنسانُ لَمَّا كان يعلمُ أنه خُلِقَ بعد أنْ لم يكُنْ، ذُكِّرَ بذلك؛ ليَستدِلَّ به على قُدرةِ الخالقِ على تغييرِ العادةِ؛ ولهذا ذَكَر تعالى ذلك في خَلْقِ يحيى بنِ زكريا عليه السَّلامُ، وفي النَّشأةِ الثَّانيةِ؛ قال تعالى: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا، وقال تعالى: وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا [مريم: 66 - 67] ، فذُكِّرَ الإنسانُ بما يعلَمُه مِن أنَّه خلَقَه ولم يَكُ شيئًا؛ ليَستَدِلَّ بذلك على قُدرتِه على مِثلِ ذلك، وعلى ما هو أهوَنُ منه [98] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (1/373). .
6- قال تعالى: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا، وإنَّما أمَرَهم زكريا عليه السلامُ بالتَّسبيحِ؛ لئلَّا يَحسَبوا أنَّه لمَّا لم يُكلِّمْهم قد نذَرَ صمْتًا، فيَقْتدوا به فيصْمُتوا، وكان الصَّمتُ من صُنوفِ العبادةِ في الأُممِ السَّالفةِ، فأومَأَ إليهم أنْ يشْرَعوا فيما اعتادوهُ من التَّسبيحِ، أو أراد أنْ يُسبِّحوا اللهَ تَسبيحَ شُكْرٍ على أنْ وهَبَ نَبِيَّهم ابنًا يرِثُ علْمَه [99] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/74-75). ، وذلك على أحدِ القولينِ في معنى التسبيحِ.
7- قولُه تعالى: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا دليلٌ على أنَّ مَن حَلَف ألَّا يُكَلِّمَ رَجُلًا، فكتَبَ إليه أو أشار: أنَّه لا يَحنَثُ؛ لأنَّ زكريَّا لم يخرِجْه مِن الآيةِ إفهامُ قومِه بما قام عندَهم مقامَ الكلامِ في الفهمِ، ولم يكُنْ كلامًا [100] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (2/227). ويُنظر أيضًا: ((المغني)) لابن قدامة (9/616). .
8- يُستحَبُّ الذِّكرُ بعدَ الصَّلاتَينِ اللَّتَينِ لا تطَوُّعَ بعدَهما، وهما: الفَجرُ والعَصرُ، فيُشرَعُ الذِّكرُ بعد صلاةِ الفَجرِ إلى أن تَطلُعَ الشَّمسُ، وبعد العَصرِ حتى تَغرُبَ الشَّمسُ، وهذان الوقتان -أعني وقتَ الفَجرِ ووقتَ العَصرِ- هما أفضَلُ أوقاتِ النَّهارِ للذِّكرِ؛ ولهذا أمرَ الله تعالى بذِكرِه فيهما في مواضِعَ مِن القرآنِ، كقَولِه تعالى: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا، وقَولِه: وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب: 42] ، وقَولِه: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الإنسان: 25] ، وقَولِه: وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ [آل عمران: 41] ، وقولِه: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ [الروم: 17] ، وقَولِه: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ [غافر: 55] ، وقَولِه: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ [الأعراف: 205] ، وقولِه: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا [طه: 130] ، وقَولِه: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [101] يُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/525). [ق: 39] .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا
- قولُه: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى مقولُ قولٍ محذوفٍ دَلَّ عليه السِّياقُ عقِبَ الدُّعاءِ إيجازًا، أي: قُلْنا: يا زكريَّا... إلخ [102] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/255)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/68). . ومعنى اسْمُهُ يَحْيَى: سَمِّه يحيى؛ فالكلامُ خبرٌ مُستعملٌ في الأمرِ [103] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/68). .
- وفي تَعيينِ اسْمِ يحيى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ تأكيدٌ للوعدِ، وتَشريفٌ له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وفي تَخصيصِه به عليه السَّلامُ حَسَبَما يُعرِبُ عنه قولُه تعالى: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا، أي: شريكًا له في الاسمِ، حيث لم يُسَمَّ أحدٌ قبْلَه بيحيى: مزيدُ تَشريفٍ وتَفخيمٍ له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ فإنَّ التَّسميةَ بالأسامي البديعةِ المُمتازةِ عن أسماءِ سائرِ النَّاسِ تَنويهٌ بالمُسمَّى لا مَحالةَ [104] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/255). .
2- قولُه تعالى: قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا استئنافٌ مَبنيٌّ على السُّؤالِ؛ كأنَّه قيلَ: فماذا قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حينئذٍ؟ فقيلَ: قَالَ رَبِّ ...؛ ناداهُ تعالى بالذَّاتِ مع وُصولِ خطابِه تعالى إليه بتَوسيطِ الملَكِ؛ للمُبالغةِ في التَّضرُّعِ والمُناجاةِ والجِدِّ في التَّبتُّلِ إليه تعالى، والاحترازِ عمَّا عسى يُوهِمُ خِطابُه للملَكِ مِن توهُّمِ أنَّ علْمَه تعالى بما يصدُرُ عنه مُتوقِّفٌ على توسُّطِه، كما أنَّ علْمَ البشرِ بما يصدُرُ عنه سُبحانه مُتوقِّفٌ على ذلك في عامَّةِ الأوقاتِ [105] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/256). .
- قولُه: قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ (أنَّى) استفهامٌ مُستعملٌ في التَّعجُّبِ، والتَّعجُّبُ مُكنًّى به عن الشُّكرِ، فهو اعترافٌ بأنَّها عطيَّةٌ عزيزةٌ غيرُ مألوفةٍ؛ لأنَّه لا يجوزُ أنْ يسأَلَ اللهَ أنْ يهَبَ له ولدًا، ثمَّ يتعجَّبَ من استجابةِ اللهِ له [106] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/70). . وقيل: قاله استعظامًا لقُدرةِ اللهِ تعالى، وتعجُّبًا منها، تعجُّبَ فرَحٍ وسُرورٍ، واعتدادًا بنِعمتِه تعالى عليه في ذلك بإظهارِ أنَّه من مَحْضِ لُطفِ الله -عَزَّ وعلا- وفضلِه، مع كونِه في نفْسِه من الأُمورِ المُستحيلةِ عادةً، لا استبعادًا له. وقيل: لم يقُلْه إنكارًا، إنَّما قاله ليُجابَ بما أُجيبَ به عن طلَبِه الولَدَ، وهو قولُه تعالى: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى؛ فيَزدادَ المُؤمِنون الموقِنون إيقانًا، ويرتدِعَ المُبطِلون. وقيل: كان ذلك منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ استفهامًا عن كيفيَّةِ حُدوثِه [107] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/6)، ((تفسير أبي السعود)) (5/256)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 350). .
- وفيه إيجازٌ؛ فظاهِرُ الكلامِ يُوهِمُ أنَّه استبعَدَ ما وعَدَه اللهُ عزَّ وجلَّ بوُقوعِه، ولا يجوزُ لأحدٍ -بَلْهَ النَّبيِّ- النُّطْقُ بما لا يَسوغُ أو بما في ظاهِرِه الإيهامُ، فجاء الكلامُ مُوجَزًا، وتَقديرُه: هل تُعادُ لنا قُوَّتُنا وشبابُنا فنُرزقَ بغُلامٍ؟ أو هل يكونُ الولَدُ لغيرِ الزَّوجةِ العاقرِ؟ إذنْ فالمُستبعَدُ هو مَجيءُ الولدِ منهما بحالِهما، ولكنَّ الجوابَ أزال الإشكالَ؛ إذ قيل له: سيكونُ لكما الولدُ وأنتما بحالِكما [108] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/73). .
- قولُ زكريَّا عليه السلامُ، فيما يحكيه اللهُ عنه: وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا فيه البَداءةُ هاهنا بذكْرِ حالِ امرأتِه على عكْسِ قولِه الذي حكاه الله عنه في سُورةِ (آلِ عمرانَ)؛ حيث قال: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ [آل عمران: 40] ؛ ولعلَّ ذلك لأنَّه قد ذُكِرَ حالُه في تَضاعيفِ دُعائِه في (آلِ عمرانَ)، وإنَّما المذكورُ هاهنا بُلوغُه أقصَى مراتبِ الكِبَرِ تتمَّةً لِما ذُكِرَ قبْلُ، وأمَّا هنالك فلم يَسبِقْ في الدُّعاءِ ذِكْرُ حالِه؛ فلذلك قدَّمَه على ذِكْرِ حالِ امرأتِه؛ لِما أنَّ المُسارعةَ إلى بَيانِ قُصورِ شأنِه أنسبُ [109] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/256). .
- قولُه: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا حالٌ من ضَميرِ المُتكلِّمِ مُؤكِّدةٌ للاستبعادِ إثرَ تأكيدٍ [110] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/256). .
3- قولُه تعالى: قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا استِئنافٌ مَبنيٌّ على سُؤالٍ نشَأَ ممَّا سلَفَ. وقولُه: قَالَ رَبُّكَ ... استِئنافٌ مُقرِّرٌ لمضمونِه، أي: قال عَزَّ وعلا: الأمْرُ كما وعدْتُ، وهو واقعٌ لا مَحالةَ، وتوسيطُ قَالَ بينَ الجُملتينِ مُشعِرٌ بمزيدِ الاعتناءِ بكلٍّ نهما. وقيل: (ذلك) إشارةٌ إلى ما قاله زكريَّا عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، أي: قال تعالى: الأمْرُ كما قلْتَ؛ تَصديقًا له فيما حَكاهُ من الحالةِ المُباينةِ للولادةِ في نفْسِه وفي امرأتِه، وقولُه تعالى: قَالَ رَبُّكَ ... استِئنافٌ مسوقٌ لإزالةِ استبعادِه بعدَ تقريرِه، أي: قال تعالى: وهو مع بُعْدِه في نفْسِه عليَّ هيِّنٌ. وقيل: (ذلك) في قولِه: كَذَلِكَ إشارةٌ إلى مُبْهَمٍ يُفسِّرُه قولُه تعالى: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ. ويجوزُ أنْ يكونَ المُشارُ إليه بقولِه: كَذَلِكَ هو القولَ المأخوذَ من قَالَ رَبُّكَ، أي: إنَّ قولَ ربِّكَ: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ بلَغَ غايةَ الوُضوحِ في بابِه، بحيثُ لا يَبينُ بأكثَرِ مما علِمْتَ؛ فيكونُ جاريًا على طريقةِ التَّشبيهِ، وعلى هذا الاحتمالِ فجُملةُ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ تعليلٌ لإبطالِ التَّعجُّبِ إبطالًا مُستفادًا من قولِه: كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ، ويكونُ الانتقالُ من الغَيبةِ في قولِه: قَالَ رَبُّكَ إلى التَّكلُّمِ في قولِه: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ الْتفاتًا، ومُقْتضى الظَّاهرِ: هو عليه هيِّنٌ [111] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/257)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/72). .
- وفُصِلَت جُملةُ: قَالَ كَذَلِكَ عن الَّتي قبْلَها، أي: لم تُعْطَفْ عليها؛ لأنَّها جرَتْ على طريقةِ المُحاورةِ، وهي جوابٌ عن تعجُّبِه. والمقصودُ منه إبطالُ التَّعجُّبِ الَّذي في قولِه: وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا [112] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/71). [مريم: 8] .
- وقولُه: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ استِئنافٌ بَيانيٌّ؛ جوابًا لسُؤالٍ ناشئٍ عن قولِه: كَذَلِكَ؛ لأنَّ تقريرَ منشأِ التَّعجُّبِ يُثيرُ ترقُّبَ السَّامعِ أنْ يعرِفَ ما يُبطِلُ ذلك التَّعجُّبَ المُقرَّرَ، وهي أيضًا جُملةٌ مُقرِّرةٌ للوَعدِ المذكورِ، دالَّةٌ على إنجازِه، داخلةٌ في حيِّزِ (قال) الأوَّلِ؛ كأنَّه قيل: قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: مثْلَ ذلك القولِ البديعِ قلْتُ -وذلك على أحدِ القولينِ في القائلِ-، أي: مثْلَ ذلك الوعدِ الخارقِ للعادةِ وعدْتُ: هو علَيَّ خاصَّةً هيِّنٌ، وإنْ كان في العادةِ مُستحيلًا. ثمَّ أُخرِجَ القولُ الثَّاني هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ مخرَجَ الالتفاتِ؛ جرْيًا على سَننِ الكبرياءِ لتَربيةِ المَهابةِ، وإدخالِ الرَّوعةِ. ثمَّ أسنَدَ -في قولِه: رَبُّكَ- إلى اسمِ الرَّبِّ المُضافِ إلى ضَميرِه عليه السَّلامُ؛ تَشريفًا له، وإشعارًا بعلَّةِ الحُكْمِ؛ فإنَّ تذكيرَ جَريانِ أحكامِ رُبوبيَّتِه تعالى عليه -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- مِن إيجادِه مِن العَدمِ، وتَصريفِه في أطوارِ الخَلْقِ من حالٍ إلى حالٍ، شيئًا فشيئًا، إلى أنْ يبلُغَ كمالَه اللَّائقَ به: ممَّا يَقلعُ أساسَ استبعادِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لحُصولِ الموعودِ، ويُورِثُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ الاطمئنانَ بإنجازِه لا مَحالةَ. ثمَّ الْتفَتَ في قولِه: عَلَيَّ من ضَميرِ الغائبِ العائدِ إلى الرَّبِّ إلى ياءِ العَظمةِ؛ إيذانًا بأنَّ مدارَ كونِه هيِّنًا عليه سُبحانه هو القُدرةُ الذَّاتيَّةُ لا رُبوبيَّتُه تعالى له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ خاصَّةً، وتَمهيدًا لِما يعقُبُه [113] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/256-257). .
- وجُملةُ: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا قيل: إنَّها جُملةٌ مُستأنَفةٌ مُقرِّرةٌ لِما قبْلَها، والمُرادُ به ابتداءُ خلْقِ البشرِ هو الواقعُ إثرَ العدَمِ المحضِ، لا ما كان بعدَ ذلك بطريقِ التَّوالُدِ المُعتادِ. وإنَّما لم يُنسَبْ ذلك إلى آدمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وهو المخلوقُ من العدَمِ حقيقةً، بأنْ يُقالَ: وقد خلقْتُ أباك أو آدمَ من قبْلُ ولم يَكُ شيئًا، مع كِفايتِه في إزالةِ الاستبعادِ بقياسِ حالِ ما بُشِّرَ به على حالِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: لتأكيدِ الاحتجاجِ به، وتَوضيحِ منهاجِ القياسِ؛ حيث نَبَّهَ على أنَّ كلَّ فردٍ من أفرادِ البشرِ له حظٌّ من إنشائِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من العدمِ. ولمَّا كان خلْقُ آدمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ على هذا النَّمطِ السَّاري إلى جميعِ أفرادِ ذُرِّيتِه، أبدعَ من أنْ يكونَ ذلك مقصورًا على نفْسِه، كما هو المفهومُ من نِسبةِ الخلْقِ المذكورِ إليه، وأدلَّ على عِظَمِ قُدرتِه تعالَى، وكمالِ علْمِه وحكمتِه، وكان عدَمُ زكريَّا حينئذٍ أظهَرَ عنده وأجْلى، وكان حالُه أولى بأنْ يكونَ مِعيارًا لحالِ ما بُشِّرَ به؛ نسَبَ الخلْقَ المذكورَ إليه، كما نسَبَ الخلْقَ والتَّصويرَ إلى المُخاطبينَ في قولِه تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ [الأعراف: 11] ؛ توفيةً لمقامِ الامتنانِ حَقَّه، فكأنَّه قيل: وقد خلقْتُك مِن قبْلُ في تضاعيفِ خلْقِ آدمَ ولم تكُنْ إذ ذاك شيئًا أصلًا، بلْ عدمًا بحتًا، ونفيًا صِرفًا [114] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/257). . وقيل: الجُملةُ في موضعِ الحالِ مِن ضَميرِ الغَيبةِ الَّذي في قولِه: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ، أي: إيجادُ الغُلامِ لكَ هيِّنٌ عليَّ في حالِ كوني قد خلقْتُك مِن قبْلِ هذا الغُلامِ ولم تكُنْ موجودًا، أي: في حالِ كونِه مُماثِلًا لخلْقي إيَّاكَ، فكما لا عجَبَ من خلْقِ الولدِ في الأحوالِ المألوفةِ، كذلك لا عجَبَ من خلْقِ الولدِ في الأحوالِ النَّادرةِ؛ إذ هما إيجادٌ بعدَ عدمٍ [115] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/72). .
4- قوله تعالى: قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا
- قولُه: قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً في هذا الاستعجالِ تَعريضٌ بطلَبِ المُبادرةِ به؛ ولذلك حُذِفَ مُتعلِّقُ آَيَةً [116] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/73). .
- قولُه: اجْعَلْ لِي آَيَةً اللَّامُ في مُتعلِّقةٌ بـ اجْعَلْ، وتقديمُها على المفعولِ به؛ للاعتناءِ بالمُقدَّمِ، والتَّشويقِ إلى المُؤخَّرِ. أو مُتعلِّقةٌ بمحذوفٍ وقَعَ حالًا من آَيَةً؛ إذ لو تأخَّرَ لكان صِفَةً لهَا. وقيل: اجْعَلْ بمعنى التَّصييرِ لمَفعولينِ؛ أوَّلُهما: آَيَةً، وثانيهما: الظَّرفُ لِي، وتقديمُه لأنَّه لا مُسوِّغَ لكونِ آَيَةً مُبتدأً عندَ انحلالِ الجُملةِ إلى مُبتدأٍ وخبرٍ سِوى تقديمِ الظَّرفِ؛ فلا يتغيَّرُ حالُهما بعدَ وُرودِ النَّاسخِ اجْعَلْ [117] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/258). .
- قولُه: ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ذكَرَ اللَّياليَ هنا، والأيَّامَ في (آلِ عمرانَ) في قولِه: قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا [آل عمران: 41] ؛ للدَّلالةِ على أنَّه استمَرَّ عليه المنعُ من كلامِ النَّاسِ والتَّجرُّدُ للذِّكرِ والشُّكرِ ثلاثةَ أيَّامٍ وليالِيهنَّ [118] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/7)، ((تفسير البيضاوي)) (4/6)، ((تفسير أبي حيان)) (7/244)، ((تفسير أبي السعود)) (5/258)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/73). .
- قولُه: ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا سَوِيًّا حالٌ من فاعلِ تُكَلِّمَ مُفيدٌ لكونِ انتفاءِ التَّكلُّمِ بطريقِ الاضطرارِ دونَ الاختيارِ، أي: تُمنَعَ الكلامَ، فلا تُطيقَ به حالَ كونِك سَوِيَّ الخلْقِ، سليمَ الجوارحِ، ما بك شائبةُ بَكَمٍ ولا خَرَسٍ، وعلى هذا فذِكْرُ الوصفِ لمُجرَّدِ تأكيدِ الطُّمأنينةِ، وإلَّا فإنَّ تأجيلَه بثلاثِ ليالٍ كافٍ في الاطمئنانِ على انتفاءِ العاهةِ [119] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/7)، ((تفسير أبي السعود)) (5/258)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/74). .
5- قوله تعالى: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا
- قولُه: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فيه تعديةُ لفظةِ فَخَرَجَ بـ عَلَى؛ لأنَّه ضمَّنَ (خرَجَ) معنى (طلَعَ) [120] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/74). .
- قولُه: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا خَصَّ التَّسبيحَ بالذِّكرِ؛ لأنَّ العادةَ جاريةٌ أنَّ كلَّ مَن رأى أمْرًا عجِبَ منه، أو رأى فيه بديعَ صَنعةٍ أو غريبَ حِكمةٍ يقولُ: سُبحانَ اللهِ! سُبحانَ الخالقِ! فلمَّا رأى حُصولَ الولدِ من شيخٍ وعاقرٍ عجِبَ من ذلك، فسبَّحَ، وأمَرَ بالتَّسبيحِ [121] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/245). .