موسوعة الآداب الشرعية

عاشرًا: رَحمَتُهم والشَّفقةُ عليهم والرِّفقُ بهم


يَنبَغي أن يَكونَ المُرَبِّي رَحيمًا شَفيقًا رَفيقًا رَقيقًا، والأصلُ في تَربيةِ الأولادِ: هو الرَّحمةُ، والشَّفَقةُ، والتَّلطُّفُ، والتَّحَبُّبُ، والتَّحَنُّنُ، والإحسانُ، والرِّفقُ، واللِّينُ، لا الشِّدَّةُ والعِقابُ؛ فإنَّ هذا استِثناءٌ وطارِئٌ، وله شُروطٌ وضَوابطُ وقَواعِدُ [180] لبَيانِ قَواعِدِ العِقابِ وضَوابِطِه، وأنواعِ العِقابِ المَرفوضِ. يُنظر كِتاب: ((التربية بالعقاب)) لمحمد بن إسماعيل المقدم. .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكتابِ
1-قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159] .
2-قال تعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13] .
قَولُه: يَا بُنَيَّ فيه أنَّه خاطَبَه بأحَبِّ ما يُخاطَبُ به، مع إظهارِ التَّرحُّمِ والتَّحَنُّنِ والشَّفَقةِ؛ لِيَكونَ ذلك أدعى لِقَبولِ النُّصحِ، وفيه مُلاطَفةُ المخاطَبِ لاستِدعاءِ قَبولِه لِمَا يُوَجَّهُ إليه [181] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/161)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة لقمان)) (ص: 80). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عياضٍ المجاشِعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال ذاتَ يَومٍ في خُطبَتِه: ألا إنَّ رَبِّي أمَرَني أن أُعَلِّمَكُم ما جَهِلتُم مِمَّا عَلَّمَني يَومي هذا:...، قال: وأهلُ الجَنَّةِ ثَلاثةٌ: ذو سُلطانٍ مُقسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، ورَجُلٌ رَحيمٌ رَقيقُ القَلبِ لكُلِّ ذي قُربى ومُسلِمٍ، وعَفيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذو عيالٍ)) [182] أخرجه مسلم (2865). .
2- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إنَّ الرِّفقَ لا يَكونُ في شَيءٍ إلَّا زانَه، ولا يُنزَعُ مِن شَيءٍ إلَّا شانَهـ)) [183] أخرجه مسلم (2594). .
وفي حَديثٍ آخَرَ: ((يا عائِشةُ، إنَّ اللَّهَ رَفيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، ويُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على العُنفِ، وما لا يُعطي على ما سِواهـ)) [184] أخرجه مسلم (2593). .
وفي حَديثٍ آخَرَ عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ في بَيتي هذا: ((اللهُمَّ مَن وَليَ مِن أمرِ أُمَّتي شَيئًا فشَقَّ عليهم فاشقُقْ عليه، ومَن وَليَ مِن أمرِ أُمَّتي شَيئًا فرَفَقَ بهم فارفُقْ بهـ)) [185] أخرجه مسلم (1828). .
وفي حَديثِ أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن أُعطيَ حَظَّه مِنَ الرِّفقِ فقد أُعطِيَ حَظَّه مِنَ الخَيرِ، ومَن حُرِمَ حَظَّه مِنَ الرِّفقِ فقد حُرِمَ حَظَّه مِنَ الخَيرِ)) [186] أخرجه الترمذي (2013) واللَّفظُ له، وأحمد (27553) مُطوَّلًا دونَ ذِكر "ومَن حُرِم..". صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح الأدب المفرد)) (361)، وقال الترمذيُّ: حَسَنٌ صحيحٌ، وقال شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (27553): بَعضُه صحيحٌ، وبَعضُه صحيحٌ لغَيرِه. .
وفي حَديثِ جَريرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن يُحرَمِ الرِّفقَ يُحرَمِ الخَيرَ)) [187] أخرجه مسلم (2592). .
3- عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((خَيرُ نِساءٍ رَكِبنَ الإبِلَ صالحُ نِساءِ قُرَيشٍ؛ أحناه على ولَدٍ في صِغَرِه، وأرعاه على زَوجٍ في ذاتِ يَدِهـ)) [188] أخرجه البخاري (5365)، ومسلم (2527) واللفظ له. .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (يَعني بالصَّلاحِ هنا: صَلاحَ الدِّينِ، وصَلاحَ المُخالَطةِ للزَّوجِ وغَيرِه، كما دلَّ عليه قولُه صلى الله عليه وسلم: «أحناه على يتيمٍ ووَلَدٍ، وأرعاه على زَوجٍ»، والحُنوُّ: الشَّفَقةُ. والرَّعيُ: الحِفظُ والصِّيانةُ) [189] ((المفهم)) (6/ 479). .
وقال عِياضٌ: (فيه أنَّ هذه خِصالٌ حَميدةٌ في النِّساءِ مِنَ الحُنوِّ على أولادِهنَّ، وذلك يقتَضي حُسنَ تَربيَتِهم، والرِّفقَ بهم، والإحسانَ والقيامَ عليهم في بَيتِهم، وتَركَ التَّزويجِ بَعدَ مَوتِ أبيهم) [190] ((إكمال المعلم)) (7/ 565). .
(وفيه أنَّ الشَّفقةَ على الأولادِ مُرادَّة للشَّارِعِ فيمَن يُرادُ نِكاحُها) [191] ((التَّنوير)) للصنعاني (6/ 26). .
4- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((جاءَ أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: تُقَبِّلونَ الصِّبيانَ؟ فما نُقَبِّلُهم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوَ أَملِكُ لك أن نَزعَ اللهُ مِن قَلبِك الرَّحمةَ؟!)) [192] أخرجه البخاري (5998). .
وفي رِوايةٍ: ((قَدِمَ ناسٌ مِنَ الأعرابِ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا: أتُقَبِّلونَ صِبيانَكُم؟ فقالوا: نَعَم، فقالوا: لكِنَّا واللَّهِ ما نُقَبِّلُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وأَملِكُ إن كان اللَّهُ نَزع مِنكُمُ الرَّحمةَ؟!)) [193] أخرجه مسلم (2317). .
(في هذا الحَديثِ: الشَّفَقةُ على الأولادِ، وتَقبيلُهم ورَحمَتُهم) [194] ((تطريز رياض الصالحين)) لفيصل المبارك (ص: 174). .
وفي حَديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ الأقرَعَ بنَ حابسٍ أبصَرَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقَبِّلُ الحَسَنَ، فقال: إنَّ لي عَشَرةً مِنَ الوَلَدِ ما قَبَّلتُ واحِدًا مِنهم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّه مَن لا يَرحَمْ لا يُرحَمْ)) [195] أخرجه البخاري (5997)، ومسلم (2318) واللَّفظُ له. .
قال ابنُ المُلقِّنِ: (لا شَكَّ أنَّ رَحمةَ الصَّغيرِ ومُعانَقَتَه وتَقبيلَه والرِّفقَ به مِنَ الأعمالِ التي يَرضاها اللهُ ويُجازي عليها، ألَا تَرى قَولَه للأقرَعِ بنِ حابسٍ حينَ ذَكَرَ ما ذَكَرَ: "مَن لا يَرحَمْ لا يُرحَمْ"؛ فدَلَّ على أنَّ تَقبيلَ الوَلَدِ الصَّغيرِ وحَملَه والتَّحَفِّيَ به مِمَّا يُستَحَقُّ به رَحمةُ اللهِ، ألَا تَرى حَملَه عليه السَّلامُ أُمامةَ على عاتِقِه في الصَّلاةِ [196] عن أبي قَتادةَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصَلِّي وهو حامِلٌ أُمامةَ بنتَ زَينَبَ بنتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولأبي العاصِ بنِ رَبيعةَ بنِ عَبدِ شَمسٍ، فإذا سَجَدَ وَضَعها، وإذا قامَ حَمَلها)). أخرجه البخاري (516). وفي رِوايةٍ: ((رَأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي للنَّاسِ، وأُمامةُ بنتُ أبي العاصِ على عُنُقِه، فإذا سَجَدَ وضَعَها)). أخرجها مسلم (543). قال ابنُ حَجَرٍ: (فيه تَواضُعُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وشَفقَتُه على الأطفالِ وإكرامُه لهم جَبرًا لهم ولوالِديهم). ((فتح الباري)) (1/ 592). ، وهيَ أفضَلُ الأعمالِ عِندَ اللهِ، وقد أمَرَ عليه السَّلامُ بلُزومِ الخُشوعِ فيها والإقبالِ عليها، ولم يَكُنْ حَملُه لها في الصَّلاةِ مِمَّا يُضادُّ الخُشوعَ المَأمورَ به فيها، وكَرِهَ أن يَشُقَّ عليها لو تَرَكَها ولم يَحمِلْها في الصَّلاةِ.
وفي فِعلِه ذلك أعظَمُ الأُسوةِ لنا، فيَنبَغي الاقتِداءُ به في رَحمةِ صِغارِ الوَلَدِ وكِبارِهم، والرِّفقِ بهم) [197] ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) (28/ 295، 296). .
5- عن عبدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ، عن أبيه قال: ((خرج علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في إحدى صلاتَيِ العِشاءِ، وهو حامِلٌ حَسَنًا أو حُسَينًا، فتقَدَّم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فوضَعَه، ثمَّ كبَّر للصَّلاةِ، فصَلَّى، فسَجَد بَينَ ظهرانَيْ صلاتِه سَجدةً أطالها، قال أبي: فرفعتُ رأسي، وإذا الصَّبيُّ على ظَهرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو ساجِدٌ، فرجعتُ إلى سُجودي، فلمَّا قضى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّلاةَ، قال النَّاسُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّك سجَدْتَ بَينَ ظهرانَيْ صلاتِك سجدةً أطَلْتَها، حتى ظنَنَّا أنَّه قد حدَث أمرٌ، أو أنَّه يُوحى إليك. قال: كُلُّ ذلك لم يكُنْ، ولكِنَّ ابني ارتحَلَني [198] ارتحَلَني: أي: جَعَلني كالرَّاحِلةِ، فرَكِبَ على ظَهري. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 209). فكَرِهتُ أن أُعجِلَه حتَّى يَقضيَ حاجَتَهـ)) [199] أخرجه النسائي (1141) واللَّفظُ له، وأحمد (16033). صَحَّحه الحاكِمُ في ((المستدرك)) (4839) وقال: على شَرطِ الشَّيخَينِ، والألبانيّ في ((صحيح سنن النسائي)) (1141)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (475)، وصَحَّحَ إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (16033)، وذَكَر ثُبوتَه ابنُ باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (9/291). .
قال الغَزاليُّ: (وفيه الرِّفقُ بالوَلَدِ والبِرُّ وتَعليمٌ لأُمَّتِهـ) [200] ((إحياء علوم الدين)) (2/ 218). .
6-عن عبدِ اللهِ بنِ بُرَيدةَ، عن أبيه رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((خَطَبَنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأقبَل الحَسَنُ والحُسَينُ رَضِيَ اللهُ عنهما، عليهما قَميصانِ أحمَرانِ يَعثُرانِ ويَقومانِ، فنَزَل فأخَذَهما، فصَعِدَ بهما المِنبَرَ، ثُمَّ قال: "صَدَقَ اللهُ: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن: 15] ، رَأيتُ هَذَين فلم أصبِرْ، ثُمَّ أخَذَ في الخُطبةِ)) [201] أخرجه أبو داود (1109) واللَّفظُ له، والترمذي (3774)، والنسائي (1413). صَحَّحه ابنُ خُزَيمة في ((صحيحهـ)) (2/564)، وابن حبان في ((صحيحهـ)) (6039)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (1073)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1109). .
7- عن جابِرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((صَلَّيتُ مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَلاةَ الأولى، ثُمَّ خَرَجَ إلى أهلِه وخَرَجتُ مَعَه، فاستَقبَله وِلْدانٌ، فجَعَل يَمسَحُ خَدَّي أحَدِهم واحِدًا واحِدًا، قال: وأمَّا أنا فمَسَح خَدِّي، قال: فوجَدتُ ليَدِه بَردًا أو ريحًا كَأنَّما أخرَجَها مِن جُؤنةِ عَطَّارٍ)) [202] أخرجه مسلم (2329). .
قال النَّوويُّ: (قَولُه: "صَلاةَ الأولى" يَعني الظُّهرَ. والوِلْدانُ: الصِّبيانُ، واحِدُهم وَليدٌ.
وفي مَسحِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصِّبيانَ بَيانُ حُسنِ خُلُقِه ورَحمَتِه للأطفالِ ومُلاطَفتِهم، وفي هذه الأحاديثِ بَيانُ طِيبِ ريحِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو مِمَّا أكرَمَه اللهُ تعالى، قال العُلماءُ: كانت هذه الرِّيحُ الطَّيِّبةُ صِفتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإن لم يَمَسَّ طِيبًا، ومَعَ هذا فكان يَستَعمِلُ الطِّيبَ في كَثيرٍ مِنَ الأوقاتِ مُبالغةً في طيبِ ريحِه لمُلاقاةِ المَلائِكةِ وأخذِ الوَحيِ الكَريمِ ومُجالسةِ المُسلمينَ.
قَولُه: "كَأنَّما أُخرِجَت مِن جُؤنةِ عَطَّارٍ"... هيَ السَّقَطُ الذي فيه مَتاعُ العَطَّارِ) [203] ((شرح مسلم)) (15/ 85). .
8- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّها قالت: ((جاءَتني مِسكينةٌ تَحمِلُ ابنَتَينِ لها، فأطعَمتُها ثَلاثَ تَمَراتٍ، فأعطَت كُلَّ واحِدةٍ مِنهما تَمرةً، ورَفعَت إلى فيها تَمرةً لتَأكُلَها، فاستَطعَمَتها ابنَتاها، فشَقَّتِ التَّمرةَ التي كانت تُريدُ أن تَأكُلَها بَينَهما، فأعجَبَني شَأنُها، فذَكَرتُ الذي صَنَعَت لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنَّ اللَّهَ قد أوجَبَ لها بها الجَنَّةَ، أو أعتَقَها بها مِنَ النَّارِ)) [204] أخرجه مسلم (2630). .
9- عن عَبَّادِ بنِ شُرَحبيلَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أصابَتني سَنةٌ [205] أي: قحطٌ وحاجةٌ. يُنظر: ((التحبير لإيضاح معاني التيسير)) للصنعاني (7/ 609). فدَخَلتُ حائِطًا [206] الحائطُ: البُستانُ. ينظر: ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (1/ 364). مِن حيطانِ المَدينةِ ففرَكتُ سُنبُلًا، فأكَلتُ وحَمَلتُ في ثَوبي، فجاءَ صاحِبُه فضَرَبَني وأخَذَ ثَوبي، فأتَيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال له: "ما عَلَّمتَ إذ كان جاهلًا، ولا أطعَمتَ إذ كان جائِعًا -أو قال: ساغِبًا [207] ساغِبًا: أي: جائِعًا، والسَّغَبُ: الجوعُ، يُقالُ: سَغَبَ الرَّجُلُ يَسغَبُ سَغَبًا وسُغوبًا: إذا جاعَ، ومنه قَولُه تعالى: أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ [البلد: 14] أي: ذي مَجاعةٍ. يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 528). ، وأمَره فرَدَّ عليَّ ثَوبي، وأعطاني وَسقًا أو نِصفَ وَسقٍ مِن طَعامٍ)) [208] أخرجه أبو داود (2620) واللفظ له، والنسائي (5409)، وابن ماجه (2298). صَحَّحه القُرطُبيُّ المُفسِّرُ في ((التفسير)) (3/37)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2620)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (536)، وصَحَّحَ إسناده الحاكِم في ((المستدرك)) (7384)، وابن حجر في ((الإصابة)) (2/265). .
10- عن مُعاويةَ بنِ الحَكَمِ السُّلَميِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((بَيْنا أنا أُصَلِّي مع رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ عَطَس رجُلٌ من القومِ، فقُلتُ: يرحمُك اللَّهُ! فرماني القومُ بأبصارِهم، فقُلتُ: واثُكْلَ أُمِّيَاه [209] الثُّكلُ: الحُزنُ لفقدِ الوَلَدِ. والمَرأةُ الثَّكلى: الفاقِدةُ لوَلَدِها، الحَزينةُ عليه. وأمِّيَاه: مُضافٌ إلى ثُكلٍ، وكِلاهما مُنادى مَندوبٌ، وأمِّياه أصلُه: أُمِّي، زيدَت عليها الألفُ لمَدِّ الصَّوتِ، وأُردِفَت بهاءِ السَّكتِ الثَّابتةِ في الوقفِ، المَحذوفةِ في الوَصلِ. يُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (2/ 137، 138). ! ما شأنُكم تَنظُرون إليَّ؟! فجَعَلوا يَضرِبون بأيديهم على أفخاذِهم، فلمَّا رأيتُهم يُصَمِّتُونني لكِنِّي سكَتُّ، فلمَّا صلَّى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فبأبي هو وأمي، ما رأيتُ مُعَلِّمًا قَبلَه ولا بعدَه أحسنَ تعليمًا منه، فواللهِ ما كَهَرني [210] أي: ما انتَهَرَني ولا أغلظَ لي، وقيل: الكَهرُ: استِقبالُك الإنسانَ بالعُبوسِ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخَطابيِّ (1/ 221، 222). ولا ضرَبني، ولا شتَمَني. قال: إنَّ هذه الصَّلاةَ لا يَصلُحُ فيها شيءٌ من كلامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسبيحُ والتَّكبيرُ وقراءةُ القرآنِ، أو كَما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم...)) الحَديثَ [211] أخرجه مسلم (537). .
11- عن أبي أُمامةَ الباهِليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((إنَّ فتًى شابًّا أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، ائذَنْ لي بالزِّنا، فأقبَل القَومُ عليه فزَجَروه وقالوا: مَه مَه [212] مَهْ: بفَتحِ ميمٍ وسكونِ هاءٍ: اسمُ فِعلٍ بمعنى اكفُفْ وامتَنِعْ عن ذلك، فهي كَلِمةُ زَجرٍ، قيل: أصلُه: ما هذا، ثمَّ حُذِف استِخفافًا، وتقالُ مكرَّرةً ومُفردةً. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (4/ 65)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (7/ 3054). ! فقال: ادْنُه، فدَنا مِنه قَريبًا. قال: فجَلسَ قال: أتُحِبُّه لأُمِّك؟ قال: لا واللَّهِ، جَعَلني اللهُ فِداءَك. قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لأُمَّهاتِهم. قال: أفتُحِبُّه لابنَتِك؟ قال: لا واللَّهِ يا رَسولَ اللهِ جَعَلني اللهُ فداءَك، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لبَناتِهم. قال: أفتُحِبُّه لأُختِك؟ قال: لا واللَّهِ جَعَلني اللهُ فداءَك. قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لأخَواتِهم. قال: أفتُحِبُّه لعَمَّتِك؟ قال: لا واللَّهِ جَعَلني اللهُ فداءَك. قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لعَمَّاتِهم. قال: أفتُحِبُّه لخالتِك؟ قال: لا واللَّهِ جَعَلني اللهُ فداءَك. قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لخالاتِهم. قال: فوضعَ يَدَه عليه وقال: اللهُمَّ اغفِرْ ذَنبَه، وطَهِّرْ قَلبَه، وحَصِّنْ فرجَه. قال: فلم يَكُنْ بَعدَ ذلك الفتى يَلتَفِتُ إلى شَيءٍ)) [213] أخرجه أحمد (22211) واللَّفظُ له، والطبراني (8/190) (7679)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5032). صَحَّحه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (501)، وصَحَّحَ إسنادَه الألبانيُّ في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (1/712)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (22211)، وجَوَّدَه العِراقيُّ في ((تَخريج الإحياء)) (2/411). .
12- عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قَدِم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المَدينةَ وليس له خادِمٌ، فأخَذَ أبو طَلحةَ بيَدي، فانطَلقَ بي حتَّى أدخَلَني على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا نَبيَّ اللهِ، إنَّ أنسًا غُلامٌ كَيِّسٌ لبيبٌ، فليَخدُمْك. قال: فخَدَمتُه في السَّفَرِ والحَضَرِ، مَقدَمَه المَدينةَ حتَّى توُفِّيَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ما قال لي لشيءٍ صَنَعتُ: لمَ صَنَعتَ هذا هكذا؟ ولا قال لي لشَيءٍ لم أصنَعْه: ألَا صَنَعتَ هذا هكذا؟)) [214] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (164). صحَّحه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (122). والحديثُ أصلُه في ((صحيح البخاري)) (2768)، ومسلم (2309)، ولفظ البُخاريّ: (قَدِمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المَدينةَ ليس له خادِمٌ، فأخَذَ أبو طَلحةَ بيَدي، فانطَلقَ بي إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أَنَسًا غُلامٌ كيِّسٌ، فليَخدُمْك. قال: فخَدَمتُه في السَّفَرِ والحَضَرِ، ما قال لي لشَيءٍ صَنعتُه: لمَ صَنَعتَ هذا هكذا؟ ولا لشيءٍ لم أصنَعْه: لمَ لمْ تَصنَعْ هذا هكذا؟). .
وفي رِوايةٍ: ((خَدَمتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَشرَ سِنينَ، فما قال لي: أفٍّ قَطُّ، وما قال لشيءٍ صَنعتُه: لمَ صَنَعتَه، ولا لشيءٍ تَرَكتُه: لم تَرَكتَه، وكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أحسَنِ النَّاسِ خُلُقًا...)) [215] أخرجها الترمذي (2015) واللفظ له، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (352)، ومحمد بن نصر المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (879). صحَّحها ابنُ عساكر في ((معجم الشيوخ)) (1/463)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2015). .
وفي حَديثٍ آخَرَ قال أنسٌ رَضِيَ اللهُ عنه: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أحسَنِ النَّاسِ خُلقًا، فأرسَلني يومًا لحاجةٍ، فقُلتُ: واللهِ لا أذهَبُ، وفي نَفسي أن أذهَبَ لِما أمَرني به نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم، قال: فخرجْتُ حتَّى أُمَرَّ على صِبيانٍ وهم يلعَبونَ في السُّوقِ، فإذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم قابِضٌ بقَفاي مِن وَرائي! فنظرْتُ إليه وهو يضحَكُ، فقال: يا أُنَيسُ، اذهَبْ حيثُ أمرْتُك، قُلتُ: نعَم، أنا أذهَبُ يا رسولَ اللهِ، قال أنسٌ: واللهِ لقد خدَمْتُه سبعَ سنينَ أو تِسعَ سنينَ، ما عَلِمتُ قال لشيءٍ صنعتُ: لِمَ فعَلتَ كذا وكذا؟ ولا لشيءٍ تركتُ: هلَّا فعَلتَ كذا وكذا!)) [216] أخرجه البخاري (6038) مختصَرًا، ومسلم (2309، 2310) واللفظ له. .

انظر أيضا: