موسوعة التفسير

سورةُ الكَهفِ
الآيتان (45-46)

ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ

غريب الكلمات:

هَشِيمًا: أي: يابِسًا مُتفَتِّتًا، وأصلُ (هشم): يدُلُّ على كسرِ الشَّيءِ .
تَذْرُوهُ: أي: تَنسِفُه وتُفَرِّقُه، وأصلُ (ذرو): يدلُّ على الشَّيءِ يتساقَطُ مُتفَرِّقًا .

المعنى الإجمالي:

يأمرُ الله تعالى نبيَّه أن يضربَ مثلًا عامًّا للدنيا في سرعةِ زوالِها وانقضائِها، فيقولُ: واضرِبْ -يا مُحمَّدُ- مثلًا للدُّنيا التي اغترُّوا بها، في بهجَتِها وسُرعةِ زَوالِها؛ فهي كَماءٍ أنزله اللهُ مِن السَّماءِ على الأرضِ، فكثُرَ بسببِ هذا المطرِ نباتُ الأرضِ والتفَّ واجتمَعَ بعضُه ببَعضٍ، فصار هذا النَّباتُ -بعد أن كان نَضِرًا مُبهِجًا- يابِسًا متكَسِّرًا تُفَرِّقُه الرِّياحُ، وكان اللهُ على كُلِّ شَيءٍ قديرًا. 
ثم يبينُ الله تعالى أنَّ الأموالَ والأبناءَ في حقيقتِهما مجردُ زينةٍ، وأن الذي ينفعُ العبدَ في الآخرةِ هو العملُ الصالحُ، فيقول: الأموالُ والأولادُ زينةُ هذه الحياةِ الدُّنيا، والأعمالُ الصَّالحةُ الباقيةُ لصاحبِها في الآخرة أفضَلُ أجرًا، وهي خيرُ ما يؤمِّلُه الإنسانُ عندَ الله من زينةِ الحياةِ الدُّنيا الفانيةِ.

تفسير الآيتين:

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بَيَّنَ اللهُ تعالى في المَثَلِ السَّابِقِ حالَ الكافِرِ والمؤمِنِ، وما آل إليه ما افتخَرَ به الكافِرُ مِن الهلاكِ؛ بَيَّنَ في هذا المَثَلِ حالَ الحياةِ الدُّنيا واضمِحلالَها، ومصيرَ ما فيها من النَّعيمِ والترَفُّه إلى الهلاكِ ، فبعدَ أن ضرَب المثلَ لدُنيا هؤلاء الكافرينَ التي أبطَرتْهم، وكانت سببَ شقائِهم- ضرَب مثلًا لدارِ الدُّنيا عامةً .
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ.
أي: واذكُرْ -يا مُحمَّدُ- لهم ما يُشبِهُ الحياةَ الدُّنيا في زَهرتِها وسُرعةِ تقَلُّبِها، وزوالِها وانقِضائِها؛ لِيَعرِفوا حقيقتَها، فصِفتُها كمَطَرٍ أنزَلْناه من السَّماءِ على الأرضِ .
فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ.
أي: فشبَّ نباتُ الأرضِ، وحَسُنَ استِواؤُه ، وكثُرَ والتفَّ، واجتمَعَ بعضُه ببَعضٍ ؛ بسبَبِ المطر .
فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ.
أي: فأصبح النَّباتُ -بعد أن كان مُتَنوِّعًا نَضِرًا مُبهِجًا- يابسًا متفَتِّتًا، تحمِلُه الرِّياحُ وتُفَرِّقُه .
كما قال تعالى: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [يونس: 24] .
وقال سُبحانَه: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد: 20] .
وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا.
أي: وكان اللهُ على فِعلِ كُلِّ شَيءٍ؛ من الإنشاءِ والإفناءِ، والإعادةِ وغير ذلك، قويًّا قادِرًا، لا يُعجِزُه شَيءٌ .
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا حَقَّر تعالَى حالَ الدُّنيا بما ضَرَبه مِن ذلك المَثَلِ؛ ذَكَر أنَّ المال والبنينَ زينةُ هذه الحياةِ الدُّنيا المحقَّرَةِ، وأنَّ مصيرَ ذلك إنَّما هو إلى النَّفادِ، فينبَغي أنْ لا يُكْتَرَثَ به .
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
أي: الأموالُ والأبناءُ يتجَمَّلُ بهما النَّاسُ في حياتِهم الدُّنيا ويتزيَّنونَ، وليسا مما ينفعُ في الآخرةِ؛ فهما مما يفنَى عن قريبٍ .
كما قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران: 14، 15].
وقال سُبحانَه: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 88، 89].
وقال عزَّ وجلَّ: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سبأ: 37].
وقال جلَّ جلالُه: لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الممتحنة: 3] .
وقال تبارك وتعالى: وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى [الليل: 11] .
وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا.
أي: وأعمالُ الخيرِ الصَّالحةُ التي تبقَى لصاحِبِها في الآخرةِ الباقيةِ، ويبقَى نَفعُها وثوابُها؛ أفضَلُ جزاءً عندَ رَبِّكَ -يا مُحمَّدُ- من زينةِ الحياةِ الدُّنيا الفانيةِ، وهي أفضَلُ ما يُؤَمِّلُه الإنسانُ، ويرجو نَفعَه وعواقِبَه الحميدةَ .
كما قال تعالى: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا [مريم: 76] .
وقال سُبحانَه: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97] .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((سُبحانَ اللهِ، والحَمدُ لله، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، والله أكبَرُ؛ مِن الباقياتِ الصَّالِحاتِ )) .

الفوائد التربوية:

1- قال الله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا فأحوالُ الدُّنيا تظهَرُ أوَّلًا في غايةِ الحُسنِ والنَّضارة، ثم تتزايدُ قليلًا قليلًا، ثم تأخُذُ في الانحطاطِ إلى أن تنتهيَ إلى الهلاكِ والفَناءِ، ومِثلُ هذا الشيءِ ليس للعاقِلِ أن يبتهِجَ به ؛ فالدُّنيا سريعةُ الزوالِ، وشيكةُ الارتحالِ، مع كثرةِ الأنكادِ، ودوامِ الأكدارِ، مِن الكَدِّ والتَّعَب، والخَوفِ والنَّصَب، فهي جديرةٌ لذلك بالزُّهدِ فيها، والرغبةِ عنها، وألَّا يفتَخِرَ بها عاقِلٌ فَضلًا عن أن يكاثِرَ بها غيرَه .
2- قال الله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا أخبر تعالى أنَّ المالَ والبنينَ زينةُ الحياةِ الدُّنيا، أي: ليس وراءَ ذلك شيءٌ، وأنَّ الذي يبقى للإنسانِ وينفَعُه ويَسُرُّه: الباقياتُ الصَّالحاتُ، وهذا يشمَلُ جميعَ الطَّاعاتِ الواجبةِ والمستحبَّةِ مِن حقوقِ الله، وحقوقِ عبادِه؛ فهذه خيرٌ عند الله ثوابًا وخيرٌ أملًا؛ فثوابُها يبقَى ويتضاعَفُ على الآباد، ويُؤمَّلُ أجرُها وبِرُّها ونَفعُها عند الحاجةِ، فهذه التي ينبغي أن يتنافَسَ فيها المتنافِسونَ، ويستبِقَ إليها العامِلون، ويجِدَّ في تحصيلِها المجتَهِدون، وتأمَّلْ كيف لَمَّا ضرب اللهُ مَثَلَ الدُّنيا وحالَها واضمحلالَها، ذكر أنَّ الذي فيها نوعان: نوعٌ مِن زينتها يُتمَتَّعُ به قليلًا ثم يزولُ بلا فائدةٍ تعود لصاحِبِه، بل ربَّما لَحِقتْه مَضرَّتُه وهو المالُ والبنونَ؛ ونوعٌ يبقَى وينفَعُ صاحِبَه على الدَّوامِ، وهي الباقياتُ الصَّالحاتُ .
3- قال الله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا المرادُ مِن الآيةِ الكريمةِ تنبيهُ النَّاسِ للعمَلِ الصَّالحِ؛ لئلَّا يشتَغِلوا بزينةِ الحياةِ الدُّنيا مِن المالِ والبنينَ عَمَّا ينفَعُهم في الآخرةِ عندَ الله من الأعمالِ الباقياتِ الصَّالحاتِ، وهذا المعنى الذي أشار له هنا جاء مُبيَّنًا في آياتٍ أُخَرَ، كقوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران: 14، 15]، وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون: 9]، وقوله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التغابن: 15] ، وقوله: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سبأ: 37] ، وقوله: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 88، 89]، إلى غيرِ ذلك من الآياتِ الدالَّةِ على أنَّ الإنسانَ لا ينبغي له الاشتِغالُ بزينةِ الحياةِ الدُّنيا عمَّا ينفَعُه في آخِرتِه .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا كان أعظمَ حائلٍ بينَ المشركينَ وبينَ النظَرِ في أدلَّةِ الإسلام انهماكُهم في الإقبالِ على الحياةِ الزائلةِ ونعيمِها، والغُرور الذي غَرَّ طُغاةَ أهلِ الشِّركِ، وصرَفَهم عن إعمالِ عُقولِهم في فَهمِ أدلَّة التوحيدِ والبعثِ، كما قال تعالى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [المزمل: 11] ، وقال: أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الْقَلَم: 14- 15]، وكانوا يحسَبونَ هذا العالَمَ غيرَ آيلٍ إلى الفَناءِ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: 24] ، وما كان أحدُ الرجُلينِ اللذينِ تقدَّمت قصَّتُهما إلَّا واحدًا مِن المشركينَ؛ إذ قال: وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً [الْكَهْف: 36]، فأمر اللهُ رسولَه بأن يضرِبَ لهم مثَلَ الحياةِ الدنيا التي غرَّتْهم بهجتُها .
2- قال الله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا إنَّما شَبَّه تعالى الدُّنيا بالماءِ؛ لأنَّ الماءَ لا يستَقِرُّ في موضعٍ، كذلك الدُّنيا: لا تبقَى على واحدٍ، ولأنَّ الماءَ لا يستقيمُ على حالةٍ واحدةٍ، كذلك الدُّنيا، ولأنَّ الماءَ لا يبقَى، ويذهَبُ، كذلك الدُّنيا تفنَى، ولأنَّ الماءَ لا يَقدِرُ أحَدٌ أن يَدخُلَه ولا يبتَلَّ، كذلك الدنيا: لا يسلَمُ أحَدٌ دخلَها مِن فِتنَتِها وآفَتِها، ولأنَّ الماءَ إذا كان بقَدَرٍ كان نافِعًا مُنبِتًا، وإذا جاوز المقدارَ كان ضارًّا مُهلِكًا، وكذلك الدُّنيا: الكَفافُ منها ينفَعُ، وفُضولُها يضُرُّ .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا
شُبِّهَت حالةُ الدُّنيا في نُضرتِها وبَهجتِها وما يَتعقَّبُها من الهلاكِ والفناءِ وحالُ هذا العالَمِ بما فيه، بحالةِ الرَّوضةِ تَبْقَى زمانًا بَهِجةً خضِرةً، ثمَّ يصيرُ نبْتُها بعدَ حينٍ إلى اضمحلالٍ، ويَهيجُ فتُطيِّرُه الرِّياحُ كأنْ لم يَكُن. ووجْهُ الشَّبهِ: المصيرُ من حالٍ حسَنٍ إلى حالٍ سَيِّئٍ، وهذا تَشبيهُ معقولٍ بمحسوسٍ؛ لأنَّ الحالةَ المُشبَّهةَ معقولةٌ؛ إذ لم يَرَ النَّاسُ بوادرَ تقلُّصِ بهَجةِ الحياةِ. وأيضًا شُبِّهَت هيئةُ إقبالِ نَعيمِ الدُّنيا في الحياةِ مع الشَّبابِ والجِدَةِ، وزُخرفِ العيشِ لأهْلِه، ثمَّ تَقلُّصِ ذلك وزوالِ نفْعِه، ثمَّ انقراضِه أشتاتًا: بهيئةِ إقبالِ الغيثِ مُنبتِ الزَّرعِ، ونشأْتِه عنه ونَضارتِه ووفْرَتِه، ثمَّ أخْذِه في الانتقاصِ وانعدامِ التَّمتُّعِ به، ثمَّ تَطايُرِه أشتاتًا في الهواءِ؛ تَشبيهًا لمُركَّبٍ محسوسٍ بمُركَّبٍ مَحسوسٍ . قيل: وهو تَشبيهٌ تَمثيليٌّ مقلوبٌ ؛ أمَّا التَّشبيهُ التَّمثيليُّ فهو تَشبيهُ الحياةِ الدُّنيا وما فيها من زخارفَ تُعجِبُ المُتلهِّيَ برُؤيتِها والمُستمتِعَ بزينتِها، حتَّى إذا أفاق من عَمايتِه وجَدَ أنَّ ما كان يتلَّهى ويستمتِعُ به باطلٌ لا حقيقةٌ، شبَّهَ ذلك بالنَّباتِ الَّذي اختلَطَ به الماءُ الهاطِلُ من السَّماءَ فربَا والْتفَّ، وزهَا ورَفَّ، وأنبَتَ من كلِّ زوجٍ بَهيجٍ، ولم تكَدِ العينُ تَستمتِعُ به، والنَّفسُ تنشرِحُ بمَنظرِه، حتَّى يبِسَ وتصوَّحَ، ثمَّ جَفَّ وذبَلَ، ثمَّ أصبَحَ هشيمًا تَذروهُ الرِّياحُ، فكأنَّه ما كان. وأمَّا التَّشبيهُ المقلوبُ فقد كان من حَقِّ الكلامِ أنْ يقولَ: فاختَلطَ بنَباتِ الأرضِ -على أحدِ القولين في التفسيرِ-، ووجْهُه: أنَّه لمَّا كان كلٌّ من المُختلطينِ موصوفًا بصِفَةِ صاحبِه عُكِسَ؛ للمُبالَغةِ في كثرتِه .
     - قوله: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وصْفُها بـ (الدُّنيا) بمعنى القريبةِ، أي: الحاضرةِ غيرِ المُنتظَرةِ، كنَّى عن الحُضورِ بالقُربِ، والوصْفُ للاحترازِ عن الحياةِ الآخرةِ، وهي الحياةُ بعدَ الموتِ .
     - قولُه: كَمَاءٍ استئنافٌ لبَيانِ المثَلِ، أي: هي كماءٍ .
     - قولُه: فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ الباءُ في قولِه: (به) قيل إنَّها: باءُ السَّببيَّةِ، أي: فالْتفَّ بسَببِه، وتَكاثَف حتى خالَطَ بعضُه بعضًا من كثْرَتِه. وقيل: نَجَع في النباتِ الماءُ فاختَلَط به حتَّى روَى وبَرَق وتَلألأَ، وكان حقُّ اللَّفظِ على هذا التفسيرِ: فاختلط بنباتِ الأرضِ. وإيثارُ ما عليه النَّظمُ الكريمُ عليه؛ للمُبالَغةِ بالكثرةِ؛ فإنَّ كُلَّ مُختلطينِ موصوفٌ كلُّ واحدٍ منهما بصِفةِ صاحبِه .
     - وجُملةُ: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا جُملةٌ مُعترِضةٌ في آخرِ الكلامِ. موقِعُها: التَّذكيرُ بقُدرةِ اللهِ تعالى على خلْقِ الأشياءِ وأضدادِها، وجعْلُ أوائلِها مُفضيةً إلى أواخرِها، وتَرتيبُه أسبابَ الفَناءِ على أسبابِ البقاءِ، وذلك اقتدارٌ عجيبٌ. وقد أُفيدَ ذلك على أكمَلِ وجْهٍ بالعُمومِ الَّذي في قولِه: عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وهو بذلك العُمومِ أشبَهَ التَّذييلَ .
2- قوله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا
     - قولُه: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا اعتراضٌ أُريدَ به الموعظةُ والعِبرةُ للمُؤمِنينَ، بأنَّ ما فيه المُشرِكون من النِّعمةِ من مالٍ وبنينَ ما هو إلَّا زينةُ الحياةِ الدُّنيا الَّتي علِمْتُم أنَّها إلى زوالٍ، كقولِه تعالى: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ [آل عمران: 196، 197]، وأنَّ ما أعَدَّ اللهُ للمُؤمِنين خيرٌ عندَ اللهِ وخيرٌ أملًا. والاغتباطُ بالمالِ والبنينَ عادةٌ معروفةٌ في العربِ ؛ فقولُه: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بَيانٌ لشأنِ ما كانوا يَفتخِرون به من مُحسِّناتِ الحياةِ الدُّنيا، كما قال الرجلُ الكافرُ: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا، إثْرَ بَيانِ شأْنِ نفْسِها بما مَرَّ من المثَلِ .
     - وتَقديمُ المالِ هنا على البنينَ مع كونِهم أعَزَّ منه، كما في الآيةِ المحكيةِ آنفًا، وقولِه تعالى: وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ [الإسراء: 6]، وغيرِ ذلك من الآياتِ الكريمةِ؛ لأنَّه أسبَقُ خُطورًا لأذهانِ النَّاسِ؛ لأنَّه يرغَبُ فيه الصَّغيرُ والكبيرُ، والشَّابُّ والشَّيخُ، ومَن له من الأولادِ ما قد كفاهُ ، ولعَراقتِه فيما نِيطَ به مِن الزِّينةِ والإمدادِ وغيرِ ذلك، وعُمومِه بالنِّسبةِ إلى الأفرادِ والأوقاتِ؛ فإنَّه زينةٌ، وممدٌّ لكلِّ أحدٍ مِن الآباءِ والبنينَ في كلِّ وقتٍ وحينٍ، وأمَّا البنونَ فزينتُهم وإمدادُهم إنَّما يكونُ بالنِّسبةِ إلى مَن بلَغَ مبلغَ الأُبوَّةِ، ولأنَّ المالَ مناطٌ لبقاءِ النَّفسِ، والبنينَ لبقاءِ النَّوعِ، ولأنَّ الحاجةَ إليه أمسُّ مِن الحاجةِ إليهم، ولأنَّه أقدَمُ منهم في الوُجودِ، ولأنَّه زِينةٌ بدونِهم مِن غيرِ عكسٍ؛ فإنَّ مَن له بنونَ بلا مالٍ، فهو في ضِيقِ حالٍ ونَكالٍ ، فالولدُ بعدَ وجودِ المالِ نِعمةٌ ومسرَّةٌ، وعندَ الفقرِ وسُوءِ الحالِ هَمٌّ ومَضرَّة، فهذا مِن بابِ تقديمِ السَّببِ على المسبَّبِ؛ لأنَّ المالَ سببُ تمامِ النِّعمةِ بالولدِ، وأمَّا قوله: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ [آل عمران: 14] ؛ فتقديمُ النِّساءِ على البَنينَ بالسببِ، وتَقدُّمُ الأموالِ على البنينِ بالرُّتبةِ .
     - وأُفْرِدت الزِّينةُ في قولِه: زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا معَ أنَّها مُسْنَدةٌ إلى الاثنينِ؛ لأنَّها مصدرٌ في الأصْلِ أُطلِقَ على المفعولِ مُبالغةً، كأنَّهما نفْسُ الزِّينةِ ، وهذا يُسمَّى بفنِّ الجمْعِ؛ وهو أنْ يجمَعَ المُتكلِّمُ بين شيئينِ أو أكثرَ في حُكْمٍ واحدٍ، وهو واضحٌ في الآيةِ .
     - وفي قولِه: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا مُناسَبةٌ حَسَنةٌ؛ إذ كان مُقْتضَى الظَّاهرِ في تَرتيبِ الوصفينِ: أنْ يُقدَّمَ الصَّالِحَاتُ على وَالْبَاقِيَاتُ؛ لأنَّهما وإنْ كانا وَصفَينِ لموصوفٍ محذوفٍ، إلَّا أنَّ أعرَفَهما في وَصفيَّةِ ذلك المحذوفِ هو الصَّالحاتُ؛ لأنَّه قد شاعَ أنْ يُقالَ: الأعمالُ الصَّالحاتُ، ولا يُقال: الأعمالُ الباقياتُ، ولأنَّ بقاءَها مُترتِّبٌ على صلاحِها، فلا جرَمَ أنَّ (الصَّالحاتِ) وصفٌ قام مَقامَ الموصوفِ، وأغنى عنه كثيرًا في الكلامِ، حتَّى صار لفظُ (الصَّالحات) بمنزلةِ الاسمِ الدَّالِّ على عمَلِ خيرٍ، وخُولِفَ مُقْتضى الظَّاهرِ هنا؛ فقُدِّمَ (الباقياتُ)؛ للتَّنبيهِ على أنَّ ما ذُكِرَ قبْلَه إنَّما كان مفضولًا؛ لأنَّه ليس بباقٍ، وهو المالُ والبنونَ، كقولِه تعالى: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ [الرعد: 26] ، فكان هذا التَّقديمُ قاضيًا لحقِّ الإيجازِ؛ لإغنائِه عن كلامٍ مَحذوفٍ، تَقديرُه: (أنَّ ذلك زائلٌ)، أو: (ما هو بباقٍ)، والباقياتُ مِن الصَّالحاتِ خيرٌ منه، فكان قولُه: فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ [الكهف: 45] مُفيدًا للزَّوالِ بطريقةِ التَّمثيلِ، وهو من دَلالةِ التَّضمُّنِ، وكان قولُه: وَالْبَاقِيَاتُ مُفيدًا زوالَ غيرِها بطريقةِ الالتزامِ ، فحصَلَ دَلالتانِ غيرُ مُطابقتَينِ، وهما أوقَعُ في صِناعةِ البلاغةِ، وحصَلَ بثانيتِهما تأكيدٌ لمُفادِ الأُولى؛ فجاء كلامًا مُؤكَّدًا مُوجَزًا .
     - وإخراجُ بَقاءِ تلك الأعمالِ وصلاحِها مَخرجَ الصِّفاتِ المفروغِ عنها، مع أنَّ حقَّهما أنْ يكونَا مَقصودَيِ الإفادةِ، لا سيَّما في مُقابَلةِ إثباتِ الفَناءِ لِما يُقابِلُها من المالِ والبنينَ على طريقةِ قولِه تعالى: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل: 96] ؛ للإيذانِ بأنَّ بقاءَها أمرٌ مُحقَّقٌ لا حاجةَ إلى بَيانِه، بل لفظُ (الباقيات) اسمٌ له وصفٌ، ولذلك لم يُذْكَرِ الموصوفُ، وإنَّما الَّذي يحتاجُ إلى التَّعرُّضِ له خَيريَّتُها .
     - قولُه: عِنْدَ رَبِّكَ، أي: في الآخرةِ، وهو بَيانٌ لِما يَظهَرُ فيه آثارُ خَيريَّتِها، بمنزلةِ إضافةِ الزِّينةِ إلى الحياةِ الدُّنيا، لا لأفضليَّتِها فيها من المالِ والبنينَ، مع مُشاركةِ الكلِّ في الأصلِ؛ إذ لا مُشاركةَ لهما في الخيريَّةِ في الآخرةِ .
     - قولُه: خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا تَكريرُ خَيْرٌ؛ للإشعارِ باختلافِ حيثيَّةِ الخيريَّةِ والمُبالَغةِ فيها .
     - ومعنى وَخَيْرٌ أَمَلًا أنَّ أمَلَ الآمِلِ في المالِ والبنينَ إنَّما يأمُلُ حُصولَ أمْرٍ مَشكوكٍ في حُصولِه، ومَقصورٍ على مُدَّتِه. وأمَّا الآمِلُ لثَوابِ الأعمالِ الصَّالحةِ، فهو يأمُلُ حُصولَ أمْرٍ موعودٍ به من صادقِ الوعدِ، ويأمُلُ شيئًا تحصُلُ منه منفعةُ الدُّنيا ومَنفعةُ الآخرةِ؛ فكان قولُه: وَخَيْرٌ أَمَلًا بالتَّحقُّقِ والعُمومِ تَذييلًا لِما قبْلَه .