موسوعة التفسير

سُورَةُ آل عِمْرانَ
الآيات: ( 38- 41)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ

غريبُ الكَلِماتِ:

حَصُورًا: أي: لا يَأتِي النساء؛ لعفَّتِه واجتهادِه في إزالةِ الشَّهوةِ، كأنَّه محصورٌ عنهنَّ، أي: محبوسٌ عنهنَّ، وأصلُ الحَصْر: الجَمْعُ والحبْسُ والمنعُ يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 185)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/72)، ((المفردات)) للراغب (ص: 239)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 122). .
عَاقِرٌ: عقيمٌ، وهي الَّتي لا تَلِد، وأصل العقر: الجرح يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 331)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/75، 91)، ((المفردات)) للراغب (ص: 577)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 122). .
رَمْزًا: وحيًا وإيماءً، أو إشارةً، أو تحريك الشَّفتينِ باللَّفظ من غيرِ إبانةٍ بصوتٍ، وقد يكونُ إشارةً بالعينِ والحاجبَينِ يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 105)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 235)، ((المفردات)) للراغب (ص: 366)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 122). .
بِالْعَشِيِّ: آخِر النَّهار، أو مِن زوالِ الشَّمسِ إلى الصَّباح، وقيل: إلى أنْ تَغيبَ الشَّمس يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/391)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/322)، ((المفردات)) للراغب (ص: 567). .
وَالْإِبْكَارِ: أوَّل النَّهار، أو مِن مَطلعِ الفجرِ إلى وقتِ الضُّحى يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/391)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/287)، ((المفردات)) للراغب (ص: 140). .

المَعنَى الإجماليُّ :

حينما رأى زكريَّا عليه السَّلام ما امتنَّ الله به على مريمَ من كرامات, طَمِع في فضْل الله, وتاقتْ نفسُه للولد, فدعا ربه قائلًا: ربِّ، أعطِني مِن عِندك، وهَبْ لي من فَضْلك، ذرِّيَّةً صالحةً طيِّبة؛ إنَّك سميعٌ لدُعائي, مجيبٌ له.
فاستجاب الله له دُعاءَه, فجاءتْه الملائكةُ تبشِّره بمولودٍ يُولد له اسمُه يَحيى, وله صفاتٌ عظيمةٌ, وخصالٌ جليلة؛ فهو مصدِّقٌ بعيسى عليه السَّلام, وسيِّدٌ على قومه، يسُودُهم بما أنعم الله به عليه من خِصالٍ حميدةٍ, وخُلقٍ فاضل, وعِلمٍ ودِين, وهو منقطعٌ للعبادة بكلِّيَّته، مبالغٌ في منْعِ نفْسِه عن التمتُّع بما أحلَّ الله، ممَّا تشتهيه النفوسُ عادةً، حتى الزَّواجِ بالنِّساء, ونبيٌّ من الصَّالحين.
وهنا يتعجَّب زكريَّا عليه السَّلام من قُدرةِ اللهِ الكاملة, فيتساءَلُ عن كيفيَّةِ حُصولِ هذا مع كِبَر سنِّه، وكون امرأتِه عاقرًا لا تلِدُ؟! فيأتيه الجوابُ: إنَّ الله يفعلُ ما يشاء.
ويَطلُب زكريَّا عليه السَّلام من الله آيةً وعلامةً دالَّةً على وجودِ هذا الولد، تحصُل له بها الطُّمأنينةُ, فيُخبره الله تبارَك وتعالَى أنَّ علامة ذلك انحباسُ لِسانِه عن كلام النَّاس، لا عن مَرضٍ ولا آفةٍ، ويتعامَلُ معهم عن طريقِ الإشارة والرَّمز, مدَّةَ ثلاثةِ أيَّام بلياليها, ويأمره أنْ يُكثِرَ من ذِكر ربِّه, وتعظيمِه وتنزيهِه في آخِرِ النَّهارِ وأوَّله.

تفسير الآيات:

هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا رأى زكريَّا عليه السَّلام ما منَّ الله سبحانه به على مريمَ، وما أكرمَها به من رِزقه الهَنِيء الَّذي أتاها بغيرِ سعيٍ منها ولا كسبٍ، طمعتْ نفسُه بالولدِ مع كونه شيخًا كبيرًا قد وهَن عَظمُه، واشتعلَ رأسه شيبًا، وكانتِ امرأتُه مع ذلك كبيرةً وعاقرًا ينظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/37)، ((تفسير السعدي)) (ص: 128). ؛ قال تعالى:
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ
أي: في ذلك المكانِ الَّذي وجَدَ فيه زكريَّا ذلك الرِّزقَ عند مريم، سأل ربَّه وناداه نداءً خفيًّا ينظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/37)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/360)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/238)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/232). .
قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً
أي: قال: يا ربِّ، أَعطِني من عندك ولدًا الذُّريَّة جمْع، وهي في هذا الموضِع للواحد؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ قال في موضع آخَر مخبرًا عن دعاء زكريَّا: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا *مريم: 5* ولم يقل: (أولياء)، فدلَّ على أنه سأل واحدًا، وإنما أنَّث طَيِّبَةً لتأنيث الذريَّة. ((تفسير ابن جرير)) (5/362، ويُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (1/427). صالحًا مبارَكًا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/363)، ((تفسير القرطبي)) (4/72)، ((تفسير ابن كثير)) (2/37). .
إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ
أي: ذو سَمعٍ لدعاءِ مَن دعاك، ومجيبٌ له ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/363)، ((تفسير القرطبي)) (4/72), ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/233). .
قال الله تعالى: ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [مريم: 2- 6] .
فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ
فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ
أي: فاستجاب اللهُ دُعاءَه، وأرسل إليه جماعةً من الملائكة واختار ذلك ابن جرير في ((تفسيره)) (5/365)، والقرطبي في ((تفسيره)) (4/74). وممَّن قال من السلف بهذا القول: قتادة، والربيع بن أنس، وعكرمة، ومجاهد. ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/365). ونَسَب ابنُ عطية إلى جمهور المفسرين القولَ بأنَّ المراد بالملائكة هاهنا: جبريلُ عليه السلام. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (1/428). وممَّن قال بهذا القول: مقاتل، والسُّدِّي. يُنظر: ((زاد المسير)) لابن الجوزي ( 1/278). وذهَب ابنُ عاشور وابنُ عثيمين إلى أنَّه يجوز أن يكون الذي ناداه جماعةٌ من الملائكة. ويجوز أن يكون الذي ناداه مَلَكًا واحدًا وهو جبريلُ عليه السلام. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (2/239)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/233). , تُبشِّره بذلك، فنادتْه حالَ قيامِه مُصلِّيًا في مكان عبادتِه ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/365، 366)، ((تفسير ابن عطية)) (1/427)، ((تفسير ابن كثير)) (2/37). قيل: إنَّ مُقتضى قوله تعالى: هُنَالِكَ، والتفريع عليه بقوله: فَنَادَتْهُ: إنَّ المحرابَ محرابُ مريم، فالله أعلم. يُنظر:((تفسير ابن عاشور)) (3/239). .
أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى
أي: إنَّ الله يبشِّرُك يا زكريَّا بمولودٍ مِن صُلبك اسمُه يحيى ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/368)، ((تفسير ابن كثير)) (2/37)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/239). .
مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ
 أي: مُصدِّقًا بعيسى عليه السَّلام ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/370)، ((تفسير ابن كثير)) (2/37)، ((تفسير السعدي)) (ص: 130)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/234). وهذا القول هو قولُ أكثر المفسِّرين، يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (4/76)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/383). وممَّن قال بهذا القول من السَّلف: ابن عبَّاس, ومجاهد، وعكرمة والحسن وقتادة والسُّدِّي والرَّقَاشي، وجابر بن زيد، والربيع بن أنس، والضحَّاك. ((تفسير ابن جرير)) (5/370)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (2/642). قال ابن أبي حاتم: (عن ابن عبَّاس يعني في قوله: مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ، قال: عيسى بن مريم صلَّى الله عليه وسلَّمَ كلمةٌ من الله، يعني تكوَّن بكلمةٍ من الله)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (2/642). .
كما قال تعالى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ... [النساء: 171] ، وقال: إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ [آل عمران: 45] قيل لعيسى عليه السلام: (كلمة); لأنَّ الله أَوْجَده بكلمةٍ هي قوله (كن) فكان. يُنظر:((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/433)، ((تفسير القرطبي)) (4/75)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/383)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/234). .
وَسَيِّدًا
أي: يسُودُ قومَه، ويَفُوقهم بخِصالِه الجَميلةِ، وعِلمه ودِينه يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 130)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/240)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/235). .
وَحَصُورًا
أي: ممتنِعًا من قُربِ النِّساء قال ابنُ عطية: (أجمَع مَن يُعتدُّ بقوله من المفسِّرين على أنَّ هذه الصفة ليحيى عليه السلام إنَّما هي الامتناع من وطْء النساء، إلَّا ما حكَى مكي من قول من قال: إنَّه الحصور عن الذنوب، أي: لا يأتيها)، ((تفسير ابن عطية)) (1/430). ، وعن كلِّ ما تَشتهيه النفوسُ عادةً ممَّا أحلَّ الله؛ لانقطاعِه لعبادةِ الله ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/376)، ((تفسير القرطبي)) (4/78)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/384). أمَّا قول مَن قال: إنَّ الحصور فعول بمعنى مفعول، وأنَّه محصور عن النساء; لأنَّه عِنين لا يقدر على إتيانهن، فليس بصحيح; لأنَّ العُنَّة عيب ونقص في الرجال، وليست مِن فِعله حتى يُثنَى عليه بها؛ ولأنَّ (فعولًا) في اللغة من صِيغ الفاعلين. ويُنظر: ((تفسير القرطبي))، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/384). .
وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ
أي: نبيًّا كائنًا من جملة الصَّالحين، وهذه بِشارةٌ ثانيةٌ بنبوَّةِ يحيى عليه السَّلام، وهي أعْلى مِن البِشارةِ الأُولى بولادتِه ينظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/39)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/236). .
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لمَّا سمِع زكريَّا عليه السَّلام البِشارةَ بوجود الولد، أخَذ يتعجَّبُ من كمال قدرةِ الله ينظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/214)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/282). .
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ
 أي: قال زكريَّا: يا ربِّ، كيف يكون لي غلامٌ؟ يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (1/431)، ((تفسير القرطبي)) (4/79)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/242)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/244). .
وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ
 أي: وقد كبِرْتُ وبلغتُ سنًّا مَن بلغها لم يولد له ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/381). .
وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ
أي: وامرأتي لا تلِدُ ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/381)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/434)، ((تفسير ابن عطية)) (1/431)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/245). وفي معنى هذا الاستفهامِ وجهان: أحدهما أنَّه سأل: هل يكون له الولدُ وهو وامرأتُه على حاليهما، أو يُردَّانِ إلى حال مَن يلد؟ الثاني سأل: هل يُرزق الولد من امرأته العاقِر، أو من غيرها؟. ((تفسير القرطبي)) (4/79). وقال السعديُّ في تفسيرِ قوله تعالى: قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ: (فهذانِ مانعان، فمن أيِّ طريق- يا رب- يحصل لي ذلك، مع ما ينافي ذلك؟!) ((تفسير السعدي)) (ص: 966). وقال أيضًا في تفسير سورة مريم: (فحينئذٍ لَمَّا جاءتْه البشارةُ بهذا المولود الذي طلبه استغرب وتعجَّب، وقال: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ والحالُ أنَّ المانعَ من وجودِ الولد، موجودٌ بي وبزوجتي؟ وكأنَّه وقتَ دُعائِه لم يستحضر هذا المانع لقوَّة الواردِ في قلبِه، وشِدَّة الحرصِ العظيمِ على الولد، وفي هذه الحالِ- حين قُبِلَتْ دعوتُه- تعجَّب من ذلك) ((تفسير السعدي)) (ص: 490). .
قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ
 أي: مِثْلَ ذلك الفعلِ، وهو إيجادُ الولدِ مِن الشَّيخ الكبير والمرأة العاقر يفعل اللَّه ما يشاء مِن الأفعال العجيبة ينظر: ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/434)، ((تفسير الشوكان)) (1/388)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/242)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/245). .
قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ
قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً
أي: قال زكريَّا: يا ربِّ، اجعَلْ لي علامة تدلُّ على وجود الولَد منِّي ينظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/39)، ((تفسير السعدي)) (ص: 130)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/246). .
قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا
 أي: قال: العلامةُ الَّتي تدلُّك، أنَّك ينحبِسُ لسانُك، فلا تستطيع النُّطقَ أو مخاطَبةَ النَّاس إلَّا إشارة وممَّن قال بهذا القول من السَّلف: ابن عبَّاس, وابن إسحاق, ابن زيد, وعبد الله بن كثير, وسعيد بن جُبَير, وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن، والضحَّاك، ومحمد بن كعب، وقتادة، والسُّدِّي، والربيع بن أنس، وزيد بن أسلم نحو ذلك. ((تفسير ابن جرير)) (5/389), و((تفسير ابن أبي حاتم)) (2/646). ، مدَّةَ ثلاثة أيَّامٍ بلياليها، مع كونك سويًّا صحيحًا ينظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/39)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/435)، ((تفسير السعدي)) (ص: 130)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/247). .
وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا
أي: وأكثِرْ من ذِكر ربِّك؛ فإنك لا تُمنَعُ ذِكرَه ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/390)، ((تفسير ابن عطية)) (1/432)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/248). .
وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ
أي: وعظِّم ربَّك بعبادته، منزِّهًا له عمَّا لا يليق به آخرَ النَّهار وأوَّله ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/391)، ((تفسير القرطبي)) (4/82)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/249). .

الفوائد التربوية :

1- يُؤخذ من قوله: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ أنَّ الخَلْقَ كلَّهم- بما في ذلك الأنبياء- مفتقِرون إلى الله، لا يَستغنُون عن دُعائِه يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/236). .
2- على الإنسانِ ألَّا يسألَ مُطلَقَ الذُّرِّيَّة؛ لأنَّ الذُّرِّيَّة قد يكون منها نكدٌ وفتنة، بل عليه أنْ يسألَ اللهَ الذُّرِّيَّة الطَّيِّبة؛ وذلك يُؤخَذ من قوله: هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/238). .
3- يُستفادُ من قوله تعالى: هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً أنَّه يَنبغي للإنسان أنْ يفعلَ مِن الأسبابِ ما يجعل ذُرِّيَّته طيِّبةً، ومن ذلك الدُّعاء يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/238). .
4- يَنبغي للإنسان إذا انقطَعَ عن النَّاس أنْ يَشغَلَ وقتَه بذِكر الله عزَّ وجلَّ؛ كما في قوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/253). .

الفَوائدُ العِلميَّةُ واللَّطائِف:

1- في قوله تعالى: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ إثباتٌ للقياس؛ لأنَّه لَمَّا رأى أنَّ الله يَرزُقَ هذه المرأةَ بدون سببٍ معلوم، علِم أنَّ الَّذي يسُوقُ لها الرِّزق- وهي امرأةٌ منقطعةٌ عن التَّكسُّب في محرابها- قادرٌ أنْ يرزُقَه يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/236). .
2- في قوله: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ... بيان أنَّ الحكمةَ ضالَّةُ المؤمن، وأهل النُّفوس الزَّكيَّة يَعتبرون بما يرَوْن ويسمَعون يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/237). .
3- في قوله مِنْ لَدُنْكَ: أُضيفتِ العِنديَّة إلى الله عزَّ وجلَّ؛ قيل: ليكون أبلغَ وأعظمَ؛ لأنَّ هديَّةَ الكريم أكرمُ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/232). .
4- التَّوسُّل إلى الله تعالى بأسمائِه المناسِبةِ للحاجةِ؛ وذلك مِن قوله تعالى: إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/237). .
5- يُؤخذُ من قوله: فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ جوازُ تكليمِ المصلِّي, إلَّا أنَّ المكلَّمَ في صَلاتِه لا يُخاطِب الآخَرَ، وإنَّما يُجيبه إشارةً يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/232). .
6- مشروعيَّةُ تبشيرِ الإنسان بما يسُرُّه؛ وذلك مأخوذٌ من قوله: أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/232). .
7- قوله: وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ عاقرٌ: خبَر لامرأتي، وإنَّما جاء بصِيغة المذكَّر، وحقُّه التأنيثُ؛ لأنَّ (عاقر) مشتقٌّ من العقر، وهو مَن لا يُولَد له؛ رجلًا كان أو امرأةً. وقيل: جاء ذلك على النَّسَب، أي: وامرأتي ذات عَقرٍ، وهي بمعنى مفعول، أي: معقورة؛ ولذلك لم تلحقْ تاء التأنيث يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/147)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/247)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (3/151). .
8- بيانُ أنَّ الممكِناتِ داخلةٌ تحت قدرةِ الله تعالى، وإن عزَّ وقوعُها في العادة يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/231, 232). .
10- لا حرَجَ أنْ يطلُبَ الإنسانُ ما تطمئنُّ به نفْسُه؛ فزكريَّا عليه الصلاة والسَّلام لم يَشُكَّ في خبَرِ الله، لكن أراد أنْ يَتقدَّم إليه الفرحُ والاستبشار بقوَّة البراهين، وكلَّما ازدادتُ البراهين ازدادت قوَّة اليقين يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/241). كما في قوله: رَبِّ اجْعَلَ لِي آيَةً.
11- يجبُ على الإنسانِ أنْ يبحثَ عمَّا يَزيدُ به الإيمان؛ لأنَّه مطلوبٌ منه أنْ يقوِّيَ إيمانه بكلِّ وسيلة, وذلك من قوله: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/243). .
12- جوازُ وصفِ الإنسانِ بما يكرهُ إذا كان المرادُ مجرَّدَ البيان لا القدحِ والعيبِ، كما في قوله: وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/241). .
13- في قوله أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا، بيانُ أنَّ الله كما يمنعُ نفوذَ الأسباب مع وجودِها، فإنَّه يُوجِدها بدون أسبابها؛ ليدلَّ ذلك أنَّ الأسبابَ كلَّها مندرجةٌ في قضائِه وقدَره يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 130). .
13- في قوله: إِلَّا رَمْزًا دليلٌ على أنَّ الإشارةَ تقومُ مقامَ العبارة يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/243). .
14- قوله تعالى: وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ الآية فيها دليلٌ على جوازِ إطلاق السَّيِّدِ على مَن ساد من النَّاس، وقد جاء في الصَّحيحينِ وغيرهما من حديثِ أبي بكرةَ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال في الحسَنِ بن علي رضِي اللهُ عنهما: ((إنَّ ابْنِي هذا سيِّدٌ )) رواه البخاري (2603). ؛ الحديث يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (3/65), ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/373). .

بلاغة الآيات :

1- قوله تعالى: دَعَا رَبَّهُ، وقَالَ رَبِّ: فيه تكرارُ لاسمِ الربِّ الجليل   يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/142). ، وهو مِن الإظهارِ في موضِع الإضمارِ، وفائدتُه: بيانُ شدَّة تعلُّقه بالله تعالى، ولمناسبةِ ما في الربوبيَّةِ من معاني الإحسانِ لمِثل حالتِه.
2- قوله عزَّ وجلَّ: فَنَادَتْهُ المَلَائِكَةُ: عبَّر بالفاء التي للتعقيب في فَنَادَتْهُ؛ للدلالةِ على السُّرعة في استجابة دَعوتِه   يُنظر: ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (3/151)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/238). .
- وعبَّر بالجمع المَلَائِكَةُ، وإنْ كان المنادِي له واحدًا (جبريل)؛ تعظيمًا له، ولأنَّه عظيمٌ في الملائكة، فأسند النِّداء إلى الكلِّ مع كونِه صادرًا عنه خاصَّةً، وهو من بلاغةِ التعبير، وهذا على القولِ بأنَّ المرادَ بالملائكةِ جبريل   يُنظر: ((تفسير الرازي)) (7/210)، ((تفسير أبي السعود)) (2/31). ؛ فيكون مِن قَبيلِ العامِّ المرادِ به الخُصوص.
3- قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ: في تَكرار اسمِ الله تعالى   يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/142). ، وإظهاره في موضِع الإضمارِ؛ لتربيةِ المهابة.
- وتقييدُ الفِعل يُبَشِّرُكِ بالجارِّ والمجرور (مِنَ اللهِ)؛ للدَّلالة على خُصوصيَّة هذه البُشرى، وأنَّها لا تكونُ إلَّا بقُدرةِ الواحد الأحد يُنظر: ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 438). .
4- قوله عزَّ وجلَّ: قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ...: فيه إطنابٌ، وإعادةٌ للكلام؛ وذلك أنَّه ربَّما أعاد السؤالَ ليُعيد ذلك الجواب، فحينئذٍ يلتذُّ بسَماعِ تلك الإجابة مرةً أخرى   يُنظر: ((تفسير الرازي)) (7/214). .
- قوله تعالى: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ: استفهامٌ غرضُه الاستبعادُ من حيثُ العادة، أو الاستعظامُ، أو التعجُّبُ قُصِد منه تعرُّفُ إمكان الولد؛ لأنَّه لَمَّا سأل الولدَ فقد تهيَّأ لحصول ذلك، أو يكون استفهامًا حقيقيًّا عن كيفية حُدوثِه   يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/15)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/241). .
- في قوله تعالى: وَقَدْ بَلَغَنِيَ الكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ: عبَّر بهذا التعبير بَلَغَنِيَ الكِبَرُ، ولم يقل: (قدْ كبِرت)؛ لإظهارِ تمكُّن الكِبرِ منه كأنَّه يَتطلَّبه، حتى بلغه   يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/242). .
- وقوله سبحانه: وَامْرَأتِي عَاقِرٌ: فيه تأكيدٌ لحالِ الاستبعاد، حيثُ ذكَر زكريَّا عليه السَّلام كِبَرَ نفْسِه مع كونِ زوجتِه عاقرًا   يُنظر: ((تفسير الرازي)) (7/214). .
- وقدَّم زكريَّا عليه السَّلام في هذه السُّورةِ حالَ نفْسِه، وأخَّر حالَ امرأتِه، وفي سورة مريمَ عكَس فقال: وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا [مريم: 8] ، فقدَّم هنا ذِكر الكِبَر على ذِكرِ المرأة، وعكَس في "مريم"؛ لأن الذَّكَر مقدَّمٌ على الأُنثى، فقدَّم كِبَره هنا، ومناسبة ذلك: أنَّ صدْر الآيات في مريم مطابقٌ لهذا التركيب؛ لأنَّه قدَّم وهَنَ عظْمه، واشتعالَ شَيْبه، وخِيفةَ مواليه مِن ورائهِ، وقال: وَكانَتِ امْرَأتِي عَاقِرًا، فلمَّا أعاد ذِكرَهما في استفهامٍ آخَر ذكَر الكِبَر؛ ليوافقَ عتيًّا رُؤوسَ الآي، وهو بابٌ مقصودٌ في الفصاحةِ يترجَّح إذا لم يُخِلَّ بالمعنى، والعطفُ هنا بالواو، فليسَ التقديمُ والتأخيرُ مُشعِرًا بتقدُّم زمانٍ، وإنَّما هذا من بابِ تقديمِ المناسِب في فَصاحة الكلام، فاستدعتْ مقاطعُ آياتِ سورة مريم وفواصلُها- ... زَكَرِيَّا خَفِيًّا حَيًّا نَبِيًّا- ما يَجري على حُكمها ويُناسبها؛ فاقتضتْ مناسبةُ آي هذه السورة وُرودَ قِصَّة زكريَّا عليه السَّلام على ما تقدَّم يُنظر: ((البُرهان في توجيه متشابه القرآن)) للكرماني (ص: 89)، ((ملاك التأويل)) لأبي جعفر الغرناطي (1/82)، ((تفسير أبي حيان)) (3/136- 137)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (3/159)، ((فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن)) لزكريا الأنصاري (1/85). .
5- في قوله تعالى: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ: عبَّر عن المولودِ والطِّفل بالغلام- والغلامُ هو الشابُّ الفتيُّ السِّنِّ من الناس، وهو الذي طرَّ شاربُه-؛ على سبيلِ التفاؤل بما يؤولُ إليه يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/108)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (3/160)، ويُطلق (الغلام) أيضًا على الكهْل باعتبار ما كان عليه. .
6- قوله عزَّ وجلَّ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا: أي: في أيَّام الحُبسة، وهو مؤكِّدٌ لِمَا قبله، مُبيِّن للغرضِ منه، وتقييدُ الأمرِ بالكثرةِ يدلُّ على أنَّه لا يُفيد التَّكْرار يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/16). .