موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الثَّاني: صيغَ الأمرِ وما تُفيدُه


للأمرِ صيغةٌ مَوضوعةٌ له تَدُلُّ عليه حَقيقةً، وهيَ تَدُلُّ بمَجرَّدِها على كَونِها أمرًا إذا تَعَرَّت عنِ القَرائِنِ، وهيَ: (افعَلْ) للحاضِرِ، و(ليَفعَلْ) للغائِبِ .
بَيانُ صيَغِ الأمرِ كما يَلي :
1- فِعلُ الأمرِ، مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى: اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [الأنعام: 106] ، وقَولِ اللهِ تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة 110].
ومِثلُ قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صَلُّوا كما رَأيتُموني أُصَلِّي)) .
2- الفِعلُ المُضارِعُ المُقتَرِنُ بلامِ الأمرِ، مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق: 7]، وقَولِ اللهِ تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185] .
3- المَصدَرُ النَّائِبُ عن فِعلِ الأمرِ، وهو المَصدَرُ المَجعولُ جَزاءَ الشَّرطِ بحَرفِ الفاءِ، مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [النساء: 92] أي: فحَرِّروا، وقَولِ اللهِ تعالى: فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ [محمد: 4] ، فلَفظُ ضَرْبَ مَصدَرٌ نابَ عن فِعلِ الضَّربِ، والمَعنى: فاضرِبوا الرِّقابَ.
4- اسمُ فِعلِ الأمرِ، مِثلُ (مَهـ)، و(عليكُم)، مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ [المائدة: 105] ، أيِ الزَموا أنفُسَكُم.
وقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَهْ، عليكُم ما تُطيقونَ مِنَ الأعمالِ؛ فإنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حتَّى تَمَلُّوا)) .
5- الجُملةُ الخَبَريَّةُ التي يُقصَدُ منها الطَّلَبُ، مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة: 233] ، فالمَقصودُ الأمرُ بالإرضاعِ وطَلَبُه مِنَ الوالِداتِ.
وذَكَر بَعضُ الأُصوليِّينَ أنَّ الأمرَ قد يَأتي بمَعنى الخَبَرِ، مِثلُ قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا لم تَستَحْيِ فاصنَعْ ما شِئتَ)) ، أي: صَنَعتَ ما شِئتَ .

انظر أيضا:

  1. (1) قال ابنُ قُدامةَ: (للأمرِ صيغةٌ مُبَيِّنةٌ، فتَدُلُّ بمَجرَّدِها على كَونِها أمرًا إذا تَعَرَّت عنِ القَرائِنِ، وهيَ: "افعَلْ" للحاضِرِ، "وليَفعَلْ" للغائِبِ. هذا قَولُ الجُمهورِ). ((روضة الناظر)) (1/543). ويُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/354)، ((شرح مختصر أصول الفقهـ)) للجراعي (2/329).
  2. (2) يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (3/274)، ((مذكرة أصول الفقهـ)) لمحمد الأمين الشنقيطي (ص: 294)، ((أصول الفقهـ)) لعياض السلمي (ص: 220)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/22).
  3. (3) أخرجه البخاري (631) من حديثِ مالِكِ بنِ الحُوَيرِثِ رَضِيَ اللهُ عنه، ولَفظُه: أتَينا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونَحنُ شَبَبةٌ مُتَقارِبونَ، فأقَمنا عِندَه عِشرينَ يَومًا وليلةً، وكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَحيمًا رَفيقًا، فلمَّا ظَنَّ أنَّا قدِ اشتَهَينا أهلَنا -أو قدِ اشتَقنا- سَألَنا عَمَّن تَرَكْنا بَعدَنا، فأخبَرْناه، قال: ارجِعوا إلى أهليكُم، فأقيموا فيهم وعَلِّموهم ومُروهم وذَكَرَ أشياءَ أحفَظُها أو لا أحفَظُها- وصَلُّوا كَما رَأيتُموني أُصَلِّي، فإذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فليُؤَذِّنْ لكُم أحَدُكُم، وليَؤُمَّكُم أكبَرُكُم.
  4. (4) أخرجه البخاري معلقًا بصيغةِ الجَزم (1151) واللَّفظُ له، وأخرجه موصولًا مُسلِم (785) باختِلافٍ يَسيرٍ من حديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها.
  5. (5) أخرجه البخاري (3484) من حديثِ أبي مَسعودٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه.
  6. (6) يُنظر: ((منهاج الوصول)) للبيضاوي (ص: 112)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (4/1029).