الفرعُ الثَّالِثُ: المَعاني التي يُستَعمَلُ فيها الأمرُ
المَعاني التي يُستَعمَلُ فيها الأمرُ كَثيرةٌ، أوصَلَها المَرداويُّ إلى سِتَّةٍ وثَلاثينَ مَعنى
، وكَثيرٌ مِن هذه المَعاني قد يَكونُ متداخلًا مَعَ غَيرِه في بَعضِ الأحيانِ، وللقَرينةِ أثَرٌ كَبيرٌ في اعتِبارِ وَجهِ الاستِعمالِ وتَحديدِ المَعنى المُرادِ
.
وعَدَّها الغَزاليُّ سِتَّةَ عَشَرَ مَعنًى، ثُمَّ انتَقدَ الزِّيادةَ عليها، فقال: (وهذه الأوجُهُ عَدَّدَها الأُصوليُّونَ شَغَفًا مِنهم بالتَّكثيرِ، وبَعضُها كالمُتَداخِلِ؛ فإنَّ قَولَه: "كُلْ مِمَّا يَليك"
جُعِلَ للتَّأديبِ، وهو داخِلٌ في النَّدَبِ، والآدابُ مَندوبٌ إليها، وقَولُه:
وَتَمَتَّعُوا للإنذارِ، قَريبٌ مِن قَولِه:
اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ الذي هو للتَّهديدِ، ولا نُطَوِّلُ بتَفصيلِ ذلك وتَحصيلِه)
.
ومِن أهَمِّ هذه المَعاني
:1- الوُجوبُ، كقَولِ اللهِ تعالى:
أَقِمِ الصَّلَاةَ [الإسراء: 78] .
2- النَّدبُ: كقَولِ اللهِ تعالى:
فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور: 33] .
3- الإباحةُ، كقَولِ اللهِ تعالى:
وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا [المائدة: 2] .
4- التَّأديبُ: مِثلُ أكلِ الإنسانِ مِمَّا يَليه، كما في قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعُمَرَ بنِ أبي سَلَمةَ:
((يا غُلامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمينِك، وكُلْ مِمَّا يَليك))
.
والفرقُ بَينَ النَّدبِ والتَّأديبِ: هو الفرقُ ما بَينَ العامِّ والخاصِّ؛ لأنَّ الأدَبَ مُتَعَلِّقٌ بمَحاسِنِ الأخلاقِ، والمَندوبَ أعَمُّ
.
5- الإرشادُ: كقَولِ اللهِ تعالى:
وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق: 2] ، وقَولِه:
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ [البقرة: 282] .
والفرقُ بَينَ الإرشادِ والنَّدبِ: أنَّ المَندوبَ مَطلوبٌ لمَنافِعِ الآخِرةِ، والإرشادَ لمَنافِعِ الدُّنيا، فهو فِعلٌ مُتَعَلِّقٌ بغَرَضِ الفاعِلِ ومَصلَحةِ نَفسِه
.
6- الإكرامُ: كقَولِ اللهِ تعالى:
ادْخُلُوها بِسَلَامٍ آمِنِينَ [الحجر: 46] .
7- التَّسخيرُ: كقَولِ اللهِ تعالى:
كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة: 65] .
8- التَّعجيزُ: كقَولِ اللهِ تعالى:
قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا [الإسراء: 50] .
9- الامتِنانُ، كقَولِ اللهِ تعالى:
وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ [المائدة: 88] .
10- التَّهديدُ، كقَولِ اللهِ تعالى:
اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [فصلت: 40] .
11- الإهانةُ، كقَولِ اللهِ تعالى:
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان: 49] .
12- الدُّعاءُ، كقَولِ: (اللهُمَّ اغفِرْ لي).
13- التَّمَنِّي، كقَولِ الشَّاعِرِ: ألَا أيُّها اللَّيلُ الطَّويلُ ألَا انجلِ
.
14- الاعتِبارُ والتَّنبيهُ: كقَولِ اللهِ تعالى:
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا [النمل: 69] .
15- التَّحسيرُ: كقَولِه تعالى:
قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ [آل عمران: 119] .
وصيغةُ (افعَلْ) تُستَعمَلُ في المَعاني السَّابِقةِ، لَكِنَّها لَيسَت حَقيقةً في جَميعِها. وقدِ اختَلَف الأُصوليُّونَ فيما تُفيدُه الصِّيغةُ مِن هذه المَعاني حَقيقةً، فمَدارُ الخِلافِ بَينَهم هو المَعنى الحَقيقيُّ للأمرِ
.