موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: اختيارُ الزَّوجةِ


يَنبَغي للرَّجلِ أن يَختارَ زَوجةً صالحةً ذاتَ خُلُقِ عاقِلةً؛ فإنَّ مَنِ ابتَغي نَباتًا صالحًا طَلَب تُربةً طَيِّبةً، ومِن أوَّلِ حَقِّ الولدِ على الوالدِ أن يَنتَقيَ أُمَّه [9] قال الماوَرْديُّ: (مِن أوَّلِ حَقِّ الوَلَدِ أن يَنتَقيَ أُمَّه، ويَتَخَيَّرَ قَبلَ الاستيلادِ مِنهنَّ الجَميلةَ الشَّريفةَ الدَّيِّنةَ العَفيفةَ العاقِلةَ لأُمورِها، المَرَضيَّةَ في أخلاقِها، المُجَرَّبةَ بحُسنِ العَقلِ وكَمالِه، المواتيةَ لزَوجِها في أحوالِه... فالواجِبُ عليه أن يَطلُبَ الوَلَدَ على ما جاءَت به السُّنَّةُ ووصَفه أهلُ الحِكمةِ... وأن يَنويَ في ذلك كُلِّه نيَّةَ الولدِ، وأن يَتَعَوَّذَ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ، ويَنويَ في الولدِ أنَّ اللَّهَ لعَلَّه يَرزُقُه مَن يَعبُدُ اللَّهَ ويوحِّدُه، ويُجري على يَدَيه صَلاحَ الخَلقِ وإقامةَ الحَقِّ وتَأييدَ الصِّدقِ، ومَنفعةَ العِبادِ وعِمارةَ البلادِ. ورُوِيَ عن عَمرِو بنِ عبيدٍ أنَّه قال لامرَأتِه وهيَ تُرضِعُ ابنًا لها: لا يَكونَنَّ رَضاعُك لوَلَدِك كرَضاعِ البَهيمةِ وَلَدَها، قد عَطَفت عليه مِنَ الرَّحمةِ بالرَّحِمِ، ولكِن أرَضِعيه تَتَوخَّينَ ابتِغاءَ ثَوابِ اللهِ، وأن يَحيا برَضاعِك خَلقٌ عَسى أن يوحِّدَ اللَّهَ ويَعبُدَهـ). ((نصيحة الملوك)) (ص: 164، 166). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1-عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((تُنكَحُ المَرأةُ لأربَعٍ: لمالِها ولحَسَبِها وجَمالِها ولدينِها؛ فاظفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَداك)) [10] أخرجه البخاري (5090) واللَّفظُ له، ومسلم (1466). .
2- عن ثَوبانَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((لمَّا نَزَلَت وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ [التوبة: 34] ، قال: كُنَّا مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بَعضِ أسفارِه، فقال بَعضُ أصحابِه: أُنزِلَت في الذَّهَبِ والفِضَّةِ، لَو عَلِمْنا أيُّ المالِ خَيرٌ فنَتَّخِذَه! فقال: أفضَلُه لِسانٌ ذاكِرٌ، وقَلبٌ شاكِرٌ، وزَوجةٌ مُؤمِنةٌ تُعينُه على إيمانِهـ)) [11] أخرجه الترمذي (3094) واللفظ له، وأحمد (22392). صحَّحه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (1499)، وحَسَّنه الترمذي، وحَسَّنه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (22392). .
وفي رِوايةٍ عن ثَوبانَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((لَمَّا نَزَل في الفِضَّةِ والذَّهَبِ ما نَزَل، قالوا: فأيَّ المالِ نَتَّخِذُ؟ قال عُمَرُ: فأنا أعلَمُ لَكُم ذلك، فأوضَعَ [12] يقال: قد أوضَعَ الرَّاكِبُ، ووَضع: إذا أسرَعَ. يُنظر: ((الزاهر)) لابن الأنباري (1/ 79) و (2/ 36). على بَعيرِه، فأدرَكَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنا في أثَرِه [13] يقال: ذَهَب في إثْرِ فلانٍ وفي أَثَرِه: إذا تَبِعَه عن قُربٍ، وكان هذا في إثرِ ذاك: إذا جاء بَعدَه. يُنظر: ((شمس العلوم)) لنشوان الحميري (1/ 174)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/ 4). ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، أيَّ المالِ نَتَّخِذُ؟ فقال: ليَتَّخِذْ أحَدُكُم قَلبًا شاكِرًا، ولسانًا ذاكِرًا، وزَوجةً مُؤمِنةً تُعينُ أحَدَكُم على أمرِ الآخِرةِ)) [14] أخرجها ابنُ ماجه (1856) واللفظ له، وأحمد (22437). حَسَّنها لغيرها شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (22437). وذهب إلى تصحيحِها الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجهـ)) (1856). .
3- عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((خَيرُ نِساءٍ رَكِبنَ الإبِلَ صالحُ نِساءِ قُرَيشٍ؛ أحناه على ولَدٍ في صِغَرِه، وأرعاه على زَوجٍ في ذاتِ يَدِهـ)) [15] أخرجه البخاري (5365)، ومسلم (2527) واللفظ له. .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (يَعني بالصَّلاحِ هنا: صَلاحَ الدِّينِ، وصَلاحَ المُخالَطةِ للزَّوجِ وغَيرِه... والحُنوُّ: الشَّفَقةُ. والرَّعيُ: الحِفظُ والصِّيانةُ) [16] ((المفهم)) (6/ 479). .
وقال عِياضٌ: (فيه أنَّ هذه خِصالٌ حَميدةٌ في النِّساءِ مِنَ الحُنوِّ على أولادِهنَّ، وذلك يقتَضي حُسنَ تَربيَتِهم، والرِّفقَ بهم، والإحسانَ والقيامَ عليهم في بَيتِهم، وتَركَ التَّزويجِ بَعدَ مَوتِ أبيهم. ومُراعاةِ ذاتِ يَدِ زَوجِها، وذلك يقتَضي الحيطةَ على مالِه والأمانةَ عليه، وحُسنَ تَدبيرِه في الإنفاقِ) [17] ((إكمال المعلم)) (7/ 565). .
(وفيه أنَّ للنَّسَبِ تأثيرًا في الأخلاقِ، وأنَّ القُرَشيَّاتِ خَيرُ مَن ذُكِرَ لِما ذُكِر، وفيه أنَّ الشَّفَقةَ على الأولادِ مُرادةٌ للشارعِ فيمن يرادُ نِكاحُها، وكذلك رعايةُ ذاتِ يَدِ الزَّوجِ) [18] ((التنوير)) للصنعاني (6/ 26). .

انظر أيضا: